تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّ أَتْبَعَ وَاتَّبَعَ بِمَعْنَى أَيْ سَلَكَ طَرِيقًا وَمَنَازِل .
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا ↓
وَهُمَا جَبَلَانِ مِنْ قِبَل أَرْمِينِيَّة وَأَذْرَبِيجَان . رَوَى عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : " بَيْن السَّدَّيْنِ " الْجَبَلَيْنِ أَرْمِينِيَّة وَأَذْرَبِيجَان .
أَيْ مِنْ وَرَائِهِمَا .
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " يُفْقِهُونَ " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْقَاف مِنْ أَفْقَهَ إِذَا أَبَانَ أَيْ لَا يَفْقَهُونَ غَيْرهمْ كَلَامًا . الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاء وَالْقَاف , أَيْ يُعْلَمُونَ . وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ , فَلَا هُمْ يَفْقَهُونَ مِنْ غَيْرهمْ وَلَا يَفْقَهُونَ غَيْرهمْ .
أَيْ مِنْ وَرَائِهِمَا .
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " يُفْقِهُونَ " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْقَاف مِنْ أَفْقَهَ إِذَا أَبَانَ أَيْ لَا يَفْقَهُونَ غَيْرهمْ كَلَامًا . الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاء وَالْقَاف , أَيْ يُعْلَمُونَ . وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ , فَلَا هُمْ يَفْقَهُونَ مِنْ غَيْرهمْ وَلَا يَفْقَهُونَ غَيْرهمْ .
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ↓
أَيْ قَالَتْ لَهُ أُمَّة مِنْ الْإِنْس صَالِحَة .
قَالَ الْأَخْفَش : مَنْ هَمَزَ " يَأْجُوج " فَجَعَلَ الْأَلِفَيْنِ مِنْ الْأَصْل يَقُول : يَأْجُوج يَفْعُول وَمَأْجُوج مَفْعُول كَأَنَّهُ مِنْ أَجِيج النَّار . قَالَ : وَمَنْ لَا يَهْمِز وَيَجْعَل الْأَلِفَيْنِ زَائِدَتَيْنِ يَقُول : " يَاجُوج " مِنْ يَجَجْت وَمَاجُوج مِنْ مَجَجْت وَهُمَا غَيْر مَصْرُوفَيْنِ ; قَالَ رُؤْبَة : لَوْ أَنَّ يَاجُوج وَمَاجُوج مَعًا وَعَادَ عَادٌ وَاسْتَجَاشُوا تُبَّعَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَقِيلَ : إِنَّمَا لَمْ يَنْصَرِفَا لِأَنَّهُمَا اِسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ , مِثْل طَالُوت وَجَالُوت غَيْر مُشْتَقَّيْنِ ; عِلَّتَاهُمَا فِي مَنْع الصَّرْف الْعُجْمَة وَالتَّعْرِيف وَالتَّأْنِيث . وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ مُعَرَّب مِنْ أَجَّ وَأَجَّجَ عِلَّتَاهُمَا فِي مَنْع الصَّرْف التَّعْرِيف وَالتَّأْنِيث . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُونَا عَرَبِيَّيْنِ ; فَمَنْ هَمَزَ " يَأْجُوج " فَهُوَ عَلَى وَزْن يَفْعُول مِثْل يَرْبُوع , مِنْ قَوْلك أَجَّتْ النَّار أَيْ ضَوِيَتْ , وَمِنْهُ الْأَجِيج , وَمِنْهُ مِلْح أُجَاج , وَمَنْ لَمْ يَهْمِز أَمْكَنَ أَنْ يَكُون خَفَّفَ الْهَمْزَة فَقَلَبَهَا أَلِفًا مِثْل رَأْس , وَأَمَّا " مَأْجُوج " فَهُوَ مَفْعُول مِنْ أَجَّ , وَالْكَلِمَتَانِ مِنْ أَصْل وَاحِد فِي الِاشْتِقَاق وَمَنْ لَمْ يَهْمِز فَيَجُوز أَنْ يَكُون خَفَّفَ الْهَمْزَة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون فَاعُولًا مِنْ مَجَّ , وَتَرْك الصَّرْف فِيهِمَا لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّعْرِيف كَأَنَّهُ اِسْم لِلْقَبِيلَةِ . وَاخْتُلِفَ فِي إِفْسَادهمْ ; سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز : إِفْسَادهمْ أَكْل بَنِي آدَم . وَقَالَتْ فِرْقَة : إِفْسَادهمْ إِنَّمَا كَانَ مُتَوَقَّعًا , أَيْ سَيُفْسِدُونَ , فَطَلَبُوا وَجْه التَّحَرُّز مِنْهُمْ . وَقَالَتْ فِرْقَة : إِفْسَادهمْ هُوَ الظُّلْم وَالْغَشْم وَالْقَتْل وَسَائِر وُجُوه الْإِفْسَاد الْمَعْلُوم مِنْ الْبَشَر , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَار بِصِفَتِهِمْ وَخُرُوجهمْ وَأَنَّهُمْ وَلَد يَافِث . رَوَى أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وُلِدَ لِنُوحٍ سَام وَحَام وَيَافِث فَوَلَدَ سَام الْعَرَب وَفَارِس وَالرُّوم وَالْخَيْر فِيهِمْ وَوَلَدَ يَافث يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالتُّرْك وَالصَّقَالِبَة وَلَا خَيْر فِيهِمْ وَوَلَدَ حَام الْقِبْط وَالْبَرْبَر وَالسُّودَان ) . وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار : اِحْتَلَمَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَاخْتَلَطَ مَاؤُهُ بِالتُّرَابِ فَأَسِفَ فَخُلِقُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاء , فَهُمْ مُتَّصِلُونَ بِنَا مِنْ جِهَة الْأَب لَا مِنْ جِهَة الْأُمّ . وَهَذَا فِيهِ نَظَر ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ لَا يَحْتَلِمُونَ , وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ وَلَد يَافِث , وَكَذَلِكَ قَالَ مُقَاتِل وَغَيْره . وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَمُوت رَجُل مِنْهُمْ حَتَّى يُولَد لِصُلْبِهِ أَلْف رَجُل ) . يَعْنِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج . وَقَالَ أَبُو سَعِيد : ( هُمْ خَمْس وَعِشْرُونَ قَبِيلَة مِنْ وَرَاء يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَا يَمُوت الرَّجُل مِنْ هَؤُلَاءِ وَمِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج حَتَّى يَخْرُج مِنْ صُلْبه أَلْف رَجُل ) ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( يَأْجُوج وَمَأْجُوج أُمَّتَانِ كُلّ أُمَّة أَرْبَعمِائَةِ أَلْف أُمَّة كُلّ أُمَّة لَا يَعْلَم عَدَدهَا إِلَّا اللَّه لَا يَمُوت الرَّجُل مِنْهُمْ حَتَّى يُولَد لَهُ أَلْف ذَكَر مِنْ صُلْبه كُلّهمْ قَدْ حَمَلَ السِّلَاح ) قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه صِفْهُمْ لَنَا . قَالَ : ( هُمْ ثَلَاثَة أَصْنَاف صِنْف مِنْهُمْ أَمْثَال الْأَرْز - شَجَر بِالشَّامِ طُول الشَّجَرَة عِشْرُونَ وَمِائَة ذِرَاع - وَصِنْف عَرْضه وَطُوله سَوَاء نَحْوًا مِنْ الذِّرَاع وَصِنْف يَفْتَرِش أُذُنه وَيَلْتَحِف بِالْأُخْرَى لَا يَمُرُّونَ بِفِيلٍ وَلَا وَحْش وَلَا خِنْزِير إِلَّا أَكَلُوهُ وَيَأْكُلُونَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مُقَدِّمَتهمْ بِالشَّامِ وَسَاقَتهمْ بِخُرَاسَان يَشْرَبُونَ أَنْهَار الشَّرْق وَبُحَيْرَة طَبَرِيَّة فَيَمْنَعهُمْ اللَّه مِنْ مَكَّة وَالْمَدِينَة وَبَيْت الْمَقْدِس ) . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : ( وَصِنْف مِنْهُمْ فِي طُول شِبْر , لَهُمْ مَخَالِب وَأَنْيَاب السِّبَاع , وَتَدَاعِي الْحَمَّام , وَتَسَافُد الْبَهَائِم , وَعُوَاء الذِّئَاب , وَشُعُور تَقِيهِمْ الْحَرّ وَالْبَرْد , وَأَذَان عِظَام إِحْدَاهَا وَبَرَة يُشَتُّونَ فِيهَا , وَالْأُخْرَى جِلْدَة يُصَيِّفُونَ فِيهَا , وَيَحْفِرُونَ السَّدّ حَتَّى كَادُوا يَنْقُبُونَهُ فَيُعِيدهُ اللَّه كَمَا كَانَ , فَيَقُولُونَ : نَنْقُبهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فَيَنْقُبُونَهُ وَيَخْرُجُونَ , وَيَتَحَصَّن النَّاس بِالْحُصُونِ , فَيَرْمُونَ إِلَى السَّمَاء فَيُرَدّ السَّهْم عَلَيْهِمْ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ , ثُمَّ يُهْلِكهُمْ اللَّه تَعَالَى بِالنَّغَفِ فِي رِقَابهمْ ) . ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ . وَقَالَ عَلِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْجُوج أُمَّة لَهَا أَرْبَعمِائَةِ أَمِير وَكَذَا مَأْجُوج لَا يَمُوت أَحَدهمْ حَتَّى يَنْظُر إِلَى أَلْف فَارِس مِنْ وَلَده ) .
قُلْت : وَقَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي السُّنَن قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَحْفِرَانِ كُلّ يَوْم حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا فَيُعِيدهُ اللَّه أَشَدّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتهمْ وَأَرَادَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَبْعَثهُمْ عَلَى النَّاس حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فَاسْتَثْنَوْا فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِين تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس فَيَنْشِفُونَ الْمَاء وَيَتَحَصَّن النَّاس مِنْهُمْ فِي حُصُونهمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاء فَيَرْجِع عَلَيْهَا الدَّم - الَّذِي أَحْفَظ - فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْل الْأَرْض وَعَلَوْنَا أَهْل السَّمَاء فَيَبْعَث اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلهُمْ بِهَا ) قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابّ الْأَرْض لَتَسْمَن وَتَشْكُر شُكْرًا مِنْ لُحُومهمْ ) قَالَ الْجَوْهَرِيّ شَكَرَتْ النَّاقَة تَشْكُر شُكْرًا فَهِيَ شَكِرَة ; وَأَشْكَرَ الضَّرْع اِمْتَلَأَ لَبَنًا .
وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : رَآهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ , وَطُول الْوَاحِد مِنْهُمْ مِثْل نِصْف الرَّجُل الْمَرْبُوع مِنَّا , لَهُمْ مَخَالِيب فِي مَوَاضِع الْأَظْفَار وَأَضْرَاس وَأَنْيَاب كَالسِّبَاعِ , وَأَحْنَاك كَأَحْنَاك الْإِبِل , وَهُمْ هُلْب عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّعْر مَا يُوَارِيهِمْ , وَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ أُذُنَانِ عَظِيمَتَانِ , يَلْتَحِف إِحْدَاهُمَا وَيَفْتَرِش الْأُخْرَى , وَكُلّ وَاحِد مِنْهُمْ قَدْ عَرَفَ أَجَله لَا يَمُوت حَتَّى يَخْرُج لَهُ مِنْ صُلْبه أَلْف رَجُل إِنْ كَانَ ذَكَرًا , وَمِنْ رَحِمَهَا أَلْف أُنْثَى إِنْ كَانَتْ أُنْثَى . وَقَالَ السُّدِّيّ وَالضَّحَّاك : التُّرْك شِرْذِمَة مِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج خَرَجَتْ تُغِير , فَجَاءَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَضَرَبَ السَّدّ فَبَقِيَتْ فِي هَذَا الْجَانِب . قَالَ السُّدِّيّ : بُنِيَ السَّدّ عَلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ قَبِيلَة , وَبَقِيَتْ مِنْهُمْ قَبِيلَة وَاحِدَة دُون السَّدّ فَهُمْ التُّرْك . وَقَالَهُ قَتَادَة .
قُلْت : وَإِذَا كَانَ هَذَا , فَقَدْ نَعَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرْك كَمَا نَعَتَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُقَاتِل الْمُسْلِمُونَ التُّرْك قَوْمًا وُجُوههمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَة يَلْبَسُونَ الشَّعْر وَيَمْشُونَ فِي الشَّعْر ) فِي رِوَايَة ( يَنْتَعِلُونَ الشَّعْر ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرهمَا . وَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدهمْ وَكَثْرَتهمْ وَحِدَّة شَوْكَتهمْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( اُتْرُكُوا التُّرْك مَا تَرَكُوكُمْ ) . وَقَدْ خَرَجَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَقْت أُمَم لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّه تَعَالَى , وَلَا يَرُدّهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا اللَّه تَعَالَى , حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج أَوْ مُقَدِّمَتهمْ . وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي بَكْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَنْزِل نَاس مِنْ أُمَّتِي بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ الْبَصْرَة عِنْد نَهَر يُقَال لَهُ دِجْلَة يَكُون عَلَيْهِ جِسْر يَكْثُر أَهْلهَا وَتَكُون مِنْ أَمْصَار الْمُهَاجِرِينَ - قَالَ اِبْن يَحْيَى قَالَ أَبُو مَعْمَر وَتَكُون مِنْ أَمْصَار الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ فِي آخِر الزَّمَان جَاءَ بَنُو قنطوراء عِرَاض الْوُجُوه صِغَار الْأَعْيُن حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى شَاطِئ النَّهَر فَيَتَفَرَّق أَهْلهَا ثَلَاث فِرَق فِرْقَة يَأْخُذُونَ أَذْنَاب الْبَقَر وَالْبَرِّيَّة وَهَلَكُوا وَفِرْقَة يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَفَرُوا وَفِرْقَة يَجْعَلُونَ ذَرَارِيّهمْ خَلْف ظُهُورهمْ وَيُقَاتِلُونَهُمْ وَهُمْ الشُّهَدَاء ) الْغَائِط الْمُطْمَئِنّ مِنْ الْأَرْض وَالْبَصْرَة الْحِجَارَة الرَّخْوَة وَبِهَا سُمِّيَتْ الْبَصْرَة وَبَنُو قنطوراء هُمْ التُّرْك يُقَال : إِنَّ قنطوراء اِسْم جَارِيَة كَانَتْ لِإِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ , وَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا جَاءَ مِنْ نَسْلهمْ التُّرْك .
اِسْتِفْهَام عَلَى جِهَة حُسْن الْأَدَب " خَرْجًا " أَيْ جُعْلًا وَقُرِئَ " خَرَاجًا " وَالْخَرْج أَخَصّ مِنْ الْخَرَاج يُقَال : أَدِّ خَرْج رَأْسك وَخَرَاج مَدِينَتك وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : الْخَرَاج يَقَع عَلَى الضَّرِيبَة , وَيَقَع عَلَى مَال الْفَيْء , وَيَقَع عَلَى الْجِزْيَة وَعَلَى الْغَلَّة وَالْخَرَاج اِسْم لِمَا يُخْرَج مِنْ الْفَرَائِض فِي الْأَمْوَال . وَالْخَرْج : الْمَصْدَر .
أَيْ رَدْمًا ; وَالرَّدْم مَا جُعِلَ بَعْضه عَلَى بَعْض حَتَّى يَتَّصِل وَثَوْب مُرَدَّم أَيْ مُرَقَّع , قَالَهُ الْهَرَوِيّ يُقَال : رَدَمْت الثُّلْمَة أَرْدِمهَا بِالْكَسْرِ رَدْمًا أَيْ سَدَدْتهَا وَالرَّدْم أَيْضًا الِاسْم وَهُوَ السَّدّ وَقِيلَ : الرَّدْم أَبْلَغ مِنْ السَّدّ إِذْ السَّدّ كُلّ مَا يُسَدّ بِهِ وَالرَّدْم وَضْع الشَّيْء عَلَى الشَّيْء مِنْ حِجَارَة أَوْ تُرَاب أَوْ نَحْوه حَتَّى يَقُوم مِنْ ذَلِكَ حِجَاب مَنِيع وَمِنْهُ رَدَمَ ثَوْبه إِذَا رَقَّعَهُ بِرِقَاعٍ مُتَكَاثِفَة بَعْضهَا فَوْق بَعْض وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة : هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاء مِنْ مُتَرَدَّمِ أَيْ مِنْ قَوْل يُرَكَّب بَعْضه عَلَى بَعْض . وَقُرِئَ " سَدًّا " بِالْفَتْحِ فِي السِّين , فَقَالَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ : الضَّمّ هُوَ الِاسْم وَالْفَتْح الْمَصْدَر . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : الْفَتْح وَالضَّمّ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد وَقَالَ عِكْرِمَة وَأَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء وَأَبُو عُبَيْدَة : مَا كَانَ مِنْ خِلْقَة اللَّه لَمْ يُشَارِكهُ فِيهِ أَحَد بِعَمَلٍ فَهُوَ بِالضَّمِّ , وَمَا كَانَ مِنْ صُنْع الْبَشَر فَهُوَ بِالْفَتْحِ . وَيَلْزَم أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة أَنْ يَقْرَءُوا " سَدًّا " بِالْفَتْحِ وَقَبْله " بَيْن السَّدَّيْنِ " بِالضَّمِّ , وَهِيَ قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة عَكْس مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة . وَقَالَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق : مَا رَأَتْهُ عَيْنَاك فَهُوَ سُدّ بِالضَّمِّ وَمَا لَا تَرَى فَهُوَ سَدّ بِالْفَتْحِ .
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى اِتِّخَاذ السُّجُون , وَحَبْس أَهْل الْفَسَاد فِيهَا , وَمَنْعهمْ مِنْ التَّصَرُّف لِمَا يُرِيدُونَهُ , وَلَا يُتْرَكُونَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ , بَلْ يُوجَعُونَ ضَرْبًا وَيُحْبَسُونَ أَوْ يُكَلَّفُونَ وَيُطْلَقُونَ كَمَا فَعَلَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
قَالَ الْأَخْفَش : مَنْ هَمَزَ " يَأْجُوج " فَجَعَلَ الْأَلِفَيْنِ مِنْ الْأَصْل يَقُول : يَأْجُوج يَفْعُول وَمَأْجُوج مَفْعُول كَأَنَّهُ مِنْ أَجِيج النَّار . قَالَ : وَمَنْ لَا يَهْمِز وَيَجْعَل الْأَلِفَيْنِ زَائِدَتَيْنِ يَقُول : " يَاجُوج " مِنْ يَجَجْت وَمَاجُوج مِنْ مَجَجْت وَهُمَا غَيْر مَصْرُوفَيْنِ ; قَالَ رُؤْبَة : لَوْ أَنَّ يَاجُوج وَمَاجُوج مَعًا وَعَادَ عَادٌ وَاسْتَجَاشُوا تُبَّعَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ . وَقِيلَ : إِنَّمَا لَمْ يَنْصَرِفَا لِأَنَّهُمَا اِسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ , مِثْل طَالُوت وَجَالُوت غَيْر مُشْتَقَّيْنِ ; عِلَّتَاهُمَا فِي مَنْع الصَّرْف الْعُجْمَة وَالتَّعْرِيف وَالتَّأْنِيث . وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ مُعَرَّب مِنْ أَجَّ وَأَجَّجَ عِلَّتَاهُمَا فِي مَنْع الصَّرْف التَّعْرِيف وَالتَّأْنِيث . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُونَا عَرَبِيَّيْنِ ; فَمَنْ هَمَزَ " يَأْجُوج " فَهُوَ عَلَى وَزْن يَفْعُول مِثْل يَرْبُوع , مِنْ قَوْلك أَجَّتْ النَّار أَيْ ضَوِيَتْ , وَمِنْهُ الْأَجِيج , وَمِنْهُ مِلْح أُجَاج , وَمَنْ لَمْ يَهْمِز أَمْكَنَ أَنْ يَكُون خَفَّفَ الْهَمْزَة فَقَلَبَهَا أَلِفًا مِثْل رَأْس , وَأَمَّا " مَأْجُوج " فَهُوَ مَفْعُول مِنْ أَجَّ , وَالْكَلِمَتَانِ مِنْ أَصْل وَاحِد فِي الِاشْتِقَاق وَمَنْ لَمْ يَهْمِز فَيَجُوز أَنْ يَكُون خَفَّفَ الْهَمْزَة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون فَاعُولًا مِنْ مَجَّ , وَتَرْك الصَّرْف فِيهِمَا لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّعْرِيف كَأَنَّهُ اِسْم لِلْقَبِيلَةِ . وَاخْتُلِفَ فِي إِفْسَادهمْ ; سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز : إِفْسَادهمْ أَكْل بَنِي آدَم . وَقَالَتْ فِرْقَة : إِفْسَادهمْ إِنَّمَا كَانَ مُتَوَقَّعًا , أَيْ سَيُفْسِدُونَ , فَطَلَبُوا وَجْه التَّحَرُّز مِنْهُمْ . وَقَالَتْ فِرْقَة : إِفْسَادهمْ هُوَ الظُّلْم وَالْغَشْم وَالْقَتْل وَسَائِر وُجُوه الْإِفْسَاد الْمَعْلُوم مِنْ الْبَشَر , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَار بِصِفَتِهِمْ وَخُرُوجهمْ وَأَنَّهُمْ وَلَد يَافِث . رَوَى أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وُلِدَ لِنُوحٍ سَام وَحَام وَيَافِث فَوَلَدَ سَام الْعَرَب وَفَارِس وَالرُّوم وَالْخَيْر فِيهِمْ وَوَلَدَ يَافث يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالتُّرْك وَالصَّقَالِبَة وَلَا خَيْر فِيهِمْ وَوَلَدَ حَام الْقِبْط وَالْبَرْبَر وَالسُّودَان ) . وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار : اِحْتَلَمَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَاخْتَلَطَ مَاؤُهُ بِالتُّرَابِ فَأَسِفَ فَخُلِقُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاء , فَهُمْ مُتَّصِلُونَ بِنَا مِنْ جِهَة الْأَب لَا مِنْ جِهَة الْأُمّ . وَهَذَا فِيهِ نَظَر ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ لَا يَحْتَلِمُونَ , وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ وَلَد يَافِث , وَكَذَلِكَ قَالَ مُقَاتِل وَغَيْره . وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَمُوت رَجُل مِنْهُمْ حَتَّى يُولَد لِصُلْبِهِ أَلْف رَجُل ) . يَعْنِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج . وَقَالَ أَبُو سَعِيد : ( هُمْ خَمْس وَعِشْرُونَ قَبِيلَة مِنْ وَرَاء يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَا يَمُوت الرَّجُل مِنْ هَؤُلَاءِ وَمِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج حَتَّى يَخْرُج مِنْ صُلْبه أَلْف رَجُل ) ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( يَأْجُوج وَمَأْجُوج أُمَّتَانِ كُلّ أُمَّة أَرْبَعمِائَةِ أَلْف أُمَّة كُلّ أُمَّة لَا يَعْلَم عَدَدهَا إِلَّا اللَّه لَا يَمُوت الرَّجُل مِنْهُمْ حَتَّى يُولَد لَهُ أَلْف ذَكَر مِنْ صُلْبه كُلّهمْ قَدْ حَمَلَ السِّلَاح ) قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه صِفْهُمْ لَنَا . قَالَ : ( هُمْ ثَلَاثَة أَصْنَاف صِنْف مِنْهُمْ أَمْثَال الْأَرْز - شَجَر بِالشَّامِ طُول الشَّجَرَة عِشْرُونَ وَمِائَة ذِرَاع - وَصِنْف عَرْضه وَطُوله سَوَاء نَحْوًا مِنْ الذِّرَاع وَصِنْف يَفْتَرِش أُذُنه وَيَلْتَحِف بِالْأُخْرَى لَا يَمُرُّونَ بِفِيلٍ وَلَا وَحْش وَلَا خِنْزِير إِلَّا أَكَلُوهُ وَيَأْكُلُونَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مُقَدِّمَتهمْ بِالشَّامِ وَسَاقَتهمْ بِخُرَاسَان يَشْرَبُونَ أَنْهَار الشَّرْق وَبُحَيْرَة طَبَرِيَّة فَيَمْنَعهُمْ اللَّه مِنْ مَكَّة وَالْمَدِينَة وَبَيْت الْمَقْدِس ) . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : ( وَصِنْف مِنْهُمْ فِي طُول شِبْر , لَهُمْ مَخَالِب وَأَنْيَاب السِّبَاع , وَتَدَاعِي الْحَمَّام , وَتَسَافُد الْبَهَائِم , وَعُوَاء الذِّئَاب , وَشُعُور تَقِيهِمْ الْحَرّ وَالْبَرْد , وَأَذَان عِظَام إِحْدَاهَا وَبَرَة يُشَتُّونَ فِيهَا , وَالْأُخْرَى جِلْدَة يُصَيِّفُونَ فِيهَا , وَيَحْفِرُونَ السَّدّ حَتَّى كَادُوا يَنْقُبُونَهُ فَيُعِيدهُ اللَّه كَمَا كَانَ , فَيَقُولُونَ : نَنْقُبهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فَيَنْقُبُونَهُ وَيَخْرُجُونَ , وَيَتَحَصَّن النَّاس بِالْحُصُونِ , فَيَرْمُونَ إِلَى السَّمَاء فَيُرَدّ السَّهْم عَلَيْهِمْ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ , ثُمَّ يُهْلِكهُمْ اللَّه تَعَالَى بِالنَّغَفِ فِي رِقَابهمْ ) . ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ . وَقَالَ عَلِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْجُوج أُمَّة لَهَا أَرْبَعمِائَةِ أَمِير وَكَذَا مَأْجُوج لَا يَمُوت أَحَدهمْ حَتَّى يَنْظُر إِلَى أَلْف فَارِس مِنْ وَلَده ) .
قُلْت : وَقَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي السُّنَن قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَحْفِرَانِ كُلّ يَوْم حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا فَيُعِيدهُ اللَّه أَشَدّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتهمْ وَأَرَادَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَبْعَثهُمْ عَلَى النَّاس حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فَاسْتَثْنَوْا فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِين تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس فَيَنْشِفُونَ الْمَاء وَيَتَحَصَّن النَّاس مِنْهُمْ فِي حُصُونهمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاء فَيَرْجِع عَلَيْهَا الدَّم - الَّذِي أَحْفَظ - فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْل الْأَرْض وَعَلَوْنَا أَهْل السَّمَاء فَيَبْعَث اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلهُمْ بِهَا ) قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابّ الْأَرْض لَتَسْمَن وَتَشْكُر شُكْرًا مِنْ لُحُومهمْ ) قَالَ الْجَوْهَرِيّ شَكَرَتْ النَّاقَة تَشْكُر شُكْرًا فَهِيَ شَكِرَة ; وَأَشْكَرَ الضَّرْع اِمْتَلَأَ لَبَنًا .
وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : رَآهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ , وَطُول الْوَاحِد مِنْهُمْ مِثْل نِصْف الرَّجُل الْمَرْبُوع مِنَّا , لَهُمْ مَخَالِيب فِي مَوَاضِع الْأَظْفَار وَأَضْرَاس وَأَنْيَاب كَالسِّبَاعِ , وَأَحْنَاك كَأَحْنَاك الْإِبِل , وَهُمْ هُلْب عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّعْر مَا يُوَارِيهِمْ , وَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ أُذُنَانِ عَظِيمَتَانِ , يَلْتَحِف إِحْدَاهُمَا وَيَفْتَرِش الْأُخْرَى , وَكُلّ وَاحِد مِنْهُمْ قَدْ عَرَفَ أَجَله لَا يَمُوت حَتَّى يَخْرُج لَهُ مِنْ صُلْبه أَلْف رَجُل إِنْ كَانَ ذَكَرًا , وَمِنْ رَحِمَهَا أَلْف أُنْثَى إِنْ كَانَتْ أُنْثَى . وَقَالَ السُّدِّيّ وَالضَّحَّاك : التُّرْك شِرْذِمَة مِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج خَرَجَتْ تُغِير , فَجَاءَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَضَرَبَ السَّدّ فَبَقِيَتْ فِي هَذَا الْجَانِب . قَالَ السُّدِّيّ : بُنِيَ السَّدّ عَلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ قَبِيلَة , وَبَقِيَتْ مِنْهُمْ قَبِيلَة وَاحِدَة دُون السَّدّ فَهُمْ التُّرْك . وَقَالَهُ قَتَادَة .
قُلْت : وَإِذَا كَانَ هَذَا , فَقَدْ نَعَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرْك كَمَا نَعَتَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُقَاتِل الْمُسْلِمُونَ التُّرْك قَوْمًا وُجُوههمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَة يَلْبَسُونَ الشَّعْر وَيَمْشُونَ فِي الشَّعْر ) فِي رِوَايَة ( يَنْتَعِلُونَ الشَّعْر ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرهمَا . وَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدهمْ وَكَثْرَتهمْ وَحِدَّة شَوْكَتهمْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( اُتْرُكُوا التُّرْك مَا تَرَكُوكُمْ ) . وَقَدْ خَرَجَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَقْت أُمَم لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّه تَعَالَى , وَلَا يَرُدّهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا اللَّه تَعَالَى , حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج أَوْ مُقَدِّمَتهمْ . وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي بَكْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَنْزِل نَاس مِنْ أُمَّتِي بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ الْبَصْرَة عِنْد نَهَر يُقَال لَهُ دِجْلَة يَكُون عَلَيْهِ جِسْر يَكْثُر أَهْلهَا وَتَكُون مِنْ أَمْصَار الْمُهَاجِرِينَ - قَالَ اِبْن يَحْيَى قَالَ أَبُو مَعْمَر وَتَكُون مِنْ أَمْصَار الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ فِي آخِر الزَّمَان جَاءَ بَنُو قنطوراء عِرَاض الْوُجُوه صِغَار الْأَعْيُن حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى شَاطِئ النَّهَر فَيَتَفَرَّق أَهْلهَا ثَلَاث فِرَق فِرْقَة يَأْخُذُونَ أَذْنَاب الْبَقَر وَالْبَرِّيَّة وَهَلَكُوا وَفِرْقَة يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَفَرُوا وَفِرْقَة يَجْعَلُونَ ذَرَارِيّهمْ خَلْف ظُهُورهمْ وَيُقَاتِلُونَهُمْ وَهُمْ الشُّهَدَاء ) الْغَائِط الْمُطْمَئِنّ مِنْ الْأَرْض وَالْبَصْرَة الْحِجَارَة الرَّخْوَة وَبِهَا سُمِّيَتْ الْبَصْرَة وَبَنُو قنطوراء هُمْ التُّرْك يُقَال : إِنَّ قنطوراء اِسْم جَارِيَة كَانَتْ لِإِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ , وَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا جَاءَ مِنْ نَسْلهمْ التُّرْك .
اِسْتِفْهَام عَلَى جِهَة حُسْن الْأَدَب " خَرْجًا " أَيْ جُعْلًا وَقُرِئَ " خَرَاجًا " وَالْخَرْج أَخَصّ مِنْ الْخَرَاج يُقَال : أَدِّ خَرْج رَأْسك وَخَرَاج مَدِينَتك وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : الْخَرَاج يَقَع عَلَى الضَّرِيبَة , وَيَقَع عَلَى مَال الْفَيْء , وَيَقَع عَلَى الْجِزْيَة وَعَلَى الْغَلَّة وَالْخَرَاج اِسْم لِمَا يُخْرَج مِنْ الْفَرَائِض فِي الْأَمْوَال . وَالْخَرْج : الْمَصْدَر .
أَيْ رَدْمًا ; وَالرَّدْم مَا جُعِلَ بَعْضه عَلَى بَعْض حَتَّى يَتَّصِل وَثَوْب مُرَدَّم أَيْ مُرَقَّع , قَالَهُ الْهَرَوِيّ يُقَال : رَدَمْت الثُّلْمَة أَرْدِمهَا بِالْكَسْرِ رَدْمًا أَيْ سَدَدْتهَا وَالرَّدْم أَيْضًا الِاسْم وَهُوَ السَّدّ وَقِيلَ : الرَّدْم أَبْلَغ مِنْ السَّدّ إِذْ السَّدّ كُلّ مَا يُسَدّ بِهِ وَالرَّدْم وَضْع الشَّيْء عَلَى الشَّيْء مِنْ حِجَارَة أَوْ تُرَاب أَوْ نَحْوه حَتَّى يَقُوم مِنْ ذَلِكَ حِجَاب مَنِيع وَمِنْهُ رَدَمَ ثَوْبه إِذَا رَقَّعَهُ بِرِقَاعٍ مُتَكَاثِفَة بَعْضهَا فَوْق بَعْض وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة : هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاء مِنْ مُتَرَدَّمِ أَيْ مِنْ قَوْل يُرَكَّب بَعْضه عَلَى بَعْض . وَقُرِئَ " سَدًّا " بِالْفَتْحِ فِي السِّين , فَقَالَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ : الضَّمّ هُوَ الِاسْم وَالْفَتْح الْمَصْدَر . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : الْفَتْح وَالضَّمّ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد وَقَالَ عِكْرِمَة وَأَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء وَأَبُو عُبَيْدَة : مَا كَانَ مِنْ خِلْقَة اللَّه لَمْ يُشَارِكهُ فِيهِ أَحَد بِعَمَلٍ فَهُوَ بِالضَّمِّ , وَمَا كَانَ مِنْ صُنْع الْبَشَر فَهُوَ بِالْفَتْحِ . وَيَلْزَم أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة أَنْ يَقْرَءُوا " سَدًّا " بِالْفَتْحِ وَقَبْله " بَيْن السَّدَّيْنِ " بِالضَّمِّ , وَهِيَ قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة عَكْس مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة . وَقَالَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق : مَا رَأَتْهُ عَيْنَاك فَهُوَ سُدّ بِالضَّمِّ وَمَا لَا تَرَى فَهُوَ سَدّ بِالْفَتْحِ .
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى اِتِّخَاذ السُّجُون , وَحَبْس أَهْل الْفَسَاد فِيهَا , وَمَنْعهمْ مِنْ التَّصَرُّف لِمَا يُرِيدُونَهُ , وَلَا يُتْرَكُونَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ , بَلْ يُوجَعُونَ ضَرْبًا وَيُحْبَسُونَ أَوْ يُكَلَّفُونَ وَيُطْلَقُونَ كَمَا فَعَلَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ↓
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : [ الْأُولَى ] قَوْله تَعَالَى : " قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْر فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ " الْمَعْنَى قَالَ لَهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ : مَا بَسَطَهُ اللَّه تَعَالَى لِي مِنْ الْقُدْرَة وَالْمُلْك خَيْر مِنْ خَرْجكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِقُوَّةٍ الْأَبْدَان , أَيْ بِرِجَالٍ وَعَمَل مِنْكُمْ بِالْأَبْدَانِ , وَالْآلَة الَّتِي أَبْنِي بِهَا الرَّدْم وَهُوَ السَّدّ وَهَذَا تَأْيِيد مِنْ اللَّه تَعَالَى لِذِي الْقَرْنَيْنِ فِي هَذِهِ الْمُحَاوَرَة فَإِنَّ الْقَوْم لَوْ جَمَعُوا لَهُ خَرْجًا لَمْ يُعِنْهُ أَحَد وَلَوَكَلُوهُ إِلَى الْبُنْيَان وَمَعُونَته بِأَنْفُسِهِمْ أَجْمَل بِهِ وَأَسْرَع فِي اِنْقِضَاء هَذَا الْعَمَل وَرُبَّمَا أَرْبَى مَا ذَكَرُوهُ لَهُ عَلَى الْخَرْج . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَحْده " مَا مَكَّنَنِي " بِنُونَيْنِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي "
[ الثَّانِيَة ] فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَلِك فَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُوم بِحِمَايَةِ الْخَلْق فِي حِفْظ بَيْضَتهمْ , وَسَدّ فُرْجَتهمْ , وَإِصْلَاح ثُغُورهمْ , مِنْ أَمْوَالهمْ الَّتِي تَفِيء عَلَيْهِمْ , وَحُقُوقهمْ الَّتِي تَجْمَعهَا خِزَانَتهمْ تَحْت يَده وَنَظَره , حَتَّى لَوْ أَكَلَتْهَا الْحُقُوق , وَأَنْفَذَتْهَا الْمُؤَن , لَكَانَ عَلَيْهِمْ جَبْر ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالهمْ , وَعَلَيْهِ حُسْن النَّظَر لَهُمْ ; وَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ شُرُوط : الْأَوَّل : أَلَّا يَسْتَأْثِر عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ . الثَّانِي : أَنْ يَبْدَأ بِأَهْلِ الْحَاجَة فَيُعِينهُمْ الثَّالِث أَنْ يُسَوِّي فِي الْعَطَاء بَيْنهمْ عَلَى قَدْر مَنَازِلهمْ , فَإِذَا فَنِيَتْ بَعْد هَذَا وَبَقِيَتْ صِفْرًا فَأَطْلَعَتْ الْحَوَادِث أَمْرًا بَذَلُوا أَنْفُسهمْ قَبْل أَمْوَالهمْ , فَإِنْ لَمْ يُغْنِ ذَلِكَ فَأَمْوَالهمْ تُؤْخَذ مِنْهُمْ عَلَى تَقْدِير , وَتَصْرِيف بِتَدْبِيرٍ ; فَهَذَا ذُو الْقَرْنَيْنِ لَمَّا عَرَضُوا عَلَيْهِ الْمَال فِي أَنْ يَكُفّ عَنْهُمْ مَا يَحْذَرُونَهُ مِنْ عَادِيَة يَأْجُوج وَمَأْجُوج قَالَ : لَسْت أَحْتَاج إِلَيْهِ وَإِنَّمَا أَحْتَاج إِلَيْكُمْ " فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ " أَيْ اِخْدِمُوا بِأَنْفُسِكُمْ مَعِي , فَإِنَّ الْأَمْوَال عِنْدِي وَالرِّجَال عِنْدكُمْ , وَرَأَى أَنَّ الْأَمْوَال لَا تُغْنِي عَنْهُمْ , فَإِنَّهُ إِنْ أَخَذَهَا أُجْرَة نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاج إِلَيْهِ , فَيَعُود بِالْأَجْرِ عَلَيْهِمْ , فَكَانَ التَّطَوُّع بِخِدْمَةِ الْأَبْدَان أَوْلَى . وَضَابِط الْأَمْر أَنَّهُ لَا يَحِلّ مَال أَحَد إِلَّا لِضَرُورَةٍ تَعْرِض , فَيُؤْخَذ ذَلِكَ الْمَال جَهْرًا لَا سِرًّا , وَيُنْفَق بِالْعَدْلِ لَا بِالِاسْتِئْثَارِ , وَبِرَأْيِ الْجَمَاعَة لَا بِالِاسْتِبْدَادِ بِالْأَمْرِ . وَاَللَّه تَعَالَى الْمُوَفِّق لِلصَّوَابِ .
[ الثَّانِيَة ] فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَلِك فَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُوم بِحِمَايَةِ الْخَلْق فِي حِفْظ بَيْضَتهمْ , وَسَدّ فُرْجَتهمْ , وَإِصْلَاح ثُغُورهمْ , مِنْ أَمْوَالهمْ الَّتِي تَفِيء عَلَيْهِمْ , وَحُقُوقهمْ الَّتِي تَجْمَعهَا خِزَانَتهمْ تَحْت يَده وَنَظَره , حَتَّى لَوْ أَكَلَتْهَا الْحُقُوق , وَأَنْفَذَتْهَا الْمُؤَن , لَكَانَ عَلَيْهِمْ جَبْر ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالهمْ , وَعَلَيْهِ حُسْن النَّظَر لَهُمْ ; وَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ شُرُوط : الْأَوَّل : أَلَّا يَسْتَأْثِر عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ . الثَّانِي : أَنْ يَبْدَأ بِأَهْلِ الْحَاجَة فَيُعِينهُمْ الثَّالِث أَنْ يُسَوِّي فِي الْعَطَاء بَيْنهمْ عَلَى قَدْر مَنَازِلهمْ , فَإِذَا فَنِيَتْ بَعْد هَذَا وَبَقِيَتْ صِفْرًا فَأَطْلَعَتْ الْحَوَادِث أَمْرًا بَذَلُوا أَنْفُسهمْ قَبْل أَمْوَالهمْ , فَإِنْ لَمْ يُغْنِ ذَلِكَ فَأَمْوَالهمْ تُؤْخَذ مِنْهُمْ عَلَى تَقْدِير , وَتَصْرِيف بِتَدْبِيرٍ ; فَهَذَا ذُو الْقَرْنَيْنِ لَمَّا عَرَضُوا عَلَيْهِ الْمَال فِي أَنْ يَكُفّ عَنْهُمْ مَا يَحْذَرُونَهُ مِنْ عَادِيَة يَأْجُوج وَمَأْجُوج قَالَ : لَسْت أَحْتَاج إِلَيْهِ وَإِنَّمَا أَحْتَاج إِلَيْكُمْ " فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ " أَيْ اِخْدِمُوا بِأَنْفُسِكُمْ مَعِي , فَإِنَّ الْأَمْوَال عِنْدِي وَالرِّجَال عِنْدكُمْ , وَرَأَى أَنَّ الْأَمْوَال لَا تُغْنِي عَنْهُمْ , فَإِنَّهُ إِنْ أَخَذَهَا أُجْرَة نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاج إِلَيْهِ , فَيَعُود بِالْأَجْرِ عَلَيْهِمْ , فَكَانَ التَّطَوُّع بِخِدْمَةِ الْأَبْدَان أَوْلَى . وَضَابِط الْأَمْر أَنَّهُ لَا يَحِلّ مَال أَحَد إِلَّا لِضَرُورَةٍ تَعْرِض , فَيُؤْخَذ ذَلِكَ الْمَال جَهْرًا لَا سِرًّا , وَيُنْفَق بِالْعَدْلِ لَا بِالِاسْتِئْثَارِ , وَبِرَأْيِ الْجَمَاعَة لَا بِالِاسْتِبْدَادِ بِالْأَمْرِ . وَاَللَّه تَعَالَى الْمُوَفِّق لِلصَّوَابِ .
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ↓
أَيْ أَعْطُونِي زُبَر الْحَدِيد وَنَاوِلُونِيهَا أَمَرَهُمْ بِنَقْلِ الْآلَة , وَهَذَا كُلّه إِنَّمَا هُوَ اِسْتِدْعَاء الْعَطِيَّة الَّتِي بِغَيْرِ مَعْنَى الْهِبَة , وَإِنَّمَا هُوَ اِسْتِدْعَاء لِلْمُنَاوَلَةِ , لِأَنَّهُ قَدْ اِرْتَبَطَ مِنْ قَوْله : إِنَّهُ لَا يَأْخُذ مِنْهُمْ الْخَرْج فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اِسْتِدْعَاء الْمُنَاوَلَة , وَأَعْمَال الْأَبْدَان . و " زُبَر الْحَدِيد " قِطَع الْحَدِيد . وَأَصْل الْكَلِمَة الِاجْتِمَاع , وَمِنْهُ زُبْرَة الْأَسَد لِمَا اِجْتَمَعَ مِنْ الشَّعْر عَلَى كَاهِله . وَزَبَرْت الْكِتَاب أَيْ كَتَبْته وَجَمَعْت حُرُوفه . وَقَرَأَ أَبُو بَكْر وَالْمُفَضَّل " رَدْمًا ايتُونِي " مِنْ الْإِتْيَان الَّذِي هُوَ الْمَجِيء ; أَيْ جِيئُونِي بِزُبَرِ الْحَدِيد , فَلَمَّا سَقَطَ الْخَافِض اِنْتَصَبَ الْفِعْل عَلَى نَحْو قَوْل الشَّاعِر : أَمَرْتُك الْخَيْر . .. حَذَفَ الْجَار فَنَصَبَ الْفِعْل وَقَرَأَ الْجُمْهُور " زُبَرَ " بِفَتْحِ الْبَاء وَقَرَأَ الْحَسَن بِضَمِّهَا ; وَكُلّ ذَلِكَ جَمْع زُبْرَة وَهِيَ الْقِطْعَة الْعَظِيمَة مِنْهُ .
يَعْنِي الْبِنَاء فَحُذِفَ لِقُوَّةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : هُمَا جَانِبَا الْجَبَل , وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِتَصَادُفِهِمَا أَيْ لِتَلَاقِيهِمَا . وَقَالَهُ الزُّهْرِيّ وَابْن عَبَّاس ; ( كَأَنَّهُ يُعْرِض عَنْ الْآخَر ) مِنْ الصُّدُوف ; قَالَ الشَّاعِر : كِلَا الصَّدَفَيْنِ يَنْفُذهُ سَنَاهَا تَوَقَّدَ مِثْل مِصْبَاح الظَّلَام وَيُقَال لِلْبِنَاءِ الْمُرْتَفِع صَدَف تَشْبِيه بِجَانِبِ الْجَبَل . وَفِي الْحَدِيث : كَانَ إِذَا مَرَّ بِصَدَفٍ مَائِل أَسْرَعَ الْمَشْي . قَالَ أَبُو عُبَيْد : الصَّدَف وَالْهَدَف كُلّ بِنَاء عَظِيم مُرْتَفِع . اِبْن عَطِيَّة : الصَّدَفَانِ الْجَبَلَانِ الْمُتَنَاوِحَانِ وَلَا يُقَال لِلْوَاحِدِ صَدَف , وَإِنَّمَا يُقَال صَدَفَانِ لِلِاثْنَيْنِ ; لِأَنَّ أَحَدهمَا يُصَادِف الْآخَر . وَقَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " الصَّدَفَيْنِ " بِفَتْحِ الصَّاد وَشَدّهَا وَفَتْح الدَّال , وَهِيَ قِرَاءَة عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْدَة لِأَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَات . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن عَامِر وَأَبُو عَمْرو " الصُّدُفَيْنِ " بِضَمِّ الصَّاد وَالدَّال وَقَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر " الصُّدْفَيْنِ " بِضَمِّ الصَّاد وَسُكُون الدَّال , نَحْو الْجُرْف وَالْجُرُف فَهُوَ تَخْفِيف . وَقَرَأَ اِبْن الْمَاجِشُون بِفَتْحِ الصَّاد وَضَمّ الدَّال . وَقَرَأَ قَتَادَة " بَيْن الصَّدْفَيْنِ " بِفَتْحِ الصَّاد وَسُكُون الدَّال , وَكُلّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِد وَهُمَا الْجَبَلَانِ الْمُتَنَاوِحَانِ .
" قَالَ اُنْفُخُوا " أَيْ عَلَى زُبَر الْحَدِيد بِالْأَكْيَارِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُر بِوَضْعِ طَاقَة مِنْ الزُّبَر وَالْحِجَارَة , ثُمَّ يُوقَد عَلَيْهَا الْحَطَب وَالْفَحْم بِالْمَنَافِخِ حَتَّى تُحْمَى , وَالْحَدِيد إِذَا أُوقِدَ عَلَيْهِ صَارَ كَالنَّارِ , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا " ثُمَّ يُؤْتَى بِالنُّحَاسِ الْمُذَاب أَوْ بِالرَّصَاصِ أَوْ بِالْحَدِيدِ بِحَسَبِ الْخِلَاف فِي الْقِطْر , فَيُفْرِغهُ عَلَى تِلْكَ الطَّاقَة الْمُنَضَّدَة , فَإِذَا اِلْتَأَمَ وَاشْتَدَّ وَلَصِقَ الْبَعْض بِالْبَعْضِ اِسْتَأْنَفَ وَضْع طَاقَة أُخْرَى , إِلَى أَنْ اِسْتَوَى الْعَمَل فَصَارَ جَبَلًا صَلْدًا . قَالَ قَتَادَة : هُوَ كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّر , طَرِيقَة سَوْدَاء , وَطَرِيقَة حَمْرَاء . وَيُرْوَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جَاءَهُ رَجُل فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَأَيْت سَدّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , قَالَ : ( كَيْفَ رَأَيْته ) قَالَ : رَأَيْته كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّر , طَرِيقَة صَفْرَاء , وَطَرِيقَة حَمْرَاء , وَطَرِيقَة سَوْدَاء , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَدْ رَأَيْته ) . وَمَعْنَى " حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا " أَيْ كَالنَّارِ .
أَيْ أَعْطُونِي قِطْرًا أُفْرِغ عَلَيْهِ , عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير . وَمَنْ قَرَأَ " اِئْتُونِي " فَالْمَعْنَى عِنْده تَعَالَوْا أُفْرِغ عَلَيْهِ نُحَاسًا . وَالْقَطْر عِنْد أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ النُّحَاس الْمُذَاب , وَأَصْله مِنْ الْقَطْر ; لِأَنَّهُ إِذَا أُذِيبَ قَطَّرَ كَمَا يُقَطِّر الْمَاء وَقَالَتْ فِرْقَة : الْقَطْر الْحَدِيد الْمُذَاب . وَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : الرَّصَاص الْمُذَاب . وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ قَطَرَ يَقْطُرُ قَطْرًا . وَمِنْهُ " وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْن الْقِطْر " .
يَعْنِي الْبِنَاء فَحُذِفَ لِقُوَّةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : هُمَا جَانِبَا الْجَبَل , وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِتَصَادُفِهِمَا أَيْ لِتَلَاقِيهِمَا . وَقَالَهُ الزُّهْرِيّ وَابْن عَبَّاس ; ( كَأَنَّهُ يُعْرِض عَنْ الْآخَر ) مِنْ الصُّدُوف ; قَالَ الشَّاعِر : كِلَا الصَّدَفَيْنِ يَنْفُذهُ سَنَاهَا تَوَقَّدَ مِثْل مِصْبَاح الظَّلَام وَيُقَال لِلْبِنَاءِ الْمُرْتَفِع صَدَف تَشْبِيه بِجَانِبِ الْجَبَل . وَفِي الْحَدِيث : كَانَ إِذَا مَرَّ بِصَدَفٍ مَائِل أَسْرَعَ الْمَشْي . قَالَ أَبُو عُبَيْد : الصَّدَف وَالْهَدَف كُلّ بِنَاء عَظِيم مُرْتَفِع . اِبْن عَطِيَّة : الصَّدَفَانِ الْجَبَلَانِ الْمُتَنَاوِحَانِ وَلَا يُقَال لِلْوَاحِدِ صَدَف , وَإِنَّمَا يُقَال صَدَفَانِ لِلِاثْنَيْنِ ; لِأَنَّ أَحَدهمَا يُصَادِف الْآخَر . وَقَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " الصَّدَفَيْنِ " بِفَتْحِ الصَّاد وَشَدّهَا وَفَتْح الدَّال , وَهِيَ قِرَاءَة عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْدَة لِأَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَات . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن عَامِر وَأَبُو عَمْرو " الصُّدُفَيْنِ " بِضَمِّ الصَّاد وَالدَّال وَقَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر " الصُّدْفَيْنِ " بِضَمِّ الصَّاد وَسُكُون الدَّال , نَحْو الْجُرْف وَالْجُرُف فَهُوَ تَخْفِيف . وَقَرَأَ اِبْن الْمَاجِشُون بِفَتْحِ الصَّاد وَضَمّ الدَّال . وَقَرَأَ قَتَادَة " بَيْن الصَّدْفَيْنِ " بِفَتْحِ الصَّاد وَسُكُون الدَّال , وَكُلّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِد وَهُمَا الْجَبَلَانِ الْمُتَنَاوِحَانِ .
" قَالَ اُنْفُخُوا " أَيْ عَلَى زُبَر الْحَدِيد بِالْأَكْيَارِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُر بِوَضْعِ طَاقَة مِنْ الزُّبَر وَالْحِجَارَة , ثُمَّ يُوقَد عَلَيْهَا الْحَطَب وَالْفَحْم بِالْمَنَافِخِ حَتَّى تُحْمَى , وَالْحَدِيد إِذَا أُوقِدَ عَلَيْهِ صَارَ كَالنَّارِ , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا " ثُمَّ يُؤْتَى بِالنُّحَاسِ الْمُذَاب أَوْ بِالرَّصَاصِ أَوْ بِالْحَدِيدِ بِحَسَبِ الْخِلَاف فِي الْقِطْر , فَيُفْرِغهُ عَلَى تِلْكَ الطَّاقَة الْمُنَضَّدَة , فَإِذَا اِلْتَأَمَ وَاشْتَدَّ وَلَصِقَ الْبَعْض بِالْبَعْضِ اِسْتَأْنَفَ وَضْع طَاقَة أُخْرَى , إِلَى أَنْ اِسْتَوَى الْعَمَل فَصَارَ جَبَلًا صَلْدًا . قَالَ قَتَادَة : هُوَ كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّر , طَرِيقَة سَوْدَاء , وَطَرِيقَة حَمْرَاء . وَيُرْوَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جَاءَهُ رَجُل فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَأَيْت سَدّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , قَالَ : ( كَيْفَ رَأَيْته ) قَالَ : رَأَيْته كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّر , طَرِيقَة صَفْرَاء , وَطَرِيقَة حَمْرَاء , وَطَرِيقَة سَوْدَاء , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَدْ رَأَيْته ) . وَمَعْنَى " حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا " أَيْ كَالنَّارِ .
أَيْ أَعْطُونِي قِطْرًا أُفْرِغ عَلَيْهِ , عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير . وَمَنْ قَرَأَ " اِئْتُونِي " فَالْمَعْنَى عِنْده تَعَالَوْا أُفْرِغ عَلَيْهِ نُحَاسًا . وَالْقَطْر عِنْد أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ النُّحَاس الْمُذَاب , وَأَصْله مِنْ الْقَطْر ; لِأَنَّهُ إِذَا أُذِيبَ قَطَّرَ كَمَا يُقَطِّر الْمَاء وَقَالَتْ فِرْقَة : الْقَطْر الْحَدِيد الْمُذَاب . وَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : الرَّصَاص الْمُذَاب . وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ قَطَرَ يَقْطُرُ قَطْرًا . وَمِنْهُ " وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْن الْقِطْر " .
أَيْ مَا اِسْتَطَاعَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج أَنْ يَعْلُوهُ وَيَصْعَدُوا فِيهِ ; لِأَنَّهُ أَمْلَس مُسْتَوٍ مَعَ الْجَبَل وَالْجَبَل عَالٍ لَا يُرَام . وَارْتِفَاع السَّدّ مِائَتَا ذِرَاع وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا . وَرُوِيَ : فِي طُوله مَا بَيْن طَرَفَيْ الْجَبَلَيْنِ مِائَة فَرْسَخ , وَفِي عَرْضه خَمْسُونَ فَرْسَخ ; قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه .
لِبُعْدِ عَرْضه وَقُوَّته . وَرُوِيَ فِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِثْل هَذِهِ ) وَعَقَدَ وَهْب بْن مُنَبِّه بِيَدِهِ تِسْعِينَ وَفِي رِوَايَة - وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَام وَاَلَّتِي تَلِيهَا . .. ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَذَكَرَ يَحْيَى بْن سَلَّام عَنْ سَعْد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَخْرِقُونَ السَّدّ كُلّ يَوْم حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا فَيُعِيدهُ اللَّه كَأَشَدّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتهمْ وَأَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْعَثهُمْ عَلَى النَّاس حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ إِنْ شَاءَ اللَّه فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِين تَرَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس . .. ) الْحَدِيث وَقَدْ تَقَدَّمَ . قَوْله تَعَالَى : " فَمَا اِسْطَاعُوا " بِتَخْفِيفِ الطَّاء عَلَى قِرَاءَة الْجُمْهُور . وَقِيلَ : هِيَ لُغَة بِمَعْنَى اِسْتَطَاعُوا . وَقِيلَ : بَلْ اِسْتَطَاعُوا بِعَيْنِهِ كَثُرَ فِي كَلَام الْعَرَب حَتَّى حَذَفَ بَعْضهمْ مِنْهُ التَّاء فَقَالُوا : اِسْطَاعُوا . وَحَذَفَ بَعْضهمْ مِنْهُ الطَّاء فَقَالَ اسْتَاع يَسْتِيع بِمَعْنَى اِسْتَطَاعَ يَسْتَطِيع , وَهِيَ لُغَة مَشْهُورَة . وَقَرَأَ حَمْزَة وَحْده " فَمَا اِسْطَاعُوا " بِتَشْدِيدِ الطَّاء كَأَنَّهُ أَرَادَ اِسْتَطَاعُوا , ثُمَّ أَدْغَمَ التَّاء فِي الطَّاء فَشَدَّدَهَا , وَهِيَ قِرَاءَة ضَعِيفَة الْوَجْه ; قَالَ أَبُو عَلِيّ : هِيَ غَيْر جَائِزَة . وَقَرَأَ الْأَعْمَش " فَمَا اِسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اِسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " بِالتَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
لِبُعْدِ عَرْضه وَقُوَّته . وَرُوِيَ فِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِثْل هَذِهِ ) وَعَقَدَ وَهْب بْن مُنَبِّه بِيَدِهِ تِسْعِينَ وَفِي رِوَايَة - وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَام وَاَلَّتِي تَلِيهَا . .. ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَذَكَرَ يَحْيَى بْن سَلَّام عَنْ سَعْد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَخْرِقُونَ السَّدّ كُلّ يَوْم حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا فَيُعِيدهُ اللَّه كَأَشَدّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتهمْ وَأَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْعَثهُمْ عَلَى النَّاس حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ إِنْ شَاءَ اللَّه فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِين تَرَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس . .. ) الْحَدِيث وَقَدْ تَقَدَّمَ . قَوْله تَعَالَى : " فَمَا اِسْطَاعُوا " بِتَخْفِيفِ الطَّاء عَلَى قِرَاءَة الْجُمْهُور . وَقِيلَ : هِيَ لُغَة بِمَعْنَى اِسْتَطَاعُوا . وَقِيلَ : بَلْ اِسْتَطَاعُوا بِعَيْنِهِ كَثُرَ فِي كَلَام الْعَرَب حَتَّى حَذَفَ بَعْضهمْ مِنْهُ التَّاء فَقَالُوا : اِسْطَاعُوا . وَحَذَفَ بَعْضهمْ مِنْهُ الطَّاء فَقَالَ اسْتَاع يَسْتِيع بِمَعْنَى اِسْتَطَاعَ يَسْتَطِيع , وَهِيَ لُغَة مَشْهُورَة . وَقَرَأَ حَمْزَة وَحْده " فَمَا اِسْطَاعُوا " بِتَشْدِيدِ الطَّاء كَأَنَّهُ أَرَادَ اِسْتَطَاعُوا , ثُمَّ أَدْغَمَ التَّاء فِي الطَّاء فَشَدَّدَهَا , وَهِيَ قِرَاءَة ضَعِيفَة الْوَجْه ; قَالَ أَبُو عَلِيّ : هِيَ غَيْر جَائِزَة . وَقَرَأَ الْأَعْمَش " فَمَا اِسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اِسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " بِالتَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ↓
الْقَائِل ذُو الْقَرْنَيْنِ , وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى الرَّدْم , وَالْقُوَّة عَلَيْهِ , وَالِانْتِفَاع بِهِ فِي دَفْع ضَرَر يَأْجُوج وَمَأْجُوج . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة " هَذِهِ رَحْمَة مِنْ رَبِّي " .
أَيْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : وَقْت خُرُوجهمْ .
أَيْ مُسْتَوِيًا بِالْأَرْضِ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " إِذَا دُكَّتْ الْأَرْض " [ الْفَجْر : 21 ] قَالَ اِبْن عَرَفَة : أَيْ جُعِلَتْ مُسْتَوِيَة لَا أَكَمَة فِيهَا , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " جَعَلَهُ دَكًّا " قَالَ الْيَزِيدِيّ : أَيْ مُسْتَوِيًا ; يُقَال : نَاقَة دَكَّاء إِذَا ذَهَبَ سَنَامهَا . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : أَيْ جَعَلَهُ مَدْكُوكًا مُلْصَقًا بِالْأَرْضِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : قِطَعًا مُتَكَسِّرًا ; قَالَ : هَلْ غَيْر غَادٍ دَكَّ غَارًا فَانْهَدَمَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : يُقَال دَكَكْته أَيْ دَقَقْته . وَمَنْ قَرَأَ " دَكَّاء " أَرَادَ جَعْل الْجَبَل أَرْضًا دَكَّاء , وَهِيَ الرَّابِيَة الَّتِي لَا تَبْلُغ أَنْ تَكُون جَبَلًا وَجَمْعهَا دَكَاوَات . قَرَأَ حَمْزَة وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ " دَكَّاء " بِالْمَدِّ عَلَى التَّشْبِيه بِالنَّاقَةِ الدَّكَّاء , وَهِيَ الَّتِي لَا سَنَام لَهَا , وَفِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره : جَعَلَهُ مِثْل دَكَّاء ; وَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير هَذَا الْحَذْف . لِأَنَّ السَّدّ مُذَكَّر فَلَا يُوصَف بِدَكَّاء . وَمَنْ قَرَأَ " دَكًّا " فَهُوَ مَصْدَر دَكَّ يَدُكّ إِذَا هَدَمَ وَرَضَّ ; وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون " جَعَلَ " بِمَعْنَى خَلَقَ . وَيُنْصَب " دَكًّا " عَلَى الْحَال . وَكَذَلِكَ النَّصْب أَيْضًا فِي قِرَاءَة مَنْ مَدَّ يَحْتَمِل الْوَجْهَيْنِ .
أَيْ يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : وَقْت خُرُوجهمْ .
أَيْ مُسْتَوِيًا بِالْأَرْضِ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " إِذَا دُكَّتْ الْأَرْض " [ الْفَجْر : 21 ] قَالَ اِبْن عَرَفَة : أَيْ جُعِلَتْ مُسْتَوِيَة لَا أَكَمَة فِيهَا , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " جَعَلَهُ دَكًّا " قَالَ الْيَزِيدِيّ : أَيْ مُسْتَوِيًا ; يُقَال : نَاقَة دَكَّاء إِذَا ذَهَبَ سَنَامهَا . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : أَيْ جَعَلَهُ مَدْكُوكًا مُلْصَقًا بِالْأَرْضِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : قِطَعًا مُتَكَسِّرًا ; قَالَ : هَلْ غَيْر غَادٍ دَكَّ غَارًا فَانْهَدَمَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : يُقَال دَكَكْته أَيْ دَقَقْته . وَمَنْ قَرَأَ " دَكَّاء " أَرَادَ جَعْل الْجَبَل أَرْضًا دَكَّاء , وَهِيَ الرَّابِيَة الَّتِي لَا تَبْلُغ أَنْ تَكُون جَبَلًا وَجَمْعهَا دَكَاوَات . قَرَأَ حَمْزَة وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ " دَكَّاء " بِالْمَدِّ عَلَى التَّشْبِيه بِالنَّاقَةِ الدَّكَّاء , وَهِيَ الَّتِي لَا سَنَام لَهَا , وَفِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره : جَعَلَهُ مِثْل دَكَّاء ; وَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير هَذَا الْحَذْف . لِأَنَّ السَّدّ مُذَكَّر فَلَا يُوصَف بِدَكَّاء . وَمَنْ قَرَأَ " دَكًّا " فَهُوَ مَصْدَر دَكَّ يَدُكّ إِذَا هَدَمَ وَرَضَّ ; وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون " جَعَلَ " بِمَعْنَى خَلَقَ . وَيُنْصَب " دَكًّا " عَلَى الْحَال . وَكَذَلِكَ النَّصْب أَيْضًا فِي قِرَاءَة مَنْ مَدَّ يَحْتَمِل الْوَجْهَيْنِ .
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ↓
الضَّمِير فِي " تَرَكْنَا " لِلَّهِ تَعَالَى ; أَيْ تَرَكْنَا الْجِنّ وَالْإِنْس يَوْم الْقِيَامَة يَمُوج بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَقِيلَ : تَرَكْنَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج " يَوْمئِذٍ " أَيْ وَقْت كَمَال السَّدّ يَمُوج بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَاسْتِعَارَة الْمَوْج لَهُمْ عِبَارَة عَنْ الْحِيرَة وَتَرَدُّد بَعْضهمْ فِي بَعْض , كَالْمُوَلَّهِينَ مِنْ هَمّ وَخَوْف ; فَشَبَّهَهُمْ بِمَوْجِ الْبَحْر الَّذِي يَضْطَرِب بَعْضه فِي بَعْض . وَقِيلَ : تَرَكْنَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَوْم اِنْفِتَاح السَّدّ يَمُوجُونَ فِي الدُّنْيَا مُخْتَلِطِينَ لِكَثْرَتِهِمْ . قُلْت : فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَظْهَرهَا أَوْسَطهَا , وَأَبْعَدهَا آخِرهَا , وَحَسُنَ الْأَوَّل ; لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْر الْقِيَامَة فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : " فَإِذَا جَاءَ وَعْد رَبِّي " . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَالصُّور قَرْن مِنْ نُور يُنْفَخ فِيهِ , النَّفْخَة الْأُولَى لِلْفَنَاءِ وَالثَّانِيَة لِلْإِنْشَاءِ . وَلَيْسَ جَمْع صُورَة كَمَا زَعَمَ بَعْضهمْ ; أَيْ يُنْفَخ فِي صُوَر الْمَوْتَى عَلَى مَا نُبَيِّنهُ . رَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ( . ... ثُمَّ يُنْفَخ فِي الصُّور فَلَا يَسْمَعهُ أَحَد إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا - قَالَ - وَأَوَّل مَنْ يَسْمَعهُ رَجُل يَلُوط حَوْض إِبِله - قَالَ فَيَصْعَق وَيَصْعَق النَّاس ثُمَّ يُرْسِل اللَّه - أَوْ قَالَ يُنْزِل اللَّه - مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلّ فَتَنْبُت مِنْهُ أَجْسَاد النَّاس ثُمَّ يُنْفَخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَكَذَا فِي التَّنْزِيل " ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى " [ الزُّمَر : 68 ] وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا ; فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ جَمْع الصُّورَة . وَالْأُمَم مُجْمِعَة عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنْفُخ فِي الصُّور إِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام . قَالَ أَبُو الْهَيْثَم : مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُون الصُّور قَرْنًا فَهُوَ كَمَنْ يُنْكِر الْعَرْش وَالْمِيزَان وَالصِّرَاط , وَطَلَبَ لَهَا تَأْوِيلَات . قَالَ اِبْن فَارِس : الصُّور الَّذِي فِي الْحَدِيث كَالْقَرْنِ يُنْفَخ فِيهِ , وَالصُّور جَمْع صُورَة . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الصُّور الْقَرْن . قَالَ الرَّاجِز : لَقَدْ نَطَحْنَاهُمْ غَدَاة الْجَمْعَيْنِ نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ وَمِنْهُ قَوْله : " وَيَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور " . قَالَ الْكَلْبِيّ : لَا أَدْرِي مَا هُوَ الصُّور . وَيُقَال : هُوَ جَمْع صُورَة مِثْل بُسْرَة وَبُسْر ; أَيْ يُنْفَخ فِي صُوَر الْمَوْتَى وَالْأَرْوَاح . وَقَرَأَ الْحَسَن " يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّوَر " . وَالصِّوَر ( بِكَسْرِ الصَّاد ) لُغَة فِي الصُّور جَمْع صُورَة وَالْجَمْع صِوَار , وَصِيَّار ( بِالْيَاءِ لُغَة فِيهِ . وَقَالَ عَمْرو بْن عُبَيْد : قَرَأَ عِيَاض " يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور " فَهَذَا يَعْنِي بِهِ الْخَلْق . وَاَللَّه أَعْلَم . قَاتّ : وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَاد بِالصُّورِ فِي هَذِهِ الْآيَة جَمْع صُورَة أَبُو عُبَيْد . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَهُوَ مَرْدُود بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة . وَأَيْضًا لَا يُنْفَخ فِي الصُّور لِلْبَعْثِ مَرَّتَيْنِ ; بَلْ يُنْفَخ فِيهِ مَرَّة وَاحِدَة ; فَإِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَنْفُخ فِي الصُّور الَّذِي هُوَ الْقَرْن وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُحْيِي الصُّوَر . وَفِي التَّنْزِيل " فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحنَا " [ التَّحْرِيم : 12 ] .
يَعْنِي الْجِنّ وَالْإِنْس فِي عَرَصَات الْقِيَامَة .
وَالصُّور قَرْن مِنْ نُور يُنْفَخ فِيهِ , النَّفْخَة الْأُولَى لِلْفَنَاءِ وَالثَّانِيَة لِلْإِنْشَاءِ . وَلَيْسَ جَمْع صُورَة كَمَا زَعَمَ بَعْضهمْ ; أَيْ يُنْفَخ فِي صُوَر الْمَوْتَى عَلَى مَا نُبَيِّنهُ . رَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ( . ... ثُمَّ يُنْفَخ فِي الصُّور فَلَا يَسْمَعهُ أَحَد إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا - قَالَ - وَأَوَّل مَنْ يَسْمَعهُ رَجُل يَلُوط حَوْض إِبِله - قَالَ فَيَصْعَق وَيَصْعَق النَّاس ثُمَّ يُرْسِل اللَّه - أَوْ قَالَ يُنْزِل اللَّه - مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلّ فَتَنْبُت مِنْهُ أَجْسَاد النَّاس ثُمَّ يُنْفَخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَكَذَا فِي التَّنْزِيل " ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى " [ الزُّمَر : 68 ] وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا ; فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ جَمْع الصُّورَة . وَالْأُمَم مُجْمِعَة عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنْفُخ فِي الصُّور إِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام . قَالَ أَبُو الْهَيْثَم : مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُون الصُّور قَرْنًا فَهُوَ كَمَنْ يُنْكِر الْعَرْش وَالْمِيزَان وَالصِّرَاط , وَطَلَبَ لَهَا تَأْوِيلَات . قَالَ اِبْن فَارِس : الصُّور الَّذِي فِي الْحَدِيث كَالْقَرْنِ يُنْفَخ فِيهِ , وَالصُّور جَمْع صُورَة . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الصُّور الْقَرْن . قَالَ الرَّاجِز : لَقَدْ نَطَحْنَاهُمْ غَدَاة الْجَمْعَيْنِ نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ وَمِنْهُ قَوْله : " وَيَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور " . قَالَ الْكَلْبِيّ : لَا أَدْرِي مَا هُوَ الصُّور . وَيُقَال : هُوَ جَمْع صُورَة مِثْل بُسْرَة وَبُسْر ; أَيْ يُنْفَخ فِي صُوَر الْمَوْتَى وَالْأَرْوَاح . وَقَرَأَ الْحَسَن " يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّوَر " . وَالصِّوَر ( بِكَسْرِ الصَّاد ) لُغَة فِي الصُّور جَمْع صُورَة وَالْجَمْع صِوَار , وَصِيَّار ( بِالْيَاءِ لُغَة فِيهِ . وَقَالَ عَمْرو بْن عُبَيْد : قَرَأَ عِيَاض " يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور " فَهَذَا يَعْنِي بِهِ الْخَلْق . وَاَللَّه أَعْلَم . قَاتّ : وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَاد بِالصُّورِ فِي هَذِهِ الْآيَة جَمْع صُورَة أَبُو عُبَيْد . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَهُوَ مَرْدُود بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة . وَأَيْضًا لَا يُنْفَخ فِي الصُّور لِلْبَعْثِ مَرَّتَيْنِ ; بَلْ يُنْفَخ فِيهِ مَرَّة وَاحِدَة ; فَإِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَنْفُخ فِي الصُّور الَّذِي هُوَ الْقَرْن وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُحْيِي الصُّوَر . وَفِي التَّنْزِيل " فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحنَا " [ التَّحْرِيم : 12 ] .
يَعْنِي الْجِنّ وَالْإِنْس فِي عَرَصَات الْقِيَامَة .
أَيْ أَبْرَزْنَاهَا لَهُمْ .
فِي مَوْضِع خَفْض نَعْت " لِلْكَافِرِينَ " .
أَيْ هُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَيْنه مُغَطَّاة فَلَا يَنْظُر إِلَى دَلَائِل اللَّه تَعَالَى .
أَيْ لَا يُطِيقُونَ أَنْ يَسْمَعُوا كَلَام اللَّه تَعَالَى , فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صُمَّ .
أَيْ هُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَيْنه مُغَطَّاة فَلَا يَنْظُر إِلَى دَلَائِل اللَّه تَعَالَى .
أَيْ لَا يُطِيقُونَ أَنْ يَسْمَعُوا كَلَام اللَّه تَعَالَى , فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صُمَّ .
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا ↓
أَيْ ظَنَّ . وَقَرَأَ عَلِيّ وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن " أَفَحَسْبُ " بِإِسْكَانِ السِّين وَضَمّ الْبَاء ; أَيْ كَفَاهُمْ .
يَعْنِي عِيسَى وَالْمَلَائِكَة وَعُزَيْرًا .
وَلَا أُعَاقِبهُمْ ; فَفِي الْكَلَام حَذْف . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى ; أَفَحَسِبُوا أَنْ يَنْفَعهُمْ ذَلِكَ .
يَعْنِي عِيسَى وَالْمَلَائِكَة وَعُزَيْرًا .
وَلَا أُعَاقِبهُمْ ; فَفِي الْكَلَام حَذْف . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى ; أَفَحَسِبُوا أَنْ يَنْفَعهُمْ ذَلِكَ .
فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ مِنْ النَّاس مَنْ يَعْمَل الْعَمَل وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ مُحْسِن وَقَدْ حَبَطَ سَعْيه , وَاَلَّذِي يُوجِب إِحْبَاط السَّعْي إِمَّا فَسَاد الِاعْتِقَاد أَوْ الْمُرَاءَاة , وَالْمُرَاد هُنَا الْكُفْر . رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ مُصْعَب قَالَ : سَأَلْت أُبَيًّا " قُلْ هَلْ نُنَبِّئكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا " أَهُمْ الْحَرُورِيَّة ؟ قَالَ : لَا ; هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَأَمَّا الْيَهُود فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بِالْجَنَّةِ , فَقَالُوا : لَا طَعَام فِيهَا وَلَا شَرَاب ; وَالْحَرُورِيَّة الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه ; وَكَانَ سَعْد يُسَمِّيهِمْ الْفَاسِقِينَ . وَالْآيَة مَعْنَاهَا التَّوْبِيخ ; أَيْ قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرِي : يَخِيب سَعْيهمْ وَآمَالهمْ غَدًا ; فَهُمْ الْأَخْسَرُونَ أَعْمَالًا , وَهُمْ " الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " فِي عِبَادَة مَنْ سِوَايَ .
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ↓
قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( يُرِيد كُفَّار أَهْل مَكَّة ) . وَقَالَ عَلِيّ : ( هُمْ الْخَوَارِج أَهْل حَرُورَاء . وَقَالَ مَرَّة : هُمْ الرُّهْبَان أَصْحَاب الصَّوَامِع ) . وَرُوِيَ أَنَّ اِبْن الْكَوَّاء سَأَلَهُ عَنْ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ وَأَصْحَابك . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيُضَعِّف هَذَا كُلّه قَوْله تَعَالَى بَعْد ذَلِكَ : " أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالهمْ " .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ↑
وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِف مَنْ يَكْفُر بِاَللَّهِ وَلِقَائِهِ وَالْبَعْث وَالنُّشُور , وَإِنَّمَا هَذِهِ صِفَة مُشْرِكِي مَكَّة عَبَدَة الْأَوْثَان , وَعَلِيّ وَسَعْد رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ذَكَرَا أَقْوَامًا أَخَذُوا بِحَظِّهِمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَة . و " أَعْمَالًا " نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيز . و " حَبِطَتْ " قِرَاءَة الْجُمْهُور بِكَسْرِ الْبَاء . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " حَبَطَتْ " بِفَتْحِهَا .
قِرَاءَة الْجُمْهُور " نُقِيم " بَنُونَ الْعَظَمَة . وَقَرَأَ مُجَاهِد بِيَاءِ الْغَائِب ; يُرِيد فَلَا يُقِيم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَقَرَأَ عُبَيْد بْن عُمَيْر " فَلَا يَقُوم " وَيَلْزَمهُ أَنْ يَقْرَأ " وَزْن " وَكَذَلِكَ قَرَأَ مُجَاهِد " فَلَا يَقُوم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْن " . قَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : يُؤْتَى يَوْم الْقِيَامَة بِالرَّجُلِ الْعَظِيم الطَّوِيل الْأَكُول الشَّرُوب فَلَا يَزِن عِنْد اللَّه جَنَاح بَعُوضَة .
قُلْت : هَذَا لَا يُقَال مِثْله مِنْ جِهَة الرَّأْي , وَقَدْ ثَبَتَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُل الْعَظِيم السَّمِين يَوْم الْقِيَامَة لَا يَزِن عِنْد اللَّه جَنَاح بَعُوضَة اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلَا نُقِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْنًا ) . وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا ثَوَاب لَهُمْ , وَأَعْمَالهمْ مُقَابَلَة بِالْعَذَابِ , فَلَا حَسَنَة لَهُمْ تُوزَن فِي مَوَازِين الْقِيَامَة وَمَنْ لَا حَسَنَة لَهُ فَهُوَ فِي النَّار . وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : يُؤْتَى بِأَعْمَالٍ كَجِبَالِ تِهَامَة فَلَا تَزِن شَيْئًا . وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد الْمَجَاز وَالِاسْتِعَارَة ; كَأَنَّهُ قَالَ : فَلَا قَدْر لَهُمْ عِنْدنَا يَوْمئِذٍ ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفِقْه ذَمّ السِّمَن لِمَنْ تَكَلَّفَهُ , لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكَلُّف الْمَطَاعِم وَالِاشْتِغَال بِهَا عَنْ الْمَكَارِم , بَلْ يَدُلّ عَلَى تَحْرِيم الْأَكْل الزَّائِد عَلَى قَدْر الْكِفَايَة الْمُبْتَغَى بِهِ التَّرَفُّه وَالسِّمَن . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَبْغَض الرِّجَال إِلَى اللَّه تَعَالَى الْحَبْر السَّمِين ) وَمِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَيْركُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قَالَ عِمْرَان فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْد قَرْنه قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة - ثُمَّ إِنَّ مِنْ بَعْدكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَظْهَر فِيهِمْ السِّمَن ) وَهَذَا ذَمّ . وَسَبَب ذَلِكَ أَنَّ السِّمَن الْمُكْتَسَب إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَثْرَة الْأَكْل وَالشَّرَه , وَالدَّعَة وَالرَّاحَة وَالْأَمْن وَالِاسْتِرْسَال مَعَ النَّفْس عَلَى شَهَوَاتهَا , فَهُوَ عَبْد نَفْسه لَا عَبْد رَبّه , وَمَنْ كَانَ هَذَا حَاله وَقَعَ لَا مَحَالَة فِي الْحَرَام , وَكُلّ لَحْم تَوَلَّدَ عَنْ سُحْت فَالنَّار أَوْلَى بِهِ ; وَقَدْ ذَمَّ اللَّه تَعَالَى الْكُفَّار بِكَثْرَةِ الْأَكْل فَقَالَ : " وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام وَالنَّار مَثْوًى لَهُمْ " [ مُحَمَّد : 12 ] فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِن يَتَشَبَّه بِهِمْ , وَيَتَنَعَّم بِتَنَعُّمِهِمْ فِي كُلّ أَحْوَاله وَأَزْمَانه , فَأَيْنَ حَقِيقَة الْإِيمَان , وَالْقِيَام بِوَظَائِف الْإِسْلَام ؟ ! وَمَنْ كَثُرَ أَكْله وَشُرْبه كَثُرَ نَهَمه وَحِرْصه , وَزَادَ بِاللَّيْلِ كَسَله وَنَوْمه , فَكَانَ نَهَاره هَائِمًا , وَلَيْله نَائِمًا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " هَذَا الْمَعْنَى ; وَتَقَدَّمَ فِيهَا ذِكْرُ الْمِيزَان , وَأَنَّ لَهُ كِفَّتَيْنِ تُوزَن فِيهِمَا صَحَائِف الْأَعْمَال فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ . وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين ضَحِكُوا مِنْ حَمْش سَاق اِبْن مَسْعُود وَهُوَ يَصْعَد النَّخْلَة : ( تَضْحَكُونَ مِنْ سَاق تُوزَن بِعَمَلِ أَهْل الْأَرْض ) فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَشْخَاص تُوزَن ; ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ .
قِرَاءَة الْجُمْهُور " نُقِيم " بَنُونَ الْعَظَمَة . وَقَرَأَ مُجَاهِد بِيَاءِ الْغَائِب ; يُرِيد فَلَا يُقِيم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَقَرَأَ عُبَيْد بْن عُمَيْر " فَلَا يَقُوم " وَيَلْزَمهُ أَنْ يَقْرَأ " وَزْن " وَكَذَلِكَ قَرَأَ مُجَاهِد " فَلَا يَقُوم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْن " . قَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : يُؤْتَى يَوْم الْقِيَامَة بِالرَّجُلِ الْعَظِيم الطَّوِيل الْأَكُول الشَّرُوب فَلَا يَزِن عِنْد اللَّه جَنَاح بَعُوضَة .
قُلْت : هَذَا لَا يُقَال مِثْله مِنْ جِهَة الرَّأْي , وَقَدْ ثَبَتَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُل الْعَظِيم السَّمِين يَوْم الْقِيَامَة لَا يَزِن عِنْد اللَّه جَنَاح بَعُوضَة اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلَا نُقِيم لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَزْنًا ) . وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا ثَوَاب لَهُمْ , وَأَعْمَالهمْ مُقَابَلَة بِالْعَذَابِ , فَلَا حَسَنَة لَهُمْ تُوزَن فِي مَوَازِين الْقِيَامَة وَمَنْ لَا حَسَنَة لَهُ فَهُوَ فِي النَّار . وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : يُؤْتَى بِأَعْمَالٍ كَجِبَالِ تِهَامَة فَلَا تَزِن شَيْئًا . وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد الْمَجَاز وَالِاسْتِعَارَة ; كَأَنَّهُ قَالَ : فَلَا قَدْر لَهُمْ عِنْدنَا يَوْمئِذٍ ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفِقْه ذَمّ السِّمَن لِمَنْ تَكَلَّفَهُ , لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكَلُّف الْمَطَاعِم وَالِاشْتِغَال بِهَا عَنْ الْمَكَارِم , بَلْ يَدُلّ عَلَى تَحْرِيم الْأَكْل الزَّائِد عَلَى قَدْر الْكِفَايَة الْمُبْتَغَى بِهِ التَّرَفُّه وَالسِّمَن . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَبْغَض الرِّجَال إِلَى اللَّه تَعَالَى الْحَبْر السَّمِين ) وَمِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَيْركُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قَالَ عِمْرَان فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْد قَرْنه قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة - ثُمَّ إِنَّ مِنْ بَعْدكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَظْهَر فِيهِمْ السِّمَن ) وَهَذَا ذَمّ . وَسَبَب ذَلِكَ أَنَّ السِّمَن الْمُكْتَسَب إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَثْرَة الْأَكْل وَالشَّرَه , وَالدَّعَة وَالرَّاحَة وَالْأَمْن وَالِاسْتِرْسَال مَعَ النَّفْس عَلَى شَهَوَاتهَا , فَهُوَ عَبْد نَفْسه لَا عَبْد رَبّه , وَمَنْ كَانَ هَذَا حَاله وَقَعَ لَا مَحَالَة فِي الْحَرَام , وَكُلّ لَحْم تَوَلَّدَ عَنْ سُحْت فَالنَّار أَوْلَى بِهِ ; وَقَدْ ذَمَّ اللَّه تَعَالَى الْكُفَّار بِكَثْرَةِ الْأَكْل فَقَالَ : " وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام وَالنَّار مَثْوًى لَهُمْ " [ مُحَمَّد : 12 ] فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِن يَتَشَبَّه بِهِمْ , وَيَتَنَعَّم بِتَنَعُّمِهِمْ فِي كُلّ أَحْوَاله وَأَزْمَانه , فَأَيْنَ حَقِيقَة الْإِيمَان , وَالْقِيَام بِوَظَائِف الْإِسْلَام ؟ ! وَمَنْ كَثُرَ أَكْله وَشُرْبه كَثُرَ نَهَمه وَحِرْصه , وَزَادَ بِاللَّيْلِ كَسَله وَنَوْمه , فَكَانَ نَهَاره هَائِمًا , وَلَيْله نَائِمًا . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " هَذَا الْمَعْنَى ; وَتَقَدَّمَ فِيهَا ذِكْرُ الْمِيزَان , وَأَنَّ لَهُ كِفَّتَيْنِ تُوزَن فِيهِمَا صَحَائِف الْأَعْمَال فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ . وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين ضَحِكُوا مِنْ حَمْش سَاق اِبْن مَسْعُود وَهُوَ يَصْعَد النَّخْلَة : ( تَضْحَكُونَ مِنْ سَاق تُوزَن بِعَمَلِ أَهْل الْأَرْض ) فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَشْخَاص تُوزَن ; ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ .
" ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى تَرْك الْوَزْن , وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ " جَزَاؤُهُمْ " خَبَره .
بَدَل مِنْ الْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ " ذَلِكَ " .
و " مَا " فِي قَوْله : " بِمَا كَفَرُوا " مَصْدَرِيَّة , وَالْهُزْء الِاسْتِخْفَاف وَالسُّخْرِيَة ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .
بَدَل مِنْ الْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ " ذَلِكَ " .
و " مَا " فِي قَوْله : " بِمَا كَفَرُوا " مَصْدَرِيَّة , وَالْهُزْء الِاسْتِخْفَاف وَالسُّخْرِيَة ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .
قَالَ قَتَادَة : الْفِرْدَوْس رَبْوَة الْجَنَّة وَأَوْسَطهَا وَأَعْلَاهَا وَأَفْضَلهَا وَأَرْفَعهَا وَقَالَ أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ : الْفِرْدَوْس سُرَّة الْجَنَّة . وَقَالَ كَعْب : لَيْسَ فِي الْجِنَان جَنَّة أَعْلَى مِنْ جَنَّة الْفِرْدَوْس ; فِيهَا الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاة وَصَامَ رَمَضَان كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة جَاهَدَ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضه الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَفَلَا نُبَشِّر النَّاس ؟ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّة مِائَة دَرَجَة أَعَدَّهَا اللَّه لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه مَا بَيْن الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّه تَعَالَى فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْس فَإِنَّهُ أَوْسَط الْجَنَّة وَأَعْلَى الْجَنَّة - أَرَاهُ قَالَ - وَفَوْقه عَرْش الرَّحْمَن وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَار الْجَنَّة ) وَقَالَ مُجَاهِد : وَالْفِرْدَوْس الْبُسْتَان بِالرُّومِيَّةِ . الْفَرَّاء : هُوَ عَرَبِيّ . وَالْفِرْدَوْس حَدِيقَة فِي الْجَنَّة . وَفِرْدَوْس اِسْم رَوْضَة دُون الْيَمَامَة . وَالْجَمْع فَرَادِيس , قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت الثَّقَفِيّ : كَانَتْ مَنَازِلهمْ إِذْ ذَاكَ ظَاهِرَة فِيهَا الْفَرَادِيس وَالْفُومَانِ وَالْبَصَل وَالْفَرَادِيس مَوْضِع بِالشَّامِ . وَكَرْم مُفَرْدَس أَيْ مُعَرَّش .
أَيْ دَائِمِينَ .
أَيْ لَا يَطْلُبُونَ تَحْوِيلًا عَنْهَا إِلَى غَيْرهَا . وَالْحِوَل بِمَعْنَى التَّحْوِيل ; قَالَهُ أَبُو عَلِيّ . وَقَالَ الزَّجَّاج : حَالَ مِنْ مَكَانه حَوْلًا كَمَا يُقَال : عَظُمَ عِظَمًا . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ الْحِيلَة , أَيْ لَا يَحْتَالُونَ مَنْزِلًا غَيْرهَا . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : التَّحَوُّل التَّنَقُّل مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضِع , وَالِاسْم الْحِوَل , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا " .
أَيْ لَا يَطْلُبُونَ تَحْوِيلًا عَنْهَا إِلَى غَيْرهَا . وَالْحِوَل بِمَعْنَى التَّحْوِيل ; قَالَهُ أَبُو عَلِيّ . وَقَالَ الزَّجَّاج : حَالَ مِنْ مَكَانه حَوْلًا كَمَا يُقَال : عَظُمَ عِظَمًا . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ الْحِيلَة , أَيْ لَا يَحْتَالُونَ مَنْزِلًا غَيْرهَا . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : التَّحَوُّل التَّنَقُّل مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضِع , وَالِاسْم الْحِوَل , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا " .
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ↓
نَفِدَ الشَّيْء إِذَا تَمَّ وَفَرَغَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .
أَيْ زِيَادَة عَلَى الْبَحْر عَدَدًا أَوْ وَزْنًا . وَفِي مُصْحَف أُبَيّ " مِدَادًا " وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا مُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد . وَانْتَصَبَ " مَدَدًا " عَلَى التَّمْيِيز أَوْ الْحَال . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَتْ الْيَهُود لَمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا " [ الْإِسْرَاء : 85 ] قَالُوا : وَكَيْفَ وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاة , وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ؟ فَنَزَلَتْ " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْر " الْآيَة . وَقِيلَ : قَالَتْ الْيَهُود إِنَّك أُوتِيت الْحِكْمَة , وَمَنْ أُوتِيَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا , ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك لَا عِلْم لَك بِالرُّوحِ ؟ ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى قُلْ وَإِنْ أُوتِيت الْقُرْآن وَأُوتِيتُمْ التَّوْرَاة فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَلِمَات اللَّه تَعَالَى قَلِيلَة , قَالَ اِبْن عَبَّاس : " كَلِمَات رَبِّي " أَيْ مَوَاعِظ رَبِّي . وَقِيلَ : عَنَى بِالْكَلِمَاتِ الْكَلَام الْقَدِيم الَّذِي لَا غَايَة لَهُ وَلَا مُنْتَهَى , وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَيَجُوز أَنْ يُعَبَّر عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْع لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَائِد الْكَلِمَات , وَلِأَنَّهُ يَنُوب مَنَابهَا , فَجَازَتْ الْعِبَادَة عَنْهَا بِصِيغَةِ الْجَمْع تَفْخِيمًا ; وَقَالَ الْأَعْشَى : وَوَجْه نَقِيّ اللَّوْن صَافٍ يَزِينهُ مَعَ الْجِيد لَبَّات لَهَا وَمَعَاصِم فَعَبَّرَ بِاللَّبَّاتِ عَنْ اللَّبَّة . وَفِي التَّنْزِيل " نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ " [ فُصِّلَتْ : 31 ] و " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر " [ الْحِجْر : 9 ] " وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيت " [ الْحِجْر : 23 ] وَكَذَلِكَ " إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة " [ النَّحْل : 120 ] لِأَنَّهُ نَابَ مَنَاب أُمَّة . وَقِيلَ : أَيْ مَا نَفِدَتْ الْعِبَارَات وَالدَّلَالَات الَّتِي تَدُلّ عَلَى مَفْهُومَات مَعَانِي كَلَامه سُبْحَانه وَتَعَالَى . وَقَالَ السُّدِّيّ : أَيْ إِنْ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْل أَنْ تَنْفَد صِفَات الْجَنَّة الَّتِي هِيَ دَار الثَّوَاب . وَقَالَ عِكْرِمَة : لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْل أَنْ يَنْفَد ثَوَاب مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة : " وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه " [ لُقْمَان : 27 ] . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " قَبْل أَنْ يَنْفَد " بِالْيَاءِ لِتَقَدُّمِ الْفِعْل .
أَيْ زِيَادَة عَلَى الْبَحْر عَدَدًا أَوْ وَزْنًا . وَفِي مُصْحَف أُبَيّ " مِدَادًا " وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا مُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد . وَانْتَصَبَ " مَدَدًا " عَلَى التَّمْيِيز أَوْ الْحَال . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَتْ الْيَهُود لَمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا " [ الْإِسْرَاء : 85 ] قَالُوا : وَكَيْفَ وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاة , وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ؟ فَنَزَلَتْ " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْر " الْآيَة . وَقِيلَ : قَالَتْ الْيَهُود إِنَّك أُوتِيت الْحِكْمَة , وَمَنْ أُوتِيَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا , ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك لَا عِلْم لَك بِالرُّوحِ ؟ ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى قُلْ وَإِنْ أُوتِيت الْقُرْآن وَأُوتِيتُمْ التَّوْرَاة فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَلِمَات اللَّه تَعَالَى قَلِيلَة , قَالَ اِبْن عَبَّاس : " كَلِمَات رَبِّي " أَيْ مَوَاعِظ رَبِّي . وَقِيلَ : عَنَى بِالْكَلِمَاتِ الْكَلَام الْقَدِيم الَّذِي لَا غَايَة لَهُ وَلَا مُنْتَهَى , وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَيَجُوز أَنْ يُعَبَّر عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْع لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَائِد الْكَلِمَات , وَلِأَنَّهُ يَنُوب مَنَابهَا , فَجَازَتْ الْعِبَادَة عَنْهَا بِصِيغَةِ الْجَمْع تَفْخِيمًا ; وَقَالَ الْأَعْشَى : وَوَجْه نَقِيّ اللَّوْن صَافٍ يَزِينهُ مَعَ الْجِيد لَبَّات لَهَا وَمَعَاصِم فَعَبَّرَ بِاللَّبَّاتِ عَنْ اللَّبَّة . وَفِي التَّنْزِيل " نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ " [ فُصِّلَتْ : 31 ] و " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر " [ الْحِجْر : 9 ] " وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيت " [ الْحِجْر : 23 ] وَكَذَلِكَ " إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة " [ النَّحْل : 120 ] لِأَنَّهُ نَابَ مَنَاب أُمَّة . وَقِيلَ : أَيْ مَا نَفِدَتْ الْعِبَارَات وَالدَّلَالَات الَّتِي تَدُلّ عَلَى مَفْهُومَات مَعَانِي كَلَامه سُبْحَانه وَتَعَالَى . وَقَالَ السُّدِّيّ : أَيْ إِنْ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْل أَنْ تَنْفَد صِفَات الْجَنَّة الَّتِي هِيَ دَار الثَّوَاب . وَقَالَ عِكْرِمَة : لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْل أَنْ يَنْفَد ثَوَاب مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة : " وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه " [ لُقْمَان : 27 ] . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " قَبْل أَنْ يَنْفَد " بِالْيَاءِ لِتَقَدُّمِ الْفِعْل .
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ↓
أَيْ لَا أَعْلَم إِلَّا مَا يُعَلِّمنِي اللَّه تَعَالَى , وَعِلْم اللَّه تَعَالَى لَا يُحْصَى , وَإِنَّمَا أُمِرْت بِأَنْ أُبَلِّغكُمْ بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .
أَيْ يَرْجُو رُؤْيَته وَثَوَابه وَيَخْشَى عِقَابه .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي جُنْدُب بْن زُهَيْر الْعَامِرِيّ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَعْمَل الْعَمَل لِلَّهِ تَعَالَى , وَأُرِيد وَجْه اللَّه تَعَالَى , إِلَّا أَنَّهُ إِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ سَرَّنِي ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه طَيِّب وَلَا يَقْبَل إِلَّا الطَّيِّب وَلَا يَقْبَل مَا شُورِكَ فِيهِ ) فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَقَالَ طَاوُس قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه ! إِنِّي أُحِبّ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى وَأُحِبّ أَنْ يُرَى مَكَانِي فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ مُجَاهِد : جَاءَ رَجُل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! إِنِّي أَتَصَدَّق وَأَصِل الرَّحِم وَلَا أَصْنَع ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيُذْكَر ذَلِكَ مِنِّي وَأُحْمَد عَلَيْهِ فَيَسُرّنِي ذَلِكَ وَأُعْجِب بِهِ , فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " .
قُلْت : وَالْكُلّ مُرَاد , وَالْآيَة تَعُمّ ذَلِكَ كُلّه وَغَيْره مِنْ الْأَعْمَال . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " هُود " حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الصَّحِيح فِي الثَّلَاثَة الَّذِينَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ أَوَّل النَّاس . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " النِّسَاء " الْكَلَام عَلَى الرِّيَاء , وَذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَار هُنَاكَ مَا فِيهِ كِفَايَة . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل : مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : " وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " إِنَّهُ لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ أَحَدًا . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي ( نَوَادِر الْأُصُول ) قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : حَدَّثَنَا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد عَنْ عُبَادَة بْن نُسَيّ قَالَ : أَتَيْت شَدَّاد بْن أَوْس فِي مُصَلَّاهُ وَهُوَ يَبْكِي , فَقُلْت : مَا الَّذِي أَبْكَاك يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن ؟ قَالَ : حَدِيث سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا , إِذْ رَأَيْت بِوَجْهِهِ أَمْرًا سَاءَنِي فَقُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُول اللَّه مَا الَّذِي أَرَى بِوَجْهِك ؟ قَالَ : ( أَمْرًا أَتَخَوَّفهُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ) قُلْت : مَا هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( الشِّرْك وَالشَّهْوَة الْخَفِيَّة ) قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ! وَتُشْرِك أُمَّتك مِنْ بَعْدك ؟ قَالَ : ( يَا شَدَّاد أَمَا إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَجَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنَّهُمْ يُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ ) قُلْت : وَالرِّيَاء شِرْك هُوَ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) . قُلْت : فَمَا الشَّهْوَة الْخَفِيَّة ؟ قَالَ : ( يُصْبِح أَحَدهمْ صَائِمًا فَتَعْرِض لَهُ شَهَوَات الدُّنْيَا فَيُفْطِر ) قَالَ عَبْد الْوَاحِد : فَلَقِيت الْحَسَن , فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيد ! أَخْبِرْنِي عَنْ الرِّيَاء أَشِرْكٌ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ; أَمَا تَقْرَأ " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " . وَرَوَى إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ لَيْث عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ : ( كَانَ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَشَدَّاد بْن أَوْس جَالِسَيْنِ , فَقَالَا : إِنَّا نَتَخَوَّف عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ الشِّرْك وَالشَّهْوَة الْخَفِيَّة , فَأَمَّا الشَّهْوَة الْخَفِيَّة فَمِنْ قِبَل النِّسَاء ) . وَقَالَا : سَمِعْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ صَلَّى صَلَاة يُرَائِي بِهَا فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ صَامَ صِيَامًا يُرَائِي بِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ) ثُمَّ تَلَا " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا ) .
قُلْت : وَقَدْ جَاءَ تَفْسِير الشَّهْوَة الْخَفِيَّة بِخِلَافِ هَذَا , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " النِّسَاء " . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : وَسُئِلَ الْحَسَن عَنْ الْإِخْلَاص وَالرِّيَاء فَقَالَ : مِنْ الْإِخْلَاص أَنْ تُحِبّ أَنْ تَكْتُم حَسَنَاتك وَلَا تُحِبّ أَنْ تَكْتُم سَيِّئَاتك , فَإِنْ أَظْهَرَ اللَّه عَلَيْك حَسَنَاتك تَقُول هَذَا مِنْ فَضْلك وَإِحْسَانك , وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِي وَلَا مِنْ صَنِيعِي , وَتَذْكُر قَوْله تَعَالَى : " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا ) . ( وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا " [ الْمُؤْمِنُونَ : 60 ] الْآيَة ; يُؤْتُونَ الْإِخْلَاص , وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَل مِنْهُمْ ; وَأَمَّا الرِّيَاء فَطَلَب حَظّ النَّفْس مِنْ عَمَلهَا فِي الدُّنْيَا ; قِيلَ لَهَا : كَيْفَ يَكُون هَذَا ؟ قَالَ : مَنْ طَلَبَ بِعَمَلٍ بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى سِوَى وَجْه اللَّه تَعَالَى وَالدَّار الْآخِرَة فَهُوَ رِيَاء . وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ : وَقَدْ يُفْضِي الرِّيَاء بِصَاحِبِهِ إِلَى اِسْتِهْزَاء النَّاس بِهِ ; كَمَا يُحْكَى أَنَّ طَاهِر بْن الْحُسَيْن قَالَ لِأَبِي عَبْد اللَّه الْمَرْوَزِيّ : مُنْذُ كَمْ صِرْت إِلَى الْعِرَاق يَا أَبَا عَبْد اللَّه ؟ قَالَ : دَخَلْت الْعِرَاق مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَة وَأَنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَة صَائِم ; فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه سَأَلْنَاك عَنْ مَسْأَلَة فَأَجَبْتنَا عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ . وَحَكَى الْأَصْمَعِيّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا صَلَّى فَأَطَالَ وَإِلَى جَانِبه قَوْم , فَقَالُوا : مَا أَحْسَنَ صَلَاتك ؟ ! فَقَالَ : وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ صَائِم . أَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْل الْأَشْعَث بْن قَيْس وَقَدْ صَلَّى فَخَفَّفَ , فَقِيلَ لَهُ إِنَّك خَفَّفْت , فَقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُخَالِطهَا رِيَاء ; فَخَلَصَ مِنْ تَنَقُّصهمْ بِنَفْيِ الرِّيَاء عَنْ نَفْسه , وَالتَّصَنُّع مِنْ صَلَاته ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " دَوَاء الرِّيَاء مِنْ قَوْل لُقْمَان ; وَأَنَّهُ كِتْمَان الْعَمَل , وَرَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : أَنْبَأَنَا الْحِمَّانِيّ قَالَ : أَنْبَأَنَا جَرِير عَنْ لَيْث عَنْ شَيْخ عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار قَالَ قَالَ أَبُو بَكْر وَشَهِدَ بِهِ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّرْك , قَالَ : ( هُوَ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيب النَّمْل وَسَأَدُلُّك عَلَى شَيْء إِذَا فَعَلْته أَذْهَبَ عَنْك صَغَار الشِّرْك وَكِبَاره تَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك أَنْ أُشْرِك بِك وَأَنَا أَعْلَم وَأَسْتَغْفِرك لِمَا لَا أَعْلَم تَقُولهَا ثَلَاث مَرَّات ) . وَقَالَ عُمَر بْن قَيْس الْكِنْدِيّ سَمِعْت مُعَاوِيَة تَلَا هَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمِنْبَر " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه " فَقَالَ : إِنَّهَا لَآخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاء . وَقَالَ عُمَر قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا " رُفِعَ لَهُ نُور مَا بَيْن عَدَن إِلَى مَكَّة حَشْوه الْمَلَائِكَة يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ) . وَقَالَ مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ أَوَّل سُورَة الْكَهْف وَآخِرهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ قَرْنه إِلَى قَدَمه وَمَنْ قَرَأَهَا كُلّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء ) وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُل : إِنِّي أُضْمِر أَنْ أَقُوم سَاعَة مِنْ اللَّيْل فَيَغْلِبنِي النَّوْم , فَقَالَ : ( إِذَا أَرَدْت أَنْ تَقُوم أَيّ سَاعَة شِئْت مِنْ اللَّيْل فَاقْرَأْ إِذَا أَخَذْت مَضْجَعك " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي " إِلَى آخِر السُّورَة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُوقِظك مَتَى شِئْت مِنْ اللَّيْل ) ; ذَكَرَ هَذِهِ الْفَضَائِل الثَّعْلَبِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ . وَفِي مُسْنَد الدَّارِمِيّ أَبِي مُحَمَّد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن كَثِير عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ عَبْدَة عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش قَالَ مَنْ قَرَأَ آخِر سُورَة الْكَهْف لِسَاعَةٍ يُرِيد أَنْ يَقُوم مِنْ اللَّيْل قَامَهَا ; قَالَ عَبْدَة فَجَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : كَانَ شَيْخنَا الطُّرْطُوشِيّ الْأَكْبَر يَقُول : لَا تَذْهَب بِكُمْ الْأَزْمَان فِي مُصَاوَلَة الْأَقْرَان , وَمُوَاصَلَة الْإِخْوَان ; وَقَدْ خَتَمَ سُبْحَانه وَتَعَالَى الْبَيَان بِقَوْلِهِ : " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " .
أَيْ يَرْجُو رُؤْيَته وَثَوَابه وَيَخْشَى عِقَابه .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي جُنْدُب بْن زُهَيْر الْعَامِرِيّ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَعْمَل الْعَمَل لِلَّهِ تَعَالَى , وَأُرِيد وَجْه اللَّه تَعَالَى , إِلَّا أَنَّهُ إِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ سَرَّنِي ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه طَيِّب وَلَا يَقْبَل إِلَّا الطَّيِّب وَلَا يَقْبَل مَا شُورِكَ فِيهِ ) فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَقَالَ طَاوُس قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه ! إِنِّي أُحِبّ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى وَأُحِبّ أَنْ يُرَى مَكَانِي فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ مُجَاهِد : جَاءَ رَجُل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! إِنِّي أَتَصَدَّق وَأَصِل الرَّحِم وَلَا أَصْنَع ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيُذْكَر ذَلِكَ مِنِّي وَأُحْمَد عَلَيْهِ فَيَسُرّنِي ذَلِكَ وَأُعْجِب بِهِ , فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " .
قُلْت : وَالْكُلّ مُرَاد , وَالْآيَة تَعُمّ ذَلِكَ كُلّه وَغَيْره مِنْ الْأَعْمَال . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " هُود " حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الصَّحِيح فِي الثَّلَاثَة الَّذِينَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ أَوَّل النَّاس . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " النِّسَاء " الْكَلَام عَلَى الرِّيَاء , وَذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَار هُنَاكَ مَا فِيهِ كِفَايَة . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل : مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : " وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " إِنَّهُ لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ أَحَدًا . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي ( نَوَادِر الْأُصُول ) قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : حَدَّثَنَا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد عَنْ عُبَادَة بْن نُسَيّ قَالَ : أَتَيْت شَدَّاد بْن أَوْس فِي مُصَلَّاهُ وَهُوَ يَبْكِي , فَقُلْت : مَا الَّذِي أَبْكَاك يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن ؟ قَالَ : حَدِيث سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا , إِذْ رَأَيْت بِوَجْهِهِ أَمْرًا سَاءَنِي فَقُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُول اللَّه مَا الَّذِي أَرَى بِوَجْهِك ؟ قَالَ : ( أَمْرًا أَتَخَوَّفهُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ) قُلْت : مَا هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( الشِّرْك وَالشَّهْوَة الْخَفِيَّة ) قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ! وَتُشْرِك أُمَّتك مِنْ بَعْدك ؟ قَالَ : ( يَا شَدَّاد أَمَا إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَجَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنَّهُمْ يُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ ) قُلْت : وَالرِّيَاء شِرْك هُوَ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) . قُلْت : فَمَا الشَّهْوَة الْخَفِيَّة ؟ قَالَ : ( يُصْبِح أَحَدهمْ صَائِمًا فَتَعْرِض لَهُ شَهَوَات الدُّنْيَا فَيُفْطِر ) قَالَ عَبْد الْوَاحِد : فَلَقِيت الْحَسَن , فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيد ! أَخْبِرْنِي عَنْ الرِّيَاء أَشِرْكٌ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ; أَمَا تَقْرَأ " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " . وَرَوَى إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ لَيْث عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ : ( كَانَ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَشَدَّاد بْن أَوْس جَالِسَيْنِ , فَقَالَا : إِنَّا نَتَخَوَّف عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ الشِّرْك وَالشَّهْوَة الْخَفِيَّة , فَأَمَّا الشَّهْوَة الْخَفِيَّة فَمِنْ قِبَل النِّسَاء ) . وَقَالَا : سَمِعْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَنْ صَلَّى صَلَاة يُرَائِي بِهَا فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ صَامَ صِيَامًا يُرَائِي بِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ) ثُمَّ تَلَا " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا ) .
قُلْت : وَقَدْ جَاءَ تَفْسِير الشَّهْوَة الْخَفِيَّة بِخِلَافِ هَذَا , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " النِّسَاء " . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : وَسُئِلَ الْحَسَن عَنْ الْإِخْلَاص وَالرِّيَاء فَقَالَ : مِنْ الْإِخْلَاص أَنْ تُحِبّ أَنْ تَكْتُم حَسَنَاتك وَلَا تُحِبّ أَنْ تَكْتُم سَيِّئَاتك , فَإِنْ أَظْهَرَ اللَّه عَلَيْك حَسَنَاتك تَقُول هَذَا مِنْ فَضْلك وَإِحْسَانك , وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِي وَلَا مِنْ صَنِيعِي , وَتَذْكُر قَوْله تَعَالَى : " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا ) . ( وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا " [ الْمُؤْمِنُونَ : 60 ] الْآيَة ; يُؤْتُونَ الْإِخْلَاص , وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَل مِنْهُمْ ; وَأَمَّا الرِّيَاء فَطَلَب حَظّ النَّفْس مِنْ عَمَلهَا فِي الدُّنْيَا ; قِيلَ لَهَا : كَيْفَ يَكُون هَذَا ؟ قَالَ : مَنْ طَلَبَ بِعَمَلٍ بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى سِوَى وَجْه اللَّه تَعَالَى وَالدَّار الْآخِرَة فَهُوَ رِيَاء . وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ : وَقَدْ يُفْضِي الرِّيَاء بِصَاحِبِهِ إِلَى اِسْتِهْزَاء النَّاس بِهِ ; كَمَا يُحْكَى أَنَّ طَاهِر بْن الْحُسَيْن قَالَ لِأَبِي عَبْد اللَّه الْمَرْوَزِيّ : مُنْذُ كَمْ صِرْت إِلَى الْعِرَاق يَا أَبَا عَبْد اللَّه ؟ قَالَ : دَخَلْت الْعِرَاق مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَة وَأَنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَة صَائِم ; فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه سَأَلْنَاك عَنْ مَسْأَلَة فَأَجَبْتنَا عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ . وَحَكَى الْأَصْمَعِيّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا صَلَّى فَأَطَالَ وَإِلَى جَانِبه قَوْم , فَقَالُوا : مَا أَحْسَنَ صَلَاتك ؟ ! فَقَالَ : وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ صَائِم . أَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْل الْأَشْعَث بْن قَيْس وَقَدْ صَلَّى فَخَفَّفَ , فَقِيلَ لَهُ إِنَّك خَفَّفْت , فَقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُخَالِطهَا رِيَاء ; فَخَلَصَ مِنْ تَنَقُّصهمْ بِنَفْيِ الرِّيَاء عَنْ نَفْسه , وَالتَّصَنُّع مِنْ صَلَاته ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " دَوَاء الرِّيَاء مِنْ قَوْل لُقْمَان ; وَأَنَّهُ كِتْمَان الْعَمَل , وَرَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : أَنْبَأَنَا الْحِمَّانِيّ قَالَ : أَنْبَأَنَا جَرِير عَنْ لَيْث عَنْ شَيْخ عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار قَالَ قَالَ أَبُو بَكْر وَشَهِدَ بِهِ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّرْك , قَالَ : ( هُوَ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيب النَّمْل وَسَأَدُلُّك عَلَى شَيْء إِذَا فَعَلْته أَذْهَبَ عَنْك صَغَار الشِّرْك وَكِبَاره تَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك أَنْ أُشْرِك بِك وَأَنَا أَعْلَم وَأَسْتَغْفِرك لِمَا لَا أَعْلَم تَقُولهَا ثَلَاث مَرَّات ) . وَقَالَ عُمَر بْن قَيْس الْكِنْدِيّ سَمِعْت مُعَاوِيَة تَلَا هَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمِنْبَر " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه " فَقَالَ : إِنَّهَا لَآخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاء . وَقَالَ عُمَر قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا " رُفِعَ لَهُ نُور مَا بَيْن عَدَن إِلَى مَكَّة حَشْوه الْمَلَائِكَة يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ) . وَقَالَ مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ أَوَّل سُورَة الْكَهْف وَآخِرهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ قَرْنه إِلَى قَدَمه وَمَنْ قَرَأَهَا كُلّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء ) وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُل : إِنِّي أُضْمِر أَنْ أَقُوم سَاعَة مِنْ اللَّيْل فَيَغْلِبنِي النَّوْم , فَقَالَ : ( إِذَا أَرَدْت أَنْ تَقُوم أَيّ سَاعَة شِئْت مِنْ اللَّيْل فَاقْرَأْ إِذَا أَخَذْت مَضْجَعك " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْر مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي " إِلَى آخِر السُّورَة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُوقِظك مَتَى شِئْت مِنْ اللَّيْل ) ; ذَكَرَ هَذِهِ الْفَضَائِل الثَّعْلَبِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ . وَفِي مُسْنَد الدَّارِمِيّ أَبِي مُحَمَّد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن كَثِير عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ عَبْدَة عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش قَالَ مَنْ قَرَأَ آخِر سُورَة الْكَهْف لِسَاعَةٍ يُرِيد أَنْ يَقُوم مِنْ اللَّيْل قَامَهَا ; قَالَ عَبْدَة فَجَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : كَانَ شَيْخنَا الطُّرْطُوشِيّ الْأَكْبَر يَقُول : لَا تَذْهَب بِكُمْ الْأَزْمَان فِي مُصَاوَلَة الْأَقْرَان , وَمُوَاصَلَة الْإِخْوَان ; وَقَدْ خَتَمَ سُبْحَانه وَتَعَالَى الْبَيَان بِقَوْلِهِ : " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبّه أَحَدًا " .