وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ↓
"وَهُوَ الْقَاهِر" مُسْتَعْلِيًا "فَوْق عِبَاده وَيُرْسِل عَلَيْكُمْ حَفَظَة" مَلَائِكَة تُحْصِي أَعْمَالكُمْ "حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَوْت تَوَفَّتْهُ" وَفِي قِرَاءَة تَوَفَّاهُ "رُسُلنَا" الْمَلَائِكَة الْمُوَكَّلُونَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاح "وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ" يُقَصِّرُونَ فِيمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ
ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ↓
"ثُمَّ رُدُّوا" أَيْ الْخَلْق "إلَى اللَّه مَوْلَاهُمْ" مَالِكهمْ "الْحَقّ" الثَّابِت الْعَدْل لِيُجَازِيَهُمْ "أَلَا لَهُ الْحُكْم" الْقَضَاء النَّافِذ فِيهِمْ "وَهُوَ أَسْرَع الْحَاسِبِينَ" يُحَاسِب الْخَلْق كُلّهمْ فِي قَدْر نِصْف نَهَار مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا لِحَدِيثٍ بِذَلِكَ
قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ↓
"قُلْ" يَا مُحَمَّد لِأَهْلِ مَكَّة "مَنْ يُنْجِيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر" أَهْوَالهمَا فِي أَسْفَاركُمْ حِين "تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا" عَلَانِيَة "وَخُفْيَة" سِرًّا تَقُولُونَ "لَئِنْ" لَام قَسَم "أَنْجَيْتنَا" وَفِي قِرَاءَة أَنْجَانَا أَيْ اللَّه "مِنْ هَذِهِ" الظُّلُمَات وَالشَّدَائِد "لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ" الْمُؤْمِنِينَ
"قُلْ" لَهُمْ "اللَّه يُنَجِّيكُمْ" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد "مِنْهَا وَمِنْ كُلّ كَرْب" غَمّ سِوَاهَا "ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ" بِهِ
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ↓
"قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ" مِنْ السَّمَاء كَالْحِجَارَةِ وَالصَّيْحَة "أَوْ مِنْ تَحْت أَرَجُلكُمْ" كَالْخَسْفِ "أَوْ يُلْبِسكُمْ" يَخْلِطكُمْ "شِيَعًا" فِرَقًا مُخْتَلِفَة الْأَهْوَاء "وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض" بِالْقِتَالِ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَّا نَزَلَتْ "هَذَا أَهْوَن وَأَيْسَر" وَلَمَّا نَزَلَ مَا قَبْله قَالَ : "أَعُوذ بِوَجْهِك" رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَرَوَى مُسْلِم حَدِيث "سَأَلْت رَبِّي أَلَّا يَجْعَل بَأْس أُمَّتِي بَيْنهمْ فَمَنَعَنِيهَا" وَفِي حَدِيث "لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ أَمَا إنَّهَا كَائِنَة وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلهَا بَعْد" "اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّف" نُبَيِّن لَهُمْ "الْآيَات" الدَّلَالَات عَلَى قُدْرَتنَا "لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ" يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ بَاطِل
"وَكَذَّبَ بِهِ" بِالْقُرْآنِ "قَوْمك وَهُوَ الْحَقّ" الصِّدْق "قُلْ" لَهُمْ "لَسْت عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" فَأُجَازِيكُمْ إنَّمَا أَنَا مُنْذِر وَأَمْركُمْ إلَى اللَّه وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ
"لِكُلِّ نَبَإ" خَبَر "مُسْتَقَرّ" وَقْت يَقَع فِيهِ وَيَسْتَقِرّ وَمِنْهُ عَذَابكُمْ "وَسَوْف تَعْلَمُونَ" تَهْدِيد لَهُمْ
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ↓
"وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا" الْقُرْآن بِالِاسْتِهْزَاءِ "فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ" وَلَا تُجَالِسهُمْ "حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره وَإِمَّا" فِيهِ إدْغَام نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الْمَزِيدَة "يُنْسِيَنك" بِسُكُونِ النُّون وَالتَّخْفِيف وَفَتْحهَا وَالتَّشْدِيد "الشَّيْطَان" فَقَعَدْت مَعَهُمْ "فَلَا تَقْعُد بَعْد الذِّكْرَى" أَيْ تَذْكِرَة "مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ" فِيهِ وَضْع الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إنْ قُمْنَا كُلَّمَا خَاضُوا لَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نَجْلِس فِي الْمَسْجِد وَأَنْ نَطُوف فَنَزَلَ :
وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ↓
"وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ" اللَّه "مِنْ حِسَابهمْ" أَيْ الْخَائِضِينَ "مِنْ" زَائِدَة "شَيْء" إذَا جَالَسُوهُمْ "وَلَكِنْ" عَلَيْهِمْ "ذِكْرَى" تَذْكِرَة لَهُمْ وَمَوْعِظَة "لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" الْخَوْض
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ↓
"وَذَرْ" اُتْرُكْ "الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينهمْ" الَّذِي كُلِّفُوهُ "لَعِبًا وَلَهْوًا" بِاسْتِهْزَائِهِمْ بِهِ "وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا" فَلَا تَتَعَرَّض لَهُمْ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ "وَذَكِّرْ" عِظْ "بِهِ" بِالْقُرْآنِ النَّاس "أَنْ" لَا "تُبْسَل نَفْس" تَسْلَم إلَى الْهَلَاك "بِمَا كَسَبَتْ" عَمِلَتْ "لَيْسَ لَهَا مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "وَلِيّ" نَاصِر "وَلَا شَفِيع" يَمْنَع عَنْهَا الْعَذَاب "وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل" تَفْدِ كُلّ فِدَاء "لَا يُؤْخَذ مِنْهَا" مَا تَفْدِي بِهِ "أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَاب مِنْ حَمِيم" مَاء بَالِغ نِهَايَة الْحَرَارَة "وَعَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم "بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ" بِكُفْرِهِمْ
قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ↓
"قُلْ أَنَدْعُو" أَنَعْبُدُ "مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَنْفَعنَا" بِعِبَادَتِهِ "وَلَا يَضُرّنَا" بِتَرْكِهَا وَهُوَ الْأَصْنَام "وَنُرَدّ عَلَى أَعْقَابنَا" نَرْجِع مُشْرِكِينَ "بَعْد إذْ هَدَانَا اللَّه" إلَى الْإِسْلَام "كَاَلَّذِي اسْتَهْوَتْهُ" أَضَلَّتْهُ "الشَّيَاطِين فِي الْأَرْض حَيْرَان" مُتَحَيِّرًا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَب حَال مِنْ الْهَاء "لَهُ أَصْحَاب" رُفْقَة "يَدْعُونَهُ إلَى الْهُدَى" أَيْ لِيُهْدُوهُ الطَّرِيق يَقُولُونَ لَهُ "ائْتِنَا" فَلَا يُجِيبهُمْ فَيَهْلَك وَالِاسْتِفْهَام لِلْإِنْكَارِ وَجُمْلَة التَّشْبِيه حَال مِنْ ضَمِير نُرَدّ "قُلْ إنَّ هُدَى اللَّه" الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام "هُوَ الْهُدَى" وَمَا عَدَاهُ ضَلَال "وَأُمِرْنَا لِنُسْلِم" أَيْ بِأَنْ نُسْلِم
"وَأَنْ" أَيْ بِأَنْ "أَقِيمُوا الصَّلَاة وَاتَّقُوهُ" تَعَالَى "وَهُوَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ" تُجْمَعُونَ يَوْم الْقِيَامَة لِلْحِسَابِ
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ↓
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ" أَيْ مُحِقًّا "و" اُذْكُرْ "يَوْم يَقُول" لِلشَّيْءِ "كُنْ فَيَكُون" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول لِلْخَلْقِ قُومُوا فَيَقُومُوا "قَوْله الْحَقّ" الصِّدْق الْوَاقِع لَا مَحَالَة "وَلَهُ الْمُلْك يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّوَر" الْقَرْن النَّفْخَة الثَّانِيَة مِنْ إسْرَافِيل لَا مُلْك فِيهِ لِغَيْرِهِ "لِمَنْ الْمُلْك الْيَوْم ؟ لِلَّهِ" "عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة" مَا غَابَ وَمَا شُوهِدَ "وَهُوَ الْحَكِيم" فِي خَلْقه "الْخَبِير" بِبَاطِنِ الْأَشْيَاء كَظَاهِرِهَا
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ↓
"وَ" اُذْكُرْ "إذْ قَالَ إبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ" هُوَ لَقَبه وَاسْمه تَارِخ "أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَة" تَعْبُدهَا اسْتِفْهَام تَوْبِيخ "إنِّي أَرَاك وَقَوْمك" بِاِتِّخَاذِهَا "فِي ضَلَال" عَنْ الْحَقّ "مُبِين" بَيِّن
"وَكَذَلِكَ" كَمَا أَرَيْنَاهُ إضْلَال أَبِيهِ وَقَوْمه "نُرِي إبْرَاهِيم مَلَكُوت" مُلْك "السَّمَاوَات وَالْأَرْض" لِيَسْتَدِلّ بِهِ عَلَى وَحْدَانِيّتنَا "وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ" بِهَا وَجُمْلَة وَكَذَلِكَ وَمَا بَعْدهَا اعْتِرَاض وَعُطِفَ عَلَى قَالَ
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ↓
"فَلَمَّا جَنَّ" أَظْلَم "عَلَيْهِ اللَّيْل رَأَى كَوْكَبًا" قِيلَ هُوَ الزَّهْرَة "قَالَ" لِقَوْمِهِ وَكَانُوا نَجَّامِينَ "هَذَا رَبِّي" فِي زَعْمكُمْ "فَلَمَّا أَفَلَ" غَابَ "قَالَ لَا أُحِبّ الْآفِلِينَ" أَنْ أَتَّخِذهُمْ أَرْبَابًا لِأَنَّ الرَّبّ لَا يَجُوز عَلَيْهِ التَّغَيُّر وَالِانْتِقَال لِأَنَّهُمَا مِنْ شَأْن الْحَوَادِث فَلَمْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ↓
"فَلَمَّا رَأَى الْقَمَر بَازِغًا" طَالِعًا "قَالَ" لَهُمْ "هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي" يُثَبِّتنِي عَلَى الْهُدَى "لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ" تَعْرِيض لِقَوْمِهِ بِأَنَّهُمْ عَلَى ضَلَال فَلَمْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ↓
"فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس بَازِغَة قَالَ هَذَا" ذَكَرَهُ لِتَذْكِيرِهِ خَبَره "رَبِّي هَذَا أَكْبَر" مِنْ الْكَوْكَب وَالْقَمَر "فَلَمَّا أَفَلَتْ" وَقَوِيَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّة وَلَمْ يَرْجِعُوا "قَالَ يَا قَوْم إنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ" بِاَللَّهِ مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَجْرَام الْمُحْدَثَة الْمُحْتَاجَة إلَى مُحْدِث فَقَالُوا لَهُ مَا تَعْبُد ؟
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ↓
قَالَ "إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي" قَصَدْت بِعِبَادَتِي "لِلَّذِي فَطَرَ" خَلَقَ "السَّمَاوَات وَالْأَرْض" أَيْ اللَّه "حَنِيفًا" مَائِلًا إلَى الدِّين الْقَيِّم "وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ" بِهِ
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ↓
"وَحَاجَّهُ قَوْمه" جَادَلُوهُ فِي دِينه وَهَدَّدُوهُ بِالْأَصْنَامِ أَنْ تُصِيبهُ بِسُوءٍ إنْ تَرَكهَا "قَالَ أَتُحَاجُّونَنِي" بِتَشْدِيدِ النُّون وَتَخْفِيفهَا بِحَذْفِ إحْدَى النُّونَيْنِ وَهِيَ نُون الرَّفْع عِنْد النُّحَاة وَنُون الْوِقَايَة عِنْد الْقُرَّاء أَتُجَادِلُونَنِي "فِي" أَيْ فِي وَحْدَانِيَّة "اللَّه وَقَدْ هَدَانِي" تَعَالَى إلَيْهَا "وَلَا أَخَاف مَا تُشْرِكُونَ" وَلَا أَخَاف مَا تُشْرِكُونَهُ "بِهِ" مِنْ الْأَصْنَام أَنْ تُصِيبنِي بِسُوءٍ لِعَدَمِ قُدْرَتهَا عَلَى شَيْء "إلَّا" لَكِنْ "أَنْ يَشَاء رَبِّي شَيْئًا" مِنْ الْمَكْرُوه يُصِيبنِي فَيَكُون "وَسِعَ رَبِّي كُلّ شَيْء عِلْمًا" أَيْ وَسِعَ عِلْمه كُلّ شَيْء "أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ" هَذَا فَتُؤْمِنُونَ
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ↓
"وَكَيْفَ أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ" بِاَللَّهِ وَهِيَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع "وَلَا تَخَافُونَ" أَنْتُمْ مِنْ اللَّه "أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ" فِي الْعِبَادَة "مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ" بِعِبَادَتِهِ "عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا" حُجَّة وَبُرْهَانًا وَهُوَ الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء "فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ" أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ "إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" مَنْ الْأَحَقّ بِهِ : أَيْ وَهُوَ نَحْنُ فَاتَّبِعُوهُ
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ↓
"الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا" يَخْلِطُوا "إيمَانهمْ بِظُلْمٍ" أَيْ شِرْك كَمَا فُسِّرَ بِذَلِكَ فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ "أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْن" مِنْ الْعَذَاب
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ↑
"وَتِلْكَ" مُبْتَدَأ وَيُبْدَل مِنْهُ "حُجَّتنَا" الَّتِي احْتَجَّ بِهَا إبْرَاهِيم عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه مِنْ أُفُول الْكَوْكَب وَمَا بَعْده وَالْخَبَر "آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيم" أَرْشَدْنَاهُ لَهَا حُجَّة "عَلَى قَوْمه نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء" بِالْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِين فِي الْعِلْم وَالْحِكْمَة "إنَّ رَبّك حَكِيم" فِي صُنْعه "عَلِيم" بِخَلْقِهِ
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ↓
"وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحَاق وَيَعْقُوب" ابْنه "كُلًّا" مِنْهُمَا "هَدْينَا وَنُوحًا هَدْينَا مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل إبْرَاهِيم "وَمِنْ ذُرِّيَّته" أَيْ نُوح "دَاوُد وَسُلَيْمَان" ابْنه "وَأَيُّوب وَيُوسُف" ابْن يَعْقُوب "وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ" كَمَا جَزَيْنَاهُمْ
"وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى" ابْنه "وَعِيسَى" ابْن مَرْيَم يُفِيد أَنَّ الذُّرِّيَّة تَتَنَاوَل أَوْلَاد الْبِنْت "وَإِلْيَاس" ابْن أَخِي هَارُونَ أَخِي مُوسَى "كُلّ" مِنْهُمْ
"وَإِسْمَاعِيل" ابْن إبْرَاهِيم "وَاَلْيَسَع" اللَّام زَائِدَة "وَيُونُس وَلُوطًا" ابْن هَارَانِ أَخِي إبْرَاهِيم "وَكُلًّا" مِنْهُمْ "فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ" بِالنُّبُوَّةِ
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ↓
"وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتهمْ وَإِخْوَانهمْ" عُطِفَ عَلَى كُلًّا أَوْ نُوحًا وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ بَعْضهمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَبَعْضهمْ كَانَ فِي وَلَده كَافِر "وَاجْتَبَيْنَاهُمْ" اخْتَرْنَاهُمْ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
"ذَلِكَ" الدِّين الَّذِي هُدُوا إلَيْهِ "هُدَى اللَّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَلَوْ أَشْرَكُوا" فَرْضًا
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ↓
"أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب" بِمَعْنَى الْكُتُب "وَالْحُكْم" الْحِكْمَة "وَالنُّبُوَّة فَإِنْ يَكْفُر بِهَا" أَيْ بِهَذِهِ الثَّلَاثَة "هَؤُلَاءِ" أَيْ أَهْل مَكَّة "فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا" أَرْصَدْنَا لَهَا "قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ" هُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ↓
"أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى" هُمْ "اللَّه فَبِهُدَاهُمْ" طَرِيقهمْ مِنْ التَّوْحِيد وَالصَّبْر "اقْتَدِهِ" بِهَاءِ السَّكْت وَقْفًا وَوَصْلًا وَفِي قِرَاءَة بِحَذْفِهَا وَصْلًا "قُلْ" لِأَهْلِ مَكَّة "لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ" أَيْ الْقُرْآن "أَجْرًا" تُعْطُونِيهِ "إنْ هُوَ" مَا الْقُرْآن "إلَّا ذِكْرَى" عِظَة "لِلْعَالَمِينَ" الْإِنْس وَالْجِنّ