الصفحة 1الصفحة 2
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَسورة الرعد الآية رقم 31
يقول تعالى - مبينا فضل القرآن الكريم على سائر الكتب المنزلة -: " وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا " من الكتب الإلهية " سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ " عن أماكنها " أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ " جنانا وأنهارا " أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى " لكان هذا القرآن.
" بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا " فيأتي بالآيات, التي تقتضيها حكمته.
فما بال المكذبين, يقترحون من الآيات - ما يقترحون؟ فهل لهم ولغيرهم من الأمر شيء؟.
" أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا " فليعلموا أنه قادر على هدايتهم جميعا, ولكن لا يشاء ذلك, بل يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
" وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا " على كفرهم, لا يعتبرون, ولا يتعظون.
والله تعالى يوالي عليهم القوارع, التي تصيبهم في ديارهم, أو تحل قريبا منها, وهم مصرون على كفرهم " حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ " الذي وعدهم به, لنزول العذاب المتصل, الذي لا يمكن رفعه.
" إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ " وهذا تهديد وتخويف لهم من نزول, ما وعدهم الله به على كفرهم, وعنادهم, وظلمهم.
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِسورة الرعد الآية رقم 32
يقول تعالى لرسوله - مثبتا له, ومسليا - " وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ " فلست أول رسول, كذب وأوذي " فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا " برسلهم, أي: أمهلتهم مدة, حتى ظنوا أنهم غير معذبين.
" ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ " بأنواع العذاب " فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ " كان عقابا شديدا, وعذابا أليما.
فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك, واستهزأوا بك, بإمهالنا فلهم أسوة فيمن قبلهم من الأمم, فليحذروا أن يفعل بهم كما فعل بأولئك.
أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍسورة الرعد الآية رقم 33
يقول تعالى: " أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ " بالجزاء العاجل والآجل, بالعدل والقسط, وهو: الله تبارك وتعالى, كمن ليس كذلك؟ ولهذا قال: " وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ " وهو الله الأحد, الفرد, الصمد, الذي لا شريك له, ولا ند ولا نظير.
" قُلْ " لهم, إن كانوا صادقين: " سَمُّوهُمْ " لنعلم حالهم.
" أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ " فإنه إذا كان عالم الغيب والشهادة, وهو لا يعلم له شريكا, علم بذلك, بطلان دعوى الشريك له وأنكم بمنزلة الذي يعلم الله أن له شريكا, وهو لا يعلمه, وهذا أبطل ما يكون, ولهذا قال: " أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ " أي: غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى, أنه بظاهر أقوالكم.
وأما في الحقيقة, فلا إله إلا الله, وليس أحد من الخلق, يستحق شيئا من العبادة.
" بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ " الذي مكروه, وهو كفرهم, وشركهم, وتكذيبهم لآيات الله.
" وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ " أي: عن الطريق المستقيمة, الموصلة إلى الله, وإلى دار كرامته.
" وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " لأنه ليس لأحد من الأمر شيء.
لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍسورة الرعد الآية رقم 34
" لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ " من عذاب الدنيا, لشدته ودوامه.
" وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ " يقيهم من عذابه, فعذابه إذا وجهه إليهم, لا مانع منه.
مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُسورة الرعد الآية رقم 35
يقول تعالى: " مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ " الذين تركوا ما نهاهم الله عنه, ولم يقصروا فيما أمرهم به, أي صفتها وحقيقتها " تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ " أنهار العسل, وأنهار الخمر, وأنهار اللبن, وأنهار الماء التي تجري في غير أخدود.
فتسقى تلك البساتين, والأشجار, فتحمل جميع أنواع الثمار.
" أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا " دائم أيضا.
" تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا " أي: مآلهم وعاقبتهم, التي إليها يصيرون.
" وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ " فكم بين الفريقين من الفرق المبين؟!!
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِسورة الرعد الآية رقم 36
يقول تعالى: " وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ " أي: مننا عليهم به وبمعرفته.
" يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ " فيؤمنون به, ويصدقونه, ويفرحون بموافقة الكتب بعضها لبعض, وتصديق بعضها بعضا, وهذه حال من آمن, من أهل الكتاب.
" وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ " أي: ومن طوائف الكفار المنحرفين عن الحق, من ينكر بعض هذا القرآن, ولا يصدقه.
" فمن اهتدى فلنفسه, ومن ضل فإنما يضل عليها " إنما أنت يا محمد منذر, تدعوا إلى الله.
" قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ " أي: بإخلاص الدين لله وحده.
" إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ " أي: مرجعي الذي أرجع به إليه, فيجازيني بما قمت به من الدعوة, إلى دينه, والقيام بما أمرت به.
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍسورة الرعد الآية رقم 37
أي: ولقد أنزلنا هذا القرآن والكتاب, حكما عربيا, أي: محكما متقنا, بأوضح الألسنة, وأفصح اللغات, لئلا يقع فيه شك واشتباه, وليوجب أن يتبع وحده, ولا يداهن فيه, ولا يتبع ما يضاده ويناقضه, من أهواء الذين لا يعلمون.
ولهذا توعد رسوله - مع أنه معصوم - ليمتن عليه بعصمته, وليكون لأمته أسوة في الأحكام, فقال: " وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ " البين الذي ينهاك عن اتباع أهوائهم.
" مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ " يتولاك فيحصل لك الأمر المحبوب.
" وَلَا وَاقٍ " يقيك من الأمر المكروه.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌسورة الرعد الآية رقم 38
أي: لست أول رسول أرسل إلى الناس, حتى يستغربوا رسالتك.
" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً " فلا يعيبك أعداؤك, بأن يكون لك أزواج وذرية, كما كان لإخوانك المرسلين.
فلأي شيء يقدحون فيك بذلك؟ وهم يعلمون أن الرسل قبلك كذلك إلا لأجل أغراضهم الفاسدة وأهوائهم.
وإن طلبوا منك آية اقترحوها, فليس لك من الأمر شيء.
" وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ " والله لا يأذن فيها, إلا في وقتها الذي قدره وقضاه.
" لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ " لا يتقدم عليه, ولا يتأخر عنه.
فليس استعجالهم بالآيات أو العذاب, موجبا, لأن يقدم الله ما كتب أنه يؤخر, مع أنه تعالى فعال لما يريد.
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِسورة الرعد الآية رقم 39
" يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ " من الأقدار " وَيُثَبِّتَ " ما يشاء منها, وهذا المحو والتغيير, في غير ما سبق به علمه, وكتبه قلمه, فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير, لأن ذلك محال على الله, أن يقع في علمه نقص, أو خلل, ولهذا قال: " وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " أي: اللوح المحفوظ, الذي ترجع إليه سائر الأشياء, فهو أصلها, وهي فروع وشعب.
فالتغيير والتبديل, يقع في الفروع والشعب, كأعمال اليوم والليلة, التي تكتبها الملائكة, ويجعل الله لثبوتها أسبابا, ولمحوها أسبابا, لا تتعدى تلك الأسباب, ما رسم في اللوح المحفوظ.
كما جعل الله البر, والصلة, والإحسان, من أسباب طول العمر, وسعة الرزق.
وكما جعل المعاصي, سببا لمحق بركة الرزق والعمر.
وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب, سببا للسلامة.
وجعل التعرض لذلك, سببا للعطب.
فهو الذي يدبر الأمور, بحسب قدرته وإرادته.
وما يدبره منها, لا يخالف ما قد علمه وكتبه, في اللوح المحفوظ.
وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُسورة الرعد الآية رقم 40
يقول تعالى, لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تعجل عليهم, بإصابة ما يوعدون من العذاب.
فهم, إن استمروا على طغيانهم وكفرهم, فلا بد أن يصيبهم ما وعدوا به.
" وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ " إياه في الدنيا, فتقر بذلك عينك.
بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد فلا يتعقبها أحد, ولا سبيل إلى القدح فيها.
" أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ " قبل إصابتهم, فليس ذلك شغلا لك " فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ " والتبيين للخلق.
" وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ " فنحاسب الخلق على ما قاموا به, بما عليهم, أو ضيعوه, ونثيبهم أو نعاقبهم.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِسورة الرعد الآية رقم 41
ثم قال - متوعدا للمكذبين - " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا " : قيل بإهلاك المكذبين, واستئصال الظالمين.
وقيل: بفتح بلدان المشركين, ونقصهم في أموالهم وأبدانهم, وقيل غير ذلك من الأقوال.
والظاهر - والله أعلم - أن المراد بذلك, أن أراضي هؤلاء المكذبين جعل الله, يفتحها ويجتاحها, ويحل القوارع بأطرافها, تنبيها لهم قبل أن يجتاحهم النقص, ويوقع الله بهم من القوارع, ما لا يرده أحد.
ولهذا قال: " وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ " ويدخل في هذا, حكمه الشرعي, والقدري والجزائي.
فهذه الأحكام, التي يحكم الله فيها, توجد في غاية الحكمة والإتقان, لا خلل فيها ولا نقص.
بل هي مبنية على القسط والعدل والحمد, فلا يتعقبها أحد ولا سبيل إلى القدح فيها.
بخلاف حكم غيره, فإنه قد يوافق الصواب, وقد لا يوافقه.
" وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ " أي: فلا يستعجلوا بالعذاب, فإن كل ما هو آت, فهو قريب.
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِسورة الرعد الآية رقم 42
يقول تعالى: " وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ " برسلهم, وبالحق الذي جاءت به الرسل, فلم يغن عنهم مكرهم, ولم يصنعوا شيئا, فإنهم يحاربون الله ويبارزونه.
" فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا " أي: لا يقدر أحد أن يمكر مكرا إلا بإذنه, وتحت قضائه وقدره.
فإذا كانوا يمكرون بدينه, فإن مكرهم, سيعود عليهم بالخيبة والندم.
فإن الله " يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ " أي: هومها وإراداتها وأعمالها الظاهرة والباطنة.
والمكر, لا بد أن يكون من كسبها, فلا يخفى على الله مكرهم.
فيمتنع أن يمكروا مكرا يضر الحق وأهله, ويفيدهم شيئا.
" وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ " أي: ألهم أو لرسله؟ ومن المعلوم أن العاقبة للمتقين, لا للكفر وأهله.
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِسورة الرعد الآية رقم 43
" وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا " أي: يكذبونك, ويكذبون ما أرسلت به.
" قُلْ " لهم - إن طلبوا على ذلك شهيدا: " كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " وشهادته بقوله وفعله وإقراره.
أما قوله, فيما أوحاه الله إلى أصدق خلقه, مما يثبت به رسالته.
وأما فعله, فلأن الله تعالى أيد رسوله, ونصره نصرا خارجا عن قدرته وقدرة أصحابه وأتباعه, وهذا شهادة منه له بالفعل والتأييد.
وأما إقراره, فإنه أخبر الرسول عنه, أنه رسول, وأنه أمر الناس باتباعه.
فمن اتبعه, فله رضوان الله وكرامته.
ومن لم يتبعه, فله النار والسخط, وحل له ماله ودمه, والله يقره على ذلك, فلو تقول عليه بعض الأقاويل, لعاجله بالعقوبة.
" وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " وهذا شامل لكل علماء أهل الكتابين.
فإنهم يشهد منهم للرسول, من آمن, واتبع الحق, فصرح بتلك الشهادة التي عليه.
ومن كتم ذلك, فإخبار الله عنه, أن عنده شهادة, أبلغ من خبره.
ولو لم يكن عنده شهادة, لرد استشهاده بالبرهان.
فسكوته يدل على أن عنده شهادة مكتومة.
وإنما أمر الله باستشهاد أهل الكتاب, لأنهم أهل هذا الشأن.
وكل أمر, إنما يستشهد فيه أهله, ومن هم أعلم به من غيرهم.
بخلاف من هو أجنبي عنه, كالأميين, من مشركي العرب وغيرهم, فلا فائدة في استشهادهم, لعدم خبرتهم ومعرفتهم.
والله أعلم.
تم تفسير سورة الرعد - والحمد لله رب العالمين
الصفحة 1الصفحة 2