فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَع بَيْنهمَا نَسِيَا حُوتهمَا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا بَلَغَ مُوسَى وَفَتَاهُ مَجْمَع الْبَحْرَيْنِ , كَمَا : 17470 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { مَجْمَع بَيْنهمَا } قَالَ : بَيْن الْبَحْرَيْنِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَوْله : { نَسِيَا حُوتهمَا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : نَسِيَا : تَرَكَا , كَمَا : 17471 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { نَسِيَا حُوتهمَا } قَالَ : أَضَلَّاهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَضَلَّاهُ . قَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : إِنَّ الْحُوت كَانَ مَعَ يُوشَع , وَهُوَ الَّذِي نَسِيَهُ , فَأُضِيفَ النِّسْيَان إِلَيْهِمَا , كَمَا قَالَ : { يَخْرُج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان } 55 22 وَإِنَّمَا يَخْرُج مِنْ الْمِلْح دُون الْعَذْب . وَإِنَّمَا جَازَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : { نَسِيَا } لِأَنَّهُمَا كَانَا جَمِيعًا تَزَوَّدَاهُ لِسَفَرِهِمَا , فَكَانَ حَمْل أَحَدهمَا ذَلِكَ مُضَافًا إِلَى أَنَّهُ حَمْل مِنْهُمَا , كَمَا يُقَال : خَرَجَ الْقَوْم مِنْ مَوْضِع كَذَا , وَحَمَلُوا مَعَهُمْ كَذَا مِنْ الزَّاد , وَإِنَّمَا حَمَلَهُ أَحَدهمَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيهمْ وَأَمْرهمْ أُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى جَمِيعهمْ , فَكَذَلِكَ إِذَا نَسِيَهُ حَامِله فِي مَوْضِع قِيلَ : نَسِيَ الْقَوْم زَادَهُمْ , فَأُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى الْجَمِيع بِنِسْيَانِ حَامِله ذَلِكَ , فَيُجْرَى الْكَلَام عَلَى الْجَمِيع , وَالْفِعْل مِنْ وَاحِد , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { نَسِيَا حُوتهمَا } لِأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره خَاطَبَ الْعَرَب بِلُغَتِهَا , وَمَا يَتَعَارَفُونَهُ بَيْنهمْ مِنْ الْكَلَام . وَأَمَّا قَوْله : { يَخْرُج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان } فَإِنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِخِلَافِ مَا قَالَ فِيهِ , وَسَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى إِذَا اِنْتَهَيْنَا إِلَيْهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الْحُوت اِتَّخَذَ طَرِيقه الَّذِي سَلَكَهُ فِي الْبَحْر سَرَبًا , كَمَا : 17472 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد { فَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا } قَالَ : الْحُوت اِتَّخَذَ . وَيَعْنِي بِالسَّرَبِ : الْمَسْلَك وَالْمَذْهَب , يَسْرُب فِيهِ : يَذْهَب فِيهِ وَيَسْلُكهُ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة اِتِّخَاذه سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : صَارَ طَرِيقه الَّذِي يَسْلُك فِيهِ كَالْحَجَرِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17473 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { سَرَبًا } قَالَ : أَثَره كَأَنَّهُ حَجَر . 17474 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنْي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين ذَكَرَ حَدِيث ذَلِكَ : " مَا اِنْجَابَ مَاء مُنْذُ كَانَ النَّاس غَيْره ثَبَتَ مَكَان الْحُوت الَّذِي فِيهِ فَانْجَابَ كَالْكُوَّةِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ مُوسَى , فَرَأَى مَسْلَكه , فَقَالَ : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي " . 17475 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { فَاِتَّخَذَ سَبِيلًا فِي الْبَحْر سَرَبًا } قَالَ : جَاءَ فَرَأَى أَثَر جَنَاحَيْهِ فِي الطِّين حِين وَقَعَ فِي الْمَاء , قَالَ اِبْن عَبَّاس { فَاِتَّخَذَ سَبِيلًا فِي الْبَحْر سَرَبًا } وَحَلَّقَ بِيَدِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ صَارَ طَرِيقه فِي الْبَحْر مَاء جَامِدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17476 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : سَرَب مِنْ الْجُرّ حَتَّى أَفْضَى إِلَى الْبَحْر , ثُمَّ سَلَكَ , فَجَعَلَ لَا يَسْلُك فِيهِ طَرِيقًا إِلَّا صَارَ مَاء جَامِدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ صَارَ طَرِيقه فِي الْبَحْر حَجَرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17477 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ الْحُوت لَا يَمَسّ شَيْئًا مِنْ الْبَحْر إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُون صَخْرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِنَّمَا اِتَّخَذَ سَبِيله سَرَبًا فِي الْبِرّ إِلَى الْمَاء , حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ لَا فِي الْبَحْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17478 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا } قَالَ : قَالَ : حُشِرَ الْحُوت فِي الْبَطْحَاء بَعْد مَوْته حِين أَحْيَاهُ اللَّه . قَالَ اِبْن زَيْد , وَأَخْبَرَنِي أَبُو شُجَاع أَنَّهُ رَآهُ قَالَ : أَتَيْت بِهِ فَإِذَا هُوَ شُقَّة حُوت وَعَيْن وَاحِدَة , وَشِقّ آخَر لَيْسَ فِيهِ شَيْء . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : وَاِتَّخَذَ الْحُوت طَرِيقه فِي الْبَحْر سَرَبًا . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ السَّرَب كَانَ بِانْجِيَابِ عَنْ الْأَرْض ; وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ بِجُمُودِ الْمَاء ; وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ بِتَحَوُّلِهِ حَجَرًا . وَأَصَحّ الْأَقْوَال فِيهِ مَا رُوِيَ الْخَبَر بِهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أُبَيّ عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الْحُوت اِتَّخَذَ طَرِيقه الَّذِي سَلَكَهُ فِي الْبَحْر سَرَبًا , كَمَا : 17472 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد { فَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا } قَالَ : الْحُوت اِتَّخَذَ . وَيَعْنِي بِالسَّرَبِ : الْمَسْلَك وَالْمَذْهَب , يَسْرُب فِيهِ : يَذْهَب فِيهِ وَيَسْلُكهُ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة اِتِّخَاذه سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : صَارَ طَرِيقه الَّذِي يَسْلُك فِيهِ كَالْحَجَرِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17473 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { سَرَبًا } قَالَ : أَثَره كَأَنَّهُ حَجَر . 17474 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنْي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين ذَكَرَ حَدِيث ذَلِكَ : " مَا اِنْجَابَ مَاء مُنْذُ كَانَ النَّاس غَيْره ثَبَتَ مَكَان الْحُوت الَّذِي فِيهِ فَانْجَابَ كَالْكُوَّةِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ مُوسَى , فَرَأَى مَسْلَكه , فَقَالَ : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي " . 17475 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { فَاِتَّخَذَ سَبِيلًا فِي الْبَحْر سَرَبًا } قَالَ : جَاءَ فَرَأَى أَثَر جَنَاحَيْهِ فِي الطِّين حِين وَقَعَ فِي الْمَاء , قَالَ اِبْن عَبَّاس { فَاِتَّخَذَ سَبِيلًا فِي الْبَحْر سَرَبًا } وَحَلَّقَ بِيَدِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ صَارَ طَرِيقه فِي الْبَحْر مَاء جَامِدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17476 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : سَرَب مِنْ الْجُرّ حَتَّى أَفْضَى إِلَى الْبَحْر , ثُمَّ سَلَكَ , فَجَعَلَ لَا يَسْلُك فِيهِ طَرِيقًا إِلَّا صَارَ مَاء جَامِدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ صَارَ طَرِيقه فِي الْبَحْر حَجَرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17477 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ الْحُوت لَا يَمَسّ شَيْئًا مِنْ الْبَحْر إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُون صَخْرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِنَّمَا اِتَّخَذَ سَبِيله سَرَبًا فِي الْبِرّ إِلَى الْمَاء , حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ لَا فِي الْبَحْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17478 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا } قَالَ : قَالَ : حُشِرَ الْحُوت فِي الْبَطْحَاء بَعْد مَوْته حِين أَحْيَاهُ اللَّه . قَالَ اِبْن زَيْد , وَأَخْبَرَنِي أَبُو شُجَاع أَنَّهُ رَآهُ قَالَ : أَتَيْت بِهِ فَإِذَا هُوَ شُقَّة حُوت وَعَيْن وَاحِدَة , وَشِقّ آخَر لَيْسَ فِيهِ شَيْء . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : وَاِتَّخَذَ الْحُوت طَرِيقه فِي الْبَحْر سَرَبًا . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ السَّرَب كَانَ بِانْجِيَابِ عَنْ الْأَرْض ; وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ بِجُمُودِ الْمَاء ; وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ بِتَحَوُّلِهِ حَجَرًا . وَأَصَحّ الْأَقْوَال فِيهِ مَا رُوِيَ الْخَبَر بِهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أُبَيّ عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرنَا هَذَا نَصَبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { فَلَمَّا جَاوَزَ } مُوسَى وَفَتَاهُ مَجْمَع الْبَحْرَيْنِ , { قَالَ } مُوسَى { لِفَتَاهُ } يُوشَع { آتِنَا غَدَاءَنَا } يَقُول : جِئْنَا بِغَدَائِنَا وَأَعْطِنَاهُ , وَقَالَ : آتِنَا غَدَاءَنَا , كَمَا يُقَال : أَتَى الْغَدَاء وَأَتَيْته , مِثْل ذَهَبَ وَأَذْهَبْته , { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرنَا هَذَا نَصَبًا } يَقُول : لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرنَا هَذَا عَنَاء وَتَعَبًا ; وَقَالَ ذَلِكَ مُوسَى , فِيمَا ذَكَرَ , بَعْد مَا جَاوَزَ الصَّخْرَة , حِين أُلْقِيَ عَلَيْهِ الْجُوع لِيَتَذَكَّر الْحُوت , وَيَرْجِع إِلَى مَوْضِع مَطْلَبه .
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَرَأَيْت إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيت الْحُوت وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى حِين قَالَ لَهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا لِنَطْعَم : أَرَأَيْت إِذَا أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيَتْ الْحُوت هُنَالِكَ { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان } يَقُول : وَمَا أَنْسَانِي الْحُوت إِلَّا الشَّيْطَان { أَنْ أَذْكُرهُ } فَأَنْ فِي مَوْضِع نَصْب رَدًّا عَلَى الْحُوت , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَمَا أَنْسَانِي أَنْ أَذْكُر الْحُوت إِلَّا الشَّيْطَان سَبَقَ الْحُوت إِلَى الْفِعْل , وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْله { أَنْ أَذْكُرهُ } وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه : " وَمَا أَنْسَانِيهُ أَنْ أَذْكُرهُ إِلَّا الشَّيْطَان " . 17479 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ; حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن مَعْقِل , يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ الصَّخْرَة الَّتِي أَوَى إِلَيْهَا مُوسَى هِيَ الصَّخْرَة الَّتِي دُون نَهَر الذِّئْب عَلَى الطَّرِيق .
{ وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } يَعْجَب مِنْهُ . كَمَا : 17480 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فِي الْبَحْر عَجَبًا } قَالَ : مُوسَى يَعْجَب مِنْ أَثَر الْحُوت فِي الْبَحْر وَدَوْرَاته الَّتِي غَابَ فِيهَا , فَوَجَدَ عِنْدهَا خَضِرًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17481 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } فَكَانَ مُوسَى لَمَّا اِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا , يَعْجَب مِنْ سَرَب الْحُوت . 17482 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } قَالَ : عَجِبَ وَاَللَّه حُوت كَانَ يُوكَل مِنْهُ أَدْهُرًا , أَيّ شَيْء أَعْجَب مِنْ حُوت كَانَ دَهْرًا مِنْ الدُّهُور يُؤْكَل مِنْهُ , ثُمَّ صَارَ حَيًّا حَتَّى حُشِرَ فِي الْبَحْر . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ الْحُوت لَا يَمَسّ شَيْئًا مِنْ الْبَحْر إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُون صَخْرَة , فَجَعَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَب مِنْ ذَلِكَ . 17483 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } قَالَ : يَعْنِي كَانَ سَرَب الْحُوت فِي الْبَحْر لِمُوسَى عَجَبًا .
{ وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } يَعْجَب مِنْهُ . كَمَا : 17480 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فِي الْبَحْر عَجَبًا } قَالَ : مُوسَى يَعْجَب مِنْ أَثَر الْحُوت فِي الْبَحْر وَدَوْرَاته الَّتِي غَابَ فِيهَا , فَوَجَدَ عِنْدهَا خَضِرًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17481 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } فَكَانَ مُوسَى لَمَّا اِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا , يَعْجَب مِنْ سَرَب الْحُوت . 17482 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } قَالَ : عَجِبَ وَاَللَّه حُوت كَانَ يُوكَل مِنْهُ أَدْهُرًا , أَيّ شَيْء أَعْجَب مِنْ حُوت كَانَ دَهْرًا مِنْ الدُّهُور يُؤْكَل مِنْهُ , ثُمَّ صَارَ حَيًّا حَتَّى حُشِرَ فِي الْبَحْر . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ الْحُوت لَا يَمَسّ شَيْئًا مِنْ الْبَحْر إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُون صَخْرَة , فَجَعَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَب مِنْ ذَلِكَ . 17483 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } قَالَ : يَعْنِي كَانَ سَرَب الْحُوت فِي الْبَحْر لِمُوسَى عَجَبًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل تَعَالَى : { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ف { قَالَ } مُوسَى لِفَتَاهُ { ذَلِكَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : نِسْيَانك الْحُوت { مَا كُنَّا نَبْغِ } يَقُول : الَّذِي كُنَّا نَلْتَمِس وَنَطْلُب , لِأَنَّ مُوسَى كَانَ قِيلَ لَهُ صَاحِبك الَّذِي تُرِيدهُ حَيْثُ تَنْسَى الْحُوت , كَمَا : 17484 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } قَالَ مُوسَى : فَذَلِكَ حِين أُخْبِرْت أَنِّي وَاجِد خَضِرًا حَيْثُ يَفُوتنِي الْحُوت . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : حَيْثُ يُفَارِقنِي الْحُوت .
وَقَوْله : { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } يَقُول : فَرَجَعَا فِي الطَّرِيق الَّذِي كَانَا قَطَعَاهُ نَاكِصَيْنِ عَلَى أَدْبَارهمَا يَمُصَّانِ آثَارهمَا الَّتِي كَانَا سَلَكَاهُمَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17485 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { قَصَصًا } قَالَ : اِتَّبَعَ مُوسَى وَفَتَاهُ أَثَر الْحُوت , فَشَقَّا الْبَحْر رَاجِعَيْنِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } قَالَ : اِتِّبَاع مُوسَى وَفَتَاهُ أَثَر الْحُوت بِشِقِّ الْبَحْر , وَمُوسَى وَفَتَاهُ رَاجِعَانِ وَمُوسَى يَعْجَب مِنْ أَثَر الْحُوت فِي الْبَحْر , وَدَوْرَاته الَّتِي غَابَ فِيهَا . 17486 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : رَجَعَا عَوْدهمَا عَلَى بَدْئِهِمَا { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } 17487 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } : " أَيْ يَقُصَّانِ آثَارهمَا حَتَّى اِنْتَهَيَا إِلَى مَدْخَل الْحُوت " .
وَقَوْله : { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } يَقُول : فَرَجَعَا فِي الطَّرِيق الَّذِي كَانَا قَطَعَاهُ نَاكِصَيْنِ عَلَى أَدْبَارهمَا يَمُصَّانِ آثَارهمَا الَّتِي كَانَا سَلَكَاهُمَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17485 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { قَصَصًا } قَالَ : اِتَّبَعَ مُوسَى وَفَتَاهُ أَثَر الْحُوت , فَشَقَّا الْبَحْر رَاجِعَيْنِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } قَالَ : اِتِّبَاع مُوسَى وَفَتَاهُ أَثَر الْحُوت بِشِقِّ الْبَحْر , وَمُوسَى وَفَتَاهُ رَاجِعَانِ وَمُوسَى يَعْجَب مِنْ أَثَر الْحُوت فِي الْبَحْر , وَدَوْرَاته الَّتِي غَابَ فِيهَا . 17486 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : رَجَعَا عَوْدهمَا عَلَى بَدْئِهِمَا { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } 17487 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } : " أَيْ يَقُصَّانِ آثَارهمَا حَتَّى اِنْتَهَيَا إِلَى مَدْخَل الْحُوت " .
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ↓
وَقَوْله : { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَة مِنْ عِنْدنَا } يَقُول : وَهَبْنَا لَهُ رَحْمَة مِنْ عِنْدنَا { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } يَقُول : وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ عِنْدنَا أَيْضًا عِلْمًا . كَمَا : 17488 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } : أَيْ مِنْ عِنْدنَا عِلْمًا . وَكَانَ سَبَب سَفَر مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَتَاهُ , وَلِقَائِهِ هَذَا الْعَالِم الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع فِيمَا ذَكَرَ . أَنَّ مُوسَى سُئِلَ : هَلْ فِي الْأَرْض أَحَد أَعْلَم مِنْك ؟ فَقَالَ : لَا , أَوْ حَدَّثَتْهُ نَفْسه بِذَلِكَ , فَكُرِهَ ذَلِكَ لَهُ , فَأَرَادَ اللَّه تَعْرِيفه أَنَّ مِنْ عِبَاده فِي الْأَرْض مَنْ هُوَ أَعْلَم مِنْهُ , وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَتِّم عَلَى مَا لَا عِلْم لَهُ بِهِ , وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكِل ذَلِكَ إِلَى عَالِمه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ سَبَب ذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَدُلّهُ عَلَى عَالِم يَزْدَاد مِنْ عِلْمه إِلَى عِلْم نَفْسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17489 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : سَأَلَ مُوسَى رَبّه وَقَالَ : رَبّ أَيّ عِبَادك أَحَبّ إِلَيْك ؟ قَالَ : الَّذِي يَذْكُرنِي وَلَا يَنْسَانِي ; قَالَ : فَأَيّ عِبَادك أَقْضَى ؟ قَالَ : الَّذِي يَقْضِي بِالْحَقِّ وَلَا يَتَّبِع الْهَوَى ; قَالَ : أَيْ رَبّ أَيّ عِبَادك أَعْلَم ؟ قَالَ : الَّذِي يَبْتَغِي عِلْم النَّاس إِلَى عِلْم نَفْسه , عَسَى أَنْ يُصِيب كَلِمَة تَهْدِيه إِلَى هُدًى , أَوْ تَرُدّهُ عَنْ رَدًى ; قَالَ : رَبّ فَهَلْ فِي الْأَرْض أَحَد ؟ قَالَ : نَعَمْ ; قَالَ : رَبّ , فَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ : الْخَضِر ; قَالَ : وَأَيْنَ أَطْلُبهُ ؟ قَالَ : عَلَى السَّاحِل عِنْد الصَّخْرَة الَّتِي يَنْفَلِت عِنْدهَا الْحُوت ; قَالَ : فَخَرَجَ مُوسَى يَطْلُبهُ , حَتَّى كَانَ مَا ذَكَرَ اللَّه , وَانْتَهَى إِلَيْهِ مُوسَى عِنْد الصَّخْرَة , فَسَلَّمَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبه , فَقَالَ لَهُ مُوسَى : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَسْتَصْحِبنِي , قَالَ : إِنَّك لَنْ تُطِيق صُحْبَتِي , قَالَ : بَلَى , قَالَ : فَإِنْ صَحِبْتنِي " فَلَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء حَتَّى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَة خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتهَا لِتُغْرِق أَهْلهَا لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيت وَلَا تُرْهِقنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْت نَفْسًا زَكِيَّة بِغَيْرِ نَفْس لَقَدْ جِئْت شَيْئًا نُكْرًا " . .. إِلَى قَوْله : { لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } قَالَ : فَكَانَ قَوْل مُوسَى فِي الْجِدَار لِنَفْسِهِ , وَلِطَلَبِ شَيْء مِنْ الدُّنْيَا , وَكَانَ قَوْله فِي السَّفِينَة وَفِي الْغُلَام لِلَّهِ , { قَالَ هَذَا فِرَاق بَيْنِي وَبَيْنك سَأُنَبِّئُك بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ أَمَّا السَّفِينَة وَأَمَّا الْغُلَام وَأَمَّا الْجِدَار , قَالَ : فَسَارَ بِهِ فِي الْبَحْر حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَجْمَع الْبُحُور , وَلَيْسَ فِي الْأَرْض مَكَان أَكْثَر مَاء مِنْهُ , قَالَ : وَبَعَثَ رَبّك الْخُطَّاف فَجَعَلَ يَسْتَقِي مِنْهُ بِمِنْقَارِهِ , فَقِيلَ لِمُوسَى : كَمْ تَرَى هَذَا الْخُطَّاف مِنْ هَذَا الْمَاء ؟ قَالَ : مَا أَقَلّ مَا رَزَأَ ! قَالَ : يَا مُوسَى فَإِنَّ عِلْمِي وَعِلْمك فِي عِلْم اللَّه كَقَدْرِ مَا اِسْتَقَى هَذَا الْخُطَّاف مِنْ هَذَا الْمَاء ; وَكَانَ مُوسَى قَدْ حَدَّثَ نَفْسه أَنَّهُ لَيْسَ أَحَد أَعْلَم مِنْهُ , أَوْ تَكَلَّمَ بِهِ , فَمِنْ ثَمَّ أُمِرَ أَنْ يَأْتِي الْخَضِر . 17490 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : خَطَبَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَالَ : مَا أَحَد أَعْلَم بِاَللَّهِ وَبِأَمْرِهِ مِنِّي , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِي هَذَا الرَّجُل . 17491 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إِنَّ آيَة لُقِيّك إِيَّاهُ أَنْ تَنْسَى بَعْض مَتَاعك , فَخَرَجَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَع بْن نُون , وَتَزَوَّدَا حُوتًا مَمْلُوحًا , حَتَّى إِذَا كَانَا حَيْثُ شَاءَ اللَّه , رَدَّ اللَّه إِلَى الْحُوت رُوحه , فَسَرَبَ فِي الْبَحْر , فَاِتَّخَذَ الْحُوت طَرِيقه سَرَبًا فِي الْبَحْر , فَسَرَبَ فِيهِ { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرنَا هَذَا نَصَبًا } . .. حَتَّى بَلَغَ { وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا } فَكَانَ مُوسَى اِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا , فَكَانَ يَعْجَب مِنْ سَرَب الْحُوت . 17492 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا اِقْتَصَّ مُوسَى أَثَر الْحُوت اِنْتَهَى إِلَى رَجُل , رَاقِد قَدْ سُجِّيَ عَلَيْهِ ثَوْبه فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى فَكَشَفَ الرَّجُل عَنْ وَجْهه الثَّوْب وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : مُوسَى , قَالَ : صَاحِب بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَوَمَا كَانَ لَك فِي بَنِي إِسْرَائِيل شُغْل ؟ قَالَ : بَلَى , وَلَكِنْ أُمِرْت أَنْ آتِيك وَأَصْحَبك , قَالَ : إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا , كَمَا قَصَّ اللَّه , { حَتَّى } بَلَغَ فَلَمَّا { رَكِبَا فِي السَّفِينَة خَرَقَهَا } صَاحِب مُوسَى { قَالَ أَخَرَقْتهَا لِتُغْرِق أَهْلهَا لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } يَقُول : نُكُرًا { قَالَ لَا تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيت وَلَا تُرْهِقنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ , قَالَ أَقَتَلْت نَفْسًا زَكِيَّة بِغَيْرِ نَفْس } 17493 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : إِنَّ نَوْفًا يَزْعُم أَنَّ الْخَضِر لَيْسَ بِصَاحِبِ مُوسَى , فَقَالَ : كَذَبَ عَدُوّ اللَّه . حَدَّثَنَا أُبَيّ بْن كَعْب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ مُوسَى قَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل خَطِيبًا فَقِيلَ : أَيّ النَّاس أَعْلَم ؟ فَقَالَ : أَنَا , فَعَتَبَ اللَّه عَلَيْهِ حِين لَمْ يَرُدّ الْعِلْم إِلَيْهِ , فَقَالَ : بَلَى عَبْد لِي عِنْد مَجْمَع الْبَحْرَيْنِ , فَقَالَ : يَا رَبّ كَيْف بِهِ ؟ فَقِيلَ : تَأْخُذ حُوتًا , فَتَجْعَلهُ فِي مِكْتَل , ثُمَّ قَالَ لِفَتَاهُ : إِذَا فَقَدْت هَذَا الْحُوت فَأَخْبِرْنِي , فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِل الْبَحْر حَتَّى أَتَيَا صَخْرَة , فَرَقَدَ مُوسَى , فَاضْطَرَبَ الْحُوت فِي الْمِكْتَل , فَخَرَجَ فَوَقَعَ فِي الْبَحْر , فَأَمْسَكَ اللَّه عَنْهُ جَرْيه الْمَاء , فَصَارَ مِثْل الطَّاق , فَصَارَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَكَانَ لَهُمَا عَجَبًا . ثُمَّ اِنْطَلَقَا , فَلَمَّا كَانَ حِين الْغَد , قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرنَا هَذَا نَصَبًا , قَالَ : وَلَمْ يَجِد مُوسَى النَّصَب حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّه قَالَ : فَقَالَ : أَرَأَيْت إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيت الْحُوت , وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرهُ , وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا , قَالَ : فَقَالَ : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ , فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا , قَالَ : يَقُصَّانِ آثَارهمَا , قَالَ : فَأَتَيَا الصَّخْرَة , فَإِذَا رَجُل نَائِم مُسَجًّى بِثَوْبِهِ , فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى , فَقَالَ : وَأَنَّى بِأَرْضِنَا السَّلَام ؟ فَقَالَ : أَنَا مُوسَى , قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَا : يَا مُوسَى , إِنِّي عَلَى عِلْم مِنْ عِلْم اللَّه , عَلَّمَنِيهِ اللَّه لَا تَعْلَمهُ , وَأَنْتَ عَلَى عِلْم مِنْ عِلْمه عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمهُ , قَالَ : فَإِنِّي أَتَّبِعك عَلَى أَنْ تُعَلِّمنِي مِمَّا عُلِّمْت رُشْدًا , قَالَ : فَإِنْ اِتَّبَعْتنِي فَلَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء حَتَّى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا . فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِل , فَعَرَفَ الْخَضِر , فَحُمِلَ بِغَيْرِ نَوْل , فَجَاءَ عُصْفُور , فَوَقَعَ عَلَى حَرْفهَا فَنَقَرَ , أَوْ فَنَقَدَ فِي الْمَاء , فَقَالَ الْخَضِر لِمُوسَى : مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمك مِنْ عِلْم اللَّه إِلَّا مِقْدَار مَا نَقَرَ أَوْ نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُور مِنْ الْبَحْر " . أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ يَشُكّ , وَهُوَ فِي كِتَابه نَقَرَ , قَالَ : " فَبَيْنَمَا هُوَ إِذْ لَمْ يَفْجَأهُ مُوسَى إِلَّا وَهُوَ يَتِد وَتَدًا أَوْ يَنْزِع تَحْتًا مِنْهَا , فَقَالَ لَهُ مُوسَى : حُمِلْنَا بِغَيْرِ نَوْل وَتَخْرِقهَا لِتُغْرِق أَهْلهَا ؟ ! لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا , قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا , قَالَ : لَا تُؤَاخِذنِي فَمَا نَسِيت , قَالَ : وَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا ; قَالَ : ثُمَّ خَرَجَا فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ , فَأَبْصَرَا غُلَامًا يَلْعَب مَعَ الْغِلْمَان , فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَقَتَلَهُ , فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَقَتَلْت نَفْسًا زَاكِيَة بِغَيْرِ نَفْس , لَقَدْ جِئْت شَيْئًا نُكْرًا , قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَك إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا ؟ قَالَ : إِنْ سَأَلَتْك عَنْ شَيْء بَعْدهَا فَلَا تُصَاحِبِي قَدْ بَلَغْت مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا . قَالَ : فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْل قَرْيَة اِسْتَطْعَمَا أَهْلهَا , فَلَمْ يَجِدَا أَحَدًا يُطْعِمهُمْ وَلَا يَسْقِيهِمْ , فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ , فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ , قَالَ : مَسَحَهُ بِيَدِهِ ; فَقَالَ لَهُ مُوسَى : لَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُنْزِلُونَا , لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا , قَالَ : هَذَا فِرَق بَيْنِي وَبَيْنك " فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوَدِدْت أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصّ عَلَيْنَا قَصَصهمْ " . 17494 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : جَلَسْت فَأَسْنَدَ اِبْن عَبَّاس وَعِنْده نَفَر مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَا أَبَا الْعَبَّاس , إِنَّ نَوْفًا اِبْن اِمْرَأَة كَعْب يَزْعُم عَنْ كَعْب , أَنَّ مُوسَى النَّبِيّ الَّذِي طَلَبَ الْعَالِم , إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْن مِيشَا . قَالَ سَعِيد : قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَنَوْف يَقُول هَذَا ؟ قَالَ سَعِيد : فَقُلْت لَهُ نَعَمْ , أَنَا سَمِعْت نَوْفًا يَقُول ذَلِكَ , قَالَ : أَنْتَ سَمِعْته يَا سَعِيد ؟ قَالَ : قُلْت : نَعَمْ , قَالَ : كَذَبَ نَوْف ! ثُمَّ قَالَ اِبْن عَبَّاس : حَدَّثَنِي أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ مُوسَى هُوَ نَبِيّ بَنِي إِسْرَائِيل سَأَلَ رَبّه فَقَالَ : أَيْ رَبّ إِنْ كَانَ فِي عِبَادك أَحَد هُوَ أَعْلَم مِنِّي فَادْلُلْنِي عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ : نَعَمْ فِي عِبَادِي مَنْ هُوَ أَعْلَم مِنْك , ثُمَّ نَعَتَ لَهُ مَكَانه , وَأَذِنَ لَهُ فِي لُقِيّه ; فَخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ فَتَاهُ وَمَعَهُ حُوت مَلِيح , وَقَدْ قِيلَ لَهُ : إِذَا حَيِيَ هَذَا الْحُوت فِي مَكَان فَصَاحِبك هُنَالِكَ وَقَدْ أَدْرَكْت حَاجَتك ; فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ , وَمَعَهُ ذَلِكَ الْحُوت يَحْمِلَانِهِ , فَسَارَ حَتَّى جَهَدَهُ السَّيْر , وَانْتَهَى إِلَى الصَّخْرَة وَإِلَى ذَلِكَ الْمَاء , مَاء الْحَيَاة , مَنْ شَرِبَ مِنْهُ خَلَدَ , وَلَا يُقَارِبهُ شَيْء مَيِّت إِلَّا حَيِيَ ; فَلَمَّا نَزَلَا , وَمَسَّ الْحُوت الْمَاء حَيِيَ , فَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا ; فَانْطَلَقَا , فَلَمَّا جَاوَزَا مُنْقَلَبه قَالَ مُوسَى : آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرنَا هَذَا نَصَبًا . قَالَ الْفَتَى وَذَكَرَ : أَرَأَيْت إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيت الْحُوت وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرهُ . وَاِتَّخَذَ سَبِيلًا فِي الْبَحْر عَجَبًا " قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَظَهَرَ مُوسَى عَلَى الصَّخْرَة حِين اِنْتَهَيَا إِلَيْهَا , فَإِذَا رَجُل مُتَلَفِّف فِي كِسَاء لَهُ , فَسَلَّمَ مُوسَى , فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَالِم , ثُمَّ قَالَ لَهُ : وَمَا جَاءَ بِك ؟ إِنْ كَانَ لَك فِي قَوْمك لَشُغْل ؟ قَالَ لَهُ مُوسَى : جِئْتُك لِتُعَلِّمنِي مِمَّا عُلِّمْت رُشْدًا , { قَالَ إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا } , وَكَانَ رَجُلًا يُعَلِّم عِلْم الْغَيْب قَدْ عُلِّمَ ذَلِكَ , فَقَالَ مُوسَى : بَلَى { قَالَ وَكَيْف تَصْبِر عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } : أَيْ إِنَّمَا تَعْرِف ظَاهِر مَا تَرَى مِنْ الْعَدْل , وَلَمْ تُحِطْ مِنْ عِلْم الْغَيْب بِمَا أَعْلَم { قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَك أَمْرًا } وَإِنْ رَأَيْت مَا يُخَالِفنِي , { قَالَ فَإِنْ اِتَّبَعْتنِي فَلَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء } وَإِنْ أَنْكَرْته { حَتَّى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا } فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِل الْبَحْر , يَتَعَرَّضَانِ النَّاس , يَلْتَمِسَانِ مَنْ يَحْمِلهُمَا , حَتَّى مَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَة جَدِيدَة وَثِيقَة لَمْ يَمُرّ بِهِمَا مِنْ السُّفُن شَيْء أَحْسَن وَلَا أَجْمَل وَلَا أَوْثَق مِنْهَا , فَسَأَلَا أَهْلهَا أَنْ يَحْمِلُوهُمَا , فَحَمَلُوهُمَا , فَلَمَّا اِطْمَأَنَّا فِيهَا , وَلَجَتْ بِهِمَا مَعَ أَهْلهَا , أَخْرَجَ مِنْقَارًا لَهُ وَمِطْرَقَة , ثُمَّ عَمَدَ إِلَى نَاحِيَة مِنْهَا فَضَرَبَ فِيهَا بِالْمِنْقَارِ حَتَّى خَرَقَهَا , ثُمَّ أَخَذَ لَوْحًا فَطَبَّقَهُ عَلَيْهَا , ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهَا يُرَقِّعهَا . قَالَ لَهُ مُوسَى وَرَأَى أَمْرًا فَظِعَ بِهِ : { أَخَرَقْتهَا لِتُغْرِق أَهْلهَا لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيت } : أَيْ مَا تَرَكْت مِنْ عَهْدك { وَلَا تُرْهِقنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا } ثُمَّ خَرَجَا مِنْ السَّفِينَة , فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْل قَرْيَة فَإِذَا غِلْمَان يَلْعَبُونَ خَلْفهَا , فِيهِمْ غُلَام لَيْسَ فِي الْغِلْمَان أَظْرَف مِنْهُ , وَلَا أَثْرَى وَلَا أَوْضَأ مِنْهُ , فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ , وَأَخَذَ حَجَرًا , قَالَ : فَضَرَبَ بِهِ رَأْسه حَتَّى دَمَغَهُ فَقَتَلَهُ , قَالَ : فَرَأَى مُوسَى أَمْرًا فَظِيعًا لَا صَبْر عَلَيْهِ , صَبِيّ صَغِير لَا ذَنْب لَهُ { قَالَ أَقَتَلْت نَفْسًا زَاكِيَة بِغَيْرِ نَفْس } أَيْ صَغِيرَة بِغَيْرِ نَفْس { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا نُكْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَك إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا قَالَ إِنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْء بَعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي قَدْ بَلَغْت مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا } : أَيْ قَدْ أُعْذِرْت فِي شَأْنِي { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْل قَرْيَة اِسْتَطْعَمَا أَهْلهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } فَهَدَمَهُ , ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيه , فَضَجِرَ مُوسَى مِمَّا رَآهُ يَصْنَع مِنْ التَّكْلِيف لِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ صَبْر , فَقَالَ : { لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } أَيْ قَدْ اِسْتَطْعَمْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا , وَضِفْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا , ثُمَّ قَعَدْت فِي غَيْر صَنِيعَة , وَلَوْ شِئْت لَأُعْطِيت عَلَيْهِ أَجْرًا فِي عَمَله { قَالَ هَذَا فِرَاق بَيْنِي وَبَيْنك سَأُنَبِّئُك بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَة فَكَانَتْ لِمَسَاكِين يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر فَأَرَدْت أَنْ أَعِيبهَا , وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا } , وَفِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب : " كُلّ سَفِينَة صَالِحَة " , وَإِنَّمَا عِبْتهَا لِأَرُدّهُ عَنْهَا , فَسَلِمَتْ حِين رَأَى الْعَيْب الَّذِي صَنَعْت بِهَا . { وَأَمَّا الْغُلَام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا رَبّهمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة وَأَقْرَب رُحْمًا وَأَمَّا الْجِدَار فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبّك أَنْ يَبْلُغَا أَشُدّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزهمَا رَحْمَة مِنْ رَبّك وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } : أَيْ مَا فَعَلْته عَنْ نَفْسِي { ذَلِكَ تَأْوِيل مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } فَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : مَا كَانَ الْكَنْز إِلَّا عِلْمًا . 17495 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : قِيلَ لِابْنِ عَبَّاس : لَمْ نَسْمَع لِفَتَى مُوسَى بِذِكْرٍ مِنْ حَدِيث , وَقَدْ كَانَ مَعَهُ , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس فِيمَا يَذْكُر مِنْ حَدِيث الْفَتَى قَالَ : شَرِبَ الْفَتَى مِنْ الْمَاء فَخَلَدَ , فَأَخَذَهُ الْعَالِم فَطَابَقَ بِهِ سَفِينَة , ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْبَحْر , فَإِنَّهَا لَتَمُوج بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْرَب مِنْهُ فَشَرِبَ . 17496 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَح حَتَّى أَبْلُغ مَجْمَع الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِي حُقُبًا } قَالَ : لَمَّا ظَهَرَ مُوسَى وَقَوْمه عَلَى مِصْر أَنْزَلَ قَوْمه مِصْر ; فَلَمَّا اِسْتَقَرَّتْ بِهِمْ الدَّار أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ أَنْ { ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه } 14 5 فَخَطَبَ قَوْمه , فَذَكَرَ مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ الْخَيْر وَالنِّعْمَة , وَذَكَّرَهُمْ إِذْ أَنْجَاهُمْ اللَّه مِنْ آل فِرْعَوْن , وَذَكَّرَهُمْ هَلَاك عَدُوّهُمْ , وَمَا اِسْتَخْلَفَهُمْ اللَّه فِي الْأَرْض , وَقَالَ : كَلَّمَ اللَّه نَبِيّكُمْ تَكْلِيمًا , وَاصْطَفَانِي لِنَفْسِهِ , وَأَنْزَلَ عَلَيَّ مَحَبَّة مِنْهُ , وَآتَاكُمْ اللَّه مِنْ كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ , فَنَبِيّكُمْ أَفْضَل أَهْل الْأَرْض , وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَ التَّوْرَاة , فَلَمْ يَتْرُك نِعْمَة أَنْعَمَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ إِلَّا ذَكَرَهَا , وَعَرَّفَهَا إِيَّاهُمْ , فَقَالَ لَهُ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل : هُمْ كَذَلِكَ يَا نَبِيّ اللَّه , قَدْ عَرَفْنَا الَّذِي تَقُول , فَهَلْ عَلَى الْأَرْض أَحَد أَعْلَم مِنْك يَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَا ! فَبَعَثَ اللَّه جَبْرَائِيل إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه يَقُول : وَمَا يُدْرِيك أَيْنَ أَضَع عِلْمِي ؟ بَلَى إِنَّ عَلَى شَطّ الْبَحْر رَجُلًا أَعْلَم مِنْك ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الْخَضِر , فَسَأَلَ مُوسَى رَبّه أَنْ يُرِيه إِيَّاهُ , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ اِئْتِ الْبَحْر , فَإِنَّك تَجِد عَلَى شَطّ الْبَحْر حُوتًا , فَخُذْهُ فَادْفَعْهُ إِلَى فَتَاك , ثُمَّ اِلْزَمْ شَطّ الْبَحْر , فَإِذَا نَسِيت الْحُوت وَهَلَكَ مِنْك , فَثَمَّ تَجِد الْعَبْد الصَّالِح الَّذِي تَطْلُب ; فَلَمَّا طَالَ سَفَر مُوسَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَبَ فِيهِ , سَأَلَ فَتَاهُ عَنْ الْحُوت , فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ وَهُوَ غُلَامه { أَرَأَيْت إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيت الْحُوت وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرهُ } قَالَ الْفَتَى : لَقَدْ رَأَيْت الْحُوت حِين اِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر سَرَبًا , فَأَعْجَبَ ذَلِكَ مُوسَى فَرَجَعَ حَتَّى أَتَى الصَّخْرَة , فَوَجَدَ الْحُوت يَضْرِب فِي الْبَحْر , وَيَتْبَعهُ مُوسَى , وَجَعَلَ مُوسَى يُقَدِّم عَصَاهُ يُفَرِّج بِهَا عَنْ الْمَاء يَتْبَع الْحُوت , وَجَعَلَ الْحُوت لَا تَمَسّ شَيْئًا مِنْ الْبَحْر إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُون صَخْرَة , فَجَعَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَب مِنْ ذَلِكَ حَتَّى اِنْتَهَى بِهِ الْحُوت إِلَى جَزِيرَة مِنْ جَزَائِر الْبَحْر , فَلَقِيَ الْخَضِر بِهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , فَقَالَ الْخَضِر : وَعَلَيْك السَّلَام , وَأَنَّى يَكُون هَذَا السَّلَام بِهَذِهِ الْأَرْض , وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا مُوسَى , فَقَالَ لَهُ الْخَضِر : أَصَاحِب بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ : نَعَمْ فَرَحَّبَ بِهِ , وَقَالَ : مَا جَاءَ بِك ؟ قَالَ : جِئْتُك عَلَى أَنْ تُعَلِّمنِي مِمَّا عُلِّمْت رُشْدًا { قَالَ إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا } قَالَ : لَا تُطِيق ذَلِكَ , قَالَ مُوسَى : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَك أَمْرًا } قَالَ : فَانْطَلَقَ بِهِ وَقَالَ لَهُ : لَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء أَصْنَعهُ حَتَّى أُبَيِّن لَك شَأْنه , فَذَلِكَ قَوْله : { أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا } فَرَكِبَا فِي السَّفِينَة يُرِيدَانِ الْبَرّ , فَقَامَ الْخَضِر فَخَرَقَ السَّفِينَة , فَقَالَ لَهُ مُوسَى { أَخَرَقْتهَا لِتُغْرِق أَهْلهَا لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } 17497 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَع بَيْنهمَا نَسِيَا حُوتهمَا } ذُكِرَ أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَطَعَ الْبَحْر وَأَنْجَاهُ اللَّه مِنْ آل فِرْعَوْن , جَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيل , فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ : أَنْتُمْ خَيْر أَهْل الْأَرْض وَأَعْلَمهُ , قَدْ أَهْلَكَ اللَّه عَدُوّكُمْ , وَأَقْطَعَكُمْ الْبَحْر , وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ التَّوْرَاة ; قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ هَهُنَا رَجُلًا هُوَ أَعْلَم مِنْك . قَالَ : فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَع بْن نُون يَطْلُبَانِهِ , وَتَزَوَّدَا سَمَكَة مَمْلُوحَة فِي مِكْتَل لَهُمَا , وَقِيلَ لَهُمَا : إِذَا نَسِيتُمَا مَا مَعَكُمَا لَقِيتُمَا رَجُلًا عَالِمًا يُقَال لَهُ الْخَضِر ; فَلَمَّا أَتَيَا ذَلِكَ الْمَكَان , رَدَّ اللَّه إِلَى الْحُوت رُوحه , فَسَرَبَ لَهُ مِنْ الْجِسْر حَتَّى أَفْضَى إِلَى الْبَحْر , ثُمَّ سَلَكَ فَجَعَلَ لَا يَسْلُك فِيهِ طَرِيقًا إِلَّا صَارَ مَاء جَامِدًا . قَالَ : وَمَضَى مُوسَى وَفَتَاهُ ; يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْت إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيت الْحُوت } . ... ثُمَّ تَلَا إِلَى قَوْله : { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } فَلَقِيَا رَجُلًا عَالِمًا يُقَال لَهُ الْخَضِر , فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِر خَضِرًا لِأَنَّهُ قَعَدَ عَلَى فَرْوَة بَيْضَاء , فَاهْتَزَّتْ بِهِ خَضْرَاء " . 17498 - حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : ثنا الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرّ بْن قَيْس بْن حِصْن الْفَزَارِيّ فِي صَاحِب مُوسَى , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ خَضِر , فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيّ بْن كَعْب , فَدَعَاهُ اِبْن عَبَّاس فَقَالَ : إِنِّي تَمَارَيْت أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِب مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيل إِلَى لُقِيّه , فَقَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُر شَأْنه ؟ قَالَ : إِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " بَيْنَا مُوسَى فِي مَلَأ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل ! جَاءَ رَجُل فَقَالَ : تَعْلَم مَكَان أَحَد أَعْلَم مِنْك ؟ قَالَ مُوسَى : لَا , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : بَلَى عَبْدنَا خَضِر , فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَى لُقِيّه , فَجَعَلَ اللَّه لَهُ الْحُوت آيَة , وَقِيلَ لَهُ : إِذَا فَقَدْت الْحُوت فَارْجِعْ فَإِنَّك سَتَلْقَاهُ , فَكَانَ مُوسَى يَتْبَع أَثَر الْحُوت فِي الْبَحْر , فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى : أَرَأَيْت إِذْ آوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة , فَإِنِّي نَسِيت الْحُوت , قَالَ مُوسَى : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ , فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا , فَوَجَدَا عَبْدنَا خَضِرًا , وَكَانَ مِنْ شَأْنهمَا مَا قَصَّ اللَّه فِي كِتَابه " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُمَر النُّمَيْرِيّ , عَنْ يُونُس بْن يَزِيد , قَالَ : سَمِعْت الزُّهْرِيّ يُحَدِّث , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرّ بْن قَيْس بْن حِصْن الْفَزَارِيّ فِي صَاحِب مُوسَى , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث الْعَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعك عَلَى أَنْ تُعَلِّمَن مِمَّا عُلِّمْت رُشْدًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ مُوسَى لِلْعَالِمِ : { هَلْ أَتَّبِعك عَلَى أَنْ تُعَلِّمَن } مِنْ الْعِلْم الَّذِي عَلَّمَك اللَّه مَا هُوَ رَشَاد إِلَى الْحَقّ , وَدَلِيل عَلَى هُدًى ؟
{ قَالَ إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ الْعَالِم : إِنَّك لَنْ تُطِيق الصَّبْر مَعِيَ , وَذَلِكَ أَنِّي أَعْمَل بِبَاطِنِ عِلْم عَلَّمَنِيهِ اللَّه , وَلَا عِلْم لَك إِلَّا بِظَاهِرٍ مِنْ الْأُمُور , فَلَا تَصْبِر عَلَى مَا تَرَى مِنْ الْأَفْعَال , كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَبْل مِنْ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يَعْمَل عَلَى الْغَيْب قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَيْف تَصْبِر عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } يَقُول عَزَّ ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قَوْل الْعَالِم لِمُوسَى : وَكَيْف تَصْبِر يَا مُوسَى عَلَى مَا تَرَى مِنِّي مِنْ الْأَفْعَال الَّتِي لَا عِلْم لَك بِوُجُوهِ صَوَابهَا , وَتُقِيم مَعِيَ عَلَيْهَا , وَأَنْتَ إِنَّمَا تَحْكُم عَلَى صَوَاب الْمُصِيب وَخَطَأ الْمُخْطِئ بِالظَّاهِرِ الَّذِي عِنْدك , وَبِمَبْلَغِ عِلْمك , وَأَفْعَالِي تَقَع بِغَيْرِ دَلِيل ظَاهِر لِرَأْيِ عَيْنك عَلَى صَوَابهَا , لِأَنَّهَا تُبْتَدَأ لِأَسْبَابٍ تَحْدُث آجِلَة غَيْر عَاجِلَة , لَا عِلْم لَك بِالْحَادِثِ عَنْهَا , لِأَنَّهَا غَيْب , وَلَا تُحِيط بِعِلْمِ الْغَيْب خُبْرًا يَقُول عِلْمًا .
قَالَ : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه صَابِرًا } عَلَى مَا أَرَى مِنْك وَإِنْ كَانَ خِلَافًا لِمَا هُوَ عِنْدِي صَوَاب { وَلَا أَعْصِي لَك أَمْرًا } يَقُول : وَأَنْتَهِي إِلَى مَا تَأْمُرنِي , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا هَوَايَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَإِنْ اِتَّبَعْتنِي فَلَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء حَتَّى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا } يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى : قَالَ الْعَالِم لِمُوسَى : فَإِنْ اِتَّبَعْتنِي الْآن فَلَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء أَعْمَلهُ مِمَّا تَسْتَنْكِرهُ , فَإِنِّي قَدْ أَعْلَمْتُك أَنِّي أَعْمَل الْعَمَل عَلَى الْغَيْب الَّذِي لَا تُحِيط بِهِ عِلْمًا { حَتَّى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا } يَقُول : حَتَّى أُحْدِث أَنَا لَك مِمَّا تَرَى مِنْ الْأَفْعَال الَّتِي أَفْعَلهَا الَّتِي تَسْتَنْكِرهَا أَذْكُرهَا لَك وَأُبَيِّن لَك شَأْنهَا , وَأَبْتَدِئك الْخَبَر عَنْهَا , كَمَا : 17499 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { فَلَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء حَتَّى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا } يَعْنِي عَنْ شَيْء أَصْنَعهُ حَتَّى أُبَيِّن لَك شَأْنه .
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَة خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتهَا لِتُغْرِق أَهْلهَا لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَانْطَلَقَ مُوسَى وَالْعَالِم يَسِيرَانِ يَطْلُبَانِ سَفِينَة يَرْكَبَانِهَا , حَتَّى إِذَا أَصَابَاهَا رَكِبَا فِي السَّفِينَة , فَلَمَّا رَكِبَاهَا , خَرَقَ الْعَالِم السَّفِينَة , قَالَ لَهُ مُوسَى : أَخَرَقْتهَا بَعْد مَا لَجِجْنَا فِي الْبَحْر { لِتُغْرِق أَهْلهَا لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } يَقُول : لَقَدْ جِئْت شَيْئًا عَظِيمًا , وَفَعَلْت فِعْلًا مُنْكَرًا . 17500 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } : أَيْ عَجَبًا , إِنَّ قَوْمًا لَجَّجُوا سَفِينَتهمْ فَخَرَقْتهَا , كَأَحْوَج مَا نَكُون إِلَيْهَا , وَلَكِنْ عَلِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَم نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوسَى ذَلِكَ مِنْ عِلْم اللَّه الَّذِي آتَاهُ , وَقَدْ قَالَ لِنَبِيِّ اللَّه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام : { فَإِنْ اِتَّبَعْتنِي فَلَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء حَتَّى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا } * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } يَقُول : نُكْرًا . 17501 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا إِمْرًا } قَالَ : مُنْكَرًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَالْإِمْر : فِي كَلَام الْعَرَب : الدَّاهِيَة ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : قَدْ لَقِيَ الْأَقْرَان مِنِّي نُكْرًا دَاهِيَة دَهْيَاء إِدًّا إِمْرًا وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : أَصْله : كُلّ شَيْء شَدِيد كَثِير , وَيَقُول مِنْهُ : قِيلَ لِلْقَوْمِ : قَدْ أَمِرُوا : إِذَا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ أَمْرهمْ . قَالَ : وَالْمَصْدَر مِنْهُ : الْآمِر , وَالِاسْم : الْإِمْر . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { لِتُغْرِق أَهْلهَا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ { لِتُغْرِق أَهْلهَا } بِالتَّاءِ فِي لِتُغْرِق , وَنَصَبَ الْأَهْل , بِمَعْنَى : لِتُغْرِق أَنْتَ أَيّهَا الرَّجُل أَهْل هَذِهِ السَّفِينَة بِالْخَرْقِ الَّذِي خَرَقْت فِيهَا . وَقَرَأَهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " لِيَغْرَق " بِالْيَاءِ أَهْلهَا بِالرَّفْعِ , عَلَى أَنَّ الْأَهْل هُمْ الَّذِينَ يَغْرَقُونَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهمَا , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَإِنَّمَا قُلْنَا : هُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى , لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ إِنْكَار مُوسَى عَلَى الْعَالِم خَرْق السَّفِينَة إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْده أَنَّ ذَلِكَ سَبَب لِغَرَقِ أَهْلهَا إِذَا أُحْدِثَ مِثْل ذَلِكَ الْحَدَث فِيهَا فَلَا خَفَاء عَلَى أَحَد مَعْنَى ذَلِكَ قُرِئَ بِالتَّاءِ وَنَصَبَ الْأَهْل , أَوْ بِالْيَاءِ وَرَفَعَ الْأَهْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل تَعَالَى : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا } يَقُول عَزَّ ذِكْره : { قَالَ } الْعَالِم لِمُوسَى إِذْ قَالَ لَهُ مَا قَالَ { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا } عَلَى مَا تَرَى مِنْ أَفْعَالِي , لِأَنَّك تَرَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا .
قَالَ لَهُ مُوسَى : { لَا تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيت } فَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ هَذَا الْكَلَام مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِلْعَالِمِ مُعَارَضَة , لَا أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ عَهْده , وَمَا كَانَ تَقَدَّمَ فِيهِ حِين اِسْتَصْحَبَهُ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ اِتَّبَعْتنِي فَلَا تَسْأَلنِي عَنْ شَيْء حَتَّى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْرًا } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 17502 - حَدَّثَنَا عَنْ يَحْيَى بْن زِيَاد , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن الْمُهَلَّب , عَنْ رَجُل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب الْأَنْصَارِيّ فِي قَوْله : { لَا تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيت } قَالَ : لَمْ يَنْسَ , وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَارِيض الْكَلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُؤَاخِذنِي بِتَرْكِي عَهْدك , وَوَجْه أَنَّ مَعْنَى النِّسْيَان : التَّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17503 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس { قَالَ لَا تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيت } : أَيْ بِمَا تَرَكْت مِنْ عَهْدك . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ مُوسَى سَأَلَ صَاحِبه أَنْ لَا يُؤَاخِذهُ بِمَا نَسِيَ فِيهِ عَهْده مِنْ سُؤَاله إِيَّاهُ عَلَى وَجْه مَا فَعَلَ وَسَبَبه لَا بِمَا سَأَلَهُ عَنْهُ , وَهُوَ لِعَهْدِهِ ذَاكِر لِلصَّحِيحِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ مِنْ الْخَبَر , وَذَلِكَ مَا : 17504 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيت } قَالَ : " كَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا " .
وَقَوْله : { وَلَا تُرْهِقنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا } يَقُول : لَا تَغْشَنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا , يَقُول : لَا تُضَيِّق عَلَيَّ أَمْرِي مَعَك , وَصُحْبَتِي إِيَّاكَ .
وَقَوْله : { وَلَا تُرْهِقنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا } يَقُول : لَا تَغْشَنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا , يَقُول : لَا تُضَيِّق عَلَيَّ أَمْرِي مَعَك , وَصُحْبَتِي إِيَّاكَ .
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْت نَفْسًا زَكِيَّة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ } الْعَالِم , ف { قَالَ } لَهُ مُوسَى : { أَقَتَلْت نَفْسًا زَكِيَّة } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة : " أَقَتَلْت نَفْسًا زَاكِيَة " وَقَالُوا مَعْنَى ذَلِكَ : الْمُطَهَّرَة الَّتِي لَا ذَنْب لَهَا , وَلَمْ تُذْنِب قَطُّ لِصِغَرِهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { نَفْسًا زَكِيَّة } بِمَعْنَى : التَّائِبَة الْمَغْفُور لَهَا ذُنُوبهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17505 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَقَتَلْت نَفْسًا زَكِيَّة } وَالزَّكِيَّة : التَّائِبَة . 17506 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قَالَ أَقَتَلْت نَفْسًا زَكِيَّة } قَالَ : الزَّكِيَّة : التَّائِبَة . 17507 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر { أَقَتَلْت نَفْسًا زَاكِيَة } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : تَائِبَة , هَكَذَا فِي حَدِيث الْحَسَن وَشَهْر زَاكِيَة . 17508 - حَدَّثَتْ عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { نَفْسًا زَكِيَّة } قَالَ : تَائِبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ : مَعْنَاهَا الْمُسْلِمَة الَّتِي لَا ذَنْب لَهَا : 17509 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْن مُسْلِم , أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : وَجَدَ خَضِر غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ , فَأَخَذَ غُلَامًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ . قَالَ : وَأَخْبَرَنِي وَهْب بْن سُلَيْمَان عَنْ شُعَيْب الْجَبِئِيّ قَالَ : اِسْم الْغُلَام الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِر : جَيْسُور " قَالَ أَقَتَلْت نَفْسًا زَاكِيَة " قَالَ : مُسْلِمَة . قَالَ : وَقَرَأَهَا اِبْن عَبَّاس : { زَكِيَّة } كَقَوْلِك : زَكِيًّا . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْكُوفَة يَقُول : مَعْنَى الزَّكِيَّة وَالزَّاكِيَة وَاحِد , كَالْقَاسِيَةِ وَالْقَسِيَّة , وَيَقُول : هِيَ الَّتِي لَمْ تَجْنِ شَيْئًا , وَذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي لِأَنِّي لَمْ أَجِد فَرْقًا بَيْنهمَا فِي شَيْء مِنْ كَلَام الْعَرَب . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِأَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار بِمَعْنًى وَاحِد .
وَقَوْله : { بِغَيْرِ نَفْس } يَقُول : بِغَيْرِ قِصَاص بِنَفْسٍ قُتِلَتْ , فَلَزِمَهَا الْقَتْل قَوَدًا بِهَا .
وَقَوْله : { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا نُكْرًا } يَقُول : لَقَدْ جِئْت بِشَيْءٍ مُنْكَر , وَفَعَلْت فِعْلًا غَيْر مَعْرُوف . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17510 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا نُكْرًا } وَالنُّكْر أَشَدّ مِنْ الْإِمْر .
وَقَوْله : { بِغَيْرِ نَفْس } يَقُول : بِغَيْرِ قِصَاص بِنَفْسٍ قُتِلَتْ , فَلَزِمَهَا الْقَتْل قَوَدًا بِهَا .
وَقَوْله : { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا نُكْرًا } يَقُول : لَقَدْ جِئْت بِشَيْءٍ مُنْكَر , وَفَعَلْت فِعْلًا غَيْر مَعْرُوف . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17510 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَقَدْ جِئْت شَيْئًا نُكْرًا } وَالنُّكْر أَشَدّ مِنْ الْإِمْر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَك إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ الْعَالِم لِمُوسَى { أَلَمْ أَقُلْ لَك إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا } عَلَى مَا تَرَى مِنْ أَفْعَالِي الَّتِي لَمْ تُحِطْ بِهَا خُبْرًا .
قَالَ مُوسَى لَهُ : { إِنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْء بَعْدهَا } يَقُول : بَعْد هَذِهِ الْمَرَّة { فَلَا تُصَاحِبنِي } يَقُول : فَفَارَقَنِي , فَلَا تَكُنْ لِي مُصَاحِبًا { قَدْ بَلَغْت مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا } يَقُول : قَدْ بَلَغْت الْعُذْر فِي شَأْنِي . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " مِنْ لَدُنِي عُذْرًا " بِفَتْحِ اللَّام وَضَمّ الدَّال وَتَخْفِيف النُّون . وَقَرَأَهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة بِفَتْحِ اللَّام وَضَمّ الدَّال وَتَشْدِيد النُّون . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة بِإِشْمَامِ اللَّام الضَّمّ وَتَسْكِين الدَّال وَتَخْفِيف النُّون , وَكَأَنَّ الَّذِينَ شَدَّدُوا النُّون طَلَبُوا لِلنُّونِ الَّتِي فِي لَدُنْ السَّلَامَة مِنْ الْحَرَكَة , إِذْ كَانَتْ فِي الْأَصْل سَاكِنَة , وَلَوْ لَمْ تُشَدَّد لَتَحَرَّكَتْ , فَشَدَّدُوهَا كَرَاهَة مِنْهُمْ تَحْرِيكهَا , كَمَا فَعَلُوا فِي " مِنْ , وَعَنْ " إِذْ أَضَافُوهُمَا إِلَى مَكْنِيّ الْمُخْبِر عَنْ نَفْسه , فَشَدَّدُوهُمَا , فَقَالُوا مِنِّي وَعَنِّي . وَأَمَّا الَّذِينَ خَفَّفُوهَا , فَإِنَّهُمْ وَجَدُوا مَكْنِيّ الْمُخْبِر عَنْ نَفْسه فِي حَال الْخَفْض يَاء وَحْدهَا لَا نُون مَعَهَا , فَأَجْرَوْا ذَلِكَ مِنْ لَدُنْ عَلَى حَسْب مَا جَرَى بِهِ كَلَامهمْ فِي ذَلِكَ مَعَ سَائِر الْأَشْيَاء غَيْرهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء بِالْقُرْآنِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ فَتَحَ اللَّام وَضَمَّ الدَّال وَشَدَّدَ النُّون . لِعِلَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ , وَالْأُخْرَى أَنَّ مُحَمَّد بْن نَافِع الْبَصْرِيّ : 17511 - حَدَّثَنَا , قَالَ : ثنا أُمَيَّة بْن خَالِد , قَالَ : ثنا أَبُو الْجَارِيَة الْعَبْدِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ { قَدْ بَلَغْت مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا } مُثَقَّلَة . 17512 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن مُحَمَّد , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله , وَذُكِرَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : " اِسْتَحْيَا فِي اللَّه مُوسَى " . 17513 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثْنِي , قَالَ : ثنا بَدَل بْن الْمُحَبَّر , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن رَاشِد , قَالَ : ثنا دَاوُدَ , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { إِنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْء بَعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي قَدْ بَلَغْت مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا } قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِسْتَحْيَا فِي اللَّه مُوسَى عِنْدهَا " . * - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن مُحَمَّد , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ , فَقَالَ ذَات يَوْم : " رَحْمَة اللَّه عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى , لَوْ لَبِثَ مَعَ صَاحِبه لَأَبْصَرَ الْعَجَب وَلَكِنَّهُ قَالَ : إِنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْء بَعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي قَدْ بَلَغْت مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا " مُثَقَّلَة .
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْل قَرْيَة اِسْتَطْعَمَا أَهْلهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَانْطَلَقَ مُوسَى وَالْعَالِم { حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْل قَرْيَة اِسْتَطْعَمَا أَهْلهمَا } مِنْ الطَّعَام فَلَمْ يُطْعِمُوهُمَا وَاسْتَضَافَاهُمْ { فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } يَقُول : وَجَدَا فِي الْقَرْيَة حَائِطًا يُرِيد أَنْ يَسْقُط وَيَقَع ; يُقَال مِنْهُ : اِنْقَضَتْ الدَّار : إِذَا اِنْهَدَمَتْ وَسَقَطَتْ ; وَمِنْهُ اِنْقِضَاض الْكَوْكَب , وَذَلِكَ سُقُوطه وَزَوَاله عَنْ مَكَانه ; وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرُّمَّة : فَانْقَضَّ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيّ مُنْصَلِتَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمُر أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " يُرِيد أَنْ يَنْقَاض " . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة مِنْهُمْ : مَجَاز يَنْقَاض : أَيْ يَنْقَلِع مِنْ أَصْله , وَيَتَصَدَّع , بِمَنْزِلَةِ قَوْلهمْ : قَدْ اِنْقَاضَتْ السِّنّ : أَيْ تَصَدَّعَتْ , وَتَصَدَّعَتْ مِنْ أَصْلهَا , يُقَال : فِرَاق كَقَيْضِ السِّنّ : أَيْ لَا يَجْتَمِع أَهْله . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْكُوفَة مِنْهُمْ : الِانْقِيَاض : الشِّقّ فِي طُول الْحَائِط فِي طَيّ الْبِئْر وَفِي سِنّ الرَّجُل , يُقَال : قَدْ اِنْقَاضَتْ سِنّه : إِذَا اِنْشَقَّتْ طُولًا . وَقِيلَ : إِنَّ الْقَرْيَة الَّتِي اِسْتَطْعَمَ أَهْلهَا مُوسَى وَصَاحِبه , فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا : الْأَيْلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17514 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الزَّارِع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن الْمُعْتَمِر صَاحِب الْكَرَابِيسِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد أَبُو صَالِح , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : اِنْتَابُوا الْأَيْلَة , فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ يَأْتِيهَا فَيَرْجِع مِنْهَا خَائِبًا , وَهِيَ الْأَرْض الَّتِي أَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا , وَهِيَ أَبْعَد أَرْض اللَّه مِنْ السَّمَاء . 17515 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذْ أَتَيَا أَهْل قَرْيَة } وَتَلَا إِلَى قَوْله { لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } شَرّ الْقُرَى الَّتِي لَا تُضِيف الضَّيْف , وَلَا تَعْرِف لِابْنِ السَّبِيل حَقّه . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب فِي مَعْنَى قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } فَقَالَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة : لَيْسَ لِلْحَائِطِ إِرَادَة وَلَا لِلْمَوَاتِ , وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْحَال مِنْ رَثَّة فَهُوَ إِرَادَته . وَهَذَا كَقَوْلِ الْعَرَب فِي غَيْره : يُرِيد الرُّمْح صَدْر أَبِي بَرَاء وَيَرْغَب عَنْ دِمَائِهِ بَنِي عُقَيْل وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : إِنَّمَا كَلَّمَ الْقَوْم بِمَا يَعْقِلُونَ , قَالَ : وَذَلِكَ لَمَّا دَنَا مِنْ الِانْقِضَاض , جَازَ أَنْ يَقُول : يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ , قَالَ : وَمِثْله { تَكَاد السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ } وَقَوْلهمْ : إِنِّي لَأَكَاد أَطِير مِنْ الْفَرَح , وَأَنْتَ لَمْ تَقْرَب مِنْ ذَلِكَ , وَلَمْ تَهُمّ بِهِ , وَلَكِنْ لِعَظِيمِ الْأَمْر عِنْدك . وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ مِنْهُمْ : مِنْ كَلَام الْعَرَب أَنْ يَقُولُوا : الْجِدَار يُرِيد أَنْ يَسْقُط ; قَالَ : وَمِثْله مِنْ قَوْل الْعَرَب قَوْل الشَّاعِر : إِنَّ دَهْرًا يَلُفّ شَمِلِي بِجُمْلٍ لَزَمَان يَهُمّ بِالْإِحْسَانِ وَقَوْل الْآخَر : يَشْكُو إِلَيَّ جَمَلِي طُول السُّرَى صَبْرًا جَمِيلًا فَكِلَانَا مُبْتَلَى قَالَ : وَالْجَمَل لَمْ يَشْكُ , إِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ لَقَالَ ذَلِكَ ; قَالَ : وَكَذَلِكَ قَوْل عَنْتَرَة : وَازْوَرَّ مِنْ وَقْع اِلْقَنَا بِلِبَانِهِ وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُم قَالَ : وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَب } 7 154 وَالْغَضَب لَا يَسْكُت , وَإِنَّمَا يَسْكُت صَاحِبه . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : سَكَنَ . وَقَوْله : { فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْر } 47 21 إِنَّمَا يَعْزِم أَهْله . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : هَذَا مِنْ أَفْصَح كَلَام الْعَرَب , وَقَالَ : إِنَّمَا إِرَادَة الْجِدَار : مَيْله , كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا " وَإِنَّمَا هُوَ أَنْ تَكُون نَارَانِ كُلّ وَاحِدَة مِنْ صَاحِبَتهَا بِمَوْضِعٍ لَوْ قَامَ فِيهِ إِنْسَان رَأَى الْأُخْرَى فِي الْقُرْب ; قَالَ : وَهُوَ كَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَصْنَام : { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } 7 198 قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول : دَارِي تَنْظُر إِلَى دَار فُلَان , تَعْنِي : قُرْب مَا بَيْنهمَا ; وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ ذِي الرُّمَّة فِي وَصْفه حَوْضًا أَوْ مَنْزِلًا دَارِسًا : قَدْ كَادَ أَوْ قَدْ هَمَّ بِالْبُيُودِ قَالَ : فَجَعَلَهُ يَهُمّ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : أَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ لِلْبِلَى . وَاَلَّذِي نَقُول بِهِ فِي ذَلِكَ إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره بِلُطْفِهِ , جَعَلَ الْكَلَام بَيْن خَلْقه رَحْمَة مِنْهُ بِهِمْ , لِيُبَيِّن بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَمَّا فِي ضَمَائِرهمْ . مِمَّا لَا تُحِسّهُ أَبْصَارهمْ , وَقَدْ عَقَلَتْ الْعَرَب مَعْنَى الْقَائِل : فِي مَهْمَة قَلِقَتْ بِهِ هَامَاتهَا قَلَقَ الْفُؤُوس إِذَا أَرَدْنَ نُصُولَا وَفَهِمْت أَنَّ الْفُؤُوس لَا تُوصَف بِمَا يُوصَف بِهِ بَنُو آدَم مِنْ ضَمَائِر الصُّدُور مَعَ وَصْفهَا إِيَّاهُمَا بِأَنَّهَا تُرِيد . وَعَلِمْت مَا يُرِيد الْقَائِل بِقَوْلِهِ : كَمِثْلِ هَيْل النَّقَا طَافَ الْمُشَاة بِهِ يَنْهَال حِينًا وَيَنْهَاهُ الثَّرَى حِينَا وَإِنَّمَا لَمْ يُرِدْ أَنَّ الثَّرَى نَطَقَ , وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ تَلَبَّدَ بِالنَّدَى , فَمَنَعَهُ مِنْ الِانْهِيَال , فَكَانَ مَنْعه إِيَّاهُ مِنْ ذَلِكَ كَالنَّهْيِ مِنْ ذَوِي الْمَنْطِق فَلَا يَنْهَال . وَكَذَلِكَ قَوْله : { جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَعْنَاهُ : قَدْ قَارَبَ مِنْ أَنْ يَقَع أَوْ يَسْقُط , وَإِنَّمَا خَاطَبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْقُرْآنِ مَنْ أُنْزِلَ الْوَحْي بِلِسَانِهِ , وَقَدْ عَقَلُوا مَا عَنَى بِهِ وَإِنْ اِسْتَعْجَمَ عَنْ فَهْمه ذَوُو الْبَلَادَة وَالْعَمَى , وَضَلَّ فِيهِ ذَوُو الْجَهَالَة وَالْغَبَا .
وَقَوْله : { فَأَقَامَهُ } ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : هَدَمَهُ ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيه . 17516 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 17517 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } قَالَ : رَفَعَ الْجِدَار بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ صَاحِب مُوسَى وَمُوسَى وَجَدَا جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ فَأَقَامَهُ صَاحِب مُوسَى , بِمَعْنَى : عَدَّلَ مَيْله حَتَّى عَادَ مُسْتَوِيًا . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ ذَلِكَ بِإِصْلَاحِ بَعْد هَدْم . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ بِرَفْعٍ مِنْهُ لَهُ بِيَدِهِ , فَاسْتَوَى بِقُدْرَةِ اللَّه , وَزَالَ عَنْهُ مَيْله بِلُطْفِهِ , وَلَا دَلَالَة مِنْ كِتَاب اللَّه وَلَا خَبَر لِلْعُذْرِ قَاطِع بِأَيِّ , ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيّ .
وَقَوْله : { قَالَ لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } يَقُول : قَالَ مُوسَى لِصَاحِبِهِ : لَوْ شِئْت لَمْ تُقِمْ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم جِدَارهمْ حَتَّى يُعْطُوك عَلَى إِقَامَتك أَجْرًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّا عَنَى مُوسَى بِالْأَجْرِ الَّذِي قَالَ لَهُ { لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } الْقِرَى : أَيْ حَتَّى يَقْرُونَا , فَإِنَّهُمْ قَدْ أَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُونَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْعِوَض وَالْجَزَاء عَلَى إِقَامَته الْحَائِط الْمَائِل . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة { لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } عَلَى التَّوْجِيه مِنْهُمْ لَهُ إِلَى أَنَّهُ لَافْتَعَلْت مِنْ الْأَخْذ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة " لَوْ شِئْت لَتَخِذْت " بِتَخْفِيفِ التَّاء وَكَسْر الْخَاء , وَأَصْله : لَافْتَعَلْت , غَيْر أَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّاء كَأَنَّهُمْ مِنْ أَصْل الْكَلِمَة , وَلِأَنَّ الْكَلَام عِنْدهمْ فِي فَعَلَ وَيَفْعَل مِنْ ذَلِكَ : تَخِذَ فُلَان كَذَا يَتْخَذهُ تَخْذًا , وَهِيَ لُغَة فِيمَا ذَكَرَ لِهُذَيْلٍ . وَقَالَ بَعْض الشُّعَرَاء : وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي لَدَى جَنْب غَرْزهَا نَسِيفًا كَأُفْحُوصِ الْقَطَاة الْمُطَرَّق وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مِنْ لُغَات الْعَرَب بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنِّي أَخْتَار قِرَاءَته بِتَشْدِيدِ التَّاء عَلَى لَافْتَعَلْت , لِأَنَّهَا أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرهمَا , وَأَكْثَرهمَا عَلَى أَلْسُن الْعَرَب .
وَقَوْله : { فَأَقَامَهُ } ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : هَدَمَهُ ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيه . 17516 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 17517 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } قَالَ : رَفَعَ الْجِدَار بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ صَاحِب مُوسَى وَمُوسَى وَجَدَا جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ فَأَقَامَهُ صَاحِب مُوسَى , بِمَعْنَى : عَدَّلَ مَيْله حَتَّى عَادَ مُسْتَوِيًا . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ ذَلِكَ بِإِصْلَاحِ بَعْد هَدْم . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ بِرَفْعٍ مِنْهُ لَهُ بِيَدِهِ , فَاسْتَوَى بِقُدْرَةِ اللَّه , وَزَالَ عَنْهُ مَيْله بِلُطْفِهِ , وَلَا دَلَالَة مِنْ كِتَاب اللَّه وَلَا خَبَر لِلْعُذْرِ قَاطِع بِأَيِّ , ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيّ .
وَقَوْله : { قَالَ لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } يَقُول : قَالَ مُوسَى لِصَاحِبِهِ : لَوْ شِئْت لَمْ تُقِمْ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم جِدَارهمْ حَتَّى يُعْطُوك عَلَى إِقَامَتك أَجْرًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّا عَنَى مُوسَى بِالْأَجْرِ الَّذِي قَالَ لَهُ { لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } الْقِرَى : أَيْ حَتَّى يَقْرُونَا , فَإِنَّهُمْ قَدْ أَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُونَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْعِوَض وَالْجَزَاء عَلَى إِقَامَته الْحَائِط الْمَائِل . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة { لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } عَلَى التَّوْجِيه مِنْهُمْ لَهُ إِلَى أَنَّهُ لَافْتَعَلْت مِنْ الْأَخْذ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة " لَوْ شِئْت لَتَخِذْت " بِتَخْفِيفِ التَّاء وَكَسْر الْخَاء , وَأَصْله : لَافْتَعَلْت , غَيْر أَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّاء كَأَنَّهُمْ مِنْ أَصْل الْكَلِمَة , وَلِأَنَّ الْكَلَام عِنْدهمْ فِي فَعَلَ وَيَفْعَل مِنْ ذَلِكَ : تَخِذَ فُلَان كَذَا يَتْخَذهُ تَخْذًا , وَهِيَ لُغَة فِيمَا ذَكَرَ لِهُذَيْلٍ . وَقَالَ بَعْض الشُّعَرَاء : وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي لَدَى جَنْب غَرْزهَا نَسِيفًا كَأُفْحُوصِ الْقَطَاة الْمُطَرَّق وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مِنْ لُغَات الْعَرَب بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنِّي أَخْتَار قِرَاءَته بِتَشْدِيدِ التَّاء عَلَى لَافْتَعَلْت , لِأَنَّهَا أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرهمَا , وَأَكْثَرهمَا عَلَى أَلْسُن الْعَرَب .
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ هَذَا فِرَاق بَيْنِي وَبَيْنك } سَأُنَبِّئُك بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ صَاحِب مُوسَى لِمُوسَى : هَذَا الَّذِي قُلْته وَهُوَ قَوْله { لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْرًا } { فِرَاق بَيْنِي وَبَيْنك } يَقُول : فِرْقَة مَا بَيْنِي وَبَيْنك : أَيْ مَفْرِق بَيْنِي وَبَيْنك.
{ سَأُنَبِّئُك } يَقُول : سَأُخْبِرُك { بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِيع عَلَيْهِ صَبْرًا } يَقُول : بِمَا يَئُول إِلَيْهِ عَاقِبَة أَفْعَالِي الَّتِي فَعَلْتهَا , فَلَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيَّ تَرْك الْمَسْأَلَة عَنْهَا , وَعَنْ النَّكِير عَلَيَّ فِيهَا صَبْرًا , وَاَللَّه أَعْلَم.
{ سَأُنَبِّئُك } يَقُول : سَأُخْبِرُك { بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِيع عَلَيْهِ صَبْرًا } يَقُول : بِمَا يَئُول إِلَيْهِ عَاقِبَة أَفْعَالِي الَّتِي فَعَلْتهَا , فَلَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيَّ تَرْك الْمَسْأَلَة عَنْهَا , وَعَنْ النَّكِير عَلَيَّ فِيهَا صَبْرًا , وَاَللَّه أَعْلَم.
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمَّا السَّفِينَة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر فَأَرَدْت أَنْ أَعِيبهَا } يَقُول : أَمَّا فِعْلِي مَا فَعَلْت بِالسَّفِينَةِ , فَلِأَنَّهَا كَانَتْ لِقَوْمٍ مَسَاكِين { يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر فَأَرَدْت أَنْ أَعِيبهَا } بِالْخَرْقِ الَّذِي خَرَقْتهَا , كَمَا : 17518 - حَدَّثَنِي اِبْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَأَرَدْت أَنْ أَعِيبهَا } قَالَ : أَخْرِقهَا . * - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , مِثْله .
وَقَوْله : { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك } وَكَانَ أَمَامهمْ وَقُدَّامهمْ مَلِك . كَمَا : 17519 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك } قَالَ قَتَادَة : أَمَامهمْ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّم } 45 10 وَهِيَ بَيْن أَيْدِيهمْ . 17520 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ فِي الْقِرَاءَة : وَكَانَ أَمَامهمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَحِيحَة غَصْبًا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : وَكَانَ أَمَامهمْ مَلِك . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ جَعَلَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب " وَرَاء " مِنْ حُرُوف الْأَضْدَاد , وَزَعَمَ أَنَّهُ يَكُون لِمَا هُوَ أَمَامه وَلِمَا خَلْفه , وَاسْتُشْهِدَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : أَيَرْجُو بَنُو مَرْوَان سَمْعِي وَطَاعَتِي وَقَوْمِي تَمِيم وَالْفَلَاة وَرَائِيَا بِمَعْنَى أَمَامِي , وَقَدْ أُغْفِلَ وَجْه الصَّوَاب فِي ذَلِكَ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَا بَيْن يَدَيْهِ : هُوَ وَرَائِي , لِأَنَّك مِنْ وَرَائِهِ , فَأَنْتَ مُلَاقِيه كَمَا هُوَ مُلَاقِيك , فَصَارَ : إِذْ كَانَ مُلَاقِيك , كَأَنَّهُ مِنْ وَرَائِك وَأَنْتَ أَمَامه . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْكُوفَة لَا يُجِيز أَنْ يُقَال لِرَجُلٍ بَيْن يَدَيْك : هُوَ وَرَائِي , وَلَا إِذَا كَانَ وَرَاءَك أَنْ يُقَال : هُوَ أَمَامِي , وَيَقُول : إِنَّمَا يَجُوز ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيت مِنْ الْأَيَّام وَالْأَزْمِنَة كَقَوْلِ الْقَائِل : وَرَاءَك بَرْد شَدِيد , وَبَيْن يَدَيْك حَرّ شَدِيد , لِأَنَّك أَنْتَ وَرَاءَهُ , فَجَازَ لِأَنَّهُ شَيْء يَأْتِي , فَكَأَنَّهُ إِذَا لَحِقَك صَارَ مِنْ وَرَائِك , وَكَأَنَّك إِذَا بَلَغْته صَارَ بَيْن يَدَيْك . قَالَ : فَلِذَلِكَ جَازَ الْوَجْهَانِ .
وَقَوْله : { يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا } فَيَقُول الْقَائِل : فَمَا أَغْنَى خَرْق هَذَا الْعَالِم السَّفِينَة الَّتِي رَكِبَهَا عَنْ أَهْلهَا , إِذْ كَانَ مِنْ أَجْل خَرْقهَا يَأْخُذ السُّفُن كُلّهَا , مَعِيبهَا وَغَيْر مَعِيبهَا , وَمَا كَانَ وَجْه اِعْتِلَاله فِي خَرْقهَا بِأَنَّهُ خَرَقَهَا , لِأَنَّ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ , أَنَّهُ يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَحِيحَة غَصْبًا , وَيَدَع مِنْهَا كُلّ مَعِيبَة , لَا أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ صِحَاحهَا وَغَيْر صِحَاحهَا . فَإِنْ قَالَ : وَمَا الدَّلِيل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ؟ قِيلَ : قَوْله : { فَأَرَدْت أَنْ أَعِيبهَا } فَأَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَابَهَا , لِأَنَّ الْمَعِيبَة مِنْهَا لَا يَعْرِض لَهَا , فَاكْتَفَى بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقَال : وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَحِيحَة غَصْبًا ; عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْض الْقِرَاءَات كَذَلِكَ . 17521 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : هِيَ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود : " وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَالِحَة غَصْبًا " . 17522 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحَسَن بْن دِينَار , عَنْ الْحَكَم بْن عُيَيْنَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَالِحَة غَصْبًا " . وَإِنَّمَا عِبْتهَا لِأَرُدّهُ عَنْهَا . 17523 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا } فَإِذَا خَلَّفُوهُ أَصْلَحُوهَا بِزِفْتٍ فَاسْتَمْتَعُوا بِهَا . قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي وَهْب بْن سُلَيْمَان , عَنْ شُعَيْب الْجَبِئِيّ , أَنَّ اِسْم الرَّجُل الَّذِي كَانَ يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا : هُدَد بْن بُدَد .
وَقَوْله : { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك } وَكَانَ أَمَامهمْ وَقُدَّامهمْ مَلِك . كَمَا : 17519 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك } قَالَ قَتَادَة : أَمَامهمْ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّم } 45 10 وَهِيَ بَيْن أَيْدِيهمْ . 17520 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ فِي الْقِرَاءَة : وَكَانَ أَمَامهمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَحِيحَة غَصْبًا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : وَكَانَ أَمَامهمْ مَلِك . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ جَعَلَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب " وَرَاء " مِنْ حُرُوف الْأَضْدَاد , وَزَعَمَ أَنَّهُ يَكُون لِمَا هُوَ أَمَامه وَلِمَا خَلْفه , وَاسْتُشْهِدَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : أَيَرْجُو بَنُو مَرْوَان سَمْعِي وَطَاعَتِي وَقَوْمِي تَمِيم وَالْفَلَاة وَرَائِيَا بِمَعْنَى أَمَامِي , وَقَدْ أُغْفِلَ وَجْه الصَّوَاب فِي ذَلِكَ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَا بَيْن يَدَيْهِ : هُوَ وَرَائِي , لِأَنَّك مِنْ وَرَائِهِ , فَأَنْتَ مُلَاقِيه كَمَا هُوَ مُلَاقِيك , فَصَارَ : إِذْ كَانَ مُلَاقِيك , كَأَنَّهُ مِنْ وَرَائِك وَأَنْتَ أَمَامه . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْكُوفَة لَا يُجِيز أَنْ يُقَال لِرَجُلٍ بَيْن يَدَيْك : هُوَ وَرَائِي , وَلَا إِذَا كَانَ وَرَاءَك أَنْ يُقَال : هُوَ أَمَامِي , وَيَقُول : إِنَّمَا يَجُوز ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيت مِنْ الْأَيَّام وَالْأَزْمِنَة كَقَوْلِ الْقَائِل : وَرَاءَك بَرْد شَدِيد , وَبَيْن يَدَيْك حَرّ شَدِيد , لِأَنَّك أَنْتَ وَرَاءَهُ , فَجَازَ لِأَنَّهُ شَيْء يَأْتِي , فَكَأَنَّهُ إِذَا لَحِقَك صَارَ مِنْ وَرَائِك , وَكَأَنَّك إِذَا بَلَغْته صَارَ بَيْن يَدَيْك . قَالَ : فَلِذَلِكَ جَازَ الْوَجْهَانِ .
وَقَوْله : { يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا } فَيَقُول الْقَائِل : فَمَا أَغْنَى خَرْق هَذَا الْعَالِم السَّفِينَة الَّتِي رَكِبَهَا عَنْ أَهْلهَا , إِذْ كَانَ مِنْ أَجْل خَرْقهَا يَأْخُذ السُّفُن كُلّهَا , مَعِيبهَا وَغَيْر مَعِيبهَا , وَمَا كَانَ وَجْه اِعْتِلَاله فِي خَرْقهَا بِأَنَّهُ خَرَقَهَا , لِأَنَّ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ , أَنَّهُ يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَحِيحَة غَصْبًا , وَيَدَع مِنْهَا كُلّ مَعِيبَة , لَا أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ صِحَاحهَا وَغَيْر صِحَاحهَا . فَإِنْ قَالَ : وَمَا الدَّلِيل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ؟ قِيلَ : قَوْله : { فَأَرَدْت أَنْ أَعِيبهَا } فَأَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَابَهَا , لِأَنَّ الْمَعِيبَة مِنْهَا لَا يَعْرِض لَهَا , فَاكْتَفَى بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقَال : وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَحِيحَة غَصْبًا ; عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْض الْقِرَاءَات كَذَلِكَ . 17521 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : هِيَ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود : " وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَالِحَة غَصْبًا " . 17522 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحَسَن بْن دِينَار , عَنْ الْحَكَم بْن عُيَيْنَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَالِحَة غَصْبًا " . وَإِنَّمَا عِبْتهَا لِأَرُدّهُ عَنْهَا . 17523 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا } فَإِذَا خَلَّفُوهُ أَصْلَحُوهَا بِزِفْتٍ فَاسْتَمْتَعُوا بِهَا . قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي وَهْب بْن سُلَيْمَان , عَنْ شُعَيْب الْجَبِئِيّ , أَنَّ اِسْم الرَّجُل الَّذِي كَانَ يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا : هُدَد بْن بُدَد .
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَمَّا الْغُلَام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَمَّا الْغُلَام , فَإِنَّهُ كَانَ كَافِرًا , وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ , فَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُرْهِقهُمَا . يَقُول : يُغْشِيهِمَا طُغْيَانًا , وَهُوَ الِاسْتِكْبَار عَلَى اللَّه , وَكُفْرًا بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَعْض الْحُرُوف . وَأَمَّا الْغُلَام فَكَانَ كَافِرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17524 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : " وَأَمَّا الْغُلَام فَكَانَ كَافِرًا " فِي حَرْف أُبَيّ , وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا رَبّهمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة وَأَقْرَب رُحْمًا } 17525 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَمَّا الْغُلَام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } وَكَانَ كَافِرًا فِي بَعْض الْقِرَاءَة . وَقَوْله : فَخَشِينَا } وَهِيَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه : " فَخَافَ رَبّك أَنْ يُرْهِقهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا " . 17526 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا عَبْد الْجَبَّار بْن عَبَّاس الْهَمْدَانِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْغُلَام الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِر طُبِعَ يَوْم طُبِعَ كَافِرًا " . وَالْخَشْيَة وَالْخَوْف تُوَجِّههُمَا الْعَرَب إِلَى مَعْنَى الظَّنّ , وَتُوَجِّه هَذِهِ الْحُرُوف إِلَى مَعْنَى الْعِلْم بِالشَّيْءِ الَّذِي يُدْرَك مِنْ غَيْر جِهَة الْحِسّ وَالْعِيَان . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : مَعْنَى قَوْله { خَشِينَا } فِي هَذَا الْمَوْضِع : كَرِهْنَا , لِأَنَّ اللَّه لَا يَخْشَى . وَقَالَ فِي بَعْض الْقِرَاءَات : فَخَافَ رَبّك , قَالَ : وَهُوَ مِثْل خِفْت الرَّجُلَيْنِ أَنْ يَعُولَا , وَهُوَ لَا يَخَاف مِنْ ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنَّهُ يَكْرَههُ لَهُمَا .
وَقَوْله : { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا رَبّهمَا } : اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : " فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا رَبّهمَا " . وَكَانَ بَعْضهمْ يَعْتَلّ لِصِحَّةِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ وَجَدَ ذَلِكَ مُشَدَّدًا فِي عَامَّة الْقُرْآن , كَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } 2 59 وَقَوْله : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة } 16 101 فَأَلْحَقَ قَوْله : { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا بِهِ } وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا } بِتَخْفِيفِ الدَّال . وَكَانَ بَعْض مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : أَبْدَلَ يُبْدِل بِالتَّخْفِيفِ وَبَدَّلَ يُبَدِّل بِالتَّشْدِيدِ : بِمَعْنًى وَاحِد . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , فَبِآيَتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَ أَبَوَيْ الْغُلَام الَّذِي قَتَلَهُ صَاحِب مُوسَى مِنْهُ بِجَارِيَةٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17527 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْمُبَارَك بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس فِي قَوْله : { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا رَبّهمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة وَأَقْرَب رُحْمًا } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهَا جَارِيَة . 17528 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ . ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج . أَخْبَرَنِي سُلَيْمَان بْن أُمَيَّة أَنَّهُ سَمِعَ يَعْقُوب بْن عَاصِم يَقُول : أُبْدِلَا مَكَان الْغُلَام جَارِيَة . 17529 - قَالَ : اِبْن جُرَيْج . وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : أُبْدِلَا مَكَان الْغُلَام جَارِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : أَبْدَلَهُمَا رَبّهمَا بِغُلَامٍ مُسْلِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17530 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ أَبِي جُرَيْج { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا رَبّهمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة وَأَقْرَب رُحْمًا } قَالَ : كَانَتْ أُمّه حُبْلَى يَوْمئِذٍ بِغُلَامٍ مُسْلِم . 17531 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ ذَكَرَ الْغُلَام الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِر , فَقَالَ : قَدْ فَرِحَ بِهِ أَبَوَاهُ حِين وُلِدَ وَحَزَنَا عَلَيْهِ حِين قُتِلَ , وَلَوْ بَقِيَ كَانَ فِيهِ هَلَاكهمَا . فَلْيَرْضَ اِمْرُؤٌ بِقَضَاءِ اللَّه , فَإِنَّ قَضَاء اللَّه لِلْمُؤْمِنِ فِيمَا يَكْرَه خَيْر لَهُ مِنْ قَضَائِهِ فِيمَا يُحِبّ .
وَقَوْله : { خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة } يَقُول : خَيْرًا مِنْ الْغُلَام الَّذِي قَتَلَهُ صَلَاحًا وَدِينًا , كَمَا : 17532 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , ثنا : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا رَبّهمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة } قَالَ : الْإِسْلَام .
وَقَوْله : { وَأَقْرَب رُحْمًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَقْرَب رَحْمَة بِوَالِدَيْهِ وَأَبَرّ بِهِمَا مِنْ الْمَقْتُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17533 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة { وَأَقْرَب رُحْمًا } : أَبَرّ بِوَالِدَيْهِ . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَقْرَب رُحْمًا } ; أَيْ أَقْرَب خَيْرًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَقْرَب أَنْ يَرْحَمهُ أَبَوَاهُ مِنْهُمَا لِلْمَقْتُولِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17534 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج { وَأَقْرَب رُحْمًا } أَرْحَم بِهِ مِنْهُمَا بِاَلَّذِي قَتَلَ الْخَضِر . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَتَأَوَّل ذَلِكَ : وَأَقْرَب أَنْ يَرْحَمَاهُ ; وَالرُّحْم : مَصْدَر رَحِمْت , يُقَال : رَحِمْته رَحْمَة وَرُحْمًا . وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : مِنْ الرَّحِم وَالْقَرَابَة . وَقَدْ يُقَال : رُحْم وَرُحُم مِثْل عُسْر وَعُسُر , وَهُلْك وَهُلُك , وَاسْتُشْهِدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْعَجَّاج : وَلَمْ تُعَوَّج رُحْم مَنْ تَعَوَّجَا وَلَا وَجْه لِلرَّحِمِ فِي هَذَا الْمَوْضِع . لِأَنَّ الْمَقْتُول كَانَ الَّذِي أَبْدَلَ اللَّه مِنْهُ وَالِدَيْهِ وَلَدًا لِأَبَوَيْ الْمَقْتُول , فَقَرَابَتهمَا مِنْ وَالِدَيْهِ , وَقُرْبهمَا مِنْهُ فِي الرَّحِم سَوَاء . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَقْرَب مِنْ الْمَقْتُول أَنْ يَرْحَم وَالِدَيْهِ فَيَبَرّهُمَا كَمَا قَالَ قَتَادَة . وَقَدْ يَتَوَجَّه الْكَلَام إِلَى أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ . وَأَقْرَب أَنْ يَرْحَمَاهُ , غَيْر أَنَّهُ لَا قَائِل مِنْ أَهْل تَأْوِيل تَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ . فَإِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَائِل , فَالصَّوَاب فِيهِ مَا قُلْنَا لِمَا بَيَّنَّا .
وَقَوْله : { خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة } يَقُول : خَيْرًا مِنْ الْغُلَام الَّذِي قَتَلَهُ صَلَاحًا وَدِينًا , كَمَا : 17532 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , ثنا : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلهُمَا رَبّهمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة } قَالَ : الْإِسْلَام .
وَقَوْله : { وَأَقْرَب رُحْمًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَقْرَب رَحْمَة بِوَالِدَيْهِ وَأَبَرّ بِهِمَا مِنْ الْمَقْتُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17533 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة { وَأَقْرَب رُحْمًا } : أَبَرّ بِوَالِدَيْهِ . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَقْرَب رُحْمًا } ; أَيْ أَقْرَب خَيْرًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَقْرَب أَنْ يَرْحَمهُ أَبَوَاهُ مِنْهُمَا لِلْمَقْتُولِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17534 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج { وَأَقْرَب رُحْمًا } أَرْحَم بِهِ مِنْهُمَا بِاَلَّذِي قَتَلَ الْخَضِر . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَتَأَوَّل ذَلِكَ : وَأَقْرَب أَنْ يَرْحَمَاهُ ; وَالرُّحْم : مَصْدَر رَحِمْت , يُقَال : رَحِمْته رَحْمَة وَرُحْمًا . وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : مِنْ الرَّحِم وَالْقَرَابَة . وَقَدْ يُقَال : رُحْم وَرُحُم مِثْل عُسْر وَعُسُر , وَهُلْك وَهُلُك , وَاسْتُشْهِدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْعَجَّاج : وَلَمْ تُعَوَّج رُحْم مَنْ تَعَوَّجَا وَلَا وَجْه لِلرَّحِمِ فِي هَذَا الْمَوْضِع . لِأَنَّ الْمَقْتُول كَانَ الَّذِي أَبْدَلَ اللَّه مِنْهُ وَالِدَيْهِ وَلَدًا لِأَبَوَيْ الْمَقْتُول , فَقَرَابَتهمَا مِنْ وَالِدَيْهِ , وَقُرْبهمَا مِنْهُ فِي الرَّحِم سَوَاء . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَقْرَب مِنْ الْمَقْتُول أَنْ يَرْحَم وَالِدَيْهِ فَيَبَرّهُمَا كَمَا قَالَ قَتَادَة . وَقَدْ يَتَوَجَّه الْكَلَام إِلَى أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ . وَأَقْرَب أَنْ يَرْحَمَاهُ , غَيْر أَنَّهُ لَا قَائِل مِنْ أَهْل تَأْوِيل تَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ . فَإِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَائِل , فَالصَّوَاب فِيهِ مَا قُلْنَا لِمَا بَيَّنَّا .
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَمَّا الْجِدَار فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قَوْل صَاحِب مُوسَى : وَأَمَّا الْحَائِط الَّذِي أَقَمْته , فَإِنَّهُ كَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَة , وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ الْكَنْز , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ صُحُفًا فِيهَا عِلْم مَدْفُونَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17535 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : كَانَ تَحْته كَنْز عِلْم . 17536 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : كَانَ كَنْز عِلْم . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : عِلْم . 17537 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : صُحُف لِغُلَامَيْنِ فِيهَا عِلْم . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن : قَالَ حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : صُحُف عِلْم . 17538 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ ثنا هَنَّادَة اِبْنَة مَالِك الشَّيْبَانِيَّة , قَالَتْ : سَمِعْت صَاحِبِي حَمَّاد بْن الْوَلِيد الثَّقَفِيّ يَقُول : سَمِعْت جَعْفَر بْن مُحَمَّد يَقُول فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ سَطْرَانِ وَنِصْف , لَمْ يَتِمّ الثَّالِث : " عَجِبْت لِلْمُوقِنِ بِالرِّزْقِ كَيْف يَتْعَب , عَجِبْت لِلْمُوقِنِ بِالْحِسَابِ كَيْف يَغْفُل , وَعَجِبْت لِلْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ كَيْف يَفْرَح " وَقَدْ قَالَ : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } 21 47 قَالَتْ : وَذُكِرَ أَنَّهُمَا حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا , وَلَمْ يُذْكَر مِنْهُمَا صَلَاح , وَكَانَ بَيْنهمَا وَبَيْن الْأَب الَّذِي حُفِظَا بِهِ سَبْعَة آبَاء , كَانَ نَسَّاجًا . 17539 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن حَبِيب بْن نُدْبَة , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن مُحَمَّد , عَنْ نُعَيْم الْعَنْبَرِيّ , وَكَانَ مِنْ جُلَسَاء الْحَسَن , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : لَوْح مِنْ ذَهَب مَكْتُوب فِيهِ : " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم : عَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن كَيْف يَحْزَن ! وَعَجِبْت لِمَنْ يُؤْمِن بِالْمَوْتِ كَيْف يَفْرَح ! وَعَجِبْت لِمَنْ يَعْرِف الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا , كَيْف يَطْمَئِنّ إِلَيْهَا ! لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , مُحَمَّد رَسُول اللَّه " . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا كَانَ الْكَنْز إِلَّا عِلْمًا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : صُحُف مِنْ عِلْم . 17540 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , عَنْ عُمَر مَوْلَى غُفْرَة , قَالَ : إِنَّ الْكَنْز الَّذِي قَالَ اللَّه فِي السُّورَة الَّتِي يَذْكُر فِيهَا الْكَهْف { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَب مُصْمَت , مَكْتُوبًا فِيهِ : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم . عَجَب مِمَّنْ عَرَفَ الْمَوْت ثُمَّ ضَحِكَ , عَجَب مِمَّنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ نَصَبَ , عَجَب مِمَّنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ أَمِنَ , أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ مَالًا مَكْنُوزًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17541 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هِشَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : كَنْز مَال . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثْنِي , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله , قَالَ شُعْبَة : وَلَمْ نَسْمَعهُ مِنْهُ . 17542 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَكَانَ تَحْته كَنْز لَهُمَا } قَالَ : مَال لَهُمَا , قَالَ قَتَادَة : أُحِلَّ الْكَنْز لِمَنْ كَانَ قَبْلنَا , وَحُرِّمَ عَلَيْنَا , فَإِنَّ اللَّه يُحِلّ مِنْ أَمْره مَا يَشَاء , وَيُحَرِّم , وَهِيَ السُّنَن وَالْفَرَائِض , وَيُحِلّ لِأُمَّةٍ , وَيُحَرِّم عَلَى أُخْرَى , لَكِنَّ اللَّه لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد مَضَى إِلَّا الْإِخْلَاص وَالتَّوْحِيد لَهُ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَة , لِأَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب أَنَّ الْكَنْز اِسْم لِمَا يُكْنَز مِنْ مَال , وَإِنَّ كُلّ مَا كُنِزَ فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ اِسْم كَنْز , فَإِنَّ التَّأْوِيل مَصْرُوف إِلَى الْأَغْلَب مِنْ اِسْتِعْمَال الْمُخَاطَبِينَ بِالتَّنْزِيلِ , مَا لَمْ يَأْتِ دَلِيل يَجِب مِنْ أَجْله صَرْفه إِلَى غَيْر ذَلِكَ , لِعِلَلٍ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي غَيْر مَوْضِع .
وَقَوْله : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبّك أَنْ يَبْلُغَا أَشُدّهُمَا } يَقُول : فَأَرَادَ رَبّك أَنْ يُدْرِكَا وَيَبْلُغَا قُوَّتهمَا وَشِدَّتهمَا , وَيَسْتَخْرِجَا حِينَئِذٍ كَنْزهمَا الْمَكْنُوز تَحْت الْجِدَار الَّذِي أَقَمْته , رَحْمَة مِنْ رَبّك بِهِمَا , يَقُول : فَعَلْت فِعْل هَذَا بِالْجِدَارِ , رَحْمَة مِنْ رَبّك لِلْيَتِيمَيْنِ . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 17543 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ مِسْعَر , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } قَالَ : حِفْظًا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا , وَمَا ذُكِرَ مِنْهُمَا صَلَاح . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مِسْعَر , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ .
وَقَوْله : { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } يَقُول : وَمَا فَعَلْت يَا مُوسَى جَمِيع الَّذِي رَأَيْتنِي فَعَلْته عَنْ رَأْيِي , وَمِنْ تِلْقَاء نَفْسِي , وَإِنَّمَا فَعَلْته عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّايَ بِهِ , كَمَا : 17544 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } : كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا , فَمَضَى لِأَمْرِ اللَّه . 17545 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } مَا رَأَيْت أَجْمَعَ مَا فَعَلْته عَنْ نَفْسِي .
وَقَوْله : { ذَلِكَ تَأْوِيل مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } يَقُول : هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي مِنْ أَجْلهَا فَعَلْت الْأَفْعَال الَّتِي اِسْتَنْكَرْتهَا مِنِّي , تَأْوِيل . يَقُول : مَا تَئُول إِلَيْهِ وَتَرْجِع الْأَفْعَال الَّتِي لَمْ تَسْطِعْ عَلَى تَرْك مَسْأَلَتك إِيَّايَ عَنْهَا , وَإِنْكَارك لَهَا صَبْرًا . وَهَذِهِ الْقَصَص الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَنْ مُوسَى وَصَاحِبه , تَأْدِيب مِنْهُ لَهُ , وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِتَرْكِ الِاسْتِعْجَال بِعُقُوبَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ وَبِكِتَابِهِ , وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُ أَنَّ أَفْعَاله بِهِمْ وَإِنْ جَرَتْ فِيمَا تَرَى الْأَعْيُن بِمَا قَدْ يَجْرِي مِثْله أَحْيَانًا لِأَوْلِيَائِهِ , فَإِنَّ تَأْوِيله صَائِر بِهِمْ إِلَى أَحْوَال أَعْدَائِهِ فِيهَا , كَمَا كَانَتْ أَفْعَال صَاحِب مُوسَى وَاقِعَة بِخِلَافِ الصِّحَّة فِي الظَّاهِر عِنْد مُوسَى , إِذْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِعَوَاقِبِهَا , وَهِيَ مَاضِيَة عَلَى الصِّحَّة فِي الْحَقِيقَة وَآيِلَة إِلَى الصَّوَاب فِي الْعَاقِبَة , يُنْبِئ عَنْ صِحَّة ذَلِكَ قَوْله : { وَرَبّك الْغَفُور ذُو الرَّحْمَة لَوْ يُؤَاخِذهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَاب بَلْ لَهُمْ مَوْعِد لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونه مَوْئِلًا } 18 58 ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقِصَّةِ مُوسَى وَصَاحِبه , يُعَلِّم نَبِيّه أَنَّ تَرْكه جَلَّ جَلَاله تَعْجِيل الْعَذَاب لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , بِغَيْرِ نَظَر مِنْهُ لَهُمْ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يَحْسَب مَنْ لَا عِلْم لَهُ بِمَا اللَّه مُدَبِّر فِيهِمْ , نَظَرًا مِنْهُ لَهُمْ , لِأَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ صَائِر إِلَى هَلَاكهمْ وَبَوَارهمْ بِالسَّيْفِ فِي الدُّنْيَا وَاسْتِحْقَاقهمْ مِنْ اللَّه فِي الْآخِرَة الْخِزْي الدَّائِم .
وَقَوْله : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبّك أَنْ يَبْلُغَا أَشُدّهُمَا } يَقُول : فَأَرَادَ رَبّك أَنْ يُدْرِكَا وَيَبْلُغَا قُوَّتهمَا وَشِدَّتهمَا , وَيَسْتَخْرِجَا حِينَئِذٍ كَنْزهمَا الْمَكْنُوز تَحْت الْجِدَار الَّذِي أَقَمْته , رَحْمَة مِنْ رَبّك بِهِمَا , يَقُول : فَعَلْت فِعْل هَذَا بِالْجِدَارِ , رَحْمَة مِنْ رَبّك لِلْيَتِيمَيْنِ . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 17543 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ مِسْعَر , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } قَالَ : حِفْظًا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا , وَمَا ذُكِرَ مِنْهُمَا صَلَاح . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مِسْعَر , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ .
وَقَوْله : { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } يَقُول : وَمَا فَعَلْت يَا مُوسَى جَمِيع الَّذِي رَأَيْتنِي فَعَلْته عَنْ رَأْيِي , وَمِنْ تِلْقَاء نَفْسِي , وَإِنَّمَا فَعَلْته عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّايَ بِهِ , كَمَا : 17544 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } : كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا , فَمَضَى لِأَمْرِ اللَّه . 17545 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } مَا رَأَيْت أَجْمَعَ مَا فَعَلْته عَنْ نَفْسِي .
وَقَوْله : { ذَلِكَ تَأْوِيل مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } يَقُول : هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي مِنْ أَجْلهَا فَعَلْت الْأَفْعَال الَّتِي اِسْتَنْكَرْتهَا مِنِّي , تَأْوِيل . يَقُول : مَا تَئُول إِلَيْهِ وَتَرْجِع الْأَفْعَال الَّتِي لَمْ تَسْطِعْ عَلَى تَرْك مَسْأَلَتك إِيَّايَ عَنْهَا , وَإِنْكَارك لَهَا صَبْرًا . وَهَذِهِ الْقَصَص الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَنْ مُوسَى وَصَاحِبه , تَأْدِيب مِنْهُ لَهُ , وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِتَرْكِ الِاسْتِعْجَال بِعُقُوبَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ وَبِكِتَابِهِ , وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُ أَنَّ أَفْعَاله بِهِمْ وَإِنْ جَرَتْ فِيمَا تَرَى الْأَعْيُن بِمَا قَدْ يَجْرِي مِثْله أَحْيَانًا لِأَوْلِيَائِهِ , فَإِنَّ تَأْوِيله صَائِر بِهِمْ إِلَى أَحْوَال أَعْدَائِهِ فِيهَا , كَمَا كَانَتْ أَفْعَال صَاحِب مُوسَى وَاقِعَة بِخِلَافِ الصِّحَّة فِي الظَّاهِر عِنْد مُوسَى , إِذْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِعَوَاقِبِهَا , وَهِيَ مَاضِيَة عَلَى الصِّحَّة فِي الْحَقِيقَة وَآيِلَة إِلَى الصَّوَاب فِي الْعَاقِبَة , يُنْبِئ عَنْ صِحَّة ذَلِكَ قَوْله : { وَرَبّك الْغَفُور ذُو الرَّحْمَة لَوْ يُؤَاخِذهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَاب بَلْ لَهُمْ مَوْعِد لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونه مَوْئِلًا } 18 58 ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقِصَّةِ مُوسَى وَصَاحِبه , يُعَلِّم نَبِيّه أَنَّ تَرْكه جَلَّ جَلَاله تَعْجِيل الْعَذَاب لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , بِغَيْرِ نَظَر مِنْهُ لَهُمْ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يَحْسَب مَنْ لَا عِلْم لَهُ بِمَا اللَّه مُدَبِّر فِيهِمْ , نَظَرًا مِنْهُ لَهُمْ , لِأَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ صَائِر إِلَى هَلَاكهمْ وَبَوَارهمْ بِالسَّيْفِ فِي الدُّنْيَا وَاسْتِحْقَاقهمْ مِنْ اللَّه فِي الْآخِرَة الْخِزْي الدَّائِم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَك عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيَسْأَلك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ مَا كَانَ شَأْنه , وَمَا كَانَتْ قِصَّته , فَقُلْ لَهُمْ : سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَره ذِكْرًا يَقُول : سَأَقُصُّ عَلَيْكُمْ مِنْهُ خَبَرًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْر ذِي الْقَرْنَيْنِ , كَانُوا قَوْمًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَأَمَّا الْخَبَر بِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ كَانُوا مُشْرِكِي قَوْمه فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْل . وَأَمَّا الْخَبَر بِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوهُ , كَانُوا قَوْمًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب . 17546 - فَحَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب عَنْ اِبْن لَهِيعَة , قَالَ : ثَنْي عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد بْن أَنْعَمَ , عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ نَجِيب , قَالَ : أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : اِنْطَلِقْ بِنَا إِلَى عُقْبَة بْن عَامِر نَتَحَدَّث , قَالَا : فَأَتَيَاهُ فَقَالَا : جِئْنَا لِتُحَدِّثنَا , فَقَالَ : كُنْت يَوْمًا أَخْدُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَخَرَجْت مِنْ عِنْده , فَلَقِيَنِي قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالُوا : نُرِيد أَنْ نَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَأْذَنَ لَنَا عَلَيْهِ , فَدَخَلْت عَلَيْهِ , فَأَخْبَرْته , فَقَالَ : " مَا لِي وَمَا لَهُمْ , مَا لِي عِلْم إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّه " , ثُمَّ قَالَ : " اُسْكُبْ لِي مَاء " , فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى , قَالَ : فَمَا فَرَغَ حَتَّى عَرَفْت السُّرُور فِي وَجْهه , ثُمَّ قَالَ : " أَدْخِلْهُمْ عَلَيَّ , وَمَنْ رَأَيْت مِنْ أَصْحَابِي " فَدَخَلُوا فَقَامُوا بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ : " إِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُمْ فَأَخْبَرْتُكُمْ عَمَّا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ مَكْتُوبًا , وَإِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ " , قَالُوا : بَلَى أَخْبَرَنَا , قَالَ : " جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ , وَمَا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ : كَانَ شَابًّا مِنْ الرُّوم , فَجَاءَ فَبَنَى مَدِينَة مِصْر الْإِسْكَنْدَرِيَّة ; فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَهُ مَلَك فَعَلَا بِهِ فِي السَّمَاء , فَقَالَ لَهُ مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : أَرَى مَدِينَتِي وَمَدَائِن , ثُمَّ عَلَا بِهِ , فَقَالَ : مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : أَرَى مَدِينَتِي , ثُمَّ عَلَا بِهِ فَقَالَ : مَا تَرَى ؟ قَالَ : أَرَى الْأَرْض , قَالَ : فَهَذَا الْيَمّ مُحِيط بِالدُّنْيَا , إِنَّ اللَّه بَعَثَنِي إِلَيْك تُعَلِّم الْجَاهِل , وَتُثَبِّت الْعَالِم , فَأَتَى بِهِ السَّدّ , وَهُوَ جَبَلَانِ لَيِّنَانِ يَزْلَق عَنْهُمَا كُلّ شَيْء , ثُمَّ مَضَى بِهِ حَتَّى جَاوَزَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , ثُمَّ مَضَى بِهِ إِلَى أُمَّة أُخْرَى , وُجُوههمْ وُجُوه الْكِلَاب يُقَاتِلُونَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , ثُمَّ مَضَى بِهِ حَتَّى قَطَعَ بِهِ أُمَّة أُخْرَى يُقَاتِلُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وُجُوههمْ وُجُوه الْكِلَاب , ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَطَعَ بِهِ هَؤُلَاءِ إِلَى أُمَّة أُخْرَى قَدْ سَمَّاهُمْ " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ لِذِي الْقَرْنَيْنِ : ذُو الْقَرْنَيْنِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قِيلَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى قَرْنه فَهَلَكَ , ثُمَّ أُحْيِيَ فَضُرِبَ عَلَى الْقَرْن الْآخَر فَهَلَكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17547 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ عُبَيْد الْمُكْتِب , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : سَأَلَ اِبْن الْكَوَّاء عَلِيًّا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ , فَقَالَ : هُوَ عَبْد أَحَبَّ اللَّه فَأَحَبَّهُ , وَنَاصَحَ اللَّه فَنَصَحَهُ , فَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّه فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَقَتَلُوهُ , ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّه , فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَمَاتَ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : سُئِلَ عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ , فَقَالَ : كَانَ عَبْدًا نَاصَحَ اللَّه فَنَاصَحَهُ , فَدَعَا قَوْمه إِلَى اللَّه , فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَمَاتَ , فَأَحْيَاهُ اللَّه , فَدَعَا قَوْمه إِلَى اللَّه , فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَمَاتَ , فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبَى بَزَّة , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا وَسَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ ؟ قَالَ : كَانَ عَبْدًا صَالِحًا , فَأَحَبَّهُ اللَّه فَنَصَحَهُ , فَبَعَثَهُ اللَّه إِلَى قَوْمه , فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ فِي رَأْسه , فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ . وَفِيكُمْ الْيَوْم مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 17548 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَهْل الْبُخَارِيّ , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , قَالَ : قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَلِكًا , فَقِيلَ لَهُ : فَلِمَ سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ ؟ قَالَ : اِخْتَلَفَ فِيهِ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَلِك الرُّوم وَفَارِس . وَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ فِي رَأْسه شِبْه الْقَرْنَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ لِأَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسه كَانَتَا نُحَاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17549 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنَى اِبْن أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : ثني مَنْ لَا أَتَّهِم عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ أَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسه كَانَتَا مِنْ نُحَاس .
وَقَوْله : { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْض وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا } يَقُول : إِنَّا وَطَّأْنَا لَهُ فِي الْأَرْض , { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا } يَقُول وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء : يَعْنِي مَا يَتَسَبَّب إِلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْم بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17550 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا } يَقُول عِلْمًا . 17551 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا } : أَيْ عِلْمًا . 17552 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا } قَالَ : مِنْ كُلّ شَيْء عِلْمًا . 17553 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا } قَالَ : عِلْم كُلّ شَيْء . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا } عِلْمًا . 17554 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا } يَقُول : عِلْمًا .
وَقَوْله : { فَأَتْبَعَ سَبَبًا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة . " فَاتَّبَعَ " بِوَصْلِ الْأَلِف , وَتَشْدِيد التَّاء , بِمَعْنَى : سَلَكَ وَسَارَ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : اِتَّبَعْت أَثَر فُلَان : إِذَا قَفَوْته ; وَسِرْت وَرَاءَهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { فَأَتْبَعَ } بِهَمْزٍ , وَتَخْفِيف التَّاء , بِمَعْنَى لَحِقَ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " فَاتَّبَعَ " بِوَصْلِ الْأَلِف , وَتَشْدِيد التَّاء , لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ مَسِير ذِي الْقَرْنَيْنِ فِي الْأَرْض الَّتِي مُكِّنَ لَهُ فِيهَا , لَا عَنْ لَحَاقه السَّبَب , وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17555 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس " فَاتَّبَعَ سَبَبًا " يَعْنِي بِالسَّبَبِ : الْمَنْزِل . 17556 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { سَبَبًا } قَالَ : مَنْزِلًا وَطَرِيقًا مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد " فَاتَّبَعَ سَبَبًا " قَالَ : طَرِيقًا فِي الْأَرْض . 17557 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة " فَاتَّبَعَ سَبَبًا " : اِتَّبَعَ مَنَازِل الْأَرْض وَمَعَالِمهَا . 17558 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله " فَاتَّبَعَ سَبَبًا " قَالَ : هَذِهِ الْآن سَبَب الطُّرُق كَمَا قَالَ فِرْعَوْن { يَا هَامَان اِبْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَاوَات } 40 36 : 37 قَالَ : طُرُق السَّمَاوَات . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : " فَاتَّبَعَ سَبَبًا " قَالَ : مَنَازِل الْأَرْض . 17559 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : " فَاتَّبَعَ سَبَبًا " قَالَ : الْمَنَازِل .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِب الشَّمْس وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ } ذُو الْقَرْنَيْنِ { مَغْرِب الشَّمْس وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة } , فَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { فِي عَيْن حَمِئَة } بِمَعْنَى : أَنَّهَا تَغْرُب فِي عَيْن مَاء ذَات حَمْأَة , وَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْمَدِينَة , وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " فِي عَيْن حَامِيَة " يَعْنِي أَنَّهَا تَغْرُب فِي عَيْن مَاء حَارَّة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيلهمْ ذَلِكَ عَلَى نَحْو اِخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : { تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة } : 17560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبَى عَدِيّ , عَنْ دَاوُدَ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة } قَالَ : فِي طِين أَسْوَد . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثْنِي , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدَ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ { فِي عَيْن حَمِئَة } قَالَ : ذَات حَمَاة . 17561 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْجُنَيْد , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن سَلَمَة , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ عُثْمَان بْن حَاضِر , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس يَقُول : قَرَأَ مُعَاوِيَة هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ : " عَيْن حَامِيَة " فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا عَيْن حَمِئَة , قَالَ : فَجَعَلَا كَعْبًا بَيْنهمَا , قَالَ : فَأَرْسَلَا إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَسَأَلَاهُ , فَقَالَ كَعْب : أَمَّا الشَّمْس فَإِنَّهَا تَغِيب فِي ثَأْط , فَكَانَتْ عَلَى مَا قَالَ اِبْن عَبَّاس , وَالثَّأْط : الطِّين . * - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني نَافِع بْن أَبِي نُعَيْم , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج يَقُول : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول { فِي عَيْن حَمِئَة } ثُمَّ فَسَّرَهَا ذَات حَمْأَة , قَالَ نَافِع : وَسُئِلَ عَنْهَا كَعْب , فَقَالَ : أَنْتُمْ أَعْلَم بِالْقُرْآنِ مِنِّي , وَلَكِنِّي أَجِدهَا فِي الْكِتَاب تَغِيب فِي طِينَة سَوْدَاء . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة } قَالَ : هِيَ الْحَمْأَة . 17562 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فِي عَيْن حَمِئَة } قَالَ : ثَأْط . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ ذِكْره { تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة } قَالَ : ثَأْطَة . * - قَالَ : وَأَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَرَأْت { فِي عَيْن حَمِئَة } وَقَرَأَ عَمْرو بْن الْعَاص { فِي عَيْن حَامِيَة } فَأَرْسَلْنَا إِلَى كَعْب , فَقَالَ : إِنَّهَا تَغْرُب فِي حَمْأَة طِينَة سَوْدَاء . 17563 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة } وَالْحَمِئَة : الْحَمْأَة السَّوْدَاء . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ وَرْقَاء , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ هَذَا الْحَرْف { فِي عَيْن حَمِئَة } وَيَقُول : حَمْأَة سَوْدَاء تَغْرُب فِيهَا الشَّمْس . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ تَغِيب فِي عَيْن حَارَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17564 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَامِيَة " يَقُول : فِي عَيْن حَارَّة . 17565 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : " فِي عَيْن حَامِيَة " قَالَ : حَارَّة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : " فِي عَيْن حَامِيَة " قَالَ : حَارَّة , وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا الْحَسَن . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , وَلِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا وَجْه صَحِيح وَمَعْنًى مَفْهُوم , وَكِلَا وَجْهَيْهِ غَيْر مُفْسِد أَحَدهمَا صَاحِبه , وَذَلِكَ أَنَّهُ جَائِز أَنْ تَكُون الشَّمْس تَغْرُب فِي عَيْن حَارَّة ذَات حَمْأَة وَطِين , فَيَكُون الْقَارِئ فِي عَيْن حَامِيَة بِصِفَتِهَا الَّتِي هِيَ لَهَا , وَهِيَ الْحَرَارَة , وَيَكُون الْقَارِئ فِي عَيْن حَمِئَة وَاصِفهَا بِصِفَتِهَا الَّتِي هِيَ بِهَا وَهِيَ أَنَّهَا ذَات حَمْأَة وَطِين . وَقَدْ رُوِيَ بِكِلَا صِيغَتَيْهَا اللَّتَيْنِ قُلْت إِنَّهُمَا مِنْ صِفَتَيْهَا أَخْبَار . 17566 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام , قَالَ : ثَنْي مَوْلَى لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : نَظَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّمْس حِين غَابَتْ , فَقَالَ : " فِي نَار اللَّه الْحَامِيَة , فِي نَار اللَّه الْحَامِيَة , لَوْلَا مَا يَزَعهَا مِنْ أَمْر اللَّه لَأَحْرَقَتْ مَا عَلَى الْأَرْض " . 17567 - حَدَّثَنِي الْفَضْل بْن دَاوُدَ الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن دِينَار , عَنْ سَعْد بْن أَوْس , عَنْ مِصْدَع , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ : { حَمِئَة }
وَقَوْله : { وَوَجَدَ عِنْدهَا قَوْمًا } ذُكِرَ أَنَّ أُولَئِكَ الْقَوْم يُقَال لَهُمْ : ناسك .
وَقَوْله : { قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّب } يَقُول : إِمَّا أَنْ تَقْتُلهُمْ إِنْ هُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِقْرَار بِتَوْحِيدِ اللَّه , وَيُذْعِنُوا لَك بِمَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَة رَبّهمْ { وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذ فِيهِمْ حُسْنًا } يَقُول : وَإِمَّا أَنْ تَأْسِرهُمْ فَتُعَلِّمهُمْ الْهُدَى وَتُبَصِّرهُمْ الرَّشَاد.
وَقَوْله : { وَوَجَدَ عِنْدهَا قَوْمًا } ذُكِرَ أَنَّ أُولَئِكَ الْقَوْم يُقَال لَهُمْ : ناسك .
وَقَوْله : { قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّب } يَقُول : إِمَّا أَنْ تَقْتُلهُمْ إِنْ هُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِقْرَار بِتَوْحِيدِ اللَّه , وَيُذْعِنُوا لَك بِمَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَة رَبّهمْ { وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذ فِيهِمْ حُسْنًا } يَقُول : وَإِمَّا أَنْ تَأْسِرهُمْ فَتُعَلِّمهُمْ الْهُدَى وَتُبَصِّرهُمْ الرَّشَاد.
قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبهُ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبهُ } يَقُول : أَمَّا مَنْ كَفَرَ فَسَوْفَ نَقْتُلهُ , 17568 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبهُ } قَالَ : هُوَ الْقَتْل .
وَقَوْله : { ثُمَّ يُرَدّ إِلَى رَبّه فَيُعَذِّبهُ عَذَابًا نُكُرًا } يَقُول : ثُمَّ يَرْجِع إِلَى اللَّه تَعَالَى بَعْد قَتْله , فَيُعَذِّبهُ عَذَابًا عَظِيمًا , وَهُوَ النُّكُر , وَذَلِكَ عَذَاب جَهَنَّم .
وَقَوْله : { ثُمَّ يُرَدّ إِلَى رَبّه فَيُعَذِّبهُ عَذَابًا نُكُرًا } يَقُول : ثُمَّ يَرْجِع إِلَى اللَّه تَعَالَى بَعْد قَتْله , فَيُعَذِّبهُ عَذَابًا عَظِيمًا , وَهُوَ النُّكُر , وَذَلِكَ عَذَاب جَهَنَّم .
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى } يَقُول : وَأَمَّا مَنْ صَدَّقَ اللَّه مِنْهُمْ وَوَحَّدَهُ , وَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ , فَلَهُ عِنْد اللَّه الْحُسْنَى , وَهِيَ الْجَنَّة , { جَزَاء } يَعْنِي ثَوَابًا عَلَى إِيمَانه , وَطَاعَته رَبّه . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة وَالْكُوفَة : " فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى " بِرَفْعِ الْجَزَاء وَإِضَافَته إِلَى الْحُسْنَى . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَهُ وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا : أَنْ يَجْعَل الْحُسْنَى مُرَادًا بِهَا إِيمَانه وَأَعْمَاله الصَّالِحَة , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام إِذَا أُرِيدَ بِهَا ذَلِكَ : وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاؤُهَا , يَعْنِي جَزَاء هَذِهِ الْأَفْعَال الْحَسَنَة . وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِالْحُسْنَى : الْجَنَّة , وَأُضِيفَ الْجَزَاء إِلَيْهَا , كَمَا قِيلَ { وَلَدَار الْآخِرَة خَيْر } 16 30 وَالدَّار : هِيَ الْآخِرَة , وَكَمَا قَالَ : { وَذَلِكَ دِين الْقَيِّمَة } 98 5 وَالدِّين : هُوَ الْقَيِّم . وَقَرَأَ آخَرُونَ : { فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى } بِمَعْنَى : فَلَهُ الْجَنَّة جَزَاء فَيَكُون الْجَزَاء مَنْصُوبًا عَلَى الْمَصْدَر , بِمَعْنَى : يُجَازِيهِمْ جَزَاء الْجَنَّة . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى } بِنَصْبِ الْجَزَاء وَتَنْوِينه عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت , مِنْ أَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة جَزَاء , فَيَكُون الْجَزَاء نَصْبًا عَلَى التَّفْسِير .
وَقَوْله : { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرنَا يُسْرًا } يَقُول : وَسَنُعَلِّمُهُ نَحْنُ فِي الدُّنْيَا مَا تَيَسَّرَ لَنَا تَعْلِيمه مَا يُقِرّ بِهِ إِلَى اللَّه وَيَلِين لَهُ مِنْ الْقَوْل . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا فِي ذَلِكَ . 17569 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى " ح " ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مِنْ أَمْرنَا يُسْرًا } قَالَ مَعْرُوفًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
وَقَوْله : { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرنَا يُسْرًا } يَقُول : وَسَنُعَلِّمُهُ نَحْنُ فِي الدُّنْيَا مَا تَيَسَّرَ لَنَا تَعْلِيمه مَا يُقِرّ بِهِ إِلَى اللَّه وَيَلِين لَهُ مِنْ الْقَوْل . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا فِي ذَلِكَ . 17569 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى " ح " ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مِنْ أَمْرنَا يُسْرًا } قَالَ مَعْرُوفًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ سَارَ وَسَلَكَ ذُو الْقَرْنَيْنِ طُرُقًا وَمَنَازِل , كَمَا : 17570 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا } يَعْنِي مَنْزِلًا . 17571 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا } : مَنَازِل الْأَرْض وَمَعَالِمهَا .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا ↓
{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِع الشَّمْس وَجَدَهَا تَطْلُع عَلَى قَوْم لَمْ نَجْعَل لَهُمْ مِنْ دُونهَا سِتْرًا } : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَوَجَدَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الشَّمْس تَطْلُع عَلَى قَوْم لَمْ نَجْعَل لَهُمْ مِنْ دُونهَا سِتْرًا , وَذَلِكَ أَنَّ أَرْضهمْ لَا جَبَل فِيهَا وَلَا شَجَر , وَلَا تَحْتَمِل بِنَاء , فَيَسْكُنُوا الْبُيُوت , وَإِنَّمَا يَغُورُونَ فِي الْمِيَاه , أَوْ يَسْرُبُونَ فِي الْأَسْرَاب . كَمَا : 17572 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم ين الْمُسْتَمِرّ , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ وَأَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا سَهْل بْن أَبِي الصَّلْت السَّرَّاج , عَنْ الْحَسَن { تَطْلُع عَلَى قَوْم لَمْ نَجْعَل لَهُمْ مِنْ دُونهَا سِتْرًا } قَالَ : كَانَتْ أَرْضًا لَا تَحْتَمِل الْبِنَاء , وَكَانُوا إِذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْس تَغَوَّرُوا فِي الْمَاء , فَإِذَا غَرَبَتْ خَرَجُوا يَتَرَاعَوْنَ , كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِم , قَالَ : ثُمَّ قَالَ الْحَسَن : هَذَا حَدِيث سَمُرَة . 17573 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِع الشَّمْس وَجَدَهَا تَطْلُع عَلَى قَوْم لَمْ نَجْعَل لَهُمْ مِنْ دُونهَا سِتْرًا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَكَان لَا يَسْتَقِرّ عَلَيْهِ الْبِنَاء , وَإِنَّمَا يَكُونُونَ فِي أَسْرَاب لَهُمْ , حَتَّى إِذَا زَالَتْ عَنْهُمْ الشَّمْس خَرَجُوا إِلَى مَعَايِشهمْ وَحُرُوثِهِمْ , قَالَ : كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا . 17574 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج فِي قَوْله : { وَجَدَهَا تَطْلُع عَلَى قَوْم لَمْ نَجْعَل لَهُمْ مِنْ دُونهَا سِتْرًا } قَالَ : لَمْ يَبْنُوا فِيهَا بِنَاء قَطُّ , وَلَمْ يَبْنِ عَلَيْهِمْ فِيهَا بِنَاء قَطُّ , وَكَانُوا إِذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْس دَخَلُوا أَسْرَابًا لَهُمْ حَتَّى تَزُول الشَّمْس , أَوْ دَخَلُوا الْبَحْر , وَذَلِكَ أَنَّ أَرْضهمْ لَيْسَ فِيهَا جَبَل , وَجَاءَهُمْ جَيْش مَرَّة , فَقَالَ لَهُمْ أَهْلهَا : لَا تَطْلُعَن عَلَيْكُمْ الشَّمْس وَأَنْتُمْ بِهَا , فَقَالُوا : لَا نَبْرَح حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس , مَا هَذِهِ الْعِظَام ؟ قَالُوا : هَذِهِ جِيَف جَيْش طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْس هَا هُنَا فَمَاتُوا , قَالَ : فَذَهَبُوا هَارِبِينَ فِي الْأَرْض . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { تَطْلُع عَلَى قَوْم لَمْ نَجْعَل لَهُمْ مِنْ دُونهَا سِتْرًا } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَكَان لَا يَثْبُت عَلَيْهِمْ بِنَاء , فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي أَسْرَاب لَهُمْ إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس , حَتَّى تَزُول عَنْهُمْ , ثُمَّ يَخْرُجُونَ إِلَى مَعَايِشهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الزِّنْج . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17575 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { تَطْلُع عَلَى قَوْم لَمْ نَجْعَل لَهُمْ مِنْ دُونهَا سِتْرًا } قَالَ : يُقَال : هُمْ الزِّنْج .