إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ↓
"إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض" مِقْدَار مَا يَمْلَؤُهَا "ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ" أَدْخَلَ الْفَاء فِي خَبَر إنَّ لِشَبَهِ الَّذِينَ بِالشَّرْطِ وَإِيذَانًا بِتَسَبُّبِ عَدَم الْقَبُول عَنْ الْمَوْت عَلَى الْكُفْر "أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم "وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ" مَانِعِينَ مِنْهُ .
لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ↓
"لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ" أَيْ ثَوَابه وَهُوَ الْجَنَّة "حَتَّى تُنْفِقُوا" تَصَدَّقُوا "مِمَّا تُحِبُّونَ" مِنْ أَمْوَالكُمْ "وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللَّه بِهِ عَلِيم" فَيُجَازِي عَلَيْهِ
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↓
وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ الْيَهُود إنَّك تَزْعُم أَنَّك عَلَى مِلَّة إبْرَاهِيم وَكَانَ لَا يَأْكُل لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا "كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا" حَلَالًا , "لِبَنِي إسْرَائِيل إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيل" يَعْقُوب "عَلَى نَفْسه" وَهُوَ الْإِبِل لَمَّا حَصَلَ لَهُ عِرْق النَّسَا بِالْفَتْحِ وَالْقَصْر فَنَذَرَ إنْ شُفِيَ لَا يَأْكُلهَا فَحُرِّمَ عَلَيْهِ "مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة" وَذَلِك بَعْد إبْرَاهِيم وَلَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْده حَرَامًا كَمَا زَعَمُوا "قُلْ" لَهُمْ "فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا" لِيَتَبَيَّن صِدْق قَوْلكُمْ "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِيهِ فَبُهِتُوا وَلَمْ يَأْتُوا بِهَا
"فَمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه الْكَذِب مِنْ بَعْد ذَلِكَ" أَيْ ظُهُور الْحُجَّة بِأَنَّ التَّحْرِيم إنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَة يَعْقُوب لَا عَلَى عَهْد إبْرَاهِيم "فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ" الْمُتَجَاوِزُونَ الْحَقّ إلَى الْبَاطِل
"قُلْ صَدَقَ اللَّه" فِي هَذَا كَجَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ "فَاتَّبِعُوا مِلَّة إبْرَاهِيم" الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا "حَنِيفًا" مَائِلًا عَنْ كُلّ دِين إلَى الْإِسْلَام "وما كان من المشركين"
وَنَزَلَ لَمَّا قَالُوا قِبْلَتنَا قَبْل قِبْلَتكُمْ "إنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ" مُتَعَبَّدًا , "لِلنَّاسِ" فِي الْأَرْض "لَلَّذِي بِبَكَّةَ" بِالْبَاءِ لُغَة فِي مَكَّة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَبُكّ أَعْنَاق الْجَبَابِرَة أَيْ تَدُقّهَا بَنَاهُ الْمَلَائِكَة قَبْل خَلْق آدَم وَوُضِعَ بَعْده الْأَقْصَى وَبَيْنهمَا أَرْبَعُونَ سَنَة كَمَا فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ وَفِي حَدِيث (أَنَّهُ أَوَّل مَا ظَهَرَ عَلَى وَجْه الْمَاء عِنْد خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض زُبْدَة بَيْضَاء فَدُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْته) "مُبَارَكًا" حَال مِنْ الَّذِي أَيْ ذَا بَرَكَة "وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ" لِأَنَّهُ قِبْلَتهمْ
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ↓
"فِيهِ آيَات بَيِّنَات" مِنْهَا "مَقَام إبْرَاهِيم" أَيْ الْحَجَر الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ عِنْد بِنَاء الْبَيْت فَأَثَر قَدَمَاهُ فِيهِ وَبَقِيَ إلَى الْآن مَعَ تَطَاوُل الزَّمَان وَتَدَاوُل الْأَيْدِي عَلَيْهِ وَمِنْهَا تَضْعِيف الْحَسَنَات فِيهِ وَأَنَّ الطَّيْر لَا يَعْلُوهُ "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا" لَا يُتَعَرَّض إلَيْهِ بِقَتْلٍ أَوْ ظُلْم أَوْ غَيْر ذَلِكَ "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت" وَاجِب بِكَسْرِ الْحَاء وَفَتْحهَا لُغَتَانِ فِي مَصْدَر حَجَّ قَصَدَ وَيُبْدَل مِنْ النَّاس "مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا" طَرِيقًا فَسَّرَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَة رَوَاهُ الْحَاكِم وَغَيْره "وَمَنْ كَفَرَ" بِاَللَّهِ أَوْ بِمَا فَرَضَهُ مِنْ الْحَجّ "فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ" الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَعَنْ عِبَادَتهمْ
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ↓
"قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه" الْقُرْآن "وَاَللَّه شَهِيد عَلَى مَا تَعْمَلُونَ" فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ↓
"قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ" تَصْرِفُونَ "عَنْ سَبِيل اللَّه" أَيْ دِينه "مَنْ آمَنَ" بِتَكْذِيبِكُمْ النَّبِيّ وَكَتْم نِعْمَته "تَبْغُونَهَا" أَيْ تَطْلُبُونَ السَّبِيل "عِوَجًا" مَصْدَر بِمَعْنَى مُعْوَجَّة أَيْ مَائِلَة عَنْ الْحَقّ "وَأَنْتُمْ شُهَدَاء" عَالِمُونَ بِأَنَّ الدِّين الْمَرْضِيّ الْقَيِّم هُوَ دِين الْإِسْلَام كَمَا فِي كِتَابكُمْ "وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب وَإِنَّمَا يُؤَخِّركُمْ إلَى وَقْتكُمْ لِيُجَازِيَكُمْ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ↓
وَنَزَلَ لَمَّا مَرَّ بَعْض الْيَهُود عَلَى الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَغَاظَهُمْ تَأَلُّفهمْ فَذَكَّرُوهُمْ بِمَا كَانَ بَيْنهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ الْفِتَن فَتَشَاجَرُوا وَكَادُوا يَقْتَتِلُونَ "يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إيمَانكُمْ كَافِرِينَ"
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ↓
"وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ" اسْتِفْهَام تَعْجِيب وَتَوْبِيخ "وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه وَفِيكُمْ رَسُوله وَمَنْ يَعْتَصِم" يَتَمَسَّك "بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ↓
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته" بِأَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه وَمَنْ يَقْوَى عَلَى هَذَا فَنُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى "فَاتَّقُوا اللَّه مَا اسْتَطَعْتُمْ" "وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" مُوَحِّدُونَ
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ↓
"وَاعْتَصِمُوا" تَمَسَّكُوا "بِحَبْلِ اللَّه" أَيْ دِينه "جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" بَعْد الْإِسْلَام "وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه" . إنْعَامه "عَلَيْكُمْ" يَا مَعْشَر الْأَوْس وَالْخَزْرَج "إذْ كُنْتُمْ" قَبْل الْإِسْلَام "أَعْدَاء فَأَلَّفَ" جَمَعَ "بَيْن قُلُوبكُمْ" بِالْإِسْلَامِ "فَأَصْبَحْتُمْ" فَصِرْتُمْ "بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا" فِي الدِّين وَالْوِلَايَة "وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا" طَرَف "حُفْرَة مِنْ النَّار" لَيْسَ بَيْنكُمْ وَبَيْن الْوُقُوع فِيهَا إلَّا أَنْ تَمُوتُوا كُفَّارًا "فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا" بِالْإِيمَانِ "كَذَلِكَ" كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ مَا ذُكِرَ "يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون"
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ↓
"وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إلَى الْخَيْر" الْإِسْلَام "وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَأُولَئِكَ" الدَّاعُونَ الْآمِرُونَ النَّاهُونَ "هُمْ الْمُفْلِحُونَ" الْفَائِزُونَ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ فَرْض كِفَايَة لَا يَلْزَم كُلّ الْأُمَّة وَلَا يَلِيق بِكُلِّ أَحَد كَالْجَاهِلِ
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ↓
"وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا" عَنْ دِينهمْ "وَاخْتَلَفُوا" فِيهِ "مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات" وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى "وأولئك لهم عذاب عظيم"
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ↓
"يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه" أَيْ يَوْم الْقِيَامَة "فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوههمْ" وَهُمْ الْكَافِرُونَ فَيُلْقَوْنَ فِي النَّار وَيُقَال لَهُمْ تَوْبِيخًا "أَكَفَرْتُمْ بَعْد إيمَانكُمْ" يَوْم أَخْذ الْمِيثَاق
"وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوههمْ" وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ "فَفِي رَحْمَة اللَّه" أَيْ جَنَّته
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ↓
"تِلْكَ" أَيْ هَذِهِ الْآيَات "آيَات اللَّه نَتْلُوهَا عَلَيْك" يَا مُحَمَّد "بِالْحَقِّ وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ" بِأَنْ يَأْخُذهُمْ بِغَيْرِ جُرْم
"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض" مُلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا "وَإِلَى اللَّه تَرْجِع" تَصِير
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ↓
"كُنْتُمْ" يَا أُمَّة مُحَمَّد فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى "خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ" أُظْهِرَتْ "لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْل الْكِتَاب لَكَانَ" الْإِيمَان "خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ" كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَصْحَابه "وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ" الْكَافِرُونَ
"لَنْ يَضُرُّوكُمْ" أَيْ الْيَهُود يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءٍ "إلَّا أَذًى" بِاللِّسَانِ مِنْ سَبّ وَوَعِيد "وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار" مُنْهَزِمِينَ "ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ" عَلَيْكُمْ بَلْ لَكُمْ النَّصْر عَلَيْهِمْ
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ↑
"ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَ مَا ثُقِفُوا" حَيْثُمَا وُجِدُوا فَلَا عِزّ لَهُمْ وَلَا اعْتِصَام "إلَّا" كَائِنِينَ "بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس" الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ عَهْدهمْ إلَيْهِمْ بِالْأَمَانِ عَلَى أَدَاء الْجِزْيَة أَيْ لَا عِصْمَة لَهُمْ غَيْر ذَلِكَ "وَبَاءُوا" رَجَعُوا "بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَة ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ" أَيْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ "كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ ذَلِكَ" "كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ ذَلِكَ" تَأْكِيد "بِمَا عَصَوْا" أَمْر اللَّه "وَكَانُوا يَعْتَدُونَ" يَتَجَاوَزُونَ الْحَلَال إلَى الْحَرَام .
لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ↓
"لَيْسُوا" أَيْ أَهْل الْكِتَاب "سَوَاء" مُسْتَوِينَ "مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة" مُسْتَقِيمَة ثَابِتَة عَلَى الْحَقّ كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَصْحَابه "يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء الَّيْلِ" أَيْ فِي سَاعَاته "وَهُمْ يَسْجُدُونَ" يُصَلُّونَ حَال
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ↓
"يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات وَأُولَئِكَ" الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذَكَرَ اللَّه "مِنْ الصَّالِحِينَ" وَمِنْهُمْ مَنْ لَيْسُوا كَذَلِكَ وَلَيْسُوا مِنْ الصَّالِحِينَ
"وَمَا تَفْعَلُوا" بِالتَّاءِ أَيَّتهَا الْأُمَّة وَالْيَاء أَيْ الْأُمَّة الْقَائِمَة "مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ" بِالْوَجْهَيْنِ أَيْ تَعْدَمُوا ثَوَابه بَلْ تُجَازَوْنَ عَلَيْهِ
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
"إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِي" تَدْفَع "عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا" أَيْ مِنْ عَذَابه وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْإِنْسَان يَدْفَع عَنْ نَفْسه تَارَة بِفِدَاءِ الْمَال وَتَارَة بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْأَوْلَادِ
مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ↓
"مَثَل" صِفَة "مَا يُنْفِقُونَ" أَيْ الْكُفَّار "فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا" فِي عَدَاوَة النَّبِيّ مِنْ صَدَقَة وَنَحْوهَا "كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ" حَرّ أَوْ بَرْد شَدِيد "أَصَابَتْ حَرْث" زَرْع "قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ" بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَة "فَأَهْلَكَتْهُ" فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ فَكَذَلِكَ نَفَقَاتهمْ ذَاهِبَة لَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا "وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه" بِضَيَاعِ نَفَقَاتهمْ "وَلَكِنْ أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ" بِالْكُفْرِ الْمُوجِب لِضَيَاعِهَا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ↓
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة" أَصْفِيَاء تُطْلِعُونَهُمْ عَلَى سِرّكُمْ "مِنْ دُونكُمْ" أَيْ غَيْركُمْ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ "لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا" نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِض أَيْ لَا يُقَصِّرُونَ لَكُمْ فِي الْفَسَاد "وَدُّوا" تَمَنَّوْا "مَا عَنِتُّمْ" أَيْ عَنَّتَكُمْ وَهُوَ شِدَّة الضَّرَر "قَدْ بَدَتْ" ظَهَرَتْ "الْبَغْضَاء" الْعَدَاوَة لَكُمْ "مِنْ أَفْوَاههمْ" بِالْوَقِيعَةِ فِيكُمْ وَإِطْلَاع الْمُشْرِكِينَ عَلَى سِرّكُمْ "وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ" مِنْ الْعَدَاوَة "أَكْبَر قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَات" عَلَى عَدَاوَتهمْ "إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ" ذَلِكَ فَلَا تُوَالُوهُمْ
هَاأَنتُمْ أُولاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ↓
"هَا" لِلتَّنْبِيهِ "أَنْتُمْ" يَا "أُولَاءِ" الْمُؤْمِنِينَ "تُحِبُّونَهُمْ" لِقَرَابَتِهِمْ مِنْكُمْ وَصَدَاقَتهمْ "وَلَا يُحِبُّونَكُمْ" لِمُخَالَفَتِهِمْ لَكُمْ فِي الدِّين "وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه" أَيْ بِالْكُتُبِ كُلّهَا وَلَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابِكُمْ "وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل" أَطْرَاف الْأَصَابِع "مِنْ الْغَيْظ" شِدَّة الْغَضَب لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ائْتِلَافكُمْ وَيُعَبَّر عَنْ شِدَّة الْغَضَب بِعَضِّ الْأَنَامِل مَجَازًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَضّ "قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ" أَيْ ابْقَوْا عَلَيْهِ إلَى الْمَوْت فَلَنْ تَرَوْا مَا يَسُرّكُمْ "إنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور" بِمَا فِي الْقُلُوب وَمِنْهُ مَا يُضْمِرهُ هَؤُلَاءِ
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ↓
"إنْ تَمْسَسْكُمْ" تُصِبْكُمْ "حَسَنَة" نِعْمَة كَنَصْرٍ وَغَنِيمَة "تَسُؤْهُمْ" تُحْزِنهُمْ "وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَة" كَهَزِيمَةٍ وَجَدْب "يَفْرَحُوا بِهَا" وَجُمْلَة الشَّرْط مُتَّصِلَة بِالشَّرْطِ قَبْل وَمَا بَيْنهمَا اعْتِرَاض وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُتَنَاهُونَ فِي عَدَاوَتكُمْ فَلِمَ تُوَالُوهُمْ فَاجْتَنِبُوهُمْ "وَإِنْ تَصْبِرُوا" عَلَى أَذَاهُمْ "وَتَتَّقُوا" اللَّه فِي مُوَالَاتهمْ وَغَيْرهَا "لَا يَضُرّكُمْ" بِكَسْرِ الضَّاد وَسُكُون الرَّاء وَضَمّهَا وَتَشْدِيدهَا "كَيْدهمْ شَيْئًا إنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء "مُحِيط" عَالِم فَيُجَازِيهِمْ بِهِ