سُورَة آل عِمْرَان [ مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا مِائَتَانِ أَوْ إلَّا آيَة نَزَلَتْ بَعْد الْأَنْفَال ]
"الم" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ .
"الم" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ .
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ↓
"نَزَّلَ عَلَيْك" يَا مُحَمَّد "الْكِتَاب" الْقُرْآن مُلْتَبِسًا "بِالْحَقِّ" بِالصِّدْقِ فِي أَخْبَاره "مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ" قَبْله مِنْ الْكُتُب "وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل تَنْزِيله "هُدًى" حَال بِمَعْنَى هَادِينَ مِنْ الضَّلَالَة "لِلنَّاسِ" مِمَّنْ تَبِعَهُمَا وَعَبَّرَ فِيهِمَا بِأَنْزَل وَفِي الْقُرْآن بِنَزَّلَ الْمُقْتَضِي لِلتَّكْرِيرِ لِأَنَّهُمَا أُنْزِلَا دُفْعَة وَاحِدَة بِخِلَافِهِ "وَأَنْزَلَ الْفُرْقَان" بِمَعْنَى الْكُتُب الْفَارِقَة بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل وَذَكَرَهُ بَعْد ذِكْر الثَّلَاثَة لِيَعُمّ مَا عَدَاهَا .
مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ↓
"إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه" الْقُرْآن وَغَيْره "لَهُمْ عَذَاب شَدِيد وَاَللَّه عَزِيز" غَالِب عَلَى أَمْره فَلَا يَمْنَعهُ شَيْء مِنْ إنْجَاز وَعْده وَوَعِيده "ذُو انْتِقَام" عُقُوبَة شَدِيدَة مِمَّنْ عَصَاهُ لَا يَقْدِر عَلَى مِثْلهَا أَحَد .
"إنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء" كَائِن "فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء" لِعِلْمِهِ بِمَا يَقَع فِي الْعَالَم مِنْ كُلِّيّ وَجُزْئِيّ وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْحِسّ لَا يَتَجَاوَزهُمَا
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ↓
"هُوَ الَّذِي يُصَوِّركُمْ فِي الْأَرْحَام كَيْف يَشَاء" مِنْ ذُكُورَة وَأُنُوثَة وَبَيَاض وَسَوَاد وَغَيْر ذَلِكَ "لَا إلَه إلَّا هُوَ الْعَزِيز" فِي مُلْكه "الْحَكِيم" فِي صُنْعه .
هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ↓
"هُوَ الَّذِي نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات" وَاضِحَات الدَّلَالَة "هُنَّ أُمّ الْكِتَاب" أَصْله الْمُعْتَمَد عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَام "وَأُخَر مُتَشَابِهَات" لَا تُفْهَم مَعَانِيهَا كَأَوَائِل السُّوَر وَجَعَلَهُ كُلّه مُحْكَمًا فِي قَوْله "أُحْكِمَتْ آيَاته" بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَيْب وَمُتَشَابِهًا فِي قَوْله "كِتَابًا مُتَشَابِهًا" بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا فِي الْحُسْن وَالصِّدْق "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ زَيْغ" مَيْل عَنْ الْحَقّ "فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء" طَلَب "الْفِتْنَة" لِجُهَّالِهِمْ بِوُقُوعِهِمْ فِي الشُّبُهَات وَاللَّبْس "وَابْتِغَاء تَأْوِيله" تَفْسِيره "وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله" تَفْسِيره "إلَّا اللَّه" وَحْده "وَالرَّاسِخُونَ" الثَّابِتُونَ الْمُتَمَكِّنُونَ "فِي الْعِلْم" مُبْتَدَأ خَبَره "يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ" أَيْ بِالْمُتَشَابِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه وَلَا نَعْلَم مَعْنَاهُ "كُلّ" مِنْ الْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه "مِنْ عِنْد رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّر" بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي الذَّال أَيْ يَتَّعِظ "إلَّا أُولُو الْأَلْبَاب" أَصْحَاب الْعُقُول وَيَقُولُونَ أَيْضًا إذَا رَأَوْا مَنْ يَتَّبِعهُ :
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ↓
"رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا" تَمِلْهَا عَنْ الْحَقّ بِابْتِغَاءِ تَأْوِيله الَّذِي لَا يَلِيق بِنَا كَمَا أَزَغْت قُلُوب أُولَئِكَ "بَعْد إذْ هَدَيْتنَا" أَرْشَدْتنَا إلَيْهِ "وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْك" مِنْ عِنْدك "رَحْمَة" تَثْبِيتًا "إنك أنت الوهاب"
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ↓
يَا "رَبّنَا إنَّك جَامِع النَّاس" تَجْمَعهُمْ "لِيَوْمٍ" أَيْ فِي يَوْم "لَا رَيْب" لَا شَكَّ "فِيهِ" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة فَتُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ كَمَا وَعَدْت بِذَلِكَ "إنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد" مَوْعِده بِالْبَعْثِ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْخِطَاب وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ كَلَامه تَعَالَى وَالْغَرَض مِنْ الدُّعَاء بِذَلِكَ بَيَان أَنَّ هَمَّهُمْ أَمْر الْآخِرَة وَلِذَلِك سَأَلُوا الثَّبَات عَلَى الْهِدَايَة لِيَنَالُوا ثَوَابهَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : (تَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات إلَى آخِرهَا وَقَالَ : فَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّه فَاحْذَرُوهُمْ) وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : (مَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي إلَّا ثَلَاث خِلَال وَذَكَرَ مِنْهَا أَنْ يُفْتَح لَهُمْ الْكِتَاب فَيَأْخُذهُ الْمُؤْمِن يَبْتَغِي تَأْوِيله وَلَيْسَ يَعْلَم تَأْوِيله إلَّا اللَّه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْد رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّر إلَّا أُولُو الْأَلْبَاب ) الْحَدِيث .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ↓
"إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِي" تَدْفَع "عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه" أَيْ عَذَابه "شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُود النَّار" بِفَتْحِ الْوَاو مَا تُوقَد بِهِ
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ↓
دَأبُهُم "كَدَأْبِ" كَعَادَةِ "آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" مِنْ الْأُمَم كَعَادٍ وَثَمُود "كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّه" أَهْلَكَهُمْ "بِذُنُوبِهِمْ" وَالْجُمْلَة مُفَسِّرَة لِمَا قَبْلهَا "وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب" وَنَزَلَ لَمَّا أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود بِالْإِسْلَامِ بَعْد مَرْجِعه مِنْ بَدْر فَقَالُوا لَا يَغُرَّنك أَنْ قَتَلْت نَفَرًا مِنْ قُرَيْش أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَال
"قُلْ" يَا مُحَمَّد "لِلَّذِينَ كَفَرُوا" مِنْ الْيَهُود "سَتُغْلَبُونَ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر وَضَرْب الْجِزْيَة وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ "وَتُحْشَرُونَ" بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْآخِرَة "إلَى جَهَنَّم" فَتَدْخُلُونَهَا "وَبِئْسَ الْمِهَاد" الْفِرَاش هِيَ .
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ ↓
"قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة" عِبْرَة وَذَكَرَ الْفِعْل لِلْفَصْلِ "فِي فِئَتَيْنِ" فِرْقَتَيْنِ "الْتَقَتَا" يَوْم بَدْر لِلْقِتَالِ "فِئَة تُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه" أَيْ طَاعَته وَهُمْ النَّبِيّ وَأَصْحَابه وَكَانُوا ثَلَثمِائَةِ وَثَلَاثَة عَشَرَ رَجُلًا مَعَهُمْ فَرَسَانِ وَسِتّ أَدْرُع وَثَمَانِيَة سُيُوف وَأَكْثَرهمْ رَجَّالَة "وَأُخْرَى كَافِرَة يَرَوْنَهُمْ" أَيْ الْكُفَّار "مِثْلَيْهِمْ" أَيْ الْمُسْلِمِينَ أَيْ أَكْثَرهمْ مِنْهُمْ وَكَانُوا نَحْو أَلْف "رَأْي الْعَيْن" أَيْ رُؤْيَة ظَاهِرَة مُعَايَنَة وَقَدْ نَصَرَهُمْ اللَّه مَعَ قِلَّتهمْ "وَاَللَّه يُؤَيِّد" يُقَوِّي "بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاء إنَّ فِي ذَلِكَ" الْمَذْكُور "لَعِبْرَة لِأُولِي الْأَبْصَار" لِذَوِي الْبَصَائِر أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ فَتُؤْمِنُونَ.
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ↓
"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبّ الشَّهَوَات" مَا تَشْتَهِيه النَّفْس وَتَدْعُو إلَيْهِ زَيَّنَهَا اللَّه ابْتِلَاء أَوْ الشَّيْطَان "مِنْ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِير" الْأَمْوَال الْكَثِيرَة "الْمُقَنْطَرَة" الْمُجْمَعَة "مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل الْمُسَوَّمَة" الْحِسَان "وَالْأَنْعَام" أَيْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم "وَالْحَرْث" الزَّرْع "ذَلِكَ" الْمَذْكُور "مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا" يَتَمَتَّع بِهِ فِيهَا ثُمَّ يَفْنَى "وَاَللَّه عِنْده حُسْن الْمَآب" الْمَرْجِع وَهُوَ الْجَنَّة فَيَنْبَغِي الرَّغْبَة فِيهِ دُون غَيْره .
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ↓
"قُلْ" يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك "أَأُنَبِّئُكُمْ" أُخْبِركُمْ "بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ" الْمَذْكُور مِنْ الشَّهَوَات اسْتِفْهَام تَقْرِير "لِلَّذِينَ اتَّقَوْا" الشِّرْك "عِنْد رَبّهمْ" خَبَر مُبْتَدَؤُهُ "جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ" أَيْ مُقَدَّرِينَ الْخُلُود "فِيهَا" إذَا دَخَلُوهَا "وَأَزْوَاج مُطَهَّرَة" مِنْ الْحَيْض وَغَيْره مِمَّا يُسْتَقْذَر "وَرِضْوَان" بِكَسْرِ أَوَّله وَضَمّه لُغَتَانِ أَيْ رِضًا كَثِير "مِنْ اللَّه وَاَللَّه بَصِير" عَالِم "بِالْعِبَادِ" فَيُجَازِي كُلًّا مِنْهُمْ بِعَمَلِهِ .
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ↓
"الَّذِينَ" نَعْت أَوْ بَدَل مِنْ الَّذِينَ قَبْله "يَقُولُونَ" يَا "رَبّنَا إنَّنَا آمَنَّا" صَدَّقْنَا بِك وَبِرَسُولِك "فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار"
"الصَّابِرِينَ" عَلَى الطَّاعَة وَعَنْ الْمَعْصِيَة نَعْت "وَالصَّادِقِينَ" فِي الْإِيمَان "وَالْقَانِتِينَ" الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ "وَالْمُنْفِقِينَ" الْمُتَصَدِّقِينَ " والمستغفرين" اللَّه بِأَنْ يَقُولُوا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا "بِالْأَسْحَارِ" أَوَاخِر اللَّيْل خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا وَقْت الْغَفْلَة وَلَذَّة النَّوْم .
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ↓
"شَهِدَ اللَّه" بَيَّنَ لِخَلْقِهِ بِالدَّلَائِلِ وَالْآيَات "أَنَّهُ لَا إلَه" أَيْ لَا مَعْبُود فِي الْوُجُود بِحَقٍّ "إلَّا هُوَ" شَهِدَ بِذَلِكَ "وَالْمَلَائِكَة" بِالْإِقْرَارِ "وَأُولُو الْعِلْم" مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنِينَ بِالِاعْتِقَادِ وَاللَّفْظ "قَائِمًا" بِتَدْبِيرِ مَصْنُوعَاته وَنَصْبه عَلَى الْحَال وَالْعَامِل فِيهَا مَعْنَى الْجُمْلَة أَيْ تَفَرَّدَ "بِالْقِسْطِ" بِالْعَدْلِ "لَا إلَه إلَّا هُوَ" كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا "الْعَزِيز" فِي مُلْكه "الْحَكِيم" فِي صُنْعه .
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ↓
"إنَّ الدِّين" الْمَرَضِيّ "عِنْد اللَّه" هُوَ "الْإِسْلَام" أَيْ الشَّرْع الْمَبْعُوث بِهِ الرُّسُل الْمَبْنِيّ عَلَى التَّوْحِيد وَفِي قِرَاءَة بِفَتْحِ أَنَّ بَدَل مِنْ أَنَّهُ إلَخْ بَدَل اشْتِمَال "وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب" الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الدِّين بِأَنْ وَحَّدَ بَعْض وَكَفَرَ بَعْض "إلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم" بِالتَّوْحِيدِ "بَغْيًا" مِنْ الْكَافِرِينَ "بينهم ومن يكفر بآيات الله " "فَإِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب" أَيْ الْمُجَازَاة لَهُ.
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ↓
"فَإِنْ حَاجُّوك" خَاصَمَك الْكُفَّار يَا مُحَمَّد فِي الدِّين "فَقُلْ" لَهُمْ "أَسْلَمْت وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِ" انْقَدْت لَهُ أَنَا "وَمَنْ اتَّبَعَنِ" وَخَصَّ الْوَجْه بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ فَغَيْره أَوْلَى "وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب" الْيَهُود وَالنَّصَارَى "وَالْأُمِّيِّينَ" مُشْرِكِي الْعَرَب "أَأَسْلَمْتُمْ" أَيْ أَسْلِمُوا "فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوْا" مِنْ الضَّلَال "وَإِنْ تَوَلَّوْا" عَنْ الْإِسْلَام "فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ" أَيْ التَّبْلِيغ لِلرِّسَالَةِ "وَاَللَّه بَصِير بِالْعِبَادِ" فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ↓
"إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ" وَفِي قِرَاءَة يُقَاتِلُونَ "النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ" بِالْعَدْلِ "مِنْ النَّاس" وَهُمْ الْيَهُود رُوِيَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا ثَلَاثَة وَأَرْبَعِينَ نَبِيًّا فَنَهَاهُمْ مِائَة وَسَبْعُونَ مِنْ عِبَادهمْ فَقَتَلُوهُمْ مِنْ يَوْمهمْ "فَبَشِّرْهُمْ" أَعْلِمْهُمْ "بِعَذَابٍ أَلِيم" مُؤْلِم وَذِكْر الْبِشَارَة تَهَكُّم بِهِمْ وَدَخَلَتْ الْفَاء فِي خَبَر إنَّ لِشَبَهِ اسْمهَا الْمَوْصُول بِالشَّرْطِ .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ↑
"أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ" بَطَلَتْ "أَعْمَالهمْ" مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْر كَصَدَقَةٍ وَصِلَة رَحِم "فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة" فَلَا اعْتِدَاد بِهَا لِعَدَمِ شَرْطهَا "وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ" مَانِعِينَ مِنْ الْعَذَاب
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ↓
"أَلَمْ تَرَ" تَنْظُر "إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا" حَظًّا "مِنْ الْكِتَاب" التَّوْرَاة "يُدْعَوْنَ" حَال "إلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُم بَيْنهمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيق مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ" عَنْ قَبُول حُكْمه . نَزَلَتْ فِي الْيَهُود زَنَى مِنْهُمْ اثْنَانِ فَتَحَاكَمُوا إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالرَّجْمِ فَأَبَوْا فَجِيءَ بِالتَّوْرَاةِ فَوَجَدَ فِيهَا فَرُجِمَا فَغَضِبُوا .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ↓
"ذَلِكَ" التَّوَلِّي وَالْإِعْرَاض "بِأَنَّهُمْ قَالُوا" أَيْ بِسَبَبِ قَوْلهمْ "لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات" أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُدَّة عِبَادَة آبَائِهِمْ الْعِجْل ثُمَّ تَزُول عَنْهُمْ "وَغَرَّهُمْ فِي دِينهمْ" مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ "مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" مِنْ قَوْلهمْ ذَلِكَ .
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ↓
"فَكَيْفَ" حَالهمْ "إذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ" أَيْ فِي يَوْم "لَا رَيْب" لَا شَكَّ "فِيهِ" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة "وَوُفِّيَتْ كُلّ نَفْس" مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ جَزَاء "مَا كَسَبَتْ" عَمِلَتْ مِنْ خَيْر وَشَرّ "وَهُمْ" أَيْ النَّاس "لَا يُظْلَمُونَ" بِنَقْصِ حَسَنَة أَوْ زِيَادَة سَيِّئَة .
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
وَنَزَلَتْ لَمَّا وَعَدَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته مَلِك فَارِس وَالرُّوم فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ هَيْهَاتَ : "قُلْ اللَّهُمَّ" يَا اللَّه "مَالِك الْمُلْك تُؤْتِي" تُعْطِي "الْمُلْك مَنْ تُشَاء" مِنْ خَلْقك "وَتَنْزِع الْمُلْك مِمَّنْ تَشَاء وَتُعِزّ مَنْ تَشَاء" بِإِيتَائِهِ "وَتُذِلّ مَنْ تَشَاء" بِنَزْعِهِ مِنْهُ "بِيَدِك" بِقُدْرَتِك "الْخَيْر" أَيْ وَالشَّرّ "إنك على كل شيء قدير"
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ↓
"تُولِج" تُدْخِل "اللَّيْل فِي النَّهَار وَتُولِج النَّهَار" تُدْخِلهُ "فِي اللَّيْل" فَيَزِيد كُلّ مِنْهُمَا بِمَا نَقَصَ مِنْ الْآخَر "وَتُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت" كَالْإِنْسَانِ وَالطَّائِر مِنْ النُّطْفَة وَالْبَيْضَة "وَتُخْرِج الْمَيِّت" كَالنُّطْفَةِ وَالْبَيْضَة "مِنْ الْحَيّ وَتَرْزُق مَنْ تَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب" أَيْ رِزْقًا وَاسِعًا .
لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ↓
"لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء" يُوَالُونَهُمْ "مِنْ دُون" أَيْ غَيْر "الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ" أَيْ يُوَالِيهِمْ "فَلَيْسَ مِنْ" دِين "اللَّه فِي شَيْء إلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة" مَصْدَر تَقَيْته أَيْ تَخَافُوا مَخَافَة فَلَكُمْ مُوَالَاتهمْ بِاللِّسَانِ دُون الْقَلْب وَهَذَا قَبْل عِزَّة الْإِسْلَام وَيَجْرِي فِيمَنْ هُوَ فِي بَلَد لَيْسَ قَوِيًّا فِيهَا "وَيُحَذِّركُمْ" يُخَوِّفكُمْ "اللَّه نَفْسه" أَنْ يَغْضَب عَلَيْكُمْ إنْ وَالَيْتُمُوهُمْ "وَإِلَى اللَّه الْمَصِير" الْمَرْجِع فَيُجَازِيكُمْ .
قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
"قُلْ" لَهُمْ "إنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُوركُمْ" قُلُوبكُمْ مِنْ مُوَالَاتهمْ "أَوْ تُبْدُوهُ" تُظْهِرُوهُ "يَعْلَمهُ اللَّه وَيَعْلَم" وَهُوَ يَعْلَم "مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" وَمِنْهُ تَعْذِيب مَنْ وَالَاهُمْ .
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ↓
اُذْكُرْ "يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ" ـهُ "مِنْ خَيْر مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ" ـهُ "مِنْ سُوء" مُبْتَدَأ خَبَره "تَوَدّ لَوْ أَنَّ بَيْنهَا وَبَيْنه أَمَدًا بَعِيدًا" غَايَة فِي نِهَايَة الْبُعْد فَلَا يَصِل إلَيْهَا "وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسه" كُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ "والله رؤف بالعباد"