سُورَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام مَكِّيَّة فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَجَابِر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس إِلَّا ثَلَاث آيَات مِنْ قَوْله تَعَالَى : " فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ " [ يُونُس : 94 ] إِلَى آخِرهنَّ . وَقَالَ مُقَاتِل : إِلَّا آيَتَيْنِ وَهِيَ قَوْله : " فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ " نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله : " وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِن بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِن بِهِ " [ يُونُس : 40 ] نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي الْيَهُود . وَقَالَتْ فِرْقَة : نَزَلَ مِنْ أَوَّلهَا نَحْو مِنْ أَرْبَعِينَ آيَة بِمَكَّة وَبَاقِيهَا بِالْمَدِينَةِ .
قَالَ النَّحَّاس : قُرِئَ عَلَى أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن شُعَيْب بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن حُرَيْث قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيد أَنَّ عِكْرِمَة حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس : الر , وحم , وَنُون حُرُوف الرَّحْمَن مُفَرَّقَة ; فَحَدَّثْت بِهِ الْأَعْمَش فَقَالَ : عِنْدك أَشْبَاه هَذَا وَلَا تُخْبِرنِي بِهِ ؟ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : " الر " أَنَا اللَّه أَرَى . قَالَ النَّحَّاس : وَرَأَيْت أَبَا إِسْحَاق يَمِيل إِلَى هَذَا الْقَوْل ; لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ قَدْ حَكَى مِثْله عَنْ الْعَرَب وَأَنْشَدَ : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فا وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تا وَقَالَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة : " الر " قَسَم . وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : " الر " اِسْم السُّورَة ; قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلّ هِجَاء فِي الْقُرْآن . وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ فَوَاتِح السُّوَر . وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : هِيَ تَنْبِيه , وَكَذَا حُرُوف التَّهَجِّي . وَقُرِئَ " الر " مِنْ غَيْر إِمَالَة . وَقُرِئَ بِالْإِمَالَةِ لِئَلَّا تُشْبِه مَا وَلَا مِنْ الْحُرُوف .
اِبْتِدَاء وَخَبَر ; أَيْ تِلْكَ الَّتِي جَرَى ذِكْرهَا آيَات الْكِتَاب الْحَكِيم . قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : أَرَادَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة ; فَإِنَّ " تِلْكَ " إِشَارَة إِلَى غَائِب مُؤَنَّث . وَقِيلَ : " تِلْكَ " بِمَعْنَى هَذِهِ ; أَيْ هَذِهِ آيَات الْكِتَاب الْحَكِيم . وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ رِكَابِي هُنَّ صُفْر أَوْلَادهَا كَالزَّبِيبِ أَيْ هَذِهِ خَيْلِي . وَالْمُرَاد الْقُرْآن وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَة ذِكْر , وَلِأَنَّ " الْحَكِيم " مِنْ نَعْت الْقُرْآن . دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته " [ هُود : 1 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل سُورَة " الْبَقَرَة " . وَالْحَكِيم : الْمُحْكَم بِالْحَلَالِ وَالْحَرَام وَالْحُدُود وَالْأَحْكَام ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره . وَقِيلَ : الْحَكِيم بِمَعْنَى الْحَاكِم ; أَيْ إِنَّهُ حَاكِم بِالْحَلَالِ وَالْحَرَام , وَحَاكِم بَيْن النَّاس بِالْحَقِّ ; فَعِيل بِمَعْنَى فَاعِل . دَلِيله قَوْله : " وَأَنْزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِيَحْكُم بَيْن النَّاس فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ " [ الْبَقَرَة : 213 ] . وَقِيلَ : الْحَكِيم بِمَعْنَى الْمَحْكُوم فِيهِ ; أَيْ حَكَمَ اللَّه فِيهِ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى , وَحَكَمَ فِيهِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر , وَبِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَبِالنَّارِ لِمَنْ عَصَاهُ ; فَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى الْمَفْعُول ; قَالَهُ الْحَسَن وَغَيْره . وَقَالَ مُقَاتِل : الْحَكِيم بِمَعْنَى الْمُحْكَم مِنْ الْبَاطِل لَا كَذِب فِيهِ وَلَا اِخْتِلَاف ; فَعِيل بِمَعْنَى مُفْعَل , كَقَوْلِ الْأَعْشَى يَذْكُر قَصِيدَته الَّتِي قَالَهَا : وَغَرِيبَة تَأْتِي الْمُلُوك حَكِيمَة قَدْ قُلْتهَا لِيُقَالَ مَنْ ذَا قَالَهَا
قَالَ النَّحَّاس : قُرِئَ عَلَى أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن شُعَيْب بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن حُرَيْث قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيد أَنَّ عِكْرِمَة حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس : الر , وحم , وَنُون حُرُوف الرَّحْمَن مُفَرَّقَة ; فَحَدَّثْت بِهِ الْأَعْمَش فَقَالَ : عِنْدك أَشْبَاه هَذَا وَلَا تُخْبِرنِي بِهِ ؟ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : " الر " أَنَا اللَّه أَرَى . قَالَ النَّحَّاس : وَرَأَيْت أَبَا إِسْحَاق يَمِيل إِلَى هَذَا الْقَوْل ; لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ قَدْ حَكَى مِثْله عَنْ الْعَرَب وَأَنْشَدَ : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فا وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تا وَقَالَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة : " الر " قَسَم . وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : " الر " اِسْم السُّورَة ; قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلّ هِجَاء فِي الْقُرْآن . وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ فَوَاتِح السُّوَر . وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : هِيَ تَنْبِيه , وَكَذَا حُرُوف التَّهَجِّي . وَقُرِئَ " الر " مِنْ غَيْر إِمَالَة . وَقُرِئَ بِالْإِمَالَةِ لِئَلَّا تُشْبِه مَا وَلَا مِنْ الْحُرُوف .
اِبْتِدَاء وَخَبَر ; أَيْ تِلْكَ الَّتِي جَرَى ذِكْرهَا آيَات الْكِتَاب الْحَكِيم . قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : أَرَادَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة ; فَإِنَّ " تِلْكَ " إِشَارَة إِلَى غَائِب مُؤَنَّث . وَقِيلَ : " تِلْكَ " بِمَعْنَى هَذِهِ ; أَيْ هَذِهِ آيَات الْكِتَاب الْحَكِيم . وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ رِكَابِي هُنَّ صُفْر أَوْلَادهَا كَالزَّبِيبِ أَيْ هَذِهِ خَيْلِي . وَالْمُرَاد الْقُرْآن وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَة ذِكْر , وَلِأَنَّ " الْحَكِيم " مِنْ نَعْت الْقُرْآن . دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته " [ هُود : 1 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل سُورَة " الْبَقَرَة " . وَالْحَكِيم : الْمُحْكَم بِالْحَلَالِ وَالْحَرَام وَالْحُدُود وَالْأَحْكَام ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره . وَقِيلَ : الْحَكِيم بِمَعْنَى الْحَاكِم ; أَيْ إِنَّهُ حَاكِم بِالْحَلَالِ وَالْحَرَام , وَحَاكِم بَيْن النَّاس بِالْحَقِّ ; فَعِيل بِمَعْنَى فَاعِل . دَلِيله قَوْله : " وَأَنْزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِيَحْكُم بَيْن النَّاس فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ " [ الْبَقَرَة : 213 ] . وَقِيلَ : الْحَكِيم بِمَعْنَى الْمَحْكُوم فِيهِ ; أَيْ حَكَمَ اللَّه فِيهِ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى , وَحَكَمَ فِيهِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر , وَبِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَبِالنَّارِ لِمَنْ عَصَاهُ ; فَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى الْمَفْعُول ; قَالَهُ الْحَسَن وَغَيْره . وَقَالَ مُقَاتِل : الْحَكِيم بِمَعْنَى الْمُحْكَم مِنْ الْبَاطِل لَا كَذِب فِيهِ وَلَا اِخْتِلَاف ; فَعِيل بِمَعْنَى مُفْعَل , كَقَوْلِ الْأَعْشَى يَذْكُر قَصِيدَته الَّتِي قَالَهَا : وَغَرِيبَة تَأْتِي الْمُلُوك حَكِيمَة قَدْ قُلْتهَا لِيُقَالَ مَنْ ذَا قَالَهَا
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ↓
اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّقْرِير وَالتَّوْبِيخ . " وَعَجَبًا " خَبَر كَانَ , وَاسْمهَا
وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع ; أَيْ كَانَ إِيحَاؤُنَا عَجَبًا لِلنَّاسِ . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " عَجَب " عَلَى أَنَّهُ اِسْم كَانَ . وَالْخَبَر " أَنْ أَوْحَيْنَا " .
قُرِئَ " رَجْل " بِإِسْكَانِ الْجِيم . وَسَبَب النُّزُول فِيمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْكُفَّار قَالُوا لَمَّا بُعِثَ مُحَمَّد : إِنَّ اللَّه أَعْظَم مِنْ أَنْ يَكُون رَسُوله بَشَرًا . وَقَالُوا : مَا وَجَدَ اللَّه مَنْ يُرْسِلهُ إِلَّا يَتِيم أَبِي طَالِب ; فَنَزَلَتْ : " أَكَانَ لِلنَّاسِ " يَعْنِي أَهْل مَكَّة " عَجَبًا " . وَقِيلَ : إِنَّمَا تَعَجَّبُوا مِنْ ذِكْر الْبَعْث .
فِي مَوْضِع نَصْب بِإِسْقَاطِ الْخَافِض ; أَيْ بِأَنْ أَنْذِرْ النَّاس , وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى النِّذَارَة وَالْبِشَارَة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظ الْآيَة .
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " قَدَم صِدْق " فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : قَدَم صِدْق مَنْزِل صِدْق ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق " [ الْإِسْرَاء : 80 ] . وَعَنْهُ أَيْضًا أَجْرًا حَسَنًا بِمَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالهمْ . وَعَنْهُ أَيْضًا " قَدَم صِدْق " سَبْق السَّعَادَة فِي الذِّكْر الْأَوَّل , وَقَالَهُ مُجَاهِد . الزَّجَّاج : دَرَجَة عَالِيَة . قَالَ ذُو الرُّمَّة : لَكُمْ قَدَم لَا يُنْكِر النَّاس أَنَّهَا مَعَ الْحَسَب الْعَالِي طَمَّتْ عَلَى الْبَحْر قَتَادَة : سَلَف صِدْق . الرَّبِيع : ثَوَاب صِدْق . عَطَاء : مَقَام صِدْق . يَمَان : إِيمَان صِدْق . وَقِيلَ : دَعْوَة الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ : وَلَد صَالِح قَدَّمُوهُ . الْمَاوَرْدِيّ : أَنْ يُوَافِق صِدْق الطَّاعَة الْجَزَاء . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا : هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ شَفِيع مُطَاع يَتَقَدَّمهُمْ ; كَمَا قَالَ : ( أَنَا فَرَطكُمْ عَلَى الْحَوْض ) . وَقَدْ سُئِلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( هِيَ شَفَاعَتِي تَوَسَّلُونَ بِي إِلَى رَبّكُمْ ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : قَدَمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَقَام الْمَحْمُود . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : مُصِيبَتهمْ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى : " قَدَم صِدْق " قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : 101 ] وَقَالَ مُقَاتِل : أَعْمَالًا قَدَّمُوهَا ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . قَالَ الْوَضَّاح : صَلِّ لِذِي الْعَرْش وَاِتَّخِذْ قَدَمًا تُنْجِيك يَوْم الْعِثَار وَالزَّلَل وَقِيلَ : هُوَ تَقْدِيم اللَّه هَذِهِ الْأُمَّة فِي الْحَشْر مِنْ الْقَبْر وَفِي إِدْخَال الْجَنَّة . كَمَا قَالَ : ( نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة الْمَقْضِيّ لَهُمْ قَبْل الْخَلَائِق ) . وَحَقِيقَته أَنَّهُ كِنَايَة عَنْ السَّعْي فِي الْعَمَل الصَّالِح ; فَكَنَّى عَنْهُ بِالْقَدَمِ كَمَا يُكَنَّى عَنْ الْإِنْعَام بِالْيَدِ وَعَنْ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ . وَأَنْشَدَ حَسَّان : لَنَا الْقَدَم الْعُلْيَا إِلَيْك وَخَلْفَنَا لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَة اللَّه تَابِع يُرِيد السَّابِقَة بِإِخْلَاصِ الطَّاعَة , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْكِسَائِيّ : كُلّ سَابِق مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ فَهُوَ عِنْد الْعَرَب قَدَم ; يُقَال : لِفُلَانٍ قَدَم فِي الْإِسْلَام , لَهُ عِنْدِي قَدَم صِدْق وَقَدَم شَرّ وَقَدَم خَيْر . وَهُوَ مُؤَنَّث وَقَدْ يُذَكَّر ; يُقَال : قَدَم حَسَن وَقَدَم صَالِحَة . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الْقَدَم التَّقَدُّم فِي الشَّرَف ; قَالَ الْعَجَّاج : زَلَّ بَنُو الْعَوَّام عَنْ آل الْحَكَم وَتَرَكُوا الْمُلْك لِمَلِكِ ذِي قَدَم وَفِي الصِّحَاح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لِي خَمْسَة أَسْمَاء . أَنَا مُحَمَّد وَأَحْمَد وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّه بِيَ الْكُفْر وَأَنَا الْحَاشِر الَّذِي يُحْشَر النَّاس عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِب ) يُرِيد آخِر الْأَنْبِيَاء ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَخَاتَم النَّبِيِّينَ " [ الْأَحْزَاب : 40 ] .
قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَالْكُوفِيُّونَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَالْأَعْمَش " لَسَاحِر " نَعْتًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " لَسِحْر " نَعْتًا لِلْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى السِّحْر فِي " الْبَقَرَة " .
وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع ; أَيْ كَانَ إِيحَاؤُنَا عَجَبًا لِلنَّاسِ . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " عَجَب " عَلَى أَنَّهُ اِسْم كَانَ . وَالْخَبَر " أَنْ أَوْحَيْنَا " .
قُرِئَ " رَجْل " بِإِسْكَانِ الْجِيم . وَسَبَب النُّزُول فِيمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْكُفَّار قَالُوا لَمَّا بُعِثَ مُحَمَّد : إِنَّ اللَّه أَعْظَم مِنْ أَنْ يَكُون رَسُوله بَشَرًا . وَقَالُوا : مَا وَجَدَ اللَّه مَنْ يُرْسِلهُ إِلَّا يَتِيم أَبِي طَالِب ; فَنَزَلَتْ : " أَكَانَ لِلنَّاسِ " يَعْنِي أَهْل مَكَّة " عَجَبًا " . وَقِيلَ : إِنَّمَا تَعَجَّبُوا مِنْ ذِكْر الْبَعْث .
فِي مَوْضِع نَصْب بِإِسْقَاطِ الْخَافِض ; أَيْ بِأَنْ أَنْذِرْ النَّاس , وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى النِّذَارَة وَالْبِشَارَة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظ الْآيَة .
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " قَدَم صِدْق " فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : قَدَم صِدْق مَنْزِل صِدْق ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق " [ الْإِسْرَاء : 80 ] . وَعَنْهُ أَيْضًا أَجْرًا حَسَنًا بِمَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالهمْ . وَعَنْهُ أَيْضًا " قَدَم صِدْق " سَبْق السَّعَادَة فِي الذِّكْر الْأَوَّل , وَقَالَهُ مُجَاهِد . الزَّجَّاج : دَرَجَة عَالِيَة . قَالَ ذُو الرُّمَّة : لَكُمْ قَدَم لَا يُنْكِر النَّاس أَنَّهَا مَعَ الْحَسَب الْعَالِي طَمَّتْ عَلَى الْبَحْر قَتَادَة : سَلَف صِدْق . الرَّبِيع : ثَوَاب صِدْق . عَطَاء : مَقَام صِدْق . يَمَان : إِيمَان صِدْق . وَقِيلَ : دَعْوَة الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ : وَلَد صَالِح قَدَّمُوهُ . الْمَاوَرْدِيّ : أَنْ يُوَافِق صِدْق الطَّاعَة الْجَزَاء . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا : هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ شَفِيع مُطَاع يَتَقَدَّمهُمْ ; كَمَا قَالَ : ( أَنَا فَرَطكُمْ عَلَى الْحَوْض ) . وَقَدْ سُئِلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( هِيَ شَفَاعَتِي تَوَسَّلُونَ بِي إِلَى رَبّكُمْ ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : قَدَمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَقَام الْمَحْمُود . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : مُصِيبَتهمْ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى : " قَدَم صِدْق " قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : 101 ] وَقَالَ مُقَاتِل : أَعْمَالًا قَدَّمُوهَا ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . قَالَ الْوَضَّاح : صَلِّ لِذِي الْعَرْش وَاِتَّخِذْ قَدَمًا تُنْجِيك يَوْم الْعِثَار وَالزَّلَل وَقِيلَ : هُوَ تَقْدِيم اللَّه هَذِهِ الْأُمَّة فِي الْحَشْر مِنْ الْقَبْر وَفِي إِدْخَال الْجَنَّة . كَمَا قَالَ : ( نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة الْمَقْضِيّ لَهُمْ قَبْل الْخَلَائِق ) . وَحَقِيقَته أَنَّهُ كِنَايَة عَنْ السَّعْي فِي الْعَمَل الصَّالِح ; فَكَنَّى عَنْهُ بِالْقَدَمِ كَمَا يُكَنَّى عَنْ الْإِنْعَام بِالْيَدِ وَعَنْ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ . وَأَنْشَدَ حَسَّان : لَنَا الْقَدَم الْعُلْيَا إِلَيْك وَخَلْفَنَا لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَة اللَّه تَابِع يُرِيد السَّابِقَة بِإِخْلَاصِ الطَّاعَة , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْكِسَائِيّ : كُلّ سَابِق مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ فَهُوَ عِنْد الْعَرَب قَدَم ; يُقَال : لِفُلَانٍ قَدَم فِي الْإِسْلَام , لَهُ عِنْدِي قَدَم صِدْق وَقَدَم شَرّ وَقَدَم خَيْر . وَهُوَ مُؤَنَّث وَقَدْ يُذَكَّر ; يُقَال : قَدَم حَسَن وَقَدَم صَالِحَة . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الْقَدَم التَّقَدُّم فِي الشَّرَف ; قَالَ الْعَجَّاج : زَلَّ بَنُو الْعَوَّام عَنْ آل الْحَكَم وَتَرَكُوا الْمُلْك لِمَلِكِ ذِي قَدَم وَفِي الصِّحَاح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لِي خَمْسَة أَسْمَاء . أَنَا مُحَمَّد وَأَحْمَد وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّه بِيَ الْكُفْر وَأَنَا الْحَاشِر الَّذِي يُحْشَر النَّاس عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِب ) يُرِيد آخِر الْأَنْبِيَاء ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَخَاتَم النَّبِيِّينَ " [ الْأَحْزَاب : 40 ] .
قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَالْكُوفِيُّونَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف وَالْأَعْمَش " لَسَاحِر " نَعْتًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " لَسِحْر " نَعْتًا لِلْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى السِّحْر فِي " الْبَقَرَة " .
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ↓
هَذِهِ مَسْأَلَة الِاسْتِوَاء ; وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا كَلَام وَإِجْرَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَال الْعُلَمَاء فِيهَا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى وَصِفَاته الْعُلَى ) وَذَكَرْنَا فِيهَا هُنَاكَ أَرْبَعَة عَشَر قَوْلًا . وَالْأَكْثَر مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ تَنْزِيه الْبَارِي سُبْحَانه عَنْ الْجِهَة وَالتَّحَيُّز فَمِنْ ضَرُورَة ذَلِكَ وَلَوَاحِقه اللَّازِمَة عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَادَتهمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَنْزِيهه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ الْجِهَة , فَلَيْسَ بِجِهَةِ فَوْق عِنْدهمْ ; لِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ عِنْدهمْ مَتَى اِخْتَصَّ بِجِهَةٍ أَنْ يَكُون فِي مَكَان أَوْ حَيِّز , وَيَلْزَم عَلَى الْمَكَان وَالْحَيِّز الْحَرَكَة وَالسُّكُون لِلْمُتَحَيِّزِ , وَالتَّغَيُّر وَالْحُدُوث . هَذَا قَوْل الْمُتَكَلِّمِينَ . وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْف مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا . وَهَذَا الْقَدْر كَافٍ , وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَة عَلَيْهِ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه مِنْ كُتُب الْعُلَمَاء . وَالِاسْتِوَاء فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الْعُلُوّ وَالِاسْتِقْرَار . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَاسْتَوَى مِنْ اِعْوِجَاج , وَاسْتَوَى عَلَى ظَهْر دَابَّته ; أَيْ اِسْتَقَرَّ . وَاسْتَوَى إِلَى السَّمَاء أَيْ قَصَدَ . وَاسْتَوَى أَيْ اِسْتَوْلَى وَظَهَرَ . قَالَ : قَدْ اِسْتَوَى بَشَر عَلَى الْعِرَاق مِنْ غَيْر سَيْف وَدَم مُهْرَاق وَاسْتَوَى الرَّجُل أَيْ اِنْتَهَى شَبَابه . وَاسْتَوَى الشَّيْء إِذَا اِعْتَدَلَ . وَحَكَى أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى : " الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى " [ طَه : 5 ] قَالَ : عَلَا . وَقَالَ الشَّاعِر : فَأَوْرَدْتهمْ مَاء بِفَيْفَاءَ قَفْرَة وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْم الْيَمَانِيّ فَاسْتَوَى أَيْ عَلَا وَارْتَفَعَ . قُلْت : فَعُلُوّ اللَّه تَعَالَى وَارْتِفَاعه عِبَارَة عَنْ عُلُوّ مَجْده وَصِفَاته وَمَلَكُوته . أَيْ لَيْسَ فَوْقه فِيمَا يَجِب لَهُ مِنْ مَعَانِي الْجَلَال أَحَد , وَلَا مَعَهُ مَنْ يَكُون الْعُلُوّ مُشْتَرَكًا بَيْنه وَبَيْنه ; لَكِنَّهُ الْعَلِيّ بِالْإِطْلَاقِ سُبْحَانه .
" عَلَى الْعَرْش " لَفْظ مُشْتَرَك يُطْلَق عَلَى أَكْثَر مِنْ وَاحِد . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْعَرْش سَرِير الْمَلِك . وَفِي التَّنْزِيل " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشهَا " [ النَّمْل : 41 ] , " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش " [ يُوسُف : 100 ] . وَالْعَرْش : سَقْف الْبَيْت . وَعَرْش الْقَدَم : مَا نَتَأَ فِي ظَهْرهَا وَفِيهِ الْأَصَابِع . وَعَرْش السِّمَاك : أَرْبَعَة كَوَاكِب صِغَار أَسْفَل مِنْ الْعَوَّاء , يُقَال : إِنَّهَا عَجُز الْأَسَد . وَعَرْش الْبِئْر : طَيّهَا بِالْخَشَبِ , بَعْد أَنْ يُطْوَى أَسْفَلهَا بِالْحِجَارَةِ قَدْر قَامَة ; فَذَلِكَ الْخَشَب هُوَ الْعَرْش , وَالْجَمْع عُرُوش . وَالْعَرْش اِسْم لِمَكَّةَ . وَالْعَرْش الْمُلْك وَالسُّلْطَان . يُقَال : ثُلَّ عَرْش فُلَان إِذَا ذَهَبَ مُلْكه وَسُلْطَانه وَعِزّه . قَالَ زُهَيْر : تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَقَدْ ثُلَّ عَرْشهَا وَذُبْيَان إِذْ ذَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْل وَقَدْ يُؤَوَّل الْعَرْش فِي الْآيَة بِمَعْنَى الْمُلْك , أَيْ مَا اِسْتَوَى الْمُلْك إِلَّا لَهُ جَلَّ وَعَزَّ . وَهُوَ قَوْل حَسَن وَفِيهِ نَظَر , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي جُمْلَة الْأَقْوَال فِي كِتَابنَا . وَالْحَمْد لِلَّهِ .
قَالَ مُجَاهِد : يَقْضِيه وَيُقَدِّرهُ وَحْده . اِبْن عَبَّاس : لَا يُشْرِكهُ فِي تَدْبِير خَلْقه أَحَد . وَقِيلَ : يَبْعَث بِالْأَمْرِ . وَقِيلَ : يَنْزِل بِهِ . وَقِيلَ : يَأْمُر بِهِ وَيُمْضِيه ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . فَجِبْرِيل لِلْوَحْيِ , وَمِيكَائِيل لِلْقَطْرِ , وَإِسْرَافِيل لِلصُّورِ , وَعِزْرَائِيل لِلْقَبْضِ . وَحَقِيقَته تَنْزِيل الْأُمُور فِي مَرَاتِبهَا عَلَى أَحْكَام عَوَاقِبهَا , وَاشْتِقَاقه مِنْ الدُّبر . وَالْأَمْر اِسْم لِجِنْسِ الْأُمُور .
فِي مَوْضِع رَفْع , وَالْمَعْنَى مَا شَفِيع
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَى الشَّفَاعَة . فَلَا يَشْفَع أَحَد نَبِيّ وَلَا غَيْره إِلَّا بِإِذْنِهِ سُبْحَانه , وَهَذَا رَدّ عَلَى الْكُفَّار فِي قَوْلهمْ فِيمَا عَبَدُوهُ مِنْ دُون اللَّه : " هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه " [ يُونُس : 18 ] فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه أَنَّ أَحَدًا لَا يَشْفَع لِأَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ , فَكَيْف بِشَفَاعَةِ أَصْنَام لَا تَعْقِل .
أَيْ ذَلِكُمْ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاء مِنْ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض هُوَ رَبّكُمْ لَا رَبّ لَكُمْ غَيْره . " فَاعْبُدُوهُ " أَيْ وَحِّدُوهُ وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة .
أَيْ أَنَّهَا مَخْلُوقَاته فَتَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَيْهِ .
" عَلَى الْعَرْش " لَفْظ مُشْتَرَك يُطْلَق عَلَى أَكْثَر مِنْ وَاحِد . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْعَرْش سَرِير الْمَلِك . وَفِي التَّنْزِيل " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشهَا " [ النَّمْل : 41 ] , " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش " [ يُوسُف : 100 ] . وَالْعَرْش : سَقْف الْبَيْت . وَعَرْش الْقَدَم : مَا نَتَأَ فِي ظَهْرهَا وَفِيهِ الْأَصَابِع . وَعَرْش السِّمَاك : أَرْبَعَة كَوَاكِب صِغَار أَسْفَل مِنْ الْعَوَّاء , يُقَال : إِنَّهَا عَجُز الْأَسَد . وَعَرْش الْبِئْر : طَيّهَا بِالْخَشَبِ , بَعْد أَنْ يُطْوَى أَسْفَلهَا بِالْحِجَارَةِ قَدْر قَامَة ; فَذَلِكَ الْخَشَب هُوَ الْعَرْش , وَالْجَمْع عُرُوش . وَالْعَرْش اِسْم لِمَكَّةَ . وَالْعَرْش الْمُلْك وَالسُّلْطَان . يُقَال : ثُلَّ عَرْش فُلَان إِذَا ذَهَبَ مُلْكه وَسُلْطَانه وَعِزّه . قَالَ زُهَيْر : تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَقَدْ ثُلَّ عَرْشهَا وَذُبْيَان إِذْ ذَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْل وَقَدْ يُؤَوَّل الْعَرْش فِي الْآيَة بِمَعْنَى الْمُلْك , أَيْ مَا اِسْتَوَى الْمُلْك إِلَّا لَهُ جَلَّ وَعَزَّ . وَهُوَ قَوْل حَسَن وَفِيهِ نَظَر , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي جُمْلَة الْأَقْوَال فِي كِتَابنَا . وَالْحَمْد لِلَّهِ .
قَالَ مُجَاهِد : يَقْضِيه وَيُقَدِّرهُ وَحْده . اِبْن عَبَّاس : لَا يُشْرِكهُ فِي تَدْبِير خَلْقه أَحَد . وَقِيلَ : يَبْعَث بِالْأَمْرِ . وَقِيلَ : يَنْزِل بِهِ . وَقِيلَ : يَأْمُر بِهِ وَيُمْضِيه ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . فَجِبْرِيل لِلْوَحْيِ , وَمِيكَائِيل لِلْقَطْرِ , وَإِسْرَافِيل لِلصُّورِ , وَعِزْرَائِيل لِلْقَبْضِ . وَحَقِيقَته تَنْزِيل الْأُمُور فِي مَرَاتِبهَا عَلَى أَحْكَام عَوَاقِبهَا , وَاشْتِقَاقه مِنْ الدُّبر . وَالْأَمْر اِسْم لِجِنْسِ الْأُمُور .
فِي مَوْضِع رَفْع , وَالْمَعْنَى مَا شَفِيع
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَى الشَّفَاعَة . فَلَا يَشْفَع أَحَد نَبِيّ وَلَا غَيْره إِلَّا بِإِذْنِهِ سُبْحَانه , وَهَذَا رَدّ عَلَى الْكُفَّار فِي قَوْلهمْ فِيمَا عَبَدُوهُ مِنْ دُون اللَّه : " هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه " [ يُونُس : 18 ] فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه أَنَّ أَحَدًا لَا يَشْفَع لِأَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ , فَكَيْف بِشَفَاعَةِ أَصْنَام لَا تَعْقِل .
أَيْ ذَلِكُمْ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاء مِنْ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض هُوَ رَبّكُمْ لَا رَبّ لَكُمْ غَيْره . " فَاعْبُدُوهُ " أَيْ وَحِّدُوهُ وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة .
أَيْ أَنَّهَا مَخْلُوقَاته فَتَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَيْهِ .
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ↓
رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ . " جَمِيعًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال . وَمَعْنَى الرُّجُوع إِلَى اللَّه الرُّجُوع إِلَى جَزَائِهِ .
مَصْدَرَانِ ; أَيْ وَعَدَ اللَّه ذَلِكَ وَعْدًا وَحَقَّقَهُ " حَقًّا " صِدْقًا لَا خُلْف فِيهِ . وَقَرَأَ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة " وَعْد اللَّه حَقّ " عَلَى الِاسْتِئْنَاف .
أَيْ مِنْ التُّرَاب . " ثُمَّ يُعِيدهُ " إِلَيْهِ . مُجَاهِد : يُنْشِئهُ ثُمَّ يُمِيتهُ ثُمَّ يُحْيِيه لِلْبَعْثِ ; أَوْ يُنْشِئهُ مِنْ الْمَاء ثُمَّ يُعِيدهُ مِنْ حَال إِلَى حَال . وَقَرَأَ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع " أَنَّهُ يَبْدَأ الْخَلْق " تَكُون " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب ; أَيْ وَعَدَكُمْ أَنَّهُ يَبْدَأ الْخَلْق . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير لِأَنَّهُ يَبْدَأ الْخَلْق ; كَمَا يُقَال : لَبَّيْكَ أَنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك ; وَالْكَسْر أَجْوَد . وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ تَكُون " أَنَّ " فِي مَوْضِع رَفْع فَتَكُون اِسْمًا . قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى : يَكُون التَّقْدِير حَقًّا إِبْدَاؤُهُ الْخَلْق .
أَيْ بِالْعَدْلِ .
أَيْ مَاء حَارّ قَدْ اِنْتَهَى حَرّه , وَالْحَمِيمَة مِثْله . يُقَال : حَمَمْت الْمَاء أَحُمّه فَهُوَ حَمِيم , أَيْ مَحْمُوم ; فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول . وَكُلّ مُسَخَّن عِنْد الْعَرَب فَهُوَ حَمِيم .
أَيْ مُوجِع , يَخْلُص وَجَعه إِلَى قُلُوبهمْ .
أَيْ بِكُفْرِهِمْ , وَكَانَ مُعْظَم قُرَيْش يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّه خَالِقهمْ ; فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا فَقَالَ : مَنْ قَدَرَ عَلَى الِابْتِدَاء قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَة بَعْد الْإِفْنَاء أَوْ بَعْد تَفْرِيق الْأَجْزَاء .
مَصْدَرَانِ ; أَيْ وَعَدَ اللَّه ذَلِكَ وَعْدًا وَحَقَّقَهُ " حَقًّا " صِدْقًا لَا خُلْف فِيهِ . وَقَرَأَ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة " وَعْد اللَّه حَقّ " عَلَى الِاسْتِئْنَاف .
أَيْ مِنْ التُّرَاب . " ثُمَّ يُعِيدهُ " إِلَيْهِ . مُجَاهِد : يُنْشِئهُ ثُمَّ يُمِيتهُ ثُمَّ يُحْيِيه لِلْبَعْثِ ; أَوْ يُنْشِئهُ مِنْ الْمَاء ثُمَّ يُعِيدهُ مِنْ حَال إِلَى حَال . وَقَرَأَ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع " أَنَّهُ يَبْدَأ الْخَلْق " تَكُون " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب ; أَيْ وَعَدَكُمْ أَنَّهُ يَبْدَأ الْخَلْق . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير لِأَنَّهُ يَبْدَأ الْخَلْق ; كَمَا يُقَال : لَبَّيْكَ أَنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك ; وَالْكَسْر أَجْوَد . وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ تَكُون " أَنَّ " فِي مَوْضِع رَفْع فَتَكُون اِسْمًا . قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى : يَكُون التَّقْدِير حَقًّا إِبْدَاؤُهُ الْخَلْق .
أَيْ بِالْعَدْلِ .
أَيْ مَاء حَارّ قَدْ اِنْتَهَى حَرّه , وَالْحَمِيمَة مِثْله . يُقَال : حَمَمْت الْمَاء أَحُمّه فَهُوَ حَمِيم , أَيْ مَحْمُوم ; فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول . وَكُلّ مُسَخَّن عِنْد الْعَرَب فَهُوَ حَمِيم .
أَيْ مُوجِع , يَخْلُص وَجَعه إِلَى قُلُوبهمْ .
أَيْ بِكُفْرِهِمْ , وَكَانَ مُعْظَم قُرَيْش يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّه خَالِقهمْ ; فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا فَقَالَ : مَنْ قَدَرَ عَلَى الِابْتِدَاء قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَة بَعْد الْإِفْنَاء أَوْ بَعْد تَفْرِيق الْأَجْزَاء .
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ↓
مَفْعُولَانِ , أَيْ مُضِيئَة , وَلَمْ يُؤَنِّث لِأَنَّهُ مَصْدَر ; أَوْ ذَات ضِيَاء
عَطْف , أَيْ مُنِيرًا , أَوْ ذَا نُور , فَالضِّيَاء مَا يُضِيء الْأَشْيَاء , وَالنُّور مَا يَبِين فَيَخْفَى , لِأَنَّهُ مِنْ النَّار مِنْ أَصْل وَاحِد . وَالضِّيَاء جَمْع ضَوْء ; كَالسِّيَاطِ وَالْحِيَاض جَمْع سَوْط وَحَوْض . وَقَرَأَ قُنْبُل عَنْ اِبْن كَثِير " ضِئَاء " بِهَمْزِ الْيَاء وَلَا وَجْه لَهُ , لِأَنَّ يَاءَه كَانَتْ وَاوًا مَفْتُوحَة وَهِيَ عَيْن الْفِعْل , أَصْلهَا ضِوَاء فَقُلِبَتْ وَجُعِلَتْ يَاء كَمَا جُعِلَتْ فِي الصِّيَام وَالْقِيَام . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ ضِئَاء بِالْهَمْزِ فَهُوَ مَقْلُوب , قُدِّمَتْ الْهَمْزَة الَّتِي بَعْد الْأَلِف فَصَارَتْ قَبْل الْأَلِف فَصَارَ ضِئَايًا , ثُمَّ قُلِبَتْ الْيَاء هَمْزَة لِوُقُوعِهَا بَعْد أَلِف زَائِدَة . وَكَذَلِكَ إِنْ قَدَّرْت أَنَّ الْيَاء حِين تَأَخَّرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْوَاو الَّتِي اِنْقَلَبَتْ عَنْهَا فَإِنَّهَا تُقْلَب هَمْزَة أَيْضًا فَوَزْنه فِلَاع مَقْلُوب مِنْ فِعَال . وَيُقَال : إِنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر تُضِيء وُجُوههمَا لِأَهْلِ السَّمَاوَات السَّبْع وَظُهُورهمَا لِأَهْلِ الْأَرَضِينَ السَّبْع .
أَيْ ذَا مَنَازِل , أَوْ قَدَّرَ لَهُ مَنَازِل . ثُمَّ قِيلَ : الْمَعْنَى وَقَدَّرَهُمَا , فَوَحَّدَ إِيجَازًا وَاخْتِصَارًا ; كَمَا قَالَ : " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا " . وَكَمَا قَالَ : نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِف وَقِيلَ : إِنَّ الْإِخْبَار عَنْ الْقَمَر وَحْده ; إِذْ بِهِ تُحْصَى الشُّهُور الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَل فِي الْمُعَامَلَات وَنَحْوهَا , كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " . وَفِي سُورَة يس : " وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل " [ يس : 39 ] أَيْ عَلَى عَدَد الشَّهْر , وَهُوَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا . وَيَوْمَانِ لِلنُّقْصَانِ وَالْمِحَاق , وَهُنَاكَ يَأْتِي بَيَانه .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَوْ جَعَلَ شَمْسَيْنِ , شَمْسًا بِالنَّهَارِ وَشَمْسًا بِاللَّيْلِ لَيْسَ فِيهِمَا ظُلْمَة وَلَا لَيْل , لَمْ يُعْلَم عَدَد السِّنِينَ وَحِسَاب الشُّهُور . وَوَاحِد " السِّنِينَ " سَنَة , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : سَنَوَات فِي الْجَمْع وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول : سَنَهَات . وَالتَّصْغِير سُنَيَّة وَسُنَيْهَة .
أَيْ مَا أَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِخَلْقِ ذَلِكَ إِلَّا الْحِكْمَة وَالصَّوَاب , وَإِظْهَارًا لِصَنْعَتِهِ وَحِكْمَته , وَدَلَالَة عَلَى قُدْرَته وَعِلْمه , وَلِتُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ ; فَهَذَا هُوَ الْحَقّ .
تَفْصِيل الْآيَات تَبْيِينهَا لِيُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى قُدْرَته تَعَالَى , لِاخْتِصَاصِ اللَّيْل بِظَلَامِهِ وَالنَّهَار بِضِيَائِهِ مِنْ غَيْر اِسْتِحْقَاق لَهُمَا وَلَا إِيجَاب ; فَيَكُون هَذَا لَهُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِإِرَادَةِ مُرِيد . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص وَيَعْقُوب " يُفَصِّل " بِالْيَاءِ , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِقَوْلِهِ مِنْ قَبْله : " مَا خَلَقَ اللَّه ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ " وَبَعْده " وَمَا خَلَقَ اللَّه فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض " فَيَكُون مُتْبَعًا لَهُ . وَقَرَأَ اِبْن السَّمَيْقَع " تُفَصَّل " بِضَمِّ التَّاء وَفَتْح الصَّاد عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول , " وَالْآيَات " رَفْعًا . الْبَاقُونَ " نُفَصِّل " بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيم .
عَطْف , أَيْ مُنِيرًا , أَوْ ذَا نُور , فَالضِّيَاء مَا يُضِيء الْأَشْيَاء , وَالنُّور مَا يَبِين فَيَخْفَى , لِأَنَّهُ مِنْ النَّار مِنْ أَصْل وَاحِد . وَالضِّيَاء جَمْع ضَوْء ; كَالسِّيَاطِ وَالْحِيَاض جَمْع سَوْط وَحَوْض . وَقَرَأَ قُنْبُل عَنْ اِبْن كَثِير " ضِئَاء " بِهَمْزِ الْيَاء وَلَا وَجْه لَهُ , لِأَنَّ يَاءَه كَانَتْ وَاوًا مَفْتُوحَة وَهِيَ عَيْن الْفِعْل , أَصْلهَا ضِوَاء فَقُلِبَتْ وَجُعِلَتْ يَاء كَمَا جُعِلَتْ فِي الصِّيَام وَالْقِيَام . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ ضِئَاء بِالْهَمْزِ فَهُوَ مَقْلُوب , قُدِّمَتْ الْهَمْزَة الَّتِي بَعْد الْأَلِف فَصَارَتْ قَبْل الْأَلِف فَصَارَ ضِئَايًا , ثُمَّ قُلِبَتْ الْيَاء هَمْزَة لِوُقُوعِهَا بَعْد أَلِف زَائِدَة . وَكَذَلِكَ إِنْ قَدَّرْت أَنَّ الْيَاء حِين تَأَخَّرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْوَاو الَّتِي اِنْقَلَبَتْ عَنْهَا فَإِنَّهَا تُقْلَب هَمْزَة أَيْضًا فَوَزْنه فِلَاع مَقْلُوب مِنْ فِعَال . وَيُقَال : إِنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر تُضِيء وُجُوههمَا لِأَهْلِ السَّمَاوَات السَّبْع وَظُهُورهمَا لِأَهْلِ الْأَرَضِينَ السَّبْع .
أَيْ ذَا مَنَازِل , أَوْ قَدَّرَ لَهُ مَنَازِل . ثُمَّ قِيلَ : الْمَعْنَى وَقَدَّرَهُمَا , فَوَحَّدَ إِيجَازًا وَاخْتِصَارًا ; كَمَا قَالَ : " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا " . وَكَمَا قَالَ : نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِف وَقِيلَ : إِنَّ الْإِخْبَار عَنْ الْقَمَر وَحْده ; إِذْ بِهِ تُحْصَى الشُّهُور الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَل فِي الْمُعَامَلَات وَنَحْوهَا , كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " . وَفِي سُورَة يس : " وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل " [ يس : 39 ] أَيْ عَلَى عَدَد الشَّهْر , وَهُوَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا . وَيَوْمَانِ لِلنُّقْصَانِ وَالْمِحَاق , وَهُنَاكَ يَأْتِي بَيَانه .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَوْ جَعَلَ شَمْسَيْنِ , شَمْسًا بِالنَّهَارِ وَشَمْسًا بِاللَّيْلِ لَيْسَ فِيهِمَا ظُلْمَة وَلَا لَيْل , لَمْ يُعْلَم عَدَد السِّنِينَ وَحِسَاب الشُّهُور . وَوَاحِد " السِّنِينَ " سَنَة , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : سَنَوَات فِي الْجَمْع وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول : سَنَهَات . وَالتَّصْغِير سُنَيَّة وَسُنَيْهَة .
أَيْ مَا أَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِخَلْقِ ذَلِكَ إِلَّا الْحِكْمَة وَالصَّوَاب , وَإِظْهَارًا لِصَنْعَتِهِ وَحِكْمَته , وَدَلَالَة عَلَى قُدْرَته وَعِلْمه , وَلِتُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ ; فَهَذَا هُوَ الْحَقّ .
تَفْصِيل الْآيَات تَبْيِينهَا لِيُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى قُدْرَته تَعَالَى , لِاخْتِصَاصِ اللَّيْل بِظَلَامِهِ وَالنَّهَار بِضِيَائِهِ مِنْ غَيْر اِسْتِحْقَاق لَهُمَا وَلَا إِيجَاب ; فَيَكُون هَذَا لَهُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِإِرَادَةِ مُرِيد . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص وَيَعْقُوب " يُفَصِّل " بِالْيَاءِ , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِقَوْلِهِ مِنْ قَبْله : " مَا خَلَقَ اللَّه ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ " وَبَعْده " وَمَا خَلَقَ اللَّه فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض " فَيَكُون مُتْبَعًا لَهُ . وَقَرَأَ اِبْن السَّمَيْقَع " تُفَصَّل " بِضَمِّ التَّاء وَفَتْح الصَّاد عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول , " وَالْآيَات " رَفْعًا . الْبَاقُونَ " نُفَصِّل " بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيم .
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ↓
تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " وَغَيْرهَا مَعْنَاهُ , وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ سَبَب نُزُولهَا أَنَّ أَهْل مَكَّة سَأَلُوا آيَة فَرَدَّهُمْ إِلَى تَأَمُّل مَصْنُوعَاته وَالنَّظَر فِيهَا ; قَالَ اِبْن عَبَّاس . " لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ " أَيْ الشِّرْك ; فَأَمَّا مَنْ أَشْرَكَ وَلَمْ يَسْتَدِلّ فَلَيْسَتْ الْآيَة لَهُ آيَة .
إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ↓
" يَرْجُونَ " يَخَافُونَ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْل لَمْ يَرْجُ لَسْعهَا وَخَالَفَهَا فِي بَيْت نُوب عَوَاسِل وَقِيلَ يَرْجُونَ يَطْمَعُونَ ; وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : أَيَرْجُو بَنُو مَرْوَان سَمْعِي وَطَاعَتِي وَقَوْمِي تَمِيم وَالْفَلَاة وَرَائِيَا فَالرَّجَاء يَكُون بِمَعْنَى الْخَوْف وَالطَّمَع ; أَيْ لَا يَخَافُونَ عِقَابًا وَلَا يَرْجُونَ ثَوَابًا . وَجُعِلَ لِقَاء الْعَذَاب وَالثَّوَاب لِقَاء لِلَّهِ تَفْخِيمًا لَهُمَا . وَقِيلَ : يَجْرِي اللِّقَاء عَلَى ظَاهِره , وَهُوَ الرُّؤْيَة ; أَيْ لَا يَطْمَعُونَ فِي رُؤْيَتنَا . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَا يَقَع الرَّجَاء بِمَعْنَى الْخَوْف إِلَّا مَعَ الْجَحْد ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا " [ نُوح : 13 ] . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ يَقَع بِمَعْنَاهُ فِي كُلّ مَوْضِع دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى .
أَيْ رَضُوا بِهَا عِوَضًا مِنْ الْآخِرَة فَعَمِلُوا لَهَا .
أَيْ فَرِحُوا بِهَا وَسَكَنُوا إِلَيْهَا , وَأَصْل اِطْمَأَنَّ طَأْمَنَ طُمَأْنِينَة , فَقُدِّمَتْ مِيمه وَزِيدَتْ نُون وَأَلِف وَصْل , ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ .
أَيْ عَنْ أَدِلَّتنَا
لَا يَعْتَبِرُونَ وَلَا يَتَفَكَّرُونَ .
أَيْ رَضُوا بِهَا عِوَضًا مِنْ الْآخِرَة فَعَمِلُوا لَهَا .
أَيْ فَرِحُوا بِهَا وَسَكَنُوا إِلَيْهَا , وَأَصْل اِطْمَأَنَّ طَأْمَنَ طُمَأْنِينَة , فَقُدِّمَتْ مِيمه وَزِيدَتْ نُون وَأَلِف وَصْل , ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيّ .
أَيْ عَنْ أَدِلَّتنَا
لَا يَعْتَبِرُونَ وَلَا يَتَفَكَّرُونَ .
أَيْ مَثْوَاهُمْ وَمُقَامهمْ . أَيْ مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ↓
أَيْ صَدَّقُوا .
أَيْ يَزِيدهُمْ هِدَايَة ; كَقَوْلِهِ : " وَاَلَّذِينَ اِهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى " [ مُحَمَّد : 17 ] . وَقِيلَ : " يَهْدِيهِمْ رَبّهمْ بِإِيمَانِهِمْ " إِلَى مَكَان تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ الْأَنْهَار . وَقَالَ أَبُو رَوْق : يَهْدِيهِمْ رَبّهمْ بِإِيمَانِهِمْ إِلَى الْجَنَّة . وَقَالَ عَطِيَّة : " يَهْدِيهِمْ " يُثِيبهُمْ وَيَجْزِيهِمْ . وَقَالَ مُجَاهِد : " يَهْدِيهِمْ رَبّهمْ " بِالنُّورِ عَلَى الصِّرَاط إِلَى الْجَنَّة , يَجْعَل لَهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ . وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُقَوِّي هَذَا أَنَّهُ قَالَ : ( يَتَلَقَّى الْمُؤْمِن عَمَله فِي أَحْسَن صُورَة فَيُؤْنِسهُ وَيَهْدِيه وَيَتَلَقَّى الْكَافِر عَمَله فِي أَقْبَح صُورَة فَيُوحِشهُ وَيُضِلّهُ ) . هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : يَجْعَل عَمَلهمْ هَادِيًا لَهُمْ . الْحَسَن : " يَهْدِيهِمْ " يَرْحَمهُمْ .
قِيلَ : فِي الْكَلَام وَاو مَحْذُوفَة , أَيْ وَتَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ , أَيْ مِنْ تَحْت بَسَاتِينهمْ . وَقِيلَ : مِنْ تَحْت أَسِرَّتهمْ ; وَهَذَا أَحْسَن فِي النُّزْهَة وَالْفُرْجَة .
أَيْ يَزِيدهُمْ هِدَايَة ; كَقَوْلِهِ : " وَاَلَّذِينَ اِهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى " [ مُحَمَّد : 17 ] . وَقِيلَ : " يَهْدِيهِمْ رَبّهمْ بِإِيمَانِهِمْ " إِلَى مَكَان تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ الْأَنْهَار . وَقَالَ أَبُو رَوْق : يَهْدِيهِمْ رَبّهمْ بِإِيمَانِهِمْ إِلَى الْجَنَّة . وَقَالَ عَطِيَّة : " يَهْدِيهِمْ " يُثِيبهُمْ وَيَجْزِيهِمْ . وَقَالَ مُجَاهِد : " يَهْدِيهِمْ رَبّهمْ " بِالنُّورِ عَلَى الصِّرَاط إِلَى الْجَنَّة , يَجْعَل لَهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ . وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُقَوِّي هَذَا أَنَّهُ قَالَ : ( يَتَلَقَّى الْمُؤْمِن عَمَله فِي أَحْسَن صُورَة فَيُؤْنِسهُ وَيَهْدِيه وَيَتَلَقَّى الْكَافِر عَمَله فِي أَقْبَح صُورَة فَيُوحِشهُ وَيُضِلّهُ ) . هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : يَجْعَل عَمَلهمْ هَادِيًا لَهُمْ . الْحَسَن : " يَهْدِيهِمْ " يَرْحَمهُمْ .
قِيلَ : فِي الْكَلَام وَاو مَحْذُوفَة , أَيْ وَتَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ , أَيْ مِنْ تَحْت بَسَاتِينهمْ . وَقِيلَ : مِنْ تَحْت أَسِرَّتهمْ ; وَهَذَا أَحْسَن فِي النُّزْهَة وَالْفُرْجَة .
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ↓
دَعْوَاهُمْ : أَيْ دُعَاؤُهُمْ ; وَالدَّعْوَى مَصْدَر دَعَا يَدْعُو , كَالشَّكْوَى مَصْدَر شَكَا يَشْكُو ; أَيْ دُعَاؤُهُمْ فِي الْجَنَّة أَنْ يَقُولُوا سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَقِيلَ : إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَسْأَلُوا شَيْئًا أَخْرَجُوا السُّؤَال بِلَفْظِ التَّسْبِيح وَيَخْتِمُونَ بِالْحَمْدِ . وَقِيلَ : نِدَاؤُهُمْ الْخَدَم لِيَأْتُوهُمْ بِمَا شَاءُوا ثُمَّ سَبَّحُوا . وَقِيلَ : إِنَّ الدُّعَاء هُنَا بِمَعْنَى التَّمَنِّي قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ " [ فُصِّلَتْ : 31 ] أَيْ مَا تَتَمَنَّوْنَ . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ تَحِيَّة اللَّه لَهُمْ أَوْ تَحِيَّة الْمَلَك أَوْ تَحِيَّة بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : سَلَام . وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاء " مَعْنَى التَّحِيَّة مُسْتَوْفًى . وَالْحَمْد لِلَّهِ .
فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : قِيلَ : إِنَّ أَهْل الْجَنَّة إِذَا مَرَّ بِهِمْ الطَّيْر وَاشْتَهَوْهُ قَالُوا : سُبْحَانك اللَّهُمَّ ; فَيَأْتِيهِمْ الْمَلَك بِمَا اِشْتَهَوْا , فَإِذَا أَكَلُوا حَمِدُوا اللَّه فَسُؤَالهمْ بِلَفْظِ التَّسْبِيح وَالْخَتْم بِلَفْظِ الْحَمْد . وَلَمْ يَحْكِ أَبُو عُبَيْد إِلَّا تَخْفِيف " أَنْ " وَرَفْع مَا بَعْدهَا ; قَالَ : وَإِنَّمَا نَرَاهُمْ اِخْتَارُوا هَذَا وَفَرَّقُوا بَيْنهَا وَبَيْن قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " أَنَّ لَعْنَة اللَّه " وَ " أَنَّ غَضِبَ اللَّه " لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا الْحِكَايَة حِين يُقَال الْحَمْد لِلَّهِ . قَالَ النَّحَّاس : مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ " أَنْ " هَذِهِ مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ الْحَمْد لِلَّهِ . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : وَيَجُوز " أَنْ الْحَمْد لِلَّهِ " يُعْمِلهَا خَفِيفَة عَمَلهَا ثَقِيلَة ; وَالرَّفْع أَقْيَس . قَالَ النَّحَّاس : وَحَكَى أَبُو حَاتِم أَنَّ بِلَال بْن أَبِي بُرْدَة قَرَأَ " وَآخِر دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " .
قُلْت : وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن , حَكَاهَا الْغَزْنَوِيّ لِأَنَّهُ يَحْكِي عَنْهُ . الثَّانِيَة : التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَالتَّهْلِيل قَدْ يُسَمَّى دُعَاء ; رَوَى مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول عِنْد الْكَرْب : ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْعَظِيم الْحَلِيم . لَا إِلَه إِلَّا اللَّه رَبّ الْعَرْش الْعَظِيم . لَا إِلَه إِلَّا اللَّه رَبّ السَّمَاوَات وَرَبّ الْأَرْض وَرَبّ الْعَرْش الْكَرِيم ) . قَالَ الطَّبَرِيّ : كَانَ السَّلَف يَدْعُونَ بِهَذَا الدُّعَاء وَيُسَمُّونَهُ دُعَاء الْكَرْب . وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول ( إِذَا شَغَلَ عَبْدِي ثَنَاؤُهُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَل مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ ) . وَاَلَّذِي يَقْطَع النِّزَاع وَأَنَّ هَذَا يُسَمَّى دُعَاء وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الدُّعَاء شَيْء وَإِنَّمَا هُوَ تَعْظِيم لِلَّهِ تَعَالَى وَثَنَاء عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْوَة ذِي النُّون إِذْ دَعَا بِهَا فِي بَطْن الْحُوت لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَنْ يَدْعُو بِهَا مُسْلِم فِي شَيْء إِلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ ) .
الثَّالِثَة : مِنْ السُّنَّة لِمَنْ بَدَأَ بِالْأَكْلِ أَنْ يُسَمِّي اللَّه عِنْد أَكْله وَشُرْبه وَيَحْمَدهُ عِنْد فَرَاغه اِقْتِدَاء بِأَهْلِ الْجَنَّة ; وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْد أَنْ يَأْكُل الْأَكْلَة فَيَحْمَدهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَب الشَّرْبَة فَيَحْمَدهُ عَلَيْهَا ) .
الرَّابِعَة : يُسْتَحَبّ لِلدَّاعِي أَنْ يَقُول فِي آخِر دُعَائِهِ كَمَا قَالَ أَهْل الْجَنَّة : وَآخِر دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ; وَحَسُنَ أَنْ يَقْرَأ آخِر " وَالصَّافَّات " فَإِنَّهَا جَمَعَتْ تَنْزِيه الْبَارِئ تَعَالَى عَمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ , وَالتَّسْلِيم عَلَى الْمُرْسَلِينَ , وَالْخَتْم بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ .
أَيْ تَحِيَّة اللَّه لَهُمْ أَوْ تَحِيَّة الْمَلَك أَوْ تَحِيَّة بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : سَلَام . وَقَدْ مَضَى فِي " النِّسَاء " مَعْنَى التَّحِيَّة مُسْتَوْفًى . وَالْحَمْد لِلَّهِ .
فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : قِيلَ : إِنَّ أَهْل الْجَنَّة إِذَا مَرَّ بِهِمْ الطَّيْر وَاشْتَهَوْهُ قَالُوا : سُبْحَانك اللَّهُمَّ ; فَيَأْتِيهِمْ الْمَلَك بِمَا اِشْتَهَوْا , فَإِذَا أَكَلُوا حَمِدُوا اللَّه فَسُؤَالهمْ بِلَفْظِ التَّسْبِيح وَالْخَتْم بِلَفْظِ الْحَمْد . وَلَمْ يَحْكِ أَبُو عُبَيْد إِلَّا تَخْفِيف " أَنْ " وَرَفْع مَا بَعْدهَا ; قَالَ : وَإِنَّمَا نَرَاهُمْ اِخْتَارُوا هَذَا وَفَرَّقُوا بَيْنهَا وَبَيْن قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " أَنَّ لَعْنَة اللَّه " وَ " أَنَّ غَضِبَ اللَّه " لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا الْحِكَايَة حِين يُقَال الْحَمْد لِلَّهِ . قَالَ النَّحَّاس : مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ " أَنْ " هَذِهِ مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ الْحَمْد لِلَّهِ . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : وَيَجُوز " أَنْ الْحَمْد لِلَّهِ " يُعْمِلهَا خَفِيفَة عَمَلهَا ثَقِيلَة ; وَالرَّفْع أَقْيَس . قَالَ النَّحَّاس : وَحَكَى أَبُو حَاتِم أَنَّ بِلَال بْن أَبِي بُرْدَة قَرَأَ " وَآخِر دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " .
قُلْت : وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن , حَكَاهَا الْغَزْنَوِيّ لِأَنَّهُ يَحْكِي عَنْهُ . الثَّانِيَة : التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَالتَّهْلِيل قَدْ يُسَمَّى دُعَاء ; رَوَى مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول عِنْد الْكَرْب : ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْعَظِيم الْحَلِيم . لَا إِلَه إِلَّا اللَّه رَبّ الْعَرْش الْعَظِيم . لَا إِلَه إِلَّا اللَّه رَبّ السَّمَاوَات وَرَبّ الْأَرْض وَرَبّ الْعَرْش الْكَرِيم ) . قَالَ الطَّبَرِيّ : كَانَ السَّلَف يَدْعُونَ بِهَذَا الدُّعَاء وَيُسَمُّونَهُ دُعَاء الْكَرْب . وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول ( إِذَا شَغَلَ عَبْدِي ثَنَاؤُهُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَل مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ ) . وَاَلَّذِي يَقْطَع النِّزَاع وَأَنَّ هَذَا يُسَمَّى دُعَاء وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الدُّعَاء شَيْء وَإِنَّمَا هُوَ تَعْظِيم لِلَّهِ تَعَالَى وَثَنَاء عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْوَة ذِي النُّون إِذْ دَعَا بِهَا فِي بَطْن الْحُوت لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَنْ يَدْعُو بِهَا مُسْلِم فِي شَيْء إِلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ ) .
الثَّالِثَة : مِنْ السُّنَّة لِمَنْ بَدَأَ بِالْأَكْلِ أَنْ يُسَمِّي اللَّه عِنْد أَكْله وَشُرْبه وَيَحْمَدهُ عِنْد فَرَاغه اِقْتِدَاء بِأَهْلِ الْجَنَّة ; وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْد أَنْ يَأْكُل الْأَكْلَة فَيَحْمَدهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَب الشَّرْبَة فَيَحْمَدهُ عَلَيْهَا ) .
الرَّابِعَة : يُسْتَحَبّ لِلدَّاعِي أَنْ يَقُول فِي آخِر دُعَائِهِ كَمَا قَالَ أَهْل الْجَنَّة : وَآخِر دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ; وَحَسُنَ أَنْ يَقْرَأ آخِر " وَالصَّافَّات " فَإِنَّهَا جَمَعَتْ تَنْزِيه الْبَارِئ تَعَالَى عَمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ , وَالتَّسْلِيم عَلَى الْمُرْسَلِينَ , وَالْخَتْم بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ .
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ↓
قِيلَ : مَعْنَاهُ وَلَوْ عَجَّلَ اللَّه لِلنَّاسِ الْعُقُوبَة كَمَا يَسْتَعْجِلُونَ الثَّوَاب وَالْخَيْر لَمَاتُوا , لِأَنَّهُمْ خُلِقُوا فِي الدُّنْيَا خَلْقًا ضَعِيفًا , وَلَيْسَ هُمْ كَذَا يَوْم الْقِيَامَة ; لِأَنَّهُمْ يَوْم الْقِيَامَة يُخْلَقُونَ لِلْبَقَاءِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَوْ فَعَلَ اللَّه مَعَ النَّاس فِي إِجَابَته إِلَى الْمَكْرُوه مِثْل مَا يُرِيدُونَ فِعْله مَعَهُمْ فِي إِجَابَته إِلَى الْخَيْر لَأَهْلَكَهُمْ ; وَهُوَ مَعْنَى " لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلهمْ " . وَقِيلَ : إِنَّهُ خَاصّ بِالْكَافِرِ ; أَيْ وَلَوْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِ الْعَذَاب عَلَى كُفْره كَمَا عَجَّلَ لَهُ خَيْر الدُّنْيَا مِنْ الْمَال وَالْوَلَد لَعَجَّلَ لَهُ قَضَاء أَجَله لِيَتَعَجَّل عَذَاب الْآخِرَة ; قَالَ اِبْن إِسْحَاق . مُقَاتِل : هُوَ قَوْل النَّضْر بْن الْحَارِث : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء ; فَلَوْ عُجِّلَ لَهُمْ هَذَا لَهَلَكُوا . وَقَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي الرَّجُل يَدْعُو عَلَى نَفْسه أَوْ مَاله أَوْ وَلَده إِذَا غَضِبَ : اللَّهُمَّ أَهْلِكْهُ , اللَّهُمَّ لَا تُبَارِك لَهُ فِيهِ وَالْعَنْهُ , أَوْ نَحْو هَذَا ; فَلَوْ اُسْتُجِيبَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا يُسْتَجَاب الْخَيْر لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلهمْ . فَالْآيَة نَزَلَتْ ذَامَّة لِخُلُقٍ ذَمِيم هُوَ فِي بَعْض النَّاس يَدْعُونَ فِي الْخَيْر فَيُرِيدُونَ تَعْجِيل الْإِجَابَة ثُمَّ يَحْمِلهُمْ أَحْيَانًا سُوء الْخُلُق عَلَى الدُّعَاء فِي الشَّرّ ; فَلَوْ عُجِّلَ لَهُمْ لَهَلَكُوا .
وَاخْتُلِفَ فِي إِجَابَة هَذَا الدُّعَاء ; فَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنِّي سَأَلْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يَسْتَجِيب دُعَاء حَبِيب عَلَى حَبِيبه ) . وَقَالَ شَهْر بْن حَوْشَب : قَرَأْت فِي بَعْض الْكُتُب أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْعَبْدِ : لَا تَكْتُبُوا عَلَى عَبْدِي فِي حَال ضَجَره شَيْئًا ; لُطْفًا مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ . قَالَ بَعْضهمْ : وَقَدْ يُسْتَجَاب ذَلِكَ الدُّعَاء , وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِر الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه آخِر الْكِتَاب , قَالَ جَابِر : سِرْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة بَطْن بُوَاط وَهُوَ يَطْلُب الْمَجْدِيّ بْن عَمْرو الْجُهَنِيّ وَكَانَ النَّاضِح يَعْتَقِبهُ مِنَّا الْخَمْسَة وَالسِّتَّة وَالسَّبْعَة , فَدَارَتْ عُقْبَة رَجُل مِنْ الْأَنْصَار عَلَى نَاضِح لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَ , ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْض التَّلَدُّن ; فَقَالَ لَهُ : شَأْ ; لَعَنَك اللَّه ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ هَذَا اللَّاعِن بَعِيره ) ؟ قَالَ : أَنَا يَا رَسُول اللَّه ; قَالَ : ( اِنْزِلْ عَنْهُ فَلَا تَصْحَبنَا بِمَلْعُونٍ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّه سَاعَة يُسْأَل فِيهَا عَطَاء فَيَسْتَجِيب لَكُمْ ) . فِي غَيْر كِتَاب مُسْلِم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَر فَلَعَنَ رَجُل نَاقَته فَقَالَ : ( أَيْنَ الَّذِي لَعَنَ نَاقَته ) ؟ فَقَالَ الرَّجُل : أَنَا هَذَا يَا رَسُول اللَّه ; فَقَالَ : ( أَخِّرْهَا عَنْك فَقَدْ أُجِبْت فِيهَا ) ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيّ فِي مِنْهَاج الدِّين . " شَأْ " يُرْوَى بِالسِّينِ وَالشِّين , وَهُوَ زَجْر لِلْبَعِيرِ بِمَعْنَى سِرْ .
قَوْله تَعَالَى : " وَلَوْ يُعَجِّل اللَّه " قَالَ الْعُلَمَاء : التَّعْجِيل مِنْ اللَّه , وَالِاسْتِعْجَال مِنْ الْعَبْد . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : هُمَا مِنْ اللَّه ; وَفِي الْكَلَام حَذْف ; أَيْ وَلَوْ يُعَجِّل اللَّه لِلنَّاسِ الشَّرّ تَعْجِيلًا مِثْل اِسْتِعْجَالهمْ بِالْخَيْرِ , ثُمَّ حَذَفَ تَعْجِيلًا وَأَقَامَ صِفَته مَقَامه , ثُمَّ حَذَفَ صِفَته وَأَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه ; هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ . وَعَلَى قَوْل الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء كَاسْتِعْجَالِهِمْ , ثُمَّ حَذَفَ الْكَاف وَنَصَبَ . قَالَ الْفَرَّاء : كَمَا تَقُول ضَرَبْت زَيْدًا ضَرْبك , أَيْ كَضَرْبِك . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر " لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلهمْ " . وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; لِأَنَّهُ مُتَّصِل بِقَوْلِهِ : " وَلَوْ يُعَجِّل اللَّه لِلنَّاسِ الشَّرّ " .
أَيْ لَا يُعَجِّل لَهُمْ الشَّرّ فَرُبَّمَا يَتُوب مِنْهُمْ تَائِب , أَوْ يَخْرُج مِنْ أَصْلَابهمْ مُؤْمِن .
أَيْ يَتَحَيَّرُونَ . وَالطُّغْيَان : الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة أَهْل مَكَّة , وَإِنَّهَا نَزَلَتْ حِين قَالُوا : " اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك " [ الْأَنْفَال : 32 ] الْآيَة , عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم .
وَاخْتُلِفَ فِي إِجَابَة هَذَا الدُّعَاء ; فَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنِّي سَأَلْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يَسْتَجِيب دُعَاء حَبِيب عَلَى حَبِيبه ) . وَقَالَ شَهْر بْن حَوْشَب : قَرَأْت فِي بَعْض الْكُتُب أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْعَبْدِ : لَا تَكْتُبُوا عَلَى عَبْدِي فِي حَال ضَجَره شَيْئًا ; لُطْفًا مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ . قَالَ بَعْضهمْ : وَقَدْ يُسْتَجَاب ذَلِكَ الدُّعَاء , وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِر الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه آخِر الْكِتَاب , قَالَ جَابِر : سِرْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة بَطْن بُوَاط وَهُوَ يَطْلُب الْمَجْدِيّ بْن عَمْرو الْجُهَنِيّ وَكَانَ النَّاضِح يَعْتَقِبهُ مِنَّا الْخَمْسَة وَالسِّتَّة وَالسَّبْعَة , فَدَارَتْ عُقْبَة رَجُل مِنْ الْأَنْصَار عَلَى نَاضِح لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَ , ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْض التَّلَدُّن ; فَقَالَ لَهُ : شَأْ ; لَعَنَك اللَّه ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ هَذَا اللَّاعِن بَعِيره ) ؟ قَالَ : أَنَا يَا رَسُول اللَّه ; قَالَ : ( اِنْزِلْ عَنْهُ فَلَا تَصْحَبنَا بِمَلْعُونٍ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّه سَاعَة يُسْأَل فِيهَا عَطَاء فَيَسْتَجِيب لَكُمْ ) . فِي غَيْر كِتَاب مُسْلِم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَر فَلَعَنَ رَجُل نَاقَته فَقَالَ : ( أَيْنَ الَّذِي لَعَنَ نَاقَته ) ؟ فَقَالَ الرَّجُل : أَنَا هَذَا يَا رَسُول اللَّه ; فَقَالَ : ( أَخِّرْهَا عَنْك فَقَدْ أُجِبْت فِيهَا ) ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيّ فِي مِنْهَاج الدِّين . " شَأْ " يُرْوَى بِالسِّينِ وَالشِّين , وَهُوَ زَجْر لِلْبَعِيرِ بِمَعْنَى سِرْ .
قَوْله تَعَالَى : " وَلَوْ يُعَجِّل اللَّه " قَالَ الْعُلَمَاء : التَّعْجِيل مِنْ اللَّه , وَالِاسْتِعْجَال مِنْ الْعَبْد . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : هُمَا مِنْ اللَّه ; وَفِي الْكَلَام حَذْف ; أَيْ وَلَوْ يُعَجِّل اللَّه لِلنَّاسِ الشَّرّ تَعْجِيلًا مِثْل اِسْتِعْجَالهمْ بِالْخَيْرِ , ثُمَّ حَذَفَ تَعْجِيلًا وَأَقَامَ صِفَته مَقَامه , ثُمَّ حَذَفَ صِفَته وَأَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه ; هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ . وَعَلَى قَوْل الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء كَاسْتِعْجَالِهِمْ , ثُمَّ حَذَفَ الْكَاف وَنَصَبَ . قَالَ الْفَرَّاء : كَمَا تَقُول ضَرَبْت زَيْدًا ضَرْبك , أَيْ كَضَرْبِك . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر " لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلهمْ " . وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; لِأَنَّهُ مُتَّصِل بِقَوْلِهِ : " وَلَوْ يُعَجِّل اللَّه لِلنَّاسِ الشَّرّ " .
أَيْ لَا يُعَجِّل لَهُمْ الشَّرّ فَرُبَّمَا يَتُوب مِنْهُمْ تَائِب , أَوْ يَخْرُج مِنْ أَصْلَابهمْ مُؤْمِن .
أَيْ يَتَحَيَّرُونَ . وَالطُّغْيَان : الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة أَهْل مَكَّة , وَإِنَّهَا نَزَلَتْ حِين قَالُوا : " اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك " [ الْأَنْفَال : 32 ] الْآيَة , عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم .
وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
قِيلَ : الْمُرَاد بِالْإِنْسَانِ هُنَا الْكَافِر , قِيلَ : هُوَ أَبُو حُذَيْفَة بْن الْمُغِيرَة الْمُشْرِك , تُصِيبهُ الْبَأْسَاء وَالشِّدَّة وَالْجَهْد . " دَعَانَا لِجَنْبِهِ " أَيْ عَلَى جَنْبه مُضْطَجِعًا .
وَإِنَّمَا أَرَادَ جَمِيع حَالَاته ; لِأَنَّ الْإِنْسَان لَا يَعْدُو إِحْدَى هَذِهِ الْحَالَات الثَّلَاثَة . قَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا بَدَأَ بِالْمُضْطَجِعِ لِأَنَّهُ بِالضُّرِّ أَشَدّ فِي غَالِب الْأَمْر , فَهُوَ يَدْعُو أَكْثَر , وَاجْتِهَاده أَشَدّ , ثُمَّ الْقَاعِد ثُمَّ الْقَائِم .
أَيْ اِسْتَمَرَّ عَلَى كُفْره وَلَمْ يَشْكُر وَلَمْ يَتَّعِظ . قُلْت : وَهَذِهِ صِفَة كَثِير مِنْ الْمُخْلِصِينَ الْمُوَحِّدِينَ , إِذَا أَصَابَتْهُ . الْعَافِيَة مَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَاصِي ; فَالْآيَة تَعُمّ الْكَافِر وَغَيْره .
قَالَ الْأَخْفَش : هِيَ " كَأَنَّ " الثَّقِيلَة خُفِّفَتْ , وَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ وَأَنْشَدَ : وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَب يُحْبَبْ وَمَنْ يَفْتَقِر يَعِشْ عَيْش ضُرّ
أَيْ كَمَا زُيِّنَ لِهَذَا الدُّعَاء عِنْد الْبَلَاء وَالْإِعْرَاض عَنْ الرَّخَاء .
أَيْ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْمَالهمْ مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي . وَهَذَا التَّزْيِين يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ اللَّه , وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ الشَّيْطَان , وَإِضْلَاله دُعَاؤُهُ إِلَى الْكُفْر .
وَإِنَّمَا أَرَادَ جَمِيع حَالَاته ; لِأَنَّ الْإِنْسَان لَا يَعْدُو إِحْدَى هَذِهِ الْحَالَات الثَّلَاثَة . قَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا بَدَأَ بِالْمُضْطَجِعِ لِأَنَّهُ بِالضُّرِّ أَشَدّ فِي غَالِب الْأَمْر , فَهُوَ يَدْعُو أَكْثَر , وَاجْتِهَاده أَشَدّ , ثُمَّ الْقَاعِد ثُمَّ الْقَائِم .
أَيْ اِسْتَمَرَّ عَلَى كُفْره وَلَمْ يَشْكُر وَلَمْ يَتَّعِظ . قُلْت : وَهَذِهِ صِفَة كَثِير مِنْ الْمُخْلِصِينَ الْمُوَحِّدِينَ , إِذَا أَصَابَتْهُ . الْعَافِيَة مَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَاصِي ; فَالْآيَة تَعُمّ الْكَافِر وَغَيْره .
قَالَ الْأَخْفَش : هِيَ " كَأَنَّ " الثَّقِيلَة خُفِّفَتْ , وَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ وَأَنْشَدَ : وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَب يُحْبَبْ وَمَنْ يَفْتَقِر يَعِشْ عَيْش ضُرّ
أَيْ كَمَا زُيِّنَ لِهَذَا الدُّعَاء عِنْد الْبَلَاء وَالْإِعْرَاض عَنْ الرَّخَاء .
أَيْ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْمَالهمْ مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي . وَهَذَا التَّزْيِين يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ اللَّه , وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ الشَّيْطَان , وَإِضْلَاله دُعَاؤُهُ إِلَى الْكُفْر .
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ↓
يَعْنِي الْأُمَم الْمَاضِيَة مِنْ قَبْل أَهْل مَكَّة أَهْلَكْنَاهُمْ .
أَيْ كَفَرُوا وَأَشْرَكُوا .
أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ الْوَاضِحَات وَالْبَرَاهِين النَّيِّرَات .
أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ لِعِلْمِنَا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . يُخَوِّف كُفَّار مَكَّة عَذَاب الْأُمَم الْمَاضِيَة ; أَيْ نَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى إِهْلَاك هَؤُلَاءِ بِتَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنْ نُمْهِلهُمْ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِن , أَوْ يَخْرُج مِنْ أَصْلَابهمْ مَنْ يُؤْمِن . وَهَذِهِ الْآيَة تَرُدّ عَلَى أَهْل الضَّلَال الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْهُدَى وَالْإِيمَان . وَقِيلَ : مَعْنَى " مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا " أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى كُفْرهمْ بِأَنْ طَبَعَ عَلَى قُلُوبهمْ ; وَيَدُلّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ قَالَ : " كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْم الْمُجْرِمِينَ " .
أَيْ كَفَرُوا وَأَشْرَكُوا .
أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ الْوَاضِحَات وَالْبَرَاهِين النَّيِّرَات .
أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ لِعِلْمِنَا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . يُخَوِّف كُفَّار مَكَّة عَذَاب الْأُمَم الْمَاضِيَة ; أَيْ نَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى إِهْلَاك هَؤُلَاءِ بِتَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنْ نُمْهِلهُمْ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِن , أَوْ يَخْرُج مِنْ أَصْلَابهمْ مَنْ يُؤْمِن . وَهَذِهِ الْآيَة تَرُدّ عَلَى أَهْل الضَّلَال الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْهُدَى وَالْإِيمَان . وَقِيلَ : مَعْنَى " مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا " أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى كُفْرهمْ بِأَنْ طَبَعَ عَلَى قُلُوبهمْ ; وَيَدُلّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ قَالَ : " كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْم الْمُجْرِمِينَ " .
قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِف " مَفْعُولَانِ . وَالْخَلَائِف جَمْع خَلِيفَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ آخِر " الْأَنْعَام " أَيْ جَعَلْنَاكُمْ سُكَّانًا فِي الْأَرْض . " مِنْ بَعْدهمْ " أَيْ مِنْ بَعْد الْقُرُون الْمُهْلَكَة . " لِنَنْظُر " نُصِبَ بِلَامِ كَيْ , وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِره وَأَمْثَاله ; أَيْ لِيَقَع مِنْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَلَمْ يَزَلْ يَعْلَمهُ غَيْبًا . وَقِيلَ : يُعَامِلكُمْ مُعَامَلَة الْمُخْتَبِر إِظْهَارًا لِلْعَدْلِ . وَقِيلَ : النَّظَر رَاجِع إِلَى الرُّسُل ; أَيْ لِيَنْظُر رُسُلنَا وَأَوْلِيَاؤُنَا كَيْفَ أَعْمَالكُمْ . وَ " كَيْفَ " نُصِبَ بِقَوْلِهِ : تَعْمَلُونَ : لِأَنَّ الِاسْتِفْهَام لَهُ صَدْر الْكَلَام فَلَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله .
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ↓
" تُتْلَى " تُقْرَأ , وَ " بَيِّنَات " نُصِبَ عَلَى الْحَال ; أَيْ وَاضِحَات لَا لَبْس فِيهَا وَلَا إِشْكَال .
يَعْنِي لَا يَخَافُونَ يَوْم الْبَعْث وَالْحِسَاب وَلَا يَرْجُونَ الثَّوَاب . قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي مُشْرِكِي أَهْل مَكَّة .
وَالْفَرْق بَيْن تَبْدِيله وَالْإِتْيَان بِغَيْرِهِ أَنَّ تَبْدِيله لَا يَجُوز أَنْ يَكُون مَعَهُ , وَالْإِتْيَان بِغَيْرِهِ قَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مَعَهُ ; وَفِي قَوْلهمْ ذَلِكَ ثَلَاثَة أَوْجُه :
أَحَدهَا : أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ أَنْ يُحَوِّل الْوَعْد وَعِيدًا وَالْوَعِيد وَعْدًا , وَالْحَلَال حَرَامًا وَالْحَرَام حَلَالًا ; قَالَهُ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيّ .
الثَّانِي : سَأَلُوهُ أَنْ يُسْقِط مَا فِي الْقُرْآن مِنْ عَيْب آلِهَتهمْ وَتَسْفِيه أَحْلَامهمْ ; قَالَهُ اِبْن عِيسَى .
الثَّالِث : أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ إِسْقَاط مَا فِيهِ مِنْ ذِكْر الْبَعْث وَالنُّشُور ; قَالَهُ الزَّجَّاج .
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد مَا كَانَ لِي " أَنْ أُبَدِّلهُ مِنْ تِلْقَاء نَفْسِي " وَمِنْ عِنْدِي , كَمَا لَيْسَ لِي أَنْ أَلْقَاهُ بِالرَّدِّ وَالتَّكْذِيب .
أَيْ لَا أَتَّبِع إِلَّا مَا أَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ مِنْ وَعْد وَوَعِيد , وَتَحْرِيم وَتَحْلِيل , وَأَمْر وَنَهْي . وَقَدْ يَسْتَدِلّ بِهَذَا مَنْ يَمْنَع نَسْخ الْكِتَاب بِالسُّنَّةِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : " قُلْ مَا يَكُون لِي أَنْ أُبَدِّلهُ مِنْ تِلْقَاء نَفْسِي " وَهَذَا فِيهِ بُعْد ; فَإِنَّ الْآيَة وَرَدَتْ فِي طَلَب الْمُشْرِكِينَ مِثْل الْقُرْآن نَظْمًا , وَلَمْ يَكُنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يَسْأَلُوهُ تَبْدِيل الْحُكْم دُون اللَّفْظ ; وَلِأَنَّ الَّذِي يَقُولهُ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ وَحْيًا لَمْ يَكُنْ مِنْ تِلْقَاء نَفْسه , بَلْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه تَعَالَى .
أَيْ إِنْ خَالَفْت فِي تَبْدِيله وَتَغْيِيره أَوْ فِي تَرْك الْعَمَل بِهِ .
يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة .
يَعْنِي لَا يَخَافُونَ يَوْم الْبَعْث وَالْحِسَاب وَلَا يَرْجُونَ الثَّوَاب . قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي مُشْرِكِي أَهْل مَكَّة .
وَالْفَرْق بَيْن تَبْدِيله وَالْإِتْيَان بِغَيْرِهِ أَنَّ تَبْدِيله لَا يَجُوز أَنْ يَكُون مَعَهُ , وَالْإِتْيَان بِغَيْرِهِ قَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مَعَهُ ; وَفِي قَوْلهمْ ذَلِكَ ثَلَاثَة أَوْجُه :
أَحَدهَا : أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ أَنْ يُحَوِّل الْوَعْد وَعِيدًا وَالْوَعِيد وَعْدًا , وَالْحَلَال حَرَامًا وَالْحَرَام حَلَالًا ; قَالَهُ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيّ .
الثَّانِي : سَأَلُوهُ أَنْ يُسْقِط مَا فِي الْقُرْآن مِنْ عَيْب آلِهَتهمْ وَتَسْفِيه أَحْلَامهمْ ; قَالَهُ اِبْن عِيسَى .
الثَّالِث : أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ إِسْقَاط مَا فِيهِ مِنْ ذِكْر الْبَعْث وَالنُّشُور ; قَالَهُ الزَّجَّاج .
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد مَا كَانَ لِي " أَنْ أُبَدِّلهُ مِنْ تِلْقَاء نَفْسِي " وَمِنْ عِنْدِي , كَمَا لَيْسَ لِي أَنْ أَلْقَاهُ بِالرَّدِّ وَالتَّكْذِيب .
أَيْ لَا أَتَّبِع إِلَّا مَا أَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ مِنْ وَعْد وَوَعِيد , وَتَحْرِيم وَتَحْلِيل , وَأَمْر وَنَهْي . وَقَدْ يَسْتَدِلّ بِهَذَا مَنْ يَمْنَع نَسْخ الْكِتَاب بِالسُّنَّةِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : " قُلْ مَا يَكُون لِي أَنْ أُبَدِّلهُ مِنْ تِلْقَاء نَفْسِي " وَهَذَا فِيهِ بُعْد ; فَإِنَّ الْآيَة وَرَدَتْ فِي طَلَب الْمُشْرِكِينَ مِثْل الْقُرْآن نَظْمًا , وَلَمْ يَكُنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يَسْأَلُوهُ تَبْدِيل الْحُكْم دُون اللَّفْظ ; وَلِأَنَّ الَّذِي يَقُولهُ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ وَحْيًا لَمْ يَكُنْ مِنْ تِلْقَاء نَفْسه , بَلْ كَانَ مِنْ عِنْد اللَّه تَعَالَى .
أَيْ إِنْ خَالَفْت فِي تَبْدِيله وَتَغْيِيره أَوْ فِي تَرْك الْعَمَل بِهِ .
يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة .
قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ↓
أَيْ لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ فَتَلَوْت عَلَيْكُمْ الْقُرْآن , وَلَا أَعْلَمَكُمْ اللَّه وَلَا أَخْبَرَكُمْ بِهِ ; يُقَال : دَرَيْت الشَّيْء وَأَدْرَانِي اللَّه بِهِ , وَدَرَيْته وَدَرَيْت بِهِ . وَفِي الدِّرَايَة مَعْنَى الْخَتْل ; وَمِنْهُ دَرَيْت الرَّجُل أَيْ خَتَلْته , وَلِهَذَا لَا يُطْلَق الدَّارِي فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى وَأَيْضًا عُدِمَ فِيهِ التَّوْقِيف . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير : " وَلَأَدْرَاكُمْ بِهِ " بِغَيْرِ أَلِف بَيْن اللَّام وَالْهَمْزَة ; وَالْمَعْنَى : لَوْ شَاءَ اللَّه لَأَعْلَمَكُمْ بِهِ مِنْ غَيْر أَنْ أَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ ; فَهِيَ لَام التَّأْكِيد دَخَلَتْ عَلَى أَلِف أَفْعَل . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن " وَلَا أَدْرَاتُكُمْ بِهِ " بِتَحْوِيلِ الْيَاء أَلِفًا , عَلَى لُغَة بَنِي عَقِيل ; قَالَ الشَّاعِر : لَعَمْرك مَا أَخْشَى التَّصَعْلُك مَا بَقِيَ عَلَى الْأَرْض قَيْسِيّ يَسُوق الْأَبَاعِرَا وَقَالَ آخَر : أَلَا آذَنَتْ أَهْل الْيَمَامَة طَيِّئ بِحَرْبٍ كَنَاصَات الْأَغَرّ الْمُشَهَّر قَالَ أَبُو حَاتِم : سَمِعْت الْأَصْمَعِيّ يَقُول سَأَلْت أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء : هَلْ لِقِرَاءَةِ الْحَسَن " وَلَا أَدْرَاتُكُمْ بِهِ " وَجْه ؟ فَقَالَ لَا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : لَا وَجْه لِقِرَاءَةِ الْحَسَن " وَلَا أَدْرَاتُكُمْ بِهِ " إِلَّا الْغَلَط . قَالَ النَّحَّاس : مَعْنَى قَوْل أَبِي عُبَيْد : لَا وَجْه , إِنْ شَاءَ اللَّه عَلَى الْغَلَط ; لِأَنَّهُ يُقَال : دَرَيْت أَيْ عَلِمْت , وَأَدْرَيْت غَيْرِي , وَيُقَال : دَرَأْت أَيْ دَفَعْت ; فَيَقَع الْغَلَط بَيْن دَرَيْت وَدَرَأْت . قَالَ أَبُو حَاتِم : يُرِيد الْحَسَن فِيمَا أَحْسَب " وَلَا أَدْرَيْتُكُمْ بِهِ " فَأَبْدَلَ مِنْ الْيَاء أَلِفًا عَلَى لُغَة بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب , يُبْدِلُونَ مِنْ الْيَاء أَلِفًا إِذَا اِنْفَتَحَ مَا قَبْلهَا ; مِثْل : " إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ " [ طه : 63 ] . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَمَنْ قَرَأَ " أَدْرَأْتُكُمْ " فَوَجْهه أَنَّ أَصْل الْهَمْزَة يَاء , فَأَصْله " أَدْرَيْتُكُمْ " فَقُلِبَتْ الْيَاء أَلِفًا وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَة ; كَمَا قَالَ : يَايِس فِي يَيِّس وَطَايِئ فِي طَيِّئ , ثُمَّ قُلِبَتْ الْأَلِف هَمْزَة عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ فِي الْعَالَم الْعَأْلَم وَفِي الْخَاتَم الْخَأْتَم . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط , وَالرِّوَايَة عَنْ الْحَسَن " وَلَا أَدْرَأْتُكُمْ " بِالْهَمْزَةِ , وَأَبُو حَاتِم وَغَيْره تَكَلَّمَ أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْز , وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ دَرَأْت أَيْ دَفَعْت ; أَيْ وَلَا أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَدْفَعُوا فَتَتْرُكُوا الْكُفْر بِالْقُرْآنِ .
ظَرْف , أَيْ مِقْدَارًا مِنْ الزَّمَان وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَة . وَقِيلَ : مَعْنَى " لَبِثْت فِيكُمْ عُمُرًا " أَيْ لَبِثْت فِيكُمْ مُدَّة شَبَابِي لَمْ أَعْصِ اللَّه , أَفَتُرِيدُونَ مِنِّي الْآن وَقَدْ بَلَغْت أَرْبَعِينَ سَنَة أَنْ أُخَالِف أَمْر اللَّه , وَأُغَيِّر مَا يُنْزِلهُ عَلَيَّ . قَالَ قَتَادَة : لَبِثَ فِيهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , وَأَقَامَ سَنَتَيْنِ يَرَى رُؤْيَا الْأَنْبِيَاء , وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِبْن اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَة .
أَيْ مِنْ قَبْل الْقُرْآن , تَعْرِفُونَنِي بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَة , لَا أَقْرَأ وَلَا أَكْتُب , ثُمَّ جِئْتُكُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ .
أَنَّ هَذَا لَا يَكُون إِلَّا مِنْ عِنْد اللَّه لَا مِنْ قَبْلِي .
ظَرْف , أَيْ مِقْدَارًا مِنْ الزَّمَان وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَة . وَقِيلَ : مَعْنَى " لَبِثْت فِيكُمْ عُمُرًا " أَيْ لَبِثْت فِيكُمْ مُدَّة شَبَابِي لَمْ أَعْصِ اللَّه , أَفَتُرِيدُونَ مِنِّي الْآن وَقَدْ بَلَغْت أَرْبَعِينَ سَنَة أَنْ أُخَالِف أَمْر اللَّه , وَأُغَيِّر مَا يُنْزِلهُ عَلَيَّ . قَالَ قَتَادَة : لَبِثَ فِيهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , وَأَقَامَ سَنَتَيْنِ يَرَى رُؤْيَا الْأَنْبِيَاء , وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِبْن اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَة .
أَيْ مِنْ قَبْل الْقُرْآن , تَعْرِفُونَنِي بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَة , لَا أَقْرَأ وَلَا أَكْتُب , ثُمَّ جِئْتُكُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ .
أَنَّ هَذَا لَا يَكُون إِلَّا مِنْ عِنْد اللَّه لَا مِنْ قَبْلِي .
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ↓
هَذَا اِسْتِفْهَام بِمَعْنَى الْجَحْد ; أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه الْكَذِب , وَبَدَّلَ كَلَامه وَأَضَافَ شَيْئًا إِلَيْهِ مِمَّا لَمْ يُنَزِّلهُ . وَكَذَلِكَ لَا أَحَد أَظْلَم مِنْكُمْ إِذَا أَنْكَرْتُمْ الْقُرْآن وَافْتَرَيْتُمْ عَلَى اللَّه الْكَذِب , وَقُلْتُمْ لَيْسَ هَذَا كَلَامه . وَهَذَا مِمَّا أُمِرَ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لَهُمْ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه اِبْتِدَاء . وَقِيلَ : الْمُفْتَرِي الْمُشْرِك , وَالْمُكَذِّب بِالْآيَاتِ أَهْل الْكِتَاب . " إِنَّهُ لَا يُفْلِح الْمُجْرِمُونَ " .
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ↓
يُرِيد الْأَصْنَام .
وَهَذِهِ غَايَة الْجَهَالَة مِنْهُمْ ; حَيْثُ يَنْتَظِرُونَ الشَّفَاعَة فِي الْمَآل مِمَّنْ لَا يُوجَد مِنْهُ نَفْع وَلَا ضُرّ فِي الْحَال . وَقِيلَ : " شُفَعَاؤُنَا " أَيْ تَشْفَع لَنَا عِنْد اللَّه فِي إِصْلَاح مَعَائِشِنَا فِي الدُّنْيَا .
قِرَاءَة الْعَامَّة " تُنَبِّئُونَ " بِالتَّشْدِيدِ . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال الْعَدَوِيّ " أَتُنْبِئُونَ اللَّه " مُخَفَّفًا , مِنْ أَنْبَأَ يُنْبِئ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة مِنْ نَبَّأَ يُنَبِّئ تَنْبِئَة ; وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد , جَمَعَهُمَا قَوْله تَعَالَى : " مَنْ أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير " [ التَّحْرِيم : 3 ] أَيْ أَتُخْبِرُونَ اللَّه أَنَّ لَهُ شَرِيكًا فِي مُلْكه أَوْ شَفِيعًا بِغَيْرِ إِذْنه , وَاَللَّه لَا يَعْلَم لِنَفْسِهِ شَرِيكًا فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض ; لِأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ فَلِذَلِكَ لَا يَعْلَمهُ . نَظِيره قَوْله : " أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَم فِي الْأَرْض " [ الرَّعْد : 33 ]
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسه وَقَدَّسَهَا عَنْ الشِّرْك فَقَالَ : " سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " أَيْ هُوَ أَعْظَم مِنْ أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَيْ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَسْمَع وَلَا يُبْصِر وَلَا يُمَيِّز " وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه " فَيَكْذِبُونَ ; وَهَلْ يَتَهَيَّأ لَكُمْ أَنْ تُنَبِّئُوهُ بِمَا لَا يَعْلَم , سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ! . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تُشْرِكُونَ " بِالتَّاءِ , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ .
وَهَذِهِ غَايَة الْجَهَالَة مِنْهُمْ ; حَيْثُ يَنْتَظِرُونَ الشَّفَاعَة فِي الْمَآل مِمَّنْ لَا يُوجَد مِنْهُ نَفْع وَلَا ضُرّ فِي الْحَال . وَقِيلَ : " شُفَعَاؤُنَا " أَيْ تَشْفَع لَنَا عِنْد اللَّه فِي إِصْلَاح مَعَائِشِنَا فِي الدُّنْيَا .
قِرَاءَة الْعَامَّة " تُنَبِّئُونَ " بِالتَّشْدِيدِ . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال الْعَدَوِيّ " أَتُنْبِئُونَ اللَّه " مُخَفَّفًا , مِنْ أَنْبَأَ يُنْبِئ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة مِنْ نَبَّأَ يُنَبِّئ تَنْبِئَة ; وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد , جَمَعَهُمَا قَوْله تَعَالَى : " مَنْ أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير " [ التَّحْرِيم : 3 ] أَيْ أَتُخْبِرُونَ اللَّه أَنَّ لَهُ شَرِيكًا فِي مُلْكه أَوْ شَفِيعًا بِغَيْرِ إِذْنه , وَاَللَّه لَا يَعْلَم لِنَفْسِهِ شَرِيكًا فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض ; لِأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ فَلِذَلِكَ لَا يَعْلَمهُ . نَظِيره قَوْله : " أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَم فِي الْأَرْض " [ الرَّعْد : 33 ]
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسه وَقَدَّسَهَا عَنْ الشِّرْك فَقَالَ : " سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " أَيْ هُوَ أَعْظَم مِنْ أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَيْ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَسْمَع وَلَا يُبْصِر وَلَا يُمَيِّز " وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه " فَيَكْذِبُونَ ; وَهَلْ يَتَهَيَّأ لَكُمْ أَنْ تُنَبِّئُوهُ بِمَا لَا يَعْلَم , سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ! . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تُشْرِكُونَ " بِالتَّاءِ , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ .
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ↓
تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَاهُ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ . وَقَالَ الزَّجَّاج : هُمْ الْعَرَب كَانُوا عَلَى الشِّرْك . وَقِيلَ : كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة , فَاخْتَلَفُوا عِنْد الْبُلُوغ . " وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك لَقُضِيَ بَيْنهمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " إِشَارَة إِلَى الْقَضَاء وَالْقَدَر ; أَيْ لَوْلَا مَا سَبَقَ فِي حُكْمه أَنَّهُ لَا يَقْضِي بَيْنهمْ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب دُون الْقِيَامَة لَقُضِيَ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا , فَأَدْخَلَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّة بِأَعْمَالِهِمْ وَالْكَافِرِينَ النَّار بِكُفْرِهِمْ , وَلَكِنَّهُ سَبَقَ مِنْ اللَّه الْأَجَل مَعَ عِلْمه بِصَنِيعِهِمْ فَجَعَلَ مَوْعِدهمْ الْقِيَامَة ; قَالَهُ الْحَسَن . وَقَالَ أَبُو رَوْق : " لَقُضِيَ بَيْنهمْ " لَأَقَامَ عَلَيْهِمْ السَّاعَة . وَقِيلَ : لَفَرَغَ مِنْ هَلَاكهمْ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : " الْكَلِمَة " أَنَّ اللَّه أَخَّرَ هَذِهِ الْأُمَّة فَلَا يُهْلِكهُمْ بِالْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , فَلَوْلَا . هَذَا التَّأْخِير لَقُضِيَ بَيْنهمْ بِنُزُولِ الْعَذَاب أَوْ بِإِقَامَةِ السَّاعَة . وَالْآيَة تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْخِير الْعَذَاب عَمَّنْ كَفَرَ بِهِ . وَقِيلَ : الْكَلِمَة السَّابِقَة أَنَّهُ لَا يَأْخُذ أَحَدًا إِلَّا بِحُجَّةٍ وَهُوَ إِرْسَال الرُّسُل ; كَمَا قَالَ : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا " [ الْإِسْرَاء : 15 ] وَقِيلَ : الْكَلِمَة قَوْله : ( سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي ) وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أَخَّرَ الْعُصَاة إِلَى التَّوْبَة . وَقَرَأَ عِيسَى " لَقَضَى " بِالْفَتْحِ .
وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ↓
يُرِيد أَهْل مَكَّة ; أَيْ هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَة , أَيْ مُعْجِزَة غَيْر هَذِهِ الْمُعْجِزَة , فَيَجْعَل لَنَا الْجِبَال ذَهَبًا وَيَكُون لَهُ بَيْت مِنْ زُخْرُف , وَيُحْيِي لَنَا مَنْ مَاتَ مِنْ آبَائِنَا . وَقَالَ الضَّحَّاك : عَصًا كَعَصَا مُوسَى .
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّ نُزُول الْآيَة غَيْب .
أَيْ تَرَبَّصُوا .
لِنُزُولِهَا . وَقِيلَ : اِنْتَظِرُوا قَضَاء اللَّه بَيْننَا بِإِظْهَارِ الْمُحِقّ عَلَى الْمُبْطِل .
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّ نُزُول الْآيَة غَيْب .
أَيْ تَرَبَّصُوا .
لِنُزُولِهَا . وَقِيلَ : اِنْتَظِرُوا قَضَاء اللَّه بَيْننَا بِإِظْهَارِ الْمُحِقّ عَلَى الْمُبْطِل .
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ↓
يُرِيد كُفَّار مَكَّة .
قِيلَ : رَخَاء بَعْد شِدَّة , وَخِصْب بَعْد جَدْب .
أَيْ اِسْتِهْزَاء وَتَكْذِيب . وَجَوَاب قَوْله : " وَإِذَا أَذَقْنَا " : " إِذَا لَهُمْ " عَلَى قَوْل الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ .
اِبْتِدَاء وَخَبَر . " مَكْرًا " عَلَى الْبَيَان ; أَيْ أَعْجَل عُقُوبَة عَلَى جَزَاء مَكْرهمْ , أَيْ أَنَّ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ الْعَذَاب أَسْرَع فِي إِهْلَاكهمْ مِمَّا أَتَوْهُ مِنْ الْمَكْر .
يَعْنِي بِالرُّسُلِ الْحَفَظَة . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تَمْكُرُونَ " بِالتَّاءِ خِطَابًا . وَقَرَأَ يَعْقُوب فِي رِوَايَة رُوَيْس وَأَبُو عَمْرو فِي رِوَايَة هَارُون الْعَتَكِيّ " يَمْكُرُونَ " بِالْيَاءِ ; لِقَوْلِهِ : " إِذَا لَهُمْ مَكْر فِي آيَاتنَا " قِيلَ : قَالَ أَبُو سُفْيَان قُحِطْنَا بِدُعَائِك فَإِنْ سَقَيْتنَا صَدَّقْنَاك ; فَسُقُوا بِاسْتِسْقَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا , فَهَذَا مَكْرهمْ .
قِيلَ : رَخَاء بَعْد شِدَّة , وَخِصْب بَعْد جَدْب .
أَيْ اِسْتِهْزَاء وَتَكْذِيب . وَجَوَاب قَوْله : " وَإِذَا أَذَقْنَا " : " إِذَا لَهُمْ " عَلَى قَوْل الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ .
اِبْتِدَاء وَخَبَر . " مَكْرًا " عَلَى الْبَيَان ; أَيْ أَعْجَل عُقُوبَة عَلَى جَزَاء مَكْرهمْ , أَيْ أَنَّ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ الْعَذَاب أَسْرَع فِي إِهْلَاكهمْ مِمَّا أَتَوْهُ مِنْ الْمَكْر .
يَعْنِي بِالرُّسُلِ الْحَفَظَة . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تَمْكُرُونَ " بِالتَّاءِ خِطَابًا . وَقَرَأَ يَعْقُوب فِي رِوَايَة رُوَيْس وَأَبُو عَمْرو فِي رِوَايَة هَارُون الْعَتَكِيّ " يَمْكُرُونَ " بِالْيَاءِ ; لِقَوْلِهِ : " إِذَا لَهُمْ مَكْر فِي آيَاتنَا " قِيلَ : قَالَ أَبُو سُفْيَان قُحِطْنَا بِدُعَائِك فَإِنْ سَقَيْتنَا صَدَّقْنَاك ; فَسُقُوا بِاسْتِسْقَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا , فَهَذَا مَكْرهمْ .
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ↓
أَيْ يَحْمِلكُمْ فِي الْبَرّ عَلَى الدَّوَابّ وَفِي الْبَحْر عَلَى الْفُلْك . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : يَحْفَظكُمْ فِي السَّيْر . وَالْآيَة تَتَضَمَّن تَعْدِيد النِّعَم فِيمَا هِيَ الْحَال بِسَبِيلِهِ مِنْ رُكُوب النَّاس الدَّوَابّ وَالْبَحْر . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي رُكُوب الْبَحْر فِي " الْبَقَرَة " . " يُسَيِّركُمْ " قِرَاءَة الْعَامَّة . اِبْن عَامِر " يَنْشُركُمْ " بِالنُّونِ وَالشِّين , أَيْ يَبُثّكُمْ وَيُفَرِّقكُمْ . وَالْفُلْك يَقَع عَلَى الْوَاحِد وَالْجَمْع , وَيُذَكَّر وَيُؤَنَّث , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ . وَقَوْله : " وَجَرَيْنَ بِهِمْ " خُرُوج مِنْ الْخِطَاب إِلَى الْغَيْبَة , وَهُوَ فِي الْقُرْآن وَأَشْعَار الْعَرَب كَثِير ; قَالَ النَّابِغَة : يَا دَار مَيَّة بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَد أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِف الْأَمَد قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَجَائِز فِي اللُّغَة أَنْ يُرْجَع مِنْ خِطَاب الْغَيْبَة إِلَى لَفْظ الْمُوَاجَهَة بِالْخِطَابِ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَسَقَاهُمْ رَبّهمْ شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيكُمْ مَشْكُورًا " [ الْإِنْسَان : 21 - 22 ] فَأَبْدَلَ الْكَاف مِنْ الْهَاء . قَوْله تَعَالَى " بِرِيحٍ طَيِّبَة وَفَرِحُوا بِهَا " تَقَدَّمَ الْكَلَام فِيهَا فِي الْبَقَرَة
الضَّمِير فِي " جَاءَتْهَا " لِلسَّفِينَةِ . وَقِيلَ لِلرِّيحِ الطَّيِّبَة . وَالْعَاصِف الشَّدِيدَة ; يُقَال : عَصَفَتْ الرِّيح وَأَعْصَفَتْ , فَهِيَ عَاصِف وَمُعْصِف وَمُعْصِفَة أَيْ شَدِيدَة , قَالَ الشَّاعِر : حَتَّى إِذَا أَعْصَفَتْ رِيح مُزَعْزِعَة فِيهَا قِطَار وَرَعْد صَوْته زَجِل وَقَالَ " عَاصِف " بِالتَّذْكِيرِ لِأَنَّ لَفْظ الرِّيح مُذَكَّر , وَهِيَ الْقَاصِف أَيْضًا . وَالطَّيِّبَة غَيْر عَاصِف وَلَا بَطِيئَة .
وَالْمَوْج مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْمَاء
أَيْ أَيْقَنُوا
أَيْ أَحَاطَ بِهِمْ الْبَلَاء ; يُقَال لِمَنْ وَقَعَ فِي بَلِيَّة : قَدْ أُحِيطَ بِهِ , كَأَنَّ الْبَلَاء قَدْ أَحَاطَ بِهِ ; وَأَصْل هَذَا أَنَّ الْعَدُوّ إِذَا أَحَاطَ بِمَوْضِعٍ فَقَدْ هَلَكَ أَهْله .
أَيْ دَعَوْهُ وَحْده وَتَرَكُوا مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْخَلْق جُبِلُوا عَلَى الرُّجُوع إِلَى اللَّه فِي الشَّدَائِد , وَأَنَّ الْمُضْطَرّ يُجَاب دُعَاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ كَافِرًا ; لِانْقِطَاعِ الْأَسْبَاب وَرُجُوعه إِلَى الْوَاحِد رَبّ الْأَرْبَاب ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " النَّمْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهُمْ قَالُوا فِي دُعَائِهِمْ أهيا شراهيا ; أَيْ يَا حَيّ يَا قَيُّوم . وَهِيَ لُغَة الْعَجَم . مَسْأَلَة : هَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى رُكُوب الْبَحْر مُطْلَقًا , وَمِنْ السُّنَّة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ : إِنَّا نَرْكَب الْبَحْر وَنَحْمِل مَعَنَا الْقَلِيل مِنْ الْمَاء ... الْحَدِيث . وَحَدِيث أَنَس فِي قِصَّة أُمّ حَرَام يَدُلّ عَلَى جَوَاز رُكُوبه فِي الْغَزْو , وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِر " الْأَعْرَاف " حُكْم رَاكِب الْبَحْر فِي حَال اِرْتِجَاجه وَغَلَيَانه , هَلْ حُكْمه حُكْم الصَّحِيح أَوْ الْمَرِيض الْمَحْجُور عَلَيْهِ ; فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ .
أَيْ هَذِهِ الشَّدَائِد وَالْأَهْوَال . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مِنْ هَذِهِ الرِّيح .
أَيْ مِنْ الْعَامِلِينَ بِطَاعَتِك عَلَى نِعْمَة الْخَلَاص .
الضَّمِير فِي " جَاءَتْهَا " لِلسَّفِينَةِ . وَقِيلَ لِلرِّيحِ الطَّيِّبَة . وَالْعَاصِف الشَّدِيدَة ; يُقَال : عَصَفَتْ الرِّيح وَأَعْصَفَتْ , فَهِيَ عَاصِف وَمُعْصِف وَمُعْصِفَة أَيْ شَدِيدَة , قَالَ الشَّاعِر : حَتَّى إِذَا أَعْصَفَتْ رِيح مُزَعْزِعَة فِيهَا قِطَار وَرَعْد صَوْته زَجِل وَقَالَ " عَاصِف " بِالتَّذْكِيرِ لِأَنَّ لَفْظ الرِّيح مُذَكَّر , وَهِيَ الْقَاصِف أَيْضًا . وَالطَّيِّبَة غَيْر عَاصِف وَلَا بَطِيئَة .
وَالْمَوْج مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْمَاء
أَيْ أَيْقَنُوا
أَيْ أَحَاطَ بِهِمْ الْبَلَاء ; يُقَال لِمَنْ وَقَعَ فِي بَلِيَّة : قَدْ أُحِيطَ بِهِ , كَأَنَّ الْبَلَاء قَدْ أَحَاطَ بِهِ ; وَأَصْل هَذَا أَنَّ الْعَدُوّ إِذَا أَحَاطَ بِمَوْضِعٍ فَقَدْ هَلَكَ أَهْله .
أَيْ دَعَوْهُ وَحْده وَتَرَكُوا مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْخَلْق جُبِلُوا عَلَى الرُّجُوع إِلَى اللَّه فِي الشَّدَائِد , وَأَنَّ الْمُضْطَرّ يُجَاب دُعَاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ كَافِرًا ; لِانْقِطَاعِ الْأَسْبَاب وَرُجُوعه إِلَى الْوَاحِد رَبّ الْأَرْبَاب ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " النَّمْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهُمْ قَالُوا فِي دُعَائِهِمْ أهيا شراهيا ; أَيْ يَا حَيّ يَا قَيُّوم . وَهِيَ لُغَة الْعَجَم . مَسْأَلَة : هَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى رُكُوب الْبَحْر مُطْلَقًا , وَمِنْ السُّنَّة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ : إِنَّا نَرْكَب الْبَحْر وَنَحْمِل مَعَنَا الْقَلِيل مِنْ الْمَاء ... الْحَدِيث . وَحَدِيث أَنَس فِي قِصَّة أُمّ حَرَام يَدُلّ عَلَى جَوَاز رُكُوبه فِي الْغَزْو , وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِر " الْأَعْرَاف " حُكْم رَاكِب الْبَحْر فِي حَال اِرْتِجَاجه وَغَلَيَانه , هَلْ حُكْمه حُكْم الصَّحِيح أَوْ الْمَرِيض الْمَحْجُور عَلَيْهِ ; فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ .
أَيْ هَذِهِ الشَّدَائِد وَالْأَهْوَال . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : مِنْ هَذِهِ الرِّيح .
أَيْ مِنْ الْعَامِلِينَ بِطَاعَتِك عَلَى نِعْمَة الْخَلَاص .
فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ↓
أَيْ خَلَّصَهُمْ وَأَنْقَذَهُمْ .
أَيْ يَعْمَلُونَ فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ وَبِالْمَعَاصِي . وَالْبَغْي : الْفَسَاد وَالشِّرْك ; مِنْ بَغَى الْجُرْح إِذَا فَسَدَ ; وَأَصْله الطَّلَب , أَيْ يَطْلُبُونَ الِاسْتِعْلَاء بِالْفَسَادِ .
أَيْ بِالتَّكْذِيبِ ; وَمِنْهُ بَغَتْ الْمَرْأَة طَلَبَتْ غَيْر زَوْجهَا .
أَيْ وَبَاله عَائِد عَلَيْكُمْ ; وَتَمَّ الْكَلَام , ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : " مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعكُمْ فَنُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " أَيْ هُوَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ; وَلَا بَقَاء لَهُ . قَالَ النَّحَّاس : " بَغْيكُمْ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره " مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا " . وَ " عَلَى أَنْفُسكُمْ " مَفْعُول مَعْنَى فِعْل الْبَغْي . وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَره " عَلَى أَنْفُسكُمْ " وَتُضْمِر مُبْتَدَأ , أَيْ ذَلِكَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا , أَوْ هُوَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ; وَبَيْن الْمَعْنَيَيْنِ حَرْف لَطِيف , إِذَا رَفَعْت مَتَاعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَر " بَغْيكُمْ " فَالْمَعْنَى . إِنَّمَا بَغْي بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض ; مِثْل : " فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ " [ النُّور : 61 ] وَكَذَا " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ " [ التَّوْبَة : 128 ] . وَإِذَا كَانَ الْخَبَر " عَلَى أَنْفُسكُمْ " فَالْمَعْنَى إِنَّمَا فَسَادكُمْ رَاجِع عَلَيْكُمْ ; مِثْل " وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا " . وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة أَنَّهُ قَالَ : أَرَادَ أَنَّ الْبَغْي مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا , أَيْ عُقُوبَته تُعَجَّل لِصَاحِبِهِ فِي الدُّنْيَا ; كَمَا يُقَال : الْبَغْي مَصْرَعَة . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق " مَتَاع " بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر ; أَيْ تَتَمَتَّعُونَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا . أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِض , أَيْ لِمَتَاعِ , أَوْ مَصْدَر , بِمَعْنَى الْمَفْعُول عَلَى الْحَال , أَيْ مُتَمَتِّعِينَ . أَوْ هُوَ نُصِبَ عَلَى الظَّرْف , أَيْ فِي مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَمُتَعَلِّق الظَّرْف وَالْجَارّ وَالْحَال مَعْنَى الْفِعْل فِي الْبَغْي . وَ " عَلَى أَنْفُسكُمْ " مَفْعُول ذَلِكَ الْمَعْنَى .
أَيْ يَعْمَلُونَ فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ وَبِالْمَعَاصِي . وَالْبَغْي : الْفَسَاد وَالشِّرْك ; مِنْ بَغَى الْجُرْح إِذَا فَسَدَ ; وَأَصْله الطَّلَب , أَيْ يَطْلُبُونَ الِاسْتِعْلَاء بِالْفَسَادِ .
أَيْ بِالتَّكْذِيبِ ; وَمِنْهُ بَغَتْ الْمَرْأَة طَلَبَتْ غَيْر زَوْجهَا .
أَيْ وَبَاله عَائِد عَلَيْكُمْ ; وَتَمَّ الْكَلَام , ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : " مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعكُمْ فَنُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " أَيْ هُوَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ; وَلَا بَقَاء لَهُ . قَالَ النَّحَّاس : " بَغْيكُمْ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره " مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا " . وَ " عَلَى أَنْفُسكُمْ " مَفْعُول مَعْنَى فِعْل الْبَغْي . وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَره " عَلَى أَنْفُسكُمْ " وَتُضْمِر مُبْتَدَأ , أَيْ ذَلِكَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا , أَوْ هُوَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ; وَبَيْن الْمَعْنَيَيْنِ حَرْف لَطِيف , إِذَا رَفَعْت مَتَاعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَر " بَغْيكُمْ " فَالْمَعْنَى . إِنَّمَا بَغْي بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض ; مِثْل : " فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ " [ النُّور : 61 ] وَكَذَا " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ " [ التَّوْبَة : 128 ] . وَإِذَا كَانَ الْخَبَر " عَلَى أَنْفُسكُمْ " فَالْمَعْنَى إِنَّمَا فَسَادكُمْ رَاجِع عَلَيْكُمْ ; مِثْل " وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا " . وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة أَنَّهُ قَالَ : أَرَادَ أَنَّ الْبَغْي مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا , أَيْ عُقُوبَته تُعَجَّل لِصَاحِبِهِ فِي الدُّنْيَا ; كَمَا يُقَال : الْبَغْي مَصْرَعَة . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق " مَتَاع " بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَر ; أَيْ تَتَمَتَّعُونَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا . أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِض , أَيْ لِمَتَاعِ , أَوْ مَصْدَر , بِمَعْنَى الْمَفْعُول عَلَى الْحَال , أَيْ مُتَمَتِّعِينَ . أَوْ هُوَ نُصِبَ عَلَى الظَّرْف , أَيْ فِي مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَمُتَعَلِّق الظَّرْف وَالْجَارّ وَالْحَال مَعْنَى الْفِعْل فِي الْبَغْي . وَ " عَلَى أَنْفُسكُمْ " مَفْعُول ذَلِكَ الْمَعْنَى .
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ↓
مَعْنَى الْآيَة التَّشْبِيه وَالتَّمْثِيل , أَيْ صِفَة الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي فَنَائِهَا وَزَوَالهَا وَقِلَّة خَطَرهَا وَالْمَلَاذ بِهَا كَمَاءٍ ; أَيْ مِثْل مَاء , فَالْكَاف فِي مَوْضِع رَفْع . وَسَيَأْتِي لِهَذَا التَّشْبِيه مَزِيد بَيَان فِي " الْكَهْف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . " أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء " نَعْت لِ " مَاء " .
رُوِيَ عَنْ نَافِع أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى " فَاخْتَلَطَ " أَيْ فَاخْتَلَطَ الْمَاء بِالْأَرْضِ , ثُمَّ اِبْتَدَأَ
أَيْ بِالْمَاءِ نَبَات الْأَرْض ; فَأَخْرَجَتْ أَلْوَانًا مِنْ النَّبَات , فَنَبَات عَلَى هَذَا اِبْتِدَاء , وَعَلَى مَذْهَب مَنْ لَمْ يَقِف عَلَى " فَاخْتَلَطَ " مَرْفُوع بِاخْتَلَطَ ; أَيْ اِخْتَلَطَ النَّبَات بِالْمَطَرِ , أَيْ شَرِبَ مِنْهُ فَتَنَدَّى وَحَسُنَ وَاخْضَرَّ . وَالِاخْتِلَاط تَدَاخُل الشَّيْء بَعْضه فِي بَعْض .
مِنْ الْحُبُوب وَالثِّمَار وَالْبُقُول .
مِنْ الْكَلَإِ وَالتِّبْن وَالشَّعِير .
أَيْ حُسْنهَا وَزِينَتهَا . وَالزُّخْرُف كَمَال حُسْن الشَّيْء ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلذَّهَبِ : زُخْرُف .
أَيْ بِالْحُبُوبِ وَالثِّمَار وَالْأَزْهَار ; وَالْأَصْل تَزَيَّنَتْ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الزَّاي وَجِيءَ بِأَلِفِ الْوَصْل ; لِأَنَّ الْحَرْف الْمُدْغَم مَقَام حَرْفَيْنِ الْأَوَّل مِنْهُمَا سَاكِن وَالسَّاكِن لَا يُمْكِن الِابْتِدَاء بِهِ . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَأُبَيّ بْن كَعْب " وَتَزَيَّنَتْ " عَلَى الْأَصْل . وَقَرَأَ الْحَسَن وَالْأَعْرَج وَأَبُو الْعَالِيَة " وَأَزْيَنَتْ " أَيْ أَتَتْ بِالزِّينَةِ عَلَيْهَا , أَيْ الْغَلَّة وَالزَّرْع , وَجَاءَ بِالْفِعْلِ عَلَى أَصْله وَلَوْ أَعَلَّهُ لَقَالَ وَازَّانَتْ . وَقَالَ عَوْف بْن أَبِي جَمِيلَة الْأَعْرَابِيّ : قَرَأَ أَشْيَاخنَا " وَازْيَانَّتْ " وَزْنه اِسْوَادَّتْ . وَفِي رِوَايَة الْمُقَدِّمِيّ " وَازَّايَنَتْ " وَالْأَصْل فِيهِ تَزَايَنَتْ , وَزْنه تَقَاعَسَتْ ثُمَّ أُدْغِمَ . وَقَرَأَ الشَّعْبِيّ وَقَتَادَة " وَازْيَانَّتْ " مِثْل افْعَلَّتْ . وَقَرَأَ عُثْمَان النَّهْدِيّ " وَازْيَنَتْ " مِثْل افْعَلَتْ , وَعَنْهُ أَيْضًا " وَازْيَانَتْ " مِثْل افْعَالَتْ , وَرُوِيَ عَنْهُ " ازْيَأَنَتْ " بِالْهَمْزَةِ ; ثَلَاث قِرَاءَات .
أَيْ أَيْقَنَ .
أَيْ عَلَى حَصَادهَا وَالِانْتِفَاع بِهَا ; أَخْبَرَ عَنْ الْأَرْض وَالْمَعْنِيّ النَّبَات إِذْ كَانَ مَفْهُومًا وَهُوَ مِنْهَا . وَقِيلَ : رَدَّ إِلَى الْغَلَّة , وَقِيلَ : إِلَى الزِّينَة .
أَيْ عَذَابنَا , أَوْ أَمْرنَا بِهَلَاكِهَا .
ظَرْفَانِ .
مَفْعُولَانِ , أَيْ مَحْصُودَة مَقْطُوعَة لَا شَيْء فِيهَا . وَقَالَ " حَصِيدًا " وَلَمْ يُؤَنَّث لِأَنَّهُ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول . قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْحَصِيد الْمُسْتَأْصَل .
أَيْ لَمْ تَكُنْ عَامِرَة ; مِنْ غَنِيَ إِذَا أَقَامَ فِيهِ وَعَمَّرَهُ . وَالْمَغَانِي فِي اللُّغَة : الْمَنَازِل الَّتِي يَعْمُرهَا النَّاس . وَقَالَ قَتَادَة : كَأَنْ لَمْ تَنْعَم . قَالَ لَبِيد : وَغَنِيَتْ سَبْتًا قَبْل مَجْرَى دَاحِس لَوْ كَانَ لِلنَّفْسِ اللَّجُوج خُلُود وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تَغْنَ " بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْأَرْض . وَقَرَأَ قَتَادَة " يَغْنَ " بِالْيَاءِ , يَذْهَب بِهِ إِلَى الزُّخْرُف ; يَعْنِي فَكَمَا يُهْلِك هَذَا الزَّرْع هَكَذَا كَذَلِكَ الدُّنْيَا .
أَيْ نُبَيِّنهَا .
فِي آيَات اللَّه .
رُوِيَ عَنْ نَافِع أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى " فَاخْتَلَطَ " أَيْ فَاخْتَلَطَ الْمَاء بِالْأَرْضِ , ثُمَّ اِبْتَدَأَ
أَيْ بِالْمَاءِ نَبَات الْأَرْض ; فَأَخْرَجَتْ أَلْوَانًا مِنْ النَّبَات , فَنَبَات عَلَى هَذَا اِبْتِدَاء , وَعَلَى مَذْهَب مَنْ لَمْ يَقِف عَلَى " فَاخْتَلَطَ " مَرْفُوع بِاخْتَلَطَ ; أَيْ اِخْتَلَطَ النَّبَات بِالْمَطَرِ , أَيْ شَرِبَ مِنْهُ فَتَنَدَّى وَحَسُنَ وَاخْضَرَّ . وَالِاخْتِلَاط تَدَاخُل الشَّيْء بَعْضه فِي بَعْض .
مِنْ الْحُبُوب وَالثِّمَار وَالْبُقُول .
مِنْ الْكَلَإِ وَالتِّبْن وَالشَّعِير .
أَيْ حُسْنهَا وَزِينَتهَا . وَالزُّخْرُف كَمَال حُسْن الشَّيْء ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلذَّهَبِ : زُخْرُف .
أَيْ بِالْحُبُوبِ وَالثِّمَار وَالْأَزْهَار ; وَالْأَصْل تَزَيَّنَتْ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الزَّاي وَجِيءَ بِأَلِفِ الْوَصْل ; لِأَنَّ الْحَرْف الْمُدْغَم مَقَام حَرْفَيْنِ الْأَوَّل مِنْهُمَا سَاكِن وَالسَّاكِن لَا يُمْكِن الِابْتِدَاء بِهِ . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَأُبَيّ بْن كَعْب " وَتَزَيَّنَتْ " عَلَى الْأَصْل . وَقَرَأَ الْحَسَن وَالْأَعْرَج وَأَبُو الْعَالِيَة " وَأَزْيَنَتْ " أَيْ أَتَتْ بِالزِّينَةِ عَلَيْهَا , أَيْ الْغَلَّة وَالزَّرْع , وَجَاءَ بِالْفِعْلِ عَلَى أَصْله وَلَوْ أَعَلَّهُ لَقَالَ وَازَّانَتْ . وَقَالَ عَوْف بْن أَبِي جَمِيلَة الْأَعْرَابِيّ : قَرَأَ أَشْيَاخنَا " وَازْيَانَّتْ " وَزْنه اِسْوَادَّتْ . وَفِي رِوَايَة الْمُقَدِّمِيّ " وَازَّايَنَتْ " وَالْأَصْل فِيهِ تَزَايَنَتْ , وَزْنه تَقَاعَسَتْ ثُمَّ أُدْغِمَ . وَقَرَأَ الشَّعْبِيّ وَقَتَادَة " وَازْيَانَّتْ " مِثْل افْعَلَّتْ . وَقَرَأَ عُثْمَان النَّهْدِيّ " وَازْيَنَتْ " مِثْل افْعَلَتْ , وَعَنْهُ أَيْضًا " وَازْيَانَتْ " مِثْل افْعَالَتْ , وَرُوِيَ عَنْهُ " ازْيَأَنَتْ " بِالْهَمْزَةِ ; ثَلَاث قِرَاءَات .
أَيْ أَيْقَنَ .
أَيْ عَلَى حَصَادهَا وَالِانْتِفَاع بِهَا ; أَخْبَرَ عَنْ الْأَرْض وَالْمَعْنِيّ النَّبَات إِذْ كَانَ مَفْهُومًا وَهُوَ مِنْهَا . وَقِيلَ : رَدَّ إِلَى الْغَلَّة , وَقِيلَ : إِلَى الزِّينَة .
أَيْ عَذَابنَا , أَوْ أَمْرنَا بِهَلَاكِهَا .
ظَرْفَانِ .
مَفْعُولَانِ , أَيْ مَحْصُودَة مَقْطُوعَة لَا شَيْء فِيهَا . وَقَالَ " حَصِيدًا " وَلَمْ يُؤَنَّث لِأَنَّهُ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول . قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْحَصِيد الْمُسْتَأْصَل .
أَيْ لَمْ تَكُنْ عَامِرَة ; مِنْ غَنِيَ إِذَا أَقَامَ فِيهِ وَعَمَّرَهُ . وَالْمَغَانِي فِي اللُّغَة : الْمَنَازِل الَّتِي يَعْمُرهَا النَّاس . وَقَالَ قَتَادَة : كَأَنْ لَمْ تَنْعَم . قَالَ لَبِيد : وَغَنِيَتْ سَبْتًا قَبْل مَجْرَى دَاحِس لَوْ كَانَ لِلنَّفْسِ اللَّجُوج خُلُود وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تَغْنَ " بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْأَرْض . وَقَرَأَ قَتَادَة " يَغْنَ " بِالْيَاءِ , يَذْهَب بِهِ إِلَى الزُّخْرُف ; يَعْنِي فَكَمَا يُهْلِك هَذَا الزَّرْع هَكَذَا كَذَلِكَ الدُّنْيَا .
أَيْ نُبَيِّنهَا .
فِي آيَات اللَّه .
لَمَّا ذَكَرَ وَصْف هَذِهِ الدَّار وَهِيَ دَار الدُّنْيَا وَصَفَ الْآخِرَة فَقَالَ : إِنَّ اللَّه لَا يَدْعُوكُمْ إِلَى جَمْع الدُّنْيَا بَلْ يَدْعُوكُمْ إِلَى الطَّاعَة لِتَصِيرُوا إِلَى دَار السَّلَام , أَيْ إِلَى الْجَنَّة . قَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن : السَّلَام هُوَ اللَّه , وَدَاره الْجَنَّة ; وَسُمِّيَتْ الْجَنَّة دَار السَّلَام لِأَنَّ مَنْ دَخَلَهَا سَلِمَ مِنْ الْآفَات . وَمِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانه " السَّلَام " , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي ( الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ) . وَيَأْتِي فِي سُورَة " الْحَشْر " إِنْ شَاءَ اللَّه . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَامَة . وَالسَّلَام وَالسَّلَامَة بِمَعْنًى كَالرَّضَاعِ وَالرَّضَاعَة ; قَالَهُ الزَّجَّاج . قَالَ الشَّاعِر : تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمّ بَكْر وَهَلْ لَك بَعْد قَوْمك مِنْ سَلَام وَقِيلَ : أَرَادَ وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار التَّحِيَّة ; لِأَنَّ أَهْلهَا يَنَالُونَ مِنْ اللَّه التَّحِيَّة وَالسَّلَام , وَكَذَلِكَ مِنْ الْمَلَائِكَة . قَالَ الْحَسَن : إِنَّ السَّلَام لَا يَنْقَطِع , عَنْ أَهْل الْجَنَّة , وَهُوَ تَحِيَّتهمْ ; كَمَا قَالَ : " وَتَحِيَّتهمْ فِيهَا سَلَام " [ يُونُس : 10 ] . وَقَالَ يَحْيَى بْن مُعَاذ : يَا ابْن آدَم , دَعَاك اللَّه إِلَى دَار السَّلَام فَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ تُجِيبهُ , فَإِنْ أَجَبْته مِنْ دُنْيَاك دَخَلْتهَا , وَإِنْ أَجَبْته مِنْ قَبْرك مُنِعْتهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْجِنَان سَبْع : دَار الْجَلَال , وَدَار السَّلَام , وَجَنَّة عَدَن , وَجَنَّة الْمَأْوَى , وَجَنَّة الْخُلْد , وَجَنَّة الْفِرْدَوْس , وَجَنَّة النَّعِيم .
عَمَّ بِالدَّعْوَةِ إِظْهَارًا لِحُجَّتِهِ , وَخَصَّ بِالْهِدَايَةِ اِسْتِغْنَاء عَنْ خَلْقه . وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , قِيلَ : كِتَاب اللَّه ; رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى ) . وَقِيلَ : الْإِسْلَام ; رَوَاهُ النَّوَّاس بْن سَمْعَان عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الْحَقّ ; قَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد . وَقِيلَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَرَوَى جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : ( رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنَّ جِبْرِيل عِنْد رَأْسِي وَمِيكَائِيل عِنْد رِجْلِي فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ اِضْرِبْ لَهُ مَثَلًا فَقَالَ لَهُ اِسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنَاك وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبك وَإِنَّمَا مَثَلك وَمَثَل أُمَّتك كَمَثَلِ مَلِك اِتَّخَذَ دَارًا ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَة ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاس إِلَى طَعَامه فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُول وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ فَاَللَّه الْمَلِك وَالدَّار الْإِسْلَام وَالْبَيْت الْجَنَّة وَأَنْتَ يَا مُحَمَّد الرَّسُول فَمَنْ أَجَابَك دَخَلَ فِي الْإِسْلَام وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَام دَخَلَ الْجَنَّة وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّة أَكَلَ مِمَّا فِيهَا ) ثُمَّ تَلَا يَعْنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " . ثُمَّ تَلَا قَتَادَة وَمُجَاهِد : " وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام " . وَهَذِهِ الْآيَة بَيِّنَة الْحُجَّة فِي الرَّدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا : هَدَى اللَّه الْخَلْق كُلّهمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم , وَاَللَّه قَالَ : " وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " فَرَدُّوا عَلَى اللَّه نُصُوص الْقُرْآن .
عَمَّ بِالدَّعْوَةِ إِظْهَارًا لِحُجَّتِهِ , وَخَصَّ بِالْهِدَايَةِ اِسْتِغْنَاء عَنْ خَلْقه . وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , قِيلَ : كِتَاب اللَّه ; رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى ) . وَقِيلَ : الْإِسْلَام ; رَوَاهُ النَّوَّاس بْن سَمْعَان عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : الْحَقّ ; قَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد . وَقِيلَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَرَوَى جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : ( رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنَّ جِبْرِيل عِنْد رَأْسِي وَمِيكَائِيل عِنْد رِجْلِي فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ اِضْرِبْ لَهُ مَثَلًا فَقَالَ لَهُ اِسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنَاك وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبك وَإِنَّمَا مَثَلك وَمَثَل أُمَّتك كَمَثَلِ مَلِك اِتَّخَذَ دَارًا ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَة ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاس إِلَى طَعَامه فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُول وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ فَاَللَّه الْمَلِك وَالدَّار الْإِسْلَام وَالْبَيْت الْجَنَّة وَأَنْتَ يَا مُحَمَّد الرَّسُول فَمَنْ أَجَابَك دَخَلَ فِي الْإِسْلَام وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَام دَخَلَ الْجَنَّة وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّة أَكَلَ مِمَّا فِيهَا ) ثُمَّ تَلَا يَعْنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " . ثُمَّ تَلَا قَتَادَة وَمُجَاهِد : " وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام " . وَهَذِهِ الْآيَة بَيِّنَة الْحُجَّة فِي الرَّدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا : هَدَى اللَّه الْخَلْق كُلّهمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم , وَاَللَّه قَالَ : " وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " فَرَدُّوا عَلَى اللَّه نُصُوص الْقُرْآن .
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
رُوِيَ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : " وَزِيَادَة " قَالَ : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْعَمَل فِي الدُّنْيَا لَهُمْ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّة وَالزِّيَادَة النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه الْكَرِيم ) وَهُوَ قَوْل أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِي رِوَايَة . وَحُذَيْفَة وَعُبَادَة بْن الصَّامِت وَكَعْب بْن عُجْرَة وَأَبِي مُوسَى وَصُهَيْب وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ , وَهُوَ الصَّحِيح فِي الْبَاب . وَرَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ صُهَيْب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّض وُجُوهنَا أَلَمْ تُدْخِلنَا الْجَنَّة وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّار قَالَ فَيَكْشِف الْحِجَاب فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَر إِلَى رَبّهمْ عَزَّ وَجَلَّ ) وَفِي رِوَايَة ثُمَّ تَلَا ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة " وَخَرَّجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ صُهَيْب قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذِهِ الْآيَة " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة " قَالَ : ( إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْل الْجَنَّة إِنَّ لَكُمْ مَوْعِدًا عِنْد اللَّه يُرِيد أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ قَالُوا أَلَمْ يُبَيِّض وُجُوهنَا وَيُثَقِّل مَوَازِيننَا وَيُجِرْنَا مِنْ النَّار قَالَ فَيُكْشَف الْحِجَاب فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَاَللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ اللَّه شَيْئًا أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَر وَلَا أَقَرّ لِأَعْيُنِهِمْ ) . وَخَرَّجَهُ اِبْن الْمُبَارَك فِي دَقَائِقه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَوْقُوفًا , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة , وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَعْنَى كَشْف الْحِجَاب , وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه رَحِمَهُ اللَّه : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حُجْر حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ زُهَيْر عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الزِّيَادَتَيْنِ فِي كِتَاب اللَّه ; فِي قَوْله " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة " قَالَ : ( النَّظَر إِلَى وَجْه الرَّحْمَن ) وَعَنْ قَوْله : " وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ " [ الصَّافَّات : 147 ] قَالَ : ( عِشْرُونَ أَلْفًا ) . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الزِّيَادَة أَنْ تُضَاعَف الْحَسَنَة عَشْر حَسَنَات إِلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ; رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الزِّيَادَة غُرْفَة مِنْ لُؤْلُؤَة وَاحِدَة لَهَا أَرْبَعَة آلَاف بَاب . وَقَالَ مُجَاهِد : الْحُسْنَى حَسَنَة مِثْل حَسَنَة , وَالزِّيَادَة مَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرِضْوَان . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم : الْحُسْنَى الْجَنَّة , وَالزِّيَادَة مَا أَعْطَاهُمْ اللَّه فِي الدُّنْيَا مِنْ فَضْله لَا يُحَاسِبهُمْ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِط : الْحُسْنَى الْبُشْرَى , وَالزِّيَادَة النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه الْكَرِيم ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاضِرَة إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة " [ الْقِيَامَة : 22 - 23 ] . وَقَالَ يَزِيد بْن شَجَرَة : الزِّيَادَة أَنْ تَمُرّ السَّحَابَة بِأَهْلِ الْجَنَّة فَتُمْطِرهُمْ مِنْ كُلّ النَّوَادِر الَّتِي لَمْ يَرَوْهَا , وَتَقُول : يَا أَهْل الْجَنَّة , مَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِركُمْ ؟ فَلَا يُرِيدُونَ شَيْئًا إِلَّا أَمْطَرَتْهُمْ إِيَّاهُ . وَقِيلَ : الزِّيَادَة أَنَّهُ مَا يَمُرّ عَلَيْهِمْ مِقْدَار يَوْم مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا إِلَّا حَتَّى يُطِيف بِمَنْزِلِ أَحَدهمْ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك , مَعَ كُلّ مَلَك هَدَايَا مِنْ عِنْد اللَّه لَيْسَتْ مَعَ صَاحِبه , مَا رَأَوْا مِثْل تِلْكَ الْهَدَايَا قَطُّ ; فَسُبْحَان الْوَاسِع الْعَلِيم الْغَنِيّ الْحَمِيد الْعَلِيّ الْكَبِير الْعَزِيز الْقَدِير الْبَرّ الرَّحِيم الْمُدَبِّر الْحَكِيم اللَّطِيف الْكَرِيم الَّذِي لَا تَتَنَاهَى مَقْدُورَاته . وَقِيلَ : " أَحْسَنُوا " أَيْ مُعَامَلَة النَّاس , " الْحُسْنَى " : شَفَاعَتهمْ , وَالزِّيَادَة : إِذْن اللَّه تَعَالَى فِيهَا وَقَبُوله .
قِيلَ : مَعْنَاهُ يَلْحَق ; وَمِنْهُ قِيلَ : غُلَام مُرَاهِق إِذَا لَحِقَ بِالرِّجَالِ . وَقِيلَ : يَعْلُو . وَقِيلَ : يَغْشَى ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .
" قَتَر " غُبَار . " وَلَا ذِلَّة " أَيْ مَذَلَّة ; كَمَا يَلْحَق أَهْل النَّار ; أَيْ لَا يَلْحَقهُمْ غُبَار فِي مَحْشَرهمْ إِلَى اللَّه وَلَا تَغْشَاهُمْ ذِلَّة . وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة لِلْفَرَزْدَقِ : مُتَوَّج بِرِدَاءِ الْمُلْك يَتْبَعهُ مَوْج تَرَى فَوْقه الرَّايَات وَالْقَتَرَا وَقَرَأَ الْحَسَن " قَتْر " بِإِسْكَانِ التَّاء . وَالْقَتَر وَالْقَتَرَة وَالْقَتْرَة بِمَعْنًى وَاحِد ; قَالَهُ النَّحَّاس . وَوَاحِد الْقَتَر قَتَرَة ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " تَرْهَقُهَا قَتَرَة " [ عَبَسَ : 41 ] أَيْ تَعْلُوهَا غَبَرَة . وَقِيلَ : قَتَر كَآبَة وَكُسُوف . اِبْن عَبَّاس : الْقَتَر سَوَاد الْوُجُوه . اِبْن بَحْر : دُخَان النَّار ; وَمِنْهُ قُتَار الْقِدْر . وَقَالَ اِبْن لَيْلَى : هُوَ بُعْد نَظَرهمْ إِلَى رَبّهمْ عَزَّ وَجَلَّ .
قُلْت : هَذَا فِيهِ نَظَر ; فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ " إِلَى قَوْله " لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر " [ الْأَنْبِيَاء : 101 - 103 ] وَقَالَ فِي غَيْر آيَة : " وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " [ الْبَقَرَة : 62 ] وَقَالَ : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا تَتَنَزَّل عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا " [ فُصِّلَتْ : 30 ] الْآيَة . وَهَذَا عَامّ فَلَا يَتَغَيَّر بِفَضْلِ اللَّه فِي مَوْطِن مِنْ الْمَوَاطِن لَا قَبْل النَّظَر وَلَا بَعْده وَجْه الْمُحْسِن بِسَوَادٍ مِنْ كَآبَة وَلَا حُزْن , وَلَا يَعْلُوهُ شَيْء مِنْ دُخَان جَهَنَّم وَلَا غَيْره . " وَأَمَّا الَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوههمْ فَفِي رَحْمَة اللَّه هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " [ آل عِمْرَان : 107 ] .
قِيلَ : مَعْنَاهُ يَلْحَق ; وَمِنْهُ قِيلَ : غُلَام مُرَاهِق إِذَا لَحِقَ بِالرِّجَالِ . وَقِيلَ : يَعْلُو . وَقِيلَ : يَغْشَى ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .
" قَتَر " غُبَار . " وَلَا ذِلَّة " أَيْ مَذَلَّة ; كَمَا يَلْحَق أَهْل النَّار ; أَيْ لَا يَلْحَقهُمْ غُبَار فِي مَحْشَرهمْ إِلَى اللَّه وَلَا تَغْشَاهُمْ ذِلَّة . وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة لِلْفَرَزْدَقِ : مُتَوَّج بِرِدَاءِ الْمُلْك يَتْبَعهُ مَوْج تَرَى فَوْقه الرَّايَات وَالْقَتَرَا وَقَرَأَ الْحَسَن " قَتْر " بِإِسْكَانِ التَّاء . وَالْقَتَر وَالْقَتَرَة وَالْقَتْرَة بِمَعْنًى وَاحِد ; قَالَهُ النَّحَّاس . وَوَاحِد الْقَتَر قَتَرَة ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " تَرْهَقُهَا قَتَرَة " [ عَبَسَ : 41 ] أَيْ تَعْلُوهَا غَبَرَة . وَقِيلَ : قَتَر كَآبَة وَكُسُوف . اِبْن عَبَّاس : الْقَتَر سَوَاد الْوُجُوه . اِبْن بَحْر : دُخَان النَّار ; وَمِنْهُ قُتَار الْقِدْر . وَقَالَ اِبْن لَيْلَى : هُوَ بُعْد نَظَرهمْ إِلَى رَبّهمْ عَزَّ وَجَلَّ .
قُلْت : هَذَا فِيهِ نَظَر ; فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ " إِلَى قَوْله " لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر " [ الْأَنْبِيَاء : 101 - 103 ] وَقَالَ فِي غَيْر آيَة : " وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " [ الْبَقَرَة : 62 ] وَقَالَ : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا تَتَنَزَّل عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا " [ فُصِّلَتْ : 30 ] الْآيَة . وَهَذَا عَامّ فَلَا يَتَغَيَّر بِفَضْلِ اللَّه فِي مَوْطِن مِنْ الْمَوَاطِن لَا قَبْل النَّظَر وَلَا بَعْده وَجْه الْمُحْسِن بِسَوَادٍ مِنْ كَآبَة وَلَا حُزْن , وَلَا يَعْلُوهُ شَيْء مِنْ دُخَان جَهَنَّم وَلَا غَيْره . " وَأَمَّا الَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوههمْ فَفِي رَحْمَة اللَّه هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " [ آل عِمْرَان : 107 ] .
وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
أَيْ عَمِلُوا الْمَعَاصِي . وَقِيلَ : الشِّرْك .
" جَزَاء " مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ , وَخَبَره " بِمِثْلِهَا " . قَالَ اِبْن كَيْسَان : الْبَاء زَائِدَة ; وَالْمَعْنَى جَزَاء سَيِّئَة مِثْلهَا . وَقِيلَ : الْبَاء مَعَ مَا بَعْدهَا الْخَبَر , وَهِيَ مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ قَامَتْ مَقَامه , وَالْمَعْنَى : جَزَاء سَيِّئَة كَائِن بِمِثْلِهَا ; كَقَوْلِك : إِنَّمَا أَنَا بِك ; أَيْ إِنَّمَا أَنَا كَائِن بِك . وَيَجُوز أَنْ تَتَعَلَّق بِجَزَاء , التَّقْدِير : جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا كَائِن ; فَحُذِفَ خَبَر الْمُبْتَدَأ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " جَزَاء " مَرْفُوعًا عَلَى تَقْدِير فَلَهُمْ جَزَاء سَيِّئَة ; فَيَكُون مِثْل قَوْله : " فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر " [ الْبَقَرَة : 184 ] أَيْ فَعَلَيْهِ عِدَّة , وَشَبَهه ; وَالْبَاء عَلَى هَذَا التَّقْدِير تَتَعَلَّق بِمَحْذُوفٍ , كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ جَزَاء سَيِّئَة ثَابِت بِمِثْلِهَا , أَوْ تَكُون مُؤَكِّدَة أَوْ زَائِدَة . وَمَعْنَى هَذِهِ الْمِثْلِيَّة أَنَّ ذَلِكَ الْجَزَاء مِمَّا يُعَدّ مُمَاثِلًا لِذُنُوبِهِمْ , أَيْ هُمْ غَيْر مَظْلُومِينَ , وَفِعْل الرَّبّ جَلَّتْ قُدْرَته وَتَعَالَى شَأْنه غَيْر مُعَلَّل بِعِلَّةٍ .
أَيْ يَغْشَاهُمْ هَوَان وَخِزْي .
أَيْ مِنْ عَذَاب اللَّه .
أَيْ مَانِع يَمْنَعهُمْ مِنْهُ .
أَيْ أُلْبِسَتْ .
جَمْع قِطْعَة , وَعَلَى هَذَا يَكُون " مُظْلِمًا " حَال مِنْ " اللَّيْل " أَيْ أُغْشِيَتْ وُجُوههمْ قِطَعًا مِنْ اللَّيْل فِي حَال ظُلْمَته . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَابْن كَثِير " قِطْعًا " بِإِسْكَانِ الطَّاء ; فَ " مُظْلِمًا " عَلَى هَذَا نَعْت , وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ اللَّيْل . وَالْقِطْع اِسْم مَا قُطِعَ فَسَقَطَ . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : الْقِطْع طَائِفَة مِنْ اللَّيْل ; وَسَيَأْتِي فِي " هُود " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
" جَزَاء " مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ , وَخَبَره " بِمِثْلِهَا " . قَالَ اِبْن كَيْسَان : الْبَاء زَائِدَة ; وَالْمَعْنَى جَزَاء سَيِّئَة مِثْلهَا . وَقِيلَ : الْبَاء مَعَ مَا بَعْدهَا الْخَبَر , وَهِيَ مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ قَامَتْ مَقَامه , وَالْمَعْنَى : جَزَاء سَيِّئَة كَائِن بِمِثْلِهَا ; كَقَوْلِك : إِنَّمَا أَنَا بِك ; أَيْ إِنَّمَا أَنَا كَائِن بِك . وَيَجُوز أَنْ تَتَعَلَّق بِجَزَاء , التَّقْدِير : جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا كَائِن ; فَحُذِفَ خَبَر الْمُبْتَدَأ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " جَزَاء " مَرْفُوعًا عَلَى تَقْدِير فَلَهُمْ جَزَاء سَيِّئَة ; فَيَكُون مِثْل قَوْله : " فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر " [ الْبَقَرَة : 184 ] أَيْ فَعَلَيْهِ عِدَّة , وَشَبَهه ; وَالْبَاء عَلَى هَذَا التَّقْدِير تَتَعَلَّق بِمَحْذُوفٍ , كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ جَزَاء سَيِّئَة ثَابِت بِمِثْلِهَا , أَوْ تَكُون مُؤَكِّدَة أَوْ زَائِدَة . وَمَعْنَى هَذِهِ الْمِثْلِيَّة أَنَّ ذَلِكَ الْجَزَاء مِمَّا يُعَدّ مُمَاثِلًا لِذُنُوبِهِمْ , أَيْ هُمْ غَيْر مَظْلُومِينَ , وَفِعْل الرَّبّ جَلَّتْ قُدْرَته وَتَعَالَى شَأْنه غَيْر مُعَلَّل بِعِلَّةٍ .
أَيْ يَغْشَاهُمْ هَوَان وَخِزْي .
أَيْ مِنْ عَذَاب اللَّه .
أَيْ مَانِع يَمْنَعهُمْ مِنْهُ .
أَيْ أُلْبِسَتْ .
جَمْع قِطْعَة , وَعَلَى هَذَا يَكُون " مُظْلِمًا " حَال مِنْ " اللَّيْل " أَيْ أُغْشِيَتْ وُجُوههمْ قِطَعًا مِنْ اللَّيْل فِي حَال ظُلْمَته . وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَابْن كَثِير " قِطْعًا " بِإِسْكَانِ الطَّاء ; فَ " مُظْلِمًا " عَلَى هَذَا نَعْت , وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ اللَّيْل . وَالْقِطْع اِسْم مَا قُطِعَ فَسَقَطَ . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : الْقِطْع طَائِفَة مِنْ اللَّيْل ; وَسَيَأْتِي فِي " هُود " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ↓
أَيْ نَجْمَعهُمْ , وَالْحَشْر الْجَمْع . " جَمِيعًا " حَال .
أَيْ اِتَّخَذُوا مَعَ اللَّه شَرِيكًا .
أَيْ اِلْزَمُوا وَاثْبُتُوا مَكَانكُمْ , وَقِفُوا مَوَاضِعكُمْ .
وَهَذَا وَعِيد .
أَيْ فَرَّقْنَا وَقَطَعْنَا مَا كَانَ بَيْنهمْ مِنْ التَّوَاصُل فِي الدُّنْيَا ; يُقَال : زَيَّلْته فَتَزَيَّلَ , أَيْ فَرَّقْته فَتَفَرَّقَ , وَهُوَ فَعَّلْت ; لِأَنَّك تَقُول فِي مَصْدَره تَزْيِيلًا , وَلَوْ كَانَ فَيْعَلْت لَقُلْت زَيَّلَةً . وَالْمُزَايَلَة الْمُفَارَقَة ; يُقَال : زَايَلَهُ اللَّه مُزَايَلَة وَزِيَالًا إِذَا فَارَقَهُ . وَالتَّزَايُل التَّبَايُن . قَالَ الْفَرَّاء : وَقَرَأَ بَعْضهمْ " فَزَايَلْنَا بَيْنهمْ " ; يُقَال : لَا أُزَايِل فُلَانًا , أَيْ لَا أُفَارِقهُ ; فَإِنْ قُلْت : لَا أُزَاوِلهُ فَهُوَ بِمَعْنًى آخَر , مَعْنَاهُ لَا أُخَاتِلهُ .
عُنِيَ بِالشُّرَكَاءِ الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ : الشَّيَاطِين , وَقِيلَ : الْأَصْنَام ; فَيُنْطِقهَا اللَّه تَعَالَى فَتَكُون بَيْنهمْ هَذِهِ الْمُحَاوَرَة . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اِدَّعَوْا عَلَى الشَّيَاطِين الَّذِينَ أَطَاعُوهُمْ وَالْأَصْنَام الَّتِي عَبَدُوهَا أَنَّهُمْ أَمَرُوهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَقُولُونَ مَا عَبَدْنَاكُمْ حَتَّى أَمَرْتُمُونَا . قَالَ مُجَاهِد : يُنْطِق اللَّه الْأَوْثَان فَتَقُول مَا كُنَّا نَشْعُر بِأَنَّكُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ , وَمَا أَمَرْنَاكُمْ بِعِبَادَتِنَا . وَإِنْ حُمِلَ الشُّرَكَاء عَلَى الشَّيَاطِين فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ دَهَشًا , أَوْ يَقُولُونَ كَذِبًا وَاحْتِيَالًا لِلْخَلَاصِ , وَقَدْ يَجْرِي مِثْل هَذَا غَدًا ; وَإِنْ صَارَتْ الْمَعَارِف ضَرُورِيَّة .
أَيْ اِتَّخَذُوا مَعَ اللَّه شَرِيكًا .
أَيْ اِلْزَمُوا وَاثْبُتُوا مَكَانكُمْ , وَقِفُوا مَوَاضِعكُمْ .
وَهَذَا وَعِيد .
أَيْ فَرَّقْنَا وَقَطَعْنَا مَا كَانَ بَيْنهمْ مِنْ التَّوَاصُل فِي الدُّنْيَا ; يُقَال : زَيَّلْته فَتَزَيَّلَ , أَيْ فَرَّقْته فَتَفَرَّقَ , وَهُوَ فَعَّلْت ; لِأَنَّك تَقُول فِي مَصْدَره تَزْيِيلًا , وَلَوْ كَانَ فَيْعَلْت لَقُلْت زَيَّلَةً . وَالْمُزَايَلَة الْمُفَارَقَة ; يُقَال : زَايَلَهُ اللَّه مُزَايَلَة وَزِيَالًا إِذَا فَارَقَهُ . وَالتَّزَايُل التَّبَايُن . قَالَ الْفَرَّاء : وَقَرَأَ بَعْضهمْ " فَزَايَلْنَا بَيْنهمْ " ; يُقَال : لَا أُزَايِل فُلَانًا , أَيْ لَا أُفَارِقهُ ; فَإِنْ قُلْت : لَا أُزَاوِلهُ فَهُوَ بِمَعْنًى آخَر , مَعْنَاهُ لَا أُخَاتِلهُ .
عُنِيَ بِالشُّرَكَاءِ الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ : الشَّيَاطِين , وَقِيلَ : الْأَصْنَام ; فَيُنْطِقهَا اللَّه تَعَالَى فَتَكُون بَيْنهمْ هَذِهِ الْمُحَاوَرَة . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اِدَّعَوْا عَلَى الشَّيَاطِين الَّذِينَ أَطَاعُوهُمْ وَالْأَصْنَام الَّتِي عَبَدُوهَا أَنَّهُمْ أَمَرُوهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَقُولُونَ مَا عَبَدْنَاكُمْ حَتَّى أَمَرْتُمُونَا . قَالَ مُجَاهِد : يُنْطِق اللَّه الْأَوْثَان فَتَقُول مَا كُنَّا نَشْعُر بِأَنَّكُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ , وَمَا أَمَرْنَاكُمْ بِعِبَادَتِنَا . وَإِنْ حُمِلَ الشُّرَكَاء عَلَى الشَّيَاطِين فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ دَهَشًا , أَوْ يَقُولُونَ كَذِبًا وَاحْتِيَالًا لِلْخَلَاصِ , وَقَدْ يَجْرِي مِثْل هَذَا غَدًا ; وَإِنْ صَارَتْ الْمَعَارِف ضَرُورِيَّة .
" شَهِيدًا " مَفْعُول , أَيْ كَفَى اللَّه شَهِيدًا , أَوْ تَمْيِيز , أَيْ اِكْتَفِ بِهِ شَهِيدًا بَيْننَا وَبَيْنكُمْ إِنْ كُنَّا أَمَرْنَاكُمْ بِهَذَا أَوْ رَضِينَاهُ مِنْكُمْ .
أَيْ مَا كُنَّا
إِلَّا غَافِلِينَ لَا نَسْمَع وَلَا نُبْصِر وَلَا نَعْقِل ; لِأَنَّا كُنَّا جَمَادًا لَا رُوح فِينَا .
أَيْ مَا كُنَّا
إِلَّا غَافِلِينَ لَا نَسْمَع وَلَا نُبْصِر وَلَا نَعْقِل ; لِأَنَّا كُنَّا جَمَادًا لَا رُوح فِينَا .
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ↓
فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف .
أَيْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت . " تَبْلُو " أَيْ تَذُوق . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : تَعْلَم . مُجَاهِد : تُخْتَبَر .
أَيْ جَزَاء مَا عَمِلَتْ وَقَدَّمَتْ . وَقِيلَ : تُسَلِّم , أَيْ تُسَلِّم مَا عَلَيْهَا مِنْ الْحُقُوق إِلَى أَرْبَابهَا بِغَيْرِ اِخْتِيَارهَا . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تَتْلُو " أَيْ تَقْرَأ كُلّ نَفْس كِتَابهَا الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهَا . وَقِيلَ : " تَتْلُو " تَتَّبِع ; أَيْ تَتَّبِع كُلّ نَفْس مَا قَدَّمَتْ فِي الدُّنْيَا ; قَالَهُ السُّدِّيّ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إِنَّ الْمُرِيب يَتْبَع الْمُرِيبَا كَمَا رَأَيْت الذِّيب يَتْلُو الذِّيبَا
بِالْخَفْضِ عَلَى الْبَدَل أَوْ الصِّفَة . وَيَجُوز نَصْب الْحَقّ مِنْ ثَلَاث جِهَات ; يَكُون التَّقْدِير : وَرُدُّوا حَقًّا , ثُمَّ جِيءَ بِالْأَلِفِ وَاللَّام . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : مَوْلَاهُمْ حَقًّا لَا مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونه . وَالْوَجْه الثَّالِث أَنْ يَكُون مَدْحًا ; أَيْ أَعْنِي الْحَقّ . وَيَجُوز أَنْ يُرْفَع " الْحَقّ " , وَيَكُون الْمَعْنَى مَوْلَاهُمْ الْحَقّ - عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَالْقَطْع مِمَّا قَبْل - لَا مَا يُشْرِكُونَ مِنْ دُونه . وَوَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه بِالْحَقِّ لِأَنَّ الْحَقّ مِنْهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسه بِالْعَدْلِ لِأَنَّ الْعَدْل مِنْهُ ; أَيْ كُلّ عَدْل وَحَقّ فَمِنْ قِبَله , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " مَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ " أَيْ الَّذِي يُجَازِيهِمْ بِالْحَقِّ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ قَالَ : " وَرُدُّوا إِلَى اللَّه مَوْلَاهُمْ الْحَقّ " وَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ . قِيلَ لَيْسَ بِمَوْلَاهُمْ فِي النُّصْرَة وَالْمَعُونَة , وَهُوَ مَوْلًى لَهُمْ فِي الرِّزْق وَإِدْرَار النِّعَم .
أَيْ بَطَلَ .
" يَفْتَرُونَ " فِي مَوْضِع رَفْع وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَصْدَر , أَيْ اِفْتِرَاؤُهُمْ .
أَيْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت . " تَبْلُو " أَيْ تَذُوق . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : تَعْلَم . مُجَاهِد : تُخْتَبَر .
أَيْ جَزَاء مَا عَمِلَتْ وَقَدَّمَتْ . وَقِيلَ : تُسَلِّم , أَيْ تُسَلِّم مَا عَلَيْهَا مِنْ الْحُقُوق إِلَى أَرْبَابهَا بِغَيْرِ اِخْتِيَارهَا . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تَتْلُو " أَيْ تَقْرَأ كُلّ نَفْس كِتَابهَا الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهَا . وَقِيلَ : " تَتْلُو " تَتَّبِع ; أَيْ تَتَّبِع كُلّ نَفْس مَا قَدَّمَتْ فِي الدُّنْيَا ; قَالَهُ السُّدِّيّ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إِنَّ الْمُرِيب يَتْبَع الْمُرِيبَا كَمَا رَأَيْت الذِّيب يَتْلُو الذِّيبَا
بِالْخَفْضِ عَلَى الْبَدَل أَوْ الصِّفَة . وَيَجُوز نَصْب الْحَقّ مِنْ ثَلَاث جِهَات ; يَكُون التَّقْدِير : وَرُدُّوا حَقًّا , ثُمَّ جِيءَ بِالْأَلِفِ وَاللَّام . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : مَوْلَاهُمْ حَقًّا لَا مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونه . وَالْوَجْه الثَّالِث أَنْ يَكُون مَدْحًا ; أَيْ أَعْنِي الْحَقّ . وَيَجُوز أَنْ يُرْفَع " الْحَقّ " , وَيَكُون الْمَعْنَى مَوْلَاهُمْ الْحَقّ - عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَالْقَطْع مِمَّا قَبْل - لَا مَا يُشْرِكُونَ مِنْ دُونه . وَوَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه بِالْحَقِّ لِأَنَّ الْحَقّ مِنْهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسه بِالْعَدْلِ لِأَنَّ الْعَدْل مِنْهُ ; أَيْ كُلّ عَدْل وَحَقّ فَمِنْ قِبَله , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " مَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ " أَيْ الَّذِي يُجَازِيهِمْ بِالْحَقِّ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ قَالَ : " وَرُدُّوا إِلَى اللَّه مَوْلَاهُمْ الْحَقّ " وَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ . قِيلَ لَيْسَ بِمَوْلَاهُمْ فِي النُّصْرَة وَالْمَعُونَة , وَهُوَ مَوْلًى لَهُمْ فِي الرِّزْق وَإِدْرَار النِّعَم .
أَيْ بَطَلَ .
" يَفْتَرُونَ " فِي مَوْضِع رَفْع وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَصْدَر , أَيْ اِفْتِرَاؤُهُمْ .