الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ↓
سُورَة الْأَنْعَام وَهِيَ مَكِّيَّة فِي قَوْل الْأَكْثَرِينَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : هِيَ مَكِّيَّة كُلّهَا إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ , قَوْله تَعَالَى : " وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره " [ الْأَنْعَام : 91 ] نَزَلَتْ فِي مَالِك بْن الصَّيْف وَكَعْب بْن الْأَشْرَف الْيَهُودِيَّيْنِ وَالْأُخْرَى قَوْله : " وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّات مَعْرُوشَات وَغَيْر مَعْرُوشَات " [ الْأَنْعَام : 141 ] نَزَلَتْ فِي ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس الْأَنْصَارِيّ وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : نَزَلَتْ فِي مُعَاذ بْن جَبَل وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ سُورَة " الْأَنْعَام " مَكِّيَّة إِلَّا سِتّ آيَات نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ " وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره " إِلَى آخِر ثَلَاث آيَات و " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ " [ الْأَنْعَام : 151 ] إِلَى آخِر ثَلَاث آيَات قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهِيَ الْآيَات الْمُحْكَمَات وَذَكَر اِبْن الْعَرَبِيّ : أَنَّ قَوْله تَعَالَى : " قُلْ لَا أَجِد " نَزَلَ بِمَكَّة يَوْم عَرَفَة وَسَيَأْتِي الْقَوْل فِي جَمِيع ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه وَفِي الْخَبَر أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَة وَاحِدَة غَيْر السِّتّ الْآيَات وَشَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْف مَلَك مَعَ آيَة وَاحِدَة مِنْهَا اِثْنَا عَشَر أَلْف مَلَك وَهِيَ " وَعِنْده مَفَاتِح الْغَيْب لَا يَعْلَمهَا إِلَّا هُوَ " [ الْأَنْعَام : 59 ] نَزَلُوا بِهَا لَيْلًا لَهُمْ زَجَل بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيد فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُتَّاب فَكَتَبُوهَا مِنْ لَيْلَتهمْ وَأَسْنَدَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِم رَوْح بْن الْفَرَج مَوْلَى الْحَضَارِمَة قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد أَبُو بَكْر الْعُمَرِيّ حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي فُدَيْك حَدَّثَنِي عُمَر بْن طَلْحَة بْن عَلْقَمَة بْن وَقَّاص عَنْ نَافِع أَبِي سَهْل بْن مَالِك عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَزَلَتْ سُورَة الْأَنْعَام مَعَهَا مَوْكِب مِنْ الْمَلَائِكَة سَدَّ مَا بَيْن الْخَافِقَيْنِ لَهُمْ زَجَل بِالتَّسْبِيحِ ) وَالْأَرْض لَهُمْ تَرْتَجّ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( سُبْحَان رَبِّيَ الْعَظِيم ) ثَلَاث مَرَّات وَذَكَرَ الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : الْأَنْعَام مِنْ نَجَائِب الْقُرْآن . وَفِيهِ عَنْ كَعْب قَالَ : فَاتِحَة " التَّوْرَاة " فَاتِحَة الْأَنْعَام وَخَاتِمَتهَا خَاتِمَة " هُود " . وَقَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه أَيْضًا وَذَكَر الْمَهْدَوِيّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِنَّ " التَّوْرَاة " اُفْتُتِحَتْ بِقَوْلِهِ : " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض " [ الْأَنْعَام : 1 ] الْآيَة وَخُتِمَتْ بِقَوْلِهِ " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيك فِي الْمُلْك " [ الْإِسْرَاء : 111 ] إِلَى آخِر الْآيَة وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ قَرَأَ ثَلَاث آيَات مِنْ أَوَّل سُورَة " الْأَنْعَام " إِلَى قَوْله : " وَيَعْلَم مَا تَكْسِبُونَ " [ الْأَنْعَام : 3 ] وَكَّلَ اللَّه بِهِ أَرْبَعِينَ أَلْف مَلَك يَكْتُبُونَ لَهُ مِثْل عِبَادَتهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيَنْزِل مَلَك مِنْ السَّمَاء السَّابِعَة وَمَعَهُ مِرْزَبَة مِنْ حَدِيد , فَإِذَا أَرَادَ الشَّيْطَان أَنْ يُوَسْوِس لَهُ أَوْ يُوحِي فِي قَلْبه شَيْئًا ضَرَبَهُ ضَرْبَة فَيَكُون بَيْنه وَبَيْنه سَبْعُونَ حِجَابًا فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ اللَّه تَعَالَى : " اِمْشِ فِي ظِلِّي يَوْم لَا ظِلّ إِلَّا ظِلِّي وَكُلْ مِنْ ثِمَار جَنَّتِي وَاشْرَبْ مِنْ مَاء الْكَوْثَر وَاغْتَسِلْ مِنْ مَاء السَّلْسَبِيل فَأَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبّك " . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِذَا سَرَّك أَنْ تَعْلَم جَهْل الْعَرَب فَاقْرَأْ مَا فَوْق الثَّلَاثِينَ وَمِائَة مِنْ سُورَة " الْأَنْعَام " " قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادهمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم " إِلَى قَوْله : " وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " [ الْأَنْعَام : 140 ] . تَنْبِيه : قَالَ الْعُلَمَاء : هَذِهِ السُّورَة أَصْل فِي مُحَاجَّة الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرهمْ مِنْ الْمُبْتَدِعِينَ وَمَنْ كَذَّبَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُور وَهَذَا يَقْتَضِي إِنْزَالهَا جُمْلَة وَاحِدَة لِأَنَّهَا فِي مَعْنًى وَاحِد مِنْ الْحُجَّة وَإِنْ تَصَرَّفَ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ كَثِيرَة وَعَلَيْهَا بَنَى الْمُتَكَلِّمُونَ أُصُول الدِّين لِأَنَّ فِيهَا آيَات بَيِّنَات تَرُدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة دُون السُّوَر الَّتِي تَذْكُر وَالْمَذْكُورَات وَسَنَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا إِنْ شَاءَ اللَّه بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى وَعَوْنه .
" الْحَمْد لِلَّهِ " بَدَأَ سُبْحَانه فَاتِحَتهَا بِالْحَمْدِ عَلَى نَفْسه وَإِثْبَات الْأُلُوهِيَّة أَيْ أَنَّ الْحَمْد كُلّه لَهُ فَلَا شَرِيك لَهُ فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اُفْتُتِحَ غَيْرهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَكَانَ الِاجْتِزَاء بِوَاحِدَةٍ يُغْنِي عَنْ سَائِره فَيُقَال : لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُ مَعْنًى فِي مَوْضِعه لَا يُؤَدِّي عَنْهُ غَيْره مِنْ أَجْل عَقْده بِالنِّعَمِ الْمُخْتَلِفَة وَأَيْضًا فَلِمَا فِيهِ مِنْ الْحُجَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع عَلَى الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
الْحَمْد فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ الثَّنَاء الْكَامِل ; وَالْأَلِف وَاللَّام لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْس مِنْ الْمَحَامِد ; فَهُوَ سُبْحَانه يَسْتَحِقّ الْحَمْد بِأَجْمَعِهِ إِذْ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى وَالصِّفَات الْعُلَا ; وَقَدْ جُمِعَ لَفْظ الْحَمْد جَمْع الْقِلَّة فِي قَوْل الشَّاعِر : وَأُبْلِجَ مَحْمُود الثَّنَاء خَصَصْته بِأَفْضَل أَقْوَالِي وَأَفْضَل أَحْمُدِي فَالْحَمْد نَقِيض الذَّمّ , تَقُول : حَمِدْت الرَّجُل أَحْمَدهُ حَمْدًا فَهُوَ حَمِيد وَمَحْمُود ; وَالتَّحْمِيد أَبْلَغ مِنْ الْحَمْد . وَالْحَمْد أَعَمّ مِنْ الشُّكْر , وَالْمُحَمَّد : الَّذِي كَثُرَتْ خِصَاله الْمَحْمُودَة . قَالَ الشَّاعِر : إِلَى الْمَاجِد الْقَرْم الْجَوَاد الْمُحَمَّد وَبِذَلِكَ سُمِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الشَّاعِر : فَشَقَّ لَهُ مِنْ اِسْمه لِيُجِلّهُ فَذُو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد وَالْمَحْمَدَة : خِلَاف الْمَذَمَّة . وَأُحْمِدَ الرَّجُل : صَارَ أَمْره إِلَى الْحَمْد . وَأَحْمَدْته : وَجَدْته مَحْمُودًا , تَقُول : أَتَيْت مَوْضِع كَذَا فَأَحْمَدْته ; أَيْ صَادَفْته مَحْمُودًا مُوَافِقًا , وَذَلِكَ إِذَا رَضِيت سُكْنَاهُ أَوْ مَرْعَاهُ . وَرَجُل حُمَدَة - مِثْل هُمَزَة - يُكْثِر حَمْد الْأَشْيَاء وَيَقُول فِيهَا أَكْثَر مِمَّا فِيهَا . وَحَمَدَة النَّار - بِالتَّحْرِيكِ - : صَوْت اِلْتِهَابهَا .
ذَهَبَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ وَأَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد إِلَى أَنَّ الْحَمْد وَالشُّكْر بِمَعْنًى وَاحِد سَوَاء , وَلَيْسَ بِمَرْضِيٍّ . وَحَكَاهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ فِي كِتَاب " الْحَقَائِق " لَهُ عَنْ جَعْفَر الصَّادِق وَابْن عَطَاء . قَالَ اِبْن عَطَاء : مَعْنَاهُ الشُّكْر لِلَّهِ ; إِذْ كَانَ مِنْهُ الِامْتِنَان عَلَى تَعْلِيمنَا إِيَّاهُ حَتَّى حَمِدْنَاهُ . وَاسْتَدَلَّ الطَّبَرِيّ عَلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى بِصِحَّة قَوْلك : الْحَمْد لِلَّهِ شُكْرًا . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة دَلِيل عَلَى خِلَاف مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ قَوْلك شُكْرًا , إِنَّمَا خَصَصْت بِهِ الْحَمْد ; لِأَنَّهُ عَلَى نِعْمَة مِنْ النِّعَم . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الشُّكْر أَعَمّ مِنْ الْحَمْد ; لِأَنَّهُ بِاللِّسَانِ وَبِالْجَوَارِحِ وَالْقَلْب ; وَالْحَمْد إِنَّمَا يَكُون بِاللِّسَانِ خَاصَّة . وَقِيلَ : الْحَمْد أَعَمّ ; لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الشُّكْر وَمَعْنَى الْمَدْح , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الشُّكْر ; لِأَنَّ الْحَمْد يُوضَع مَوْضِع الشُّكْر وَلَا يُوضَع الشُّكْر مَوْضِع الْحَمْد . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ كَلِمَة كُلّ شَاكِر , وَإِنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ حِين عَطَسَ : الْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ اللَّه لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام : " فَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : 28 ] وَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام : " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَر إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق " [ إِبْرَاهِيم : 3 ] . وَقَالَ فِي قِصَّة دَاوُد وَسُلَيْمَان : " وَقَالَا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِير مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ " [ النَّمْل : 15 ] . وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا " [ الْإِسْرَاء : 111 ] . وَقَالَ أَهْل الْجَنَّة : " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن " [ فَاطِر : 34 ] . " وَآخِر دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " [ يُونُس : 10 ] . فَهِيَ كَلِمَة كُلّ شَاكِر .
قُلْت : الصَّحِيح أَنَّ الْحَمْد ثَنَاء عَلَى الْمَمْدُوح بِصِفَاتِهِ مِنْ غَيْر سَبْق إِحْسَان , وَالشُّكْر ثَنَاء عَلَى الْمَشْكُور بِمَا أَوْلَى مِنْ الْإِحْسَان . وَعَلَى هَذَا الْحَدّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : الْحَمْد أَعَمّ مِنْ الشُّكْر ; لِأَنَّ الْحَمْد يَقَع عَلَى الثَّنَاء وَعَلَى التَّحْمِيد وَعَلَى الشُّكْر ; وَالْجَزَاء مَخْصُوص إِنَّمَا يَكُون مُكَافَأَة لِمَنْ أَوْلَاك مَعْرُوفًا ; فَصَارَ الْحَمْد أَعَمّ فِي الْآيَة لِأَنَّهُ يَزِيد عَلَى الشُّكْر . وَيُذْكَر الْحَمْد بِمَعْنَى الرِّضَا ; يُقَال : بَلَوْته فَحَمِدْته , أَيْ رَضِيته . وَمِنْهُ قَوْل تَعَالَى : " مَقَامًا مَحْمُودًا " [ الْإِسْرَاء : 79 ] . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَحْمَد إِلَيْكُمْ غَسْل الْإِحْلِيل ) أَيْ أَرْضَاهُ لَكُمْ . وَيُذْكَر عَنْ جَعْفَر الصَّادِق فِي قَوْله " الْحَمْد لِلَّهِ " : مَنْ حَمِدَهُ بِصِفَاتِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسه فَقَدْ حَمِدَ ; لِأَنَّ الْحَمْد حَاء وَمِيم وَدَال ; فَالْحَاء مِنْ الْوَحْدَانِيَّة , وَالْمِيم مِنْ الْمُلْك , وَالدَّال مِنْ الدَّيْمُومِيَّة ; فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالدَّيْمُومِيَّة وَالْمُلْك فَقَدْ عَرَفَهُ , وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة الْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ شَقِيق بْن إِبْرَاهِيم فِي تَفْسِير " الْحَمْد لِلَّهِ " قَالَ : هُوَ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه : أَوَّلهَا إِذَا أَعْطَاك اللَّه شَيْئًا تَعْرِف مَنْ أَعْطَاك . وَالثَّانِي أَنْ تَرْضَى بِمَا أَعْطَاكَ . وَالثَّالِث مَا دَامَتْ قُوَّته فِي جَسَدك أَلَّا تَعْصِيه ; فَهَذِهِ شَرَائِط الْحَمْد . أَثْنَى اللَّه سُبْحَانه بِالْحَمْدِ عَلَى نَفْسه , وَافْتَتَحَ كِتَابه بِحَمْدِهِ , وَلَمْ يَأْذَن فِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ; بَلْ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : " فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسكُمْ هُوَ أَعْلَم بِمَنْ اِتَّقَى " [ النَّجْم : 32 ] . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( اُحْثُوا فِي وُجُوه الْمَدَّاحِينَ التُّرَاب ) رَوَاهُ الْمِقْدَاد .
أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَته وَعِلْمه وَإِرَادَته فَقَالَ : الَّذِي خَلَقَ أَيْ اِخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ وَأَنْشَأَ وَابْتَدَعَ وَالْخَلْق يَكُون بِمَعْنَى الِاخْتِرَاع وَيَكُون بِمَعْنَى التَّقْدِير , وَقَدْ تَقَدَّمَ وَكِلَاهُمَا مُرَاد هُنَا وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى حُدُوثهمَا فَرَفَعَ السَّمَاء بِغَيْرِ عَمَد وَجَعَلَهَا مُسْتَوِيَة مِنْ غَيْر أَوَد وَجَعَلَ فِيهَا الشَّمْس وَالْقَمَر آيَتَيْنِ وَزَيَّنَهَا بِالنُّجُومِ وَأَوْدَعَهَا السَّحَاب وَالْغُيُوم عَلَامَتَيْنِ وَبَسَطَ الْأَرْض وَأَوْدَعَهَا الْأَرْزَاق وَالنَّبَات وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة آيَات جَعَلَ فِيهَا الْجِبَال أَوْتَادًا وَسُبُلًا فِجَاجًا وَأَجْرَى فِيهَا الْأَنْهَار وَالْبِحَار وَفَجَّرَ فِيهَا الْعُيُون مِنْ الْأَحْجَار دَلَالَات عَلَى وَحْدَانِيّته , وَعَظِيم قُدْرَته وَأَنَّهُ هُوَ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار وَبَيَّنَ بِخَلْقِهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنَّهُ خَالِق كُلّ شَيْء .
خَرَّجَ مُسْلِم قَالَ : حَدَّثَنِي سُرَيْج بْن يُونُس وَهَارُون بْن عَبْد اللَّه قَالَا حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد قَالَ قَالَ اِبْن جُرَيْج أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْ فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَة يَوْم السَّبْت وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَال يَوْم الْأَحَد وَخَلَقَ الشَّجَر يَوْم الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوه يَوْم الثُّلَاثَاء وَخَلَقَ النُّور يَوْم الْأَرْبِعَاء وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابّ يَوْم الْخَمِيس وَخَلَقَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد الْعَصْر مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فِي آخِر الْخَلْق فِي آخِر سَاعَة مِنْ سَاعَات الْجُمُعَة فِيمَا بَيْن الْعَصْر إِلَى اللَّيْل ) . قُلْت : أَدْخَلَ الْعُلَمَاء هَذَا الْحَدِيث تَفْسِيرًا لِفَاتِحَةِ هَذِهِ السُّورَة ; قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَزَعَمَ أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ غَيْر مَحْفُوظ لِمُخَالَفَةِ مَا عَلَيْهِ أَهْل التَّفْسِير وَأَهْل التَّوَارِيخ . وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة إِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد وَإِبْرَاهِيم غَيْر مُحْتَجّ بِهِ وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى قَالَ : سَأَلْت عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ عَنْ حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة ( خَلَقَ اللَّه التُّرْبَة يَوْم السَّبْت ) . فَقَالَ عَلِيّ : هَذَا حَدِيث مَدَنِيّ رَوَاهُ هِشَام بْن يُوسُف عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد عَنْ أَبِي رَافِع مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْ قَالَ عَلِيّ : وَشَبَّكَ بِيَدِي إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى فَقَالَ لِي : شَبَّكَ بِيَدِي أَيُّوب بْن خَالِد وَقَالَ لِي شَبَّكَ بِيَدِي عَبْد اللَّه بْن رَافِع وَقَالَ لِي : شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو هُرَيْرَة وَقَالَ لِي : شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو الْقَاسِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّه الْأَرْض يَوْم السَّبْت ) فَذَكَرَ الْحَدِيث بِنَحْوِهِ . قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ : وَمَا أَرَى إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة أَخَذَ هَذَا الْأَمْر إِلَّا مِنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُوسَى بْن عُبَيْدَة الرَّبَذِيّ عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد إِلَّا أَنَّ مُوسَى بْن عُبَيْدَة ضَعِيف . وَرُوِيَ عَنْ بَكْر بْن الشَّرُود عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْم عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد وَإِسْنَاده ضَعِيف عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجُمُعَة سَاعَة لَا يُوَافِقهَا أَحَد يَسْأَل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) قَالَ فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن سَلَّام : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِبْتَدَأَ الْخَلْق فَخَلَقَ الْأَرْض يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ السَّمَوَات يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْأَرْبِعَاء وَخَلَقَ الْأَقْوَات وَمَا فِي الْأَرْض يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر وَمَا بَيْن صَلَاة الْعَصْر إِلَى أَنْ تَغْرُب الشَّمْس خَلَقَ آدَم خَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيّ قُلْت : وَفِيهِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى بَدَأَ الْخَلْق يَوْم الْأَحَد لَا يَوْم السَّبْت . وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَة عَنْ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ فِيهَا الِاخْتِلَاف أَيّمَا خُلِقَ أَوَّلًا الْأَرْض أَوْ السَّمَاء مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ .
ذَكَرَ بَعْد خَلْق الْجَوَاهِر خَلْق الْأَعْرَاض لِكَوْنِ الْجَوْهَر لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْحَوَادِث فَهُوَ حَادِث . وَالْجَوْهَر فِي اِصْطِلَاح الْمُتَكَلِّمِينَ هُوَ الْجُزْء الَّذِي لَا يَتَجَزَّأ الْحَامِل لِلْعَرَضِ وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْره فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى فِي اِسْمه " الْوَاحِد " وَسُمِّيَ الْعَرَض عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْرِض فِي الْجِسْم وَالْجَوْهَر فَيَتَغَيَّر بِهِ مِنْ حَال إِلَى حَال وَالْجِسْم هُوَ الْمُجْتَمَع وَأَقَلّ مَا يَقَع عَلَيْهِ اِسْم الْجِسْم جَوْهَرَانِ مُجْتَمِعَانِ وَهَذِهِ الِاصْطِلَاحَات وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَة فِي الصَّدْر الْأَوَّل فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهَا مَعْنَى الْكِتَاب وَالسُّنَّة فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهَا وَقَدْ اِسْتَعْمَلَهَا الْعُلَمَاء وَاصْطَلَحُوا عَلَيْهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا كَلَامهمْ وَقَتَلُوا بِهَا خُصُومهمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَة
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَعْنَى الْمُرَاد بِالظُّلُمَاتِ وَالنُّور فَقَالَ السُّدِّيّ وَقَتَادَة وَجُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ : الْمُرَاد سَوَاد اللَّيْل وَضِيَاء النَّهَار وَقَالَ الْحَسَن الْكُفْر وَالْإِيمَان قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا خُرُوج عَنْ الظَّاهِر قُلْت : اللَّفْظ يَعُمّهُ وَفِي التَّنْزِيل : " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس كَمَنْ مَثَله فِي الظُّلُمَات " [ الْأَنْعَام : 122 ] . وَالْأَرْض هُنَا اِسْم لِلْجِنْسِ فَإِفْرَادهَا فِي اللَّفْظ بِمَنْزِلَةِ جَمْعهَا وَكَذَلِكَ " وَالنُّور " وَمِثْله " ثُمَّ يُخْرِجكُمْ طِفْلًا " [ غَافِر : 67 ] وَقَالَ الشَّاعِر : كُلُوا فِي بَعْض بَطْنكُمْ تَعِفُّوا وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجَعَلَ هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ لَا يَجُوز غَيْره قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة . قُلْت : وَعَلَيْهِ يَتَّفِق اللَّفْظ وَالْمَعْنَى فِي النَّسَق فَيَكُون الْجَمْع مَعْطُوفًا عَلَى الْجَمْع وَالْمُفْرَد مَعْطُوفًا عَلَى الْمُفْرَد فَيَتَجَانَس اللَّفْظ وَتَظْهَر الْفَصَاحَة وَاَللَّه أَعْلَم وَقِيلَ : جَمَعَ " الظُّلُمَات " وَوَحَّدَ " النُّور " لِأَنَّ الظُّلُمَات لَا تَتَعَدَّى وَالنُّور يَتَعَدَّى وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ أَنَّ بَعْض أَهْل الْمَعَانِي قَالَ : " جَعَلَ " هُنَا زَائِدَة وَالْعَرَب تَزِيد " جَعَلَ " فِي الْكَلَام كَقَوْلِ الشَّاعِر : وَقَدْ جَعَلْت أَرَى الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَة وَالْوَاحِد اِثْنَيْنِ لَمَّا هَدَّنِي الْكِبَر قَالَ النَّحَّاس : جَعَلَ بِمَعْنَى خَلَقَ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى خَلَقَ لَمْ تَتَعَدَّ إِلَّا إِلَى مَفْعُول وَاحِد . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَمُحَامِل جَعَلَ فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى .
اِبْتِدَاء وَخَبَر وَالْمَعْنَى : ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَجْعَلُونَ لِلَّهِ عَدْلًا وَشَرِيكًا وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاء وَحْده قَالَ اِبْن عَطِيَّة : ف " ثُمَّ " دَالَّة عَلَى قُبْح فِعْل الْكَافِرِينَ لِأَنَّ الْمَعْنَى : أَنَّ خَلْقه السَّمَوَات وَالْأَرْض قَدْ تَقَرَّرَ وَآيَاته قَدْ سَطَعَتْ وَإِنْعَامه بِذَلِكَ قَدْ تَبَيَّنَ ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ كُلّه عَدَلُوا بِرَبِّهِمْ فَهَذَا كَمَا تَقُول : يَا فُلَان أَعْطَيْتُك وَأَكْرَمْتُك وَأَحْسَنْت إِلَيْك ثُمَّ تَشْتُمنِي وَلَوْ وَقَعَ الْعَطْف بِالْوَاوِ فِي هَذَا وَنَحْوه لَمْ يَلْزَم التَّوْبِيخ كَلُزُومِهِ بِثُمَّ وَاَللَّه أَعْلَم .
" الْحَمْد لِلَّهِ " بَدَأَ سُبْحَانه فَاتِحَتهَا بِالْحَمْدِ عَلَى نَفْسه وَإِثْبَات الْأُلُوهِيَّة أَيْ أَنَّ الْحَمْد كُلّه لَهُ فَلَا شَرِيك لَهُ فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اُفْتُتِحَ غَيْرهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَكَانَ الِاجْتِزَاء بِوَاحِدَةٍ يُغْنِي عَنْ سَائِره فَيُقَال : لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُ مَعْنًى فِي مَوْضِعه لَا يُؤَدِّي عَنْهُ غَيْره مِنْ أَجْل عَقْده بِالنِّعَمِ الْمُخْتَلِفَة وَأَيْضًا فَلِمَا فِيهِ مِنْ الْحُجَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع عَلَى الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
الْحَمْد فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ الثَّنَاء الْكَامِل ; وَالْأَلِف وَاللَّام لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْس مِنْ الْمَحَامِد ; فَهُوَ سُبْحَانه يَسْتَحِقّ الْحَمْد بِأَجْمَعِهِ إِذْ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى وَالصِّفَات الْعُلَا ; وَقَدْ جُمِعَ لَفْظ الْحَمْد جَمْع الْقِلَّة فِي قَوْل الشَّاعِر : وَأُبْلِجَ مَحْمُود الثَّنَاء خَصَصْته بِأَفْضَل أَقْوَالِي وَأَفْضَل أَحْمُدِي فَالْحَمْد نَقِيض الذَّمّ , تَقُول : حَمِدْت الرَّجُل أَحْمَدهُ حَمْدًا فَهُوَ حَمِيد وَمَحْمُود ; وَالتَّحْمِيد أَبْلَغ مِنْ الْحَمْد . وَالْحَمْد أَعَمّ مِنْ الشُّكْر , وَالْمُحَمَّد : الَّذِي كَثُرَتْ خِصَاله الْمَحْمُودَة . قَالَ الشَّاعِر : إِلَى الْمَاجِد الْقَرْم الْجَوَاد الْمُحَمَّد وَبِذَلِكَ سُمِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الشَّاعِر : فَشَقَّ لَهُ مِنْ اِسْمه لِيُجِلّهُ فَذُو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد وَالْمَحْمَدَة : خِلَاف الْمَذَمَّة . وَأُحْمِدَ الرَّجُل : صَارَ أَمْره إِلَى الْحَمْد . وَأَحْمَدْته : وَجَدْته مَحْمُودًا , تَقُول : أَتَيْت مَوْضِع كَذَا فَأَحْمَدْته ; أَيْ صَادَفْته مَحْمُودًا مُوَافِقًا , وَذَلِكَ إِذَا رَضِيت سُكْنَاهُ أَوْ مَرْعَاهُ . وَرَجُل حُمَدَة - مِثْل هُمَزَة - يُكْثِر حَمْد الْأَشْيَاء وَيَقُول فِيهَا أَكْثَر مِمَّا فِيهَا . وَحَمَدَة النَّار - بِالتَّحْرِيكِ - : صَوْت اِلْتِهَابهَا .
ذَهَبَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ وَأَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد إِلَى أَنَّ الْحَمْد وَالشُّكْر بِمَعْنًى وَاحِد سَوَاء , وَلَيْسَ بِمَرْضِيٍّ . وَحَكَاهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ فِي كِتَاب " الْحَقَائِق " لَهُ عَنْ جَعْفَر الصَّادِق وَابْن عَطَاء . قَالَ اِبْن عَطَاء : مَعْنَاهُ الشُّكْر لِلَّهِ ; إِذْ كَانَ مِنْهُ الِامْتِنَان عَلَى تَعْلِيمنَا إِيَّاهُ حَتَّى حَمِدْنَاهُ . وَاسْتَدَلَّ الطَّبَرِيّ عَلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى بِصِحَّة قَوْلك : الْحَمْد لِلَّهِ شُكْرًا . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة دَلِيل عَلَى خِلَاف مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ قَوْلك شُكْرًا , إِنَّمَا خَصَصْت بِهِ الْحَمْد ; لِأَنَّهُ عَلَى نِعْمَة مِنْ النِّعَم . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الشُّكْر أَعَمّ مِنْ الْحَمْد ; لِأَنَّهُ بِاللِّسَانِ وَبِالْجَوَارِحِ وَالْقَلْب ; وَالْحَمْد إِنَّمَا يَكُون بِاللِّسَانِ خَاصَّة . وَقِيلَ : الْحَمْد أَعَمّ ; لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الشُّكْر وَمَعْنَى الْمَدْح , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الشُّكْر ; لِأَنَّ الْحَمْد يُوضَع مَوْضِع الشُّكْر وَلَا يُوضَع الشُّكْر مَوْضِع الْحَمْد . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ كَلِمَة كُلّ شَاكِر , وَإِنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ حِين عَطَسَ : الْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ اللَّه لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام : " فَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : 28 ] وَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام : " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَر إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق " [ إِبْرَاهِيم : 3 ] . وَقَالَ فِي قِصَّة دَاوُد وَسُلَيْمَان : " وَقَالَا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِير مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ " [ النَّمْل : 15 ] . وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا " [ الْإِسْرَاء : 111 ] . وَقَالَ أَهْل الْجَنَّة : " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن " [ فَاطِر : 34 ] . " وَآخِر دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " [ يُونُس : 10 ] . فَهِيَ كَلِمَة كُلّ شَاكِر .
قُلْت : الصَّحِيح أَنَّ الْحَمْد ثَنَاء عَلَى الْمَمْدُوح بِصِفَاتِهِ مِنْ غَيْر سَبْق إِحْسَان , وَالشُّكْر ثَنَاء عَلَى الْمَشْكُور بِمَا أَوْلَى مِنْ الْإِحْسَان . وَعَلَى هَذَا الْحَدّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : الْحَمْد أَعَمّ مِنْ الشُّكْر ; لِأَنَّ الْحَمْد يَقَع عَلَى الثَّنَاء وَعَلَى التَّحْمِيد وَعَلَى الشُّكْر ; وَالْجَزَاء مَخْصُوص إِنَّمَا يَكُون مُكَافَأَة لِمَنْ أَوْلَاك مَعْرُوفًا ; فَصَارَ الْحَمْد أَعَمّ فِي الْآيَة لِأَنَّهُ يَزِيد عَلَى الشُّكْر . وَيُذْكَر الْحَمْد بِمَعْنَى الرِّضَا ; يُقَال : بَلَوْته فَحَمِدْته , أَيْ رَضِيته . وَمِنْهُ قَوْل تَعَالَى : " مَقَامًا مَحْمُودًا " [ الْإِسْرَاء : 79 ] . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَحْمَد إِلَيْكُمْ غَسْل الْإِحْلِيل ) أَيْ أَرْضَاهُ لَكُمْ . وَيُذْكَر عَنْ جَعْفَر الصَّادِق فِي قَوْله " الْحَمْد لِلَّهِ " : مَنْ حَمِدَهُ بِصِفَاتِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسه فَقَدْ حَمِدَ ; لِأَنَّ الْحَمْد حَاء وَمِيم وَدَال ; فَالْحَاء مِنْ الْوَحْدَانِيَّة , وَالْمِيم مِنْ الْمُلْك , وَالدَّال مِنْ الدَّيْمُومِيَّة ; فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالدَّيْمُومِيَّة وَالْمُلْك فَقَدْ عَرَفَهُ , وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة الْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ شَقِيق بْن إِبْرَاهِيم فِي تَفْسِير " الْحَمْد لِلَّهِ " قَالَ : هُوَ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه : أَوَّلهَا إِذَا أَعْطَاك اللَّه شَيْئًا تَعْرِف مَنْ أَعْطَاك . وَالثَّانِي أَنْ تَرْضَى بِمَا أَعْطَاكَ . وَالثَّالِث مَا دَامَتْ قُوَّته فِي جَسَدك أَلَّا تَعْصِيه ; فَهَذِهِ شَرَائِط الْحَمْد . أَثْنَى اللَّه سُبْحَانه بِالْحَمْدِ عَلَى نَفْسه , وَافْتَتَحَ كِتَابه بِحَمْدِهِ , وَلَمْ يَأْذَن فِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ; بَلْ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : " فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسكُمْ هُوَ أَعْلَم بِمَنْ اِتَّقَى " [ النَّجْم : 32 ] . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( اُحْثُوا فِي وُجُوه الْمَدَّاحِينَ التُّرَاب ) رَوَاهُ الْمِقْدَاد .
أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَته وَعِلْمه وَإِرَادَته فَقَالَ : الَّذِي خَلَقَ أَيْ اِخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ وَأَنْشَأَ وَابْتَدَعَ وَالْخَلْق يَكُون بِمَعْنَى الِاخْتِرَاع وَيَكُون بِمَعْنَى التَّقْدِير , وَقَدْ تَقَدَّمَ وَكِلَاهُمَا مُرَاد هُنَا وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى حُدُوثهمَا فَرَفَعَ السَّمَاء بِغَيْرِ عَمَد وَجَعَلَهَا مُسْتَوِيَة مِنْ غَيْر أَوَد وَجَعَلَ فِيهَا الشَّمْس وَالْقَمَر آيَتَيْنِ وَزَيَّنَهَا بِالنُّجُومِ وَأَوْدَعَهَا السَّحَاب وَالْغُيُوم عَلَامَتَيْنِ وَبَسَطَ الْأَرْض وَأَوْدَعَهَا الْأَرْزَاق وَالنَّبَات وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة آيَات جَعَلَ فِيهَا الْجِبَال أَوْتَادًا وَسُبُلًا فِجَاجًا وَأَجْرَى فِيهَا الْأَنْهَار وَالْبِحَار وَفَجَّرَ فِيهَا الْعُيُون مِنْ الْأَحْجَار دَلَالَات عَلَى وَحْدَانِيّته , وَعَظِيم قُدْرَته وَأَنَّهُ هُوَ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار وَبَيَّنَ بِخَلْقِهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنَّهُ خَالِق كُلّ شَيْء .
خَرَّجَ مُسْلِم قَالَ : حَدَّثَنِي سُرَيْج بْن يُونُس وَهَارُون بْن عَبْد اللَّه قَالَا حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد قَالَ قَالَ اِبْن جُرَيْج أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْ فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَة يَوْم السَّبْت وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَال يَوْم الْأَحَد وَخَلَقَ الشَّجَر يَوْم الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوه يَوْم الثُّلَاثَاء وَخَلَقَ النُّور يَوْم الْأَرْبِعَاء وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابّ يَوْم الْخَمِيس وَخَلَقَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد الْعَصْر مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فِي آخِر الْخَلْق فِي آخِر سَاعَة مِنْ سَاعَات الْجُمُعَة فِيمَا بَيْن الْعَصْر إِلَى اللَّيْل ) . قُلْت : أَدْخَلَ الْعُلَمَاء هَذَا الْحَدِيث تَفْسِيرًا لِفَاتِحَةِ هَذِهِ السُّورَة ; قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَزَعَمَ أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ غَيْر مَحْفُوظ لِمُخَالَفَةِ مَا عَلَيْهِ أَهْل التَّفْسِير وَأَهْل التَّوَارِيخ . وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة إِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد وَإِبْرَاهِيم غَيْر مُحْتَجّ بِهِ وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى قَالَ : سَأَلْت عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ عَنْ حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة ( خَلَقَ اللَّه التُّرْبَة يَوْم السَّبْت ) . فَقَالَ عَلِيّ : هَذَا حَدِيث مَدَنِيّ رَوَاهُ هِشَام بْن يُوسُف عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد عَنْ أَبِي رَافِع مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْ قَالَ عَلِيّ : وَشَبَّكَ بِيَدِي إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى فَقَالَ لِي : شَبَّكَ بِيَدِي أَيُّوب بْن خَالِد وَقَالَ لِي شَبَّكَ بِيَدِي عَبْد اللَّه بْن رَافِع وَقَالَ لِي : شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو هُرَيْرَة وَقَالَ لِي : شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو الْقَاسِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّه الْأَرْض يَوْم السَّبْت ) فَذَكَرَ الْحَدِيث بِنَحْوِهِ . قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ : وَمَا أَرَى إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة أَخَذَ هَذَا الْأَمْر إِلَّا مِنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُوسَى بْن عُبَيْدَة الرَّبَذِيّ عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد إِلَّا أَنَّ مُوسَى بْن عُبَيْدَة ضَعِيف . وَرُوِيَ عَنْ بَكْر بْن الشَّرُود عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْم عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد وَإِسْنَاده ضَعِيف عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجُمُعَة سَاعَة لَا يُوَافِقهَا أَحَد يَسْأَل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ) قَالَ فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن سَلَّام : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِبْتَدَأَ الْخَلْق فَخَلَقَ الْأَرْض يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ السَّمَوَات يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْأَرْبِعَاء وَخَلَقَ الْأَقْوَات وَمَا فِي الْأَرْض يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر وَمَا بَيْن صَلَاة الْعَصْر إِلَى أَنْ تَغْرُب الشَّمْس خَلَقَ آدَم خَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيّ قُلْت : وَفِيهِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى بَدَأَ الْخَلْق يَوْم الْأَحَد لَا يَوْم السَّبْت . وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَة عَنْ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ فِيهَا الِاخْتِلَاف أَيّمَا خُلِقَ أَوَّلًا الْأَرْض أَوْ السَّمَاء مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ .
ذَكَرَ بَعْد خَلْق الْجَوَاهِر خَلْق الْأَعْرَاض لِكَوْنِ الْجَوْهَر لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْحَوَادِث فَهُوَ حَادِث . وَالْجَوْهَر فِي اِصْطِلَاح الْمُتَكَلِّمِينَ هُوَ الْجُزْء الَّذِي لَا يَتَجَزَّأ الْحَامِل لِلْعَرَضِ وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْره فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى فِي اِسْمه " الْوَاحِد " وَسُمِّيَ الْعَرَض عَرَضًا لِأَنَّهُ يَعْرِض فِي الْجِسْم وَالْجَوْهَر فَيَتَغَيَّر بِهِ مِنْ حَال إِلَى حَال وَالْجِسْم هُوَ الْمُجْتَمَع وَأَقَلّ مَا يَقَع عَلَيْهِ اِسْم الْجِسْم جَوْهَرَانِ مُجْتَمِعَانِ وَهَذِهِ الِاصْطِلَاحَات وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَة فِي الصَّدْر الْأَوَّل فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهَا مَعْنَى الْكِتَاب وَالسُّنَّة فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهَا وَقَدْ اِسْتَعْمَلَهَا الْعُلَمَاء وَاصْطَلَحُوا عَلَيْهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا كَلَامهمْ وَقَتَلُوا بِهَا خُصُومهمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَة
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَعْنَى الْمُرَاد بِالظُّلُمَاتِ وَالنُّور فَقَالَ السُّدِّيّ وَقَتَادَة وَجُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ : الْمُرَاد سَوَاد اللَّيْل وَضِيَاء النَّهَار وَقَالَ الْحَسَن الْكُفْر وَالْإِيمَان قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا خُرُوج عَنْ الظَّاهِر قُلْت : اللَّفْظ يَعُمّهُ وَفِي التَّنْزِيل : " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس كَمَنْ مَثَله فِي الظُّلُمَات " [ الْأَنْعَام : 122 ] . وَالْأَرْض هُنَا اِسْم لِلْجِنْسِ فَإِفْرَادهَا فِي اللَّفْظ بِمَنْزِلَةِ جَمْعهَا وَكَذَلِكَ " وَالنُّور " وَمِثْله " ثُمَّ يُخْرِجكُمْ طِفْلًا " [ غَافِر : 67 ] وَقَالَ الشَّاعِر : كُلُوا فِي بَعْض بَطْنكُمْ تَعِفُّوا وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجَعَلَ هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ لَا يَجُوز غَيْره قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة . قُلْت : وَعَلَيْهِ يَتَّفِق اللَّفْظ وَالْمَعْنَى فِي النَّسَق فَيَكُون الْجَمْع مَعْطُوفًا عَلَى الْجَمْع وَالْمُفْرَد مَعْطُوفًا عَلَى الْمُفْرَد فَيَتَجَانَس اللَّفْظ وَتَظْهَر الْفَصَاحَة وَاَللَّه أَعْلَم وَقِيلَ : جَمَعَ " الظُّلُمَات " وَوَحَّدَ " النُّور " لِأَنَّ الظُّلُمَات لَا تَتَعَدَّى وَالنُّور يَتَعَدَّى وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ أَنَّ بَعْض أَهْل الْمَعَانِي قَالَ : " جَعَلَ " هُنَا زَائِدَة وَالْعَرَب تَزِيد " جَعَلَ " فِي الْكَلَام كَقَوْلِ الشَّاعِر : وَقَدْ جَعَلْت أَرَى الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَة وَالْوَاحِد اِثْنَيْنِ لَمَّا هَدَّنِي الْكِبَر قَالَ النَّحَّاس : جَعَلَ بِمَعْنَى خَلَقَ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى خَلَقَ لَمْ تَتَعَدَّ إِلَّا إِلَى مَفْعُول وَاحِد . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَمُحَامِل جَعَلَ فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى .
اِبْتِدَاء وَخَبَر وَالْمَعْنَى : ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَجْعَلُونَ لِلَّهِ عَدْلًا وَشَرِيكًا وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاء وَحْده قَالَ اِبْن عَطِيَّة : ف " ثُمَّ " دَالَّة عَلَى قُبْح فِعْل الْكَافِرِينَ لِأَنَّ الْمَعْنَى : أَنَّ خَلْقه السَّمَوَات وَالْأَرْض قَدْ تَقَرَّرَ وَآيَاته قَدْ سَطَعَتْ وَإِنْعَامه بِذَلِكَ قَدْ تَبَيَّنَ ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ كُلّه عَدَلُوا بِرَبِّهِمْ فَهَذَا كَمَا تَقُول : يَا فُلَان أَعْطَيْتُك وَأَكْرَمْتُك وَأَحْسَنْت إِلَيْك ثُمَّ تَشْتُمنِي وَلَوْ وَقَعَ الْعَطْف بِالْوَاوِ فِي هَذَا وَنَحْوه لَمْ يَلْزَم التَّوْبِيخ كَلُزُومِهِ بِثُمَّ وَاَللَّه أَعْلَم .
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ↓
الْآيَة خَبَر وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : وَهُوَ الْأَشْهَر وَعَلَيْهِ مِنْ الْخَلْق الْأَكْثَر أَنَّ الْمُرَاد آدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَالْخَلْق نَسْله وَالْفَرْع يُضَاف إِلَى أَصْله فَلِذَلِكَ قَالَ : " خَلَقَكُمْ " بِالْجَمْعِ فَأَخْرَجَهُ مَخْرَج الْخِطَاب لَهُمْ إِذْ كَانُوا وَلَده ; هَذَا قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة وَابْن أَبِي نَجِيح وَالسُّدِّيّ وَالضَّحَّاك وَابْن زَيْد وَغَيْرهمْ الثَّانِي : أَنْ تَكُون النُّطْفَة خَلَقَهَا اللَّه مِنْ طِين عَلَى الْحَقِيقَة ثُمَّ قَلَبَهَا حَتَّى كَانَ الْإِنْسَان مِنْهَا ذَكَرَهُ النَّحَّاس قُلْت : وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمَّا ذَكَرَ جَلَّ وَعَزَّ خَلْق الْعَالَم الْكَبِير ذَكَرَ بَعْده خَلْق الْعَالَم الصَّغِير وَهُوَ الْإِنْسَان وَجَعَلَ فِيهِ مَا فِي الْعَالَم الْكَبِير عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي " الْبَقَرَة " فِي آيَة التَّوْحِيد وَاَللَّه أَعْلَم وَالْحَمْد لِلَّهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ فِي كِتَابه عَنْ مُرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِالرَّحِمِ يَأْخُذ النُّطْفَة فَيَضَعهَا عَلَى كَفّه ثُمَّ يَقُول : يَا رَبّ مُخَلَّقَة أَوْ غَيْر مُخَلَّقَة ؟ فَإِنْ قَالَ مُخَلَّقَة قَالَ : يَا رَبّ مَا الرِّزْق مَا الْأَثَر مَا الْأَجَل ؟ فَيَقُول : اُنْظُرْ فِي أُمّ الْكِتَاب فَيَنْظُر فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَيَجِد فِيهِ رِزْقه وَأَثَره وَأَجَله وَعَمَله وَيَأْخُذ التُّرَاب الَّذِي يُدْفَن فِي بُقْعَته وَيَعْجِن بِهِ نُطْفَته فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدكُمْ " [ طَه : 55 ] . وَخَرَّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ مَوْلُود إِلَّا وَقَدْ ذُرَّ عَلَيْهِ مِنْ تُرَاب حُفْرَته " . قُلْت : وَعَلَى هَذَا يَكُون كُلّ إِنْسَان مَخْلُوقًا مِنْ طِين وَمَاء مَهِين كَمَا أَخْبَرَ جَلَّ وَعَزَّ فِي سُورَة " الْمُؤْمِنُونَ " فَتَنْتَظِم الْآيَات وَالْأَحَادِيث وَيَرْتَفِع الْإِشْكَال وَالتَّعَارُض وَاَللَّه أَعْلَم وَأَمَّا الْإِخْبَار عَنْ خَلْق آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [ الْبَقَرَة ] ذَكَرَهُ وَاشْتِقَاقه وَنَزِيد هُنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ وَنَعْته وَسِنّه وَوَفَاته ذَكَرَ اِبْن سَعْد فِي " الطَّبَقَات " عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( النَّاس وَلَد آدَم وَآدَم مِنْ التُّرَاب ) وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : خَلَقَ اللَّه آدَم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ أَرْض يُقَال لَهَا دَجْنَاء قَالَ الْحَسَن : وَخَلَقَ جُؤْجُؤَهُ مِنْ ضَرِيَّة قَالَ الْجَوْهَرِيّ : ضَرِيَّة قَرْيَة لِبَنِي كِلَاب عَلَى طَرِيق الْبَصْرَة وَهِيَ إِلَى مَكَّة أَقْرَب وَعَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى بَعَثَ إِبْلِيس فَأَخَذَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض مِنْ عَذْبهَا وَمَالِحهَا فَخَلَقَ مِنْهُ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَكُلّ شَيْء خَلَقَهُ مِنْ عَذْبهَا فَهُوَ صَائِر إِلَى الْجَنَّة وَإِنْ كَانَ اِبْن كَافِر وَكُلّ شَيْء خَلَقَهُ مِنْ مَالِحهَا فَهُوَ صَائِر إِلَى النَّار وَإِنْ كَانَ اِبْن تَقِيّ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِبْلِيس " أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْت طِينًا " [ الْإِسْرَاء : 61 ] لِأَنَّهُ جَاءَ بِالطِّينَةِ فَسُمِّيَ آدَم ; لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَّام قَالَ خَلَقَ اللَّه آدَم فِي آخِر يَوْم الْجُمُعَة وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّه آدَم كَانَ رَأْسه يَمَسّ السَّمَاء قَالَ فَوَطَّدَهُ إِلَى الْأَرْض حَتَّى صَارَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَة أَذْرُع عَرْضًا وَعَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ : كَانَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام طُوَالًا جَعْدًا كَأَنَّهُ نَخْلَة سَحُوق وَعَنْ اِبْن عَبَّاس فِي حَدِيث فِيهِ طُول وَحَجّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ الْهِنْد إِلَى مَكَّة أَرْبَعِينَ حَجَّة عَلَى رِجْلَيْهِ وَكَانَ آدَم حِين أُهْبِطَ تَمْسَح رَأْسه السَّمَاء فَمِنْ ثَمَّ صَلِعَ وَأَوْرَثَ وَلَده الصَّلَع وَنَفَرَتْ مِنْ طُوله دَوَابّ الْبَرّ فَصَارَتْ وَحْشًا مِنْ يَوْمئِذٍ وَلَمْ يَمُتْ حَتَّى بَلَغَ وَلَده وَوَلَد وَلَده أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَتُوُفِّيَ عَلَى ذِرْوَة الْجَبَل الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقَالَ شِيث لِجِبْرِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام : " صَلِّ عَلَى آدَم " فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام : تَقَدَّمْ أَنْتَ فَصَلِّ عَلَى أَبِيك وَكَبِّرْ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة فَأَمَّا خَمْس فَهِيَ الصَّلَاة وَخَمْس وَعِشْرُونَ تَفْضِيلًا لِآدَم . وَقِيلَ : كَبِّرْ عَلَيْهِ أَرْبَعًا فَجَعَلَ بَنُو شِيث آدَم فِي مَغَارَة وَجَعَلُوا عَلَيْهَا حَافِظًا لَا يَقْرَبهُ أَحَد مِنْ بَنِي قَابِيل وَكَانَ الَّذِينَ يَأْتُونَهُ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ بَنُو شِيث وَكَانَ عُمْر آدَم تِسْعمِائَةِ سَنَة وَسِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَة . وَيُقَال : هَلْ فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِر مِنْ جِنْس وَاحِد ؟ الْجَوَاب نَعَمْ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَنْقَلِب الطِّين إِنْسَانًا حَيًّا قَادِرًا عَلِيمًا جَازَ أَنْ يَنْقَلِب إِلَى كُلّ حَال مِنْ أَحْوَاله الْجَوَاهِر لِتَسْوِيَةِ الْعَقْل بَيْن ذَلِكَ فِي الْحُكْم وَقَدْ صَحَّ اِنْقِلَاب الْجَمَاد إِلَى الْحَيَوَان بِدَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَة .
قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ قَضَى أَجَلًا " مَفْعُول . " وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده " اِبْتِدَاء وَخَبَر قَالَ الضَّحَّاك : " أَجَلًا " فِي الْمَوْت " وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده " أَجَل الْقِيَامَة فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : حَكَمَ أَجَلًا وَأَعْلَمَكُمْ أَنَّكُمْ تُقِيمُونَ إِلَى الْمَوْت وَلَمْ يُعْلِمكُمْ بِأَجَلِ الْقِيَامَة . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَخَصِيف وَقَتَادَة وَهَذَا لَفْظ الْحَسَن : قَضَى أَجَل الدُّنْيَا مِنْ يَوْم خَلَقَك إِلَى أَنْ تَمُوت " وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده " يَعْنِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : " قَضَى أَجَلًا " مَا أَعْلَمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَجَل مُسَمًّى ) مِنْ الْآخِرَة وَقِيلَ : " قَضَى أَجَلًا " مِمَّا نَعْرِفهُ مِنْ أَوْقَات الْأَهِلَّة وَالزَّرْع وَمَا أَشْبَهَهُمَا " وَأَجَل مُسَمًّى " أَجَل الْمَوْت لَا يَعْلَم الْإِنْسَان مَتَى يَمُوت وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : مَعْنَى الْآيَة " قَضَى أَجَلًا " بِقَضَاءِ الدُّنْيَا , " وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده " لِابْتِدَاءِ الْآخِرَة . وَقِيلَ : الْأَوَّل قَبْض الْأَرْوَاح فِي النَّوْم وَالثَّانِي قَبْض الرُّوح عِنْد الْمَوْت عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا .
اِبْتِدَاء وَخَبَر أَيْ تَشُكُّونَ فِي أَنَّهُ إِلَه وَاحِد وَقِيلَ : تُمَارُونَ فِي ذَلِكَ أَيْ تُجَادِلُونَ جِدَال الشَّاكِّينَ وَالتَّمَارِي الْمُجَادَلَة عَلَى مَذْهَب الشَّكّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى " [ النَّجْم : 12 ] .
قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ قَضَى أَجَلًا " مَفْعُول . " وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده " اِبْتِدَاء وَخَبَر قَالَ الضَّحَّاك : " أَجَلًا " فِي الْمَوْت " وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده " أَجَل الْقِيَامَة فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا : حَكَمَ أَجَلًا وَأَعْلَمَكُمْ أَنَّكُمْ تُقِيمُونَ إِلَى الْمَوْت وَلَمْ يُعْلِمكُمْ بِأَجَلِ الْقِيَامَة . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَخَصِيف وَقَتَادَة وَهَذَا لَفْظ الْحَسَن : قَضَى أَجَل الدُّنْيَا مِنْ يَوْم خَلَقَك إِلَى أَنْ تَمُوت " وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده " يَعْنِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : " قَضَى أَجَلًا " مَا أَعْلَمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَجَل مُسَمًّى ) مِنْ الْآخِرَة وَقِيلَ : " قَضَى أَجَلًا " مِمَّا نَعْرِفهُ مِنْ أَوْقَات الْأَهِلَّة وَالزَّرْع وَمَا أَشْبَهَهُمَا " وَأَجَل مُسَمًّى " أَجَل الْمَوْت لَا يَعْلَم الْإِنْسَان مَتَى يَمُوت وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : مَعْنَى الْآيَة " قَضَى أَجَلًا " بِقَضَاءِ الدُّنْيَا , " وَأَجَل مُسَمًّى عِنْده " لِابْتِدَاءِ الْآخِرَة . وَقِيلَ : الْأَوَّل قَبْض الْأَرْوَاح فِي النَّوْم وَالثَّانِي قَبْض الرُّوح عِنْد الْمَوْت عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا .
اِبْتِدَاء وَخَبَر أَيْ تَشُكُّونَ فِي أَنَّهُ إِلَه وَاحِد وَقِيلَ : تُمَارُونَ فِي ذَلِكَ أَيْ تُجَادِلُونَ جِدَال الشَّاكِّينَ وَالتَّمَارِي الْمُجَادَلَة عَلَى مَذْهَب الشَّكّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى " [ النَّجْم : 12 ] .
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ↓
يُقَال مَا عَامِل الْإِعْرَاب فِي الظَّرْف مِنْ " فِي السَّمَوَات وَفِي الْأَرْض " ؟ فَفِيهِ أَجْوِبَة : أَحَدهَا : أَيْ وَهُوَ اللَّه الْمُعَظَّم أَوْ الْمَعْبُود فِي السَّمَوَات وَفِي الْأَرْض ; كَمَا تَقُول : زَيْد الْخَلِيفَة فِي الشَّرْق وَالْغَرْب أَيْ حُكْمه وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَهُوَ اللَّه الْمُنْفَرِد بِالتَّدْبِيرِ فِي السَّمَوَات وَفِي الْأَرْض ; كَمَا تَقُول : هُوَ فِي حَاجَات النَّاس وَفِي الصَّلَاة وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَرًا بَعْد خَبَر وَيَكُون الْمَعْنَى : وَهُوَ اللَّه فِي السَّمَوَات وَهُوَ اللَّه فِي الْأَرْض . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَهُوَ اللَّه يَعْلَم سِرّكُمْ وَجَهْركُمْ فِي السَّمَوَات وَفِي الْأَرْض فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء ; قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّد بْن جَرِير : وَهُوَ اللَّه فِي السَّمَوَات وَيَعْلَم سِرّكُمْ وَجَهْركُمْ فِي الْأَرْض فَيَعْلَم مُقَدَّم فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّل أَسْلَم وَأَبْعَد مِنْ الْإِشْكَال وَقِيله غَيْر هَذَا وَالْقَاعِدَة تَنْزِيهه جَلَّ وَعَزَّ عَنْ الْحَرَكَة وَالِانْتِقَال وَشَغْل الْأَمْكِنَة .
أَيْ مِنْ خَيْر وَشَرّ وَالْكَسْب الْفِعْل لِاجْتِلَابِ نَفْع أَوْ دَفْع ضَرَر وَلِهَذَا لَا يُقَال لِفِعْلِ اللَّه كَسْب .
أَيْ مِنْ خَيْر وَشَرّ وَالْكَسْب الْفِعْل لِاجْتِلَابِ نَفْع أَوْ دَفْع ضَرَر وَلِهَذَا لَا يُقَال لِفِعْلِ اللَّه كَسْب .
أَيْ عَلَامَة كَانْشِقَاقِ الْقَمَر وَنَحْوهَا . و " مِنْ " لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْس ; تَقُول : مَا فِي الدَّار مِنْ أَحَد .
" مِنْ " الثَّانِيَة لِلتَّبْعِيضِ .
خَبَر " كَانُوا " . وَالْإِعْرَاض تَرْك النَّظَر فِي الْآيَات الَّتِي يَجِب أَنْ يَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَى تَوْحِيد اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا وَأَنَّهُ يَرْجِع إِلَى قَدِيم حَيّ غَنِيّ عَنْ جَمِيع الْأَشْيَاء قَادِر لَا يَعْجِزهُ شَيْء عَالِم لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي أَقَامَهَا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِيُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى صِدْقه فِي جَمِيع مَا أَتَى بِهِ .
" مِنْ " الثَّانِيَة لِلتَّبْعِيضِ .
خَبَر " كَانُوا " . وَالْإِعْرَاض تَرْك النَّظَر فِي الْآيَات الَّتِي يَجِب أَنْ يَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَى تَوْحِيد اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا وَأَنَّهُ يَرْجِع إِلَى قَدِيم حَيّ غَنِيّ عَنْ جَمِيع الْأَشْيَاء قَادِر لَا يَعْجِزهُ شَيْء عَالِم لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي أَقَامَهَا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِيُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى صِدْقه فِي جَمِيع مَا أَتَى بِهِ .
فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ↓
يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّة .
يَعْنِي الْقُرْآن , وَقِيلَ : بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ يَحِلّ بِهِمْ الْعِقَاب ; وَأَرَادَ بِالْأَنْبَاءِ وَهِيَ الْأَخْبَار الْعَذَاب ; كَقَوْلِك اِصْبِرْ وَسَوْفَ يَأْتِيك الْخَبَر أَيْ الْعَذَاب ; وَالْمُرَاد مَا نَالَهُمْ يَوْم بَدْر وَنَحْوه . وَقِيلَ : يَوْم الْقِيَامَة .
يَعْنِي الْقُرْآن , وَقِيلَ : بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ يَحِلّ بِهِمْ الْعِقَاب ; وَأَرَادَ بِالْأَنْبَاءِ وَهِيَ الْأَخْبَار الْعَذَاب ; كَقَوْلِك اِصْبِرْ وَسَوْفَ يَأْتِيك الْخَبَر أَيْ الْعَذَاب ; وَالْمُرَاد مَا نَالَهُمْ يَوْم بَدْر وَنَحْوه . وَقِيلَ : يَوْم الْقِيَامَة .
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ↓
" كَمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِأَهْلَكْنَا لَا بِقَوْلِهِ " أَلَمْ يَرَوْا " لِأَنَّ لَفْظ الِاسْتِفْهَام لَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله , وَإِنَّمَا يَعْمَل فِيهِ مَا بَعْده مِنْ أَجْل أَنَّ لَهُ صَدْر الْكَلَام . وَالْمَعْنَى : أَلَا يَعْتَبِرُونَ بِمَنْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْأُمَم قَبْلهمْ لِتَكْذِيبِهِمْ أَنْبِيَاءَهُمْ أَيْ أَلَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ وَالْقَرْن الْأُمَّة مِنْ النَّاس . وَالْجَمْع الْقُرُون ; قَالَ الشَّاعِر : إِذَا ذَهَبَ الْقَرْن الَّذِي كُنْت فِيهِمْ وَخُلِّفْت فِي قَرْن فَأَنْتَ غَرِيب فَالْقَرْن كُلّه عَالَم فِي عَصْره مَأْخُوذ مِنْ الِاقْتِرَان أَيْ عَالَم مُقْتَرِن بِهِ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض ; وَفِي الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَيْر النَّاس قَرْنِي يَعْنِي أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) هَذَا أَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مِنْ أَهْل قَرْن فَحُذِفَ كَقَوْلِهِ : " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : 82 ] . فَالْقَرْن عَلَى هَذَا مُدَّة مِنْ الزَّمَان ; قِيلَ : سِتُّونَ عَامًا وَقِيلَ سَبْعُونَ , وَقِيلَ : ثَمَانُونَ ; وَقِيلَ : مِائَة ; وَعَلَيْهِ أَكْثَر أَصْحَاب الْحَدِيث أَنَّ الْقَرْن مِائَة سَنَة ; وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّه بْن بُسْر : " تَعِيش قَرْنًا " فَعَاشَ مِائَة سَنَة ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَأَصْل الْقَرْن الشَّيْء الطَّالِع كَقَرْنِ مَا لَهُ قَرْن مِنْ الْحَيَوَان .
خُرُوج مِنْ الْغَيْبَة إِلَى الْخِطَاب ; عَكْسه " حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ ; بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة " [ يُونُس : 22 ] . وَقَالَ أَهْل الْبَصْرَة أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ " أَلَمْ يَرَوْا " وَفِيهِمْ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه ; ثُمَّ خَاطَبَهُمْ مَعَهُمْ ; وَالْعَرَب تَقُول : قُلْت لِعَبْدِ اللَّه مَا أَكْرَمه : وَقُلْت لِعَبْدِ اللَّه مَا أَكْرَمك ; وَلَوْ جَاءَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْغَيْبَة لَقَالَ : مَا لَمْ نُمَكِّن لَهُمْ . وَيَجُوز مَكِّنْهُ وَمَكِّنْ لَهُ ; فَجَاءَ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا ; أَيْ أَعْطَيْنَاهُمْ مَا لَمْ نُعْطِكُمْ مِنْ الدُّنْيَا .
يُرِيد الْمَطَر الْكَثِير ; عَبَّرَ عَنْهُ بِالسَّمَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ السَّمَاء يَنْزِل ; وَمِنْهُ قَوْله الشَّاعِر : إِذَا سَقَطَ السَّمَاء بِأَرْضِ قَوْم و " مِدْرَارًا " بِنَاء دَال عَلَى التَّكْثِير ; كَمِذْكَار لِلْمَرْأَةِ الَّتِي كَثُرَتْ وِلَادَتهَا لِلذُّكُورِ ; وَمِئْنَاث لِلْمَرْأَةِ الَّتِي تَلِد الْإِنَاث ; يُقَال : دَرَّ اللَّبَن يَدِرّ إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْحَالِب بِكَثْرَةٍ . وَانْتَصَبَ " مِدْرَارًا " عَلَى الْحَال
أَيْ مِنْ تَحْت أَشْجَارهمْ وَمَنَازِلهمْ ; وَمِنْهُ قَوْل فِرْعَوْن : " وَهَذِهِ الْأَنْهَار تَجْرِي مِنْ تَحْتِي " [ الزُّخْرُف : 51 ] وَالْمَعْنَى : وَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ النِّعَم فَكَفَرُوهَا
أَيْ بِكُفْرِهِمْ فَالذُّنُوب سَبَب الِانْتِقَام وَزَوَال النِّعَم .
أَيْ أَوْجَدْنَا ; فَلْيَحْذَرْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْإِهْلَاك أَيْضًا .
خُرُوج مِنْ الْغَيْبَة إِلَى الْخِطَاب ; عَكْسه " حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ ; بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة " [ يُونُس : 22 ] . وَقَالَ أَهْل الْبَصْرَة أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ " أَلَمْ يَرَوْا " وَفِيهِمْ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه ; ثُمَّ خَاطَبَهُمْ مَعَهُمْ ; وَالْعَرَب تَقُول : قُلْت لِعَبْدِ اللَّه مَا أَكْرَمه : وَقُلْت لِعَبْدِ اللَّه مَا أَكْرَمك ; وَلَوْ جَاءَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْغَيْبَة لَقَالَ : مَا لَمْ نُمَكِّن لَهُمْ . وَيَجُوز مَكِّنْهُ وَمَكِّنْ لَهُ ; فَجَاءَ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا ; أَيْ أَعْطَيْنَاهُمْ مَا لَمْ نُعْطِكُمْ مِنْ الدُّنْيَا .
يُرِيد الْمَطَر الْكَثِير ; عَبَّرَ عَنْهُ بِالسَّمَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ السَّمَاء يَنْزِل ; وَمِنْهُ قَوْله الشَّاعِر : إِذَا سَقَطَ السَّمَاء بِأَرْضِ قَوْم و " مِدْرَارًا " بِنَاء دَال عَلَى التَّكْثِير ; كَمِذْكَار لِلْمَرْأَةِ الَّتِي كَثُرَتْ وِلَادَتهَا لِلذُّكُورِ ; وَمِئْنَاث لِلْمَرْأَةِ الَّتِي تَلِد الْإِنَاث ; يُقَال : دَرَّ اللَّبَن يَدِرّ إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْحَالِب بِكَثْرَةٍ . وَانْتَصَبَ " مِدْرَارًا " عَلَى الْحَال
أَيْ مِنْ تَحْت أَشْجَارهمْ وَمَنَازِلهمْ ; وَمِنْهُ قَوْل فِرْعَوْن : " وَهَذِهِ الْأَنْهَار تَجْرِي مِنْ تَحْتِي " [ الزُّخْرُف : 51 ] وَالْمَعْنَى : وَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ النِّعَم فَكَفَرُوهَا
أَيْ بِكُفْرِهِمْ فَالذُّنُوب سَبَب الِانْتِقَام وَزَوَال النِّعَم .
أَيْ أَوْجَدْنَا ; فَلْيَحْذَرْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْإِهْلَاك أَيْضًا .
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ↓
الْآيَة الْمَعْنَى : وَلَوْ نَزَّلْنَا يَا مُحَمَّد بِمَرْأًى مِنْهُمْ كَمَا زَعَمُوا وَطَلَبُوا كَلَامًا مَكْتُوبًا " فِي قِرْطَاس " وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : كِتَابًا مُعَلَّقًا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَهَذَا يُبَيِّن لَك أَنَّ التَّنْزِيل عَلَى وَجْهَيْنِ ; أَحَدهمَا : عَلَى مَعْنَى نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِمَعْنَى نُزُول الْمَلَك بِهِ . وَالْآخَر : وَلَوْ نَزَّلْنَا كِتَابًا فِي قِرْطَاس يُمْسِكهُ اللَّه بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض ; وَقَالَ : " نَزَّلْنَا " عَلَى الْمُبَالَغَة بِطُولِ مُكْث الْكِتَاب بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْكِتَاب مَصْدَر بِمَعْنَى الْكِتَابَة فَبَيَّنَ أَنَّ الْكِتَابَة فِي قِرْطَاس ; لِأَنَّهُ غَيْر مَعْقُول كِتَابَة إِلَّا فِي قِرْطَاس أَيْ فِي صَحِيفَة وَالْقِرْطَاس الصَّحِيفَة ; وَيُقَال : قِرْطَاس بِالضَّمِّ ; وَقَرْطَسَ فُلَان إِذَا رَمَى فَأَصَابَ الصَّحِيفَة الْمُلْزَقَة بِالْهَدَفِ .
أَيْ فَعَايَنُوا ذَلِكَ وَمَسُّوهُ بِالْيَدِ كَمَا اِقْتَرَحُوا وَبَالَغُوا فِي مَيْزه وَتَقْلِيبه جَسًّا بِأَيْدِيهِمْ لِيَرْتَفِع كُلّ اِرْتِيَاب وَيَزُول عَنْهُمْ كُلّ إِشْكَال , لَعَانَدُوا فِيهِ وَتَابَعُوا كُفْرهمْ , وَقَالُوا : سِحْر مُبِين إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارنَا وَسُحِرْنَا ; وَهَذِهِ الْآيَة جَوَاب لِقَوْلِهِمْ : " حَتَّى تُنَزِّل عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ " [ الْإِسْرَاء : 93 ] فَأَعْلَمَ اللَّه بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمه مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَزَّلَ لَكَذَّبُوا بِهِ . قَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة وَنَوْفَل بْن خُوَيْلِد قَالُوا : " لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تُفَجِّر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا " [ الْإِسْرَاء : 90 ] الْآيَة .
أَيْ فَعَايَنُوا ذَلِكَ وَمَسُّوهُ بِالْيَدِ كَمَا اِقْتَرَحُوا وَبَالَغُوا فِي مَيْزه وَتَقْلِيبه جَسًّا بِأَيْدِيهِمْ لِيَرْتَفِع كُلّ اِرْتِيَاب وَيَزُول عَنْهُمْ كُلّ إِشْكَال , لَعَانَدُوا فِيهِ وَتَابَعُوا كُفْرهمْ , وَقَالُوا : سِحْر مُبِين إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارنَا وَسُحِرْنَا ; وَهَذِهِ الْآيَة جَوَاب لِقَوْلِهِمْ : " حَتَّى تُنَزِّل عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ " [ الْإِسْرَاء : 93 ] فَأَعْلَمَ اللَّه بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمه مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَزَّلَ لَكَذَّبُوا بِهِ . قَالَ الْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة وَنَوْفَل بْن خُوَيْلِد قَالُوا : " لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تُفَجِّر لَنَا مِنْ الْأَرْض يَنْبُوعًا " [ الْإِسْرَاء : 90 ] الْآيَة .
وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ↓
اِقْتَرَحُوا هَذَا أَيْضًا و " لَوْلَا " بِمَعْنَى هَلَّا .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَوْ رَأَوْا الْمَلَك عَلَى صُورَته لَمَاتُوا إِذْ لَا يُطِيقُونَ رُؤْيَته . مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : لَقَامَتْ السَّاعَة . قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : لَأُهْلِكُوا بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَال ; لِأَنَّ اللَّه أَجْرَى سُنَّته بِأَنَّ مَنْ طَلَبَ آيَة فَأُظْهِرَتْ لَهُ فَلَمْ يُؤْمِن أَهْلَكَهُ اللَّه فِي الْحَال .
أَيْ لَا يُمْهَلُونَ وَلَا يُؤَخَّرُونَ .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَوْ رَأَوْا الْمَلَك عَلَى صُورَته لَمَاتُوا إِذْ لَا يُطِيقُونَ رُؤْيَته . مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : لَقَامَتْ السَّاعَة . قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : لَأُهْلِكُوا بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَال ; لِأَنَّ اللَّه أَجْرَى سُنَّته بِأَنَّ مَنْ طَلَبَ آيَة فَأُظْهِرَتْ لَهُ فَلَمْ يُؤْمِن أَهْلَكَهُ اللَّه فِي الْحَال .
أَيْ لَا يُمْهَلُونَ وَلَا يُؤَخَّرُونَ .
أَيْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرَوْا الْمَلَك فِي صُورَته إِلَّا بَعْد التَّجَسُّم بِالْأَجْسَامِ الْكَثِيفَة ; لِأَنَّ كُلّ جِنْس يَأْنَس بِجِنْسِهِ وَيَنْفِر مِنْ غَيْر جِنْسه ; فَلَوْ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى الرَّسُول إِلَى الْبَشَر مَلَكًا لَنَفَرُوا مِنْ مُقَارَبَته , وَلَمَا أَنِسُوا بِهِ , وَلَدَاخَلَهُمْ مِنْ الرُّعْب مِنْ كَلَامه وَالِاتِّقَاء لَهُ مَا يَكْفِهِمْ عَنْ كَلَامه , وَيَمْنَعهُمْ عَنْ سُؤَاله , فَلَا تَعُمّ الْمَصْلَحَة ; وَلَوْ نَقَلَهُ عَنْ صُورَة الْمَلَائِكَة إِلَى مِثْل صُورَتهمْ لِيَأْنَسُوا بِهِ وَلِيَسْكُنُوا إِلَيْهِ لَقَالُوا : لَسْت مَلَكًا وَإِنَّمَا أَنْتَ بَشَر فَلَا نُؤْمِن بِك وَعَادُوا إِلَى مِثْل حَالهمْ . وَكَانَتْ الْمَلَائِكَة تَأْتِي الْأَنْبِيَاء فِي صُورَة الْبَشَر فَأَتَوْا إِبْرَاهِيم وَلُوطًا فِي صُورَة الْآدَمِيِّينَ , وَأَتَى جِبْرِيل النَّبِيّ عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي صُورَة دِحْيَة الْكَلْبِيّ أَيْ لَوْ أَنْزَلَ مَلَك لَرَأَوْهُ فِي صُورَة رَجُل كَمَا جَرَتْ عَادَة الْأَنْبِيَاء , وَلَوْ نَزَلَ عَلَى عَادَته لَمْ يَرَوْهُ ; فَإِذَا جَعَلْنَاهُ رَجُلًا اِلْتَبَسَ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا يَقُولُونَ : هَذَا سَاحِر مِثْلك .
وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى أَيْ عَلَى رُؤَسَائِهِمْ كَمَا يَلْبِسُونَ عَلَى ضَعَفَتهمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُمْ إِنَّمَا مُحَمَّد بَشَر وَلَيْسَ بَيْنه وَبَيْنكُمْ فَرْق فَيَلْبِسُونَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا وَيُشَكِّكُونَهُمْ ; فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ مَلَكًا فِي صُورَة رَجُل لَوَجَدُوا سَبِيلًا إِلَى اللَّبْس كَمَا يَفْعَلُونَ . وَاللَّبْس الْخَلْط ; يُقَال : لَبَسْت عَلَيْهِ الْأَمْر أُلْبِسَهُ لَبْسًا أَيْ خَلَطْته ; وَأَصْله التَّسَتُّر بِالثَّوْبِ وَنَحْوه وَقَالَ : " لَبَسْنَا " بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَفْسه عَلَى جِهَة الْخَلْق , وَقَالَ " مَا يَلْبِسُونَ " فَأَضَافَ إِلَيْهِمْ عَلَى جِهَة الِاكْتِسَاب .
وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى أَيْ عَلَى رُؤَسَائِهِمْ كَمَا يَلْبِسُونَ عَلَى ضَعَفَتهمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُمْ إِنَّمَا مُحَمَّد بَشَر وَلَيْسَ بَيْنه وَبَيْنكُمْ فَرْق فَيَلْبِسُونَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا وَيُشَكِّكُونَهُمْ ; فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ مَلَكًا فِي صُورَة رَجُل لَوَجَدُوا سَبِيلًا إِلَى اللَّبْس كَمَا يَفْعَلُونَ . وَاللَّبْس الْخَلْط ; يُقَال : لَبَسْت عَلَيْهِ الْأَمْر أُلْبِسَهُ لَبْسًا أَيْ خَلَطْته ; وَأَصْله التَّسَتُّر بِالثَّوْبِ وَنَحْوه وَقَالَ : " لَبَسْنَا " بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَفْسه عَلَى جِهَة الْخَلْق , وَقَالَ " مَا يَلْبِسُونَ " فَأَضَافَ إِلَيْهِمْ عَلَى جِهَة الِاكْتِسَاب .
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ↓
ثُمَّ قَالَ مُؤْنِسًا لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمُعَزِّيًا : " وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلك فَحَاقَ " أَيْ نَزَلَ بِأُمَمِهِمْ مِنْ الْعَذَاب مَا أُهْلِكُوا بِهِ جَزَاء اِسْتِهْزَائِهِمْ بِأَنْبِيَائِهِمْ . حَاقَ بِالشَّيْءِ يَحِيق حَيْقًا وَحُيُوقًا وَحَيْقَانًا نَزَلَ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ " [ فَاطِر : 43 ] .
و " مَا " فِي قَوْله : " مَا كَانُوا " بِمَعْنَى الَّذِي وَقِيلَ : بِمَعْنَى الْمَصْدَر أَيْ حَاقَ بِهِمْ عَاقِبَة اِسْتِهْزَائِهِمْ .
و " مَا " فِي قَوْله : " مَا كَانُوا " بِمَعْنَى الَّذِي وَقِيلَ : بِمَعْنَى الْمَصْدَر أَيْ حَاقَ بِهِمْ عَاقِبَة اِسْتِهْزَائِهِمْ .
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِئِينَ الْمُسْتَسْخِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ : سَافِرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا وَاسْتَخْبِرُوا لِتَعْرِفُوا مَا حَلَّ بِالْكَفَرَةِ قَبْلكُمْ مِنْ الْعِقَاب وَأَلِيم الْعَذَاب وَهَذَا السَّفَر مَنْدُوب إِلَيْهِ إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيل الِاعْتِبَار بِآثَارِ مَنْ خَلَا مِنْ الْأُمَم وَأَهْل الدِّيَار , وَالْعَاقِبَة آخِر الْأَمْر . وَالْمُكَذِّبُونَ هُنَا مَنْ كَذَّبَ الْحَقّ وَأَهْله لَا مَنْ كَذَّبَ بِالْبَاطِلِ .
قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ↓
هَذَا أَيْضًا اِحْتِجَاج عَلَيْهِمْ ; الْمَعْنَى قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : " لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض " فَإِنْ قَالُوا لِمَنْ هُوَ ؟ فَقُلْ هُوَ " لِلَّهِ " الْمَعْنَى : إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنَّهُ خَالِق الْكُلّ إِمَّا بِاعْتِرَافِهِمْ أَوْ بِقِيَامِ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ , فَاَللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يُعَاجِلهُمْ بِالْعِقَابِ وَيَبْعَثهُمْ بَعْد الْمَوْت .
الْمَعْنَى : إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنَّهُ خَالِق الْكُلّ إِمَّا بِاعْتِرَافِهِمْ أَوْ بِقِيَامِ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ , فَاَللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يُعَاجِلهُمْ بِالْعِقَابِ وَيَبْعَثهُمْ بَعْد الْمَوْت وَلَكِنَّهُ " كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة " أَيْ وَعَدَ بِهَا فَضْلًا مِنْهُ وَكَرَمًا فَلِذَلِكَ أُمْهِلَ وَذِكْر النَّفْس هُنَا عِبَارَة عَنْ وُجُوده وَتَأْكِيد وَعْده , وَارْتِفَاع الْوَسَائِط دُونه ; وَمَعْنَى الْكَلَام الِاسْتِعْطَاف مِنْهُ تَعَالَى لِلْمُتَوَلِّينَ عَنْهُ إِلَى الْإِقْبَال إِلَيْهِ , وَإِخْبَار مِنْهُ سُبْحَانه بِأَنَّهُ رَحِيم بِعِبَادِهِ لَا يَعْجَل عَلَيْهِمْ بِالْعُقُوبَةِ , وَيَقْبَل مِنْهُمْ الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُوله اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَاب عَلَى نَفْسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي ) أَيْ لَمَّا أَظْهَرَ قَضَاءَهُ وَأَبْرَزَهُ لِمَنْ شَاءَ أَظْهَرَ كِتَابًا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَوْ فِيمَا شَاءَهُ مُقْتَضَاهُ خَبَر حَقّ وَوَعْد صِدْق " إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي " أَيْ تَسْبِقهُ وَتَزِيد عَلَيْهِ .
اللَّام لَام الْقَسَم , وَالنُّون نُون التَّأْكِيد . وَقَالَ الْفَرَّاء وَغَيْره : يَجُوز أَنْ يَكُون تَمَام الْكَلَام عِنْد قَوْله : " الرَّحْمَة " وَيَكُون مَا بَعْده مُسْتَأْنَفًا عَلَى جِهَة التَّبْيِين ; فَيَكُون مَعْنَى " لَيَجْمَعَنكُمْ " لَيُمْهِلَنكُمْ وَلَيُؤَخِّرْنَ جَمْعكُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَيَجْمَعَنكُمْ أَيْ فِي الْقُبُور إِلَى الْيَوْم الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ . وَقِيلَ : ( إِلَى ) بِمَعْنَى فِي , أَيْ لَيَجْمَعَنكُمْ فِي يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون مَوْضِع " لَيَجْمَعَنكُمْ " نَصْبًا عَلَى الْبَدَل مِنْ الرَّحْمَة ; فَتَكُون اللَّام بِمَعْنَى ( أَنْ ) الْمَعْنَى : كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسه لَيَجْمَعَنكُمْ , أَيْ أَنْ يَجْمَعكُمْ ; وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِير مِنْ النَّحْوِيِّينَ فِي قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْد مَا رَأَوْا الْآيَات لَيَسْجُنُنَّهُ " [ يُوسُف : 35 ] أَيْ أَنْ يَسْجُنُوهُ . وَقِيلَ : مَوْضِعه نَصْب ب ( كَتَبَ ) ; كَمَا تَكُون ( أَنَّ ) فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ " [ الْأَنْعَام : 54 ] وَذَلِكَ أَنَّهُ مُفَسِّر لِلرَّحْمَةِ بِالْإِمْهَالِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; عَنْ الزَّجَّاج .
لَا شَكّ فِيهِ .
اِبْتِدَاء وَخَبَر , قَالَهُ الزَّجَّاج , وَهُوَ أَجْوَد مَا قِيلَ فِيهِ ; تَقُول : الَّذِي يُكْرِمنِي فَلَهُ دِرْهَم , فَالْفَاء تَتَضَمَّن مَعْنَى الشَّرْط وَالْجَزَاء . وَقَالَ الْأَخْفَش : إِنْ شِئْت كَانَ ( الَّذِينَ ) فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْبَدَل مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي ( لَيَجْمَعَنكُمْ ) أَيْ لَيَجْمَعَنَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ ; وَأَنْكَرَهُ الْمُبَرِّد وَزَعَمَ أَنَّهُ خَطَأ ; لِأَنَّهُ لَا يُبَدَّل مِنْ الْمُخَاطَب وَلَا مِنْ الْمُخَاطِب , لَا يُقَال : مَرَرْت بِك زَيْد وَلَا مَرَرْت بِي زَيْد لِأَنَّ هَذَا لَا يُشْكِل فَيُبَيَّن . قَالَ الْقُتَبِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون ( الَّذِينَ ) جَزَاء عَلَى الْبَدَل مِنْ ( الْمُكَذِّبِينَ ) الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرهمْ . أَوْ عَلَى النَّعْت لَهُمْ . وَقِيلَ : ( الَّذِينَ ) نِدَاء مُفْرَد .
الْمَعْنَى : إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنَّهُ خَالِق الْكُلّ إِمَّا بِاعْتِرَافِهِمْ أَوْ بِقِيَامِ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ , فَاَللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يُعَاجِلهُمْ بِالْعِقَابِ وَيَبْعَثهُمْ بَعْد الْمَوْت وَلَكِنَّهُ " كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة " أَيْ وَعَدَ بِهَا فَضْلًا مِنْهُ وَكَرَمًا فَلِذَلِكَ أُمْهِلَ وَذِكْر النَّفْس هُنَا عِبَارَة عَنْ وُجُوده وَتَأْكِيد وَعْده , وَارْتِفَاع الْوَسَائِط دُونه ; وَمَعْنَى الْكَلَام الِاسْتِعْطَاف مِنْهُ تَعَالَى لِلْمُتَوَلِّينَ عَنْهُ إِلَى الْإِقْبَال إِلَيْهِ , وَإِخْبَار مِنْهُ سُبْحَانه بِأَنَّهُ رَحِيم بِعِبَادِهِ لَا يَعْجَل عَلَيْهِمْ بِالْعُقُوبَةِ , وَيَقْبَل مِنْهُمْ الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُوله اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَاب عَلَى نَفْسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي ) أَيْ لَمَّا أَظْهَرَ قَضَاءَهُ وَأَبْرَزَهُ لِمَنْ شَاءَ أَظْهَرَ كِتَابًا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَوْ فِيمَا شَاءَهُ مُقْتَضَاهُ خَبَر حَقّ وَوَعْد صِدْق " إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي " أَيْ تَسْبِقهُ وَتَزِيد عَلَيْهِ .
اللَّام لَام الْقَسَم , وَالنُّون نُون التَّأْكِيد . وَقَالَ الْفَرَّاء وَغَيْره : يَجُوز أَنْ يَكُون تَمَام الْكَلَام عِنْد قَوْله : " الرَّحْمَة " وَيَكُون مَا بَعْده مُسْتَأْنَفًا عَلَى جِهَة التَّبْيِين ; فَيَكُون مَعْنَى " لَيَجْمَعَنكُمْ " لَيُمْهِلَنكُمْ وَلَيُؤَخِّرْنَ جَمْعكُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَيَجْمَعَنكُمْ أَيْ فِي الْقُبُور إِلَى الْيَوْم الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ . وَقِيلَ : ( إِلَى ) بِمَعْنَى فِي , أَيْ لَيَجْمَعَنكُمْ فِي يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون مَوْضِع " لَيَجْمَعَنكُمْ " نَصْبًا عَلَى الْبَدَل مِنْ الرَّحْمَة ; فَتَكُون اللَّام بِمَعْنَى ( أَنْ ) الْمَعْنَى : كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسه لَيَجْمَعَنكُمْ , أَيْ أَنْ يَجْمَعكُمْ ; وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِير مِنْ النَّحْوِيِّينَ فِي قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْد مَا رَأَوْا الْآيَات لَيَسْجُنُنَّهُ " [ يُوسُف : 35 ] أَيْ أَنْ يَسْجُنُوهُ . وَقِيلَ : مَوْضِعه نَصْب ب ( كَتَبَ ) ; كَمَا تَكُون ( أَنَّ ) فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ " [ الْأَنْعَام : 54 ] وَذَلِكَ أَنَّهُ مُفَسِّر لِلرَّحْمَةِ بِالْإِمْهَالِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; عَنْ الزَّجَّاج .
لَا شَكّ فِيهِ .
اِبْتِدَاء وَخَبَر , قَالَهُ الزَّجَّاج , وَهُوَ أَجْوَد مَا قِيلَ فِيهِ ; تَقُول : الَّذِي يُكْرِمنِي فَلَهُ دِرْهَم , فَالْفَاء تَتَضَمَّن مَعْنَى الشَّرْط وَالْجَزَاء . وَقَالَ الْأَخْفَش : إِنْ شِئْت كَانَ ( الَّذِينَ ) فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْبَدَل مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي ( لَيَجْمَعَنكُمْ ) أَيْ لَيَجْمَعَنَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ ; وَأَنْكَرَهُ الْمُبَرِّد وَزَعَمَ أَنَّهُ خَطَأ ; لِأَنَّهُ لَا يُبَدَّل مِنْ الْمُخَاطَب وَلَا مِنْ الْمُخَاطِب , لَا يُقَال : مَرَرْت بِك زَيْد وَلَا مَرَرْت بِي زَيْد لِأَنَّ هَذَا لَا يُشْكِل فَيُبَيَّن . قَالَ الْقُتَبِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون ( الَّذِينَ ) جَزَاء عَلَى الْبَدَل مِنْ ( الْمُكَذِّبِينَ ) الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرهمْ . أَوْ عَلَى النَّعْت لَهُمْ . وَقِيلَ : ( الَّذِينَ ) نِدَاء مُفْرَد .
أَيْ ثَبَتَ , وَهَذَا اِحْتِجَاج عَلَيْهِمْ أَيْضًا . وَقِيلَ : نَزَلَتْ الْآيَة لِأَنَّهُمْ قَالُوا : عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا يَحْمِلك عَلَى مَا تَفْعَل إِلَّا الْحَاجَة , فَنَحْنُ نَجْمَع لَك مِنْ أَمْوَالنَا حَتَّى تَصِير أَغْنَانَا ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : أَخْبِرْهُمْ أَنَّ جَمِيع الْأَشْيَاء لِلَّهِ , فَهُوَ قَادِر عَلَى أَنْ يُغْنِينِي . و ( سَكَنَ ) مَعْنَاهُ هَدَأَ وَاسْتَقَرَّ ; وَالْمُرَاد مَا سَكَنَ وَمَا تَحَرَّكَ , فَحُذِفَ لِعِلْمِ السَّامِع . وَقِيلَ : خَصَّ السَّاكِن بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَا يَعُمّهُ السُّكُون أَكْثَر مِمَّا تَعُمّهُ الْحَرَكَة . وَقِيلَ الْمَعْنَى مَا خَلَقَ , فَهُوَ عَام فِي جَمِيع الْمَخْلُوقَات مُتَحَرِّكهَا وَسَاكِنهَا , فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ اللَّيْل وَالنَّهَار ; وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُرَاد بِالسُّكُونِ ضِدّ الْحَرَكَة بَلْ الْمُرَاد الْخَلْق , وَهَذَا أَحْسَن مَا قِيلَ ; لِأَنَّهُ يَجْمَع شَتَات الْأَقْوَال .
لِأَصْوَاتِهِمْ
بِأَسْرَارِهِمْ .
لِأَصْوَاتِهِمْ
بِأَسْرَارِهِمْ .
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ↓
مَفْعُولَانِ ; لَمَّا دَعَوْهُ إِلَى عِبَادَة الْأَصْنَام دِين آبَائِهِ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " قُلْ " يَا مُحَمَّد : " أَغْيَر اللَّه أَتَّخِذ وَلِيًّا " أَيْ رَبًّا وَمَعْبُودًا وَنَاصِرًا دُون اللَّه .
بِالْخَفْضِ عَلَى النَّعْت لِاسْمِ اللَّه ; وَأَجَازَ الْأَخْفَش الرَّفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ . وَقَالَ الزَّجَّاج : وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْمَدْح . أَبُو عَلِيّ الْفَارِسِيّ : وَيَجُوز نَصْبه عَلَى فِعْل مُضْمَر كَأَنَّهُ قَالَ : أَتْرُك فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ لِأَنَّ قَوْله : " أَغْيَر اللَّه أَتَّخِذ وَلِيًّا " يَدُلّ عَلَى تَرْك الْوِلَايَة لَهُ , وَحُسْن إِضْمَاره لِقُوَّةِ هَذِهِ الدَّلَالَة .
كَذَا قِرَاءَة الْعَامَّة , أَيْ يَرْزُق وَلَا يُرْزَق ; دَلِيله عَلَى قَوْله تَعَالَى : " مَا أُرِيد مِنْهُمْ مِنْ رِزْق وَمَا أُرِيد أَنْ يُطْعِمُونَ " [ الذَّارِيَات : 57 ] وَقَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد وَالْأَعْمَش : وَهُوَ يُطْعِم وَلَا يُطْعَم , وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; أَيْ أَنَّهُ يَرْزُق عِبَاده , وَهُوَ سُبْحَانه غَيْر مُحْتَاج إِلَى مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْمَخْلُوقُونَ مِنْ الْغِذَاء . وَقُرِئَ بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْعَيْن فِي الْفِعْلَيْنِ , أَيْ إِنَّ اللَّه يُطْعِم عِبَاده وَيَرْزُقهُمْ وَالْوَلِيّ لَا يُطْعِم نَفْسه وَلَا مَنْ يَتَّخِذهُ . وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاء وَالْعَيْن فِي الْأَوَّل أَيْ الْوَلِيّ ( وَلَا يُطْعِم ) بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْعَيْن . وَخَصَّ الْإِطْعَام بِالذِّكْرِ دُون غَيْره مِنْ ضُرُوب الْإِنْعَام ; لِأَنَّ الْحَاجَة إِلَيْهِ أَمَسّ لِجَمِيعِ الْأَنَام .
أَيْ اِسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : أَوَّل مَنْ أَخْلَصَ أَيْ مِنْ قَوْمِي وَأُمَّتِي ; عَنْ الْحَسَن وَغَيْره .
أَيْ وَقِيلَ لِي : " وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " .
بِالْخَفْضِ عَلَى النَّعْت لِاسْمِ اللَّه ; وَأَجَازَ الْأَخْفَش الرَّفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإٍ . وَقَالَ الزَّجَّاج : وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْمَدْح . أَبُو عَلِيّ الْفَارِسِيّ : وَيَجُوز نَصْبه عَلَى فِعْل مُضْمَر كَأَنَّهُ قَالَ : أَتْرُك فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ لِأَنَّ قَوْله : " أَغْيَر اللَّه أَتَّخِذ وَلِيًّا " يَدُلّ عَلَى تَرْك الْوِلَايَة لَهُ , وَحُسْن إِضْمَاره لِقُوَّةِ هَذِهِ الدَّلَالَة .
كَذَا قِرَاءَة الْعَامَّة , أَيْ يَرْزُق وَلَا يُرْزَق ; دَلِيله عَلَى قَوْله تَعَالَى : " مَا أُرِيد مِنْهُمْ مِنْ رِزْق وَمَا أُرِيد أَنْ يُطْعِمُونَ " [ الذَّارِيَات : 57 ] وَقَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد وَالْأَعْمَش : وَهُوَ يُطْعِم وَلَا يُطْعَم , وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; أَيْ أَنَّهُ يَرْزُق عِبَاده , وَهُوَ سُبْحَانه غَيْر مُحْتَاج إِلَى مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْمَخْلُوقُونَ مِنْ الْغِذَاء . وَقُرِئَ بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْعَيْن فِي الْفِعْلَيْنِ , أَيْ إِنَّ اللَّه يُطْعِم عِبَاده وَيَرْزُقهُمْ وَالْوَلِيّ لَا يُطْعِم نَفْسه وَلَا مَنْ يَتَّخِذهُ . وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاء وَالْعَيْن فِي الْأَوَّل أَيْ الْوَلِيّ ( وَلَا يُطْعِم ) بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْعَيْن . وَخَصَّ الْإِطْعَام بِالذِّكْرِ دُون غَيْره مِنْ ضُرُوب الْإِنْعَام ; لِأَنَّ الْحَاجَة إِلَيْهِ أَمَسّ لِجَمِيعِ الْأَنَام .
أَيْ اِسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : أَوَّل مَنْ أَخْلَصَ أَيْ مِنْ قَوْمِي وَأُمَّتِي ; عَنْ الْحَسَن وَغَيْره .
أَيْ وَقِيلَ لِي : " وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " .
أَيْ بِعِبَادَةِ غَيْره أَنْ يُعَذِّبنِي , وَالْخَوْف تَوَقُّع الْمَكْرُوه . قَالَ اِبْن عَبَّاس : " أَخَاف " هُنَا بِمَعْنَى أَعْلَم .
أَيْ الْعَذَاب " يَوْمئِذٍ " يَوْم الْقِيَامَة " فَقَدْ رَحِمَهُ " أَيْ فَازَ وَنَجَا وَرَحِمَ .
وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " مَنْ يَصْرِف " بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم وَأَبِي عُبَيْد ; لِقَوْلِهِ : " قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض قُلْ لِلَّهِ " وَلِقَوْلِهِ : " فَقَدْ رَحِمَهُ " وَلَمْ يَقُلْ رُحِمَ عَلَى الْمَجْهُول , وَلِقِرَاءَةِ أُبَيّ " مَنْ يَصْرِفهُ اللَّه عَنْهُ " وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ الْقِرَاءَة الْأُولَى - قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَأَبِي عَمْرو - قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَكُلَّمَا قَلَّ الْإِضْمَار فِي الْكَلَام كَانَ أَوْلَى ; فَأَمَّا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " مَنْ يَصْرِف " بِفَتْحِ الْيَاء فَتَقْدِيره : مَنْ يَصْرِف اللَّه عَنْهُ الْعَذَاب , وَإِذَا قُرِئَ ( مَنْ يُصْرَف عَنْهُ ) فَتَقْدِيره : مَنْ يُصْرَف عَنْهُ الْعَذَاب .
أَيْ النَّجَاة الْبَيِّنَة .
وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " مَنْ يَصْرِف " بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الرَّاء , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي حَاتِم وَأَبِي عُبَيْد ; لِقَوْلِهِ : " قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض قُلْ لِلَّهِ " وَلِقَوْلِهِ : " فَقَدْ رَحِمَهُ " وَلَمْ يَقُلْ رُحِمَ عَلَى الْمَجْهُول , وَلِقِرَاءَةِ أُبَيّ " مَنْ يَصْرِفهُ اللَّه عَنْهُ " وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ الْقِرَاءَة الْأُولَى - قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَأَبِي عَمْرو - قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَكُلَّمَا قَلَّ الْإِضْمَار فِي الْكَلَام كَانَ أَوْلَى ; فَأَمَّا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " مَنْ يَصْرِف " بِفَتْحِ الْيَاء فَتَقْدِيره : مَنْ يَصْرِف اللَّه عَنْهُ الْعَذَاب , وَإِذَا قُرِئَ ( مَنْ يُصْرَف عَنْهُ ) فَتَقْدِيره : مَنْ يُصْرَف عَنْهُ الْعَذَاب .
أَيْ النَّجَاة الْبَيِّنَة .
وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْمَسّ وَالْكَشْف مِنْ صِفَات الْأَجْسَام , وَهُوَ هُنَا مَجَاز وَتَوَسُّع ; وَالْمَعْنَى : إِنْ تَنْزِل بِك يَا مُحَمَّد شِدَّة مِنْ فَقْر أَوْ مَرَض فَلَا رَافِع وَصَارِف لَهُ إِلَّا هُوَ , وَإِنْ يُصِبْك بِعَافِيَةٍ وَرَخَاء وَنِعْمَة
مِنْ الْخَيْر وَالضُّرّ رَوَى اِبْن عَبَّاس قَالَ : كُنْت رَدِيف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي : ( يَا غُلَام - أَوْ يَا بُنَيّ - أَلَا أُعَلِّمك كَلِمَات يَنْفَعك اللَّه بِهِنَّ ) ؟ فَقُلْت : بَلَى ; فَقَالَ : ( اِحْفَظْ اللَّه يَحْفَظك اِحْفَظْ اللَّه تَجِدهُ أَمَامك تَعَرَّفْ إِلَى اللَّه فِي الرَّخَاء يَعْرِفك فِي الشِّدَّة إِذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّه وَإِذَا اِسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ فَقَدْ جَفَّ الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن فَلَوْ أَنَّ الْخَلْق كُلّهمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّه لَك لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ وَالْيَقِين وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْر عَلَى مَا تَكْرَه خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَنَّ الْفَرَج مَعَ الْكَرْب وَأَنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا ) أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْر بْن ثَابِت الْخَطِيب فِي كِتَاب ( الْفَصْل وَالْوَصْل ) وَهُوَ حَدِيث صَحِيح ; وَقَدْ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ , وَهَذَا أَتَمّ .
مِنْ الْخَيْر وَالضُّرّ رَوَى اِبْن عَبَّاس قَالَ : كُنْت رَدِيف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي : ( يَا غُلَام - أَوْ يَا بُنَيّ - أَلَا أُعَلِّمك كَلِمَات يَنْفَعك اللَّه بِهِنَّ ) ؟ فَقُلْت : بَلَى ; فَقَالَ : ( اِحْفَظْ اللَّه يَحْفَظك اِحْفَظْ اللَّه تَجِدهُ أَمَامك تَعَرَّفْ إِلَى اللَّه فِي الرَّخَاء يَعْرِفك فِي الشِّدَّة إِذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّه وَإِذَا اِسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ فَقَدْ جَفَّ الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن فَلَوْ أَنَّ الْخَلْق كُلّهمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّه لَك لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ وَالْيَقِين وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْر عَلَى مَا تَكْرَه خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَنَّ الْفَرَج مَعَ الْكَرْب وَأَنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا ) أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْر بْن ثَابِت الْخَطِيب فِي كِتَاب ( الْفَصْل وَالْوَصْل ) وَهُوَ حَدِيث صَحِيح ; وَقَدْ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ , وَهَذَا أَتَمّ .
الْقَهْر الْغَلَبَة , وَالْقَاهِر الْغَالِب , وَأُقْهِرَ الرَّجُل إِذَا صُيِّرَ بِحَالِ الْمَقْهُور الذَّلِيل ; قَالَ الشَّاعِر : تَمَنَّى حُصَيْن أَنْ يَسُود جِذَاعه فَأَمْسَى حُصَيْن قَدْ أَذَلَّ وَأَقْهَرَا وَقُهِرَ غُلِبَ . وَمَعْنَى ( فَوْق عِبَاده ) فَوْقِيَّة الِاسْتِعْلَاء بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَة عَلَيْهِمْ ; أَيْ هُمْ تَحْت تَسْخِيره لَا فَوْقِيَّة مَكَان ; كَمَا تَقُول : السُّلْطَان فَوْق رَعِيَّته أَيْ بِالْمَنْزِلَةِ وَالرِّفْعَة . وَفِي الْقَهْر مَعْنَى زَائِد لَيْسَ فِي الْقُدْرَة , وَهُوَ مَنْع غَيْره عَنْ بُلُوغ الْمُرَاد .
فِي أَمْره
بِأَعْمَالِ عِبَاده , أَيْ مَنْ اِتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَات يَجِب أَلَّا يُشْرَك بِهِ .
فِي أَمْره
بِأَعْمَالِ عِبَاده , أَيْ مَنْ اِتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَات يَجِب أَلَّا يُشْرَك بِهِ .
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ↓
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَشْهَد لَك بِأَنَّك رَسُول اللَّه فَنَزَلَتْ الْآيَة ; عَنْ الْحَسَن وَغَيْره . وَلَفْظ ( شَيْء ) هُنَا وَاقِع مَوْقِع اِسْم اللَّه تَعَالَى ; الْمَعْنَى اللَّه أَكْبَر شَهَادَة أَيْ اِنْفِرَاده بِالرُّبُوبِيَّةِ , وَقِيَام الْبَرَاهِين عَلَى تَوْحِيده أَكْبَر شَهَادَة وَأَعْظَم ; فَهُوَ شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ عَلَى أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُكُمْ وَصَدَقْت فِيمَا قُلْته وَادَّعَيْته مِنْ الرِّسَالَة .
أَيْ وَالْقُرْآن شَاهِد بِنُبُوَّتِي .
يَا أَهْل مَكَّة .
أَيْ وَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن . فَحَذَفَ ( الْهَاء ) لِطُولِ الْكَلَام . وَقِيلَ : وَمَنْ بَلَغَ الْحُلُم . وَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغ الْحُلُم لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ وَلَا مُتَعَبَّد . وَتَبْلِيغ الْقُرْآن وَالسُّنَّة مَأْمُور بِهِمَا , كَمَا أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْلِيغِهِمَا ; فَقَالَ : " يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك " [ الْمَائِدَة : 67 ] . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَة وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَلَا حَرَج وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار ) . وَفِي الْخَبَر أَيْضًا ; مَنْ بَلَّغْته آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه فَقَدْ بَلَغَهُ أَمْر اللَّه أَخَذَ بِهِ أَوْ تَرَكَهُ . وَقَالَ مُقَاتِل : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس فَهُوَ نَذِير لَهُ . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَكَأَنَّمَا قَدْ رَأَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ مِنْهُ . وَقَرَأَ أَبُو نُهَيْك : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن ) مُسَمَّى الْفَاعِل ; وَهُوَ مَعْنَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة .
اِسْتِفْهَام تَوْبِيخ وَتَقْرِيع . وَقُرِئَ ( أَئِنَّكُمْ ) بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الْأَصْل . وَإِنْ خُفِّفَتْ الثَّانِيَة قُلْت : ( أَيِنَّكُمْ ) . وَرَوَى الْأَصْمَعِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو وَنَافِع ( آئِنكُمْ ) ; وَهَذِهِ لُغَة مَعْرُوفَة , تَجْعَل بَيْن الْهَمْزَتَيْنِ أَلِف كَرَاهَة لِالْتِقَائِهِمَا ; قَالَ الشَّاعِر : أَيَا ظَبْيَة الْوَعْسَاء بَيْن جَلَاجِل وَبَيْن النَّقَا آأَنْت أَمْ أُمّ سَالِم وَمَنْ قَرَأَ " إِنَّكُمْ " عَلَى الْخَبَر فَعَلَى أَنَّهُ قَدْ حُقِّقَ عَلَيْهِمْ شِرْكهمْ . وَقَالَ : " آلِهَة أُخْرَى " وَلَمْ يَقُلْ : ( أُخَر ) ; قَالَ الْفَرَّاء : لِأَنَّ الْآلِهَة جَمْع وَالْجَمْع يَقَع عَلَيْهِ التَّأْنِيث ; وَمِنْهُ قَوْله : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [ الْأَعْرَاف : 181 ] , وَقَوْله : " فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى " [ طه : 51 ] وَلَوْ قَالَ : الْأَوَّل وَالْآخِر صَحَّ أَيْضًا .
أَيْ فَأَنَا لَا أَشْهَد مَعَكُمْ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ وَنَظِيره " فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَد مَعَهُمْ " [ الْأَنْعَام : 150 ] .
أَيْ وَالْقُرْآن شَاهِد بِنُبُوَّتِي .
يَا أَهْل مَكَّة .
أَيْ وَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن . فَحَذَفَ ( الْهَاء ) لِطُولِ الْكَلَام . وَقِيلَ : وَمَنْ بَلَغَ الْحُلُم . وَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغ الْحُلُم لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ وَلَا مُتَعَبَّد . وَتَبْلِيغ الْقُرْآن وَالسُّنَّة مَأْمُور بِهِمَا , كَمَا أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْلِيغِهِمَا ; فَقَالَ : " يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك " [ الْمَائِدَة : 67 ] . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَة وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَلَا حَرَج وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار ) . وَفِي الْخَبَر أَيْضًا ; مَنْ بَلَّغْته آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه فَقَدْ بَلَغَهُ أَمْر اللَّه أَخَذَ بِهِ أَوْ تَرَكَهُ . وَقَالَ مُقَاتِل : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس فَهُوَ نَذِير لَهُ . وَقَالَ الْقُرَظِيّ : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَكَأَنَّمَا قَدْ رَأَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ مِنْهُ . وَقَرَأَ أَبُو نُهَيْك : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن ) مُسَمَّى الْفَاعِل ; وَهُوَ مَعْنَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة .
اِسْتِفْهَام تَوْبِيخ وَتَقْرِيع . وَقُرِئَ ( أَئِنَّكُمْ ) بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الْأَصْل . وَإِنْ خُفِّفَتْ الثَّانِيَة قُلْت : ( أَيِنَّكُمْ ) . وَرَوَى الْأَصْمَعِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو وَنَافِع ( آئِنكُمْ ) ; وَهَذِهِ لُغَة مَعْرُوفَة , تَجْعَل بَيْن الْهَمْزَتَيْنِ أَلِف كَرَاهَة لِالْتِقَائِهِمَا ; قَالَ الشَّاعِر : أَيَا ظَبْيَة الْوَعْسَاء بَيْن جَلَاجِل وَبَيْن النَّقَا آأَنْت أَمْ أُمّ سَالِم وَمَنْ قَرَأَ " إِنَّكُمْ " عَلَى الْخَبَر فَعَلَى أَنَّهُ قَدْ حُقِّقَ عَلَيْهِمْ شِرْكهمْ . وَقَالَ : " آلِهَة أُخْرَى " وَلَمْ يَقُلْ : ( أُخَر ) ; قَالَ الْفَرَّاء : لِأَنَّ الْآلِهَة جَمْع وَالْجَمْع يَقَع عَلَيْهِ التَّأْنِيث ; وَمِنْهُ قَوْله : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [ الْأَعْرَاف : 181 ] , وَقَوْله : " فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى " [ طه : 51 ] وَلَوْ قَالَ : الْأَوَّل وَالْآخِر صَحَّ أَيْضًا .
أَيْ فَأَنَا لَا أَشْهَد مَعَكُمْ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ وَنَظِيره " فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَد مَعَهُمْ " [ الْأَنْعَام : 150 ] .
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ↓
يُرِيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ عَرَفُوا وَعَانَدُوا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي الْبَقَرَة و ( الَّذِينَ ) فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ . " يَعْرِفُونَهُ " فِي مَوْضِع الْخَبَر ; أَيْ يَعْرِفُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة , وَهُوَ قَوْل الزَّجَّاج . وَقِيلَ : يَعُود عَلَى الْكِتَاب , أَيْ يَعْرِفُونَهُ عَلَى مَا يَدُلّ عَلَيْهِ , أَيْ عَلَى الصِّفَة الَّتِي هُوَ بِهَا مِنْ دَلَالَته عَلَى صِحَّة أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآله .
" الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ " فِي مَوْضِع النَّعْت ; وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ وَخَبَره " فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " .
" الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ " فِي مَوْضِع النَّعْت ; وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ وَخَبَره " فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " .
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ↓
اِبْتِدَاء وَخَبَر أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم
أَيْ اِخْتَلَقَ
يُرِيد الْقُرْآن وَالْمُعْجِزَات .
قِيلَ : مَعْنَاهُ فِي الدُّنْيَا .
أَيْ اِخْتَلَقَ
يُرِيد الْقُرْآن وَالْمُعْجِزَات .
قِيلَ : مَعْنَاهُ فِي الدُّنْيَا .
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ↓
ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ " وَيَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا " عَلَى مَعْنَى وَاذْكُرْ " يَوْم نَحْشُرهُمْ " وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَوْم نَحْشُرهُمْ ; فَلَا يُوقَف عَلَى هَذَا التَّقْدِير عَلَى قَوْله : ( الظَّالِمُونَ ) لِأَنَّهُ مُتَّصِل . وَقِيلَ : هُوَ مُتَعَلِّق بِمَا بَعْده وَهُوَ ( اُنْظُرْ ) أَيْ اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا يَوْم نَحْشُرهُمْ ; أَيْ كَيْفَ يَكْذِبُونَ يَوْم نَحْشُرهُمْ ؟ .
سُؤَال إِفْضَاح لَا إِفْصَاح .
أَيْ فِي أَنَّهُمْ شُفَعَاء لَكُمْ عِنْد اللَّه بِزَعْمِكُمْ , وَأَنَّهَا تُقَرِّبكُمْ مِنْهُ زُلْفَى ; وَهَذَا تَوْبِيخ لَهُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كُلّ زَعْم فِي الْقُرْآن فَهُوَ كَذِب .
سُؤَال إِفْضَاح لَا إِفْصَاح .
أَيْ فِي أَنَّهُمْ شُفَعَاء لَكُمْ عِنْد اللَّه بِزَعْمِكُمْ , وَأَنَّهَا تُقَرِّبكُمْ مِنْهُ زُلْفَى ; وَهَذَا تَوْبِيخ لَهُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كُلّ زَعْم فِي الْقُرْآن فَهُوَ كَذِب .
الْفِتْنَة الِاخْتِبَار أَيْ لَمْ يَكُنْ جَوَابهمْ حِين اُخْتُبِرُوا بِهَذَا السُّؤَال , وَرَأَوْا الْحَقَائِق , وَارْتَفَعَتْ الدَّوَاعِي .
تَبْرَءُوا مِنْ الشِّرْك وَانْتَفَوْا مِنْهُ لِمَا رَأَوْا مِنْ تَجَاوُزِهِ وَمَغْفِرَته لِلْمُؤْمِنِينَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَغْفِر اللَّه تَعَالَى لِأَهْلِ الْإِخْلَاص ذُنُوبهمْ , وَلَا يَتَعَاظَم عَلَيْهِ ذَنْب أَنْ يَغْفِرهُ , فَإِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ ; قَالُوا إِنَّ رَبّنَا يَغْفِر الذُّنُوب وَلَا يَغْفِر الشِّرْك فَتَعَالَوْا نَقُول إِنَّا كُنَّا أَهْل ذُنُوب وَلَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : أَمَا إِذْ كَتَمُوا الشِّرْك فَاخْتِمُوا عَلَى أَفْوَاههمْ , فَيُخْتَم عَلَى أَفْوَاههمْ , فَتَنْطِق أَيْدِيهمْ وَتَشْهَد أَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ , فَعِنْد ذَلِكَ يَعْرِف الْمُشْرِكُونَ أَنَّ اللَّه لَا يَكْتُم حَدِيثًا ; فَذَلِكَ قَوْله : " يَوْمئِذٍ يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُول لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الْأَرْض وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " [ النِّسَاء : 42 ] . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة لَطِيف جِدًّا , أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِقَصَصِ الْمُشْرِكِينَ وَافْتِتَانهمْ بِشِرْكِهِمْ , ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ فِتْنَتهمْ لَمْ تَكُنْ حِين رَأَوْا الْحَقَائِق إِلَّا أَنْ اِنْتَفَوْا مِنْ الشِّرْك , وَنَظِير هَذَا فِي اللُّغَة أَنْ تَرَى إِنْسَانًا يُحِبّ غَاوِيًا فَإِذَا وَقَعَ فِي هَلَكَة تَبَرَّأَ مِنْهُ , فَيُقَال : مَا كَانَتْ مَحَبَّتك إِيَّاهُ إِلَّا أَنْ تَبَرَّأْت مِنْهُ . وَقَالَ الْحَسَن : هَذَا خَاصّ بِالْمُنَافِقِينَ جَرَوْا عَلَى عَادَتهمْ فِي الدُّنْيَا , وَمَعْنَى ( فِتْنَتهمْ ) عَاقِبَة فِتْنَتهمْ أَيْ كُفْرهمْ . وَقَالَ قَتَادَة : مَعْنَاهُ مَعْذِرَتهمْ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : ( فَيَلْقَى الْعَبْد فَيَقُول أَيْ قُلْ أَلَمْ أُكْرِمك وَأُسَوِّدك ( وَأُزَوِّجك ) وَأُسَخِّر لَك الْخَيْل وَالْإِبِل وَأَذَرك تَرْأَس وَتَرْبَع فَيَقُول بَلَى أَيْ رَبّ : فَيَقُول أَفَظَنَنْت أَنَّك مُلَاقِيَّ فَيَقُول لَا , فَيَقُول إِنِّي أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي . ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِي فَيَقُول لَهُ وَيَقُول هُوَ مِثْل ذَلِكَ بِعَيْنِهِ , ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِث فَيَقُول لَهُ مِثْل ذَلِكَ فَيَقُول يَا رَبّ آمَنْت بِك وَبِكِتَابِك وَبِرَسُولِك وَصَلَّيْت وَصُمْت وَتَصَدَّقْت وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اِسْتَطَاعَ قَالَ : فَيُقَال هَاهُنَا إِذًا ثُمَّ يُقَال لَهُ الْآن نَبْعَث شَاهِدًا عَلَيْك وَيَتَفَكَّر فِي نَفْسه مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَد عَلَيَّ فَيُخْتَم عَلَى فِيهِ وَيُقَال لِفَخِذِهِ وَلَحْمه وَعِظَامه اِنْطِقِي فَتَنْطِق فَخِذه وَلَحْمه وَعِظَامه بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذَر مِنْ نَفْسه وَذَلِكَ الْمُنَافِق وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللَّه عَلَيْهِ ) .
تَبْرَءُوا مِنْ الشِّرْك وَانْتَفَوْا مِنْهُ لِمَا رَأَوْا مِنْ تَجَاوُزِهِ وَمَغْفِرَته لِلْمُؤْمِنِينَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَغْفِر اللَّه تَعَالَى لِأَهْلِ الْإِخْلَاص ذُنُوبهمْ , وَلَا يَتَعَاظَم عَلَيْهِ ذَنْب أَنْ يَغْفِرهُ , فَإِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ ; قَالُوا إِنَّ رَبّنَا يَغْفِر الذُّنُوب وَلَا يَغْفِر الشِّرْك فَتَعَالَوْا نَقُول إِنَّا كُنَّا أَهْل ذُنُوب وَلَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : أَمَا إِذْ كَتَمُوا الشِّرْك فَاخْتِمُوا عَلَى أَفْوَاههمْ , فَيُخْتَم عَلَى أَفْوَاههمْ , فَتَنْطِق أَيْدِيهمْ وَتَشْهَد أَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ , فَعِنْد ذَلِكَ يَعْرِف الْمُشْرِكُونَ أَنَّ اللَّه لَا يَكْتُم حَدِيثًا ; فَذَلِكَ قَوْله : " يَوْمئِذٍ يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُول لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الْأَرْض وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " [ النِّسَاء : 42 ] . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة لَطِيف جِدًّا , أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِقَصَصِ الْمُشْرِكِينَ وَافْتِتَانهمْ بِشِرْكِهِمْ , ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ فِتْنَتهمْ لَمْ تَكُنْ حِين رَأَوْا الْحَقَائِق إِلَّا أَنْ اِنْتَفَوْا مِنْ الشِّرْك , وَنَظِير هَذَا فِي اللُّغَة أَنْ تَرَى إِنْسَانًا يُحِبّ غَاوِيًا فَإِذَا وَقَعَ فِي هَلَكَة تَبَرَّأَ مِنْهُ , فَيُقَال : مَا كَانَتْ مَحَبَّتك إِيَّاهُ إِلَّا أَنْ تَبَرَّأْت مِنْهُ . وَقَالَ الْحَسَن : هَذَا خَاصّ بِالْمُنَافِقِينَ جَرَوْا عَلَى عَادَتهمْ فِي الدُّنْيَا , وَمَعْنَى ( فِتْنَتهمْ ) عَاقِبَة فِتْنَتهمْ أَيْ كُفْرهمْ . وَقَالَ قَتَادَة : مَعْنَاهُ مَعْذِرَتهمْ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : ( فَيَلْقَى الْعَبْد فَيَقُول أَيْ قُلْ أَلَمْ أُكْرِمك وَأُسَوِّدك ( وَأُزَوِّجك ) وَأُسَخِّر لَك الْخَيْل وَالْإِبِل وَأَذَرك تَرْأَس وَتَرْبَع فَيَقُول بَلَى أَيْ رَبّ : فَيَقُول أَفَظَنَنْت أَنَّك مُلَاقِيَّ فَيَقُول لَا , فَيَقُول إِنِّي أَنْسَاك كَمَا نَسِيتنِي . ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِي فَيَقُول لَهُ وَيَقُول هُوَ مِثْل ذَلِكَ بِعَيْنِهِ , ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِث فَيَقُول لَهُ مِثْل ذَلِكَ فَيَقُول يَا رَبّ آمَنْت بِك وَبِكِتَابِك وَبِرَسُولِك وَصَلَّيْت وَصُمْت وَتَصَدَّقْت وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اِسْتَطَاعَ قَالَ : فَيُقَال هَاهُنَا إِذًا ثُمَّ يُقَال لَهُ الْآن نَبْعَث شَاهِدًا عَلَيْك وَيَتَفَكَّر فِي نَفْسه مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَد عَلَيَّ فَيُخْتَم عَلَى فِيهِ وَيُقَال لِفَخِذِهِ وَلَحْمه وَعِظَامه اِنْطِقِي فَتَنْطِق فَخِذه وَلَحْمه وَعِظَامه بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذَر مِنْ نَفْسه وَذَلِكَ الْمُنَافِق وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللَّه عَلَيْهِ ) .
كَذَّبَ الْمُشْرِكِينَ قَوْلهمْ : إِنَّ عِبَادَة الْأَصْنَام تُقَرِّبنَا إِلَى اللَّه زُلْفَى , بَلْ ظَنُّوا ذَلِكَ وَظَنّهمْ الْخَطَأ لَا يُعْذِرهُمْ وَلَا يُزِيل اِسْم الْكَذِب عَنْهُمْ , وَكَذَّبَ الْمُنَافِقِينَ بِاعْتِذَارِهِمْ بِالْبَاطِلِ , وَجَحْدهمْ نِفَاقهمْ .
أَيْ فَانْظُرْ كَيْفَ ضَلَّ عَنْهُمْ اِفْتِرَاؤُهُمْ أَيْ تَلَاشَى وَبَطَل مَا كَانُوا يَظُنُّونَهُ مِنْ شَفَاعَة آلِهَتهمْ . وَقِيلَ : ( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) أَيْ فَارَقَهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا ; عَنْ الْحَسَن . وَقِيلَ : الْمَعْنَى عَزَبَ عَنْهُمْ اِفْتِرَاؤُهُمْ لِدَهْشِهِمْ , وَذُهُول عُقُولهمْ . وَالنَّظَر فِي قَوْله : ( اُنْظُرْ ) يُرَاد بِهِ نَظَر الِاعْتِبَار ; ثُمَّ قِيلَ : " كَذَبُوا " بِمَعْنَى يَكْذِبُونَ , فَعَبَّرَ عَنْ الْمُسْتَقْبَل بِالْمَاضِي ; وَجَازَ أَنْ يَكْذِبُوا فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُ مَوْضِع دَهَش وَحِيرَة وَذُهُول عَقْل . وَقِيلَ : لَا يَجُوز أَنْ يَقَع مِنْهُمْ كَذِب فِي الْآخِرَة ; لِأَنَّهَا دَار جَزَاء عَلَى مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا - وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَر أَهْل النَّظَر - وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ; فَمَعْنَى " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " عَلَى هَذَا : مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ عِنْد أَنْفُسنَا ; وَعَلَى جَوَاز أَنْ يَكْذِبُوا فِي الْآخِرَة يُعَارِضهُ قَوْله : ( وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا ) ; وَلَا مُعَارَضَة وَلَا تَنَاقُض ; لَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا فِي بَعْض الْمَوَاطِن إِذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِعَمَلِهِمْ , وَيَكْذِبُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ فِي بَعْض الْمَوَاطِن قَبْل شَهَادَة الْجَوَارِح عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى : " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " قَالَ : اِعْتَذَرُوا وَحَلَفُوا ; وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح وَقَتَادَة : وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الذُّنُوب تُغْفَر إِلَّا الشِّرْك بِاَللَّهِ وَالنَّاس يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار قَالُوا : " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " وَقِيلَ : " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " أَيْ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَحْجَار لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع , وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ الْقَوْل فَقَدْ صَدَقُوا وَلَمْ يَكْتُمُوا , وَلَكِنْ لَا يُعْذَرُونَ بِهَذَا ; فَإِنَّ الْمُعَانِد كَافِر غَيْر مَعْذُور . ثُمَّ قِيلَ فِي قَوْله : " ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ " خَمْس قِرَاءَات : قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " يَكُنْ " بِالْيَاءِ " فِتْنَتَهُمْ " بِالنَّصْبِ خَبَر " يَكُنْ " " إِلَّا أَنْ قَالُوا " اِسْمهَا أَيْ إِلَّا قَوْلهمْ ; فَهَذِهِ قِرَاءَة بَيِّنَة . وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَأَبُو عَمْرو " تَكُنْ " بِالتَّاءِ " فِتْنَتَهُمْ " بِالنَّصْبِ ( إِلَّا أَنْ قَالُوا ) أَيْ إِلَّا مَقَالَتهمْ . وَقَرَأَ أُبَيّ وَابْن مَسْعُود وَمَا كَانَ - بَدَل قَوْله ( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ ) - فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ) . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَعَاصِم مِنْ رِوَايَة حَفْص , وَالْأَعْمَش مِنْ رِوَايَة الْمُفَضَّل , وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ ( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ " بِالتَّاءِ " فِتْنَتُهُمْ " بِالرَّفْعِ اِسْم " تَكُنْ " وَالْخَبَر " إِلَّا أَنْ قَالُوا " فَهَذِهِ أَرْبَع قِرَاءَات . الْخَامِسَة : ( ثُمَّ لَمْ يَكُنْ " بِالْيَاءِ ( فِتْنَتُهُمْ ) ; رَفْع وَيُذَكَّر الْفِتْنَة لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفُتُون , وَمِثْله " فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَة مِنْ رَبّه فَانْتَهَى " [ الْبَقَرَة : 275 ] . " وَاَللَّهِ " الْوَاو وَاو الْقَسَم " رَبّنَا " نَعْت لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ بَدَل . وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى النِّدَاء أَيْ يَا رَبّنَا وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِكَانَة وَالتَّضَرُّع , إِلَّا أَنَّهُ فَصَلَ بَيْن الْقَسَم وَجَوَابه بِالْمُنَادَى .
أَيْ فَانْظُرْ كَيْفَ ضَلَّ عَنْهُمْ اِفْتِرَاؤُهُمْ أَيْ تَلَاشَى وَبَطَل مَا كَانُوا يَظُنُّونَهُ مِنْ شَفَاعَة آلِهَتهمْ . وَقِيلَ : ( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) أَيْ فَارَقَهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا ; عَنْ الْحَسَن . وَقِيلَ : الْمَعْنَى عَزَبَ عَنْهُمْ اِفْتِرَاؤُهُمْ لِدَهْشِهِمْ , وَذُهُول عُقُولهمْ . وَالنَّظَر فِي قَوْله : ( اُنْظُرْ ) يُرَاد بِهِ نَظَر الِاعْتِبَار ; ثُمَّ قِيلَ : " كَذَبُوا " بِمَعْنَى يَكْذِبُونَ , فَعَبَّرَ عَنْ الْمُسْتَقْبَل بِالْمَاضِي ; وَجَازَ أَنْ يَكْذِبُوا فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُ مَوْضِع دَهَش وَحِيرَة وَذُهُول عَقْل . وَقِيلَ : لَا يَجُوز أَنْ يَقَع مِنْهُمْ كَذِب فِي الْآخِرَة ; لِأَنَّهَا دَار جَزَاء عَلَى مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا - وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَر أَهْل النَّظَر - وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ; فَمَعْنَى " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " عَلَى هَذَا : مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ عِنْد أَنْفُسنَا ; وَعَلَى جَوَاز أَنْ يَكْذِبُوا فِي الْآخِرَة يُعَارِضهُ قَوْله : ( وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا ) ; وَلَا مُعَارَضَة وَلَا تَنَاقُض ; لَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا فِي بَعْض الْمَوَاطِن إِذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِعَمَلِهِمْ , وَيَكْذِبُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ فِي بَعْض الْمَوَاطِن قَبْل شَهَادَة الْجَوَارِح عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى : " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " قَالَ : اِعْتَذَرُوا وَحَلَفُوا ; وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح وَقَتَادَة : وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الذُّنُوب تُغْفَر إِلَّا الشِّرْك بِاَللَّهِ وَالنَّاس يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار قَالُوا : " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " وَقِيلَ : " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " أَيْ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَحْجَار لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع , وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ الْقَوْل فَقَدْ صَدَقُوا وَلَمْ يَكْتُمُوا , وَلَكِنْ لَا يُعْذَرُونَ بِهَذَا ; فَإِنَّ الْمُعَانِد كَافِر غَيْر مَعْذُور . ثُمَّ قِيلَ فِي قَوْله : " ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ " خَمْس قِرَاءَات : قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " يَكُنْ " بِالْيَاءِ " فِتْنَتَهُمْ " بِالنَّصْبِ خَبَر " يَكُنْ " " إِلَّا أَنْ قَالُوا " اِسْمهَا أَيْ إِلَّا قَوْلهمْ ; فَهَذِهِ قِرَاءَة بَيِّنَة . وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَأَبُو عَمْرو " تَكُنْ " بِالتَّاءِ " فِتْنَتَهُمْ " بِالنَّصْبِ ( إِلَّا أَنْ قَالُوا ) أَيْ إِلَّا مَقَالَتهمْ . وَقَرَأَ أُبَيّ وَابْن مَسْعُود وَمَا كَانَ - بَدَل قَوْله ( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ ) - فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ) . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَعَاصِم مِنْ رِوَايَة حَفْص , وَالْأَعْمَش مِنْ رِوَايَة الْمُفَضَّل , وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ ( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ " بِالتَّاءِ " فِتْنَتُهُمْ " بِالرَّفْعِ اِسْم " تَكُنْ " وَالْخَبَر " إِلَّا أَنْ قَالُوا " فَهَذِهِ أَرْبَع قِرَاءَات . الْخَامِسَة : ( ثُمَّ لَمْ يَكُنْ " بِالْيَاءِ ( فِتْنَتُهُمْ ) ; رَفْع وَيُذَكَّر الْفِتْنَة لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفُتُون , وَمِثْله " فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَة مِنْ رَبّه فَانْتَهَى " [ الْبَقَرَة : 275 ] . " وَاَللَّهِ " الْوَاو وَاو الْقَسَم " رَبّنَا " نَعْت لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ بَدَل . وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى النِّدَاء أَيْ يَا رَبّنَا وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِكَانَة وَالتَّضَرُّع , إِلَّا أَنَّهُ فَصَلَ بَيْن الْقَسَم وَجَوَابه بِالْمُنَادَى .
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ↓
أُفْرِدَ عَلَى اللَّفْظ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ كُفَّار مَكَّة .
أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ مُجَازَاة عَلَى كُفْرهمْ . وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَفْقَهُونَ , وَلَكِنْ لَمَّا كَانُوا لَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا يَسْمَعُونَ , وَلَا يَنْقَادُونَ إِلَى الْحَقّ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَسْمَع وَلَا يَفْهَم . وَالْأَكِنَّة الْأَغْطِيَة جَمْع كِنَان مِثْل الْأَسِنَّة وَالسِّنَان , وَالْأَعِنَّة وَالْعِنَان . كَنَنْت الشَّيْء فِي كِنِّهِ إِذَا صُنْته فِيهِ . وَأَكْنَنْت الشَّيْء أَخْفَيْته . وَالْكِنَانَة مَعْرُوفَة . وَالْكَنَّة ( بِفَتْحِ الْكَاف وَالنُّون ) اِمْرَأَة أَبِيك ; وَيُقَال : اِمْرَأَة الِابْن أَوْ الْأَخ ; لِأَنَّهَا فِي كِنِّهِ .
أَيْ يَفْهَمُوهُ وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب ; الْمَعْنَى كَرَاهِيَة أَنْ يَفْهَمُوهُ , أَوْ لِئَلَّا يَفْهَمُوهُ .
عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ ثِقَلًا ; يُقَال مِنْهُ : وَقِرَتْ أُذُنه ( بِفَتْحِ الْوَاو ) تَوْقَر وَقْرًا أَيْ صَمَّتْ , وَقِيَاس مَصْدَره التَّحْرِيك إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ بِالتَّسْكِينِ . وَقَدْ وَقَرَ اللَّه أُذُنه يَقِرهَا وَقْرًا ; يُقَال : اللَّهُمَّ قِرْ أُذُنه . وَحَكَى أَبُو زَيْد عَنْ الْعَرَب : أُذُن مَوْقُورَة عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله ; فَعَلَى هَذَا وُقِرَتْ ( بِضَمِّ الْوَاو ) . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف ( وِقْرًا ) بِكَسْرِ الْوَاو ; أَيْ جَعَلَ فِي آذَانهمْ مَا سَدَّهَا عَنْ اِسْتِمَاع الْقَوْل عَلَى التَّشْبِيه بِوَقْرِ الْبَعِير , وَهُوَ مِقْدَار مَا يُطِيق أَنْ يَحْمِل , وَالْوَقْر الْحِمْل ; يُقَال مِنْهُ : نَخْلَة مُوقِر وَمُوقِرَة إِذَا كَانَتْ ذَات ثَمَر كَثِير . وَرَجُل ذُو قِرَة إِذَا كَانَ وَقُورًا بِفَتْحِ الْوَاو ; وَيُقَال مِنْهُ : وَقُرَ الرَّجُل ( بِضَمِّ الْقَاف ) وَقَارًا , وَوَقَرَ ( بِفَتْحِ الْقَاف ) أَيْضًا .
أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى بِعِنَادِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا الْقَمَر مُنْشَقًّا قَالُوا : سِحْر ; فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِرَدِّهِمْ الْآيَات بِغَيْرِ حُجَّة .
مُجَادَلَتهمْ قَوْلهمْ : تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ , وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّه ; عَنْ اِبْن عَبَّاس .
" يَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا " يَعْنِي قُرَيْشًا ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالُوا لِلنَّضْرِ بْن الْحَارِث : مَا يَقُول مُحَمَّد ؟ قَالَ : أَرَى تَحْرِيك شَفَتَيْهِ وَمَا يَقُول إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ مِثْل مَا أُحَدِّثكُمْ عَنْ الْقُرُون الْمَاضِيَة , وَكَانَ النَّضْر صَاحِب قَصَص وَأَسْفَار , فَسَمِعَ أَقَاصِيص فِي دِيَار الْعَجَم مِثْل قِصَّة رُسْتُم واسفنديار فَكَانَ يُحَدِّثهُمْ . وَوَاحِد الْأَسَاطِير أَسْطَار كَأَبْيَاتٍ وَأَبَايِيت ; عَنْ الزَّجَّاج . قَالَ الْأَخْفَش : وَاحِدهَا أُسْطُورَة كَأُحْدُوثَةٍ وَأَحَادِيث . أَبُو عُبَيْدَة : وَاحِدهَا إِسْطَارَة . النَّحَّاس : وَاحِدهَا أُسْطُور مِثْل عُثْكُول . وَيُقَال : هُوَ جَمْع أَسْطَار , وَأَسْطَار جَمْع سَطْر ; يُقَال : سَطْر وَسَطَر . وَالسَّطْر الشَّيْء الْمُمْتَدّ الْمُؤَلَّف كَسَطْرِ الْكِتَاب . الْقُشَيْرِيّ : وَاحِدهَا أَسْطِير . وَقِيلَ : هُوَ جَمْع لَا وَاحِد لَهُ كَمَذَاكِير وَعَبَادِيد وَأَبَابِيل أَيْ مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ فِي الْكُتُب . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْأَسَاطِير الْأَبَاطِيل وَالتُّرَّهَات . قُلْت : أَنْشَدَنِي بَعْض أَشْيَاخِي : تَطَاوَلَ لَيْلِي وَاعْتَرَتْنِي وَسَاوِسِي لِآتٍ أَتَى بِالتُّرَّهَاتِ الْأَبَاطِيل
أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ مُجَازَاة عَلَى كُفْرهمْ . وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَفْقَهُونَ , وَلَكِنْ لَمَّا كَانُوا لَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا يَسْمَعُونَ , وَلَا يَنْقَادُونَ إِلَى الْحَقّ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَسْمَع وَلَا يَفْهَم . وَالْأَكِنَّة الْأَغْطِيَة جَمْع كِنَان مِثْل الْأَسِنَّة وَالسِّنَان , وَالْأَعِنَّة وَالْعِنَان . كَنَنْت الشَّيْء فِي كِنِّهِ إِذَا صُنْته فِيهِ . وَأَكْنَنْت الشَّيْء أَخْفَيْته . وَالْكِنَانَة مَعْرُوفَة . وَالْكَنَّة ( بِفَتْحِ الْكَاف وَالنُّون ) اِمْرَأَة أَبِيك ; وَيُقَال : اِمْرَأَة الِابْن أَوْ الْأَخ ; لِأَنَّهَا فِي كِنِّهِ .
أَيْ يَفْهَمُوهُ وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب ; الْمَعْنَى كَرَاهِيَة أَنْ يَفْهَمُوهُ , أَوْ لِئَلَّا يَفْهَمُوهُ .
عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ ثِقَلًا ; يُقَال مِنْهُ : وَقِرَتْ أُذُنه ( بِفَتْحِ الْوَاو ) تَوْقَر وَقْرًا أَيْ صَمَّتْ , وَقِيَاس مَصْدَره التَّحْرِيك إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ بِالتَّسْكِينِ . وَقَدْ وَقَرَ اللَّه أُذُنه يَقِرهَا وَقْرًا ; يُقَال : اللَّهُمَّ قِرْ أُذُنه . وَحَكَى أَبُو زَيْد عَنْ الْعَرَب : أُذُن مَوْقُورَة عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله ; فَعَلَى هَذَا وُقِرَتْ ( بِضَمِّ الْوَاو ) . وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف ( وِقْرًا ) بِكَسْرِ الْوَاو ; أَيْ جَعَلَ فِي آذَانهمْ مَا سَدَّهَا عَنْ اِسْتِمَاع الْقَوْل عَلَى التَّشْبِيه بِوَقْرِ الْبَعِير , وَهُوَ مِقْدَار مَا يُطِيق أَنْ يَحْمِل , وَالْوَقْر الْحِمْل ; يُقَال مِنْهُ : نَخْلَة مُوقِر وَمُوقِرَة إِذَا كَانَتْ ذَات ثَمَر كَثِير . وَرَجُل ذُو قِرَة إِذَا كَانَ وَقُورًا بِفَتْحِ الْوَاو ; وَيُقَال مِنْهُ : وَقُرَ الرَّجُل ( بِضَمِّ الْقَاف ) وَقَارًا , وَوَقَرَ ( بِفَتْحِ الْقَاف ) أَيْضًا .
أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى بِعِنَادِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا الْقَمَر مُنْشَقًّا قَالُوا : سِحْر ; فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِرَدِّهِمْ الْآيَات بِغَيْرِ حُجَّة .
مُجَادَلَتهمْ قَوْلهمْ : تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ , وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّه ; عَنْ اِبْن عَبَّاس .
" يَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا " يَعْنِي قُرَيْشًا ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالُوا لِلنَّضْرِ بْن الْحَارِث : مَا يَقُول مُحَمَّد ؟ قَالَ : أَرَى تَحْرِيك شَفَتَيْهِ وَمَا يَقُول إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ مِثْل مَا أُحَدِّثكُمْ عَنْ الْقُرُون الْمَاضِيَة , وَكَانَ النَّضْر صَاحِب قَصَص وَأَسْفَار , فَسَمِعَ أَقَاصِيص فِي دِيَار الْعَجَم مِثْل قِصَّة رُسْتُم واسفنديار فَكَانَ يُحَدِّثهُمْ . وَوَاحِد الْأَسَاطِير أَسْطَار كَأَبْيَاتٍ وَأَبَايِيت ; عَنْ الزَّجَّاج . قَالَ الْأَخْفَش : وَاحِدهَا أُسْطُورَة كَأُحْدُوثَةٍ وَأَحَادِيث . أَبُو عُبَيْدَة : وَاحِدهَا إِسْطَارَة . النَّحَّاس : وَاحِدهَا أُسْطُور مِثْل عُثْكُول . وَيُقَال : هُوَ جَمْع أَسْطَار , وَأَسْطَار جَمْع سَطْر ; يُقَال : سَطْر وَسَطَر . وَالسَّطْر الشَّيْء الْمُمْتَدّ الْمُؤَلَّف كَسَطْرِ الْكِتَاب . الْقُشَيْرِيّ : وَاحِدهَا أَسْطِير . وَقِيلَ : هُوَ جَمْع لَا وَاحِد لَهُ كَمَذَاكِير وَعَبَادِيد وَأَبَابِيل أَيْ مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ فِي الْكُتُب . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْأَسَاطِير الْأَبَاطِيل وَالتُّرَّهَات . قُلْت : أَنْشَدَنِي بَعْض أَشْيَاخِي : تَطَاوَلَ لَيْلِي وَاعْتَرَتْنِي وَسَاوِسِي لِآتٍ أَتَى بِالتُّرَّهَاتِ الْأَبَاطِيل
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ↓
النَّهْي الزَّجْر , وَالنَّأْي الْبُعْد , وَهُوَ عَام فِي جَمِيع الْكُفَّار أَيْ يَنْهَوْنَ عَنْ اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن . وَقِيلَ : هُوَ خَاصّ بِأَبِي طَالِب يَنْهَى الْكُفَّار عَنْ إِذَايَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَتَبَاعَد عَنْ الْإِيمَان بِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . وَرَوَى أَهْل السِّيَر قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ إِلَى الْكَعْبَة يَوْمًا وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّي , فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاة قَالَ أَبُو جَهْل - لَعَنَهُ اللَّه - : مَنْ يَقُوم إِلَى هَذَا الرَّجُل فَيُفْسِد عَلَيْهِ صَلَاته . فَقَامَ اِبْن الزِّبَعْرَى فَأَخَذَ فَرْثًا وَدَمًا فَلَطَّخَ بِهِ وَجْه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَانْفَتَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاته , ثُمَّ أَتَى أَبَا طَالِب عَمّه فَقَالَ : ( يَا عَمّ أَلَا تَرَى إِلَى مَا فُعِلَ بِي ) فَقَالَ أَبُو طَالِب : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِك ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى ; فَقَامَ أَبُو طَالِب وَوَضَعَ سَيْفه عَلَى عَاتِقه وَمَشَى مَعَهُ حَتَّى أَتَى الْقَوْم ; فَلَمَّا رَأَوْا أَبَا طَالِب قَدْ أَقْبَلَ جَعَلَ الْقَوْم يَنْهَضُونَ ; فَقَالَ أَبُو طَالِب : وَاَللَّه لَئِنْ قَامَ رَجُل جَلَّلْته بِسَيْفِي فَقَعَدُوا حَتَّى دَنَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ : يَا بُنَيّ مِنْ الْفَاعِل بِك هَذَا ؟ فَقَالَ : ( عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى ) ; فَأَخَذَ أَبُو طَالِب فَرْثًا وَدَمًا فَلَطَّخَ بِهِ وُجُوههمْ وَلِحَاهُمْ وَثِيَابهمْ وَأَسَاءَ لَهُمْ الْقَوْل ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَمّ نَزَلَتْ فِيك آيَة ) قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : ( تَمْنَع قُرَيْشًا أَنْ تُؤْذِينِي وَتَأْبَى أَنْ تُؤْمِن بِي ) فَقَالَ أَبُو طَالِب : وَاَللَّه لَنْ يَصِلُوا إِلَيْك بِجَمْعِهِمْ حَتَّى أُوَسَّد فِي التُّرَاب دَفِينَا فَاصْدَعْ بِأَمْرِك مَا عَلَيْك غَضَاضَة وَأَبْشِرْ بِذَاكَ وَقَرَّ مِنْك عُيُونَا وَدَعَوْتنِي وَزَعَمْت أَنَّك نَاصِحِي فَلَقَدْ صَدَقْت وَكُنْت قَبْل أَمِينَا وَعَرَضْت دِينًا قَدْ عَرَفْت بِأَنَّهُ مِنْ خَيْر أَدْيَان الْبَرِيَّة دِينَا لَوْلَا الْمَلَامَة أَوْ حِذَار مَسَبَّة لَوَجَدْتنِي سَمْحًا بِذَاكَ يَقِينَا فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه هَلْ تَنْفَع أَبَا طَالِب نُصْرَته ؟ قَالَ : ( نَعَمْ دَفَعَ عَنْهُ بِذَاكَ الْغُلّ وَلَمْ يُقْرَن مَعَ الشَّيَاطِين وَلَمْ يَدْخُل فِي جُبّ الْحَيَّات وَالْعَقَارِب إِنَّمَا عَذَابه فِي نَعْلَيْنِ مِنْ نَار فِي رِجْلَيْهِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغه فِي رَأْسه وَذَلِكَ أَهْوَن أَهْل النَّار عَذَابًا ) . وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْم مِنْ الرُّسُل " [ الْأَحْقَاف : 35 ] . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ : ( قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه أَشْهَد لَك بِهَا يَوْم الْقِيَامَة ) قَالَ : لَوْلَا تُعَيِّرنِي قُرَيْش يَقُولُونَ : إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَع لَأَقْرَرْت بِهَا عَيْنك ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء " [ الْقَصَص : 56 ] كَذَا الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة ( الْجَزَع ) بِالْجِيمِ وَالزَّاي وَمَعْنَاهُ الْخَوْف . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : ( الْخَرْع ) بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَة وَالرَّاء الْمُهْمَلَة . قَالَ يَعْنِي الضَّعْف وَالْخَوَر , وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَهْوَن أَهْل النَّار عَذَابًا أَبُو طَالِب وَهُوَ مُنْتَعِل بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَار يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغه ) . وَأَمَّا عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى فَإِنَّهُ أَسْلَمَ عَام الْفَتْح وَحَسُنَ إِسْلَامه , وَاعْتَذَرَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ عُذْره ; وَكَانَ شَاعِرًا مَجِيدًا ; فَقَالَ يَمْدَح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَهُ فِي مَدْحه أَشْعَار كَثِيرَة يَنْسَخ بِهَا مَا قَدْ مَضَى فِي كُفْره ; مِنْهَا قَوْله : مَنَعَ الرُّقَاد بَلَابِل وَهُمُوم وَاللَّيْل مُعْتَلِج الرِّوَاق بَهِيم مِمَّا أَتَانِي أَنَّ أَحْمَد لَامَنِي فِيهِ فَبِتّ كَأَنَّنِي مَحْمُوم يَا خَيْر مَنْ حَمَلَتْ عَلَى أَوْصَالهَا عَيْرَانَة سُرُح الْيَدَيْنِ غَشُوم إِنِّي لَمُعْتَذِر إِلَيْك مِنْ الَّذِي أَسْدَيْت إِذْ أَنَا فِي الضَّلَال أَهِيم أَيَّام تَأْمُرنِي بِأَغْوَى خُطَّة سَهْم وَتَأْمُرنِي بِهَا مَخْزُوم وَأَمُدّ أَسْبَاب الرَّدَى وَيَقُودنِي أَمْر الْغُوَاة وَأَمْرهمْ مَشْئُوم فَالْيَوْم آمَنَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّد قَلْبِي وَمُخْطِئ هَذِهِ مَحْرُوم مَضَتْ الْعَدَاوَة فَانْقَضَتْ أَسْبَابهَا وَأَتَتْ أَوَاصِر بَيْننَا وَحُلُوم فَاغْفِرْ فَدَى لَك وَالِدَايَ كِلَاهُمَا زَلَلِي فَإِنَّك رَاحِم مَرْحُوم وَعَلَيْك مِنْ سِمَة الْمَلِيك عَلَامَة نُور أَغَرّ وَخَاتَم مَخْتُوم أَعْطَاك بَعْد مَحَبَّة بُرْهَانه شَرَفًا وَبُرْهَان الْإِلَه عَظِيم وَلَقَدْ شَهِدْت بِأَنَّ دِينك صَادِق حَقًّا وَأَنَّك فِي الْعِبَاد جَسِيم وَاَللَّه يَشْهَد أَنَّ أَحْمَد مُصْطَفًى مُسْتَقْبَل فِي الصَّالِحِينَ كَرِيم قَرْم عَلَا بُنْيَانه مِنْ هَاشِم فَرْع تَمَكَّنَ فِي الذُّرَى وَأَرُوم وَقِيلَ : الْمَعْنَى ( يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ يَنْهَوْنَ عَنْ الْقُرْآن ( وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) . عَنْ قَتَادَة ; فَالْهَاء عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي ( عَنْهُ ) لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَلَى قَوْل قَتَادَة لِلْقُرْآنِ .
( إِنْ ) نَافِيَة أَيْ وَمَا يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْر , وَحَمْلهمْ أَوْزَار الَّذِينَ يَصُدُّونَهُمْ .
( إِنْ ) نَافِيَة أَيْ وَمَا يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْر , وَحَمْلهمْ أَوْزَار الَّذِينَ يَصُدُّونَهُمْ .
وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ↓
أَيْ إِذْ وُقِفُوا غَدًا و ( إِذْ ) قَدْ تُسْتَعْمَل فِي مَوْضِع ( إِذَا ) و ( إِذَا ) فِي مَوْضِع ( إِذْ ) وَمَا سَيَكُونُ فَكَأَنَّهُ كَانَ ; لِأَنَّ خَبَر اللَّه تَعَالَى حَقّ وَصِدْق , فَلِهَذَا عَبَّرَ بِالْمَاضِي . وَمَعْنَى ( إِذْ وُقِفُوا ) حُبِسُوا يُقَال : وَقَفْته وَقْفًا فَوَقَفَ وُقُوفًا . وَقَرَأَ اِبْن السَّمَيْقَع ( إِذْ وَقَفُوا ) بِفَتْحِ الْوَاو وَالْقَاف مِنْ الْوُقُوف . " عَلَى النَّار " أَيْ هُمْ فَوْقهَا عَلَى الصِّرَاط وَهِيَ تَحْتهمْ . وَقِيلَ : ( عَلَى ) بِمَعْنَى الْبَاء ; أَيْ وَقَفُوا بِقُرْبِهَا وَهُمْ يُعَايِنُونَهَا . وَقَالَ الضَّحَّاك : جَمَعُوا , يَعْنِي عَلَى أَبْوَابهَا . وَيُقَال : وَقَفُوا عَلَى مَتْن جَهَنَّم وَالنَّار تَحْتهمْ . وَفِي الْخَبَر : أَنَّ النَّاس كُلّهمْ يُوقَفُونَ عَلَى مَتْن جَهَنَّم كَأَنَّهَا مَتْن إِهَالَة , ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ خُذِي أَصْحَابك وَدَعِي أَصْحَابِي . وَقِيلَ : ( وُقِفُوا ) دَخَلُوهَا - أَعَاذَنَا اللَّه مِنْهَا - فَعَلَى بِمَعْنَى ( فِي ) أَيْ وُقِفُوا فِي النَّار . وَجَوَاب ( لَوْ ) مَحْذُوف لِيَذْهَب الْوَهْم إِلَى كُلّ شَيْء فَيَكُون أَبْلَغ فِي التَّخْوِيف ; وَالْمَعْنَى : لَوْ تَرَاهُمْ فِي تِلْكَ الْحَال لَرَأَيْت أَسْوَأ حَال , أَوْ لَرَأَيْت مَنْظَرًا هَائِلًا , أَوْ لَرَأَيْت أَمْرًا عَجَبًا وَمَا كَانَ مِثْل هَذَا التَّقْدِير .
بِالرَّفْعِ فِي الْأَفْعَال الثَّلَاثَة عَطْفًا قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالْكِسَائِيّ ; وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بِالضَّمِّ . اِبْن عَامِر عَلَى رَفْع ( نُكَذِّب ) وَنَصْب ( وَنَكُون ) وَكُلّه دَاخِل فِي مَعْنَى التَّمَنِّي ; أَيْ لَا تَمَنَّوْا الرَّدّ وَأَلَّا يُكَذِّبُوا وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ الْقَطْع فِي ( وَلَا نُكَذِّب ) فَيَكُون غَيْر دَاخِل فِي التَّمَنِّي ; الْمَعْنَى : وَنَحْنُ لَا نُكَذِّب عَلَى مَعْنَى الثَّبَات عَلَى تَرْك التَّكْذِيب ; أَيْ لَا نُكَذِّب رَدَدْنَا أَوْ لَمْ نَرُدّ ; قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَهُوَ مِثْل قَوْله دَعْنِي وَلَا أَعُود أَيْ لَا أَعُود عَلَى كُلّ حَال تَرَكْتنِي أَوْ لَمْ تَتْرُكنِي . وَاسْتَدَلَّ أَبُو عَمْرو عَلَى خُرُوجه مِنْ التَّمَنِّي بِقَوْلِهِ : " وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " لِأَنَّ الْكَذِب لَا يَكُون فِي التَّمَنِّي إِنَّمَا يَكُون فِي الْخَبَر . وَقَالَ مَنْ جَعَلَهُ دَاخِلًا فِي التَّمَنِّي : الْمَعْنَى وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِي الدُّنْيَا فِي إِنْكَارهمْ الْبَعْث وَتَكْذِيبهمْ الرُّسُل . وَقَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص بِنَصْبِ ( نُكَذِّب ) و ( نَكُون ) جَوَابًا لِلتَّمَنِّي ; لِأَنَّهُ غَيْر وَاجِب , وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي التَّمَنِّي عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ تَمَنَّوْا الرَّدّ وَتَرْك التَّكْذِيب وَالْكَوْن مَعَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ أَبُو إِسْحَاق : مَعْنَى ( وَلَا نُكَذِّب ) أَيْ إِنْ رَدَدْنَا لَمْ نُكَذِّب . وَالنَّصْب فِي ( نُكَذِّبَ ) و ( نَكُونَ ) بِإِضْمَارِ ( أَنْ ) كَمَا يُنْصَب فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَالْأَمْر وَالنَّهْي وَالْعَرْض ; لِأَنَّ جَمِيعه غَيْر وَاجِب وَلَا وَاقِع بَعْد , فَيُنْصَب , الْجَوَاب مَعَ الْوَاو كَأَنَّهُ عَطْف عَلَى مَصْدَر الْأَوَّل ; كَأَنَّهُمْ قَالُوا : يَا لَيْتَنَا يَكُون لَنَا رَدّ وَانْتِفَاء مِنْ الْكَذِب , وَكَوْن مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; فَحُمِلَا عَلَى مَصْدَر ( نُرَدّ ) لِانْقِلَابِ الْمَعْنَى إِلَى الرَّفْع , وَلَمْ يَكُنْ بُدّ مِنْ إِضْمَار ( أَنْ ) فِيهِ يُتِمّ النَّصْب فِي الْفِعْلَيْنِ . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر ( وَنَكُونَ ) بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَاب التَّمَنِّي كَقَوْلِك : لَيْتك تَصِير إِلَيْنَا وَنُكْرِمك , أَيْ لَيْتَ مَصِيرك يَقَع وَإِكْرَامنَا يَقَع , وَأُدْخِلَ الْفِعْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي التَّمَنِّي , أَوْ أَرَادَ : وَنَحْنُ لَا نُكْرِمك عَلَى الْقَطْع عَلَى مَا تَقَدَّمَ ; يَحْتَمِل . وَقَرَأَ أُبَيّ ( وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا أَبَدًا ) . وَعَنْهُ وَابْن مَسْعُود ( يَا لَيْتَنَا نُرَدّ فَلَا نُكَذِّبَ ) بِالْفَاءِ وَالنَّصْب , وَالْفَاء يُنْصَب بِهَا فِي الْجَوَاب كَمَا يُنْصَب بِالْوَاوِ ; عَنْ الزَّجَّاج . وَأَكْثَر الْبَصْرِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ الْجَوَاب إِلَّا بِالْفَاءِ .
بِالرَّفْعِ فِي الْأَفْعَال الثَّلَاثَة عَطْفًا قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالْكِسَائِيّ ; وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بِالضَّمِّ . اِبْن عَامِر عَلَى رَفْع ( نُكَذِّب ) وَنَصْب ( وَنَكُون ) وَكُلّه دَاخِل فِي مَعْنَى التَّمَنِّي ; أَيْ لَا تَمَنَّوْا الرَّدّ وَأَلَّا يُكَذِّبُوا وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ الْقَطْع فِي ( وَلَا نُكَذِّب ) فَيَكُون غَيْر دَاخِل فِي التَّمَنِّي ; الْمَعْنَى : وَنَحْنُ لَا نُكَذِّب عَلَى مَعْنَى الثَّبَات عَلَى تَرْك التَّكْذِيب ; أَيْ لَا نُكَذِّب رَدَدْنَا أَوْ لَمْ نَرُدّ ; قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَهُوَ مِثْل قَوْله دَعْنِي وَلَا أَعُود أَيْ لَا أَعُود عَلَى كُلّ حَال تَرَكْتنِي أَوْ لَمْ تَتْرُكنِي . وَاسْتَدَلَّ أَبُو عَمْرو عَلَى خُرُوجه مِنْ التَّمَنِّي بِقَوْلِهِ : " وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " لِأَنَّ الْكَذِب لَا يَكُون فِي التَّمَنِّي إِنَّمَا يَكُون فِي الْخَبَر . وَقَالَ مَنْ جَعَلَهُ دَاخِلًا فِي التَّمَنِّي : الْمَعْنَى وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِي الدُّنْيَا فِي إِنْكَارهمْ الْبَعْث وَتَكْذِيبهمْ الرُّسُل . وَقَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص بِنَصْبِ ( نُكَذِّب ) و ( نَكُون ) جَوَابًا لِلتَّمَنِّي ; لِأَنَّهُ غَيْر وَاجِب , وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي التَّمَنِّي عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ تَمَنَّوْا الرَّدّ وَتَرْك التَّكْذِيب وَالْكَوْن مَعَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ أَبُو إِسْحَاق : مَعْنَى ( وَلَا نُكَذِّب ) أَيْ إِنْ رَدَدْنَا لَمْ نُكَذِّب . وَالنَّصْب فِي ( نُكَذِّبَ ) و ( نَكُونَ ) بِإِضْمَارِ ( أَنْ ) كَمَا يُنْصَب فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَالْأَمْر وَالنَّهْي وَالْعَرْض ; لِأَنَّ جَمِيعه غَيْر وَاجِب وَلَا وَاقِع بَعْد , فَيُنْصَب , الْجَوَاب مَعَ الْوَاو كَأَنَّهُ عَطْف عَلَى مَصْدَر الْأَوَّل ; كَأَنَّهُمْ قَالُوا : يَا لَيْتَنَا يَكُون لَنَا رَدّ وَانْتِفَاء مِنْ الْكَذِب , وَكَوْن مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; فَحُمِلَا عَلَى مَصْدَر ( نُرَدّ ) لِانْقِلَابِ الْمَعْنَى إِلَى الرَّفْع , وَلَمْ يَكُنْ بُدّ مِنْ إِضْمَار ( أَنْ ) فِيهِ يُتِمّ النَّصْب فِي الْفِعْلَيْنِ . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر ( وَنَكُونَ ) بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَاب التَّمَنِّي كَقَوْلِك : لَيْتك تَصِير إِلَيْنَا وَنُكْرِمك , أَيْ لَيْتَ مَصِيرك يَقَع وَإِكْرَامنَا يَقَع , وَأُدْخِلَ الْفِعْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي التَّمَنِّي , أَوْ أَرَادَ : وَنَحْنُ لَا نُكْرِمك عَلَى الْقَطْع عَلَى مَا تَقَدَّمَ ; يَحْتَمِل . وَقَرَأَ أُبَيّ ( وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا أَبَدًا ) . وَعَنْهُ وَابْن مَسْعُود ( يَا لَيْتَنَا نُرَدّ فَلَا نُكَذِّبَ ) بِالْفَاءِ وَالنَّصْب , وَالْفَاء يُنْصَب بِهَا فِي الْجَوَاب كَمَا يُنْصَب بِالْوَاوِ ; عَنْ الزَّجَّاج . وَأَكْثَر الْبَصْرِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ الْجَوَاب إِلَّا بِالْفَاءِ .
بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ↓
بَلْ إِضْرَاب عَنْ تَمَنِّيهمْ وَادِّعَائِهِمْ الْإِيمَان لَوْ رُدُّوا
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ( بَدَا لَهُمْ ) عَلَى أَقْوَال بَعْد تَعْيِين مَنْ الْمُرَاد ; فَقِيلَ : الْمُرَاد الْمُنَافِقُونَ لِأَنَّ اِسْم الْكُفْر مُشْتَمِل عَلَيْهِمْ , فَعَادَ الضَّمِير عَلَى بَعْض الْمَذْكُورِينَ ; قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ الْكَلَام الْعَذْب الْفَصِيح . وَقِيلَ : الْمُرَاد الْكُفَّار وَكَانُوا إِذَا وَعَظَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافُوا وَأَخْفَوْا ذَلِكَ الْخَوْف لِئَلَّا يَفْطِن بِهِمْ ضُعَفَاؤُهُمْ , فَيَظْهَر يَوْم الْقِيَامَة ; وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَن : ( بَدَا لَهُمْ ) أَيْ بَدَا لِبَعْضِهِمْ مَا كَانَ يُخْفِيه عَنْ بَعْض . وَقِيلَ : بَلْ ظَهَرَ لَهُمْ مَا كَانُوا يَجْحَدُونَهُ مِنْ الشِّرْك فَيَقُولُونَ : ( وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) فَيُنْطِق اللَّه جَوَارِحهمْ فَتَشْهَد عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ فَذَلِكَ حِين ( بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْل ) . قَالَ أَبُو رَوْق . وَقِيلَ : ( بَدَا لَهُمْ ) مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مِنْ الْكُفْر ; أَيْ بَدَتْ أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة كَمَا قَالَ : " وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " [ الزُّمَر : 47 ] . قَالَ الْمُبَرِّد : بَدَا لَهُمْ جَزَاء كُفْرهمْ الَّذِي كَانُوا يُخْفُونَهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى بَلْ ظَهَرَ لِلَّذِينَ اِتَّبَعُوا الْغُوَاة مَا كَانَ الْغُوَاة يُخْفُونَ عَنْهُمْ مِنْ أَمْر الْبَعْث وَالْقِيَامَة ; لِأَنَّ بَعْده " وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ " .
قِيلَ : بَعْد مُعَايَنَة الْعَذَاب . وَقِيلَ : قَبْل مُعَايَنَته .
أَيْ لَصَارُوا وَرَجَعُوا إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ الشِّرْك لِعِلْمِ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ , وَقَدْ عَايَنَ إِبْلِيس مَا عَايَنَ مِنْ آيَات اللَّه ثُمَّ عَانَدَ
إِخْبَار عَنْهُمْ , وَحِكَايَة عَنْ الْحَال الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ تَكْذِيبهمْ الرُّسُل , وَإِنْكَارهمْ الْبَعْث ; كَمَا قَالَ : " وَإِنَّ رَبّك لَيَحْكُم بَيْنهمْ " [ النَّحْل : 124 ] فَجَعَلَهُ حِكَايَة عَنْ الْحَال الْآتِيَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسهمْ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ وَيَكُونُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب ( وَلَوْ رِدُّوا ) بِكَسْرِ الرَّاء ; لِأَنَّ الْأَصْل رُدِدُوا فَنُقِلَتْ كَسْرَة الدَّال عَلَى الرَّاء .
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ( بَدَا لَهُمْ ) عَلَى أَقْوَال بَعْد تَعْيِين مَنْ الْمُرَاد ; فَقِيلَ : الْمُرَاد الْمُنَافِقُونَ لِأَنَّ اِسْم الْكُفْر مُشْتَمِل عَلَيْهِمْ , فَعَادَ الضَّمِير عَلَى بَعْض الْمَذْكُورِينَ ; قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ الْكَلَام الْعَذْب الْفَصِيح . وَقِيلَ : الْمُرَاد الْكُفَّار وَكَانُوا إِذَا وَعَظَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافُوا وَأَخْفَوْا ذَلِكَ الْخَوْف لِئَلَّا يَفْطِن بِهِمْ ضُعَفَاؤُهُمْ , فَيَظْهَر يَوْم الْقِيَامَة ; وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَن : ( بَدَا لَهُمْ ) أَيْ بَدَا لِبَعْضِهِمْ مَا كَانَ يُخْفِيه عَنْ بَعْض . وَقِيلَ : بَلْ ظَهَرَ لَهُمْ مَا كَانُوا يَجْحَدُونَهُ مِنْ الشِّرْك فَيَقُولُونَ : ( وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) فَيُنْطِق اللَّه جَوَارِحهمْ فَتَشْهَد عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ فَذَلِكَ حِين ( بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْل ) . قَالَ أَبُو رَوْق . وَقِيلَ : ( بَدَا لَهُمْ ) مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مِنْ الْكُفْر ; أَيْ بَدَتْ أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة كَمَا قَالَ : " وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " [ الزُّمَر : 47 ] . قَالَ الْمُبَرِّد : بَدَا لَهُمْ جَزَاء كُفْرهمْ الَّذِي كَانُوا يُخْفُونَهُ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى بَلْ ظَهَرَ لِلَّذِينَ اِتَّبَعُوا الْغُوَاة مَا كَانَ الْغُوَاة يُخْفُونَ عَنْهُمْ مِنْ أَمْر الْبَعْث وَالْقِيَامَة ; لِأَنَّ بَعْده " وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ " .
قِيلَ : بَعْد مُعَايَنَة الْعَذَاب . وَقِيلَ : قَبْل مُعَايَنَته .
أَيْ لَصَارُوا وَرَجَعُوا إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ الشِّرْك لِعِلْمِ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ , وَقَدْ عَايَنَ إِبْلِيس مَا عَايَنَ مِنْ آيَات اللَّه ثُمَّ عَانَدَ
إِخْبَار عَنْهُمْ , وَحِكَايَة عَنْ الْحَال الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ تَكْذِيبهمْ الرُّسُل , وَإِنْكَارهمْ الْبَعْث ; كَمَا قَالَ : " وَإِنَّ رَبّك لَيَحْكُم بَيْنهمْ " [ النَّحْل : 124 ] فَجَعَلَهُ حِكَايَة عَنْ الْحَال الْآتِيَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسهمْ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ وَيَكُونُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب ( وَلَوْ رِدُّوا ) بِكَسْرِ الرَّاء ; لِأَنَّ الْأَصْل رُدِدُوا فَنُقِلَتْ كَسْرَة الدَّال عَلَى الرَّاء .
اِبْتِدَاء وَخَبَر و ( إِنْ ) نَافِيَة . ( وَمَا نَحْنُ ) ( نَحْنُ ) اِسْم ( مَا ) و " بِمَبْعُوثِينَ " خَبَرهَا ; وَهَذَا اِبْتِدَاء إِخْبَار عَنْهُمْ عَمَّا قَالُوهُ فِي الدُّنْيَا . قَالَ اِبْن زَيْد : هُوَ دَاخِل فِي قَوْله : " وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ " " وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا " أَيْ لَعَادُوا إِلَى الْكُفْر , وَاشْتَغَلُوا بِلَذَّةِ الْحَال . وَهَذَا يُحْمَل عَلَى الْمُعَانِد كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَال إِبْلِيس , أَوْ عَلَى أَنَّ اللَّه يُلَبِّس عَلَيْهِمْ بَعْد مَا عَرَفُوا , وَهَذَا شَائِع فِي الْعَقْل .
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ↓
( وُقِفُوا ) أَيْ حُبِسُوا ( عَلَى رَبّهمْ ) أَيْ عَلَى مَا يَكُون مِنْ أَمْر اللَّه فِيهِمْ . وَقِيلَ : ( عَلَى ) بِمَعْنَى ( عِنْد ) أَيْ عِنْد مَلَائِكَته وَجَزَائِهِ ; وَحَيْثُ لَا سُلْطَان فِيهِ لِغَيْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; تَقُول : وَقَفْت عَلَى فُلَان أَيْ عِنْده ; وَجَوَاب " لَوْ " مَحْذُوف لِعِظَمِ شَأْن الْوُقُوف .
تَقْرِير وَتَوْبِيخ أَيْ أَلَيْسَ هَذَا الْبَعْث كَائِنًا مَوْجُودًا ؟
" قَالُوا بَلَى " وَيُؤَكِّدُونَ اِعْتِرَافهمْ بِالْقَسَمِ بِقَوْلِهِمْ : " وَرَبّنَا " . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة تَقُول لَهُمْ بِأَمْرِ اللَّه أَلَيْسَ هَذَا الْبَعْث وَهَذَا الْعَذَاب حَقًّا ؟ فَيَقُولُونَ : ( بَلَى وَرَبّنَا ) إِنَّهُ حَقّ . " قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " .
تَقْرِير وَتَوْبِيخ أَيْ أَلَيْسَ هَذَا الْبَعْث كَائِنًا مَوْجُودًا ؟
" قَالُوا بَلَى " وَيُؤَكِّدُونَ اِعْتِرَافهمْ بِالْقَسَمِ بِقَوْلِهِمْ : " وَرَبّنَا " . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة تَقُول لَهُمْ بِأَمْرِ اللَّه أَلَيْسَ هَذَا الْبَعْث وَهَذَا الْعَذَاب حَقًّا ؟ فَيَقُولُونَ : ( بَلَى وَرَبّنَا ) إِنَّهُ حَقّ . " قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " .