حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ↓
"حُنَفَاء لِلَّهِ" مُسْلِمِينَ عَادِلِينَ عَنْ كُلّ دِين سِوَى دِينه "غَيْر مُشْرِكِينَ بِهِ" تَأْكِيد لِمَا قَبْله وَهُمَا حَالَانِ مِنْ الْوَاو "وَمَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ" سَقَطَ "مِنْ السَّمَاء فَتَخْطَفهُ الطَّيْر" أَيْ تَأْخُذهُ بِسُرْعَةٍ "أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيح" أَيْ تُسْقِطهُ "فِي مَكَان سَحِيق" بَعِيد فَهُوَ لَا يُرْجَى خَلَاصه
"ذَلِكَ" يُقَدَّر قَبْله الْأَمْر مُبْتَدَأ "وَمَنْ يُعَظِّم شَعَائِر اللَّه فَإِنَّهَا" أَيْ فَإِنَّ تَعْظِيمهَا وَهِيَ الْبُدْن الَّتِي تُهْدَى لِلْحَرَمِ بِأَنْ تُسْتَحْسَن وَتُسْتَسْمَن "مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب" مِنْهُمْ وَسُمِّيَتْ شَعَائِر لِإِشْعَارِهَا بِمَا تُعْرَف بِهِ أَنَّهَا هَدْي كَطَعْنِ حَدِيد بِسَنَامِهَا
"لَكُمْ فِيهَا مَنَافِع" كَرُكُوبِهَا وَالْحَمْل عَلَيْهَا مَا لَا يَضُرّهَا "إلَى أَجَل مُسَمًّى" وَقْت نَحْرهَا "ثُمَّ مَحِلّهَا" أَيْ مَكَان حِلّ نَحْرهَا "إلَى الْبَيْت الْعَتِيق" أَيْ عِنْده وَالْمُرَاد الْحَرَم جَمِيعه
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ↓
"وَلِكُلِّ أُمَّة" أَيْ جَمَاعَة مُؤْمِنَة سَلَفَتْ قَبْلكُمْ "جَعَلْنَا مَنْسَكًا" بِفَتْحِ السِّين مَصْدَر وَبِكَسْرِهَا اسْم مَكَان : أَيْ ذَبْحًا قُرْبَانًا أَوْ مَكَانه "لِيَذْكُرُوا اسْم اللَّه عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام" عِنْد ذَبْحهَا "فَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد فَلَهُ أَسْلِمُوا" انْقَادُوا "وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ" الْمُطِيعِينَ الْمُتَوَاضِعِينَ
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ↓
"الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ" خَافَتْ "قُلُوبهمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ" مِنْ الْبَلَايَا "وَالْمُقِيمِي الصَّلَاة" فِي أَوْقَاتهَا "وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" يَتَصَدَّقُونَ
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ↓
"وَالْبُدْن" جَمْع بَدَنَة : وَهِيَ الْإِبِل "جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِر اللَّه" أَعْلَام دِينه "لَكُمْ فِيهَا خَيْر" نَفْع فِي الدُّنْيَا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَجْر فِي الْعُقْبَى "فَاذْكُرُوا اسْم اللَّه عَلَيْهَا" عِنْد نَحْرهَا "صَوَافّ" قَائِمَة عَلَى ثَلَاث مَعْقُولَة الْيَد الْيُسْرَى "فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبهَا" سَقَطَتْ إلَى الْأَرْض بَعْد النَّحْر وَهُوَ وَقْت الْأَكْل مِنْهَا "فَكُلُوا مِنْهَا" إنْ شِئْتُمْ "وَأَطْعِمُوا الْقَانِع" الَّذِي يَقْنَع بِمَا يُعْطَى وَلَا يَسْأَل وَلَا يَتَعَرَّض "وَالْمُعْتَرّ" وَالسَّائِل أَوْ الْمُتَعَرِّض "كَذَلِكَ" أَيْ مِثْل ذَلِكَ التَّسْخِير "سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ" بِأَنْ تُنْحَر وَتُرْكَب وَإِلَّا لَمْ تُطِقْ "لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" إنْعَامِي عَلَيْكُمْ
لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ↓
"لَنْ يَنَال اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا" أَيْ لَا يُرْفَعَانِ إلَيْهِ "وَلَكِنْ يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ" أَيْ يُرْفَع إلَيْهِ مِنْكُمْ الْعَمَل الصَّالِح الْخَالِص لَهُ مَعَ الْإِيمَان "كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ" أَرْشَدَكُمْ لِمَعَالِمِ دِينِهِ وَمَنَاسِك حَجّه "وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ" أَيْ الْمُوَحِّدِينَ
"إنَّ اللَّه يُدَافِع عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا" غَوَائِل الْمُشْرِكِينَ "إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ كُلّ خَوَّان" فِي أَمَانَته "كَفُور" لِنِعْمَتِهِ وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقِبهُمْ
"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ" أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا وَهَذِهِ أَوَّل آيَة نَزَلَتْ فِي الْجِهَاد "بِأَنَّهُمْ" أَيْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ "ظُلِمُوا" لِظُلْمِ الْكَافِرِينَ إيَّاهُمْ
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ↓
هُمْ "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ بِغَيْرِ حَقّ" فِي الْإِخْرَاج مَا أُخْرِجُوا : "إلَّا أَنْ يَقُولُوا" أَيْ بِقَوْلِهِمْ "رَبّنَا اللَّه" وَحْده وَهَذَا الْقَوْل حَقّ فَالْإِخْرَاج بِهِ إخْرَاج بِغَيْرِ حَقّ "وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ" بَدَل بَعْض مِنْ النَّاس "بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ" بِالتَّشْدِيدِ لِلتَّكْثِيرِ وَبِالتَّخْفِيفِ "صَوَامِع" لِلرُّهْبَانِ "وَبِيَع" كَنَائِس لِلنَّصَارَى "وَصَلَوَات" كَنَائِس لِلْيَهُودِ بِالْعبرانِيّة "وَمَسَاجِد" لِلْمُسْلِمِينَ "يُذْكَر فِيهَا" أَيْ الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة "اسْم اللَّه كَثِيرًا" وَتَنْقَطِع الْعِبَادَات بِخَرَابِهَا "وَلَيَنْصُرَن اللَّه مَنْ يَنْصُرهُ" أَيْ يَنْصُر دِينه "إنَّ اللَّه لَقَوِيّ" عَلَى خَلْقه "عَزِيز" مَنِيع فِي سُلْطَانه وَقُدْرَته
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ↓
"الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض" بِنَصْرِهِمْ عَلَى عَدُوّهُمْ "أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَر" جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ وَجَوَابه صِلَة الْمَوْصُول وَيُقَدَّر قَبْله هُمْ مُبْتَدَأ "وَلِلَّهِ عَاقِبَة الْأُمُور" أَيْ إلَيْهِ مَرْجِعهَا فِي الْآخِرَة
"وَإِنْ يُكَذِّبُوك" إلَى آخِره فِيهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلهمْ قَوْم نُوح" تَأْنِيث قَوْم بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى "وَعَاد" قَوْم هُود "وَثَمُود" قَوْم صَالِح
وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ↓
"وَأَصْحَاب مَدَيْنَ" قَوْم شُعَيْب "وَكُذِّبَ مُوسَى" كَذَّبَهُ الْقِبْط لَا قَوْمه بَنُو إسْرَائِيل : أَيْ كَذَّبَ هَؤُلَاءِ رُسُلهمْ فَلَك أُسْوَة بِهِمْ "فَأَمْلَيْت لِلْكَافِرِينَ" أَمْهَلْتهمْ بِتَأْخِيرِ الْعِقَاب لَهُمْ "ثُمَّ أَخَذْتهمْ" بِالْعَذَابِ "فَكَيْفَ كَانَ نَكِير" أَيْ إنْكَارِي عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ بِإِهْلَاكِهِمْ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ : أَيْ هُوَ وَاقِع مَوْقِعه
فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ↓
"فَكَأَيِّنْ" أَيْ كَمْ "مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا" وَفِي قِرَاءَة أَهْلَكْتهَا "وَهِيَ ظَالِمَة" أَيْ أَهْلهَا بِكُفْرِهِمْ "فَهِيَ خَاوِيَة" سَاقِطَة "عَلَى عُرُوشهَا" سُقُوفهَا "وَ" كَمْ مِنْ "بِئْر مُعَطَّلَة" مَتْرُوكَة بِمَوْتِ أَهْلهَا "وَقَصْر مَشِيد" رَفِيع خَالٍ بِمَوْتِ أَهْله
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ↓
"أَفَلَمْ يَسِيرُوا" أَيْ كُفَّار مَكَّة "فِي الْأَرْض فَتَكُون لَهُمْ قُلُوب يَعْقِلُونَ بِهَا" مَا نَزَلَ بِالْمُكَذِّبِينَ قَبْلهمْ "أَوْ آذَان يَسْمَعُونَ بِهَا" أَخْبَارهمْ بِالْإِهْلَاكِ وَخَرَاب الدِّيَار فَيَعْتَبِرُوا "فَإِنَّهَا" أَيْ الْقِصَّة "لَا تَعْمَى الْأَبْصَار وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور" تَأْكِيد
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ↓
"وَيَسْتَعْجِلُونَك بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِف اللَّه وَعْده" بِإِنْزَالِ الْعَذَاب فَأَنْزَلَهُ يَوْم بَدْر "وَإِنَّ يَوْمًا عِنْد رَبّك" مِنْ أَيَّام الْآخِرَة بِسَبَبِ الْعَذَاب "كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء فِي الدُّنْيَا
"وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَة أَمْلَيْت لَهَا وَهِيَ ظَالِمَة ثُمَّ أَخَذْتهَا" الْمُرَاد أَهْلهَا "وَإِلَيَّ الْمَصِير" الْمَرْجِع
"قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "إنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِير مُبِين" بَيِّن الْإِنْذَار وَأَنَا بَشِير لِلْمُؤْمِنِينَ
"فَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ مَغْفِرَة" مِنْ الذُّنُوب "وَرِزْق كَرِيم" هُوَ الْجَنَّة
"وَاَلَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتنَا" الْقُرْآن بِإِبْطَالِهَا "مُعَاجِزِينَ" مَنْ اتَّبَعَ النَّبِيّ أَيْ يَنْسُبُونَهُمْ إلَى الْعَجْز وَيُثَبِّطُونَهُمْ عَنْ الْإِيمَان أَوْ مُقَدِّرِينَ عَجْزنَا عَنْهُمْ وَفِي قِرَاءَة مُعَاجِزِينَ مُسَابِقِينَ لَنَا أَيْ يَظُنُّونَ أَنْ يَفُوتُونَا بِإِنْكَارِهِمْ الْبَعْث وَالْعِقَاب "أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم" النَّار
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ↓
"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول" هُوَ نَبِيّ أُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ "وَلَا نَبِيّ" أَيْ لَمْ يُؤْمَر بِالتَّبْلِيغِ "إلَّا إذَا تَمَنَّى" قَرَأَ "أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أَمْنِيَّته" قِرَاءَته مَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآن مِمَّا يَرْضَاهُ الْمُرْسَل إلَيْهِمْ وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُورَة النَّجْم بِمَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْش بَعْد : "أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى" بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَان عَلَى لِسَانه مِنْ غَيْر عِلْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ : تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَا وَإِنَّ شَفَاعَتهنَّ لَتُرْتَجَى فَفَرِحُوا بِذَلِكَ ثُمَّ أَخْبَرَهُ جِبْرِيل بِمَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان عَلَى لِسَانه مِنْ ذَلِكَ فَحَزِنَ فَسُلِّيَ بِهَذِهِ الْآيَة لِيَطْمَئِنّ "فَيَنْسَخ اللَّه" يُبْطِل "مَا يُلْقِي الشَّيْطَان ثُمَّ يُحْكِم اللَّه آيَاته" يُثَبِّتهَا "وَاَللَّه عَلِيم" بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَان مَا ذُكِرَ "حَكِيم" فِي تَمْكِينه مِنْهُ بِفِعْلِ مَا يَشَاء
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ↓
"لِيَجْعَل مَا يُلْقِي الشَّيْطَان فِتْنَة" مِحْنَة "لِلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض" شِقَاق وَنِفَاق "وَالْقَاسِيَة قُلُوبهمْ" أَيْ الْمُشْرِكِينَ عَنْ قَبُول الْحَقّ "وَإِنَّ الظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ "لَفِي شِقَاق بَعِيد" خِلَاف طَوِيل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ جَرَى عَلَى لِسَانه ذِكْر آلِهَتهمْ بِمَا يُرْضِيهِمْ ثُمَّ أُبْطِلَ ذَلِكَ
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ↓
"وَلِيَعْلَم الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم" التَّوْحِيد وَالْقُرْآن "أَنَّهُ" أَيْ الْقُرْآن "الْحَقّ مِنْ رَبّك فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِت" تَطْمَئِنّ "لَهُ قُلُوبهمْ وَإِنَّ اللَّه لَهَادٍ الَّذِينَ آمَنُوا إلَى صِرَاط" طَرِيق "مُسْتَقِيم" أَيْ دِين الْإِسْلَام
وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ↓
"وَلَا يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَة" شَكّ "مِنْهُ" أَيْ الْقُرْآن بِمَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان عَلَى لِسَان النَّبِيّ ثُمَّ أُبْطِلَ "حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَة بَغْتَة" أَيْ سَاعَة مَوْتهمْ أَوْ الْقِيَامَة فَجْأَةً "أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَاب يَوْم عَقِيم" هُوَ يَوْم بَدْر لَا خَيْر فِيهِ لِلْكُفَّارِ كَالرِّيحِ الْعَقِيم الَّتِي لَا تَأْتِي بِخَيْرٍ أَوْ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة لَا لَيْل بَعْده
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ↑
"الْمُلْك يَوْمئِذٍ" أَيْ يَوْم الْقِيَامَة "لِلَّهِ" وَحْده وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الِاسْتِقْرَار نَاصِب لِلظَّرْفِ "يَحْكُم بَيْنهمْ" بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ بِمَا بَيَّنَ بَعْده "فَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فِي جَنَّات النَّعِيم" فَضْلًا مِنْ اللَّه
"وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب مُهِين" شَدِيد بِسَبَبِ كُفْرهمْ
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ↓
"وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيل اللَّه" أَيْ طَاعَته مِنْ مَكَّة إلَى الْمَدِينَة "ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنهُمْ اللَّه رِزْقًا حَسَنًا" هُوَ رِزْق الْجَنَّة "وَإِنَّ اللَّه لَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ" أَفْضَل الْمُعْطِينَ
"لَيُدْخِلَنهُمْ مُدْخَلًا" بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْحهَا أَيْ إدْخَالًا أَوْ مَوْضِعًا "يَرْضَوْنَهُ" وَهُوَ الْجَنَّة "وَإِنَّ اللَّه لَعَلِيم" بِنِيَّاتِهِمْ "حَلِيم" عَنْ عِقَابهمْ
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ↓
الْأَمْر "ذَلِكَ" الَّذِي قَصَصْنَاهُ عَلَيْك "وَمَنْ عَاقَبَ" جَازَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ "بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ" ظُلْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ : أَيْ قَاتَلَهُمْ كَمَا قَاتَلُوهُ فِي الشَّهْر الْحَرَام "ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ" مِنْهُمْ أَيْ ظُلِمَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مَنْزِله "لَيَنْصُرَنهُ اللَّه إنَّ اللَّه لَعَفُوّ" عَنْ الْمُؤْمِنِينَ "غَفُور" لَهُمْ عَنْ قِتَالهمْ فِي الشَّهْر الْحَرَام