وإن نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة لدليل على قرب, وقوع الساعة, فلا تشكوا أنها واقعة لا محالة, واتبعون فيما أخبركم به عن الله تعالى, هذا طريق قويم يلي الجنة, لا اعوجاج فيه.
ولا يصدنكم الشيطان بوساوسه عن طاعتي فيما آمركم به وأنهاكم عنه, إنه لكم عدو بين العداوة.
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ↓
ولما جاء عيس بني إسرائيل بالبينات الواضحات من الأدلة قال: قد جئنكم بالنبوة, ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه من أمور الدين, فاتقوا الله بامتنال أوامره واجتناب نواهيه, وأطيعون فيما أمرتكم به من تقوى الله وطاعته.
إن الله سبحانه وتعالى هو ربي وربكم جميعا فاعبدوه وحده, ولا تشركوا به شيئا, هذا الذي أمرتكم به من تقوى الله وإفراده بالألوهية هو الطريق المستقيم, وهو دين الله الحق الذي لا يقبل من أحد سواه.
فاختلفت الفرق في أمر عيسى عليه السلام, وصاروا فيه شيعا ; منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله, وهو الحق, ومنهم من يزعم أنه ابن الله, ومنهم من يقول, إنه الله, تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا, فهلاك ودمار, وعذاب أليم يوم القيامة لمن وصفوا عيسى بغير ما وصفه الله به.
هل ينتظر هؤلاء الأحزاب المختلفون في عيسى ابن مريم إلا الساعة أن تأتيهم فجأة, وهم لا يشعرون ولا يفطنون؟
الأصدفاء على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة, لكن الذين تصادقوا على تقى الله, فإن صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة.
يقال لهؤلاء المتقين: يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي, ولا أنتم تحزنون على ما فاتكم من حظوظ الدنيا.
الذين أمنوا بآياتنا وعملوا بما جاءتهم به رسلهم, وكانوا منقادين لله رب العالمين بقلوبهم وجوارحهم,
يقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وقرنائكم المؤمنون تنعمون وتسرون.
يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
يطاف على هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسله في الجنة بالطعام في أوان من ذهب, وبالشراب في أكواب من ذهب, وفيها لهم ما تشتهي أنفسهم وتلذه أعينهم, وهم ماكثون فيها أبدا.
وهذه الجنة التي أورثكم الله إياها.
بسبب ما كنتم تعملون في الدنيا من الخيرات والأعمال الصالحات, وجعلها من فضله ورحمته جزاء لكم.
بسبب ما كنتم تعملون في الدنيا من الخيرات والأعمال الصالحات, وجعلها من فضله ورحمته جزاء لكم.
لكم في الجنة فاكهة كثيرة من كل نوع منها تأكلون.
إن الذين اكتسبوا الذنوب بكفرهم, في عذاب جهنم ماكثون,
لا يخفف عنهم, وهم فيه آيسون من رحمة الله,
وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بالعزاب, ولكن كانوا هم الظالمين أنفسهم بشركهم وجحودهم توحيد ربهم.
ونادى هؤلاء المجرمون بعد أن أدخلهم الله جهنم " مالكا " خازن جهنم: يا مالك ليمتنا ربك, فنستريح مما نحن فيه, فأجابهم مالك; إنكم ماكثون, لا خروج لكم منها, ولا محيد لكم عنها,
لقد جئناكم بالحق ووضحناه لكم, ولكن أكثركم لما جاء به الرسل من الحق كارهون.
بل أأحكم هؤلاء المشركون أمرا يكيدون به الحق الذي جئناهم به؟ فإنا مدبرون لهم ما يجزيهم من العذاب والنكال.
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ↓
أم يظن هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما يسرونه في أنفسهم, ويتناجون به بينهم؟ بلى نسمع ونعلم, ورسلنا الملائكة الكرام الحفظة يكتبون عليهم كل ما عملوا.
قل- يا محمد- لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله: ما كان للرحمن من ولد كما تزعمون, فأنا أول العابدين له سبحانه, المنكرين لما تزعمونه, فتقدس الله عن الصاحبة والولد.
تنزيها وتقديسا لرب السموات والأرض رب العرش العظيم عما يصفون من الكذب والافتراء من نسبة المشركين الولد إلى الله, وغير ذلك مما يزعمون من الباطل.
فاترك- يا محمد- هؤلاء المفترين على الله يخوضوا في باطلهم, ويلعبوا في دنياهم, حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يوعدون بالعذاب: إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما معا.
وهو الله وحده المعبود بحق في السماء وفي الأرض, وهو الحكيم الذي أحكم خلقه, وأتقن شرعه, العليم بكل شيء من أحوال خلقه, لا يخفى عليه شيء منها.
وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ↑
وتكاثرت بركة للله, وكثر خيره, وعظم ملكه, الذي له وحده سلطان السموات السبع والأرضين السبع وما بينهما من الأشياء كلها, وعنده علم الساعة التي تقم فيها القيامة, ويحشر فيها الخلق من قبورهم لموقف الحساب, وإليه تردون - أيها الناس- بعد مماتكم, فيجازى كلا بما يستحق.
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ↓
ولا يملك الذين يعبدهم المشركون الشفاعة عنده لأحد إلا من شهد بالحق, وأقر بتوحيد الله وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وهم يعلمون حقيقة ما أقروا وشهدوا به.
ولئن سألت- يا محمد- هؤلاء المشركين من قومك من خلقهم؟ ليقولن: الله خلقنا, فكيف ينقلبون وينصرفون عن عبادة الله, ويشركون به غيره؟
وقال محمد صلى الله عليه وسلم شاكيا إلى ربه قومه الذين كذبوه: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون بك وبما أرسلتني به إليهم.
فاصفح- يا محمد- عنهم, وأعرض عن أذاهم, ولا يبدر منك إلا السلام لهم الذي يقوله أولو الألباب والبصائر للجاهلين, فهم لا يسافهونهم ولا يعاملونهم بمثل أعمالهم السيئة, فسوف يعلمون ما يلقونه من البلاء والنكال وفي هذا تهديد ووعيد شديد لهؤلاء الكافرين المعاندين وأمثالهم.