قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ↓
"قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّه" بِالْبَعْثِ "حَتَّى" غَايَة لِلتَّكْذِيبِ "إذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَة" الْقِيَامَة "بَغْتَة" فَجْأَة "قَالُوا يَا حَسْرَتنَا" هِيَ شِدَّة التَّأَلُّم وَنِدَاؤُهَا مَجَاز أَيْ هَذَا أَوَانك فَاحْضُرِي "عَلَى مَا فَرَّطْنَا" قَصَّرْنَا "فِيهَا" أَيْ الدُّنْيَا "وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارهمْ عَلَى ظُهُورهمْ" بِأَنْ تَأْتِيهِمْ عِنْد الْبَعْث فِي أَقْبَح شَيْء صُورَة وَأَنْتَنه رِيحًا فَتَرْكَبهُمْ "أَلَا سَاءَ" بِئْسَ "مَا يَزِرُونَ" يَحْمِلُونَهُ حَمْلهمْ ذَلِكَ
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ↓
"وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا" أَيْ الِاشْتِغَال بِهَا "إلَّا لَعِب وَلَهْو" وَأَمَّا الطَّاعَة وَمَا يُعِين عَلَيْهَا فَمِنْ أُمُور الْآخِرَة "وَلَلدَّار الْآخِرَة" وَفِي قِرَاءَة وَلَدَار الْآخِرَة أَيْ الْجَنَّة "خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ" الشِّرْك "أَفَلَا يَعْقِلُونَ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء ذَلِكَ فَيُؤْمِنُونَ
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ↓
"قَدْ" لِلتَّحْقِيقِ "نَعْلَم إنَّهُ" أَيْ الشَّأْن "لَيَحْزُنك الَّذِي يَقُولُونَ" لَك مِنْ التَّكْذِيب "فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَك" فِي السِّرّ لِعِلْمِهِمْ أَنَّك صَادِق وَفِي قِرَاءَة بِالتَّخْفِيفِ أَيْ لَا يَنْسُبُونَك إلَى الْكَذِب "وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ" وَضَعَهُ مَوْضِع الْمُضْمَر "بِآيَاتِ اللَّه" الْقُرْآن "يَجْحَدُونَ" يُكَذِّبُونَ
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ↓
"وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُل مِنْ قَبْلك" فِيهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرنَا" بِإِهْلَاكِ قَوْمهمْ فَاصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيك النَّصْر بِإِهْلَاكِ قَوْمك "وَلَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِ اللَّه" مَوَاعِيده . "وَلَقَدْ جَاءَك مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ" مَا يَسْكُن بِهِ قَلْبك
وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ↓
"وَإِنْ كَانَ كَبُرَ" عَظُمَ "عَلَيْك إعْرَاضهمْ" عَنْ الْإِسْلَام لِحِرْصِك عَلَيْهِمْ "فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَبْتَغِي نَفَقًا" سَرَبًا "فِي الْأَرْض أَوْ سُلَّمًا" مِصْعَدًا "فِي السَّمَاء فَتَأْتِيهِمْ بِآيَةٍ" مِمَّا اقْتَرَحُوا فَافْعَلْ الْمَعْنَى أَنَّك لَا تَسْتَطِيع ذَلِكَ فَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُم اللَّه "وَلَوْ شَاءَ اللَّه" هِدَايَتهمْ "لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى" وَلَكِنْ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا "فَلَا تَكُونَن مِنْ الْجَاهِلِينَ" بِذَلِكَ
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ↓
"إنَّمَا يَسْتَجِيب" دُعَاءَك إلَى الْإِيمَان "الَّذِينَ يَسْمَعُونَ" سَمَاع تَفَهُّم وَاعْتِبَار "وَالْمَوْتَى" أَيْ الْكُفَّار شَبَّهَهُمْ بِهِمْ فِي عَدَم السَّمَاع "يَبْعَثهُمْ اللَّه" فِي الْآخِرَة "ثُمَّ إلَيْهِ يُرْجَعُونَ" يُرَدُّونَ فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ
وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ↓
"وَقَالُوا" أَيْ كُفَّار مَكَّة "لَوْلَا" هَلَّا "نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَة مِنْ رَبّه" كَالنَّاقَةِ وَالْعَصَا وَالْمَائِدَة "قُلْ" لَهُمْ "إنَّ اللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يُنَزِّل" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "آيَة" مِمَّا اقْتَرَحُوا "وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ" أَنَّ نُزُولهَا بَلَاء عَلَيْهِمْ لِوُجُوبِ هَلَاكهمْ إنْ جَحَدُوهَا
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ↓
"وَمَا مِنْ" زَائِدَة "دَابَّة" تَمْشِي "فِي الْأَرْض وَلَا طَائِر يَطِير" فِي الْهَوَاء "بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَم أَمْثَالكُمْ" فِي تَدْبِير خَلْقهَا وَرِزْقهَا وَأَحْوَالهَا "مَا فَرَّطْنَا" تَرَكْنَا "فِي الْكِتَاب" اللَّوْح الْمَحْفُوظ "مِنْ" زَائِدَة "شَيْء" فَلَمْ نَكْتُبهُ "ثُمَّ إلَى رَبّهمْ يُحْشَرُونَ" فَيَقْضِي بَيْنهمْ وَيَقْتَصّ لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاء ثُمَّ يَقُول لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ↓
"وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا" الْقُرْآن "صُمّ" عَنْ سَمَاعهَا سَمَاع قَبُول "وَبُكْم" عَنْ النُّطْق بِالْحَقِّ "فِي الظُّلُمَات" الْكُفْر "مَنْ يَشَأْ اللَّه" إضْلَاله "يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ" هِدَايَته "يَجْعَلهُ عَلَى صِرَاط" طَرِيق "مُسْتَقِيم" دِين الْإِسْلَام
قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↓
"قُلْ" يَا مُحَمَّد لِأَهْلِ مَكَّة "أَرَأَيْتُكُمْ" أَخْبِرُونِي "إنْ أَتَاكُمْ عَذَاب اللَّه" فِي الدُّنْيَا "أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَة" الْقِيَامَة الْمُشْتَمِلَة عَلَيْهِ بَغْتَة "أَغَيْر اللَّه تَدْعُونَ" لَا "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِي أَنَّ الْأَصْنَام تَنْفَعكُمْ فَادْعُوهَا
"بَلْ إيَّاهُ" لَا غَيْره "تَدْعُونَ" فِي الشَّدَائِد "فَيَكْشِف مَا تَدْعُونَ إلَيْهِ" أَنْ يَكْشِفهُ عَنْكُمْ مِنْ الضُّرّ وَنَحْوه "إنْ شَاءَ" كَشْفه "وَتَنْسَوْنَ" تَتْرُكُونَ "مَا تُشْرِكُونَ" مَعَهُ مِنْ الْأَصْنَام فَلَا تَدْعُونَهُ
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ↓
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَم مِنْ" زَائِدَة "قَبْلك" رُسُلًا فَكَذَّبُوهُمْ "فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ" شِدَّة الْفَقْر "وَالضَّرَّاء" الْمَرَض "لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ" يَتَذَلَّلُونَ فَيُؤْمِنُونَ
فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
"فَلَوْلَا" فَهَلَّا "إذْ جَاءَهُمْ بَأْسنَا" عَذَابنَا "تَضَرَّعُوا" أَيْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ مَعَ قِيَام الْمُقْتَضِي لَهُ . "وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبهمْ" فَلَمْ تَلِنْ لِلْإِيمَانِ "وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" مِنْ الْمَعَاصِي فَأَصَرُّوا عَلَيْهَا
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ↓
"فَلَمَّا نَسُوا" تَرَكُوا "مَا ذُكِّرُوا" وُعِظُوا وَخُوِّفُوا "بِهِ" مِنْ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء فَلَمْ يَتَّعِظُوا "فَتَحْنَا" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد "عَلَيْهِمْ أَبْوَاب كُلّ شَيْء" مِنْ النِّعَم اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ "حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا" فَرَح بَطَر "أَخَذْنَاهُمْ" بِالْعَذَابِ "بَغْتَة" فَجْأَة "فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" آيِسُونَ مِنْ كُلّ خَيْر
"فَقُطِعَ دَابِر الْقَوْم الَّذِينَ ظَلَمُوا" أَيْ آخِرهمْ بِأَنْ اُسْتُؤْصِلُوا "وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ" عَلَى نَصْر الرُّسُل وَإِهْلَاك الْكَافِرِينَ
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ↓
"قُلْ" لِأَهْلِ مَكَّة "أَرَأَيْتُمْ" أَخْبِرُونِي "إنْ أَخَذَ اللَّه سَمْعكُمْ" أَصَمّكُمْ "وَأَبْصَاركُمْ" أَعْمَاكُمْ "وَخَتَمَ" طَبَعَ "عَلَى قُلُوبكُمْ" فَلَا تَعْرِفُونَ شَيْئًا "مَنْ إلَه غَيْر اللَّه يَأْتِيكُمْ بِهِ" بِمَا أَخَذَهُ مِنْكُمْ بِزَعْمِكُمْ "اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّف" نُبَيِّن "الْآيَات" الدَّلَالَات عَلَى وَحْدَانِيّتنَا "ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ" يُعْرِضُونَ عَنْهَا فَلَا يُؤْمِنُونَ
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ↓
"قُلْ" لَهُمْ "أَرَأَيْتُكُمْ إنْ أَتَاكُمْ عَذَاب اللَّه بَغْتَة أَوْ جَهْرَة" لَيْلًا أَوْ نَهَارًا "هَلْ يُهْلَك إلَّا الْقَوْم الظَّالِمُونَ" الْكَافِرُونَ أَيْ مَا يُهْلَك إلَّا هُمْ
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ↓
"وَمَا نُرْسِل الْمُرْسَلِينَ إلَّا مُبَشِّرِينَ" مَنْ آمَنَ بِالْجَنَّةِ "وَمُنْذِرِينَ" مَنْ كَفَرَ بِالنَّارِ "فَمَنْ آمَنَ" بِهِمْ "وَأَصْلَحَ" عَمَله "فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" فِي الْآخِرَة
"وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسّهُمْ الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" يَخْرُجُونَ عَنْ الطَّاعَة
قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ↓
"قُلْ" لَهُمْ "لَا أَقُول لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِن اللَّه" الَّتِي مِنْهَا يَرْزُق "وَلَا" إنِّي "أَعْلَم الْغَيْب" مَا غَابَ عَنِّي وَلَمْ يُوحَ إلَيَّ "وَلَا أَقُول لَكُمْ إنِّي مَلَك" مِنْ الْمَلَائِكَة "إنْ" مَا "أَتَّبِع إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى" الْكَافِر "وَالْبَصِير" الْمُؤْمِن "أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" فِي ذَلِكَ فَتُؤْمِنُونَ
وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ↓
"وَأَنْذِرْ" خَوِّفْ "بِهِ" أَيْ الْقُرْآن "الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبّهمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونه" أَيْ غَيْره "وَلِيّ" يَنْصُرهُمْ "وَلَا شَفِيع" يَشْفَع لَهُمْ وَجُمْلَة النَّفْي حَال مِنْ ضَمِير يُحْشَرُوا وَهِيَ مَحَلّ الْخَوْف وَالْمُرَاد بِهِمْ الْمُؤْمِنُونَ الْعَاصُونَ "لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" اللَّه بِإِقْلَاعِهِمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَعَمَل الطَّاعَات
وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ↓
"وَلَا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ " بِعِبَادَتِهِمْ "وَجْهه" تَعَالَى لَا شَيْئًا مِنْ أَعْرَاض الدُّنْيَا وَهُمْ الْفُقَرَاء وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ طَعَنُوا فِيهِمْ وَطَلَبُوا أَنْ يَطْرُدهُمْ لِيُجَالِسُوهُ وَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ طَمَعًا فِي إسْلَامهمْ "مَا عَلَيْك مِنْ حِسَابهمْ مِنْ" زَائِدَة "شَيْء" إنْ كَانَ بَاطِنهمْ غَيْر مَرْضِيّ . "وَمَا مِنْ حِسَابك عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْء فَتَطْرُدهُمْ" جَوَاب النَّفْي "فَتَكُون مِنْ الظَّالِمِينَ" إنْ فَعَلْت ذَلِكَ
وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ↑
"وَكَذَلِكَ فَتَنَّا" ابْتَلَيْنَا "بَعْضهمْ بِبَعْضٍ" أَيْ الشَّرِيف بِالْوَضِيعِ وَالْغَنِيّ بِالْفَقِيرِ بِأَنْ قَدَّمْنَاهُ بِالسَّبْقِ إلَى الْإِيمَان "لِيَقُولُوا" أَيْ الشُّرَفَاء وَالْأَغْنِيَاء مُنْكِرِينَ "أَهَؤُلَاءِ" الْفُقَرَاء "مَنَّ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْننَا" بِالْهِدَايَةِ أَيْ لَوْ كَانَ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُدًى مَا سَبَقُونَا إلَيْهِ "أَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ" لَهُ فَيَهْدِيهِمْ : بَلَى
وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
"وَإِذَا جَاءَك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ" لَهُمْ "سَلَام عَلَيْكُمْ كَتَبَ" قَضَى "رَبّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة أَنَّهُ" أَيْ الشَّأْن وَفِي قِرَاءَة بِالْفَتْحِ بَدَل مِنْ الرَّحْمَة "مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ" مِنْهُ حَيْثُ ارْتَكَبَهُ "ثُمَّ تَابَ" رَجَعَ "مِنْ بَعْده" بَعْد عَمَله عَنْهُ "وَأَصْلَحَ" عَمَله "فَإِنَّهُ" أَيْ اللَّه "غَفُور" لَهُ "رَحِيم" بِهِ وَفِي قِرَاءَة بِالْفَتْحِ أَيْ فَالْمَغْفِرَة لَهُ
"وَكَذَلِكَ" كَمَا بَيَّنَّا مَا ذُكِرَ "نُفَصِّل" نُبَيِّن "الْآيَات" الْقُرْآن لِيَظْهَر الْحَقّ فَيُعْمَل بِهِ "وَلِتَسْتَبِينَ" تَظْهَر "سَبِيل" طَرِيق "الْمُجْرِمِينَ" فَتُجْتَنَب وَفِي قِرَاءَة بالتحتانية وَفِي أُخْرَى بالفوقانية وَنَصْب سَبِيل خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ↓
"قُلْ إنِّي نُهِيت أَنْ أَعْبُد الَّذِينَ تَدْعُونَ" تَعْبُدُونَ "مِنْ دُون اللَّه قُلْ لَا أَتَّبِع أَهْوَاءَكُمْ" فِي عِبَادَتهَا "قَدْ ضَلَلْت إذًا" إنْ اتَّبَعْتهَا
قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ↓
"قُلْ إنِّي عَلَى بَيِّنَة" بَيَان "مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ" وَقَدْ كَذَّبْتُمْ بِرَبِّي حَيْثُ أَشْرَكْتُمْ "مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ" مِنْ الْعَذَاب "إنْ" مَا "الْحُكْم" فِي ذَلِكَ وَغَيْره "إلَّا لِلَّهِ يَقُصّ" الْقَضَاء "الْحَقّ وَهُوَ خَيْر الْفَاصِلِينَ" الْحَاكِمِينَ وَفِي قِرَاءَة يَقُصّ أَيْ يَقُول
قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ↓
"قُلْ" لَهُمْ "لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْر بَيْنِي وَبَيْنكُمْ" بِأَنْ أُعَجِّلهُ لَكُمْ وَأَسْتَرِيح وَلَكِنَّهُ عِنْد اللَّه "وَاَللَّه أَعْلَم بِالظَّالِمِينَ" مَتَى يُعَاقِبهُمْ
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ↓
"وَعِنْده" تَعَالَى "مَفَاتِح الْغَيْب" خَزَائِنه أَوْ الطُّرُق الْمُوَصِّلَة إلَى عِلْمه "لَا يَعْلَمهَا إلَّا هُوَ" وَهِيَ الْخَمْسَة الَّتِي فِي قَوْله "إنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة" الْآيَة كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ "وَيَعْلَم مَا" يَحْدُث "فِي الْبَرّ" الْقِفَار "وَالْبَحْر" الْقُرَى الَّتِي عَلَى الْأَنْهَار "وَمَا تَسْقُط مِنْ" زَائِدَة "وَرَقَة إلَّا يَعْلَمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظُلُمَات الْأَرْض وَلَا رَطْب وَلَا يَابِس" عُطِفَ عَلَى وَرَقَة "إلَّا فِي كِتَاب مُبِين" هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَالِاسْتِثْنَاء بَدَل اشْتِمَال مِنْ الِاسْتِثْنَاء قَبْله
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ↓
"وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ" يَقْبِض أَرْوَاحكُمْ عِنْد النَّوْم "وَيَعْلَم مَا جَرَحْتُمْ" كَسَبْتُمْ "بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثكُمْ فِيهِ" أَيْ النَّهَار بِرَدِّ أَرْوَاحكُمْ "لِيُقْضَى أَجَل مُسَمًّى" هُوَ أَجَل الْحَيَاة "ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعكُمْ" بِالْبَعْثِ "ثُمَّ يُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" فَيُجَازِيكُمْ بِهِ