"يَا أَيّهَا النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة وَغَيْرهمْ "اتَّقُوا رَبّكُمْ" أَيْ عِقَابه بِأَنْ تُطِيعُوهُ "إنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة" أَيْ الْحَرَكَة الشَّدِيدَة لِلْأَرْضِ الَّتِي يَكُون بَعْدهَا طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا الَّذِي هُوَ قُرْب السَّاعَة "شَيْء عَظِيم" فِي إزْعَاج النَّاس الَّذِي هُوَ نَوْع مِنْ الْعِقَاب
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ↓
"يَوْم تَرَوْنَهَا تَذْهَل" بِسَبَبِهَا "كُلّ مُرْضِعَة" بِالْفِعْلِ "عَمَّا أَرْضَعَتْ" أَيْ تَنْسَاهُ "وَتَضَع كُلّ ذَات حَمْل" أَيْ حُبْلَى "وَتَرَى النَّاس سُكَارَى" مِنْ شِدَّة الْخَوْف "وَمَا هُمْ بِسُكَارَى" مِنْ الشَّرَاب "وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد" فَهُمْ يَخَافُونَهُ
وَنَزَلَ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث وَجَمَاعَته "وَمِنْ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم" قَالُوا : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه وَالْقُرْآن أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ وَأَنْكَرُوا الْبَعْث وَإِحْيَاء مَنْ صَارَ تُرَابًا "وَيَتَّبِع" فِي جِدَاله "كُلّ شَيْطَان مَرِيد" أَيْ مُتَمَرِّد
"كُتِبَ عَلَيْهِ" قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَان "أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ" أَيْ اتَّبَعَهُ "فَأَنَّهُ يُضِلّهُ وَيَهْدِيهِ" يَدْعُوهُ "إلَى عَذَاب السَّعِير" أَيْ النَّار
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ↓
"يَا أَيّهَا النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة "إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب" شَكّ "مِنْ الْبَعْث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ" أَيْ أَصْلكُمْ آدَم "مِنْ تُرَاب ثُمَّ" خَلَقْنَا ذُرِّيَّته "مِنْ نُطْفَة" مَنِيّ "ثُمَّ مِنْ عَلَقَة" وَهِيَ الدَّم الْجَامِد "ثُمَّ مِنْ مُضْغَة" وَهِيَ لَحْمَة قَدْر مَا يُمْضَغ "مُخَلَّقَة" مُصَوَّرَة تَامَّة الْخَلْق "وَغَيْر مُخَلَّقَة" أَيْ غَيْر تَامَّة الْخَلْق "لِنُبَيِّن لَكُمْ" كَمَال قُدْرَتنَا لِتَسْتَدِلُّوا بِهَا فِي ابْتِدَاء الْخَلْق عَلَى إعَادَته "وَنُقِرّ" مُسْتَأْنَف "فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء إلَى أَجَل مُسَمًّى" وَقْت خُرُوجه "ثُمَّ نُخْرِجكُمْ" مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ "طِفْلًا" بِمَعْنَى أَطْفَالًا "ثُمَّ" نُعَمِّركُمْ "لِتَبْلُغُوا أَشُدّكُمْ" أَيْ الْكَمَال وَالْقُوَّة وَهُوَ مَا بَيْن الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ سَنَة "وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى" يَمُوت قَبْل بُلُوغ الْأَشُدّ "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إلَى أَرْذَل الْعُمُر" أَخَسّه مِنْ الْهَرَم وَالْخَرَف "لِكَيْلَا يَعْلَم مِنْ بَعْد عِلْم شَيْئًا" قَالَ عِكْرِمَة : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآن لَمْ يَصِرْ بِهَذِهِ الْحَالَة "وَتَرَى الْأَرْض هَامِدَة" يَابِسَة "فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ" تَحَرَّكَتْ "وَرَبَتْ" ارْتَفَعَتْ وَزَادَتْ "وَأَنْبَتَتْ مِنْ" زَائِدَة "كُلّ زَوْج" صِنْف "بَهِيج" حَسَن
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
"ذَلِكَ" الْمَذْكُور مِنْ بَدْء خَلْق الْإِنْسَان إلَى آخِر إحْيَاء الْأَرْض "بِأَنَّ" بِسَبَبِ أَنَّ "اللَّه هُوَ الْحَقّ" الثَّابِت الدَّائِم
"وَأَنَّ السَّاعَة آتِيَة لَا رَيْب" شَكّ "فِيهَا وَأَنَّ اللَّه يَبْعَث مَنْ فِي الْقُبُور" وَنَزَلَ فِي أَبِي جَهْل
"وَمِنْ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَلَا هُدًى" مَعَهُ "وَلَا كِتَاب مُنِير" لَهُ نُور مَعَهُ
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ↓
"ثَانِيَ عِطْفه" حَال أَيْ لَاوِيَ عُنُقه تَكَبُّرًا عَنْ الْإِيمَان وَالْعِطْف الْجَانِب عَنْ يَمِين أَوْ شِمَال "لِيُضِلّ" بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّهَا "عَنْ سَبِيل اللَّه" أَيْ دِينه "لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْي" عَذَاب فَقُتِلَ يَوْم بَدْر "وَنُذِيقهُ يَوْم الْقِيَامَة عَذَاب الْحَرِيق" أَيْ الْإِحْرَاق بِالنَّارِ وَيُقَال لَهُ :
"ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاك" أَيْ قَدَّمْته عَبَّرَ عَنْهُ بِهِمَا دُون غَيْرهمَا لِأَنَّ أَكْثَر الْأَفْعَال تُزَاوَل بِهِمَا "وَأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ" أَيْ بِذِي ظُلْم "لِلْعَبِيدِ" فَيُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ ذَنْب
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ↓
"وَمِنْ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف" أَيْ شَكّ فِي عِبَادَته شُبِّهَ بِالْحَالِ عَلَى حَرْف جَبَل فِي عَدَم ثَبَاته "فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر" صِحَّة وَسَلَامَة فِي نَفْسه وَمَاله "اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة" مِحْنَة وَسَقَم فِي نَفْسه وَمَاله "انْقَلَبَ عَلَى وَجْهه" أَيْ رَجَعَ إلَى الْكُفْر "خَسِرَ الدُّنْيَا" بِفَوَاتِ مَا أَمَلَهُ مِنْهَا "وَالْآخِرَة" بِالْكُفْرِ "ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَان الْمُبِين" الْبَيِّن
"يَدْعُو" يَعْبُد "مِنْ دُون اللَّه" مِنْ الصَّنَم "مَا لَا يَضُرّهُ" إنْ لَمْ يَعْبُدْهُ "وَمَا لَا يَنْفَعهُ" إنْ عَبَدَهُ "ذَلِكَ" الدُّعَاء "هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد" عَنْ الْحَقّ
"يَدْعُو لَمَنْ" اللَّام زَائِدَة "ضَرّه" بِعِبَادَتِهِ "أَقْرَب مِنْ نَفْعه" إنْ نَفَعَ بِتَخَيُّلِهِ "لَبِئْسَ الْمَوْلَى" هُوَ أَيْ النَّاصِر "وَلَبِئْسَ الْعَشِير" الصَّاحِب هُوَ وَعَقَّبَ ذِكْر الشَّاكّ بِالْخُسْرَانِ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّوَابِ فِي
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ↓
"إنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات" مِنْ الْفُرُوض وَالنَّوَافِل "جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار إنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يُرِيد" مِنْ إكْرَام مَنْ يُطِيعهُ وَإِهَانَة مَنْ يَعْصِيه
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ↓
"مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه" أَيْ مُحَمَّدًا نَبِيّه "فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ" بِحَبْلٍ "إلَى السَّمَاء" أَيْ سَقْف بَيْته يَشُدّهُ فِيهِ وَفِي عُنُقه "ثُمَّ لْيَقْطَعْ" أَيْ لِيَخْتَنِقْ بِهِ بِأَنْ يَقْطَع نَفْسه مِنْ الْأَرْض كَمَا فِي الصِّحَاح "فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده" فِي عَدَم نُصْرَة النَّبِيّ "مَا يَغِيظ" مِنْهَا الْمَعْنَى فَلْيَخْتَنِقْ غَيْظًا مِنْهَا فَلَا بُدّ مِنْهَا
"وَكَذَلِكَ" أَيْ مِثْل إنْزَالنَا الْآيَة السَّابِقَة "أَنْزَلْنَاهُ" أَيْ الْقُرْآن الْبَاقِيَ "آيَات بَيِّنَات" ظَاهِرَات حَال "وَأَنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يُرِيد" هُدَاهُ مَعْطُوف عَلَى هَاء أَنْزَلْنَاهُ
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ↓
"إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا" هُمْ الْيَهُود "وَالصَّابِئِينَ" طَائِفَة مِنْهُمْ "وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا إنَّ اللَّه يَفْصِل بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة" بِإِدْخَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّة وَإِدْخَال غَيْرهمْ النَّار "إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء" مِنْ عَمَلهمْ "شَهِيد" عَالِم بِهِ عِلْم مُشَاهَدَة
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ↓
"أَلَمْ تَرَ" تَعْلَم "أَنَّ اللَّه يَسْجُد لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم وَالْجِبَال وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ" أَيْ يَخْضَع لَهُ بِمَا يُرَاد مِنْهُ "وَكَثِير مِنْ النَّاس" وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْخُضُوع فِي سُجُود الصَّلَاة "وَكَثِير حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب" وَهُمْ الْكَافِرُونَ لِأَنَّهُمْ أَبَوْا السُّجُود الْمُتَوَقِّف عَلَى الْإِيمَان "وَمَنْ يُهِنْ اللَّه" يُشِقّهُ "فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم" مُسْعِد "إنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء" مِنْ الْإِهَانَة وَالْإِكْرَام
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ↓
"هَذَانِ خَصْمَانِ" أَيْ الْمُؤْمِنُونَ خَصْم وَالْكُفَّار الْخَمْسَة خَصْم وَهُوَ يُطْلَق عَلَى الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة "اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ" أَيْ فِي دِينه "فَاَلَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار" يَلْبَسُونَهَا يَعْنِي أُحِيطَتْ بِهِمْ النَّار "يُصَبّ مِنْ فَوْق رُءُوسهمْ الْحَمِيم" الْمَاء الْبَالِغ نِهَايَة الْحَرَارَة
"يُصْهَر" يُذَاب "بِهِ مَا فِي بُطُونهمْ" مِنْ شُحُوم وَغَيْرهَا "وَ" تُشْوَى بِهِ "الْجُلُود"
"وَلَهُمْ مَقَامِع مِنْ حَدِيد" لِضَرْبِ رُءُوسهمْ
كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ↓
"كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا" أَيْ النَّار "مِنْ غَمّ" يَلْحَقهُمْ بِهَا "أُعِيدُوا فِيهَا" رُدُّوا إلَيْهَا بِالْمَقَامِعِ "وَ" قِيلَ لَهُمْ "ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق" أَيْ الْبَالِغ نِهَايَة الْإِحْرَاق
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ↓
وَقَالَ فِي الْمُؤْمِنِينَ "إنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِر مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤ" بِالْجَرِّ أَيْ مِنْهُمَا بِأَنْ يُرَصَّع اللُّؤْلُؤ بِالذَّهَبِ وَبِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَحَلّ مِنْ أَسَاوِر "وَلِبَاسهمْ فِيهَا حَرِير" هُوَ الْمُحَرَّم لُبْسه عَلَى الرِّجَال فِي الدُّنْيَا
"وَهُدُوا" فِي الدُّنْيَا "إلَى الطَّيِّب مِنْ الْقَوْل" وَهُوَ لَا إلَه إلَّا اللَّه "وَهُدُوا إلَى صِرَاط الْحَمِيد" أَيْ طَرِيق اللَّه الْمَحْمُودَة وَدِينه
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ↓
"إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه" طَاعَته "وَ" عَنِ "الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ" مَنْسَكًا وَمُتَعَبَّدًا "لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِف" الْمُقِيم "فِيهِ وَالْبَادِي" الطَّارِئ "وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ" الْبَاء زَائِدَة "بِظُلْمٍ" أَيْ بِسَبَبِهِ بِأَنْ ارْتَكَبَ مَنْهِيًّا وَلَوْ شَتَمَ الْخَادِمَ "نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم : أَيْ بَعْضه وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذ خَبَر إنَّ : أَيْ نُذِيقهُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ↑
"وَ" اُذْكُرْ "إِذْ بَوَّأْنَا" بَيْتًا "لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت" لِيَبْنِيَهُ وَكَانَ قَدْ رُفِعَ زَمَن الطُّوفَان وَأَمَرْنَاهُ "أَنْ لَا تُشْرِك بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ" مِنْ الْأَوْثَان "لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ" الْمُقِيمِينَ بِهِ "وَالرُّكَّع السُّجُود" جَمْع رَاكِع وَسَاجِد : الْمُصَلِّينَ
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ↓
"وَأَذِّنْ" نَادِ "فِي النَّاس بِالْحَجِّ" فَنَادَى عَلَى جَبَل أَبِي قُبَيْس : يَا أَيّهَا النَّاس إنَّ رَبّكُمْ بَنَى بَيْتًا وَأَوْجَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ إلَيْهِ فَأَجِيبُوا رَبّكُمْ وَالْتَفَتَ بِوَجْهِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا فَأَجَابَهُ كُلّ مَنْ كَتَبَ لَهُ أَنْ يَحُجّ مِنْ أَصْلَاب الرِّجَال وَأَرْحَام الْأُمَّهَات : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَجَوَاب الْأَمْر "يَأْتُوك رِجَالًا" مُشَاة جَمْع رَاجِل كَقَائِمٍ وَقِيَام "وَعَلَى كُلّ ضَامِر" رُكْبَانًا أَيْ بَعِير مَهْزُول وَهُوَ يُطْلَق عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى "يَأْتِينَ" أَيْ الضَّوَامِر حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى "مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق" طَرِيق بَعِيد
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ↓
"لِيَشْهَدُوا" أَيْ يَحْضُرُوا "مَنَافِع لَهُمْ" فِي الدُّنْيَا بِالتِّجَارَةِ أَوْ فِي الْآخِرَة أَوْ فِيهِمَا أَقْوَال "وَيَذْكُرُوا اسْم اللَّه فِي أَيَّام مَعْلُومَات" أَيْ عَشْر ذِي الْحِجَّة أَوْ يَوْم عَرَفَة أَوْ يَوْم النَّحْر إلَى آخِر أَيَّام التَّشْرِيق أَقْوَال "عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام" الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم الَّتِي تُنْحَر فِي يَوْم الْعِيد وَمَا بَعْده مِنْ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا "فَكُلُوا مِنْهَا" إذَا كَانَتْ مُسْتَحَبَّة "وَأَطْعِمُوا الْبَائِس الْفَقِير" أَيْ الشَّدِيد الْفَقْر
"ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ" أَيْ يُزِيلُوا أَوْسَاخهمْ وَشَعَثهمْ كَطُولِ الظُّفُر "وَلْيُوفُوا" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد "نُذُورهمْ" مِنْ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا "وَلْيَطَّوَّفُوا" طَوَاف الْإِفَاضَة "بِالْبَيْتِ الْعَتِيق" أَيْ الْقَدِيم لِأَنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ
ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ↓
"ذَلِكَ" خَبَر مُبْتَدَأ مُقَدَّر : أَيْ الْأَمْر أَوْ الشَّأْن ذَلِكَ الْمَذْكُور "وَمَنْ يُعَظِّم حُرُمَات اللَّه" هِيَ مَا لَا يَحِلّ انْتِهَاكه "فَهُوَ" أَيْ تَعْظِيمهَا "خَيْر لَهُ عِنْد رَبّه" فِي الْآخِرَة "وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الْأَنْعَام" أَكْلًا بَعْد الذَّبْح "إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ" تَحْرِيمه فِي "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة" الْآيَة فَالِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُتَّصِلًا وَالتَّحْرِيم لِمَا عَرَضَ مِنْ الْمَوْت وَنَحْوه "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ الْأَوْثَان" مِنْ لِلْبَيَانِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَان "وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور" أَيْ الشِّرْك بِاَللَّهِ فِي تَلْبِيَتكُمْ أَوْ شَهَادَة الزُّور