"كَذَلِكَ" أَيْ الْأَمْر كَمَا قُلْنَا "وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ" أَيْ عِنْد ذِي الْقَرْنَيْنِ مِنْ الْآلَات وَالْجُنْد وَغَيْرهمَا "خُبْرًا" عِلْمًا
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا ↓
"حَتَّى إذَا بَلَغَ بَيْن السَّدَّيْنِ" بِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا هُنَا وَبَعْدهمَا جَبَلَانِ بِمُنْقَطَعِ بِلَاد التُّرْك سَدّ الْإِسْكَنْدَر مَا بَيْنهمَا كَمَا سَيَأْتِي "وَجَدَ مِنْ دُونهمَا" أَيْ أَمَامهمَا "قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا" أَيْ لَا يَفْهَمُونَهُ إلَّا بَعْد بُطْء وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْقَاف
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ↓
"قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج" بِالْهَمْزِ وَتَرْكه : هُمَا اسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ لِقَبِيلَتَيْنِ فَلَمْ يَنْصَرِفَا "مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض" بِالنَّهْبِ وَالْبَغْي عِنْد خُرُوجهمْ إلَيْنَا "فَهَلْ نَجْعَل لَك خَرْجًا" جُعْلًا مِنْ الْمَال وَفِي قِرَاءَة خَرَاجًا "عَلَى أَنْ تَجْعَل بَيْننَا وَبَيْنهمْ سَدًّا" حَاجِزًا فَلَا يُصَلُّونَ إلَيْنَا
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ↓
"قَالَ مَا مَكَّنِّي" وَفِي قِرَاءَة بِنُونَيْنِ مِنْ غَيْر إدْغَام "فِيهِ رَبِّي" مِنْ الْمَال وَغَيْره "خَيْر" مِنْ خَرْجكُمْ الَّذِي تَجْعَلُونَهُ لِي فَلَا حَاجَة بِي إلَيْهِ وَأَجْعَل لَكُمْ السَّدّ تَبَرُّعًا "فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ" لِمَا أَطْلُبهُ مِنْكُمْ "بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ رَدْمًا" حَاجِزًا حَصِينًا
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ↓
"آتُونِي زُبَر الْحَدِيد" قِطَعه عَلَى قَدْر الْحِجَارَة الَّتِي يُبْنَى بِهَا وَجَعَلَ بَيْنهَا الْحَطَب وَالْفَحْم "حَتَّى إذَا سَاوَى بَيْن الصَّدَفَيْنِ" بِضَمِّ الْحَرْفَيْنِ وَفَتْحهمَا وَضَمّ الْأَوَّل وَسُكُون الثَّانِي أَيْ جَانِبَيْ الْجَبَلَيْنِ بِالْبِنَاءِ وَوَضْع الْمَنَافِخ وَالنَّار حَوْل ذَلِكَ "قَالَ اُنْفُخُوا" فَنَفَخُوا "حَتَّى إذَا جَعَلَهُ" أَيْ الْحَدِيد "نَارًا" أَيْ كَالنَّارِ "قَالَ آتُونِي أُفْرِغ عَلَيْهِ قِطْرًا" هُوَ النُّحَاس الْمُذَاب تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ وَحُذِفَ مِنْ الْأَوَّل لِإِعْمَالِ الثَّانِي النُّحَاس الْمُذَاب عَلَى الْحَدِيد الْمَحْمِيّ فَدَخَلَ بَيْن زُبَره فَصَارَا شَيْئًا وَاحِدًا
"فَمَا اسْتَطَاعُوا" أَيْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج "أَنْ يَظْهَرُوهُ" يَعْلُوا ظَهْره لِارْتِفَاعِهِ وَمَلَاسَته "وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا" لِصَلَابَتِهِ وَسُمْكه
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ↓
"قَالَ" ذُو الْقَرْنَيْنِ "هَذَا" أَيْ السَّدّ أَيْ الْإِقْدَار عَلَيْهِ "رَحْمَة مِنْ رَبِّي" نِعْمَة لِأَنَّهُ مَانِع مِنْ خُرُوجهمْ "فَإِذَا جَاءَ وَعْد رَبِّي" بِخُرُوجِهِمْ الْقَرِيب مِنْ الْبَعْث "جَعَلَهُ دَكَّاء" مَدْكُوكًا مَبْسُوطًا "وَكَانَ وَعْد رَبِّي" بِخُرُوجِهِمْ وَغَيْره "حَقًّا" كَائِنًا
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ↓
"وَتَرَكْنَا بَعْضهمْ يَوْمئِذٍ" يَوْم خُرُوجهمْ "يَمُوج فِي بَعْض" يَخْتَلِط بِهِ لِكَثْرَتِهِمْ "وَنُفِخَ فِي الصُّور" أَيْ الْقَرْن لِلْبَعْثِ "فَجَمَعْنَاهُمْ" أَيْ الْخَلَائِق فِي مَكَان وَاحِد يَوْم الْقِيَامَة
"وَعَرَضْنَا" قَرَّبْنَا
"الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنهمْ" بَدَل مِنْ الْكَافِرِينَ "فِي غِطَاء عَنْ ذِكْرِي" أَيْ الْقُرْآن فَهُمْ عُمْي لَا يَهْتَدُونَ بِهِ "وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا" أَيْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْ النَّبِيّ مَا يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ بُغْضًا لَهُ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا ↓
"أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي" أَيْ مَلَائِكَتِي وَعِيسَى وَعُزَيْرًا "مِنْ دُونِي أَوْلِيَاء" أَرْبَابًا مَفْعُول ثَانٍ لِيَتَّخِذُوا وَالْمَفْعُول الثَّانِي لِحَسِبَ مَحْذُوف الْمَعْنَى أَظَنُّوا أَنَّ الِاتِّخَاذ الْمَذْكُور لَا يُغْضِبنِي وَلَا أُعَاقِبهُمْ عَلَيْهِ ؟ كَلَّا "إنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ" هَؤُلَاءِ وَغَيْرهمْ "نُزُلًا" أَيْ هِيَ مُعَدَّة لَهُمْ كَالْمَنْزِلِ الْمُعَدّ لِلضَّيْفِ
"قُلْ هَلْ نُنَبِّئكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا" تَمْيِيز طَابَقَ الْمُمَيَّز وَبَيَّنَهُمْ بِقَوْلِهِ
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ↓
"الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا" بَطَلَ عَمَلهمْ "وَهُمْ يَحْسَبُونَ" يَظُنُّونَ "أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" عَمَلًا يُجَازَوْنَ عَلَيْهِ .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ↑
"أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ" بِدَلَائِل تَوْحِيده مِنْ الْقُرْآن وَغَيْره "وَلِقَائِهِ" أَيْ وَبِالْبَعْثِ وَالْحِسَاب وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب "فَحَبِطَتْ أَعْمَالهمْ" بَطَلَتْ "فَلَا نُقِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْنًا" أَيْ لَا نَجْعَل لَهُمْ قَدْرًا
"ذَلِكَ" أَيْ الْأَمْر الَّذِي ذَكَرْت عَنْ حُبُوط أَعْمَالهمْ وَغَيْره مُبْتَدَأ خَبَره "جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّم بِمَا كَفَرُوا وَاِتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا" أَيْ مَهْزُوءًا بِهِمَا
"إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات كَانَتْ لَهُمْ" فِي عِلْم اللَّه "جَنَّات الْفِرْدَوْس" هُوَ وَسَط الْجَنَّة وَأَعْلَاهَا وَالْإِضَافَة إلَيْهِ لِلْبَيَانِ "نُزُلًا" مَنْزِلًا
"خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ" يَطْلُبُونَ "عَنْهَا حِوَلًا" تَحَوُّلًا إلَى غَيْرهَا
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ↓
"قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْر" أَيْ مَاؤُهُ "مِدَادًا" هُوَ مَا يُكْتَب بِهِ "لِكَلِمَاتِ رَبِّي" الدَّالَّة عَلَى حِكَمه وَعَجَائِبه بِأَنْ تُكْتَب بِهِ "لَنَفِدَ الْبَحْر" فِي كِتَابَتهَا "قَبْل أَنْ تَنْفَد" بِالتَّاءِ وَالْيَاء : تَفْرُغ "كَلِمَات رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ" أَيْ الْبَحْر "مَدَدًا" زِيَادَة فِيهِ لَنَفِدَ وَلَمْ تَفْرُغ هِيَ وَنَصْبهُ عَلَى التَّمْيِيز
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ↓
"قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَر" آدَمِيّ "مِثْلكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهكُمْ إلَه وَاحِد" أَنَّ الْمَكْفُوفَة بِمَا بَاقِيَةٌ عَلَى مَصْدَرِيَّتهَا وَالْمَعْنَى : يُوحَى إلَيَّ وَحْدَانِيَّة الْإِلَه "فَمَنْ كَانَ يَرْجُو" يَأْمُل "لِقَاء رَبّه" بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء "فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه" أَيْ فِيهَا بِأَنْ يُرَائِيَ