"وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْت" أَيْ : نَفَّاعًا لِلنَّاسِ إخْبَار بِمَا كُتِبَ لَهُ "وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة" أَمَرَنِي بِهِمَا
"وَبَرًّا بِوَالِدَتِي" مَنْصُوب بِجَعَلَنِي مُقَدَّر "وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا" مُتَعَاظِمًا "شَقِيًّا" عَاصِيًا لِرَبِّهِ
"وَالسَّلَام" مِنْ اللَّه "عَلَيَّ يَوْم وُلِدْت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أُبْعَث حَيًّا" يُقَال فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي السَّيِّد يَحْيَى
"ذَلِكَ عِيسَى ابْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ" بِالرَّفْعِ خَبَر مُبْتَدَأ مُقَدَّر أَيْ : قَوْل ابْن مَرْيَم وَبِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ قُلْت وَالْمَعْنَى الْقَوْل الْحَقّ "الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ" مِنْ الْمِرْيَة أَيْ : يَشُكُّونَ وَهُمْ النَّصَارَى : قَالُوا إنَّ عِيسَى ابْن اللَّه كَذَبُوا
مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ↓
"مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ مِنْ وَلَد سُبْحَانه" تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ "إذَا قَضَى أَمْرًا" أَيْ : أَرَادَ أَنْ يُحْدِثهُ "فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون" بِالرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ هُوَ وَبِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَنْ وَمِنْ ذَلِكَ خَلْق عِيسَى مِنْ غَيْر أَب
"وَإِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ" بِفَتْحِ أَنَّ بِتَقْدِيرِ اُذْكُرْ وَبِكَسْرِهَا بِتَقْدِيرِ قُلْ بِدَلِيلِ "مَا قُلْت لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ" "هَذَا" الْمَذْكُور "صِرَاط" طَرِيق "مُسْتَقِيم" مُؤَدٍّ إلَى الْجَنَّة
"فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ" أَيْ النَّصَارَى فِي عِيسَى أَهُوَ ابْن اللَّه أَوْ إلَه مَعَهُ أَوْ ثَالِث ثَلَاثَة "فَوَيْل" فَشِدَّة عَذَاب "لِلَّذِينَ كَفَرُوا" بِمَا ذُكِرَ وَغَيْره "مِنْ مَشْهَد يَوْم عَظِيم" أَيْ : حُضُور يَوْم الْقِيَامَة وَأَهْوَاله
"أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ" بِهِمْ صِيغَتَا تَعَجُّب بِمَعْنَى مَا أَسْمَعهمْ وَمَا أَبْصَرهمْ "يَوْم يَأْتُونَنَا" فِي الْآخِرَة "لَكِنْ الظَّالِمُونَ" مِنْ إقَامَة الظَّاهِر مَقَام الْمُضْمَر "الْيَوْم" أَيْ : فِي الدُّنْيَا "فِي ضَلَال مُبِين" أَيْ بَيِّن بِهِ صُمُّوا عَنْ سَمَاع الْحَقّ وَعَمُوا عَنْ إبْصَاره أَيْ : اعْجَبْ مِنْهُمْ يَا مُخَاطَب فِي سَمْعهمْ وَإِبْصَارهمْ فِي الْآخِرَة بَعْد أَنْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا صُمًّا عُمْيًا
"وَأَنْذِرْهُمْ" خَوِّفْ يَا مُحَمَّد كُفَّار مَكَّة "يَوْم الْحَسْرَة" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَتَحَسَّر فِيهِ الْمُسِيء عَلَى تَرْك الْإِحْسَان فِي الدُّنْيَا "إذْ قُضِيَ الْأَمْر" لَهُمْ فِيهِ بِالْعَذَابِ "وَهُمْ" فِي الدُّنْيَا "فِي غَفْلَة" عَنْهُ "وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" بِهِ
"إنَّا نَحْنُ" تَأْكِيد "نَرِث الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا" مِنْ الْعُقَلَاء وَغَيْرهمْ بِإِهْلَاكِهِمْ "وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ" فِيهِ لِلْجَزَاءِ
"وَاذْكُرْ" لَهُمْ "فِي الْكِتَاب إبْرَاهِيم" أَيْ : خَبَره "إنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا" مُبَالِغًا فِي الصِّدْق "نَبِيًّا" وَيُبْدَل مِنْ خَبَره
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ↓
"إذْ قَالَ لِأَبِيهِ" آزَر "يَا أَبَتِ" التَّاء عِوَض عَنْ يَاء الْإِضَافَة وَلَا يُجْمَع بَيْنهمَا وَكَانَ يُعْبَد الْأَصْنَام "لِمَ تَعْبُد مَا لَا يَسْمَع وَلَا يُبْصِر وَلَا يُغْنِي عَنْك" لَا يَكْفِيك "شَيْئًا" مِنْ نَفْع أَوْ ضُرّ
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ↓
"يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْم مَا لَمْ يَأْتِك فَاتَّبِعْنِي أَهْدِك صِرَاطًا" طَرِيقًا "سَوِيًّا" مُسْتَقِيمًا
"يَا أَبَتِ لَا تَعْبُد الشَّيْطَان" بِطَاعَتِك إيَّاهُ فِي عِبَادَة الْأَصْنَام "إنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا" كَثِير الْعِصْيَان
"يَا أَبَتِ إنِّي أَخَاف أَنْ يَمَسّك عَذَاب مِنْ الرَّحْمَن" إنْ لَمْ تَتُبْ "فَتَكُون لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا" نَاصِرًا وَقَرِينًا فِي النَّار
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ↓
"قَالَ أَرَاغِب أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبْرَاهِيم" فَتَعِيبهَا "لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ" عَنْ التَّعَرُّض لَهَا "لَأَرْجُمَنك" بِالْحِجَارَةِ أَوْ بِالْكَلَامِ الْقَبِيح فَاحْذَرْنِي "وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا" دَهْرًا طَوِيلًا
"قَالَ سَلَام عَلَيْك" مِنِّي أَيْ لَا أُصِيبك بِمَكْرُوهٍ "سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" مِنْ حَفِيَ أَيْ بَارًّا فَيُجِيب دُعَائِي وَقَدْ أَوْفَى بِوَعْدِهِ الْمَذْكُور فِي الشُّعَرَاء "وَاغْفِرْ لِأَبِي" وَهَذَا قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ اللَّه كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَرَاءَة
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا ↓
"وَأَعْتَزِلكُمْ وَمَا تَدْعُونَ" تَعْبُدُونَ "مِنْ دُون اللَّه وَأَدْعُو" أَعْبُد "رَبِّي عَسَى أَلَّا" أَنْ لَا "أَكُون بِدُعَاءِ رَبِّي" بِعِبَادَتِهِ "شَقِيًّا" كَمَا شَقِيتُمْ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَام
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا ↓
"فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه" بِأَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة "وَهَبْنَا لَهُ" ابْنَيْنِ يَأْنَس بِهِمَا "إسْحَاق وَيَعْقُوب وَكُلًّا" مِنْهُمَا
"وَوَهَبْنَا لَهُمْ" لِلثَّلَاثَةِ "مِنْ رَحْمَتنَا" الْمَال وَالْوَلَد "وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَان صِدْق عَلِيًّا" رَفِيعًا هُوَ الثَّنَاء الْحَسَن فِي جَمِيع أَهْل الْأَدْيَان
"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب مُوسَى إنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا" بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْحهَا مِنْ أَخْلَصَ فِي عِبَادَته وَخَلَّصَهُ اللَّه مِنْ الدَّنَس
"وَنَادَيْنَاهُ" بِقَوْلِ "يَا مُوسَى إنِّي أَنَا اللَّه" "مِنْ جَانِب الطُّور" اسْم جَبَل "الْأَيْمَن" أَيْ الَّذِي يَلِي يَمِين مُوسَى حِين أَقْبَلَ مِنْ مَدْيَنَ "وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا" مُنَاجِيًا بِأَنْ أَسْمَعَهُ اللَّه تَعَالَى كَلَامه
"وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتنَا" نِعْمَتنَا "أَخَاهُ هَارُون" بَدَل أَوْ عَطْف بَيَان "نَبِيًّا" حَال هِيَ الْمَقْصُودَة بِالْهِبَةِ إجَابَة لِسُؤَالِهِ أَنْ يُرْسِل أَخَاهُ مَعَهُ وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ
"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إسْمَاعِيل إنَّهُ كَانَ صَادِق الْوَعْد" لَمْ يَعِد شَيْئًا إلَّا وَفَّى بِهِ وَانْتَظَرَ مَنْ وَعَدَهُ ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ حَوْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَيْهِ فِي مَكَانه "وَكَانَ رَسُولًا" إلَى جُرْهُم
"وَكَانَ يَأْمُر أَهْله" أَيْ قَوْمه "بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَكَانَ عِنْد رَبّه مَرْضِيًّا" أَصْله مَرْضُوّ وَقُلِبَتْ الْوَاوَانِ يَاءَيْنِ وَالضَّمَّة كَسْرَة .
"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إدْرِيس" هُوَ جَدّ أَبِي نُوح
"وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا" هُوَ حَيّ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة أَوْ السَّادِسَة أَوْ السَّابِعَة أَوْ فِي الْجَنَّة أُدْخِلَهَا بَعْد أَنْ أُذِيقَ الْمَوْت وَأُحْيِيَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ↓
"أُولَئِكَ" مُبْتَدَأ "الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ" صِفَة لَهُ "مِنْ النَّبِيِّينَ" بَيَان لَهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الصِّفَة وَمَا بَعْده إلَى جُمْلَة الشَّرْط صِفَة لِلنَّبِيِّينَ فَقَوْله "مِنْ ذُرِّيَّة آدَم" أَيْ إدْرِيس "وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح" فِي السَّفِينَة أَيْ إبْرَاهِيم ابْن ابْنه سَام "وَمِنْ ذُرِّيَّة إبْرَاهِيم" أَيْ إسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب "و" مِنْ ذُرِّيَّة "إسْرَائِيل" هُوَ يَعْقُوب أَيْ مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى "وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا" أَيْ مِنْ جُمْلَتهمْ وَخَيْر أُولَئِكَ "إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" جَمْع سَاجِد وَبَاكٍ أَيْ فَكُونُوا مِثْلهمْ وَأَصْل بَكِيّ بُكُوي قُلِبَتْ الْوَاو يَاء وَالضَّمَّة كَسْرَة
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ↓
"فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة" بِتَرْكِهَا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى "وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات" مِنْ الْمَعَاصِي "فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّم أَيْ يَقَعُونَ فِيهِ
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ↓
"إلَّا" لَكِنْ "مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَا يُظْلَمُونَ" يَنْقُصُونَ "شَيْئًا" مِنْ ثَوَابهمْ