جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ↓
"جَنَّات عَدْن" إقَامَة بَدَل مِنْ الْجَنَّة "الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَن عِبَاده بِالْغَيْبِ" أَيْ غَائِبِينَ عَنْهَا "إنَّهُ كَانَ وَعْده" أَيْ مَوْعُوده "مَأْتِيًّا" بِمَعْنَى آتِيًا وَأَصْله مَأْتُوي أَوْ مَوْعُوده هُنَا الْجَنَّة يَأْتِيه أَهْله
"لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا" مِنْ الْكَلَام "إلَّا" لَكِنْ يَسْمَعُونَ "سَلَامًا" مِنْ الْمَلَائِكَة عَلَيْهِمْ أَوْ مِنْ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض "وَلَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا" أَيْ عَلَى قَدْرهمَا فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِي الْجَنَّة نَهَار وَلَا لَيْل بَلْ ضَوْء وَنُور أَبَدًا
"تِلْكَ الْجَنَّة الَّتِي نُورِث" نُعْطِي وَنُنْزِل "مِنْ عِبَادنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا" بِطَاعَتِهِ وَنَزَلَ لَمَّا تَأَخَّرَ الْوَحْي أَيَّامًا وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيل : مَا يَمْنَعك أَنْ تَزُورنَا أَكْثَر مِمَّا تَزُورنَا؟
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ↓
"وَمَا نَتَنَزَّل إلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا" أَيْ أَمَامنَا مِنْ أُمُور الْآخِرَة "وَمَا خَلْفنَا" مِنْ أُمُور الدُّنْيَا "وَمَا بَيْن ذَلِكَ" أَيْ : مَا يَكُون فِي هَذَا الْوَقْت إلَى قِيَام السَّاعَة أَيْ لَهُ عِلْم ذَلِكَ جَمِيعه "وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا" بِمَعْنَى نَاسِيًا أَيْ : تَارِكًا لَك بِتَأْخِيرِ الْوَحْي عَنْك
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ↓
هُوَ "رَبّ" مَالِك "السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ" أَيْ : اصْبِرْ عَلَيْهَا "هَلْ تَعْلَم لَهُ سَمِيًّا" مُسَمًّى بِذَلِكَ ؟ لَا
"وَيَقُول الْإِنْسَان" الْمُنْكِر لِلْبَعْثِ أُبَيّ ابْن خَلَف أَوْ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة النَّازِل فِيهِ الْآيَة " أَئِذَا" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَة الثَّانِيَة وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهَا بِوَجْهَيْهَا وَبَيْن الْأُخْرَى "مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَج حَيًّا" مِنْ الْقَبْر كَمَا يَقُول مُحَمَّد فَالِاسْتِفْهَام بِمَعْنَى النَّفْي أَيْ : لَا أَحْيَا بَعْد الْمَوْت وَمَا زَائِدَة لِلتَّأْكِيدِ وَكَذَا اللَّام وَرَدَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
"أَوَلَا يَذْكُر الْإِنْسَان" أَصْله يَتَذَكَّر أُبْدِلَتْ التَّاء ذَالًا وَأُدْغِمَتْ فِي الذَّال وَفِي قِرَاءَة تَرْكهَا وَسُكُون الذَّال وَضَمّ الْكَاف "أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْل وَلَمْ يَكُ شَيْئًا" فَيُسْتَدَلّ بِالِابْتِدَاءِ عَلَى الْإِعَادَة
"فَوَرَبِّك لَنَحْشُرَنَّهُمْ" أَيْ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ "وَالشَّيَاطِين" أَيْ نَجْمَع كُلًّا مِنْهُمْ وَشَيْطَانه فِي سِلْسِلَة "ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْل جَهَنَّم" مِنْ خَارِجهَا "جِثِيًّا" عَلَى الرَّكْب جَمْع جَاثٍ وَأَصْله جُثُوو أَوْ جُثُوي مِنْ جَثَا يَجْثُو أَوْ يَجْثِي لُغَتَانِ
"ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلّ شِيعَة" فِرْقَة مِنْهُمْ "أَيّهمْ أَشَدّ عَلَى الرَّحْمَن عِتِيًّا" جَرَاءَة
"ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَم بِاَلَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا" أَحَقّ بِجَهَنَّم الْأَشَدّ وَغَيْره مِنْهُمْ "صِلِيًّا" دُخُولًا وَاحْتِرَاقًا فَنَبْدَأ بِهِمْ وَأَصْله صُلُوي مِنْ صَلِيَ بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْحهَا
"وَإِنْ" أَيْ مَا "مِنْكُمْ" أَحَد "إلَّا وَارِدهَا" أَيْ دَاخِل جَهَنَّم "كَانَ عَلَى رَبّك حَتْمًا مَقْضِيًّا" حَتَمَهُ وَقَضَى بِهِ لَا يَتْرُكهُ
"ثُمَّ نُنَجِّي" مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا "الَّذِينَ اتَّقَوْا" الشِّرْك وَالْكُفْر مِنْهَا "وَنَذَر الظَّالِمِينَ" بِالشِّرْكِ وَالْكُفْر "فِيهَا جِثِيًّا" عَلَى الرُّكَب
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ↓
"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ" أَيْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ "آيَاتنَا" مِنْ الْقُرْآن "بَيِّنَات" وَاضِحَات حَال "قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيّ الْفَرِيقَيْنِ" نَحْنُ وَأَنْتُمْ "خَيْر مَقَامًا" مَنْزِلًا وَمَسْكَنًا بِالْفَتْحِ مِنْ قَامَ وَبِالضَّمِّ مِنْ أَقَامَ "وَأَحْسَن نَدِيًّا" بِمَعْنَى النَّادِي وَهُوَ مُجْتَمَع الْقَوْم يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ يَعْنُونَ نَحْنُ فَنَكُون خَيْرًا مِنْكُمْ
"وَكَمْ" أَيْ كَثِيرًا "أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ قَرْن" أَيْ أُمَّة مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة "هُمْ أَحْسَن أَثَاثًا" مَالًا وَمَتَاعًا "وَرِئْيًا" مَنْظَرًا مِنْ الرُّؤْيَة فَكَمَا أَهْلَكْنَاهُمْ لِكُفْرِهِمْ نُهْلِك هَؤُلَاءِ
قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا ↓
"قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَة" شَرْط جَوَابه "فَلْيَمْدُدْ" بِمَعْنَى الْخَبَر أَيْ يَمُدّ "لَهُ الرَّحْمَن مَدًّا" فِي الدُّنْيَا يَسْتَدْرِجهُ "حَتَّى إذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إمَّا الْعَذَاب" كَالْقَتْلِ وَالْأَسْر "وَإِمَّا السَّاعَة" الْمُشْتَمِلَة عَلَى جَهَنَّم فَيَدْخُلُونَهَا "فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مَكَانًا وَأَضْعَف جُنْدًا" أَعْوَانًا أَهُمْ أَمْ الْمُؤْمِنُونَ وَجُنْدهمْ الشَّيَاطِين وَجُنْد الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا ↓
"وَيَزِيد اللَّه الَّذِينَ اهْتَدَوْا" بِالْإِيمَانِ "هُدًى" بِمَا يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ الْآيَات "وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات" هِيَ الطَّاعَة تَبْقَى لِصَاحِبِهَا "خَيْر عِنْد رَبّك ثَوَابًا وَخَيْر مَرَدًّا" أَيْ مَا يُرَدّ إلَيْهِ وَيَرْجِع بِخِلَافِ أَعْمَال الْكُفَّار وَالْخَيْرِيَّة هُنَا فِي مُقَابَلَة قَوْلهمْ أَيّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْر مَقَامًا
"أَفَرَأَيْت الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا" الْعَاصِي بْن وَائِل "وَقَالَ" لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتّ الْقَائِل لَهُ تُبْعَث بَعْد الْمَوْت وَالْمُطَالِب لَهُ بِمَالٍ . "لَأُوتَيَنَّ" عَلَى تَقْدِير الْبَعْث "مَالًا وَوَلَدًا" فَأَقْضِيك
"أَطَّلَعَ الْغَيْب" أَيْ أَعَلِمَهُ وَأَنْ يُؤْتَى مَا قَالَهُ وَاسْتُغْنِيَ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَام عَنْ هَمْزَة الْوَصْل فَحُذِفَتْ "أَمْ اتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا" بِأَنْ يُؤْتَى مَا قَالَهُ
"كَلَّا" أَيْ لَا يُؤْتَى ذَلِكَ "سَنَكْتُبُ" نَأْمُر بِكَتْبِ "مَا يَقُول وَنَمُدّ لَهُ مِنْ الْعَذَاب مَدًّا" نَزِيدهُ بِذَلِكَ عَذَابًا فَوْق عَذَاب كُفْره
"وَنَرِثهُ مَا يَقُول" مِنْ الْمَال وَالْوَلَد "وَيَأْتِينَا" يَوْم الْقِيَامَة "فَرْدًا" لَا مَال لَهُ وَلَا وَلَد
"وَاِتَّخَذُوا" أَيْ كُفَّار مَكَّة "مِنْ دُون اللَّه" أَيْ : الْأَوْثَان "آلِهَة" يَعْبُدُونَهُمْ "لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا" شُفَعَاء عِنْد اللَّه بِأَنْ لَا يُعَذَّبُوا
"كَلَّا" أَيْ لَا مَانِع مِنْ عَذَابهمْ "سَيَكْفُرُونَ" أَيْ الْآلِهَة "بِعِبَادَتِهِمْ" أَيْ يَنْفُونَهَا كَمَا فِي آيَة أُخْرَى "مَا كَانُوا إيَّانَا يَعْبُدُونَ" "وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا" أَعْوَانًا وَأَعْدَاء
"أَلَمْ تَرَى أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِين" أَيْ سَلَّطْنَاهُمْ "عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ" تُهِيجهُمْ إلَى الْمَعَاصِي
"فَلَا تَعْجَل عَلَيْهِمْ" بِطَلَبِ الْعَذَاب "إنَّمَا نَعُدّ لَهُمْ" الْأَيَّام وَاللَّيَالِي أَوْ الْأَنْفَاس "عَدًّا" إلَى وَقْت عَذَابهمْ
اذْكُر "يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ" اُذْكُرْ يَوْم نَحْشُر الْمُتَّقِينَ بِإِيمَانِهِمْ "إلَى الرَّحْمَن وَفْدًا" جَمْع وَافِد بِمَعْنَى : رَاكِب
"وَنَسُوق الْمُجْرِمِينَ" بِكُفْرِهِمْ "إلَى جَهَنَّم وِرْدًا" جَمْع وَارِد بِمَعْنَى مَاشٍ عَطْشَان
"لَا يَمْلِكُونَ" أَيْ النَّاس "الشَّفَاعَة إلَّا مَنْ اتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا" أَيْ شَهَادَة أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّه وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إلَّا بِاَللَّهِ
"وَقَالُوا" أَيْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه
"لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا" أَيْ مُنْكَرًا عَظِيمًا
"تَكَاد" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "السَّمَوَات يَتَفَطَّرْنَ" بِالتَّاءِ وَتَشْدِيد الطَّاء بِالِانْشِقَاقِ وَفِي قِرَاءَة بِالنُّونِ "مِنْهُ وَتَنْشَقّ الْأَرْض وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا" أَيْ تَنْطَبِق عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْل "أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا"