أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ↓
"أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّات عَدْن" إقَامَة "تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ الْأَنْهَار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِر" قِيلَ مِنْ زَائِدَة وَقِيلَ لِلتَّبْعِيضِ وَهِيَ جَمْع أَسْوِرَة كَأَحْمِرَةٍ جَمْع سِوَار "مِنْ ذَهَب وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُس" مَا رَقَّ مِنْ الدِّيبَاج "وَإِسْتَبْرَق" مَا غَلُظَ مِنْهُ وَفِي آيَة الرَّحْمَن "بَطَائِنهَا مِنْ إسْتَبْرَق" "مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِك" جَمْع أَرِيكَة وَهِيَ السَّرِير فِي الْحَجَلَة وَهِيَ بَيْت يُزَيَّن بِالثِّيَابِ وَالسُّتُور لِلْعَرُوسِ "نِعْمَ الثَّوَاب" الْجَزَاء الْجَنَّة
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ↓
"وَاضْرِبْ" اجْعَلْ "لَهُمْ" لِلْكُفَّارِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ "مَثَلًا رَجُلَيْنِ" بَدَل وَهُوَ وَمَا بَعْده تَفْسِير لِلْمَثَلِ "جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا" الْكَافِر "جَنَّتَيْنِ" بُسْتَانَيْنِ "مِنْ أَعْنَاب وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنهمَا زَرْعًا" يَقْتَات بِهِ
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا ↓
"كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ" كِلْتَا مُفْرَد يَدُلّ عَلَى التَّثْنِيَة مُبْتَدَأ "آتَتْ" خَبَره "أُكُلهَا" ثَمَرهَا "وَلَمْ تَظْلِم" تَنْقُص "وَفَجَّرْنَا" أَيْ شَقَقْنَا "خِلَالهمَا نَهَرًا" يَجْرِي بَيْنهمَا
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ↓
"وَكَانَ لَهُ" مَعَ الْجَنَّتَيْنِ "ثَمَر" بِفَتْحِ الثَّاء وَالْمِيم وَبِضَمِّهِمَا وَبِضَمِّ الْأَوَّل وَسُكُون الثَّانِي وَهُوَ جَمْع ثَمَرَة كَشَجَرَةِ وَشَجَر وَخَشَبَة وَخَشَب وَبَدَنَة وَبَدَن "فَقَالَ لِصَاحِبِهِ" الْمُؤْمِن "وَهُوَ يُحَاوِرهُ" يُفَاخِرهُ "أَنَا أَكْثَر مِنْك مَالًا وَأَعَزّ نَفَرًا" عَشِيرَة
"وَدَخَلَ جَنَّته" بِصَاحِبِهِ يَطُوف بِهِ فِيهَا وَيُرِيهِ أَثْمَارهَا وَلَمْ يَقُلْ جَنَّتَيْهِ إرَادَة لِلرَّوْضَةِ وَقِيلَ اكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ "وَهُوَ ظَالِم لِنَفْسِهِ" بِالْكُفْرِ "قَالَ مَا أَظُنّ أَنْ تَبِيد" تَنْعَدِم
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا ↓
"وَمَا أَظُنّ السَّاعَة قَائِمَة وَلَئِنْ رُدِدْت إلَى رَبِّي" فِي الْآخِرَة عَلَى زَعْمك "لَأَجِدَن خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا" مَرْجِعًا
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا ↓
"قَالَ لَهُ صَاحِبه وَهُوَ يُحَاوِرهُ" يُجَاوِبهُ "أَكَفَرْت بِاَلَّذِي خَلَقَك مِنْ تُرَاب" لِأَنَّ آدَم خُلِقَ مِنْهُ "ثُمَّ مِنْ نُطْفَة" مَنِيّ "ثُمَّ سَوَّاك" عَدَلَك وَصَيَّرَك
"لَكِنَّا" أَصْله لَكِنْ أَنَا نُقِلَتْ حَرَكَة الْهَمْزَة إلَى النُّون أَوْ حُذِفَتْ الْهَمْزَة ثُمَّ أُدْغِمَتْ النُّون فِي مِثْلهَا "هُوَ" ضَمِير الشَّأْن تُفَسِّرهُ الْجُمْلَة بَعْده وَالْمَعْنَى أَنَا أَقُول
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا ↓
"وَلَوْلَا" هَلَّا "إذْ دَخَلْت جَنَّتك قُلْت" عِنْد إعْجَابك بِهَا هَذَا "مَا شَاءَ اللَّه لَا قُوَّة إلَّا بِاَللَّهِ" وَفِي الْحَدِيث "مَنْ أُعْطِيَ خَيْرًا مِنْ أَهْل أَوْ مَال فَيَقُول عِنْد ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه لَا قُوَّة إلَّا بِاَللَّهِ لَمْ يَرَ فِيهِ مَكْرُوهًا" "إنْ تَرَنِ أَنَا" ضَمِير فَصْل بَيْن الْمَفْعُولَيْنِ
فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ↓
"فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتك" جَوَاب الشَّرْط "وَيُرْسِل عَلَيْهَا حُسْبَانًا" جَمَعَ حُسْبَانَة أَيْ صَوَاعِق "مِنْ السَّمَاء فَتُصْبِح صَعِيدًا زَلَقًا" أَرْضًا مَلْسَاء لَا يَثْبُت عَلَيْهَا قَدَم
"أَوْ يُصْبِح مَاؤُهَا غَوْرًا" بِمَعْنَى غَائِرًا عَطْف عَلَى يُرْسِل دُون تُصْبِح لِأَنَّ غَوْر الْمَاء لَا يَتَسَبَّب عَنْ الصَّوَاعِق "فَلَنْ تَسْتَطِيع لَهُ طَلَبًا" حِيلَة تُدْرِكهُ بِهَا
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ↓
"وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ" بِأَوْجُهِ الضَّبْط السَّابِقَة مَعَ جَنَّته بِالْهَلَاكِ فَهَلَكَتْ "فَأَصْبَحَ يُقَلِّب كَفَّيْهِ" نَدَمًا وَتَحَسُّرًا "عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا" فِي عِمَارَة جَنَّته "وَهِيَ خَاوِيَة" سَاقِطَة "عَلَى عُرُوشهَا" دَعَائِمهَا لِلْكَرْمِ بِأَنْ سَقَطَتْ ثُمَّ سَقَطَ الْكَرْم "وَيَقُول يَا لَيْتَنِي" لِلتَّنْبِيهِ
"وَلَمْ تَكُنْ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "لَهُ فِئَة" جَمَاعَة "يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُون اللَّه" عِنْد هَلَاكهَا "وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا" عِنْد هَلَاكهَا بِنَفْسِهِ
"هُنَالِكَ" أَيْ يَوْم الْقِيَامَة "الْوَلَايَة" بِفَتْحِ الْوَاو النُّصْرَة وَبِكَسْرِهَا الْمِلْك "لِلَّهِ الْحَقّ" بِالرَّفْعِ صِفَة الْوَلَايَة وَبِالْجَرِّ صِفَة الْجَلَالَة "هُوَ خَيْر ثَوَابًا" مِنْ ثَوَاب غَيْره لَوْ كَانَ يُثِيب "وَخَيْر عُقْبًا" بِضَمِّ الْقَاف وَسُكُونهَا عَاقِبَة لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَصْبهمَا عَلَى التَّمْيِيز
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ↓
"وَاضْرِبْ" صَيِّرْ "لَهُمْ" لِقَوْمِك "مَثَل الْحَيَاة الدُّنْيَا" مَفْعُول أَوَّل "كَمَاءٍ" مَفْعُول ثَانٍ "أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ" تَكَاثَفَ بِسَبَبِ نُزُول الْمَاء "نَبَات الْأَرْض" أَوْ امْتَزَجَ الْمَاء بِالنَّبَاتِ فَرَوِيَ وَحَسُنَ "فَأَصْبَحَ" صَارَ النَّبَات "هَشِيمًا" يَابِسًا مُتَفَرِّقَة أَجْزَاؤُهُ "تَذْرُوهُ" تَنْثُرهُ وَتُفَرِّقهُ "الرِّيَاح" فَتَذْهَب بِهِ الْمَعْنَى : شَبَّهَ الدُّنْيَا بِنَبَاتٍ حَسَن فَيَبِسَ فَتَكَسَّرَ فَفَرَّقَتْهُ الرِّيَاح وَفِي قِرَاءَة الرِّيح "وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقْتَدِرًا" قَادِرًا
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ↓
"الْمَال وَالْبَنُونَ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا" يَتَجَمَّل بِهِمَا فِيهَا "وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات" هِيَ سُبْحَان اللَّه وَالْحَمْد لِلَّهِ وَلَا إلَه إلَّا اللَّه وَاَللَّه أَكْبَر زَادَ بَعْضهمْ وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إلَّا بِاَللَّهِ "خَيْر عِنْد رَبّك ثَوَابًا وَخَيْر أَمَلًا" أَيْ مَا يَأْمُلهُ الْإِنْسَان وَيَرْجُوهُ عِنْد اللَّه تَعَالَى
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ↓
"يَوْم نُسَيِّر الْجِبَال" يُذْهَب بِهَا عَنْ وَجْه الْأَرْض فَتَصِير هَبَاء مُنْبَثًّا وَفِي قِرَاءَة بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْيَاء وَنَصْب الْجِبَال "وَتَرَى الْأَرْض بَارِزَة" ظَاهِرَة لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء مِنْ جَبَل وَلَا غَيْره "وَحَشَرْنَاهُمْ" الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ "فَلَمْ نُغَادِر" نَتْرُك
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا ↓
"وَعُرِضُوا عَلَى رَبّك صَفًّا" حَال أَيْ مُصْطَفِّينَ كُلّ أُمَّة صَفّ وَيُقَال لَهُمْ "لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة" أَيْ فُرَادَى حُفَاة عُرَاة غُرْلًا وَيُقَال لِمُنْكِرِي الْبَعْث "بَلْ زَعَمْتُمْ أَنْ" مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة أَيْ أَنَّهُ "لَنْ نَجْعَل لَكُمْ مَوْعِدًا" لِلْبَعْثِ
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ↓
"وَوُضِعَ الْكِتَاب" كِتَاب كُلّ امْرِئٍ فِي يَمِينه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي شِمَاله مِنْ الْكَافِرِينَ "فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ" الْكَافِرِينَ "مُشْفِقِينَ" خَائِفِينَ "مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ" عِنْد مُعَايَنَتهمْ مَا فِيهِ مِنْ السَّيِّئَات "يَا" لِلتَّنْبِيهِ "وَيْلَتنَا" هَلَكَتنَا وَهُوَ مَصْدَر لَا فِعْل لَهُ مِنْ لَفْظه "مَالِ هَذَا الْكِتَاب لَا يُغَادِر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة" مِنْ ذُنُوبنَا "إلَّا أَحْصَاهَا" عَدَّهَا وَأَثْبَتَهَا تَعَجَّبُوا مِنْهُ فِي ذَلِكَ "وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا" مُثْبَتًا فِي كِتَابهمْ "وَلَا يَظْلِم رَبّك أَحَدًا" لَا يُعَاقِبهُ بِغَيْرِ جُرْم وَلَا يَنْقُص مِنْ ثَوَاب مُؤْمِن
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ↓
"وَإِذْ" مَنْصُوب بِاذْكُرْ "قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم" سُجُود انْحِنَاء لَا وَضْع جَبْهَة تَحِيَّة لَهُ "فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ" قِيلَ هُمْ نَوْع مِنْ الْمَلَائِكَة فَالِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل وَقِيلَ هُوَ مُنْقَطِع وَإِبْلِيس هُوَ أَبُو الْجِنِّ فَلَهُ ذُرِّيَّة ذُكِرَتْ مَعَهُ بَعْد وَالْمَلَائِكَة لَا ذُرِّيَّة لَهُمْ "فَفَسَقَ عَنْ أَمْر رَبّه" أَيْ خَرَجَ عَنْ طَاعَته بِتَرْكِ السُّجُود "أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته" الْخِطَاب لِآدَم وَذُرِّيَّته وَالْهَاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِإِبْلِيسَ "أَوْلِيَاء مِنْ دُونِي" تُطِيعُونَهُمْ "وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ" أَيْ أَعْدَاء حَال "بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا" إبْلِيس وَذُرِّيَّته فِي إطَاعَتهمْ بَدَل إطَاعَة اللَّه
مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ↓
"مَا أَشْهَدْتهمْ" أَيْ إبْلِيس وَذُرِّيَّته "خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَا خَلْق أَنْفُسهمْ" أَيْ لَمْ أُحْضِر بَعْضهمْ خَلْق بَعْض "وَمَا كُنْت مُتَّخِذ الْمُضِلِّينَ" الشَّيَاطِين "عَضُدًا" أَعْوَانًا فِي الْخَلْق فَكَيْفَ تُطِيعُونَهُمْ ؟
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا ↓
"وَيَوْم" مَنْصُوب بِاذْكُرْ "يَقُول" بِالْيَاءِ وَالنُّون "نَادُوا شُرَكَائِيَ" الْأَوْثَان "الَّذِينَ زَعَمْتُمْ" لِيَشْفَعُوا لَكُمْ بِزَعْمِكُمْ "فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ" لَمْ يُجِيبُوهُمْ "وَجَعَلْنَا بَيْنهمْ" بَيْن الْأَوْثَان وَعَابِدِيهَا "مَوْبِقًا" وَادِيًا مِنْ أَوْدِيَة جَهَنَّم يَهْلِكُونَ فِيهِ جَمِيعًا وَهُوَ مِنْ وَبَقَ بِالْفَتْحِ هَلَكَ
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ↓
" وَرَءَا الْمُجْرِمُونَ النَّار فَظَنُّوا" أَيْ أَيْقَنُوا "أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا" أَيْ وَاقِعُونَ فِيهَا "وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا" مَعْدِلًا
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا ↓
"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا" بَيَّنَّا "فِي هَذَا الْقُرْآن لِلنَّاسِ مِنْ كُلّ مَثَل" صِفَة لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَثَلًا مِنْ جِنْس كُلّ مَثَل لِيَتَّعِظُوا "وَكَانَ الْإِنْسَان" أَيْ الْكَافِر "أَكْثَر شَيْء جَدَلًا" خُصُومَة فِي الْبَاطِل وَهُوَ تَمْيِيز مَنْقُول مِنْ اسْم كَانَ الْمَعْنَى : وَكَانَ جَدَل الْإِنْسَان أَكْثَر شَيْء فِيهِ
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا ↑
"وَمَا مَنَعَ النَّاس" أَيْ كُفَّار مَكَّة "أَنْ يُؤْمِنُوا" مَفْعُول ثَانٍ "إذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى" الْقُرْآن "وَيَسْتَغْفِرُوا رَبّهمْ إلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ" فَاعِل أَيْ سُنَّتنَا فِيهِمْ وَهِيَ الْإِهْلَاك الْمُقَدَّر عَلَيْهِمْ "أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَاب قُبُلًا" مُقَابَلَة وَعِيَانًا وَهُوَ الْقَتْل يَوْم بَدْر وَفِي قِرَاءَة بِضَمَّتَيْنِ جَمْع قَبِيل أَيْ أَنْوَاعًا
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ↓
"وَمَا نُرْسِل الْمُرْسَلِينَ إلَّا مُبَشِّرِينَ" لِلْمُؤْمِنِينَ "وَمُنْذِرِينَ" مُخَوِّفِينَ لِلْكَافِرِينَ "وَيُجَادِل الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ" بِقَوْلِهِمْ : "أَبَعَثَ اللَّه بَشَرًا رَسُولًا" وَنَحْوه "لِيُدْحِضُوا بِهِ" لِيُبْطِلُوا بِجِدَالِهِمْ "الْحَقّ" الْقُرْآن "وَاِتَّخَذُوا آيَاتِي" أَيْ الْقُرْآن "وَمَا أُنْذِرُوا" بِهِ مِنْ النَّار "هُزُوًا" سُخْرِيَّة
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ↓
"وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبّه فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ" مَا عَمِلَ مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي "إنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبهمْ أَكِنَّة" أَغْطِيَة "أَنْ يَفْقَهُوهُ" أَيْ مِنْ أَنْ يَفْهَمُوا الْقُرْآن أَيْ فَلَا يَفْهَمُونَهُ "وَفِي آذَانهمْ وَقْرًا" ثِقَلًا فَيَسْمَعُونَهُ "وَإِنْ تَدْعُهُمْ إلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إذًا" أَيْ بِالْجُعْلِ الْمَذْكُور
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلا ↓
"وَرَبّك الْغَفُور ذُو الرَّحْمَة لَوْ يُؤَاخِذهُمْ" فِي الدُّنْيَا "بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَاب" فِيهَا "بَلْ لَهُمْ مَوْعِد" وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة "لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونه مَوْئِلًا" مَلْجَأ
"وَتِلْكَ الْقُرَى" أَيْ أَهْلهَا كَعَادٍ وَثَمُود وَغَيْرهمَا "أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا" كَفَرُوا "وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ" لِإِهْلَاكِهِمْ وَفِي قِرَاءَة بِفَتْحِ الْمِيم أَيْ لِهَلَاكِهِمْ
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ↓
"إِذْ قَالَ مُوسَى" هُوَ ابْن عِمْرَانَ "لِفَتَاهُ" يُوشَع بْن نُون كَانَ يَتْبَعهُ وَيَخْدُمهُ وَيَأْخُذ عَنْهُ الْعِلْم "لَا أَبْرَح" لَا أَزَال أَسِير "حَتَّى أَبْلُغ مَجْمَع الْبَحْرَيْنِ" مُلْتَقَى بَحْر الرُّوم وَبَحْر فَارِس مِمَّا يَلِي الْمَشْرِق أَيْ الْمَكَان الْجَامِع لِذَلِكَ "أَوْ أَمْضِي حُقُبًا" دَهْرًا طَوِيلًا فِي بُلُوغه إنْ بَعُدَ