لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ↓
"لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء" وَهُمْ الْيَهُود قَالُوهُ لَمَّا نَزَلَ "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا" وَقَالُوا كَانَ غَنِيًّا مَا اسْتَقْرَضْنَاهُ "سَنَكْتُبُ" نَأْمُر بِكَتْبِ "مَا قَالُوا" فِي صَحَائِف أَعْمَالهمْ لِيُجَازَوْا عَلَيْهِ وَفِي قِرَاءَة بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ "و" نَكْتُب "قَتْلهمْ" بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع "الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُول" بِالنُّونِ وَالْيَاء أَيْ اللَّه لَهُمْ فِي الْآخِرَة عَلَى لِسَان الْمَلَائِكَة "ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق" النَّار وَيُقَال لَهُمْ إذَا أُلْقُوا فِيهَا
"ذَلِكَ" الْعَذَاب "بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ" عَبَّرَ بِهَا عَنْ الْإِنْسَان لِأَنَّ أَكْثَر الْأَفْعَال تُزَاوَل بِهَا "وَأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ" أَيْ بِذِي ظُلْم "لِلْعَبِيدِ" فَيُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ ذَنْب
الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↓
"الَّذِينَ" نَعْت لِلَّذِينَ قَبْله "قَالُوا" لِمُحَمَّدٍ "إنَّ اللَّه" قَدْ "عَهِدَ إلَيْنَا" فِي التَّوْرَاة "أَلَّا نُؤْمِن لِرَسُولٍ" نُصَدِّقهُ "حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار" فَلَا نُؤْمِن لَك حَتَّى تَأْتِينَا بِهِ وَهُوَ مَا يُتَقَرَّب بِهِ إلَى اللَّه مِنْ نِعَم وَغَيْرهَا فَإِنَّ قَبْل جَاءَتْ نَار بَيْضَاء مِنْ السَّمَاء فَأَحْرَقَتْهُ وَإِلَّا بَقِيَ مَكَانه وَعَهِدَ إلَى بَنِي إسْرَائِيل ذَلِكَ إلَّا فِي الْمَسِيح وَمُحَمَّد "قُلْ" لَهُمْ تَوْبِيخًا "قَدْ جَاءَكُمْ رُسُل مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ" بِالْمُعْجِزَاتِ "وَبِاَلَّذِي قُلْتُمْ" كَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى فَقَتَلْتُمُوهُمْ وَالْخِطَاب لِمَنْ فِي زَمَن نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ الْفِعْل لِأَجْدَادِهِمْ لِرِضَاهُمْ بِهِ "فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِي أَنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ عِنْد الْإِتْيَان بِهِ
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ↓
"فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كُذِّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ" الْمُعْجِزَات "وَالزُّبُر وَالْكِتَاب" كَصُحُفِ إبْرَاهِيم وَفِي قِرَاءَة بِإِثْبَاتِ الْبَاء فِيهِمَا "الْمُنِير" الْوَاضِح هُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرُوا
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ↓
"كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ" جَزَاء أَعْمَالكُمْ "يَوْم الْقِيَامَة فَمَنْ زُحْزِحَ" بُعِدَ "عَنْ النَّار وَأُدْخِل الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ" نَالَ غَايَة مَطْلُوبه "وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا" أَيْ الْعَيْش فِيهَا "إلَّا مَتَاع الْغُرُور" الْبَاطِل يَتَمَتَّع بِهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَفْنَى
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ↓
"لَتُبْلَوُنَّ" حُذِفَ مِنْهُ نُون الرَّفْع لِتَوَالِي النُّونَات وَالْوَاو ضَمِير الْجَمْع لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لَتُخْتَبَرُنَّ "فِي أَمْوَالكُمْ" بِالْفَرَائِضِ فِيهَا وَالْحَوَائِج "وَأَنْفُسكُمْ" بِالْعِبَادَاتِ وَالْبَلَاء "وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ" الْيَهُود وَالنَّصَارَى "وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا" مِنْ الْعَرَب "أَذًى كَثِيرًا" مِنْ السَّبّ وَالطَّعْن وَالتَّشْبِيب بِنِسَائِكُمْ "وَإِنْ تَصْبِرُوا" عَلَى ذَلِكَ "وَتَتَّقُوا" بِالْفَرَائِضِ "فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور" أَيْ : مِنْ مَعْزُومَاتهَا الَّتِي يَعْزِم عَلَيْهَا لِوُجُوبِهَا
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ↓
"و" اُذْكُرْ "إذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب" أَيْ الْعَهْد عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة "لَيُبَيِّنُنَّه" أَيْ الْكِتَاب "لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ" أَيْ الْكِتَاب بِالْيَاءِ وَالتَّاء بِالْفِعْلَيْنِ "فَنَبَذُوهُ" طَرَحُوا الْمِيثَاق "وَرَاء ظُهُورهمْ" فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ "وَاشْتَرَوْا بِهِ" أَخَذُوا بَدَله "ثَمَنًا قَلِيلًا" مِنْ الدُّنْيَا مِنْ سَفَلَتهمْ بِرِيَاسَتِهِمْ فِي الْعِلْم فَكَتَمُوهُ خَوْف فَوْته عَلَيْهِمْ "فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ" شِرَاؤُهُمْ هَذَا
لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ↓
"لَا تَحْسَبَن" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُتُوا" فَعَلُوا فِي إضْلَال النَّاس "وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا" مِنْ التَّمَسُّك بِالْحَقِّ وَهُمْ عَلَى ضَلَال "فَلَا تَحْسَبَنهُمْ" فِي الْوَجْهَيْنِ تَأْكِيد "بِمَفَازَةٍ" بِمَكَانٍ يَنْجُونَ فِيهِ "مِنْ الْعَذَاب" مِنْ الْآخِرَة بَلْ هُمْ فِي مَكَان يُعَذَّبُونَ فِيهِ وَهُوَ جَهَنَّم "وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم فِيهَا وَمَفْعُولًا يَحْسَب الْأُولَى دَلَّ عَلَيْهِمَا مَفْعُولَا الثَّانِيَة عَلَى قِرَاءَة التَّحْتَانِيَّة وَعَلَى الْفَوْقَانِيَّة حُذِفَ الثَّانِي فَقَطْ
"وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض" خَزَائِن الْمَطَر وَالرِّزْق وَالنَّبَات وَغَيْرهَا "وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" وَمِنْهُ تَعْذِيب الْكَافِرِينَ وَإِنْجَاء الْمُؤْمِنِينَ
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ ↓
" إن في خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض" وَمَا فِيهِمَا مِنْ الْعَجَائِب "وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار" بِالْمَجِيءِ وَالذَّهَاب وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان "لَآيَات" دَلَالَات عَلَى قُدْرَته تَعَالَى "لِأُولِي الْأَلْبَاب" لِذَوِي الْعُقُول
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ↓
"الَّذِينَ" نَعَتَ لِمَا قَبْله أَوْ بَدَل "يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبهمْ" مُضْطَجِعِينَ أَيْ فِي كُلّ حَال وَعَنْ ابْن عَبَّاس يُصَلُّونَ كَذَلِكَ حَسْب الطَّاقَة "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض" لِيَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى قُدْرَة صَانِعهمَا يَقُولُونَ "رَبّنَا مَا خَلَقْت هَذَا" الْخَلْق الَّذِي نَرَاهُ "بَاطِلًا" حَال عَبَثًا بَلْ دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتك "سُبْحَانك" تَنْزِيهًا لَك عَنْ الْعَبَث
"رَبّنَا إنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار" لِلْخُلُودِ فِيهَا "فَقَدْ أَخْزَيْته" أَهَنْته "وَمَا لِلظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ فِيهِ وُضِعَ الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر إشْعَارًا بِتَخْصِيصِ الْخِزْي بِهِمْ "مِنْ أَنْصَار" يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه تَعَالَى
رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ↓
"رَبّنَا إنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي" يَدْعُو النَّاس "لِلْإِيمَانِ" أَيْ إلَيْهِ وَهُوَ مُحَمَّد أَوْ الْقُرْآن "أَنْ" أَيْ بِأَنْ "آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا" بِهِ "رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَكَفِّرْ" حُطَّ "عَنَّا سَيِّئَاتنَا" فَلَا تُظْهِرهَا بِالْعِقَابِ عَلَيْهَا "وَتَوَفَّنَا" اقْبِضْ أَرْوَاحنَا "مَعَ" فِي جُمْلَة "الْأَبْرَار" الْأَنْبِيَاء الصَّالِحِينَ
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ↓
"رَبّنَا وَآتِنَا" أَعْطِنَا "مَا وَعَدْتنَا" بِهِ "عَلَى" أَلْسِنَة "رُسُلك" مِنْ الرَّحْمَة وَالْفَضْل وَسُؤَالهمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَعْده تَعَالَى لَا يُخْلِف سُؤَال أَنْ يَجْعَلهُمْ مِنْ مُسْتَحِقِّيهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَيَقَّنُوا اسْتِحْقَاقهمْ لَهُ وَتَكْرِير رَبّنَا مُبَالَغَة فِي التَّضَرُّع "وَلَا تُخْزِنَا يَوْم الْقِيَامَة إنَّك لَا تُخْلِف الْمِيعَاد" الْوَعْد بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ↓
"فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ" دُعَاءَهُمْ "أَنِّي" أَيْ بِأَنِّي "لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى بَعْضكُمْ" كَائِن "مِنْ بَعْض" أَيْ الذُّكُور مِنْ الْإِنَاث وَبِالْعَكْسِ وَالْجُمْلَة مُؤَكِّدَة لِمَا قَبْلهَا أَيْ هُمْ سَوَاء فِي الْمُجَازَاة بِالْأَعْمَالِ وَتَرْك تَضْيِيعهَا نَزَلَتْ لَمَّا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة يَا رَسُول اللَّه إنِّي لَا أَسْمَع ذِكْر النِّسَاء فِي الْهِجْرَة بِشَيْءٍ "فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا" مِنْ مَكَّة إلَى الْمَدِينَة "وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي" دِينِي "وَقَاتَلُوا" الْكُفَّار "وَقُتِلُوا" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد وَفِي قِرَاءَة بِتَقْدِيمِهِ "لَأُكَفِّرَن عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ" أَسْتُرهَا بِالْمَغْفِرَةِ "وَلَأُدْخِلَنهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار ثَوَابًا" مَصْدَر مِنْ مَعْنَى لَأُكَفِّرَن مُؤَكِّد لَهُ "مِنْ عِنْد اللَّه" فِيهِ الْتِفَات عَنْ التَّكَلُّم "وَاَللَّه عِنْده حُسْن الثَّوَاب" الْجَزَاء
وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ الْمُسْلِمُونَ : أَعْدَاء اللَّه فِيمَا نَرَى مِنْ الْخَيْر وَنَحْنُ فِي الْجَهْد : "لَا يَغُرَّنك تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا" تَصَرُّفهمْ . "فِي الْبِلَاد" بِالتِّجَارَةِ وَالْكَسْب
هُوَ "مَتَاع قَلِيل" يَتَمَتَّعُونَ بِهِ يَسِيرًا فِي الدُّنْيَا وَيَفْنَى "ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَاد" الْفِرَاش هِيَ
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ↓
"لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبّهمْ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ" أَيْ مُقَدَّرِينَ بِالْخُلُودِ "فِيهَا نُزُلًا" وَهُوَ مَا يُعَدّ لِلضَّيْفِ وَنَصْبه عَلَى الْحَال مِنْ جَنَّات وَالْعَامِل فِيهَا مَعْنَى الظَّرْف "مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا عِنْد اللَّه" مِنْ الثَّوَاب "خَيْر لِلْأَبْرَارِ" مِنْ مَتَاع الدُّنْيَا
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ↓
"وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ" كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه وَالنَّجَاشِيّ "وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ" أَيْ الْقُرْآن "وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ" أَيْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل "خَاشِعِينَ" حَال مِنْ ضَمِير يُؤْمِن مُرَاعَى فِيهِ مَعْنَى مِنْ أَيْ : مُتَوَاضِعِينَ "لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّه" الَّتِي عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ بَعْث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ثَمَنًا قَلِيلًا" مِنْ الدُّنْيَا بِأَنْ يَكْتُمُوهَا خَوْفًا عَلَى الرِّيَاسَة كَفِعْلِ غَيْرهمْ مِنْ الْيَهُود "أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ" ثَوَاب أَعْمَالهمْ "عِنْد رَبّهمْ" يُؤْتَوْنَهُ مَرَّتَيْنِ كَمَا فِي الْقَصَص "إنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب" يُحَاسِب الْخَلْق فِي قَدْر نِصْف نَهَار مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ↓
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا" عَلَى الطَّاعَات وَالْمَصَائِب وَعَنْ الْمَعَاصِي "وَصَابِرُوا" الْكُفَّار فَلَا يَكُونُوا أَشَدّ صَبْرًا مِنْكُمْ "وَرَابِطُوا" أَقِيمُوا عَلَى الْجِهَاد "وَاتَّقُوا اللَّه" فِي جَمِيع أَحْوَالكُمْ "لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" تَفُوزُونَ بِالْجَنَّةِ وَتَنْجُونَ مِنْ النَّار