يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا } يَا أَيّهَا الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَسَلَّمُوا لَهُ الْأُلُوهِيَّة , وَصَدَّقُوا رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّته وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ مِنْ شَرَائِع دِينه , { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } يَعْنِي : أَوْفُوا بِالْعُهُودِ الَّتِي عَاهَدْتُمُوهَا رَبّكُمْ وَالْعُقُود الَّتِي عَاقَدْتُمُوهَا إِيَّاهُ , وَأَوْجَبْتُمْ بِهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ حُقُوقًا وَأَلْزَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ بِهَا لِلَّهِ فُرُوضًا , فَأَتِمُّوهَا بِالْوَفَاءِ وَالْكَمَال وَالتَّمَام مِنْكُمْ لِلَّهِ بِمَا أَلْزَمكُمْ بِهَا , وَلِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ مِنْكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ لَهُ بِهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَلَا تَنْكُثُوهَا فَتَنْقُضُوهَا بَعْد تَوْكِيدهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْعُقُود الَّتِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا بِهَذِهِ الْآيَة , بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْعُقُود : الْعُهُود ; فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْعُقُول الَّتِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة عَاقَدَ بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى النُّصْرَة وَالْمُؤَازَرَة وَالْمُظَاهَرَة عَلَى مَنْ حَاوَلَ ظُلْمه أَوْ بَغَاهُ سُوءًا , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْحِلْف الَّذِي كَانُوا يَتَعَاقَدُونَهُ بَيْنهمْ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْعُقُود الْعُهُود : 8560 -حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } يَعْنِي : بِالْعُهُودِ . " 8561 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُهُود . " * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 8562 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : " جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير وَعِنْده رَجُل يُحَدِّثهُمْ , فَقَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : هِيَ الْعُهُود . " * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُهُود . " 8563 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : " { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : هِيَ الْعُهُود . " * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } بِالْعُهُودِ . " 8564 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : بِالْعُهُودِ . " 8565 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : هِيَ الْعُهُود . " 8566 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : سَمِعْت الثَّوْرِيّ يَقُول : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : بِالْعُهُودِ . " * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْعُقُود : جَمْع عَقْد , وَأَصْل الْعَقْد : عَقْد الشَّيْء بِغَيْرِهِ , وَهُوَ وَصْله بِهِ , كَمَا تُعْقَد الْحَبْل بِالْحَبْلِ : إِذَا وُصِلَ بِهِ شَدًّا , يُقَال مِنْهُ : عَقَدَ فُلَان بَيْنه وَبَيْن فُلَان عَقْدًا فَهُوَ يَعْقِدهُ , وَمِنْهُ قَوْل الْحُطَيْئَة : قَوْم إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمْ شَدُّوا الْعِنَاج وَشَدُّوا فَوْقه الْكَرَبَا وَذَلِكَ إِذَا وَاثَقَهُ عَلَى أَمْر , وَعَاهَدَهُ عَلَيْهِ عَهْدًا بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمَا عَاقَدَهُ عَلَيْهِ , مِنْ أَمَان وَذِمَّة , أَوْ نُصْرَة , أَوْ نِكَاح , أَوْ بَيْع , أَوْ شَرِكَة , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعُقُود . ذِكْرُ مَنْ قَالَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ قَالَهُ فِي الْمُرَاد مِنْ قَوْله : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } 8567 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } أَيْ بِعَقْدِ الْجَاهِلِيَّة . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : "أَوْفُوا بِعَقْدِ الْجَاهِلِيَّة , وَلَا تُحْدِثُوا عَقْدًا فِي الْإِسْلَام " . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ فُرَات بْن حَيَّان الْعِجْلِيّ سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حِلْف الْجَاهِلِيَّة , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَلَّك تَسْأَل عَنْ حِلْف لَخْم وَتَيْمِ اللَّه " فَقَالَ : نَعَمْ يَا نَبِيّ اللَّه , قَالَ : " لَا يَزِيدهُ الْإِسْلَام إِلَّا شِدَّة " 8568 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : عُقُود الْجَاهِلِيَّة : الْحِلْف . " وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْحِلْف الَّتِي أَخَذَ اللَّه عَلَى عِبَاده بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَته فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8569 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } يَعْنِي : مَا أَحَلَّ , وَمَا حَرَّمَ , وَمَا فَرَضَ , وَمَا حَدَّ فِي الْقُرْآن كُلّه , فَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَنْكُثُوا ; ثُمَّ شَدَّدَ ذَلِكَ فَقَالَ : { وَاَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَل } 000 إِلَى قَوْله : { سُوء الدَّار } . " 8570 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } مَا عَقَدَ اللَّه عَلَى الْعِبَاد مِمَّا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . " وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْعُقُود الَّتِي يَتَعَاقَدهَا النَّاس بَيْنهمْ وَيَعْقِدهَا الْمَرْء عَلَى نَفْسه . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8571 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ أَخِيهِ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْدَة , قَالَ : " الْعُقُود خَمْس : عُقْدَة الْإِيمَان , وَعُقْدَة النِّكَاح , وَعُقْدَة الْعَهْد , وَعُقْدَة الْبَيْع , وَعُقْدَة الْحِلْف . " * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا وَكِيع . عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ أَوْ عَنْ أَخِيهِ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْدَة , نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : " { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : عَقْد الْعَهْد وَعَقْد الْيَمِين , وَعَقْد الْحِلْف , وَعَقْد الشَّرِكَة , وَعَقْد النِّكَاح . قَالَ : هَذِهِ الْعُقُود خَمْس . " 8572 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عُتْبَة بْن سَعِيد الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : ثنا أَبِي فِي قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : " { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُقُود خَمْس : عُقْدَة النِّكَاح , وَعَقْد الشَّرِكَة , وَعَقْد الْيَمِين , وَعُقْدَة الْعَهْد , وَعُقْدَة الْحِلْف . " وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذِهِ الْآيَة أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى لِأَهْلِ الْكِتَاب بِالْوَفَاءِ بِمَا أُخِذَ بِهِ مِيثَاقهمْ مِنْ الْعَمَل بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فِي تَصْدِيق مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8573 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : " { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُهُود الَّتِي أَخَذَهَا اللَّه عَلَى أَهْل الْكِتَاب أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا جَاءَهُمْ . " 8574 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني يُونُس , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن مُسْلِم . قَرَأْت كِتَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَ لِعَمْرِو بْن حَزْم حِين بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَان , فَكَانَ الْكِتَاب عِنْد أَبِي بَكْر بْن حَزْم , فِيهِ : هَذَا بَيَان مِنْ اللَّه وَرَسُوله { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } فَكَتَبَ الْآيَات مِنْهَا , حَتَّى بَلَغَ : { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : أَوْفُوا يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِعُقُودِ اللَّه الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْكُمْ وَعَقَدَهَا , فِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ , وَأَلْزَمَكُمْ فَرْضه , وَبَيَّنَ لَكُمْ حُدُوده . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْره مِنْ الْأَقْوَال ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَتْبَع ذَلِكَ الْبَيَان عَمَّا أَحَلَّ لِعِبَادِهِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } أَمْر مِنْهُ عِبَاده بِالْعَمَلِ بِمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ فَرَائِضه وَعُقُوده عَقِيب ذَلِكَ , وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ عَنْ نَقْضِ مَا عَقَدَهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ , مَعَ أَنَّ قَوْله : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } أَمْر مِنْهُ بِالْوَفَاءِ بِكُلِّ عَقْد أَذِنَ فِيهِ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُخَصّ مِنْهُ شَيْء حَتَّى تَقُوم حُجَّة بِخُصُوصِ شَيْء مِنْهُ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . فَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا , فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْأَمْر بِالْوَفَاءِ بِبَعْضِ الْعُقُود الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِالْوَفَاءِ بِهَا دُون بَعْض . وَأَمَّا قَوْله : { أَوْفُوا } فَإِنَّ لِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : " أَوْفُوا " مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَوْفَيْت لِفُلَانٍ بِعَهْدِهِ أُوفِي لَهُ بِهِ ; وَالْأُخْرَى مِنْ قَوْلهمْ : وَفَّيْت لَهُ بِعَهْدِهِ أَفِي . وَالْإِيفَاء بِالْعَهْدِ : إِتْمَامه عَلَى مَا عُقِدَ عَلَيْهِ مِنْ شُرُوطه الْجَائِزَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي بَهِيمَة الْأَنْعَام الَّتِي ذَكَرَ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ أَحَلَّهَا لَنَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْأَنْعَام كُلّهَا . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8575 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : " بَهِيمَة الْأَنْعَام : هِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم . " 8576 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : " { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . " 8577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا اِبْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : " { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . " 8578 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : " { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . " 8579 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : " { بَهِيمَة الْأَنْعَام } هِيَ الْأَنْعَام . " وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } أَجِنَّة الْأَنْعَام الَّتِي تُوجَد فِي بُطُون أُمَّهَاتهَا إِذَا نُحِرَتْ أَوْ ذُبِحَتْ مَيْتَة . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8580 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْفَزَارِيّ , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ اِبْن عُمَر فِي قَوْله : " { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : مَا فِي بُطُونهَا . قَالَ : قُلْت : إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا أَكَلَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , عَنْ إِدْرِيس الْأَوْدِيّ , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ , قَالَ : نَعَمْ , هُوَ بِمَنْزِلَةِ رِئَتهَا وَكَبِدهَا . 8581 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْجَنِين مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوهُ . 8582 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مِسْعَر وَسُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ بَقَرَة نُحِرَتْ , فَوُجِدَ فِي بَطْنهَا جَنِين , فَأَخَذَ اِبْن عَبَّاس بِذَنَبِ الْجَنِين , فَقَالَ : هَذَا مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الَّتِي أُحِلَّتْ لَكُمْ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هُوَ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام . 8583 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم وَمُؤَمَّل , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : ذَبَحْنَا بَقَرَة , فَإِذَا فِي بَطْنهَا جَنِين , فَسَأَلْنَا اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : هَذِهِ بَهِيمَة الْأَنْعَام . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } الْأَنْعَام كُلّهَا , أَجِنَّتهَا وَسِخَالهَا وَكِبَارهَا ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَمْتَنِع مِنْ تَسْمِيَة جَمِيع ذَلِكَ بَهِيمَة وَبَهَائِم , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه مِنْهَا شَيْئًا دُون شَيْء , فَذَلِكَ عَلَى عُمُومه وَظَاهِره حَتَّى تَأْتِي حُجَّة بِخُصُوصِهِ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَأَمَّا النَّعَم فَإِنَّهَا عِنْد الْعَرَب : اِسْم لِلْإِبِلِ وَالْبَقَر وَالْغَنَم خَاصَّة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْأَنْعَام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ثُمَّ قَالَ : { وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة } فَفَصَّلَ جِنْس النَّعَم مِنْ غَيْرهَا مِنْ أَجْنَاس الْحَيَوَان . وَأَمَّا بَهَائِمهَا فَإِنَّهَا أَوْلَادهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا : يَلْزَم الْكِبَار مِنْهَا اِسْم بَهِيمَة كَمَا يَلْزَم الصِّغَار ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْل الْقَائِل : بَهِيمَة الْأَنْعَام , نَظِير قَوْله : وَلَد الْأَنْعَام ; فَلَمَّا كَانَ لَا يَسْقُط مَعْنَى الْوِلَادَة عَنْهُ بَعْد الْكِبَر , فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُط عَنْهُ اِسْم الْبَهِيمَة بَعْد الْكِبَر . وَقَدْ قَالَ قَوْم : بَهِيمَة الْأَنْعَام : وَحْشِيّهَا كَالظِّبَاءِ وَبَقَر الْوَحْش وَالْحُمُر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَنَاهُ اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه بِذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ أَوْلَاد الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم , إِلَّا مَا بَيَّنَ اللَّه لَكُمْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم } الْآيَة . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بَهِيمَةُ الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } إِلَّا الْمَيْتَة وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا . 8585 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } أَيْ مِنْ الْمَيْتَة الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا وَقَدَّمَ فِيهَا . 8586 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قَالَ : إِلَّا الْمَيْتَة , وَمَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ . 8587 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْمَيْتَة , وَالدَّم , وَلَحْم الْخِنْزِير . 8588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْمَيْتَة وَلَحْم الْخِنْزِير . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } هِيَ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير , وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي اِسْتَثْنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْخِنْزِير . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8589 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قَالَ : الْخِنْزِير . 8590 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يَعْنِي : الْخِنْزِير . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْرِيم اللَّه مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } الْآيَة ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِسْتَثْنَى مِمَّا أَبَاحَ لِعِبَادِهِ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا , وَاَلَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا مَا بَيَّنَهُ فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير } وَإِنْ كَانَ حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْنَا فَلَيْسَ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فَيُسْتَثْنَى مِنْهَا , فَاسْتِثْنَاء مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِمَّا دَخَلَ فِي جُمْلَة مَا قَبْل الِاسْتِثْنَاء أَشْبَهَ مِنْ اِسْتِثْنَاء مَا حَرَّمَ مِمَّا لَمْ يَدْخُل فِي جُمْلَة مَا قَبْل الِاسْتِثْنَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام . فَذَلِكَ عَلَى قَوْلهمْ مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , فَ " غَيْر " مَنْصُوب عَلَى قَوْل قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة عَلَى الْحَال مِمَّا فِي قَوْله : " أَوْفُوا " , مِنْ ذِكْر الَّذِينَ آمَنُوا . وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَذْهَبهمْ : أَوْفُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِعُقُودِ اللَّه الَّتِي عَقَدَهَا عَلَيْكُمْ فِي كِتَابه , لَا مُحِلِّينَ الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الْوَحْشِيَّة مِنْ الظِّبَاء وَالْبَقَر وَالْحُمُر , غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد : غَيْر مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا , وَأَنْتُمْ حُرُم , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ . فَ " غَيْر " عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ مَنْصُوب عَلَى الْحَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : " لَكُمْ " بِتَأْوِيلِ : أُحِلَّتْ لَكُمْ أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بَهِيمَة الْأَنْعَام , لَا مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا فِي حَال إِحْرَامكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام كُلّهَا , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا , فَإِنَّهُ صَيْد فَلَا يَحِلّ لَكُمْ وَأَنْتُمْ حُرُم . فَكَأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَجَّهَ الْكَلَام إِلَى مَعْنَى : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام كُلّهَا , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , إِلَّا مَا يُبَيَّن لَكُمْ مِنْ وَحْشِيّهَا , غَيْر مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا فِي حَال إِحْرَامكُمْ , فَتَكُون " غَيْر " مَنْصُوبَة عَلَى قَوْلهمْ عَلَى الْحَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8591 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام صَيْدًا , غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , فَهُوَ عَلَيْكُمْ حَرَام . يَعْنِي : بَقَر الْوَحْش وَالظِّبَاء وَأَشْبَاهه . 8592 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا حِلّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا , فَإِنَّهُ صَيْد , فَلَا يَحِلّ إِذَا كَانَ مُحْرِمًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى مَا تَظَاهَرَ بِهِ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } مِنْ أَنَّهَا الْأَنْعَام وَأَجِنَّتهَا وَسِخَالهَا , وَعَلَى دَلَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , فَقَدْ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فِي حَال إِحْرَامكُمْ أَوْ غَيْرهَا مِنْ أَحْوَالكُمْ , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ تَحْرِيمه مِنْ الْمَيْتَة مِنْهَا وَالدَّم وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ : إِلَّا الصَّيْد , لَقِيلَ : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّيْد غَيْر مُحِلِّيهِ , وَفِي تَرْك اللَّه وَصْل قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } بِمَا ذَكَرْت , وَإِظْهَار ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } خَبَر مُتَنَاهِيَة قِصَّته , وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } مُنْفَصِل مِنْهُ . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } مَقْصُودًا بِهِ قَصْد الْوَحْش , لَمْ يَكُنْ أَيْضًا لِإِعَادَةِ ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } وَجْه وَقَدْ مَضَى ذِكْره قَبْل , وَلَقِيلَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , غَيْر مُحِلِّيهِ وَأَنْتُمْ حُرُم . وَفِي إِظْهَاره ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } أَبْيَن الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الْعَرَب رُبَّمَا أَظْهَرَتْ ذِكْر الشَّيْء بِاسْمِهِ وَقَدْ جَرَى ذِكْره بِاسْمِهِ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا ضَرُورَة شِعْر , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَصِيحِ الْمُسْتَعْمَل مِنْ كَلَامهمْ , وَتَوْجِيه كَلَام اللَّه إِلَى الْأَفْصَح مِنْ لُغَات مَنْ نَزَلَ كَلَامه بِلُغَتِهِ أَوْلَى مَا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيل مِنْ صَرْفه إِلَى غَيْر ذَلِكَ . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَن : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِعُقُودِ اللَّه الَّتِي عَقَدَ عَلَيْكُمْ , مِمَّا حَرَّمَ وَأَحَلَّ , لَا مُحِلِّينَ الصَّيْد فِي حُرُمكُمْ , فَفِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الْمُذَكَّاة دُون مَيْتَتهَا مُتَّسَع لَكُمْ وَمُسْتَغْنًى عَنْ الصَّيْد فِي حَال إِحْرَامكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا يُرِيد } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه يَقْضِي فِي خَلْقه مَا يَشَاء مِنْ تَحْلِيل مَا أَرَادَ تَحْلِيله , وَتَحْرِيم مَا أَرَادَ تَحْرِيمه , وَإِيجَاب مَا شَاءَ إِيجَابه عَلَيْهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه وَقَضَايَاهُ , فَأَوْفُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْلِيل مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَتَحْرِيم مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ عُقُوده فَلَا تَنْكُثُوهَا وَلَا تَنْقُضُوهَا . كَمَا : 8593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا يُرِيد } إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا أَرَادَ فِي خَلْقه , وَبَيَّنَ لِعِبَادِهِ , وَفَرَضَ فَرَائِضه , وَحَدَّ حُدُوده , وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ , وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي بَهِيمَة الْأَنْعَام الَّتِي ذَكَرَ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ أَحَلَّهَا لَنَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْأَنْعَام كُلّهَا . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8575 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : " بَهِيمَة الْأَنْعَام : هِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم . " 8576 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : " { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . " 8577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا اِبْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : " { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . " 8578 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : " { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . " 8579 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : " { بَهِيمَة الْأَنْعَام } هِيَ الْأَنْعَام . " وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } أَجِنَّة الْأَنْعَام الَّتِي تُوجَد فِي بُطُون أُمَّهَاتهَا إِذَا نُحِرَتْ أَوْ ذُبِحَتْ مَيْتَة . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8580 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْفَزَارِيّ , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ اِبْن عُمَر فِي قَوْله : " { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : مَا فِي بُطُونهَا . قَالَ : قُلْت : إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا أَكَلَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , عَنْ إِدْرِيس الْأَوْدِيّ , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ , قَالَ : نَعَمْ , هُوَ بِمَنْزِلَةِ رِئَتهَا وَكَبِدهَا . 8581 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْجَنِين مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوهُ . 8582 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مِسْعَر وَسُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ بَقَرَة نُحِرَتْ , فَوُجِدَ فِي بَطْنهَا جَنِين , فَأَخَذَ اِبْن عَبَّاس بِذَنَبِ الْجَنِين , فَقَالَ : هَذَا مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الَّتِي أُحِلَّتْ لَكُمْ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هُوَ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام . 8583 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم وَمُؤَمَّل , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : ذَبَحْنَا بَقَرَة , فَإِذَا فِي بَطْنهَا جَنِين , فَسَأَلْنَا اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : هَذِهِ بَهِيمَة الْأَنْعَام . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } الْأَنْعَام كُلّهَا , أَجِنَّتهَا وَسِخَالهَا وَكِبَارهَا ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَمْتَنِع مِنْ تَسْمِيَة جَمِيع ذَلِكَ بَهِيمَة وَبَهَائِم , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه مِنْهَا شَيْئًا دُون شَيْء , فَذَلِكَ عَلَى عُمُومه وَظَاهِره حَتَّى تَأْتِي حُجَّة بِخُصُوصِهِ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَأَمَّا النَّعَم فَإِنَّهَا عِنْد الْعَرَب : اِسْم لِلْإِبِلِ وَالْبَقَر وَالْغَنَم خَاصَّة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْأَنْعَام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ثُمَّ قَالَ : { وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة } فَفَصَّلَ جِنْس النَّعَم مِنْ غَيْرهَا مِنْ أَجْنَاس الْحَيَوَان . وَأَمَّا بَهَائِمهَا فَإِنَّهَا أَوْلَادهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا : يَلْزَم الْكِبَار مِنْهَا اِسْم بَهِيمَة كَمَا يَلْزَم الصِّغَار ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْل الْقَائِل : بَهِيمَة الْأَنْعَام , نَظِير قَوْله : وَلَد الْأَنْعَام ; فَلَمَّا كَانَ لَا يَسْقُط مَعْنَى الْوِلَادَة عَنْهُ بَعْد الْكِبَر , فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُط عَنْهُ اِسْم الْبَهِيمَة بَعْد الْكِبَر . وَقَدْ قَالَ قَوْم : بَهِيمَة الْأَنْعَام : وَحْشِيّهَا كَالظِّبَاءِ وَبَقَر الْوَحْش وَالْحُمُر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَنَاهُ اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه بِذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ أَوْلَاد الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم , إِلَّا مَا بَيَّنَ اللَّه لَكُمْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم } الْآيَة . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بَهِيمَةُ الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } إِلَّا الْمَيْتَة وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا . 8585 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } أَيْ مِنْ الْمَيْتَة الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا وَقَدَّمَ فِيهَا . 8586 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قَالَ : إِلَّا الْمَيْتَة , وَمَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ . 8587 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْمَيْتَة , وَالدَّم , وَلَحْم الْخِنْزِير . 8588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْمَيْتَة وَلَحْم الْخِنْزِير . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } هِيَ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير , وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي اِسْتَثْنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْخِنْزِير . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8589 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قَالَ : الْخِنْزِير . 8590 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يَعْنِي : الْخِنْزِير . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْرِيم اللَّه مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } الْآيَة ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِسْتَثْنَى مِمَّا أَبَاحَ لِعِبَادِهِ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا , وَاَلَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا مَا بَيَّنَهُ فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير } وَإِنْ كَانَ حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْنَا فَلَيْسَ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فَيُسْتَثْنَى مِنْهَا , فَاسْتِثْنَاء مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِمَّا دَخَلَ فِي جُمْلَة مَا قَبْل الِاسْتِثْنَاء أَشْبَهَ مِنْ اِسْتِثْنَاء مَا حَرَّمَ مِمَّا لَمْ يَدْخُل فِي جُمْلَة مَا قَبْل الِاسْتِثْنَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام . فَذَلِكَ عَلَى قَوْلهمْ مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , فَ " غَيْر " مَنْصُوب عَلَى قَوْل قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة عَلَى الْحَال مِمَّا فِي قَوْله : " أَوْفُوا " , مِنْ ذِكْر الَّذِينَ آمَنُوا . وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَذْهَبهمْ : أَوْفُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِعُقُودِ اللَّه الَّتِي عَقَدَهَا عَلَيْكُمْ فِي كِتَابه , لَا مُحِلِّينَ الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الْوَحْشِيَّة مِنْ الظِّبَاء وَالْبَقَر وَالْحُمُر , غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد : غَيْر مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا , وَأَنْتُمْ حُرُم , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ . فَ " غَيْر " عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ مَنْصُوب عَلَى الْحَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : " لَكُمْ " بِتَأْوِيلِ : أُحِلَّتْ لَكُمْ أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بَهِيمَة الْأَنْعَام , لَا مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا فِي حَال إِحْرَامكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام كُلّهَا , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا , فَإِنَّهُ صَيْد فَلَا يَحِلّ لَكُمْ وَأَنْتُمْ حُرُم . فَكَأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَجَّهَ الْكَلَام إِلَى مَعْنَى : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام كُلّهَا , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , إِلَّا مَا يُبَيَّن لَكُمْ مِنْ وَحْشِيّهَا , غَيْر مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا فِي حَال إِحْرَامكُمْ , فَتَكُون " غَيْر " مَنْصُوبَة عَلَى قَوْلهمْ عَلَى الْحَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8591 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام صَيْدًا , غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , فَهُوَ عَلَيْكُمْ حَرَام . يَعْنِي : بَقَر الْوَحْش وَالظِّبَاء وَأَشْبَاهه . 8592 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا حِلّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا , فَإِنَّهُ صَيْد , فَلَا يَحِلّ إِذَا كَانَ مُحْرِمًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى مَا تَظَاهَرَ بِهِ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } مِنْ أَنَّهَا الْأَنْعَام وَأَجِنَّتهَا وَسِخَالهَا , وَعَلَى دَلَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , فَقَدْ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فِي حَال إِحْرَامكُمْ أَوْ غَيْرهَا مِنْ أَحْوَالكُمْ , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ تَحْرِيمه مِنْ الْمَيْتَة مِنْهَا وَالدَّم وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ : إِلَّا الصَّيْد , لَقِيلَ : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّيْد غَيْر مُحِلِّيهِ , وَفِي تَرْك اللَّه وَصْل قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } بِمَا ذَكَرْت , وَإِظْهَار ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } خَبَر مُتَنَاهِيَة قِصَّته , وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } مُنْفَصِل مِنْهُ . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } مَقْصُودًا بِهِ قَصْد الْوَحْش , لَمْ يَكُنْ أَيْضًا لِإِعَادَةِ ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } وَجْه وَقَدْ مَضَى ذِكْره قَبْل , وَلَقِيلَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , غَيْر مُحِلِّيهِ وَأَنْتُمْ حُرُم . وَفِي إِظْهَاره ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } أَبْيَن الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الْعَرَب رُبَّمَا أَظْهَرَتْ ذِكْر الشَّيْء بِاسْمِهِ وَقَدْ جَرَى ذِكْره بِاسْمِهِ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا ضَرُورَة شِعْر , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَصِيحِ الْمُسْتَعْمَل مِنْ كَلَامهمْ , وَتَوْجِيه كَلَام اللَّه إِلَى الْأَفْصَح مِنْ لُغَات مَنْ نَزَلَ كَلَامه بِلُغَتِهِ أَوْلَى مَا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيل مِنْ صَرْفه إِلَى غَيْر ذَلِكَ . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَن : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِعُقُودِ اللَّه الَّتِي عَقَدَ عَلَيْكُمْ , مِمَّا حَرَّمَ وَأَحَلَّ , لَا مُحِلِّينَ الصَّيْد فِي حُرُمكُمْ , فَفِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الْمُذَكَّاة دُون مَيْتَتهَا مُتَّسَع لَكُمْ وَمُسْتَغْنًى عَنْ الصَّيْد فِي حَال إِحْرَامكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا يُرِيد } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه يَقْضِي فِي خَلْقه مَا يَشَاء مِنْ تَحْلِيل مَا أَرَادَ تَحْلِيله , وَتَحْرِيم مَا أَرَادَ تَحْرِيمه , وَإِيجَاب مَا شَاءَ إِيجَابه عَلَيْهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه وَقَضَايَاهُ , فَأَوْفُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْلِيل مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَتَحْرِيم مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ عُقُوده فَلَا تَنْكُثُوهَا وَلَا تَنْقُضُوهَا . كَمَا : 8593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا يُرِيد } إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا أَرَادَ فِي خَلْقه , وَبَيَّنَ لِعِبَادِهِ , وَفَرَضَ فَرَائِضه , وَحَدَّ حُدُوده , وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ , وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَته .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْل اللَّه : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَا تُحِلُّوا حُرُمَات اللَّه , وَلَا تَتَعَدَّوْا حُدُوده . كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا الشَّعَائِر إِلَى الْمَعَالِم , وَتَأَوَّلُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه : مَعَالِم حُدُود اللَّه , وَأَمْره , وَنَهْيه , وَفَرَائِضه . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8594 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , قَالَ : ثنا حَبِيب الْمُعَلَّم , عَنْ عَطَاء أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَعَائِر اللَّه , فَقَالَ : حُرُمَات اللَّه : اِجْتِنَاب سَخَط اللَّه , وَاتِّبَاع طَاعَته , فَذَلِكَ شَعَائِر اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { لَا تُحِلُّوا } حَرَم اللَّه . فَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى قَوْله : { شَعَائِر اللَّه } أَيْ مَعَالِم حَرَم اللَّه مِنْ الْبِلَاد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَالَ : أَمَّا شَعَائِر اللَّه : فَحَرَم اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُحِلُّوا مَنَاسِك الْحَجّ فَتُضَيِّعُوهَا . وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى : لَا تُحِلُّوا مَعَالِم حُدُود اللَّه الَّتِي حَدَّهَا لَكُمْ فِي حَجّكُمْ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8596 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَالَ : مَنَاسِك الْحَجّ . 8597 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ الْبَيْت الْحَرَام , وَيُهْدُونَ الْهَدَايَا , وَيُعَظِّمُونَ حُرْمَة الْمَشَاعِر , وَيَتَّجِرُونَ فِي حَجّهمْ , فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِمْ , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } . 8598 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { شَعَائِر اللَّه } الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَالْهَدْي , وَالْبُدْن , كُلّ هَذَا مِنْ شَعَائِر اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي حَال إِحْرَامكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8599 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَالَ : شَعَائِر اللَّه : مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ أَنْ تُصِيبهُ وَأَنْتَ مُحْرِم . وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة , وَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى : لَا تُحِلُّوا مَعَالِم حُدُود اللَّه الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ فِي إِحْرَامكُمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِقَوْلِهِ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَوْل عَطَاء الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَوْجِيهه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى : لَا تُحِلُّوا حُرُمَات اللَّه , وَلَا تُضَيِّعُوا فَرَائِضه ; لِأَنَّ الشَّعَائِر جَمْع شَعِيرَة , وَالشَّعِيرَة : فَعِيلَة مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ شَعَرَ فُلَان بِهَذَا الْأَمْر : إِذَا عَلِمَ بِهِ , فَالشَّعَائِر : الْمَعَالِم مِنْ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : لَا تَسْتَحِلُّوا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَعَالِم اللَّه , فَيَدْخُل فِي ذَلِكَ مَعَالِم اللَّه كُلّهَا فِي مَنَاسِك الْحَجّ , مِنْ تَحْرِيم مَا حَرَّمَ اللَّه إِصَابَته فِيهَا عَلَى الْمُحْرِم , وَتَضْيِيع مَا نَهَى عَنْ تَضْيِيعه فِيهَا , وَفِيمَا حَرَّمَ مِنْ اِسْتِحْلَال حُرُمَات حَرَمه , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ حُدُوده وَفَرَائِضه وَحَلَاله وَحَرَامه ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مِنْ مَعَالِمه وَشَعَائِره الَّتِي جَعَلَهَا أَمَارَات بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , يَعْلَم بِهَا حَلَاله وَحَرَامه وَأَمْره وَنَهْيه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ الْقَوْل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } لِأَنَّ اللَّه نَهَى عَنْ اِسْتِحْلَال شَعَائِره وَمَعَالِم حُدُوده , وَإِحْلَالهَا نَهْيًا عَامًّا مِنْ غَيْر اِخْتِصَاص شَيْء مِنْ ذَلِكَ دُون شَيْء , فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُوَجِّه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخُصُوص إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , وَلَا حُجَّة بِذَلِكَ كَذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } وَلَا تَسْتَحِلُّوا الشَّهْر الْحَرَام بِقِتَالِكُمْ بِهِ أَعْدَاءَكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَال فِيهِ كَبِير } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8600 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } يَعْنِي : لَا تَسْتَحِلُّوا قِتَالًا فِيهِ . 8601 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْمُشْرِك يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الشَّهْر الْحَرَام وَلَا عِنْد الْبَيْت . وَأَمَّا الشَّهْر الْحَرَام الَّذِي عَنَاهُ اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } فَرَجَب مُضَر , وَهُوَ شَهْر كَانَتْ مُضَر تُحَرِّم فِيهِ الْقِتَال . وَقَدْ قِيلَ : هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع ذُو الْقِعْدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8602 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هُوَ ذُو الْقِعْدَة . وَقَدْ بَيَّنَّا الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى , وَذَلِكَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } أَمَّا الْهَدْي : فَهُوَ مَا أَهْدَاهُ الْمَرْء مِنْ بَعِير أَوْ بَقَرَة أَوْ شَاة أَوْ غَيْر ذَلِكَ إِلَى بَيْت اللَّه , تَقَرُّبًا بِهِ إِلَى اللَّه وَطَلَب ثَوَابه . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : فَلَا تَسْتَحِلُّوا ذَلِكَ فَتُغْضِبُوا أَهْله عَلَيْهِ , وَلَا تَحُولُوا بَيْنهمْ وَبَيْن مَا أَهْدَوْا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغُوا بِهِ الْمَحِلّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه مَحِلّه مِنْ كَعْبَته . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْهَدْي إِنَّمَا يَكُون هَدْيًا مَا لَمْ يُقَلَّد . 8603 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا الْهَدْي } قَالَ : الْهَدْي مَا لَمْ يُقَلَّد , وَقَدْ جَعَلَ عَلَى نَفْسه أَنْ يُهْدِيه وَيُقَلِّدهُ . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَا تُحِلُّوا أَيْضًا الْقَلَائِد . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَلَائِد الَّتِي نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إِحْلَالهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِالْقَلَائِدِ : قَلَائِد الْهَدْي ; وَقَالُوا : إِنَّمَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } وَلَا تُحِلُّوا الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَات مِنْهَا وَغَيْر الْمُقَلَّدَات ; فَقَوْله : { وَلَا الْهَدْي } مَا لَمْ يُقَلَّد مِنْ الْهَدَايَا , { وَلَا الْقَلَائِد } الْمُقَلَّد مِنْهَا . قَالُوا : وَدَلَّ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْقَلَائِد } عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ النَّهْي عَنْ اِسْتِحْلَال الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8604 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } الْقَلَائِد : مُقَلَّدَات الْهَدْي , وَإِذَا قَلَّدَ الرَّجُل هَدْيه فَقَدْ أَحْرَمَ , فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ قَمِيصه فَلْيَخْلَعْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ : الْقَلَائِد الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَقَلَّدُونَهَا إِذَا أَرَادُوا الْحَجّ مُقْبِلِينَ إِلَى مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر , وَإِذَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى مَنَازِلهمْ مُنْصَرِفِينَ مِنْهَا , مِنْ الشَّعْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8605 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } قَالَ : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْته يُرِيد الْحَجّ تَقَلَّدَ مِنْ السَّمُر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , فَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَة شَعْر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ يَتَقَلَّد إِذَا أَرَادَ الْخُرُوج مِنْ الْحَرَم أَوْ خَرَجَ مِنْ لِحَاء شَجَر الْحَرَم فَيَأْمَن بِذَلِكَ مِنْ سَائِر قَبَائِل الْعَرَب أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِسُوءٍ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8606 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَطَاء : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ لِحَاء شَجَر الْحَرَم , يَأْمَنُونَ بِذَلِكَ إِذَا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَم , فَنَزَلَتْ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } . 8607 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : الْقَلَائِد : اللِّحَاء فِي رِقَاب النَّاس وَالْبَهَائِم أَمْنٌ لَهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8608 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : إِنَّ الْعَرَب كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ لِحَاء شَجَر مَكَّة , فَيُقِيم الرَّجُل بِمَكَانِهِ , حَتَّى إِذَا اِنْقَضَتْ الْأَشْهُر الْحُرُم فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِع إِلَى أَهْله قَلَّدَ نَفْسه وَنَاقَته مِنْ لِحَاء الشَّجَر , فَيَأْمَن حَتَّى يَأْتِي أَهْله . 8609 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : الْقَلَائِد : كَانَ الرَّجُل يَأْخُذ لِحَاء شَجَرَة مِنْ شَجَر الْحَرَم فَيَتَقَلَّدهَا , ثُمَّ يَذْهَب حَيْثُ شَاءَ , فَيَأْمَن بِذَلِكَ , فَذَلِكَ الْقَلَائِد . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْقَلَائِد } أَنْ يَنْزِعُوا شَيْئًا مِنْ شَجَر الْحَرَم فَيَتَقَلَّدُوهُ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَ فِي جَاهِلِيَّتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8610 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ شَجَر مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر , فَيَتَقَلَّدُونَهَا , فَيَأْمَنُونَ بِهَا مِنْ النَّاس , فَنَهَى اللَّه أَنْ يُنْزَع شَجَرهَا فَيُتَقَلَّد . 8611 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير , وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فِي قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ شَجَر مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر فَيَتَقَلَّدُونَ , فَيَأْمَنُونَ بِهَا فِي النَّاس , فَنَهَى اللَّه عَزَّ ذِكْره أَنْ يُنْزَع شَجَرهَا فَيُتَقَلَّد . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } إِذْ كَانَتْ مَعْطُوفَة عَلَى أَوَّل الْكَلَام , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام مَا يَدُلّ عَلَى اِنْقِطَاعهَا عَنْ أَوَّله , وَلَا أَنَّهُ عَنَى بِهَا النَّهْي عَنْ التَّقَلُّد أَوْ اِتِّخَاذ الْقَلَائِد مِنْ شَيْء ; أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَلَا تُحِلُّوا الْقَلَائِد . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ أَوْلَى , فَمَعْلُوم أَنَّهُ نَهْي مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره عَنْ اِسْتِحْلَال حُرْمَة الْمُقَلَّد هَدْيًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ إِنْسَانًا , دُون حُرْمَة الْقِلَادَة ; وَأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره إِنَّمَا دَلَّ بِتَحْرِيمِهِ حُرْمَة الْقِلَادَة عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُرْمَة الْمُقَلَّد , فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِهِ الْقَلَائِد مِنْ ذِكْر الْمُقَلَّد , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ مَعْنَى مَا أُرِيد بِهِ . فَمَعْنَى الْآيَة إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه , وَلَا الشَّهْر الْحَرَام , وَلَا الْهَدْي , وَلَا الْمُقَلَّد بِقِسْمَيْهِ بِقَلَائِد الْحَرَم . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض الشُّعَرَاء فِي شِعْره , مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ تَأَوَّلَ الْقَلَائِد أَنَّهَا قَلَائِد لِحَاء شَجَر الْحَرَم الَّذِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَتَقَلَّدُونَهُ , فَقَالَ وَهُوَ يَعِيب رَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلَيْنِ كَانَا تَقَلَّدَا ذَلِكَ : أَلَمْ تَقْتُلَا الْحِرْجَيْنِ إِذْ أَعْوَرَاكُمَا يُمِرَّانِ بِالْأَيْدِي اللِّحَاء الْمُضَفَّرَا وَالْحَرِجَانِ : الْمَقْتُولَانِ كَذَلِكَ . وَمَعْنَى قَوْله : أَعْوَرَاكُمَا : أَمْكَنَاكُمَا مِنْ عَوْرَتهمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْره { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } وَلَا تُحِلُّوا قَاصِدِينَ الْبَيْت الْحَرَام الْعَامِدِيَّة , تَقُول مِنْهُ : أَمَمْت كَذَا : إِذَا قَصَدْته وَعَمَدْته , وَبَعْضهمْ يَقُول : يَمَّمْته , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِنِّي كَذَاك إِذَا مَا سَاءَنِي بَلَد يَمَّمْت صَدْر بَعِيرِي غَيْره بَلَدًا وَالْبَيْت الْحَرَام : بَيْت اللَّه الَّذِي بِمَكَّة ; وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى لِمَ قِيلَ لَهُ الْحَرَام . { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ } يَعْنِي : يَلْتَمِسُونَ أَرْبَاحًا فِي تِجَارَتهمْ مِنْ اللَّه . { وَرِضْوَانًا } يَقُول : وَأَنْ يَرْضَى اللَّه عَنْهُمْ بِنُسُكِهِمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ بَنِي رَبِيعَة يُقَال لَهُ الْحُطَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8612 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَقْبَلَ الْحُطَم بْن هِنْد الْبَكْرِيّ , ثُمَّ أَحَد بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة , حَتَّى أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده , وَخَلَّف خَيْله خَارِجَة مِنْ الْمَدِينَة , فَدَعَاهُ فَقَالَ : إِلَامَ تَدْعُو ؟ فَأَخْبَرَهُ , وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : " يَدْخُل الْيَوْم عَلَيْكُمْ رَجُل مِنْ رَبِيعَة , يَتَكَلَّم بِلِسَانِ شَيْطَان " . فَلَمَّا أَخْبَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اُنْظُرُوا لَعَلِّي أُسْلِم , وَلِي مَنْ أُشَاوِرهُ . فَخَرَجَ مِنْ عِنْده , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِر , وَخَرَجَ بِعَقِبِ غَادِر " . فَمَرَّ بِسَرْحٍ مِنْ سُرُح الْمَدِينَة , فَسَاقَهُ , فَانْطَلَقَ بِهِ وَهُوَ يَرْتَجِز : قَدْ لَفَّهَا اللَّيْل بِسَوَّاقٍ حُطَم لَيْسَ بِرَاعِي إِبِل وَلَا غَنَم وَلَا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْر الْوَضَم بَاتُوا نِيَامًا وَابْن هِنْد لَمْ يَنَمْ بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَام كَالزُّلَم خَدَلَّج السَّاقَيْنِ مَمْسُوح الْقَدَم ثُمَّ أَقْبَلَ مِنْ عَام قَابِل حَاجًّا قَدْ قَلَّدَ وَأَهْدَى , فَأَرَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَث إِلَيْهِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , حَتَّى بَلَغَ : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ لَهُ نَاس مِنْ أَصْحَابه : يَا رَسُول اللَّه خَلِّ بَيْننَا وَبَيْنه , فَإِنَّهُ صَاحِبنَا ! قَالَ : " إِنَّهُ قَدْ قَلَّدَ " . قَالُوا : إِنَّمَا هُوَ شَيْء كُنَّا نَصْنَعهُ فِي الْجَاهِلِيَّة . فَأَبَى عَلَيْهِمْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة 8613 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَدِمَ الْحُطَم أَخُو بَنِي ضُبَيْعَة بْن ثَعْلَبَة الْبَكْرِيّ الْمَدِينَة فِي عِير لَهُ يَحْمِل طَعَامًا , فَبَاعَهُ . ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَايَعَهُ , وَأَسْلَمَ . فَلَمَّا وَلَّى خَارِجًا نَظَرَ إِلَيْهِ , فَقَالَ لِمَنْ عِنْده : " لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِ فَاجِر وَوَلَّى بِقَفَا غَادِر " . فَلَمَّا قَدِمَ الْيَمَامَة اِرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام , وَخَرَجَ فِي عِير لَهُ تَحْمِل الطَّعَام فِي ذِي الْقِعْدَة , يُرِيد مَكَّة ; فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ نَفَر مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار لِيَقْتَطِعُوهُ فِي عِيره , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , فَانْتَهَى الْقَوْم . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : يَنْهَى عَنْ الْحُجَّاج أَنْ تُقْطَع سُبُلهمْ . قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ الْحُطَم قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرْتَادَ وَيَنْظُر , فَقَالَ : إِنِّي دَاعِيَة قَوْمِي , فَاعْرِضْ عَلَيَّ مَا تَقُول ! قَالَ لَهُ : " أَدْعُوك إِلَى اللَّه أَنْ تَعْبُدهُ وَلَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا , وَتُقِيم الصَّلَاة , وَتُؤْتِي الزَّكَاة , وَتَصُوم شَهْر رَمَضَان , وَتَحُجّ الْبَيْت " . قَالَ الْحُطَم : فِي أَمْرك هَذَا غِلْظَة , أَرْجِع إِلَى قَوْمِي فَأَذْكُر لَهُمْ مَا ذَكَرْت , فَإِنْ قَبِلُوهُ أَقْبَلْت مَعَهُمْ , وَإِنْ أَدْبَرُوا كُنْت مَعَهُمْ . قَالَ لَهُ : " اِرْجِعْ ! " فَلَمَّا خَرَجَ , قَالَ : " لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِ كَافِر وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِي بِعُقْبَى غَادِر , وَمَا الرَّجُل بِمُسْلِمٍ " . فَمَرَّ عَلَى سَرْح لِأَهْلِ الْمَدِينَة , فَانْطَلَقَ بِهِ فَطَلَبَهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفَاتَهُمْ . وَقَدِمَ الْيَمَامَة , وَحَضَرَ الْحَجّ , فَجَهَّزَ خَارِجًا , وَكَانَ عَظِيم التِّجَارَة , فَاسْتَأْذَنُوا أَنْ يَتَلَقَّوْهُ وَيَأْخُذُوا مَا مَعَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } 8614 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } 000 الْآيَة , قَالَ : هَذَا يَوْم الْفَتْح جَاءَ نَاس يَؤُمُّونَ الْبَيْت مِنْ الْمُشْرِكِينَ , يُهِلُّونَ بِعُمْرَةٍ , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا هَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ , فَمِثْل هَؤُلَاءِ فَلَنْ نَدَعهُمْ إِلَّا أَنْ نُغِير عَلَيْهِمْ ! فَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } 8615 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } يَقُول : مَنْ تَوَجَّهَ حَاجًّا . 8616 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } يَعْنِي : الْحَاجّ . 8617 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْبَيْت . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِيمَا نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَة بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ مِنْهَا مَنْسُوخًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : نُسِخَ جَمِيعهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8618 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ بَيَان , عَنْ عَامِر , قَالَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ الْمَائِدَة إِلَّا هَذِهِ الْآيَة { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } . 8619 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } نَسَخَتْهَا : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ سُورَة الْمَائِدَة غَيْر هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } . 8620 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ : مَنْسُوخ . قَالَ : كَانَ الْمُشْرِك يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَلَا عِنْد الْبَيْت , فَنَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . 8621 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } إِلَى قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : نَسَخَتْهَا بَرَاءَة : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : هَذَا شَيْء نُهِيَ عَنْهُ , فَتُرِكَ كَمَا هُوَ . 8622 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : هَذَا كُلّه مَنْسُوخ , نَسَخَ هَذَا أَمْره بِجِهَادِهِمْ كَافَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَة , قَوْله : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8623 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , فَقَالَ : هَكَذَا سَمِعْته مِنْ قَتَادَة نُسِخَ مِنْ الْمَائِدَة : { آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } نَسَخَتْهَا بَرَاءَة , قَالَ اللَّه : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } , وَقَالَ : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ } , وَقَالَ : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا } وَهُوَ الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْر , فَنَادَى فِيهِ بِالْأَذَانِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , قَالَ : فَنَسَخَ مِنْهَا : { آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } نَسَخَتْهَا بَرَاءَة , فَقَالَ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } , فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث عَبْدَة . 8624 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : نَزَلَ فِي شَأْن الْحُطَم : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّه فَقَالَ : { اُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } . 8625 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } إِلَى قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت } جَمِيعًا , فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يَحُجّ الْبَيْت أَوْ يَعْرِضُوا لَهُ مِنْ مُؤْمِن أَوْ كَافِر , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه بَعْد هَذَا : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا } , وَقَالَ : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه } , وَقَالَ : { إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاللَّه وَالْيَوْم الْآخِر } فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام . 8626 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ : مَنْسُوخ , كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْته يُرِيد الْحَجّ , تَقَلَّدَ مِنْ السَّمُر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , وَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَة شَعْر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , وَكَانَ الْمُشْرِك يَوْمئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , وَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَلَا عِنْد الْبَيْت , فَنَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ ذَلِكَ شَيْء إِلَّا الْقَلَائِد الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة يَتَقَلَّدُونَهَا مِنْ لِحَاء الشَّجَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8627 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا كُلّه مِنْ عَمَل الْجَاهِلِيَّة , فِعْله وَإِقَامَته , فَحَرَّمَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه بِالْإِسْلَامِ , إِلَّا لِحَاء الْقَلَائِد , فَتَرَكَ ذَلِكَ . { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } فَحَرَّمَ اللَّه عَلَى كُلّ أَحَد إِخَافَتهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ , قَوْل مَنْ قَالَ : نَسَخَ اللَّه مِنْ هَذِهِ الْآيَة قَوْله : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ اللَّه قَدْ أَحَلَّ قِتَال أَهْل الشِّرْك فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَغَيْرهَا مِنْ شُهُور السَّنَة كُلّهَا , وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِك لَوْ قَلَّدَ عُنُقه أَوْ ذِرَاعَيْهِ لِحَاء جَمِيع أَشْجَار الْحَرَم لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ أَمَانًا مِنْ الْقَتْل إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَقْد ذِمَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَان . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْقَلَائِد فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } فَإِنَّهُ مُحْتَمَل ظَاهِره : وَلَا تُحِلُّوا حُرْمَة آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام مِنْ أَهْل الشِّرْك وَالْإِسْلَام , لِعُمُومِ جَمِيع مَنْ أَمَّ الْبَيْت . وَإِذَا اِحْتَمَلَ ذَلِكَ , فَكَانَ أَهْل الشِّرْك دَاخِلِينَ فِي جُمْلَتهمْ , فَلَا شَكّ أَنَّ قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } نَاسِخ لَهُ ; لِأَنَّهُ غَيْر جَائِز اِجْتِمَاع الْأَمْر بِقَتْلِهِمْ وَتَرْك قَتْلهمْ فِي حَال وَاحِدَة وَوَقْت وَاحِد . وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ حُكْم اللَّه فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلهمْ , أَمُّوا الْبَيْت الْحَرَام أَوْ الْبَيْت الْمُقَدَّس فِي أَشْهُر الْحُرُم وَغَيْرهَا , مَا يُعْلَم أَنَّ الْمَنْع مِنْ قَتْلهمْ إِذَا أَمُّوا الْبَيْت الْحَرَام مَنْسُوخ , وَمُحْتَمَل أَيْضًا : وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَأَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل عَلَى ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل الْحَرْب , فَهُوَ أَيْضًا لَا شَكّ مَنْسُوخ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ لَا اِخْتِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْنهمْ ظَاهِر , وَكَانَ مَا كَانَ مُسْتَفِيضًا فِيهِمْ ظَاهِر الْحُجَّة , فَالْوَاجِب وَإِنْ اِحْتَمَلَ ذَلِكَ مَعْنًى غَيْر الَّذِي قَالُوا , التَّسْلِيم لِمَا اِسْتَفَاضَ بِصِحَّتِهِ نَقْلهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَبْتَغُونَ } يَطْلُبُونَ وَيَلْتَمِسُونَ . وَالْفَضْل : الْإِرْبَاح فِي التِّجَارَة ; وَالرِّضْوَان : رِضَا اللَّه عَنْهُمْ , فَلَا يَحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَة فِي الدُّنْيَا مَا أَحَلَّ بِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَم فِي عَاجِل دُنْيَاهُمْ بِحَجِّهِمْ بَيْته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8628 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ يَلْتَمِسُونَ فَضْل اللَّه وَرِضْوَانه فِيمَا يُصْلِح لَهُمْ دُنْيَاهُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , فَقَالَ : هَكَذَا سَمِعْته مِنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } وَالْفَضْل وَالرِّضْوَان : اللَّذَانِ يَبْتَغُونَ أَنْ يُصْلِح مَعَايِشهمْ فِي الدُّنْيَا , وَأَنْ لَا يُعَجِّل لَهُمْ الْعُقُوبَة فِيهَا . 8629 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَتَرَضَّوْنَ اللَّه بِحَجِّهِمْ . 8630 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير , وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فِي قَوْله : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : التِّجَارَة فِي الْحَجّ , وَالرِّضْوَان فِي الْحَجّ . 8631 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي أُمَيْمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عُمَر فِي الرَّجُل يَحُجّ , وَيَحْمِل مَعَهُ مَتَاعًا , قَالَ : لَا بَأْس بِهِ . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } . 8632 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : يَبْتَغُونَ الْأَجْر وَالتِّجَارَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } الصَّيْد الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُحِلُّوهُ وَأَنْتُمْ حُرُم , يَقُول : فَلَا حَرَج عَلَيْكُمْ فِي اِصْطِيَاده وَاصْطَادُوا إِنْ شِئْتُمْ حِينَئِذٍ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله كُنْت حَرَّمْته عَلَيْكُمْ فِي حَال إِحْرَامكُمْ قَدْ زَالَ . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8633 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ : هِيَ رُخْصَة . يَعْنِي قَوْله : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } . 8634 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : خَمْس فِي كِتَاب اللَّه رُخْصَة , وَلَيْسَتْ بِعَزْمَةٍ , فَذَكَرَ : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } قَالَ : مَنْ شَاءَ فَعَلَ , وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَل . 8635 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 8636 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } قَالَ : إِذَا حَلَّ , فَإِنْ شَاءَ صَادَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصْطَدْ . 8637 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْأَكْل مِنْ هَدْي الْمُتْعَة وَاجِبًا , وَكَانَ يَتَأَوَّل هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ . كَمَا : 8638 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } يَقُول : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم . 8639 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ . وَأَمَّا أَهْل الْمَعْرِفَة بِاللُّغَةِ , فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلهَا , فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : مَعْنَى قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ ; لِأَنَّ قَوْله : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار } هُوَ حَقّ أَنَّ لَهُمْ النَّار . وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ مَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ . وَقَالَ : يُقَال : جَرَمَنِي فُلَان عَلَى أَنْ صَنَعْت كَذَا وَكَذَا : أَيْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ . وَاحْتَجَّ جَمِيعهمْ بِبَيْتِ الشَّاعِر : وَلَقَدْ طَعَنْت أَبَا عُيَيْنَة طَعْنَة جَرَمَتْ فَزَارَة بَعْدهَا أَنْ يَغْضَبُوا فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ مِنْ الْقُرْآن , فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ مَعْنَى قَوْل الشَّاعِر : جَرَمَتْ فَزَارَة : أَحَقَّتْ الطَّعْنَة لِفَزَارَة الْغَضَب . وَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا مَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ : مَعْنَاهُ فِي الْبَيْت : " جَرَمَتْ فَزَارَة أَنْ يَغْضَبُوا " : حَمَلَتْ فَزَارَة عَلَى أَنْ يَغْضَبُوا . وَقَالَ آخَر مِنْ الْكُوفِيِّينَ : مَعْنَى قَوْله : { لَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يُكْسِبَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم . وَتَأْوِيل قَائِل هَذَا الْقَوْل قَوْل الشَّاعِر فِي الْبَيْت : " جَرَمَتْ فَزَارَة " : كَسَبَتْ فَزَارَة أَنْ يَغْضَبُوا . قَالَ : وَسُمِعَتْ الْعَرَب تَقُول : فُلَان جَرِيمَة أَهْله , بِمَعْنَى : كَاسِبهمْ , وَخَرَجَ يَجْرِمهُمْ : يُكْسِبهُمْ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَاهَا عَنْهُ مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَمَلَ رَجُلًا عَلَى بُغْض رَجُل فَقَدْ أَكْسَبَهُ بُغْضه , وَمَنْ أَكْسَبَهُ بُغْضه فَقَدْ أَحَقَّهُ لَهُ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَاَلَّذِي هُوَ أَحْسَن فِي الْإِبَانَة عَنْ مَعْنَى الْحَرْف , مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة , وَذَلِكَ تَوْجِيههمَا مَعْنَى قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى الْعُدْوَان . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَته عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ : جَرَمْته أَجْرِمهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ , وَهُوَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش , مَا : 8640 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , أَنَّهُ قَرَأَ : "وَلَا يُجْرِمَنَّكُمْ " مُرْتَفِعَة الْيَاء مِنْ أَجْرَمْته أُجْرِمهُ وَهُوَ يُجْرِمنِي . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } بِفَتْحِ الْيَاء , لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة بِذَلِكَ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار وَشُذُوذ مَا خَالَفَهَا , وَأَنَّهَا اللُّغَة الْمَعْرُوفَة السَّائِرَة فِي الْعَرَب , وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا مِنْ بَعْضهَا : أَجْرَمَ يُجْرِم , عَلَى شُذُوذه , وَقِرَاءَة الْقُرْآن بِأَفْصَح اللُّغَات أَوْلَى وَأَحَقّ مِنْهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ لُغَة مَنْ قَالَ : جَرَمَتْ , قَوْل الشَّاعِر : يَا أَيّهَا الْمُشْتَكِي عُكْلًا وَمَا جَرَمَتْ إِلَى الْقَبَائِل مِنْ قَتْل وَإِبْآس
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { شَنَآن قَوْم } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { شَنَآن } بِتَحْرِيكِ الشِّين وَالنُّون إِلَى الْفَتْح , بِمَعْنَى : بُغْض قَوْم تَوْجِيهًا مِنْهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْمَصْدَر الَّذِي يَأْتِي عَلَى فَعَلَانِ نَظِير الطَّيَرَان , وَالنَّسَلَان , وَالْعَسَلَانِ , وَالرَّمَلَانِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : { شَنْآن قَوْم } بِتَسْكِينِ النُّون وَفَتْح الشِّين , بِمَعْنَى الِاسْم ; تَوْجِيهًا مِنْهُمْ مَعْنَاهُ إِلَى : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم , فَيَخْرُج شَنَآن عَلَى تَقْدِير فَعَلَان ; لِأَنَّ فَعَلَ مِنْهُ عَلَى فَعِلَ , كَمَا يُقَال : سَكْرَان مِنْ سَكِرَ , وَعَطْشَان مِنْ عَطِشَ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { شَنَآن } بِفَتْحِ النُّون مُحَرَّكَة , لِشَائِعِ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : بُغْض قَوْم , وَتَوْجِيههمْ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَر دُون مَعْنَى الِاسْم . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مُوَجَّهًا إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَر , فَالْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب فِيمَا جَاءَ مِنْ الْمَصَادِر عَلَى الْفَعَلَان بِفَتْحِ الْفَاء تَحْرِيك ثَانِيه دُون تَسْكِينه , كَمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلهمْ : الدَّرَجَانِ , وَالرَّمَلَانِ مِنْ دَرَجَ وَرَمَلَ , فَكَذَلِكَ الشَّنَآن مِنْ شَنِئْته أَشْنَؤُهُ شَنَآنًا . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : شَنَآن عَلَى تَقْدِير فَعَال , وَلَا أَعْلَم قَارِئًا قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَمَا الْعَيْش إِلَّا مَا يَلَذّ وَيُشْتَهَى وَإِنْ لَامَ فِيهِ ذُو الشَّنَّانِ وَفَنَّدَا وَهَذَا فِي لُغَة مَنْ تَرَكَ الْهَمْز مِنْ الشَّنَآن , فَصَارَ عَلَى تَقْدِير فَعَال وَهُوَ فِي الْأَصْل فَعَلَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : { شَنَآن قَوْم } بُغْض قَوْم . 8641 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم . * - وَحَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى مَرَّة أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَة قَوْم أَنْ تَعْتَدُوا . 8642 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } لَا يَجْرِمَنَّكُمْ بُغْض قَوْم . 8643 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } قَالَ : بَغْضَاؤُهُمْ أَنْ تَعْتَدُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { أَنْ صَدُّوكُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنْ " بِمَعْنَى : لَا يَجْرِمَنَّكُمْ بُغْض قَوْم بِصَدِّهِمْ إِيَّاكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا . وَكَانَ بَعْض قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم إِنْ صَدُّوكُمْ " بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ " إِنْ "بِمَعْنَى : وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم إِن هُمْ أَحْدَثُوا لَكُمْ صَدًّا عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , أَنْ تَعْتَدُوا . فَزَعَمُوا أَنَّهَا فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " إِنْ يَصُدّكُمْ "فَقِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ اِعْتِبَارًا بِقِرَاءَتِهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , صَحِيح مَعْنَى كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا . وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُدَّ عَنْ الْبَيْت هُوَ وَأَصْحَابه يَوْم الْحُدَيْبِيَة , وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَة الْمَائِدَة بَعْد ذَلِكَ . فَمَنْ قَرَأَ : { أَنْ صَدُّوكُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنْ " فَمَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم أَيّهَا النَّاس مِنْ أَجْل أَنْ صَدُّوكُمْ يَوْم الْحُدَيْبِيَة عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ . وَمَنْ قَرَأَ : " إِنْ صَدُّوكُمْ " بِكَسْرِ الْأَلِف , فَمَعْنَاهُ : لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم إِنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِذَا أَرَدْتُمْ دُخُوله ; لِأَنَّ الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ قُرَيْش يَوْم فَتْح مَكَّة قَدْ حَاوَلُوا صَدَّهُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام قَبْل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ الصَّادِّينَ . غَيْر أَنَّ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْت , فَإِنَّ قِرَاءَة ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِف أَبْيَن مَعْنًى ; لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَة لَا تَدَافُع بَيْن أَهْل الْعِلْم فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْد يَوْم الْحُدَيْبِيَة . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالصَّدّ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الِاعْتِدَاء عَلَى الصَّادِّينَ مِنْ أَجْل صَدّهمْ إِيَّاهُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَأَمَّا قَوْله : { أَنْ تَعْتَدُوا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنْ تُجَاوِزُوا الْحَدّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّه لَكُمْ فِي أَمْرهمْ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذَن : وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم لِأَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَعْتَدُوا حُكْم اللَّه فِيهِمْ فَتُجَاوِزُوهُ إِلَى مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَلَكِنْ اِلْزَمُوا طَاعَة اللَّه فِيمَا أَحْبَبْتُمْ وَكَرِهْتُمْ . وَذُكِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّهْي عَنْ الطَّلَب بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8644 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أَنْ تَعْتَدُوا } رَجُل مُؤْمِن مِنْ حُلَفَاء مُحَمَّد , قَتَلَ حَلِيفًا لِأَبِي سُفْيَان مِنْ هُذَيْل يَوْم الْفَتْح بِعَرَفَة ; لِأَنَّهُ كَانَ يَقْتُل حُلَفَاء مُحَمَّد , فَقَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَنَ اللَّه مَنْ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّة " * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا مَنْسُوخ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8645 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم أَنْ تَعْتَدُوا } قَالَ : بَغْضَاؤُهُمْ , حَتَّى تَأْتُوا مَا لَا يَحِلّ لَكُمْ . وَقَرَأَ { أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا } وَتَعَاوَنُوا , قَالَ : هَذَا كُلّه قَدْ نُسِخَ , نَسَخَهُ الْجِهَاد . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مُجَاهِد : إِنَّهُ غَيْر مَنْسُوخ لِاحْتِمَالِهِ أَنْ تَعْتَدُوا الْحَقّ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ . وَإِذَا اِحْتَمَلَ ذَلِكَ , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال : هُوَ مَنْسُوخ , إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْم وَالْعُدْوَان } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى } وَلْيُعِنْ بَعْضكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَعْضًا عَلَى الْبِرّ , وَهُوَ الْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِالْعَمَلِ بِهِ { وَالتَّقْوَى } هُوَ اِتِّقَاء مَا أَمَرَ اللَّه بِاتِّقَائِهِ وَاجْتِنَابه مِنْ مَعَاصِيه . وَقَوْله : { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْم وَالْعُدْوَان } يَعْنِي : وَلَا يَعِنْ بَعْضكُمْ بَعْضًا عَلَى الْإِثْم , يَعْنِي : عَلَى تَرْك مَا أَمَرَكُمْ اللَّه بِفِعْلِهِ . { وَالْعُدْوَان } يَقُول : وَلَا عَلَى أَنْ تَتَجَاوَزُوا مَا حَدّ اللَّه لَكُمْ فِي دِينكُمْ , وَفَرَضَ لَكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ وَفِي غَيْركُمْ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا , وَلَكِنْ لِيُعِنْ بَعْضكُمْ بَعْضًا بِالْأَمْرِ بِالِانْتِهَاءِ إِلَى مَا حَدَّهُ اللَّه لَكُمْ فِي الْقَوْم الَّذِينَ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي غَيْرهمْ , وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاكُمْ اللَّه أَنْ تَأْتُوا فِيهِمْ وَفِي غَيْرهمْ وَفِي سَائِر مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَلَا يُعِنْ بَعْضكُمْ بَعْضًا عَلَى خِلَاف ذَلِكَ . وَبِمَا قُلْنَا فِي الْبِرّ وَالتَّقْوَى قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8646 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى } الْبِرّ : مَا أُمِرْت بِهِ , وَالتَّقْوَى : مَا نُهِيت عَنْهُ . 8647 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى } قَالَ : الْبِرّ : مَا أُمِرْت بِهِ , وَالتَّقْوَى : مَا نُهِيت عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } وَهَذَا وَعِيد مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَهْدِيد لِمَنْ اِعْتَدَى حَدّه وَتَجَاوَزَ أَمْره . يَقُول عَزَّ ذِكْره : { وَاتَّقُوا اللَّه } يَعْنِي : وَاحْذَرُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَلْقَوْهُ فِي مَعَادكُمْ وَقَدْ اِعْتَدَيْتُمْ حَدّه فِيمَا حَدَّ لَكُمْ وَخَالَفْتُمْ أَمْره فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ أَوْ نَهْيه فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَتَسْتَوْجِبُوا عِقَابه وَتَسْتَحِقُّوا أَلِيم عَذَابه ثُمَّ وَصَفَ عِقَابه بِالشِّدَّةِ , فَقَالَ عَزَّ ذِكْره : إِنَّ اللَّه شَدِيد عِقَابه لِمَنْ عَاقَبَهُ مِنْ خَلْقه ; لِأَنَّهَا نَار لَا يُطْفَأ حَرّهَا , وَلَا يُخْمَد جَمْرهَا , وَلَا يَسْكُن لَهَبهَا . نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا وَمِنْ عَمَل يُقَرِّبنَا مِنْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } وَلَا تَسْتَحِلُّوا الشَّهْر الْحَرَام بِقِتَالِكُمْ بِهِ أَعْدَاءَكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَال فِيهِ كَبِير } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8600 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } يَعْنِي : لَا تَسْتَحِلُّوا قِتَالًا فِيهِ . 8601 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْمُشْرِك يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الشَّهْر الْحَرَام وَلَا عِنْد الْبَيْت . وَأَمَّا الشَّهْر الْحَرَام الَّذِي عَنَاهُ اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } فَرَجَب مُضَر , وَهُوَ شَهْر كَانَتْ مُضَر تُحَرِّم فِيهِ الْقِتَال . وَقَدْ قِيلَ : هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع ذُو الْقِعْدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8602 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هُوَ ذُو الْقِعْدَة . وَقَدْ بَيَّنَّا الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى , وَذَلِكَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } أَمَّا الْهَدْي : فَهُوَ مَا أَهْدَاهُ الْمَرْء مِنْ بَعِير أَوْ بَقَرَة أَوْ شَاة أَوْ غَيْر ذَلِكَ إِلَى بَيْت اللَّه , تَقَرُّبًا بِهِ إِلَى اللَّه وَطَلَب ثَوَابه . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : فَلَا تَسْتَحِلُّوا ذَلِكَ فَتُغْضِبُوا أَهْله عَلَيْهِ , وَلَا تَحُولُوا بَيْنهمْ وَبَيْن مَا أَهْدَوْا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغُوا بِهِ الْمَحِلّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه مَحِلّه مِنْ كَعْبَته . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْهَدْي إِنَّمَا يَكُون هَدْيًا مَا لَمْ يُقَلَّد . 8603 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا الْهَدْي } قَالَ : الْهَدْي مَا لَمْ يُقَلَّد , وَقَدْ جَعَلَ عَلَى نَفْسه أَنْ يُهْدِيه وَيُقَلِّدهُ . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَا تُحِلُّوا أَيْضًا الْقَلَائِد . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَلَائِد الَّتِي نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إِحْلَالهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِالْقَلَائِدِ : قَلَائِد الْهَدْي ; وَقَالُوا : إِنَّمَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } وَلَا تُحِلُّوا الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَات مِنْهَا وَغَيْر الْمُقَلَّدَات ; فَقَوْله : { وَلَا الْهَدْي } مَا لَمْ يُقَلَّد مِنْ الْهَدَايَا , { وَلَا الْقَلَائِد } الْمُقَلَّد مِنْهَا . قَالُوا : وَدَلَّ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْقَلَائِد } عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ النَّهْي عَنْ اِسْتِحْلَال الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8604 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } الْقَلَائِد : مُقَلَّدَات الْهَدْي , وَإِذَا قَلَّدَ الرَّجُل هَدْيه فَقَدْ أَحْرَمَ , فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ قَمِيصه فَلْيَخْلَعْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ : الْقَلَائِد الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَقَلَّدُونَهَا إِذَا أَرَادُوا الْحَجّ مُقْبِلِينَ إِلَى مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر , وَإِذَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى مَنَازِلهمْ مُنْصَرِفِينَ مِنْهَا , مِنْ الشَّعْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8605 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } قَالَ : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْته يُرِيد الْحَجّ تَقَلَّدَ مِنْ السَّمُر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , فَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَة شَعْر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ يَتَقَلَّد إِذَا أَرَادَ الْخُرُوج مِنْ الْحَرَم أَوْ خَرَجَ مِنْ لِحَاء شَجَر الْحَرَم فَيَأْمَن بِذَلِكَ مِنْ سَائِر قَبَائِل الْعَرَب أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِسُوءٍ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8606 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَطَاء : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ لِحَاء شَجَر الْحَرَم , يَأْمَنُونَ بِذَلِكَ إِذَا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَم , فَنَزَلَتْ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } . 8607 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : الْقَلَائِد : اللِّحَاء فِي رِقَاب النَّاس وَالْبَهَائِم أَمْنٌ لَهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8608 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : إِنَّ الْعَرَب كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ لِحَاء شَجَر مَكَّة , فَيُقِيم الرَّجُل بِمَكَانِهِ , حَتَّى إِذَا اِنْقَضَتْ الْأَشْهُر الْحُرُم فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِع إِلَى أَهْله قَلَّدَ نَفْسه وَنَاقَته مِنْ لِحَاء الشَّجَر , فَيَأْمَن حَتَّى يَأْتِي أَهْله . 8609 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : الْقَلَائِد : كَانَ الرَّجُل يَأْخُذ لِحَاء شَجَرَة مِنْ شَجَر الْحَرَم فَيَتَقَلَّدهَا , ثُمَّ يَذْهَب حَيْثُ شَاءَ , فَيَأْمَن بِذَلِكَ , فَذَلِكَ الْقَلَائِد . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْقَلَائِد } أَنْ يَنْزِعُوا شَيْئًا مِنْ شَجَر الْحَرَم فَيَتَقَلَّدُوهُ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَ فِي جَاهِلِيَّتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8610 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ شَجَر مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر , فَيَتَقَلَّدُونَهَا , فَيَأْمَنُونَ بِهَا مِنْ النَّاس , فَنَهَى اللَّه أَنْ يُنْزَع شَجَرهَا فَيُتَقَلَّد . 8611 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير , وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فِي قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ شَجَر مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر فَيَتَقَلَّدُونَ , فَيَأْمَنُونَ بِهَا فِي النَّاس , فَنَهَى اللَّه عَزَّ ذِكْره أَنْ يُنْزَع شَجَرهَا فَيُتَقَلَّد . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } إِذْ كَانَتْ مَعْطُوفَة عَلَى أَوَّل الْكَلَام , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام مَا يَدُلّ عَلَى اِنْقِطَاعهَا عَنْ أَوَّله , وَلَا أَنَّهُ عَنَى بِهَا النَّهْي عَنْ التَّقَلُّد أَوْ اِتِّخَاذ الْقَلَائِد مِنْ شَيْء ; أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَلَا تُحِلُّوا الْقَلَائِد . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ أَوْلَى , فَمَعْلُوم أَنَّهُ نَهْي مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره عَنْ اِسْتِحْلَال حُرْمَة الْمُقَلَّد هَدْيًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ إِنْسَانًا , دُون حُرْمَة الْقِلَادَة ; وَأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره إِنَّمَا دَلَّ بِتَحْرِيمِهِ حُرْمَة الْقِلَادَة عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُرْمَة الْمُقَلَّد , فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِهِ الْقَلَائِد مِنْ ذِكْر الْمُقَلَّد , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ مَعْنَى مَا أُرِيد بِهِ . فَمَعْنَى الْآيَة إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه , وَلَا الشَّهْر الْحَرَام , وَلَا الْهَدْي , وَلَا الْمُقَلَّد بِقِسْمَيْهِ بِقَلَائِد الْحَرَم . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض الشُّعَرَاء فِي شِعْره , مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ تَأَوَّلَ الْقَلَائِد أَنَّهَا قَلَائِد لِحَاء شَجَر الْحَرَم الَّذِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَتَقَلَّدُونَهُ , فَقَالَ وَهُوَ يَعِيب رَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلَيْنِ كَانَا تَقَلَّدَا ذَلِكَ : أَلَمْ تَقْتُلَا الْحِرْجَيْنِ إِذْ أَعْوَرَاكُمَا يُمِرَّانِ بِالْأَيْدِي اللِّحَاء الْمُضَفَّرَا وَالْحَرِجَانِ : الْمَقْتُولَانِ كَذَلِكَ . وَمَعْنَى قَوْله : أَعْوَرَاكُمَا : أَمْكَنَاكُمَا مِنْ عَوْرَتهمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْره { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } وَلَا تُحِلُّوا قَاصِدِينَ الْبَيْت الْحَرَام الْعَامِدِيَّة , تَقُول مِنْهُ : أَمَمْت كَذَا : إِذَا قَصَدْته وَعَمَدْته , وَبَعْضهمْ يَقُول : يَمَّمْته , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِنِّي كَذَاك إِذَا مَا سَاءَنِي بَلَد يَمَّمْت صَدْر بَعِيرِي غَيْره بَلَدًا وَالْبَيْت الْحَرَام : بَيْت اللَّه الَّذِي بِمَكَّة ; وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى لِمَ قِيلَ لَهُ الْحَرَام . { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ } يَعْنِي : يَلْتَمِسُونَ أَرْبَاحًا فِي تِجَارَتهمْ مِنْ اللَّه . { وَرِضْوَانًا } يَقُول : وَأَنْ يَرْضَى اللَّه عَنْهُمْ بِنُسُكِهِمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ بَنِي رَبِيعَة يُقَال لَهُ الْحُطَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8612 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَقْبَلَ الْحُطَم بْن هِنْد الْبَكْرِيّ , ثُمَّ أَحَد بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة , حَتَّى أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده , وَخَلَّف خَيْله خَارِجَة مِنْ الْمَدِينَة , فَدَعَاهُ فَقَالَ : إِلَامَ تَدْعُو ؟ فَأَخْبَرَهُ , وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : " يَدْخُل الْيَوْم عَلَيْكُمْ رَجُل مِنْ رَبِيعَة , يَتَكَلَّم بِلِسَانِ شَيْطَان " . فَلَمَّا أَخْبَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اُنْظُرُوا لَعَلِّي أُسْلِم , وَلِي مَنْ أُشَاوِرهُ . فَخَرَجَ مِنْ عِنْده , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِر , وَخَرَجَ بِعَقِبِ غَادِر " . فَمَرَّ بِسَرْحٍ مِنْ سُرُح الْمَدِينَة , فَسَاقَهُ , فَانْطَلَقَ بِهِ وَهُوَ يَرْتَجِز : قَدْ لَفَّهَا اللَّيْل بِسَوَّاقٍ حُطَم لَيْسَ بِرَاعِي إِبِل وَلَا غَنَم وَلَا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْر الْوَضَم بَاتُوا نِيَامًا وَابْن هِنْد لَمْ يَنَمْ بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَام كَالزُّلَم خَدَلَّج السَّاقَيْنِ مَمْسُوح الْقَدَم ثُمَّ أَقْبَلَ مِنْ عَام قَابِل حَاجًّا قَدْ قَلَّدَ وَأَهْدَى , فَأَرَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَث إِلَيْهِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , حَتَّى بَلَغَ : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ لَهُ نَاس مِنْ أَصْحَابه : يَا رَسُول اللَّه خَلِّ بَيْننَا وَبَيْنه , فَإِنَّهُ صَاحِبنَا ! قَالَ : " إِنَّهُ قَدْ قَلَّدَ " . قَالُوا : إِنَّمَا هُوَ شَيْء كُنَّا نَصْنَعهُ فِي الْجَاهِلِيَّة . فَأَبَى عَلَيْهِمْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة 8613 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَدِمَ الْحُطَم أَخُو بَنِي ضُبَيْعَة بْن ثَعْلَبَة الْبَكْرِيّ الْمَدِينَة فِي عِير لَهُ يَحْمِل طَعَامًا , فَبَاعَهُ . ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَايَعَهُ , وَأَسْلَمَ . فَلَمَّا وَلَّى خَارِجًا نَظَرَ إِلَيْهِ , فَقَالَ لِمَنْ عِنْده : " لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِ فَاجِر وَوَلَّى بِقَفَا غَادِر " . فَلَمَّا قَدِمَ الْيَمَامَة اِرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام , وَخَرَجَ فِي عِير لَهُ تَحْمِل الطَّعَام فِي ذِي الْقِعْدَة , يُرِيد مَكَّة ; فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ نَفَر مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار لِيَقْتَطِعُوهُ فِي عِيره , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , فَانْتَهَى الْقَوْم . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : يَنْهَى عَنْ الْحُجَّاج أَنْ تُقْطَع سُبُلهمْ . قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ الْحُطَم قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرْتَادَ وَيَنْظُر , فَقَالَ : إِنِّي دَاعِيَة قَوْمِي , فَاعْرِضْ عَلَيَّ مَا تَقُول ! قَالَ لَهُ : " أَدْعُوك إِلَى اللَّه أَنْ تَعْبُدهُ وَلَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا , وَتُقِيم الصَّلَاة , وَتُؤْتِي الزَّكَاة , وَتَصُوم شَهْر رَمَضَان , وَتَحُجّ الْبَيْت " . قَالَ الْحُطَم : فِي أَمْرك هَذَا غِلْظَة , أَرْجِع إِلَى قَوْمِي فَأَذْكُر لَهُمْ مَا ذَكَرْت , فَإِنْ قَبِلُوهُ أَقْبَلْت مَعَهُمْ , وَإِنْ أَدْبَرُوا كُنْت مَعَهُمْ . قَالَ لَهُ : " اِرْجِعْ ! " فَلَمَّا خَرَجَ , قَالَ : " لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِ كَافِر وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِي بِعُقْبَى غَادِر , وَمَا الرَّجُل بِمُسْلِمٍ " . فَمَرَّ عَلَى سَرْح لِأَهْلِ الْمَدِينَة , فَانْطَلَقَ بِهِ فَطَلَبَهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفَاتَهُمْ . وَقَدِمَ الْيَمَامَة , وَحَضَرَ الْحَجّ , فَجَهَّزَ خَارِجًا , وَكَانَ عَظِيم التِّجَارَة , فَاسْتَأْذَنُوا أَنْ يَتَلَقَّوْهُ وَيَأْخُذُوا مَا مَعَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } 8614 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } 000 الْآيَة , قَالَ : هَذَا يَوْم الْفَتْح جَاءَ نَاس يَؤُمُّونَ الْبَيْت مِنْ الْمُشْرِكِينَ , يُهِلُّونَ بِعُمْرَةٍ , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا هَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ , فَمِثْل هَؤُلَاءِ فَلَنْ نَدَعهُمْ إِلَّا أَنْ نُغِير عَلَيْهِمْ ! فَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } 8615 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } يَقُول : مَنْ تَوَجَّهَ حَاجًّا . 8616 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } يَعْنِي : الْحَاجّ . 8617 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْبَيْت . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِيمَا نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَة بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ مِنْهَا مَنْسُوخًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : نُسِخَ جَمِيعهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8618 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ بَيَان , عَنْ عَامِر , قَالَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ الْمَائِدَة إِلَّا هَذِهِ الْآيَة { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } . 8619 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } نَسَخَتْهَا : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ سُورَة الْمَائِدَة غَيْر هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } . 8620 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ : مَنْسُوخ . قَالَ : كَانَ الْمُشْرِك يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَلَا عِنْد الْبَيْت , فَنَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . 8621 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } إِلَى قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : نَسَخَتْهَا بَرَاءَة : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : هَذَا شَيْء نُهِيَ عَنْهُ , فَتُرِكَ كَمَا هُوَ . 8622 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : هَذَا كُلّه مَنْسُوخ , نَسَخَ هَذَا أَمْره بِجِهَادِهِمْ كَافَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَة , قَوْله : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8623 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , فَقَالَ : هَكَذَا سَمِعْته مِنْ قَتَادَة نُسِخَ مِنْ الْمَائِدَة : { آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } نَسَخَتْهَا بَرَاءَة , قَالَ اللَّه : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } , وَقَالَ : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ } , وَقَالَ : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا } وَهُوَ الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْر , فَنَادَى فِيهِ بِالْأَذَانِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , قَالَ : فَنَسَخَ مِنْهَا : { آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } نَسَخَتْهَا بَرَاءَة , فَقَالَ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } , فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث عَبْدَة . 8624 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : نَزَلَ فِي شَأْن الْحُطَم : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّه فَقَالَ : { اُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } . 8625 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } إِلَى قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت } جَمِيعًا , فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يَحُجّ الْبَيْت أَوْ يَعْرِضُوا لَهُ مِنْ مُؤْمِن أَوْ كَافِر , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه بَعْد هَذَا : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا } , وَقَالَ : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه } , وَقَالَ : { إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاللَّه وَالْيَوْم الْآخِر } فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام . 8626 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ : مَنْسُوخ , كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْته يُرِيد الْحَجّ , تَقَلَّدَ مِنْ السَّمُر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , وَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَة شَعْر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , وَكَانَ الْمُشْرِك يَوْمئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , وَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَلَا عِنْد الْبَيْت , فَنَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ ذَلِكَ شَيْء إِلَّا الْقَلَائِد الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة يَتَقَلَّدُونَهَا مِنْ لِحَاء الشَّجَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8627 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا كُلّه مِنْ عَمَل الْجَاهِلِيَّة , فِعْله وَإِقَامَته , فَحَرَّمَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه بِالْإِسْلَامِ , إِلَّا لِحَاء الْقَلَائِد , فَتَرَكَ ذَلِكَ . { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } فَحَرَّمَ اللَّه عَلَى كُلّ أَحَد إِخَافَتهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ , قَوْل مَنْ قَالَ : نَسَخَ اللَّه مِنْ هَذِهِ الْآيَة قَوْله : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ اللَّه قَدْ أَحَلَّ قِتَال أَهْل الشِّرْك فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَغَيْرهَا مِنْ شُهُور السَّنَة كُلّهَا , وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِك لَوْ قَلَّدَ عُنُقه أَوْ ذِرَاعَيْهِ لِحَاء جَمِيع أَشْجَار الْحَرَم لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ أَمَانًا مِنْ الْقَتْل إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَقْد ذِمَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَان . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْقَلَائِد فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } فَإِنَّهُ مُحْتَمَل ظَاهِره : وَلَا تُحِلُّوا حُرْمَة آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام مِنْ أَهْل الشِّرْك وَالْإِسْلَام , لِعُمُومِ جَمِيع مَنْ أَمَّ الْبَيْت . وَإِذَا اِحْتَمَلَ ذَلِكَ , فَكَانَ أَهْل الشِّرْك دَاخِلِينَ فِي جُمْلَتهمْ , فَلَا شَكّ أَنَّ قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } نَاسِخ لَهُ ; لِأَنَّهُ غَيْر جَائِز اِجْتِمَاع الْأَمْر بِقَتْلِهِمْ وَتَرْك قَتْلهمْ فِي حَال وَاحِدَة وَوَقْت وَاحِد . وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ حُكْم اللَّه فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلهمْ , أَمُّوا الْبَيْت الْحَرَام أَوْ الْبَيْت الْمُقَدَّس فِي أَشْهُر الْحُرُم وَغَيْرهَا , مَا يُعْلَم أَنَّ الْمَنْع مِنْ قَتْلهمْ إِذَا أَمُّوا الْبَيْت الْحَرَام مَنْسُوخ , وَمُحْتَمَل أَيْضًا : وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَأَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل عَلَى ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل الْحَرْب , فَهُوَ أَيْضًا لَا شَكّ مَنْسُوخ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ لَا اِخْتِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْنهمْ ظَاهِر , وَكَانَ مَا كَانَ مُسْتَفِيضًا فِيهِمْ ظَاهِر الْحُجَّة , فَالْوَاجِب وَإِنْ اِحْتَمَلَ ذَلِكَ مَعْنًى غَيْر الَّذِي قَالُوا , التَّسْلِيم لِمَا اِسْتَفَاضَ بِصِحَّتِهِ نَقْلهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَبْتَغُونَ } يَطْلُبُونَ وَيَلْتَمِسُونَ . وَالْفَضْل : الْإِرْبَاح فِي التِّجَارَة ; وَالرِّضْوَان : رِضَا اللَّه عَنْهُمْ , فَلَا يَحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَة فِي الدُّنْيَا مَا أَحَلَّ بِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَم فِي عَاجِل دُنْيَاهُمْ بِحَجِّهِمْ بَيْته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8628 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ يَلْتَمِسُونَ فَضْل اللَّه وَرِضْوَانه فِيمَا يُصْلِح لَهُمْ دُنْيَاهُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , فَقَالَ : هَكَذَا سَمِعْته مِنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } وَالْفَضْل وَالرِّضْوَان : اللَّذَانِ يَبْتَغُونَ أَنْ يُصْلِح مَعَايِشهمْ فِي الدُّنْيَا , وَأَنْ لَا يُعَجِّل لَهُمْ الْعُقُوبَة فِيهَا . 8629 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَتَرَضَّوْنَ اللَّه بِحَجِّهِمْ . 8630 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير , وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فِي قَوْله : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : التِّجَارَة فِي الْحَجّ , وَالرِّضْوَان فِي الْحَجّ . 8631 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي أُمَيْمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عُمَر فِي الرَّجُل يَحُجّ , وَيَحْمِل مَعَهُ مَتَاعًا , قَالَ : لَا بَأْس بِهِ . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } . 8632 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : يَبْتَغُونَ الْأَجْر وَالتِّجَارَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } الصَّيْد الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُحِلُّوهُ وَأَنْتُمْ حُرُم , يَقُول : فَلَا حَرَج عَلَيْكُمْ فِي اِصْطِيَاده وَاصْطَادُوا إِنْ شِئْتُمْ حِينَئِذٍ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله كُنْت حَرَّمْته عَلَيْكُمْ فِي حَال إِحْرَامكُمْ قَدْ زَالَ . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8633 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ : هِيَ رُخْصَة . يَعْنِي قَوْله : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } . 8634 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : خَمْس فِي كِتَاب اللَّه رُخْصَة , وَلَيْسَتْ بِعَزْمَةٍ , فَذَكَرَ : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } قَالَ : مَنْ شَاءَ فَعَلَ , وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَل . 8635 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 8636 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } قَالَ : إِذَا حَلَّ , فَإِنْ شَاءَ صَادَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصْطَدْ . 8637 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْأَكْل مِنْ هَدْي الْمُتْعَة وَاجِبًا , وَكَانَ يَتَأَوَّل هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ . كَمَا : 8638 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } يَقُول : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم . 8639 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ . وَأَمَّا أَهْل الْمَعْرِفَة بِاللُّغَةِ , فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلهَا , فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : مَعْنَى قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ ; لِأَنَّ قَوْله : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار } هُوَ حَقّ أَنَّ لَهُمْ النَّار . وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ مَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ . وَقَالَ : يُقَال : جَرَمَنِي فُلَان عَلَى أَنْ صَنَعْت كَذَا وَكَذَا : أَيْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ . وَاحْتَجَّ جَمِيعهمْ بِبَيْتِ الشَّاعِر : وَلَقَدْ طَعَنْت أَبَا عُيَيْنَة طَعْنَة جَرَمَتْ فَزَارَة بَعْدهَا أَنْ يَغْضَبُوا فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ مِنْ الْقُرْآن , فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ مَعْنَى قَوْل الشَّاعِر : جَرَمَتْ فَزَارَة : أَحَقَّتْ الطَّعْنَة لِفَزَارَة الْغَضَب . وَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا مَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ : مَعْنَاهُ فِي الْبَيْت : " جَرَمَتْ فَزَارَة أَنْ يَغْضَبُوا " : حَمَلَتْ فَزَارَة عَلَى أَنْ يَغْضَبُوا . وَقَالَ آخَر مِنْ الْكُوفِيِّينَ : مَعْنَى قَوْله : { لَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يُكْسِبَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم . وَتَأْوِيل قَائِل هَذَا الْقَوْل قَوْل الشَّاعِر فِي الْبَيْت : " جَرَمَتْ فَزَارَة " : كَسَبَتْ فَزَارَة أَنْ يَغْضَبُوا . قَالَ : وَسُمِعَتْ الْعَرَب تَقُول : فُلَان جَرِيمَة أَهْله , بِمَعْنَى : كَاسِبهمْ , وَخَرَجَ يَجْرِمهُمْ : يُكْسِبهُمْ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَاهَا عَنْهُ مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَمَلَ رَجُلًا عَلَى بُغْض رَجُل فَقَدْ أَكْسَبَهُ بُغْضه , وَمَنْ أَكْسَبَهُ بُغْضه فَقَدْ أَحَقَّهُ لَهُ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَاَلَّذِي هُوَ أَحْسَن فِي الْإِبَانَة عَنْ مَعْنَى الْحَرْف , مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة , وَذَلِكَ تَوْجِيههمَا مَعْنَى قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى الْعُدْوَان . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَته عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ : جَرَمْته أَجْرِمهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ , وَهُوَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش , مَا : 8640 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , أَنَّهُ قَرَأَ : "وَلَا يُجْرِمَنَّكُمْ " مُرْتَفِعَة الْيَاء مِنْ أَجْرَمْته أُجْرِمهُ وَهُوَ يُجْرِمنِي . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } بِفَتْحِ الْيَاء , لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة بِذَلِكَ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار وَشُذُوذ مَا خَالَفَهَا , وَأَنَّهَا اللُّغَة الْمَعْرُوفَة السَّائِرَة فِي الْعَرَب , وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا مِنْ بَعْضهَا : أَجْرَمَ يُجْرِم , عَلَى شُذُوذه , وَقِرَاءَة الْقُرْآن بِأَفْصَح اللُّغَات أَوْلَى وَأَحَقّ مِنْهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ لُغَة مَنْ قَالَ : جَرَمَتْ , قَوْل الشَّاعِر : يَا أَيّهَا الْمُشْتَكِي عُكْلًا وَمَا جَرَمَتْ إِلَى الْقَبَائِل مِنْ قَتْل وَإِبْآس
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { شَنَآن قَوْم } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { شَنَآن } بِتَحْرِيكِ الشِّين وَالنُّون إِلَى الْفَتْح , بِمَعْنَى : بُغْض قَوْم تَوْجِيهًا مِنْهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْمَصْدَر الَّذِي يَأْتِي عَلَى فَعَلَانِ نَظِير الطَّيَرَان , وَالنَّسَلَان , وَالْعَسَلَانِ , وَالرَّمَلَانِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : { شَنْآن قَوْم } بِتَسْكِينِ النُّون وَفَتْح الشِّين , بِمَعْنَى الِاسْم ; تَوْجِيهًا مِنْهُمْ مَعْنَاهُ إِلَى : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم , فَيَخْرُج شَنَآن عَلَى تَقْدِير فَعَلَان ; لِأَنَّ فَعَلَ مِنْهُ عَلَى فَعِلَ , كَمَا يُقَال : سَكْرَان مِنْ سَكِرَ , وَعَطْشَان مِنْ عَطِشَ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { شَنَآن } بِفَتْحِ النُّون مُحَرَّكَة , لِشَائِعِ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : بُغْض قَوْم , وَتَوْجِيههمْ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَر دُون مَعْنَى الِاسْم . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مُوَجَّهًا إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَر , فَالْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب فِيمَا جَاءَ مِنْ الْمَصَادِر عَلَى الْفَعَلَان بِفَتْحِ الْفَاء تَحْرِيك ثَانِيه دُون تَسْكِينه , كَمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلهمْ : الدَّرَجَانِ , وَالرَّمَلَانِ مِنْ دَرَجَ وَرَمَلَ , فَكَذَلِكَ الشَّنَآن مِنْ شَنِئْته أَشْنَؤُهُ شَنَآنًا . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : شَنَآن عَلَى تَقْدِير فَعَال , وَلَا أَعْلَم قَارِئًا قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَمَا الْعَيْش إِلَّا مَا يَلَذّ وَيُشْتَهَى وَإِنْ لَامَ فِيهِ ذُو الشَّنَّانِ وَفَنَّدَا وَهَذَا فِي لُغَة مَنْ تَرَكَ الْهَمْز مِنْ الشَّنَآن , فَصَارَ عَلَى تَقْدِير فَعَال وَهُوَ فِي الْأَصْل فَعَلَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : { شَنَآن قَوْم } بُغْض قَوْم . 8641 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم . * - وَحَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى مَرَّة أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَة قَوْم أَنْ تَعْتَدُوا . 8642 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } لَا يَجْرِمَنَّكُمْ بُغْض قَوْم . 8643 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } قَالَ : بَغْضَاؤُهُمْ أَنْ تَعْتَدُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { أَنْ صَدُّوكُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنْ " بِمَعْنَى : لَا يَجْرِمَنَّكُمْ بُغْض قَوْم بِصَدِّهِمْ إِيَّاكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا . وَكَانَ بَعْض قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم إِنْ صَدُّوكُمْ " بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ " إِنْ "بِمَعْنَى : وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم إِن هُمْ أَحْدَثُوا لَكُمْ صَدًّا عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , أَنْ تَعْتَدُوا . فَزَعَمُوا أَنَّهَا فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " إِنْ يَصُدّكُمْ "فَقِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ اِعْتِبَارًا بِقِرَاءَتِهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , صَحِيح مَعْنَى كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا . وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُدَّ عَنْ الْبَيْت هُوَ وَأَصْحَابه يَوْم الْحُدَيْبِيَة , وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَة الْمَائِدَة بَعْد ذَلِكَ . فَمَنْ قَرَأَ : { أَنْ صَدُّوكُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنْ " فَمَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم أَيّهَا النَّاس مِنْ أَجْل أَنْ صَدُّوكُمْ يَوْم الْحُدَيْبِيَة عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ . وَمَنْ قَرَأَ : " إِنْ صَدُّوكُمْ " بِكَسْرِ الْأَلِف , فَمَعْنَاهُ : لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم إِنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِذَا أَرَدْتُمْ دُخُوله ; لِأَنَّ الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ قُرَيْش يَوْم فَتْح مَكَّة قَدْ حَاوَلُوا صَدَّهُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام قَبْل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ الصَّادِّينَ . غَيْر أَنَّ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْت , فَإِنَّ قِرَاءَة ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِف أَبْيَن مَعْنًى ; لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَة لَا تَدَافُع بَيْن أَهْل الْعِلْم فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْد يَوْم الْحُدَيْبِيَة . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالصَّدّ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الِاعْتِدَاء عَلَى الصَّادِّينَ مِنْ أَجْل صَدّهمْ إِيَّاهُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَأَمَّا قَوْله : { أَنْ تَعْتَدُوا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنْ تُجَاوِزُوا الْحَدّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّه لَكُمْ فِي أَمْرهمْ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذَن : وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم لِأَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَعْتَدُوا حُكْم اللَّه فِيهِمْ فَتُجَاوِزُوهُ إِلَى مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَلَكِنْ اِلْزَمُوا طَاعَة اللَّه فِيمَا أَحْبَبْتُمْ وَكَرِهْتُمْ . وَذُكِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّهْي عَنْ الطَّلَب بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8644 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أَنْ تَعْتَدُوا } رَجُل مُؤْمِن مِنْ حُلَفَاء مُحَمَّد , قَتَلَ حَلِيفًا لِأَبِي سُفْيَان مِنْ هُذَيْل يَوْم الْفَتْح بِعَرَفَة ; لِأَنَّهُ كَانَ يَقْتُل حُلَفَاء مُحَمَّد , فَقَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَنَ اللَّه مَنْ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّة " * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا مَنْسُوخ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8645 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم أَنْ تَعْتَدُوا } قَالَ : بَغْضَاؤُهُمْ , حَتَّى تَأْتُوا مَا لَا يَحِلّ لَكُمْ . وَقَرَأَ { أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا } وَتَعَاوَنُوا , قَالَ : هَذَا كُلّه قَدْ نُسِخَ , نَسَخَهُ الْجِهَاد . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مُجَاهِد : إِنَّهُ غَيْر مَنْسُوخ لِاحْتِمَالِهِ أَنْ تَعْتَدُوا الْحَقّ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ . وَإِذَا اِحْتَمَلَ ذَلِكَ , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال : هُوَ مَنْسُوخ , إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْم وَالْعُدْوَان } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى } وَلْيُعِنْ بَعْضكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَعْضًا عَلَى الْبِرّ , وَهُوَ الْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِالْعَمَلِ بِهِ { وَالتَّقْوَى } هُوَ اِتِّقَاء مَا أَمَرَ اللَّه بِاتِّقَائِهِ وَاجْتِنَابه مِنْ مَعَاصِيه . وَقَوْله : { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْم وَالْعُدْوَان } يَعْنِي : وَلَا يَعِنْ بَعْضكُمْ بَعْضًا عَلَى الْإِثْم , يَعْنِي : عَلَى تَرْك مَا أَمَرَكُمْ اللَّه بِفِعْلِهِ . { وَالْعُدْوَان } يَقُول : وَلَا عَلَى أَنْ تَتَجَاوَزُوا مَا حَدّ اللَّه لَكُمْ فِي دِينكُمْ , وَفَرَضَ لَكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ وَفِي غَيْركُمْ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا , وَلَكِنْ لِيُعِنْ بَعْضكُمْ بَعْضًا بِالْأَمْرِ بِالِانْتِهَاءِ إِلَى مَا حَدَّهُ اللَّه لَكُمْ فِي الْقَوْم الَّذِينَ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي غَيْرهمْ , وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاكُمْ اللَّه أَنْ تَأْتُوا فِيهِمْ وَفِي غَيْرهمْ وَفِي سَائِر مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَلَا يُعِنْ بَعْضكُمْ بَعْضًا عَلَى خِلَاف ذَلِكَ . وَبِمَا قُلْنَا فِي الْبِرّ وَالتَّقْوَى قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8646 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى } الْبِرّ : مَا أُمِرْت بِهِ , وَالتَّقْوَى : مَا نُهِيت عَنْهُ . 8647 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى } قَالَ : الْبِرّ : مَا أُمِرْت بِهِ , وَالتَّقْوَى : مَا نُهِيت عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } وَهَذَا وَعِيد مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَهْدِيد لِمَنْ اِعْتَدَى حَدّه وَتَجَاوَزَ أَمْره . يَقُول عَزَّ ذِكْره : { وَاتَّقُوا اللَّه } يَعْنِي : وَاحْذَرُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَلْقَوْهُ فِي مَعَادكُمْ وَقَدْ اِعْتَدَيْتُمْ حَدّه فِيمَا حَدَّ لَكُمْ وَخَالَفْتُمْ أَمْره فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ أَوْ نَهْيه فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَتَسْتَوْجِبُوا عِقَابه وَتَسْتَحِقُّوا أَلِيم عَذَابه ثُمَّ وَصَفَ عِقَابه بِالشِّدَّةِ , فَقَالَ عَزَّ ذِكْره : إِنَّ اللَّه شَدِيد عِقَابه لِمَنْ عَاقَبَهُ مِنْ خَلْقه ; لِأَنَّهَا نَار لَا يُطْفَأ حَرّهَا , وَلَا يُخْمَد جَمْرهَا , وَلَا يَسْكُن لَهَبهَا . نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا وَمِنْ عَمَل يُقَرِّبنَا مِنْهَا .
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمَيْتَة , وَالْمَيْتَة : كُلّ مَا لَهُ نَفْس سَائِلَة مِنْ دَوَابّ الْبَرّ وَطَيْره , مِمَّا أَبَاحَ اللَّه أَكْلهَا , وَأَهْلِيهَا وَوَحْشِيّهَا , فَارَقَتْهَا رُوحهَا بِغَيْرِ تَذْكِيَة . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : الْمَيْتَة : هُوَ كُلّ مَا فَارَقَتْهُ الْحَيَاة مِنْ دَوَابّ الْبَرّ وَطَيْره بِغَيْرِ تَذْكِيَة مِمَّا أَحَلَّ اللَّه أَكْله . وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَّة الْمُوجِبَة صِحَّة الْقَوْل بِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِي كِتَابنَا : كِتَاب " لَطِيف الْقَوْل فِي الْأَحْكَام " .
وَأَمَّا الدَّم : فَإِنَّهُ الدَّم الْمَسْفُوح دُون مَا كَانَ مِنْهُ غَيْر مَسْفُوح ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْم خِنْزِير } فَأَمَّا مَا كَانَ قَدْ صَارَ فِي مَعْنَى اللَّحْم كَالْكَبِدِ وَالطِّحَال , وَمَا كَانَ فِي اللَّحْم غَيْر مُنْسَفِح , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر حَرَام , لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَحْم الْخِنْزِير } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ لَحْم الْخِنْزِير , أَهْلِيّه وَبَرِّيّه . فَالْمَيْتَة وَالدَّم مَخْرَجهمَا فِي الظَّاهِر مَخْرَج عُمُوم , وَالْمُرَاد مِنْهُمَا الْخُصُوص وَأَمَّا لَحْم الْخِنْزِير , فَإِنَّ ظَاهِره كَبَاطِنِهِ وَبَاطِنه كَظَاهِرِهِ , حَرَام جَمِيعه لَمْ يُخَصَّص مِنْهُ شَيْء .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْر اِسْم اللَّه . وَأَصْله مِنْ اِسْتِهْلَال الصَّبِيّ وَذَلِكَ إِذَا صَاحَ حِين يَسْقُط مِنْ بَطْن أُمّه , وَمِنْهُ إِهْلَال الْمُحْرِم بِالْحَجِّ إِذَا لَبَّى بِهِ , وَمِنْهُ قَوْل اِبْن أَحْمَر : يُهِلّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا كَمَا يُهِلّ الرَّاكِب الْمُعْتَمِر وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } وَمَا ذُبِحَ لِلْآلِهَةِ وَلِلْأَوْثَانِ يُسَمَّى عَلَيْهِ غَيْر اِسْم اللَّه . وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى فَكَرِهْنَا إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُنْخَنِقَة } اِخْتَلَفَتْ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الِانْخِنَاق الَّذِي عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَالْمُنْخَنِقَة } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 8648 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْمُنْخَنِقَة } قَالَ : الَّتِي تُدْخِل رَأْسهَا بَيْن شُعْبَتَيْنِ مِنْ شَجَرَة , فَتَخْتَنِق فَتَمُوت . 8649 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي الْمُنْخَنِقَة , قَالَ : الَّتِي تَخْتَنِق فَتَمُوت . 8650 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة } الَّتِي تَمُوت فِي خِنَاقهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الَّتِي تُوثَق فَيَقْتُلُهَا بِالْخِنَاقِ وَثَاقُهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8651 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة } قَالَ : الشَّاة تُوثَق , فَيَقْتُلُهَا خِنَاقُهَا , فَهِيَ حَرَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْبَهِيمَة مِنْ النَّعَم , كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَخْنُقُونَهَا حَتَّى تَمُوت , فَحَرَّمَ اللَّه أَكْلهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8652 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْمُنْخَنِقَة } الَّتِي تُخْنَق فَتَمُوت . 8653 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْمُنْخَنِقَة } كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَخْنُقُونَ الشَّاة , حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : هِيَ الَّتِي تَخْتَنِق , إِمَّا فِي وَثَاقهَا , وَإِمَّا بِإِدْخَالِ رَأْسهَا فِي الْمَوْضِع الَّذِي لَا تَقْدِر عَلَى التَّخَلُّص مِنْهُ فَتَخْتَنِق حَتَّى تَمُوت . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مِنْ غَيْره ; لِأَنَّ الْمُنْخَنِقَة : هِيَ الْمَوْصُوفَة بِالِانْخِنَاقِ دُون خَنْق غَيْرهَا لَهَا , وَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ أَنَّهَا مَفْعُول بِهَا لِقِيلَ : وَالْمَخْنُوقَة , حَتَّى يَكُون مَعْنَى الْكَلَام مَا قَالُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمَوْقُوذَة } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَالْمَوْقُوذَة } وَالْمَيْتَة وَقِيذًا , يُقَال مِنْهُ : وَقَذَهُ يَقِذهُ وَقْذًا : إِذَا ضَرَبَهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاك , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق : شَغَّارَة تَقِذُ الْفَصِيل بِرِجْلِهَا فَطَّارَة لِقَوَادِم الْأَبْكَار وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8654 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : الْمَوْقُوذَة الَّتِي تُضْرَب بِالْخَشَبِ حَتَّى يَقِذهَا فَتَمُوت . 8655 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْمَوْقُوذَة } كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَا , حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : كَانُوا يَضْرِبُونَهَا حَتَّى يَقِذُوهَا , ثُمَّ يَأْكُلُوهَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَالْمَوْقُوذَة } الَّتِي تُوقَذ فَتَمُوت . 8656 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : { الْمَوْقُوذَة } الَّتِي تُضْرَب حَتَّى تَمُوت . 8657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : هِيَ الَّتِي تُضْرَب فَتَمُوت . 8658 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالْمَوْقُوذَة } كَانَتْ الشَّاة أَوْ غَيْرهَا مِنْ الْأَنْعَام تُضْرَب بِالْخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ حَتَّى يَقْتُلُوهَا فَيَأْكُلُوهَا . * - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُقْبَة بْن عَلْقَمَة , ثني إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة , قَالَ : ثني نُعَيْم بْن سَلَامَة , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الصُّنَابِحِيّ , قَالَ : لَيْسَتْ الْمَوْقُوذَة إِلَّا فِي مَالِك , وَلَيْسَ فِي الصَّيْد وَقِيذ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُتَرَدِّيَة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة تَرَدِّيًا مِنْ جَبَل , أَوْ فِي بِئْر , أَوْ غَيْر ذَلِكَ . وَتَرَدِّيهَا : رَمْيهَا بِنَفْسِهَا مِنْ مَكَان عَالٍ مُشْرِف إِلَى سُفْله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8659 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَتَرَدَّى مِنْ الْجَبَل . 8660 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْمُتَرَدِّيَة } كَانَتْ تَتَرَدَّى فِي الْبِئْر فَتَمُوت فَيَأْكُلُونَهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَرَدَّتْ فِي الْبِئْر . 8661 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : هِيَ الَّتِي تَرَدَّى مِنْ الْجَبَل أَوْ فِي الْبِئْر , فَتَمُوت . 8662 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَالْمُتَرَدِّيَة } الَّتِي تَرَدَّى مِنْ الْجَبَل فَتَمُوت . 8663 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَخِرّ فِي رَكِيّ أَوْ مِنْ رَأْس جَبَل فَتَمُوت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالنَّطِيحَة } يَعْنِي بِقَوْلِهِ { النَّطِيحَة } الشَّاة الَّتِي تَنْطَحهَا أُخْرَى فَتَمُوت مِنْ النِّطَاح بِغَيْرِ تَذْكِيَة , فَحَرَّمَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِنْ لَمْ يُدْرِكُوا ذَكَاته قَبْل مَوْته . وَأَصْل النَّطِيحَة : الْمَنْطُوحَة , صُرِفَتْ مِنْ مَفْعُولَة إِلَى فَعِيلَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ أُثْبِتَتْ الْهَاء هَاء التَّأْنِيث فِيهَا , وَأَنْتَ تَعْلَم أَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تُثْبِت الْهَاء فِي نَظَائِرهَا إِذَا صَرَفُوهَا صَرْف النَّطِيحَة مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , إِنَّمَا تَقُول : لِحْيَة دَهِين , وَعَيْن كَحِيل , وَكَفّ خَضِيب , وَلَا يَقُولُونَ كَفّ خَضِيبَة وَلَا عَيْن كَحِيلَة ؟ قِيلَ : قَدْ اِخْتَلَفَتْ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُثْبِتَتْ فِيهَا الْهَاء , أَعْنِي فِي النَّطِيحَة ; لِأَنَّهَا جُعِلَتْ كَالِاسْمِ مِثْل الطَّوِيلَة وَالطَّرِيقَة فَكَأَنَّ قَائِل هَذَا الْقَوْل وَجَّهَ النَّطِيحَة إِلَى مَعْنَى النَّاطِحَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَذْهَبه : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة نِطَاحًا , كَأَنَّهُ عَنَى : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ النَّاطِحَة الَّتِي تَمُوت مِنْ نِطَاحهَا . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِنَّمَا تَحْذِف الْعَرَب الْهَاء مِنْ الْفَعِيلَة الْمَصْرُوفَة عَنْ الْمَفْعُول إِذَا جَعَلَتْهَا صِفَة لِاسْمٍ , قَدْ تَقَدَّمَهَا , فَتَقُول : رَأَيْنَا كَفًّا خَضِيبًا وَعَيْنًا كَحِيلًا . فَأَمَّا إِذَا حَذَفْت الْكَفّ وَالْعَيْن وَالِاسْم الَّذِي يَكُون فَعِيل نَعْتًا لَهَا وَاجْتَزَءُوا بِفَعِيلٍ مِنْهَا , أَثْبَتُوا فِيهِ هَاء التَّأْنِيث , لِيُعْلَم بِثُبُوتِهَا فِيهِ أَنَّهَا صِفَة لِلْمُؤَنَّثِ دُون الْمُذَكَّر , فَتَقُول : رَأَيْنَا كَحِيلَة وَخَضِيبَة وَأَكِيلَة السَّبْع , قَالُوا : وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ الْهَاء فِي النَّطِيحَة ; لِأَنَّهَا صِفَة الْمُؤَنَّث , وَلَوْ أُسْقِطَتْ مِنْهَا لَمْ يَدْرِ أَهِيَ صِفَة مُؤَنَّث أَوْ مُذَكَّر . وَهَذَا الْقَوْل هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الشَّائِع مِنْ أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل , بِأَنَّ مَعْنَى النَّطِيحَة : الْمَنْطُوحَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8664 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ أَبِي عَبَّاس , قَوْله : { وَالنَّطِيحَة } قَالَ : الشَّاة تَنْطَح الشَّاة . 8665 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : كَانَ يَقْرَأ : " وَالْمَنْطُوحَة " . 8666 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَالنَّطِيحَة } الشَّاتَانِ تَنْتَطِحَانِ فَتَمُوتَانِ . 8667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالنَّطِيحَة } هِيَ الَّتِي تَنْطَحهَا الْغَنَم وَالْبَقَر فَتَمُوت . يَقُول : هَذَا حَرَام ; لِأَنَّ نَاسًا مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَأْكُلُونَهُ . 8668 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالنَّطِيحَة } كَانَ الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ , فَيَمُوت أَحَدهمَا , فَيَأْكُلُونَهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالنَّطِيحَة } الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ فَيَقْتُل أَحَدهمَا الْآخَر , فَيَأْكُلُونَهُ . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالنَّطِيحَة } قَالَ : الشَّاة تَنْطَح الشَّاة فَتَمُوت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أَكَلَ السَّبُع غَيْر الْمُعَلَّم مِنْ الصَّوَائِد . وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8669 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } يَقُول : مَا أَخَذَ السَّبُع . 8670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } يَقُول : مَا أَخَذَ السَّبُع . 8671 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا قَتَلَ السَّبُع شَيْئًا مِنْ هَذَا أَوْ أَكَلَ مِنْهُ , أَكَلُوا مَا بَقِيَ . 8672 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ قَيْس , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَكِيل السَّبُع " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } إِلَّا مَا طَهَّرْتُمُوهُ بِالذَّبْحِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه طَهُورًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَا اِسْتَثْنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : اِسْتَثْنَى مِنْ جَمِيع مَا سَمَّى اللَّه تَحْرِيمه , مِنْ قَوْله { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8673 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } يَقُول : مَا أَدْرَكْت ذَكَاته مِنْ هَذَا كُلّه , يَتَحَرَّك لَهُ ذَنَب أَوْ تَطْرِف لَهُ عَيْن , فَاذْبَحْ وَاذْكُرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَال . 8674 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } قَالَ الْحَسَن : أَيّ هَذَا أَدْرَكْت ذَكَاته فَذَكِّهِ وَكُلْ . فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيد كَيْفَ أَعْرِف ؟ قَالَ : إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا . 8675 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } قَالَ : فَكُلّ هَذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَاهُنَا مَا خَلَا لَحْم الْخِنْزِير إِذَا أَدْرَكْت مِنْهُ عَيْنًا تَطْرِف أَوْ ذَنَبًا يَتَحَرَّك أَوْ قَائِمَة تَرْكُض , فَذَكَّيْته , فَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَك ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } مِنْ هَذَا كُلّه , فَإِذَا وَجَدَتْهَا تَطْرِف عَيْنهَا , أَوْ تُحَرِّك أُذُنهَا مِنْ هَذَا كُلّه , فَهِيَ لَك حَلَال . 8676 - حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم وَعَبَّاد , قَالَا : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : إِذَا أَدْرَكْت ذَكَاة الْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَهِيَ تُحَرِّك يَدًا أَوْ رِجْلًا فَكُلْهَا . 8677 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : إِذَا أَكَلَ السَّبُع مِنْ الصَّيْد أَوْ الْوَقِيذَة , أَوْ النَّطِيحَة أَوْ الْمُتَرَدِّيَة فَأَدْرَكْت ذَكَاته , فَكُلْ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن سَلَّام التَّمِيمِيّ , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن مُحَمَّد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : إِذَا رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ حَرَّكَتْ ذَنَبهَا , فَقَدْ أَجْزَأَ . 8678 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى وَابْن بَشَّار , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : إِذَا ذُبِحَتْ فَمَصَعَتْ بِذَنَبِهَا أَوْ تَحَرَّكَتْ فَقَدْ حَلَّتْ لَك . أَوْ قَالَ : فَحَسْبه . 8679 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِذَا كَانَتْ الْمَوْقُوذَة تَطْرِف بِبَصَرِهَا , أَوْ تَرْكُض بِرِجْلِهَا , أَوْ تَمْصَع بِذَنَبِهَا , فَاذْبَحْ وَكُلْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر , يَقُول : إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا , أَوْ مَصَعَتْ بِذَنَبِهَا , أَوْ تَحَرَّكَتْ , فَقَدْ حَلَّتْ لَك . 8680 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَأْكُلُونَ هَذَا , فَحَرَّمَ اللَّه فِي الْإِسْلَام إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْهُ , فَمَا أُدْرِكَ فَتَحَرَّكَ مِنْهُ رِجْل أَوْ ذَنَب أَوْ طَرَف فَذُكِّيَ , فَهُوَ حَلَال . 8681 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير } وَقَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة } الْآيَة , { وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } هَذَا كُلّه مُحَرَّم , إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْ هَذَا . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ : حُرِّمَتْ الْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة إِنْ مَاتَتْ مِنْ التَّرَدِّي وَالْوَقْذ وَالنَّطْح وَفَرْس السَّبُع , إِلَّا أَنْ تُدْرِكُوا ذَكَاتهَا , فَتُدْرِكُوهَا قَبْل مَوْتهَا , فَتَكُون حِينَئِذٍ حَلَالًا أَكْلهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ التَّحْرِيم , وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَات الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } لِأَنَّ الْمَيْتَة لَا ذَكَاة لَهَا وَلَا لِلْخِنْزِيرِ . قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَة : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم , وَسَائِر مَا سَمَّيْنَا مَعَ ذَلِكَ , إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّه لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ , فَإِنَّهُ لَكُمْ حَلَال . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة ذِكْر بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8682 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ مَالِك : وَسُئِلَ عَنْ الشَّاة الَّتِي يَخْرِق جَوْفهَا السَّبُع حَتَّى تَخْرُج أَمْعَاؤُهَا , فَقَالَ مَالِك : لَا أَرَى أَنْ تُذَكَّى وَلَا يُؤْكَل أَيّ شَيْء يُذَكَّى مِنْهَا . 8683 - حَدَّثَنِي يُونُس , عَنْ أَشْهَب , قَالَ : سُئِلَ مَالِك , عَنْ السَّبُع يَعْدُو عَلَى الْكَبْش , فَيَدُقّ ظَهْره , أَتَرَى أَنْ يُذَكَّى قَبْل أَنْ يَمُوت فَيُؤْكَل ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ بَلَغَ السَّحْر , فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَل , وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَصَابَ أَطْرَافه , فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا . قِيلَ لَهُ : وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْره ؟ قَالَ : لَا يُعْجِبنِي أَنْ يُؤْكَل , هَذَا لَا يَعِيش مِنْهُ . قِيلَ لَهُ : فَالذِّئْب يَعْدُو عَلَى الشَّاة فَيَشُقّ بَطْنهَا وَلَا يَشُقّ الْأَمْعَاء ؟ قَالَ : إِذَا شَقَّ بَطْنهَا فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَل . وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَجِب أَنْ يَكُون قَوْله : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا , فَيَكُون تَأْوِيل الْآيَة : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم , وَسَائِر مَا ذَكَرْنَا , وَلَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ الْحَيَوَانَات الَّتِي أَحْلَلْتهَا لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ حَلَال . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ الْقَوْل الْأَوَّل , وَهُوَ أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } اِسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع } لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مُسْتَحِقّ الصِّفَة الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْل حَال مَوْته , فَيُقَال : لِمَا قَرَّبَ الْمُشْرِكُونَ لِآلِهَتِهِمْ فَسَمَّوْهُ لَهُمْ : هُوَ { مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } بِمَعْنَى : سُمِّيَ قُرْبَانًا لِغَيْرِ اللَّه . وَكَذَلِكَ الْمُنْخَنِقَة : إِذَا اِنْخَنَقَتْ , وَإِنْ لَمْ تَمُتْ فَهِيَ مُنْخَنِقَة , وَكَذَلِكَ سَائِر مَا حَرَّمَهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بَعْد قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَإِنَّهُ يُوصَف بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْل مَوْته , فَحَرَّمَهُ اللَّه عَلَى عِبَاده إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ الْمُحَلِّلَة دُون الْمَوْت بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ بِهِ مَوْصُوفًا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , وَالْمُنْخَنِقَة , وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا , إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ فَ " مَا " إِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله فِي مَوْضِع نَصْب بِالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلهَا , وَقَدْ يَجُوز فِيهِ الرَّفْع . وَإِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا , فَكُلّ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاته مِنْ طَائِر أَوْ بَهِيمَة قَبْل خُرُوج نَفْسه وَمُفَارَقَة رُوحه جَسَده , فَحَلَال أَكْله إِذَا كَانَ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّه لِعِبَادِهِ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدك , فَمَا وَجْه تَكْرِيره مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة } وَسَائِر مَا عَدَّدَ تَحْرِيمه فِي هَذِهِ الْآيَة , وَقَدْ اِفْتَتَحَ الْآيَة بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } ؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } شَامِل كُلّ مَيْتَة كَانَ مَوْته حَتْف أَنْفه , مِنْ عِلَّة بِهِ مِنْ غَيْر جِنَايَة أَحَد عَلَيْهِ , أَوْ كَانَ مَوْته مِنْ ضَرْب ضَارِب إِيَّاهُ , أَوْ اِنْخِنَاق مِنْهُ أَوْ اِنْتِطَاح أَوْ فَرْس سَبُع ؟ وَهَلَّا كَانَ قَوْله إِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلّ ذَلِكَ الْمَيْتَة بِالِانْخِنَاقِ وَالنِّطَاح وَالْوَقْذ وَأَكْل السَّبُع أَوْ غَيْر ذَلِكَ , دُون أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ تَحْرِيمه إِذَا تَرَدَّى أَوْ اِنْخَنَقَ , أَوْ فَرَسَهُ السَّبُع , فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يُعْلَم أَنَّهُ لَا يَعِيش مِمَّا أَصَابَهُ مِنْهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ مِنْ الْحَيَاة ; { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } مُغْنِيًا مِنْ تَكْرِير مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ ; { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة } وَسَائِر مَا ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ وَتَعْدَاده مَا عَدَّدَ ؟ قِيلَ : وَجْه تَكْرَاره ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيم ذَلِكَ إِذَا مَاتَ مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي هُوَ بِهَا مَوْصُوف , وَقَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَة لَا يُعِدُّونَ الْمَيْتَة مِنْ الْحَيَوَان , إِلَّا مَا مَاتَ مِنْ عِلَّة عَارِضَة بِهِ , غَيْر الِانْخِنَاق وَالتَّرَدِّي وَالِانْتِطَاح , وَفَرْس السَّبُع , فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه أَنَّ حُكْم ذَلِكَ حُكْم مَا مَاتَ مِنْ الْعِلَل الْعَارِضَة , وَأَنَّ الْعِلَّة الْمُوجِبَة تَحْرِيم الْمَيْتَة لَيْسَتْ مَوْتهَا مِنْ عِلَّة مَرَض أَوْ أَذًى كَانَ بِهَا قَبْل هَلَاكهَا , وَلَكِنَّ الْعِلَّة فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ يَذْبَحهَا مِنْ أَجْل ذَبِيحَته بِالْمَعْنَى الَّذِي أَحَلَّهَا بِهِ . كَاَلَّذِي : 8684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } يَقُول : هَذَا حَرَام ; لِأَنَّ نَاسًا مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَأْكُلُونَهُ وَلَا يَعُدُّونَهُ مَيِّتًا , إِنَّمَا يَعُدُّونَ الْمَيْت الَّذِي يَمُوت مِنْ الْوَجَع , فَحَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ , إِلَّا مَا ذَكَرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَأَدْرَكُوا ذَكَاته وَفِيهِ الرُّوح .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا الَّذِي ذُبِحَ عَلَى النُّصُب . فَ " مَا " فِي قَوْله { وَمَا ذُبِحَ } رُفِعَ عَطْفًا عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَالنُّصُب : الْأَوْثَان مِنْ الْحِجَارَة جَمَاعَة أَنْصَاب كَانَتْ تُجْمَع فِي الْمَوْضِع مِنْ الْأَرْض , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقَرِّبُونَ لَهَا , وَلَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ . وَكَانَ اِبْن جُرَيْج يَقُول فِي صِفَته مَا : 8685 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم : قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : النُّصُب : لَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ , الصَّنَم يُصَوَّر وَيُنْقَش , وَهَذِهِ حِجَارَة تُنْصَب ثَلَثمِائَةٍ وَسِتُّونَ حَجَرًا , مِنْهُمْ مَنْ يَقُول : ثَلَثمِائَةٍ مِنْهَا لِخُزَاعَة . فَكَانُوا إِذَا ذَبَحُوا , نَضَحُوا الدَّم عَلَى مَا أَقْبَلَ مِنْ الْبَيْت , وَشَرَّحُوا اللَّحْم وَجَعَلُوهُ عَلَى الْحِجَارَة , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه , كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعَظِّمُونَ الْبَيْت بِالدَّمِ , فَنَحْنُ أَحَقّ أَنْ نُعَظِّمهُ ! فَكَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْرَه ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا } وَمِمَّا يُحَقِّق قَوْل اِبْن جُرَيْج فِي أَنَّ الْأَنْصَاب غَيْر الْأَصْنَام مَا : 8686 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : حِجَارَة كَانَ يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { النُّصُب } قَالَ : حِجَارَة حَوْل الْكَعْبَة , يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة , وَيُبَدِّلُونَهَا إِنْ شَاءُوا بِحِجَارَةٍ أَعْجَب إِلَيْهِمْ مِنْهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8687 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَالنُّصُب : حِجَارَة كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْبُدُونَهَا , وَيَذْبَحُونَ لَهَا , فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } يَعْنِي : أَنْصَاب الْجَاهِلِيَّة . 8688 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَالنُّصُب : أَنْصَاب كَانُوا يَذْبَحُونَ وَيُهِلُّونَ عَلَيْهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : كَانَ حَوْل الْكَعْبَة حِجَارَة كَانَ يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة وَيُبَدِّلُونَهَا إِذَا شَاءُوا بِحَجَرٍ هُوَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْهَا . 8689 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول : الْأَنْصَاب حِجَارَة كَانُوا يُهِلُّونَ لَهَا , وَيَذْبَحُونَ عَلَيْهَا . 8690 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب , وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , وَهُوَ وَاحِد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } وَأَنْ تَطْلُبُوا عِلْم مَا قُسِمَ لَكُمْ أَوْ لَمْ يُقْسَم , بِالْأَزْلَامِ . وَهُوَ اِسْتَفْعَلْت مِنْ الْقَسْم : قَسْم الرِّزْق وَالْحَاجَات . وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَ أَحَدهمْ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ غَزْوًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ , أَجَالَ الْقِدَاح , وَهِيَ الْأَزْلَام , وَكَانَتْ قِدَاحًا مَكْتُوبًا عَلَى بَعْضهَا : نَهَانِي رَبِّي , وَعَلَى بَعْضهَا : أَمَرَنِي رَبِّي , فَإِنْ خَرَجَ الْقِدْح الَّذِي هُوَ مَكْتُوب عَلَيْهِ : أَمَرَنِي رَبِّي , مَضَى لِمَا أَرَادَ مِنْ سَفَر أَوْ غَزْو أَوْ تَزْوِيج وَغَيْر ذَلِكَ ; وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوب : نَهَانِي رَبِّي , كَفَّ عَنْ الْمُضِيّ لِذَلِكَ وَأَمْسَكَ فَقِيلَ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } لِأَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ كَانُوا كَأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ أَزْلَامهمْ أَنْ يَقْسِمْنَ لَهُمْ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر مُفْتَخِرًا بِتَرْكِ الِاسْتِقْسَام بِهَا : وَلَمْ أَقْسِم فَتَرْبُثنِي الْقُسُومُ وَأَمَّا الْأَزْلَام , فَإِنَّ وَاحِدهَا زَلَم , وَيُقَال زُلَم , وَهِيَ الْقِدَاح الَّتِي وَصَفْنَا أَمْرهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8691 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : الْقِدَاح , كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا فِي سَفَر , جَعَلُوا قِدَاحًا لِلْجُلُوسِ وَالْخُرُوج , فَإِنْ وَقَعَ الْخُرُوج خَرَجُوا , وَإِنْ وَقَعَ الْجُلُوس جَلَسُوا . 8692 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : حَصًى بِيض كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَالَ لَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع : هُوَ الشِّطْرَنْج . 8693 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبَّاد بْن رَاشِد الْبَزَّار , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا أَوْ سَفَرًا , يَعْمِدُونَ إِلَى قِدَاح ثَلَاثَة عَلَى وَاحِد مِنْهَا مَكْتُوب : أُؤْمُرْنِي , وَعَلَى الْآخَر : اِنْهَنِي , وَيَتْرُكُونَ الْآخَر مُحَلَّلًا بَيْنهمَا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء . ثُمَّ يُجِيلُونَهَا , فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ " أُؤْمُرْنِي " , مَضَوْا لِأَمْرِهِمْ , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ " اِنْهَنِي " كَفُّوا , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء أَعَادُوهَا . 8694 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } حِجَارَة0 كَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَيْهَا يُسَمُّونَهَا الْقِدَاح . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8695 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم . عَنْ زُهَيْر , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كِعَاب فَارِس الَّتِي يَقْمُرونَ بِهَا , وَسِهَام الْعَرَب . * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا زُهَيْر , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : سِهَام الْعَرَب وَكِعَاب فَارِس وَالرُّوم كَانُوا يَتَقَامَرُونَ بِهَا . 8696 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُج مُسَافِرًا , كَتَبَ فِي قِدَاح : هَذَا يَأْمُرنِي بِالْمُكْثِ , وَهَذَا يَأْمُرنِي بِالْخُرُوجِ , وَجَعَلَ مَعَهَا مَنِيحًا , شَيْء لَمْ يَكْتُب فِيهِ شَيْئًا , ثُمَّ اِسْتَقْسَمَ بِهَا حِين يُرِيد أَنْ يَخْرُج , فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُر بِالْمُكْثِ مَكَثَ , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُر بِالْخُرُوجِ خَرَجَ , وَإِنْ خَرَجَ الْآخَر أَجَالَهَا ثَانِيَة حَتَّى يَخْرُج أَحَد الْقِدْحَيْنِ . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } وَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا أَرَادَ أَحَدهمْ خُرُوجًا , أَخَذَ قِدْحًا فَقَالَ : هَذَا يَأْمُر بِالْخُرُوجِ , فَإِنْ خَرَجَ فَهُوَ مُصِيب فِي سَفَره خَيْرًا ; وَيَأْخُذ قِدْحًا آخَر فَيَقُول : هَذَا يَأْمُر بِالْمُكُوثِ , فَلَيْسَ يُصِيب فِي سَفَره خَيْرًا ; وَالْمَنِيح بَيْنهمَا . فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ , وَقَدَّمَ فِيهِ . 8697 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُور . 8698 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْأَزْلَام قِدَاح لَهُمْ كَانَ أَحَدهمْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأُمُور كَتَبَ فِي تِلْكَ الْقِدَاح مَا أَرَادَ , فَيَضْرِب بِهَا , فَأَيّ قِدْح خَرَجَ وَإِنْ كَانَ أَبْغَض تِلْكَ , اِرْتَكَبَهُ وَعَمِلَ بِهِ . 8699 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : الْأَزْلَام : قِدَاح كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة عِنْد الْكَهَنَة , فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُل أَنْ يُسَافِر أَوْ يَتَزَوَّج أَوْ يُحْدِث أَمْرًا , أَتَى الْكَاهِن , فَأَعْطَاهُ شَيْئًا , فَضَرَبَ لَهُ بِهَا , فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْء يُعْجِبهُ أَمْرهُ فَفَعَلَ , وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْء يَكْرَههُ نَهَاهُ فَانْتَهَى , كَمَا ضَرَبَ عَبْد الْمُطَّلِب عَلَى زَمْزَم وَعَلَى عَبْد اللَّه وَالْإِبِل . 8700 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : سَمِعْنَا أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَضْرِبُونَ بِالْقِدَاحِ فِي الظَّعْن وَالْإِقَامَة أَوْ الشَّيْء يُرِيدُونَهُ , فَيَخْرُج سَهْم الظَّعْن فَيَظْعَنُونَ , وَالْإِقَامَة فَيُقِيمُونَ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي الْأَزْلَام مَا : 8701 - حَدَّثَنِي بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَتْ هُبَل أَعْظَم أَصْنَام قُرَيْش بِمَكَّة , وَكَانَتْ عَلَى بِئْر فِي جَوْف الْكَعْبَة , وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْر هِيَ الَّتِي يُجْمَع فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ , وَكَانَتْ عِنْد هُبَل سَبْعَة أَقْدَاح , كُلّ قِدْح مِنْهَا فِيهِ كِتَاب : قِدْح فِيهِ " الْعَقْل " إِذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْعَقْل مَنْ يَحْمِلهُ مِنْهُمْ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السَّبْعَة فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْل فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْله وَقِدْح فِيهِ : " نَعَمْ " لِلْأَمْرِ إِذَا أَرَادُوا يَضْرِب بِهِ , فَإِنْ خَرَجَ قِدْح " نَعَمْ " عَمِلُوا بِهِ ; وَقِدْح فِيهِ لَا , فَإِذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاح , فَإِذَا خَرَجَ ذَلِكَ الْقِدْح لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْر . وَقِدْح فِيهِ : " مِنْكُمْ " . وَقِدْح فِيهِ : " مُلْصَق " . وَقِدْح فِيهِ : " مِنْ غَيْركُمْ " . وَقِدْح فِيهِ : الْمِيَاه , إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْح , فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ . وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَجْتَبُوا غُلَامًا , أَوْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْكَحًا , أَوْ أَنْ يَدْفِنُوا مَيِّتًا , وَيَشُكُّوا فِي نَسَب وَاحِد مِنْهُمْ , ذَهَبُوا بِهِ إِلَى هُبَل , وَبِمِائَةِ دِرْهَم وَبِجَزُورٍ , فَأَعْطَوْهَا صَاحِب الْقِدَاح الَّذِي يَضْرِبهَا , ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبهمْ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ , ثُمَّ قَالُوا : يَا إِلَهنَا , هَذَا فُلَان اِبْن فُلَان , قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا , فَأَخْرِجْ الْحَقّ فِيهِ ! ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاح : اِضْرِبْ , فَيَضْرِب , فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ " مِنْكُمْ " كَانَ وَسِيطًا , وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ : " مِنْ غَيْركُمْ " , كَانَ حَلِيفًا , وَإِنْ خَرَجَ : " مُلْصَق " , كَانَ عَلَى مَنْزِلَته مِنْهُمْ , لَا نَسَب لَهُ وَلَا حِلْف ; وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْء سِوَى هَذَا مِمَّا يَعْمَلُونَ بِهِ " نَعَمْ " عَمِلُوا بِهِ ; وَإِنْ خَرَجَ : " لَا " , أَخَّرُوهُ عَامهمْ ذَلِكَ , حَتَّى يَأْتُوا بِهِ مَرَّة أُخْرَى يَنْتَهُونَ فِي أُمُورهمْ إِلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاح . 8702 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } يَعْنِي : الْقِدْح , كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُور .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ فِسْق } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكُمْ } هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي ذَكَرَهَا , وَذَلِكَ أَكْل الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَسَائِر مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِمَّا حَرُمَ أَكْله . وَالِاسْتِقْسَام بِالْأَزْلَامِ . { فِسْق } يَعْنِي : خُرُوج عَنْ أَمْر اللَّه وَطَاعَته إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ , وَإِلَى مَعْصِيَته . كَمَا : 8703 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى : قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { ذَلِكُمْ فِسْق } يَعْنِي : مَنْ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلّه , فَهُوَ فِسْق .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } الْآن اِنْقَطَعَ طَمَع الْأَحْزَاب وَأَهْل الْكُفْر وَالْجُحُود أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ دِينكُمْ , يَقُول : مِنْ دِينكُمْ أَنْ تَتْرُكُوهُ , فَتَرْتَدُّوا عَنْهُ رَاجِعِينَ إِلَى الشِّرْك . كَمَا : 8704 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } يَعْنِي : أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينهمْ أَبَدًا . 8705 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } قَالَ : أَظُنّ يَئِسُوا أَنْ تَرْجِعُوا عَنْ دِينكُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيّ يَوْم هَذَا الْيَوْم الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا فِيهِ مِنْ دِين الْمُؤْمِنِينَ ؟ قِيلَ : ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم عَرَفَة , عَام حَجّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع , وَذَلِكَ بَعْد دُخُول الْعَرَب فِي الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8706 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ ; هَذَا حِين فَعَلت . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ يَوْم عَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة لَمَّا نَظَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَرَ إِلَّا مُوَحِّدًا وَلَمْ يَرَ مُشْرِكًا ; حَمِدَ اللَّه , فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } أَنْ يَعُودُوا كَمَا كَانُوا . 8707 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } قَالَ : هَذَا يَوْم عَرَفَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } يَعْنِي بِذَلِكَ : فَلَا تَخْشَوْا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ يَئِسُوا مِنْ دِينكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا عَنْهُ مِنْ الْكُفَّار , وَلَا تَخَافُوهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ فَيَقْهَرُوكُمْ وَيَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينكُمْ , { وَاخْشَوْنِ } يَقُول : وَلَكِنْ خَافُونِ إِنْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ أَمْرِي وَاجْتَرَأْتُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي وَتَعَدَّيْتُمْ حُدُودِي , أَنْ أُحِلّ بِكُمْ عِقَابِي وَأُنْزِلَ بِكُمْ عَذَابِي . كَمَا : 8708 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } فَلَا تَخْشَوْهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَرَائِضِي عَلَيْكُمْ وَحُدُودِي , وَأَمْرِي إِيَّاكُمْ وَنَهْيِي , وَحَلَالِي وَحَرَامِي , وَتَنْزِيلِي مِنْ ذَلِكَ مَا أَنْزَلْت مِنْهُ فِي كِتَابِي , وَتِبْيَانِي مَا بَيَّنْت لَكُمْ مِنْهُ بِوَحْيِي عَلَى لِسَان رَسُولِي , وَالْأَدِلَّة الَّتِي نَصَبْتهَا لَكُمْ عَلَى جَمِيع مَا بِكُمْ الْحَاجَة إِلَيْهِ مِنْ أَمْر دِينكُمْ , فَأَتْمَمْت لَكُمْ جَمِيع ذَلِكَ , فَلَا زِيَادَة فِيهِ بَعْد هَذَا الْيَوْم . قَالُوا : وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْم عَرَفَة , عَام حَجّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع . وَقَالُوا : لَمْ يَنْزِل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد هَذِهِ الْآيَة شَيْء مِنْ الْفَرَائِض وَلَا تَحْلِيل شَيْء وَلَا تَحْرِيمه , وَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعِشْ بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة إِلَّا إِحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8709 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَهُوَ الْإِسْلَام , قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ لَهُمْ الْإِيمَان فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَة أَبَدًا , وَقَدْ أَتَمَّهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره فَلَا يُنْقِصهُ أَبَدًا , وَقَدْ رَضِيَهُ اللَّه فَلَا يَسْخَطهُ أَبَدًا . 8710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } هَذَا نَزَلَ يَوْم عَرَفَة , فَلَمْ يَنْزِل بَعْدهَا حَلَال وَلَا حَرَام , وَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ , فَقَالَتْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس : حَجَجْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْحَجَّة , فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِير إِذْ تَجَلَّى لَهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّاحِلَة , فَلَمْ تُطِقْ الرَّاحِلَة مِنْ ثِقَل مَا عَلَيْهَا مِنْ الْقُرْآن , فَبَرَكَتْ , فَأَتَيْته فَسَجَّيْت عَلَيْهِ بِرِدَاءٍ كَانَ عَلَيَّ 8711 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : مَكَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة إِحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْلَة , قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } 8712 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَذَلِكَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , بَكَى عُمَر , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يُبْكِيك " ؟ قَالَ أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَة مِنْ دِيننَا , فَأَمَّا إِذْ كَمُلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُل شَيْء إِلَّا نَقَصَ , فَقَالَ : " صَدَقْت " * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن بَشِير , عَنْ هَارُون بْن أَبِي وَكِيع , عَنْ أَبِيهِ , فَذَكَرَ نَحْو ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } حَجّكُمْ , فَأُفْرِدْتُمْ بِالْبَلَدِ الْحَرَام تَحُجُّونَهُ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ دُون الْمُشْرِكِينَ لَا يُخَالِطكُمْ فِي حَجّكُمْ مُشْرِك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8713 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي عُتْبَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَكَم : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } قَالَ : أَكْمَلَ لَهُمْ دِينهمْ أَنْ حَجُّوا وَلَمْ يَحُجّ مَعَهُمْ مُشْرِك . 8714 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } قَالَ : أَخْلَصَ اللَّه لَهُمْ دِينهمْ , وَنَفَى الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْبَيْت . 8715 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } قَالَ : تَمَام الْحَجّ , وَنَفْي الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْبَيْت . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ يَوْم أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه دِينهمْ , بِإِفْرَادِهِمْ بِالْبَلَدِ الْحَرَام , وَإِجْلَائِهِ عَنْهُ الْمُشْرِكِينَ , حَتَّى حَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ دُونهمْ , لَا يُخَالِطُونَهُمْ الْمُشْرِكُونَ . فَأَمَّا الْفَرَائِض وَالْأَحْكَام , فَإِنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا , هَلْ كَانَتْ أُكْمِلَتْ ذَلِكَ الْيَوْم أَمْ لَا ؟ فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا قَبْل . وَرُوِيَ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب أَنَّ آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآن : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } وَلَا يَدْفَع ذُو عِلْم أَنَّ الْوَحْي لَمْ يَنْقَطِع عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ قُبِضَ , بَلْ كَانَ الْوَحْي قَبْل وَفَاته أَكْثَر مَا كَانَ تَتَابُعًا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ قَوْله : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } آخِرهَا نُزُولًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام وَالْفَرَائِض , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } عَلَى خِلَاف الْوَجْه الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ تَأَوَّلَهُ , أَعْنِي : كَمَال الْعِبَادَات وَالْأَحْكَام وَالْفَرَائِض . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا جَعَلَ قَوْل مَنْ قَالَ : قَدْ نَزَلَ بَعْد ذَلِكَ فَرْض أَوْلَى مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : لَمْ يَنْزِل ؟ قِيلَ لِأَنَّ الَّذِي قَالَ لَمْ يَنْزِل , مُخْبِر أَنَّهُ لَا يَعْلَم نُزُول فَرْض , وَالنَّفْي لَا يَكُون شَهَادَة , وَالشَّهَادَة قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَ , وَغَيْر جَائِز دَفْع خَبَر الصَّادِق فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُون فِيهِ صَادِقًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَأَتْمَمْت نِعْمَتِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِإِظْهَارِكُمْ عَلَى عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَنَفْيِي إِيَّاهُمْ عَنْ بِلَادكُمْ , وَقَطْعِي طَمَعهمْ مِنْ رُجُوعكُمْ , وَعَوْدكُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يَحُجُّونَ جَمِيعًا , فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَة , فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْبَيْت , وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ لَا يُشَارِكهُمْ فِي الْبَيْت الْحَرَام أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَكَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَام النِّعْمَة : { وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } . 8716 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم عَرَفَة يَوْم جُمُعَة , حِين نَفَى اللَّه الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَأَخْلَصَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجّهمْ 8717 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : . نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِعَرَفَاتٍ , حَيْثُ هُدِمَ مَنَار الْجَاهِلِيَّة , وَاضْمَحَلَّ الشِّرْك , وَلَمْ يَحُجّ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَام مُشْرِك . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر فِي هَذِهِ الْآيَة : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَاتٍ , وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاس , وَتَهَدَّمَتْ مَنَار الْجَاهِلِيَّة وَمَنَاسِكهمْ , وَاضْمَحَلَّ الشِّرْك , وَلَمْ يَطُفْ حَوْل الْبَيْت عُرْيَان , فَأَنْزَلَ اللَّه : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ . ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , بِنَحْوِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَرَضِيت لَكُمْ الِاسْتِسْلَام لِأَمْرِي وَالِانْقِيَاد لِطَاعَتِي , عَلَى مَا شَرَعْت لَكُمْ مِنْ حُدُوده وَفَرَائِضه وَمَعَالِمه { دِينًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : طَاعَة مِنْكُمْ لِي . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَمَا كَانَ اللَّه رَاضِيًا الْإِسْلَام لِعِبَادِهِ , إِلَّا يَوْم أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة ؟ قِيلَ : لَمْ يَزَلْ اللَّه رَاضِيًا لِخَلْقِهِ الْإِسْلَام دِينًا , وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَزَلْ يُصَرِّف نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي دَرَجَات وَمَرَاتِبه دَرَجَة بَعْد دَرَجَة وَمَرْتَبَة بَعْد مَرْتَبَة وَحَالًا بَعْد حَال , حَتَّى أَكْمَلَ لَهُمْ شَرَائِعه وَمَعَالِمه وَبَلَغَ بِهِمْ أَقْصَى دَرَجَاته وَمَرَاتِبه , ثُمَّ قَالَ حِين أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَة : { وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا الْيَوْم , وَالْحَال الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا الْيَوْم مِنْهُ { دِينًا } فَالْزَمُوهُ وَلَا تُفَارِقُوهُ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 8718 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُمَثَّل لِأَهْلِ كُلّ دِين دِينهمْ يَوْم الْقِيَامَة , فَأَمَّا الْإِيمَان فَيُبَشِّر أَصْحَابه وَأَهْله , وَيَعِدهُمْ فِي الْخَيْر حَتَّى يَجِيء الْإِسْلَام . فَيَقُول : رَبّ أَنْتَ السَّلَام وَأَنَا الْإِسْلَام , فَيَقُول : إِيَّاكَ الْيَوْم أَقْبَل , وَبِك الْيَوْم أَجْزِي . وَأَحْسَب أَنَّ قَتَادَة وَجَّهَ مَعْنَى الْإِيمَان بِهَذَا الْخَبَر إِلَى مَعْنَى التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الْإِيمَان عِنْد الْعَرَب , وَوَجَّهَ مَعْنَى الْإِسْلَام إِلَى اِسْتِسْلَام الْقَلْب وَخُضُوعه لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ , وَانْقِيَاد الْجَسَد لَهُ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْإِسْلَامِ : إِيَّاكَ الْيَوْم أَقْبَل , وَبِك الْيَوْم أَجْزِي . ذِكْر مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِعَرَفَة فِي حَجَّة الْوَدَاع عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 8719 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود لِعُمَر : إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَة لَوْ أُنْزِلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا . فَقَالَ عُمَر : إِنِّي لَأَعْلَم حِين أُنْزِلَتْ , وَأَيْنَ نَزَلَتْ , وَأَيْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أُنْزِلَتْ ; أُنْزِلَتْ يَوْم عَرَفَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِف بِعَرَفَة - قَالَ سُفْيَان : وَأَشُكّ , كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أَمْ لَا - { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع . قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : قَالَ يَهُودِيّ لِعُمَر : لَوْ عَلِمْنَا مَعْشَر الْيَهُود حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } لَوْ نَعْلَم ذَلِكَ الْيَوْم اِتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا . فَقَالَ عُمَر : قَدْ عَلِمْت الْيَوْم الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ وَالسَّاعَة , وَأَيْنَ رَسُول اللَّه أَوْ حِين نَزَلَتْ ; نَزَلَتْ لَيْلَة الْجُمُعَة وَنَحْنُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ . لَفْظ الْحَدِيث لِأَبِي كُرَيْب , وَحَدِيث اِبْن وَكِيع نَحْوه * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , عَنْ أَبِي الْعُمَيْس , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق , عَنْ عُمَر , نَحْوه . 8720 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ . ثنا أَبِي , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار مَوْلَى بَنِي هَاشِم , قَالَ : قَرَأَ اِبْن عَبَّاس : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَعِنْده رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ : لَوْ عَلِمْنَا أَيّ يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْم عَرَفَة يَوْم جُمُعَة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار : أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَرَأَ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } فَقَالَ يَهُودِيّ : لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمهَا عِيدًا , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْم عِيدَيْنِ اِثْنَيْنِ : يَوْم عِيد , وَيَوْم جُمُعَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار , عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا رَجَاء بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَادَة بْن نُسَيّ , قَالَ : ثنا أَمِيرنَا إِسْحَاق , قَالَ أَبُو جَعْفَر إِسْحَاق - هُوَ اِبْن خَرَشَة - عَنْ قَبِيصَة قَالَ : قَالَ كَعْب : لَوْ أَنَّ غَيْر هَذِهِ الْأُمَّة نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَة لَنَظَرُوا الْيَوْم الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ عَلَيْهِمْ فَاتَّخَذُوهُ عِيدًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ , فَقَالَ عُمَر : أَيّ آيَة يَا كَعْب ؟ فَقَالَ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } فَقَالَ عُمَر : قَدْ عَلِمْت الْيَوْم الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ , وَالْمَكَان الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ , يَوْم جُمُعَة , وَيَوْم عَرَفَة , وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّه لَنَا عِيد . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ عِيسَى بْن حَارِثَة الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا فِي الدِّيوَان , فَقَالَ لَنَا نَصْرَانِيّ : يَا أَهْل الْإِسْلَام : لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْكُمْ آيَة لَوْ نَزَلَتْ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْم وَتِلْكَ السَّاعَة عِيدًا مَا بَقِيَ مِنَّا اِثْنَانِ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَد مِنَّا , فَلَقِيت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : أَلَا رَدَدْتُمْ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِف عَلَى الْجَبَل يَوْم عَرَفَة , فَلَا يَزَال ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَد 8721 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } عَشِيَّة عَرَفَة وَهُوَ فِي الْمَوْقِف 8722 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , قَالَ : قُلْت لِعَامِرٍ : إِنَّ الْيَهُود تَقُول : كَيْفَ لَمْ تَحْفَظ الْعَرَب هَذَا الْيَوْم الَّذِي أَكْمَلَ اللَّه لَهَا دِينهَا فِيهِ ؟ فَقَالَ عَامِر : أَوَمَا حَفِظْتهُ ؟ قُلْت لَهُ : فَأَيّ يَوْم ؟ قَالَ : يَوْم عَرَفَة , أَنْزَلَ اللَّه فِي يَوْم عَرَفَة . 8723 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْم عَرَفَة , وَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة . 8724 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ حَبِيب , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب , قَالَ : نَزَلَتْ سُورَة الْمَائِدَة يَوْم عَرَفَة , وَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة . 8725 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : نَزَلَتْ سُورَة الْمَائِدَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة عَلَى رَاحِلَته , فَتَنَوَّخَتْ لَأَنْ يُدَقّ ذِرَاعهَا 8726 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد , قَالَتْ : نَزَلَتْ سُورَة الْمَائِدَة جَمِيعًا وَأَنَا آخِذَة بِزِمَامِ نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاء ; قَالَتْ : فَكَادَتْ مِنْ ثِقَلهَا أَنْ يُدَقّ عَضُد النَّاقَة 8727 - حَدَّثَنِي أَبُو عَامِر إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس السَّكُونِيّ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان عَلَى الْمِنْبَر يَنْتَزِع بِهَذِهِ الْآيَة : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } حَتَّى خَتَمَهَا , فَقَالَ : نَزَلَتْ فِي يَوْم عَرَفَة , فِي يَوْم جُمُعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , أَعْنِي قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَقَالُوا : أُنْزِلَتْ سُورَة الْمَائِدَة بِالْمَدِينَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8728 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن حَرْب , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ خَالِد بْن أَبِي عِمْرَان , عَنْ حَنَش , عَنْ اِبْن عَبَّاس : وُلِدَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَخَرَجَ مِنْ مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَدَخَلَ الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَأُنْزِلَتْ سُورَة الْمَائِدَة يَوْم الِاثْنَيْنِ { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَرُفِعَ الذِّكْر يَوْم الِاثْنَيْنِ 8729 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْمَائِدَة مَدَنِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيره فِي حَجَّة الْوَدَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8730 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : نَزَلَتْ سُورَة الْمَائِدَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسِير فِي حَجَّة الْوَدَاع , وَهُوَ رَاكِب رَاحِلَته , فَبَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَته مِنْ ثِقَلهَا وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ مَعْلُوم عِنْد النَّاس , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْيَوْم الَّذِي أَعْلَمهُ أَنَا دُون خَلْقِي , أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8731 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } يَقُول : لَيْسَ بِيَوْمٍ مَعْلُوم يَعْلَمهُ النَّاس . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي وَقْت نُزُول الْآيَة , الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْم عَرَفَة يَوْم جُمُعَة , لِصِحَّةِ سَنَده وَوَهْي أَسَانِيد غَيْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ } فَمَنْ أَصَابَهُ ضُرّ فِي مَخْمَصَة , يَعْنِي فِي مَجَاعَة , وَهِيَ مَفْعَلَة مِثْل الْمَجْبَنَة وَالْمَبْخَلَة وَالْمَنْجَبَة , مِنْ خَمَص الْبَطْن , وَهُوَ اِضْطِمَاره , وَأَظُنّهُ هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهِ اِضْطِمَاره مِنْ الْجُوع وَشِدَّة السَّغَب , وَقَدْ يَكُون فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع اِضْطِمَارًا مِنْ غَيْر الْجُوع وَالسَّغَب , وَلَكِنْ مِنْ خِلْقَة , كَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان فِي صِفَة اِمْرَأَة بِخَمَصِ الْبَطْن : وَالْبَطْنُ ذُو عُكَنٍ خَمِيصٌ لَيِّنٌ وَالنَّحْرُ تَنْفُجُهُ بِثَدْيٍ مُقْعَد فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ صِفَتهَا بِقَوْلِهِ خَمِيص بِالْهُزَالِ وَالضُّرّ مِنْ الْجُوع , وَلَكِنَّهُ أَرَادَ وَصْفهَا بِلَطَافَةِ طَيّ مَا عَلَى الْأَوْرَاك وَالْأَفْخَاذ مِنْ جَسَدهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْمَد مِنْ النِّسَاء . وَلَكِنَّ الَّذِي فِي مَعْنَى الْوَصْف بِالِاضْطِمَارِ وَالْهُزَال مِنْ الضُّرّ , مِنْ ذَلِكَ , قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : تَبِيتُونَ فِي الْمَشْتَى مِلَاء بُطُونكُمْ وَجَارَاتكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا يَعْنِي بِذَلِكَ : يَبِتْنَ مُضْطَمَرَات الْبُطُون مِنْ الْجُوع وَالسَّغَب وَالضُّرّ , فَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله : فِي مَخْمَصَة . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : الْمَخْمَصَة : الْمَصْدَر مِنْ خَمَصَهُ الْجُوع . وَكَانَ غَيْره مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة يَرَى أَنَّهَا اِسْم لِلْمَصْدَرِ وَلَيْسَتْ بِمَصْدَرٍ ; وَلِذَلِكَ تَقَع الْمَفْعَلَة اِسْمًا فِي الْمَصَادِر لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِير . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8732 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ عَبَّاس : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } يَعْنِي فِي مَجَاعَة . 8733 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } أَيْ فِي مَجَاعَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 8734 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } قَالَ : ذَكَرَ الْمَيْتَة وَمَا فِيهَا وَأَحَلَّهَا فِي الِاضْطِرَار . { فِي مَخْمَصَة } يَقُول : فِي مَجَاعَة . 8735 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } قَالَ : الْمَخْمَصَة : الْجُوع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } إِلَى أَكْل مَا حَرَّمْت عَلَيْهِ مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَسَائِر مَا حَرَّمْت عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة . { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَقُول : لَا مُتَجَانِفًا لِإِثْمٍ , فَلِذَلِكَ نَصَبَ " غَيْر " لِخُرُوجِهَا مِنْ الِاسْم الَّذِي فِي قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ } وَبِمَعْنَى لَا , فَنُصِبَ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ بِهِ مَنْصُوبًا الْمُتَجَانِف لَوْ جَاءَ الْكَلَام : لَا مُتَجَانِفًا . وَأَمَّا الْمُتَجَانِف لِإِثْمٍ , فَإِنَّهُ الْمُتَمَايِل لَهُ , الْمُنْحَرِف إِلَيْهِ , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مُرَاد بِهِ الْمُتَعَمِّد لَهُ الْقَاصِد إِلَيْهِ , مِنْ جَنَفَ الْقَوْم عَلَيَّ إِذَا مَالُوا , وَكُلّ أَعْوَج فَهُوَ أَجْنَف عِنْد الْعَرَب وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَنَف بِشَوَاهِدِهِ فِي قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا } بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا تَجَانُف أَكْل الْمَيْتَة فِي أَكْلهَا وَفِي غَيْرهَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه أَكْله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَة لِلْإِثْمِ فِي حَال أَكْله , فَهُوَ تَعَمُّده الْأَكْل لِغَيْرِ دَفْع الضَّرُورَة النَّازِلَة بِهِ , وَلَكِنْ لِمَعْصِيَةِ اللَّه وَخِلَاف أَمْره فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَرْك أَكْل ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8736 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَعْنِي : إِلَى مَا حَرَّمَ مِمَّا سَمَّى فِي صَدْر هَذِهِ الْآيَة : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَقُول : غَيْر مُتَعَمِّد لِإِثْمٍ . 8737 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } غَيْر مُتَعَمِّد لِإِثْمٍ , قَالَ : إِلَى حَرَّمَ اللَّه مَا حَرَّمَ , رَخَّصَ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا كَانَ غَيْر مُتَعَمِّد لِإِثْمٍ أَنْ يَأْكُلهُ مِنْ جَهْد ; فَمَنْ بَغَى أَوْ عَدَا أَوْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَة اللَّه , فَإِنَّهُ مُحَرَّم عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلهُ . 8738 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } أَيْ غَيْر مُتَعَرِّض لِمَعْصِيَةٍ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } غَيْر مُتَعَمِّد لِإِثْمٍ , غَيْر مُتَعَرِّض . 8739 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَقُول : غَيْر مُتَعَرِّض لِإِثْمٍ : أَيْ يَبْتَغِي فِيهِ شَهْوَة , أَوْ يَعْتَدِي فِي أَكْله . 8740 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } لَا يَأْكُل ذَلِكَ اِبْتِغَاء الْإِثْم , وَلَا جَرَاءَة عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } وَفِي هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة إِلَى مَا حَرَّمْت عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْت فِي هَذِهِ الْآيَة , { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } فَأَكَلَهُ , { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } , فَتَرَكَ ذِكْر : " فَأَكَلَهُ " . وَذَكَرَ : "لَهُ " , لِدَلَالَةِ سَائِر مَا ذَكَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِمَا . وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنَّ اللَّه لِمَنْ أَكَلَ مَا حَرَّمْت عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة أَكَلَهُ فِي مَخْمَصَة , غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ , غَفُور رَحِيم , يَقُول : يَسْتُر لَهُ عَنْ أَكْله مَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ بِعَفْوِهِ عَنْ مُؤَاخَذَته إِيَّاهُ , وَصَفْحه عَنْهُ , وَعَنْ عُقُوبَته عَلَيْهِ { رَحِيم } يَقُول : وَهُوَ بِهِ رَفِيق , مِنْ رَحْمَته وَرِفْقه بِهِ , أَبَاحَ لَهُ أَكْل مَا أَبَاحَ لَهُ أَكْله مِنْ الْمَيْتَة وَسَائِر مَا ذَكَرَ مَعَهَا فِي هَذِهِ الْآيَة , فِي حَال خَوْفه عَلَى نَفْسه , مِنْ كَلَب الْجُوع وَضُرّ الْحَاجَة الْعَارِضَة بِبَدَنِهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا الْأَكْل الَّذِي وَعَدَ اللَّه الْمُضْطَرّ إِلَى الْمَيْتَة وَسَائِر الْمُحَرَّمَات مَعَهَا بِهَذِهِ الْآيَة غُفْرَانه إِذَا أَكَلَ مِنْهَا ؟ قِيلَ : مَا : 8741 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الْأَسَدِيّ , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة , عَنْ أَبِي وَاقِد اللَّيْثِيّ , قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا فِيهَا مَخْمَصَة , فَمَا يَصْلُح لَنَا مِنْ الْمَيْتَة ؟ قَالَ : " إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا , أَوْ تَغْتَبِقُوا , أَوْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا , فَشَأْنُكُمْ بِهَا " 8742 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْخَصِيب بْن زَيْد التَّمِيمِيّ , قَالَ : ثنا الْحَسَن : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : إِلَى مَتَى يَحِلّ لِي الْحَرَام ؟ قَالَ : فَقَالَ : " إِلَى أَنْ يُرْوَى أَهْلك مِنْ اللَّبَن , أَوْ تَجِيء مِيرَتُهُمْ " . 8743 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا خَصِيب بْن زَيْد التَّمِيمِيّ , قَالَ : ثنا الْحَسَن : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " أَوْ تَحْيَا مِيرَتهمْ " . 8744 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عُرْوَة عَنْ جَدّه عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَمَّنْ حَدَّثَهُ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَاب أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيه فِي الَّذِي حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ وَاَلَّذِي أَحَلَّ لَهُ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يَحِلُّ لَك الطَّيِّبَات , وَيُحَرِّم عَلَيْك الْخَبَائِث , إِلَّا أَنْ تَفْتَقِر إِلَى طَعَام لَك فَتَأْكُل مِنْهُ حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنْهُ " , فَقَالَ الرَّجُل : وَمَا فَقْرِي الَّذِي يُحِلّ لِي , وَمَا غِنَايَ الَّذِي يُغْنِينِي عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كُنْت تَرْجُو نِتَاجًا فَتَبَلَّغْ بِلُحُومِ مَاشِيَتك إِلَى نِتَاجك , أَوْ كُنْت تَرْجُو غِنًى تَطْلُبهُ . فَتَبَلَّغْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا , فَأَطْعِمْ أَهْلك مَا بَدَا لَك حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنْهُ " فَقَالَ الْإِعْرَابِيّ . مَا غِنَايَ الَّذِي أَدَعهُ إِذَا وَجَدْته ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَرْوَيْت أَهْلك غَبُوقًا مِنْ اللَّيْل فَاجْتَنِبْ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْك مِنْ طَعَام مَالِك , فَإِنَّهُ مَيْسُور كُلّه , لَيْسَ فِيهِ حَرَام " 8745 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : وَجَدْت عِنْد الْحَسَن كِتَاب سَمُرَة , فَقَرَأْته عَلَيْهِ , وَكَانَ فِيهِ : وَيَجْزِي مِنْ الِاضْطِرَار غَبُوق أَوْ صَبُوح . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : قَرَأْت فِي كِتَاب سَمُرَة بْن جُنْدَب : يَكْفِي مِنْ الِاضْطِرَار - أَوْ مِنْ الضَّرُورَة - غَبُوق أَوْ صَبُوح . 8746 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِذَا اُضْطُرَّ الرَّجُل إِلَى الْمَيْتَة أَكَلَ مِنْهَا قُوته ; يَعْنِي : مُسْكَته . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن مُبَارَك , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة , قَالَ : قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا بِأَرْضِ مَخْمَصَة , فَمَا يَحِلّ لَنَا مِنْ الْمَيْتَة ؟ وَمَتَى تَحِلّ لَنَا الْمَيْتَة ؟ قَالَ : " إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنكُمْ بِهَا " * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة , عَنْ رَجُل قَدْ سُمِّيَ لَنَا , أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا نَكُون بِأَرْضِ مَخْمَصَة , فَمَتَى تَحِلّ لَنَا الْمَيْتَة ؟ قَالَ : " إِذَا لَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنكُمْ بِهَا " قَالَ أَبُو جَعْفَر : يُرْوَى هَذَا عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه : "تَحْتَفِئُوا " بِالْهَمْزَةِ , " وَتَحْتَفِيُوا " بِتَخْفِيفِ الْيَاء وَالْحَاء , " وَتَحْتَفُّوا " بِتَشْدِيدِ الْفَاء , وَ " تَحْتَفُوا "بِالْحَاءِ وَالتَّخْفِيف , وَيَحْتَمِل الْهَمْز .
وَأَمَّا الدَّم : فَإِنَّهُ الدَّم الْمَسْفُوح دُون مَا كَانَ مِنْهُ غَيْر مَسْفُوح ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْم خِنْزِير } فَأَمَّا مَا كَانَ قَدْ صَارَ فِي مَعْنَى اللَّحْم كَالْكَبِدِ وَالطِّحَال , وَمَا كَانَ فِي اللَّحْم غَيْر مُنْسَفِح , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر حَرَام , لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَحْم الْخِنْزِير } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ لَحْم الْخِنْزِير , أَهْلِيّه وَبَرِّيّه . فَالْمَيْتَة وَالدَّم مَخْرَجهمَا فِي الظَّاهِر مَخْرَج عُمُوم , وَالْمُرَاد مِنْهُمَا الْخُصُوص وَأَمَّا لَحْم الْخِنْزِير , فَإِنَّ ظَاهِره كَبَاطِنِهِ وَبَاطِنه كَظَاهِرِهِ , حَرَام جَمِيعه لَمْ يُخَصَّص مِنْهُ شَيْء .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْر اِسْم اللَّه . وَأَصْله مِنْ اِسْتِهْلَال الصَّبِيّ وَذَلِكَ إِذَا صَاحَ حِين يَسْقُط مِنْ بَطْن أُمّه , وَمِنْهُ إِهْلَال الْمُحْرِم بِالْحَجِّ إِذَا لَبَّى بِهِ , وَمِنْهُ قَوْل اِبْن أَحْمَر : يُهِلّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا كَمَا يُهِلّ الرَّاكِب الْمُعْتَمِر وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } وَمَا ذُبِحَ لِلْآلِهَةِ وَلِلْأَوْثَانِ يُسَمَّى عَلَيْهِ غَيْر اِسْم اللَّه . وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى فَكَرِهْنَا إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُنْخَنِقَة } اِخْتَلَفَتْ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الِانْخِنَاق الَّذِي عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَالْمُنْخَنِقَة } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 8648 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْمُنْخَنِقَة } قَالَ : الَّتِي تُدْخِل رَأْسهَا بَيْن شُعْبَتَيْنِ مِنْ شَجَرَة , فَتَخْتَنِق فَتَمُوت . 8649 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي الْمُنْخَنِقَة , قَالَ : الَّتِي تَخْتَنِق فَتَمُوت . 8650 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة } الَّتِي تَمُوت فِي خِنَاقهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الَّتِي تُوثَق فَيَقْتُلُهَا بِالْخِنَاقِ وَثَاقُهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8651 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة } قَالَ : الشَّاة تُوثَق , فَيَقْتُلُهَا خِنَاقُهَا , فَهِيَ حَرَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْبَهِيمَة مِنْ النَّعَم , كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَخْنُقُونَهَا حَتَّى تَمُوت , فَحَرَّمَ اللَّه أَكْلهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8652 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْمُنْخَنِقَة } الَّتِي تُخْنَق فَتَمُوت . 8653 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْمُنْخَنِقَة } كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَخْنُقُونَ الشَّاة , حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : هِيَ الَّتِي تَخْتَنِق , إِمَّا فِي وَثَاقهَا , وَإِمَّا بِإِدْخَالِ رَأْسهَا فِي الْمَوْضِع الَّذِي لَا تَقْدِر عَلَى التَّخَلُّص مِنْهُ فَتَخْتَنِق حَتَّى تَمُوت . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مِنْ غَيْره ; لِأَنَّ الْمُنْخَنِقَة : هِيَ الْمَوْصُوفَة بِالِانْخِنَاقِ دُون خَنْق غَيْرهَا لَهَا , وَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ أَنَّهَا مَفْعُول بِهَا لِقِيلَ : وَالْمَخْنُوقَة , حَتَّى يَكُون مَعْنَى الْكَلَام مَا قَالُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمَوْقُوذَة } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَالْمَوْقُوذَة } وَالْمَيْتَة وَقِيذًا , يُقَال مِنْهُ : وَقَذَهُ يَقِذهُ وَقْذًا : إِذَا ضَرَبَهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاك , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق : شَغَّارَة تَقِذُ الْفَصِيل بِرِجْلِهَا فَطَّارَة لِقَوَادِم الْأَبْكَار وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8654 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : الْمَوْقُوذَة الَّتِي تُضْرَب بِالْخَشَبِ حَتَّى يَقِذهَا فَتَمُوت . 8655 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْمَوْقُوذَة } كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَا , حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : كَانُوا يَضْرِبُونَهَا حَتَّى يَقِذُوهَا , ثُمَّ يَأْكُلُوهَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَالْمَوْقُوذَة } الَّتِي تُوقَذ فَتَمُوت . 8656 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : { الْمَوْقُوذَة } الَّتِي تُضْرَب حَتَّى تَمُوت . 8657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : هِيَ الَّتِي تُضْرَب فَتَمُوت . 8658 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالْمَوْقُوذَة } كَانَتْ الشَّاة أَوْ غَيْرهَا مِنْ الْأَنْعَام تُضْرَب بِالْخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ حَتَّى يَقْتُلُوهَا فَيَأْكُلُوهَا . * - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُقْبَة بْن عَلْقَمَة , ثني إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة , قَالَ : ثني نُعَيْم بْن سَلَامَة , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الصُّنَابِحِيّ , قَالَ : لَيْسَتْ الْمَوْقُوذَة إِلَّا فِي مَالِك , وَلَيْسَ فِي الصَّيْد وَقِيذ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُتَرَدِّيَة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة تَرَدِّيًا مِنْ جَبَل , أَوْ فِي بِئْر , أَوْ غَيْر ذَلِكَ . وَتَرَدِّيهَا : رَمْيهَا بِنَفْسِهَا مِنْ مَكَان عَالٍ مُشْرِف إِلَى سُفْله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8659 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَتَرَدَّى مِنْ الْجَبَل . 8660 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْمُتَرَدِّيَة } كَانَتْ تَتَرَدَّى فِي الْبِئْر فَتَمُوت فَيَأْكُلُونَهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَرَدَّتْ فِي الْبِئْر . 8661 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : هِيَ الَّتِي تَرَدَّى مِنْ الْجَبَل أَوْ فِي الْبِئْر , فَتَمُوت . 8662 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَالْمُتَرَدِّيَة } الَّتِي تَرَدَّى مِنْ الْجَبَل فَتَمُوت . 8663 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَخِرّ فِي رَكِيّ أَوْ مِنْ رَأْس جَبَل فَتَمُوت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالنَّطِيحَة } يَعْنِي بِقَوْلِهِ { النَّطِيحَة } الشَّاة الَّتِي تَنْطَحهَا أُخْرَى فَتَمُوت مِنْ النِّطَاح بِغَيْرِ تَذْكِيَة , فَحَرَّمَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِنْ لَمْ يُدْرِكُوا ذَكَاته قَبْل مَوْته . وَأَصْل النَّطِيحَة : الْمَنْطُوحَة , صُرِفَتْ مِنْ مَفْعُولَة إِلَى فَعِيلَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ أُثْبِتَتْ الْهَاء هَاء التَّأْنِيث فِيهَا , وَأَنْتَ تَعْلَم أَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تُثْبِت الْهَاء فِي نَظَائِرهَا إِذَا صَرَفُوهَا صَرْف النَّطِيحَة مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , إِنَّمَا تَقُول : لِحْيَة دَهِين , وَعَيْن كَحِيل , وَكَفّ خَضِيب , وَلَا يَقُولُونَ كَفّ خَضِيبَة وَلَا عَيْن كَحِيلَة ؟ قِيلَ : قَدْ اِخْتَلَفَتْ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُثْبِتَتْ فِيهَا الْهَاء , أَعْنِي فِي النَّطِيحَة ; لِأَنَّهَا جُعِلَتْ كَالِاسْمِ مِثْل الطَّوِيلَة وَالطَّرِيقَة فَكَأَنَّ قَائِل هَذَا الْقَوْل وَجَّهَ النَّطِيحَة إِلَى مَعْنَى النَّاطِحَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَذْهَبه : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة نِطَاحًا , كَأَنَّهُ عَنَى : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ النَّاطِحَة الَّتِي تَمُوت مِنْ نِطَاحهَا . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِنَّمَا تَحْذِف الْعَرَب الْهَاء مِنْ الْفَعِيلَة الْمَصْرُوفَة عَنْ الْمَفْعُول إِذَا جَعَلَتْهَا صِفَة لِاسْمٍ , قَدْ تَقَدَّمَهَا , فَتَقُول : رَأَيْنَا كَفًّا خَضِيبًا وَعَيْنًا كَحِيلًا . فَأَمَّا إِذَا حَذَفْت الْكَفّ وَالْعَيْن وَالِاسْم الَّذِي يَكُون فَعِيل نَعْتًا لَهَا وَاجْتَزَءُوا بِفَعِيلٍ مِنْهَا , أَثْبَتُوا فِيهِ هَاء التَّأْنِيث , لِيُعْلَم بِثُبُوتِهَا فِيهِ أَنَّهَا صِفَة لِلْمُؤَنَّثِ دُون الْمُذَكَّر , فَتَقُول : رَأَيْنَا كَحِيلَة وَخَضِيبَة وَأَكِيلَة السَّبْع , قَالُوا : وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ الْهَاء فِي النَّطِيحَة ; لِأَنَّهَا صِفَة الْمُؤَنَّث , وَلَوْ أُسْقِطَتْ مِنْهَا لَمْ يَدْرِ أَهِيَ صِفَة مُؤَنَّث أَوْ مُذَكَّر . وَهَذَا الْقَوْل هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الشَّائِع مِنْ أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل , بِأَنَّ مَعْنَى النَّطِيحَة : الْمَنْطُوحَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8664 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ أَبِي عَبَّاس , قَوْله : { وَالنَّطِيحَة } قَالَ : الشَّاة تَنْطَح الشَّاة . 8665 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : كَانَ يَقْرَأ : " وَالْمَنْطُوحَة " . 8666 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَالنَّطِيحَة } الشَّاتَانِ تَنْتَطِحَانِ فَتَمُوتَانِ . 8667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالنَّطِيحَة } هِيَ الَّتِي تَنْطَحهَا الْغَنَم وَالْبَقَر فَتَمُوت . يَقُول : هَذَا حَرَام ; لِأَنَّ نَاسًا مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَأْكُلُونَهُ . 8668 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالنَّطِيحَة } كَانَ الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ , فَيَمُوت أَحَدهمَا , فَيَأْكُلُونَهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالنَّطِيحَة } الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ فَيَقْتُل أَحَدهمَا الْآخَر , فَيَأْكُلُونَهُ . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالنَّطِيحَة } قَالَ : الشَّاة تَنْطَح الشَّاة فَتَمُوت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أَكَلَ السَّبُع غَيْر الْمُعَلَّم مِنْ الصَّوَائِد . وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8669 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } يَقُول : مَا أَخَذَ السَّبُع . 8670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } يَقُول : مَا أَخَذَ السَّبُع . 8671 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا قَتَلَ السَّبُع شَيْئًا مِنْ هَذَا أَوْ أَكَلَ مِنْهُ , أَكَلُوا مَا بَقِيَ . 8672 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ قَيْس , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَكِيل السَّبُع " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } إِلَّا مَا طَهَّرْتُمُوهُ بِالذَّبْحِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه طَهُورًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَا اِسْتَثْنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : اِسْتَثْنَى مِنْ جَمِيع مَا سَمَّى اللَّه تَحْرِيمه , مِنْ قَوْله { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8673 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } يَقُول : مَا أَدْرَكْت ذَكَاته مِنْ هَذَا كُلّه , يَتَحَرَّك لَهُ ذَنَب أَوْ تَطْرِف لَهُ عَيْن , فَاذْبَحْ وَاذْكُرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَال . 8674 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } قَالَ الْحَسَن : أَيّ هَذَا أَدْرَكْت ذَكَاته فَذَكِّهِ وَكُلْ . فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيد كَيْفَ أَعْرِف ؟ قَالَ : إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا . 8675 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } قَالَ : فَكُلّ هَذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَاهُنَا مَا خَلَا لَحْم الْخِنْزِير إِذَا أَدْرَكْت مِنْهُ عَيْنًا تَطْرِف أَوْ ذَنَبًا يَتَحَرَّك أَوْ قَائِمَة تَرْكُض , فَذَكَّيْته , فَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَك ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } مِنْ هَذَا كُلّه , فَإِذَا وَجَدَتْهَا تَطْرِف عَيْنهَا , أَوْ تُحَرِّك أُذُنهَا مِنْ هَذَا كُلّه , فَهِيَ لَك حَلَال . 8676 - حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم وَعَبَّاد , قَالَا : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : إِذَا أَدْرَكْت ذَكَاة الْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَهِيَ تُحَرِّك يَدًا أَوْ رِجْلًا فَكُلْهَا . 8677 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : إِذَا أَكَلَ السَّبُع مِنْ الصَّيْد أَوْ الْوَقِيذَة , أَوْ النَّطِيحَة أَوْ الْمُتَرَدِّيَة فَأَدْرَكْت ذَكَاته , فَكُلْ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن سَلَّام التَّمِيمِيّ , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن مُحَمَّد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : إِذَا رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ حَرَّكَتْ ذَنَبهَا , فَقَدْ أَجْزَأَ . 8678 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى وَابْن بَشَّار , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : إِذَا ذُبِحَتْ فَمَصَعَتْ بِذَنَبِهَا أَوْ تَحَرَّكَتْ فَقَدْ حَلَّتْ لَك . أَوْ قَالَ : فَحَسْبه . 8679 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِذَا كَانَتْ الْمَوْقُوذَة تَطْرِف بِبَصَرِهَا , أَوْ تَرْكُض بِرِجْلِهَا , أَوْ تَمْصَع بِذَنَبِهَا , فَاذْبَحْ وَكُلْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر , يَقُول : إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا , أَوْ مَصَعَتْ بِذَنَبِهَا , أَوْ تَحَرَّكَتْ , فَقَدْ حَلَّتْ لَك . 8680 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَأْكُلُونَ هَذَا , فَحَرَّمَ اللَّه فِي الْإِسْلَام إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْهُ , فَمَا أُدْرِكَ فَتَحَرَّكَ مِنْهُ رِجْل أَوْ ذَنَب أَوْ طَرَف فَذُكِّيَ , فَهُوَ حَلَال . 8681 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير } وَقَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة } الْآيَة , { وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } هَذَا كُلّه مُحَرَّم , إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْ هَذَا . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ : حُرِّمَتْ الْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة إِنْ مَاتَتْ مِنْ التَّرَدِّي وَالْوَقْذ وَالنَّطْح وَفَرْس السَّبُع , إِلَّا أَنْ تُدْرِكُوا ذَكَاتهَا , فَتُدْرِكُوهَا قَبْل مَوْتهَا , فَتَكُون حِينَئِذٍ حَلَالًا أَكْلهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ التَّحْرِيم , وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَات الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } لِأَنَّ الْمَيْتَة لَا ذَكَاة لَهَا وَلَا لِلْخِنْزِيرِ . قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَة : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم , وَسَائِر مَا سَمَّيْنَا مَعَ ذَلِكَ , إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّه لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ , فَإِنَّهُ لَكُمْ حَلَال . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة ذِكْر بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8682 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ مَالِك : وَسُئِلَ عَنْ الشَّاة الَّتِي يَخْرِق جَوْفهَا السَّبُع حَتَّى تَخْرُج أَمْعَاؤُهَا , فَقَالَ مَالِك : لَا أَرَى أَنْ تُذَكَّى وَلَا يُؤْكَل أَيّ شَيْء يُذَكَّى مِنْهَا . 8683 - حَدَّثَنِي يُونُس , عَنْ أَشْهَب , قَالَ : سُئِلَ مَالِك , عَنْ السَّبُع يَعْدُو عَلَى الْكَبْش , فَيَدُقّ ظَهْره , أَتَرَى أَنْ يُذَكَّى قَبْل أَنْ يَمُوت فَيُؤْكَل ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ بَلَغَ السَّحْر , فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَل , وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَصَابَ أَطْرَافه , فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا . قِيلَ لَهُ : وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْره ؟ قَالَ : لَا يُعْجِبنِي أَنْ يُؤْكَل , هَذَا لَا يَعِيش مِنْهُ . قِيلَ لَهُ : فَالذِّئْب يَعْدُو عَلَى الشَّاة فَيَشُقّ بَطْنهَا وَلَا يَشُقّ الْأَمْعَاء ؟ قَالَ : إِذَا شَقَّ بَطْنهَا فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَل . وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَجِب أَنْ يَكُون قَوْله : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا , فَيَكُون تَأْوِيل الْآيَة : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم , وَسَائِر مَا ذَكَرْنَا , وَلَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ الْحَيَوَانَات الَّتِي أَحْلَلْتهَا لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ حَلَال . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ الْقَوْل الْأَوَّل , وَهُوَ أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } اِسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع } لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مُسْتَحِقّ الصِّفَة الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْل حَال مَوْته , فَيُقَال : لِمَا قَرَّبَ الْمُشْرِكُونَ لِآلِهَتِهِمْ فَسَمَّوْهُ لَهُمْ : هُوَ { مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } بِمَعْنَى : سُمِّيَ قُرْبَانًا لِغَيْرِ اللَّه . وَكَذَلِكَ الْمُنْخَنِقَة : إِذَا اِنْخَنَقَتْ , وَإِنْ لَمْ تَمُتْ فَهِيَ مُنْخَنِقَة , وَكَذَلِكَ سَائِر مَا حَرَّمَهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بَعْد قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَإِنَّهُ يُوصَف بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْل مَوْته , فَحَرَّمَهُ اللَّه عَلَى عِبَاده إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ الْمُحَلِّلَة دُون الْمَوْت بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ بِهِ مَوْصُوفًا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , وَالْمُنْخَنِقَة , وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا , إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ فَ " مَا " إِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله فِي مَوْضِع نَصْب بِالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلهَا , وَقَدْ يَجُوز فِيهِ الرَّفْع . وَإِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا , فَكُلّ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاته مِنْ طَائِر أَوْ بَهِيمَة قَبْل خُرُوج نَفْسه وَمُفَارَقَة رُوحه جَسَده , فَحَلَال أَكْله إِذَا كَانَ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّه لِعِبَادِهِ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدك , فَمَا وَجْه تَكْرِيره مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة } وَسَائِر مَا عَدَّدَ تَحْرِيمه فِي هَذِهِ الْآيَة , وَقَدْ اِفْتَتَحَ الْآيَة بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } ؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } شَامِل كُلّ مَيْتَة كَانَ مَوْته حَتْف أَنْفه , مِنْ عِلَّة بِهِ مِنْ غَيْر جِنَايَة أَحَد عَلَيْهِ , أَوْ كَانَ مَوْته مِنْ ضَرْب ضَارِب إِيَّاهُ , أَوْ اِنْخِنَاق مِنْهُ أَوْ اِنْتِطَاح أَوْ فَرْس سَبُع ؟ وَهَلَّا كَانَ قَوْله إِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلّ ذَلِكَ الْمَيْتَة بِالِانْخِنَاقِ وَالنِّطَاح وَالْوَقْذ وَأَكْل السَّبُع أَوْ غَيْر ذَلِكَ , دُون أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ تَحْرِيمه إِذَا تَرَدَّى أَوْ اِنْخَنَقَ , أَوْ فَرَسَهُ السَّبُع , فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يُعْلَم أَنَّهُ لَا يَعِيش مِمَّا أَصَابَهُ مِنْهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ مِنْ الْحَيَاة ; { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } مُغْنِيًا مِنْ تَكْرِير مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ ; { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة } وَسَائِر مَا ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ وَتَعْدَاده مَا عَدَّدَ ؟ قِيلَ : وَجْه تَكْرَاره ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيم ذَلِكَ إِذَا مَاتَ مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي هُوَ بِهَا مَوْصُوف , وَقَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَة لَا يُعِدُّونَ الْمَيْتَة مِنْ الْحَيَوَان , إِلَّا مَا مَاتَ مِنْ عِلَّة عَارِضَة بِهِ , غَيْر الِانْخِنَاق وَالتَّرَدِّي وَالِانْتِطَاح , وَفَرْس السَّبُع , فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه أَنَّ حُكْم ذَلِكَ حُكْم مَا مَاتَ مِنْ الْعِلَل الْعَارِضَة , وَأَنَّ الْعِلَّة الْمُوجِبَة تَحْرِيم الْمَيْتَة لَيْسَتْ مَوْتهَا مِنْ عِلَّة مَرَض أَوْ أَذًى كَانَ بِهَا قَبْل هَلَاكهَا , وَلَكِنَّ الْعِلَّة فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ يَذْبَحهَا مِنْ أَجْل ذَبِيحَته بِالْمَعْنَى الَّذِي أَحَلَّهَا بِهِ . كَاَلَّذِي : 8684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } يَقُول : هَذَا حَرَام ; لِأَنَّ نَاسًا مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَأْكُلُونَهُ وَلَا يَعُدُّونَهُ مَيِّتًا , إِنَّمَا يَعُدُّونَ الْمَيْت الَّذِي يَمُوت مِنْ الْوَجَع , فَحَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ , إِلَّا مَا ذَكَرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَأَدْرَكُوا ذَكَاته وَفِيهِ الرُّوح .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا الَّذِي ذُبِحَ عَلَى النُّصُب . فَ " مَا " فِي قَوْله { وَمَا ذُبِحَ } رُفِعَ عَطْفًا عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَالنُّصُب : الْأَوْثَان مِنْ الْحِجَارَة جَمَاعَة أَنْصَاب كَانَتْ تُجْمَع فِي الْمَوْضِع مِنْ الْأَرْض , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقَرِّبُونَ لَهَا , وَلَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ . وَكَانَ اِبْن جُرَيْج يَقُول فِي صِفَته مَا : 8685 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم : قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : النُّصُب : لَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ , الصَّنَم يُصَوَّر وَيُنْقَش , وَهَذِهِ حِجَارَة تُنْصَب ثَلَثمِائَةٍ وَسِتُّونَ حَجَرًا , مِنْهُمْ مَنْ يَقُول : ثَلَثمِائَةٍ مِنْهَا لِخُزَاعَة . فَكَانُوا إِذَا ذَبَحُوا , نَضَحُوا الدَّم عَلَى مَا أَقْبَلَ مِنْ الْبَيْت , وَشَرَّحُوا اللَّحْم وَجَعَلُوهُ عَلَى الْحِجَارَة , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه , كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعَظِّمُونَ الْبَيْت بِالدَّمِ , فَنَحْنُ أَحَقّ أَنْ نُعَظِّمهُ ! فَكَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْرَه ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا } وَمِمَّا يُحَقِّق قَوْل اِبْن جُرَيْج فِي أَنَّ الْأَنْصَاب غَيْر الْأَصْنَام مَا : 8686 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : حِجَارَة كَانَ يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { النُّصُب } قَالَ : حِجَارَة حَوْل الْكَعْبَة , يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة , وَيُبَدِّلُونَهَا إِنْ شَاءُوا بِحِجَارَةٍ أَعْجَب إِلَيْهِمْ مِنْهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8687 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَالنُّصُب : حِجَارَة كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْبُدُونَهَا , وَيَذْبَحُونَ لَهَا , فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } يَعْنِي : أَنْصَاب الْجَاهِلِيَّة . 8688 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَالنُّصُب : أَنْصَاب كَانُوا يَذْبَحُونَ وَيُهِلُّونَ عَلَيْهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : كَانَ حَوْل الْكَعْبَة حِجَارَة كَانَ يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة وَيُبَدِّلُونَهَا إِذَا شَاءُوا بِحَجَرٍ هُوَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْهَا . 8689 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول : الْأَنْصَاب حِجَارَة كَانُوا يُهِلُّونَ لَهَا , وَيَذْبَحُونَ عَلَيْهَا . 8690 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب , وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , وَهُوَ وَاحِد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } وَأَنْ تَطْلُبُوا عِلْم مَا قُسِمَ لَكُمْ أَوْ لَمْ يُقْسَم , بِالْأَزْلَامِ . وَهُوَ اِسْتَفْعَلْت مِنْ الْقَسْم : قَسْم الرِّزْق وَالْحَاجَات . وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَ أَحَدهمْ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ غَزْوًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ , أَجَالَ الْقِدَاح , وَهِيَ الْأَزْلَام , وَكَانَتْ قِدَاحًا مَكْتُوبًا عَلَى بَعْضهَا : نَهَانِي رَبِّي , وَعَلَى بَعْضهَا : أَمَرَنِي رَبِّي , فَإِنْ خَرَجَ الْقِدْح الَّذِي هُوَ مَكْتُوب عَلَيْهِ : أَمَرَنِي رَبِّي , مَضَى لِمَا أَرَادَ مِنْ سَفَر أَوْ غَزْو أَوْ تَزْوِيج وَغَيْر ذَلِكَ ; وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوب : نَهَانِي رَبِّي , كَفَّ عَنْ الْمُضِيّ لِذَلِكَ وَأَمْسَكَ فَقِيلَ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } لِأَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ كَانُوا كَأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ أَزْلَامهمْ أَنْ يَقْسِمْنَ لَهُمْ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر مُفْتَخِرًا بِتَرْكِ الِاسْتِقْسَام بِهَا : وَلَمْ أَقْسِم فَتَرْبُثنِي الْقُسُومُ وَأَمَّا الْأَزْلَام , فَإِنَّ وَاحِدهَا زَلَم , وَيُقَال زُلَم , وَهِيَ الْقِدَاح الَّتِي وَصَفْنَا أَمْرهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8691 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : الْقِدَاح , كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا فِي سَفَر , جَعَلُوا قِدَاحًا لِلْجُلُوسِ وَالْخُرُوج , فَإِنْ وَقَعَ الْخُرُوج خَرَجُوا , وَإِنْ وَقَعَ الْجُلُوس جَلَسُوا . 8692 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : حَصًى بِيض كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَالَ لَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع : هُوَ الشِّطْرَنْج . 8693 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبَّاد بْن رَاشِد الْبَزَّار , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا أَوْ سَفَرًا , يَعْمِدُونَ إِلَى قِدَاح ثَلَاثَة عَلَى وَاحِد مِنْهَا مَكْتُوب : أُؤْمُرْنِي , وَعَلَى الْآخَر : اِنْهَنِي , وَيَتْرُكُونَ الْآخَر مُحَلَّلًا بَيْنهمَا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء . ثُمَّ يُجِيلُونَهَا , فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ " أُؤْمُرْنِي " , مَضَوْا لِأَمْرِهِمْ , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ " اِنْهَنِي " كَفُّوا , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء أَعَادُوهَا . 8694 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } حِجَارَة0 كَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَيْهَا يُسَمُّونَهَا الْقِدَاح . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8695 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم . عَنْ زُهَيْر , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كِعَاب فَارِس الَّتِي يَقْمُرونَ بِهَا , وَسِهَام الْعَرَب . * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا زُهَيْر , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : سِهَام الْعَرَب وَكِعَاب فَارِس وَالرُّوم كَانُوا يَتَقَامَرُونَ بِهَا . 8696 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُج مُسَافِرًا , كَتَبَ فِي قِدَاح : هَذَا يَأْمُرنِي بِالْمُكْثِ , وَهَذَا يَأْمُرنِي بِالْخُرُوجِ , وَجَعَلَ مَعَهَا مَنِيحًا , شَيْء لَمْ يَكْتُب فِيهِ شَيْئًا , ثُمَّ اِسْتَقْسَمَ بِهَا حِين يُرِيد أَنْ يَخْرُج , فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُر بِالْمُكْثِ مَكَثَ , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُر بِالْخُرُوجِ خَرَجَ , وَإِنْ خَرَجَ الْآخَر أَجَالَهَا ثَانِيَة حَتَّى يَخْرُج أَحَد الْقِدْحَيْنِ . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } وَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا أَرَادَ أَحَدهمْ خُرُوجًا , أَخَذَ قِدْحًا فَقَالَ : هَذَا يَأْمُر بِالْخُرُوجِ , فَإِنْ خَرَجَ فَهُوَ مُصِيب فِي سَفَره خَيْرًا ; وَيَأْخُذ قِدْحًا آخَر فَيَقُول : هَذَا يَأْمُر بِالْمُكُوثِ , فَلَيْسَ يُصِيب فِي سَفَره خَيْرًا ; وَالْمَنِيح بَيْنهمَا . فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ , وَقَدَّمَ فِيهِ . 8697 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُور . 8698 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْأَزْلَام قِدَاح لَهُمْ كَانَ أَحَدهمْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأُمُور كَتَبَ فِي تِلْكَ الْقِدَاح مَا أَرَادَ , فَيَضْرِب بِهَا , فَأَيّ قِدْح خَرَجَ وَإِنْ كَانَ أَبْغَض تِلْكَ , اِرْتَكَبَهُ وَعَمِلَ بِهِ . 8699 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : الْأَزْلَام : قِدَاح كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة عِنْد الْكَهَنَة , فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُل أَنْ يُسَافِر أَوْ يَتَزَوَّج أَوْ يُحْدِث أَمْرًا , أَتَى الْكَاهِن , فَأَعْطَاهُ شَيْئًا , فَضَرَبَ لَهُ بِهَا , فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْء يُعْجِبهُ أَمْرهُ فَفَعَلَ , وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْء يَكْرَههُ نَهَاهُ فَانْتَهَى , كَمَا ضَرَبَ عَبْد الْمُطَّلِب عَلَى زَمْزَم وَعَلَى عَبْد اللَّه وَالْإِبِل . 8700 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : سَمِعْنَا أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَضْرِبُونَ بِالْقِدَاحِ فِي الظَّعْن وَالْإِقَامَة أَوْ الشَّيْء يُرِيدُونَهُ , فَيَخْرُج سَهْم الظَّعْن فَيَظْعَنُونَ , وَالْإِقَامَة فَيُقِيمُونَ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي الْأَزْلَام مَا : 8701 - حَدَّثَنِي بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَتْ هُبَل أَعْظَم أَصْنَام قُرَيْش بِمَكَّة , وَكَانَتْ عَلَى بِئْر فِي جَوْف الْكَعْبَة , وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْر هِيَ الَّتِي يُجْمَع فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ , وَكَانَتْ عِنْد هُبَل سَبْعَة أَقْدَاح , كُلّ قِدْح مِنْهَا فِيهِ كِتَاب : قِدْح فِيهِ " الْعَقْل " إِذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْعَقْل مَنْ يَحْمِلهُ مِنْهُمْ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السَّبْعَة فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْل فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْله وَقِدْح فِيهِ : " نَعَمْ " لِلْأَمْرِ إِذَا أَرَادُوا يَضْرِب بِهِ , فَإِنْ خَرَجَ قِدْح " نَعَمْ " عَمِلُوا بِهِ ; وَقِدْح فِيهِ لَا , فَإِذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاح , فَإِذَا خَرَجَ ذَلِكَ الْقِدْح لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْر . وَقِدْح فِيهِ : " مِنْكُمْ " . وَقِدْح فِيهِ : " مُلْصَق " . وَقِدْح فِيهِ : " مِنْ غَيْركُمْ " . وَقِدْح فِيهِ : الْمِيَاه , إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْح , فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ . وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَجْتَبُوا غُلَامًا , أَوْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْكَحًا , أَوْ أَنْ يَدْفِنُوا مَيِّتًا , وَيَشُكُّوا فِي نَسَب وَاحِد مِنْهُمْ , ذَهَبُوا بِهِ إِلَى هُبَل , وَبِمِائَةِ دِرْهَم وَبِجَزُورٍ , فَأَعْطَوْهَا صَاحِب الْقِدَاح الَّذِي يَضْرِبهَا , ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبهمْ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ , ثُمَّ قَالُوا : يَا إِلَهنَا , هَذَا فُلَان اِبْن فُلَان , قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا , فَأَخْرِجْ الْحَقّ فِيهِ ! ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاح : اِضْرِبْ , فَيَضْرِب , فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ " مِنْكُمْ " كَانَ وَسِيطًا , وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ : " مِنْ غَيْركُمْ " , كَانَ حَلِيفًا , وَإِنْ خَرَجَ : " مُلْصَق " , كَانَ عَلَى مَنْزِلَته مِنْهُمْ , لَا نَسَب لَهُ وَلَا حِلْف ; وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْء سِوَى هَذَا مِمَّا يَعْمَلُونَ بِهِ " نَعَمْ " عَمِلُوا بِهِ ; وَإِنْ خَرَجَ : " لَا " , أَخَّرُوهُ عَامهمْ ذَلِكَ , حَتَّى يَأْتُوا بِهِ مَرَّة أُخْرَى يَنْتَهُونَ فِي أُمُورهمْ إِلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاح . 8702 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } يَعْنِي : الْقِدْح , كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُور .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ فِسْق } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكُمْ } هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي ذَكَرَهَا , وَذَلِكَ أَكْل الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَسَائِر مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِمَّا حَرُمَ أَكْله . وَالِاسْتِقْسَام بِالْأَزْلَامِ . { فِسْق } يَعْنِي : خُرُوج عَنْ أَمْر اللَّه وَطَاعَته إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ , وَإِلَى مَعْصِيَته . كَمَا : 8703 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى : قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { ذَلِكُمْ فِسْق } يَعْنِي : مَنْ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلّه , فَهُوَ فِسْق .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } الْآن اِنْقَطَعَ طَمَع الْأَحْزَاب وَأَهْل الْكُفْر وَالْجُحُود أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ دِينكُمْ , يَقُول : مِنْ دِينكُمْ أَنْ تَتْرُكُوهُ , فَتَرْتَدُّوا عَنْهُ رَاجِعِينَ إِلَى الشِّرْك . كَمَا : 8704 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } يَعْنِي : أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينهمْ أَبَدًا . 8705 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } قَالَ : أَظُنّ يَئِسُوا أَنْ تَرْجِعُوا عَنْ دِينكُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيّ يَوْم هَذَا الْيَوْم الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا فِيهِ مِنْ دِين الْمُؤْمِنِينَ ؟ قِيلَ : ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم عَرَفَة , عَام حَجّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع , وَذَلِكَ بَعْد دُخُول الْعَرَب فِي الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8706 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ ; هَذَا حِين فَعَلت . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ يَوْم عَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة لَمَّا نَظَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَرَ إِلَّا مُوَحِّدًا وَلَمْ يَرَ مُشْرِكًا ; حَمِدَ اللَّه , فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } أَنْ يَعُودُوا كَمَا كَانُوا . 8707 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } قَالَ : هَذَا يَوْم عَرَفَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } يَعْنِي بِذَلِكَ : فَلَا تَخْشَوْا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ يَئِسُوا مِنْ دِينكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا عَنْهُ مِنْ الْكُفَّار , وَلَا تَخَافُوهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ فَيَقْهَرُوكُمْ وَيَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينكُمْ , { وَاخْشَوْنِ } يَقُول : وَلَكِنْ خَافُونِ إِنْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ أَمْرِي وَاجْتَرَأْتُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي وَتَعَدَّيْتُمْ حُدُودِي , أَنْ أُحِلّ بِكُمْ عِقَابِي وَأُنْزِلَ بِكُمْ عَذَابِي . كَمَا : 8708 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } فَلَا تَخْشَوْهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَرَائِضِي عَلَيْكُمْ وَحُدُودِي , وَأَمْرِي إِيَّاكُمْ وَنَهْيِي , وَحَلَالِي وَحَرَامِي , وَتَنْزِيلِي مِنْ ذَلِكَ مَا أَنْزَلْت مِنْهُ فِي كِتَابِي , وَتِبْيَانِي مَا بَيَّنْت لَكُمْ مِنْهُ بِوَحْيِي عَلَى لِسَان رَسُولِي , وَالْأَدِلَّة الَّتِي نَصَبْتهَا لَكُمْ عَلَى جَمِيع مَا بِكُمْ الْحَاجَة إِلَيْهِ مِنْ أَمْر دِينكُمْ , فَأَتْمَمْت لَكُمْ جَمِيع ذَلِكَ , فَلَا زِيَادَة فِيهِ بَعْد هَذَا الْيَوْم . قَالُوا : وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْم عَرَفَة , عَام حَجّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع . وَقَالُوا : لَمْ يَنْزِل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد هَذِهِ الْآيَة شَيْء مِنْ الْفَرَائِض وَلَا تَحْلِيل شَيْء وَلَا تَحْرِيمه , وَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعِشْ بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة إِلَّا إِحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8709 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَهُوَ الْإِسْلَام , قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ لَهُمْ الْإِيمَان فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَة أَبَدًا , وَقَدْ أَتَمَّهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره فَلَا يُنْقِصهُ أَبَدًا , وَقَدْ رَضِيَهُ اللَّه فَلَا يَسْخَطهُ أَبَدًا . 8710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } هَذَا نَزَلَ يَوْم عَرَفَة , فَلَمْ يَنْزِل بَعْدهَا حَلَال وَلَا حَرَام , وَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ , فَقَالَتْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس : حَجَجْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْحَجَّة , فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِير إِذْ تَجَلَّى لَهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّاحِلَة , فَلَمْ تُطِقْ الرَّاحِلَة مِنْ ثِقَل مَا عَلَيْهَا مِنْ الْقُرْآن , فَبَرَكَتْ , فَأَتَيْته فَسَجَّيْت عَلَيْهِ بِرِدَاءٍ كَانَ عَلَيَّ 8711 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : مَكَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة إِحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْلَة , قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } 8712 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَذَلِكَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , بَكَى عُمَر , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يُبْكِيك " ؟ قَالَ أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَة مِنْ دِيننَا , فَأَمَّا إِذْ كَمُلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُل شَيْء إِلَّا نَقَصَ , فَقَالَ : " صَدَقْت " * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن بَشِير , عَنْ هَارُون بْن أَبِي وَكِيع , عَنْ أَبِيهِ , فَذَكَرَ نَحْو ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } حَجّكُمْ , فَأُفْرِدْتُمْ بِالْبَلَدِ الْحَرَام تَحُجُّونَهُ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ دُون الْمُشْرِكِينَ لَا يُخَالِطكُمْ فِي حَجّكُمْ مُشْرِك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8713 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي عُتْبَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَكَم : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } قَالَ : أَكْمَلَ لَهُمْ دِينهمْ أَنْ حَجُّوا وَلَمْ يَحُجّ مَعَهُمْ مُشْرِك . 8714 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } قَالَ : أَخْلَصَ اللَّه لَهُمْ دِينهمْ , وَنَفَى الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْبَيْت . 8715 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } قَالَ : تَمَام الْحَجّ , وَنَفْي الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْبَيْت . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ يَوْم أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه دِينهمْ , بِإِفْرَادِهِمْ بِالْبَلَدِ الْحَرَام , وَإِجْلَائِهِ عَنْهُ الْمُشْرِكِينَ , حَتَّى حَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ دُونهمْ , لَا يُخَالِطُونَهُمْ الْمُشْرِكُونَ . فَأَمَّا الْفَرَائِض وَالْأَحْكَام , فَإِنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا , هَلْ كَانَتْ أُكْمِلَتْ ذَلِكَ الْيَوْم أَمْ لَا ؟ فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا قَبْل . وَرُوِيَ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب أَنَّ آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآن : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } وَلَا يَدْفَع ذُو عِلْم أَنَّ الْوَحْي لَمْ يَنْقَطِع عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ قُبِضَ , بَلْ كَانَ الْوَحْي قَبْل وَفَاته أَكْثَر مَا كَانَ تَتَابُعًا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ قَوْله : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } آخِرهَا نُزُولًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام وَالْفَرَائِض , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } عَلَى خِلَاف الْوَجْه الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ تَأَوَّلَهُ , أَعْنِي : كَمَال الْعِبَادَات وَالْأَحْكَام وَالْفَرَائِض . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا جَعَلَ قَوْل مَنْ قَالَ : قَدْ نَزَلَ بَعْد ذَلِكَ فَرْض أَوْلَى مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : لَمْ يَنْزِل ؟ قِيلَ لِأَنَّ الَّذِي قَالَ لَمْ يَنْزِل , مُخْبِر أَنَّهُ لَا يَعْلَم نُزُول فَرْض , وَالنَّفْي لَا يَكُون شَهَادَة , وَالشَّهَادَة قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَ , وَغَيْر جَائِز دَفْع خَبَر الصَّادِق فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُون فِيهِ صَادِقًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَأَتْمَمْت نِعْمَتِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِإِظْهَارِكُمْ عَلَى عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَنَفْيِي إِيَّاهُمْ عَنْ بِلَادكُمْ , وَقَطْعِي طَمَعهمْ مِنْ رُجُوعكُمْ , وَعَوْدكُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يَحُجُّونَ جَمِيعًا , فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَة , فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْبَيْت , وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ لَا يُشَارِكهُمْ فِي الْبَيْت الْحَرَام أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَكَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَام النِّعْمَة : { وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } . 8716 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم عَرَفَة يَوْم جُمُعَة , حِين نَفَى اللَّه الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَأَخْلَصَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجّهمْ 8717 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : . نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِعَرَفَاتٍ , حَيْثُ هُدِمَ مَنَار الْجَاهِلِيَّة , وَاضْمَحَلَّ الشِّرْك , وَلَمْ يَحُجّ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَام مُشْرِك . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر فِي هَذِهِ الْآيَة : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَاتٍ , وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاس , وَتَهَدَّمَتْ مَنَار الْجَاهِلِيَّة وَمَنَاسِكهمْ , وَاضْمَحَلَّ الشِّرْك , وَلَمْ يَطُفْ حَوْل الْبَيْت عُرْيَان , فَأَنْزَلَ اللَّه : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ . ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , بِنَحْوِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَرَضِيت لَكُمْ الِاسْتِسْلَام لِأَمْرِي وَالِانْقِيَاد لِطَاعَتِي , عَلَى مَا شَرَعْت لَكُمْ مِنْ حُدُوده وَفَرَائِضه وَمَعَالِمه { دِينًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : طَاعَة مِنْكُمْ لِي . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَمَا كَانَ اللَّه رَاضِيًا الْإِسْلَام لِعِبَادِهِ , إِلَّا يَوْم أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة ؟ قِيلَ : لَمْ يَزَلْ اللَّه رَاضِيًا لِخَلْقِهِ الْإِسْلَام دِينًا , وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَزَلْ يُصَرِّف نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي دَرَجَات وَمَرَاتِبه دَرَجَة بَعْد دَرَجَة وَمَرْتَبَة بَعْد مَرْتَبَة وَحَالًا بَعْد حَال , حَتَّى أَكْمَلَ لَهُمْ شَرَائِعه وَمَعَالِمه وَبَلَغَ بِهِمْ أَقْصَى دَرَجَاته وَمَرَاتِبه , ثُمَّ قَالَ حِين أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَة : { وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا الْيَوْم , وَالْحَال الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا الْيَوْم مِنْهُ { دِينًا } فَالْزَمُوهُ وَلَا تُفَارِقُوهُ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 8718 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُمَثَّل لِأَهْلِ كُلّ دِين دِينهمْ يَوْم الْقِيَامَة , فَأَمَّا الْإِيمَان فَيُبَشِّر أَصْحَابه وَأَهْله , وَيَعِدهُمْ فِي الْخَيْر حَتَّى يَجِيء الْإِسْلَام . فَيَقُول : رَبّ أَنْتَ السَّلَام وَأَنَا الْإِسْلَام , فَيَقُول : إِيَّاكَ الْيَوْم أَقْبَل , وَبِك الْيَوْم أَجْزِي . وَأَحْسَب أَنَّ قَتَادَة وَجَّهَ مَعْنَى الْإِيمَان بِهَذَا الْخَبَر إِلَى مَعْنَى التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الْإِيمَان عِنْد الْعَرَب , وَوَجَّهَ مَعْنَى الْإِسْلَام إِلَى اِسْتِسْلَام الْقَلْب وَخُضُوعه لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ , وَانْقِيَاد الْجَسَد لَهُ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْإِسْلَامِ : إِيَّاكَ الْيَوْم أَقْبَل , وَبِك الْيَوْم أَجْزِي . ذِكْر مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِعَرَفَة فِي حَجَّة الْوَدَاع عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 8719 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود لِعُمَر : إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَة لَوْ أُنْزِلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا . فَقَالَ عُمَر : إِنِّي لَأَعْلَم حِين أُنْزِلَتْ , وَأَيْنَ نَزَلَتْ , وَأَيْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أُنْزِلَتْ ; أُنْزِلَتْ يَوْم عَرَفَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِف بِعَرَفَة - قَالَ سُفْيَان : وَأَشُكّ , كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أَمْ لَا - { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع . قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : قَالَ يَهُودِيّ لِعُمَر : لَوْ عَلِمْنَا مَعْشَر الْيَهُود حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } لَوْ نَعْلَم ذَلِكَ الْيَوْم اِتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا . فَقَالَ عُمَر : قَدْ عَلِمْت الْيَوْم الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ وَالسَّاعَة , وَأَيْنَ رَسُول اللَّه أَوْ حِين نَزَلَتْ ; نَزَلَتْ لَيْلَة الْجُمُعَة وَنَحْنُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ . لَفْظ الْحَدِيث لِأَبِي كُرَيْب , وَحَدِيث اِبْن وَكِيع نَحْوه * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , عَنْ أَبِي الْعُمَيْس , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق , عَنْ عُمَر , نَحْوه . 8720 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ . ثنا أَبِي , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار مَوْلَى بَنِي هَاشِم , قَالَ : قَرَأَ اِبْن عَبَّاس : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَعِنْده رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ : لَوْ عَلِمْنَا أَيّ يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْم عَرَفَة يَوْم جُمُعَة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَمَّار : أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَرَأَ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } فَقَالَ يَهُودِيّ : لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمهَا عِيدًا , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْم عِيدَيْنِ اِثْنَيْنِ : يَوْم عِيد , وَيَوْم جُمُعَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار , عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا رَجَاء بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَادَة بْن نُسَيّ , قَالَ : ثنا أَمِيرنَا إِسْحَاق , قَالَ أَبُو جَعْفَر إِسْحَاق - هُوَ اِبْن خَرَشَة - عَنْ قَبِيصَة قَالَ : قَالَ كَعْب : لَوْ أَنَّ غَيْر هَذِهِ الْأُمَّة نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَة لَنَظَرُوا الْيَوْم الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ عَلَيْهِمْ فَاتَّخَذُوهُ عِيدًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ , فَقَالَ عُمَر : أَيّ آيَة يَا كَعْب ؟ فَقَالَ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } فَقَالَ عُمَر : قَدْ عَلِمْت الْيَوْم الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ , وَالْمَكَان الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ , يَوْم جُمُعَة , وَيَوْم عَرَفَة , وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّه لَنَا عِيد . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ عِيسَى بْن حَارِثَة الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا فِي الدِّيوَان , فَقَالَ لَنَا نَصْرَانِيّ : يَا أَهْل الْإِسْلَام : لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْكُمْ آيَة لَوْ نَزَلَتْ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْم وَتِلْكَ السَّاعَة عِيدًا مَا بَقِيَ مِنَّا اِثْنَانِ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَد مِنَّا , فَلَقِيت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : أَلَا رَدَدْتُمْ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِف عَلَى الْجَبَل يَوْم عَرَفَة , فَلَا يَزَال ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَد 8721 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } عَشِيَّة عَرَفَة وَهُوَ فِي الْمَوْقِف 8722 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , قَالَ : قُلْت لِعَامِرٍ : إِنَّ الْيَهُود تَقُول : كَيْفَ لَمْ تَحْفَظ الْعَرَب هَذَا الْيَوْم الَّذِي أَكْمَلَ اللَّه لَهَا دِينهَا فِيهِ ؟ فَقَالَ عَامِر : أَوَمَا حَفِظْتهُ ؟ قُلْت لَهُ : فَأَيّ يَوْم ؟ قَالَ : يَوْم عَرَفَة , أَنْزَلَ اللَّه فِي يَوْم عَرَفَة . 8723 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْم عَرَفَة , وَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة . 8724 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ حَبِيب , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب , قَالَ : نَزَلَتْ سُورَة الْمَائِدَة يَوْم عَرَفَة , وَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة . 8725 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : نَزَلَتْ سُورَة الْمَائِدَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة عَلَى رَاحِلَته , فَتَنَوَّخَتْ لَأَنْ يُدَقّ ذِرَاعهَا 8726 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد , قَالَتْ : نَزَلَتْ سُورَة الْمَائِدَة جَمِيعًا وَأَنَا آخِذَة بِزِمَامِ نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاء ; قَالَتْ : فَكَادَتْ مِنْ ثِقَلهَا أَنْ يُدَقّ عَضُد النَّاقَة 8727 - حَدَّثَنِي أَبُو عَامِر إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس السَّكُونِيّ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان عَلَى الْمِنْبَر يَنْتَزِع بِهَذِهِ الْآيَة : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } حَتَّى خَتَمَهَا , فَقَالَ : نَزَلَتْ فِي يَوْم عَرَفَة , فِي يَوْم جُمُعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , أَعْنِي قَوْله : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَقَالُوا : أُنْزِلَتْ سُورَة الْمَائِدَة بِالْمَدِينَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8728 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن حَرْب , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ خَالِد بْن أَبِي عِمْرَان , عَنْ حَنَش , عَنْ اِبْن عَبَّاس : وُلِدَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَخَرَجَ مِنْ مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَدَخَلَ الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَأُنْزِلَتْ سُورَة الْمَائِدَة يَوْم الِاثْنَيْنِ { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } وَرُفِعَ الذِّكْر يَوْم الِاثْنَيْنِ 8729 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْمَائِدَة مَدَنِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيره فِي حَجَّة الْوَدَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8730 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : نَزَلَتْ سُورَة الْمَائِدَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسِير فِي حَجَّة الْوَدَاع , وَهُوَ رَاكِب رَاحِلَته , فَبَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَته مِنْ ثِقَلهَا وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ مَعْلُوم عِنْد النَّاس , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْيَوْم الَّذِي أَعْلَمهُ أَنَا دُون خَلْقِي , أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8731 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ } يَقُول : لَيْسَ بِيَوْمٍ مَعْلُوم يَعْلَمهُ النَّاس . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي وَقْت نُزُول الْآيَة , الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْم عَرَفَة يَوْم جُمُعَة , لِصِحَّةِ سَنَده وَوَهْي أَسَانِيد غَيْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ } فَمَنْ أَصَابَهُ ضُرّ فِي مَخْمَصَة , يَعْنِي فِي مَجَاعَة , وَهِيَ مَفْعَلَة مِثْل الْمَجْبَنَة وَالْمَبْخَلَة وَالْمَنْجَبَة , مِنْ خَمَص الْبَطْن , وَهُوَ اِضْطِمَاره , وَأَظُنّهُ هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهِ اِضْطِمَاره مِنْ الْجُوع وَشِدَّة السَّغَب , وَقَدْ يَكُون فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع اِضْطِمَارًا مِنْ غَيْر الْجُوع وَالسَّغَب , وَلَكِنْ مِنْ خِلْقَة , كَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان فِي صِفَة اِمْرَأَة بِخَمَصِ الْبَطْن : وَالْبَطْنُ ذُو عُكَنٍ خَمِيصٌ لَيِّنٌ وَالنَّحْرُ تَنْفُجُهُ بِثَدْيٍ مُقْعَد فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ صِفَتهَا بِقَوْلِهِ خَمِيص بِالْهُزَالِ وَالضُّرّ مِنْ الْجُوع , وَلَكِنَّهُ أَرَادَ وَصْفهَا بِلَطَافَةِ طَيّ مَا عَلَى الْأَوْرَاك وَالْأَفْخَاذ مِنْ جَسَدهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْمَد مِنْ النِّسَاء . وَلَكِنَّ الَّذِي فِي مَعْنَى الْوَصْف بِالِاضْطِمَارِ وَالْهُزَال مِنْ الضُّرّ , مِنْ ذَلِكَ , قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : تَبِيتُونَ فِي الْمَشْتَى مِلَاء بُطُونكُمْ وَجَارَاتكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا يَعْنِي بِذَلِكَ : يَبِتْنَ مُضْطَمَرَات الْبُطُون مِنْ الْجُوع وَالسَّغَب وَالضُّرّ , فَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله : فِي مَخْمَصَة . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : الْمَخْمَصَة : الْمَصْدَر مِنْ خَمَصَهُ الْجُوع . وَكَانَ غَيْره مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة يَرَى أَنَّهَا اِسْم لِلْمَصْدَرِ وَلَيْسَتْ بِمَصْدَرٍ ; وَلِذَلِكَ تَقَع الْمَفْعَلَة اِسْمًا فِي الْمَصَادِر لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِير . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8732 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ عَبَّاس : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } يَعْنِي فِي مَجَاعَة . 8733 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } أَيْ فِي مَجَاعَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 8734 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } قَالَ : ذَكَرَ الْمَيْتَة وَمَا فِيهَا وَأَحَلَّهَا فِي الِاضْطِرَار . { فِي مَخْمَصَة } يَقُول : فِي مَجَاعَة . 8735 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } قَالَ : الْمَخْمَصَة : الْجُوع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة } إِلَى أَكْل مَا حَرَّمْت عَلَيْهِ مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَسَائِر مَا حَرَّمْت عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة . { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَقُول : لَا مُتَجَانِفًا لِإِثْمٍ , فَلِذَلِكَ نَصَبَ " غَيْر " لِخُرُوجِهَا مِنْ الِاسْم الَّذِي فِي قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ } وَبِمَعْنَى لَا , فَنُصِبَ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ بِهِ مَنْصُوبًا الْمُتَجَانِف لَوْ جَاءَ الْكَلَام : لَا مُتَجَانِفًا . وَأَمَّا الْمُتَجَانِف لِإِثْمٍ , فَإِنَّهُ الْمُتَمَايِل لَهُ , الْمُنْحَرِف إِلَيْهِ , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مُرَاد بِهِ الْمُتَعَمِّد لَهُ الْقَاصِد إِلَيْهِ , مِنْ جَنَفَ الْقَوْم عَلَيَّ إِذَا مَالُوا , وَكُلّ أَعْوَج فَهُوَ أَجْنَف عِنْد الْعَرَب وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَنَف بِشَوَاهِدِهِ فِي قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا } بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا تَجَانُف أَكْل الْمَيْتَة فِي أَكْلهَا وَفِي غَيْرهَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه أَكْله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَة لِلْإِثْمِ فِي حَال أَكْله , فَهُوَ تَعَمُّده الْأَكْل لِغَيْرِ دَفْع الضَّرُورَة النَّازِلَة بِهِ , وَلَكِنْ لِمَعْصِيَةِ اللَّه وَخِلَاف أَمْره فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَرْك أَكْل ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8736 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَعْنِي : إِلَى مَا حَرَّمَ مِمَّا سَمَّى فِي صَدْر هَذِهِ الْآيَة : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَقُول : غَيْر مُتَعَمِّد لِإِثْمٍ . 8737 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } غَيْر مُتَعَمِّد لِإِثْمٍ , قَالَ : إِلَى حَرَّمَ اللَّه مَا حَرَّمَ , رَخَّصَ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا كَانَ غَيْر مُتَعَمِّد لِإِثْمٍ أَنْ يَأْكُلهُ مِنْ جَهْد ; فَمَنْ بَغَى أَوْ عَدَا أَوْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَة اللَّه , فَإِنَّهُ مُحَرَّم عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلهُ . 8738 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } أَيْ غَيْر مُتَعَرِّض لِمَعْصِيَةٍ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } غَيْر مُتَعَمِّد لِإِثْمٍ , غَيْر مُتَعَرِّض . 8739 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } يَقُول : غَيْر مُتَعَرِّض لِإِثْمٍ : أَيْ يَبْتَغِي فِيهِ شَهْوَة , أَوْ يَعْتَدِي فِي أَكْله . 8740 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } لَا يَأْكُل ذَلِكَ اِبْتِغَاء الْإِثْم , وَلَا جَرَاءَة عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } وَفِي هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة إِلَى مَا حَرَّمْت عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْت فِي هَذِهِ الْآيَة , { غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ } فَأَكَلَهُ , { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } , فَتَرَكَ ذِكْر : " فَأَكَلَهُ " . وَذَكَرَ : "لَهُ " , لِدَلَالَةِ سَائِر مَا ذَكَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِمَا . وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنَّ اللَّه لِمَنْ أَكَلَ مَا حَرَّمْت عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة أَكَلَهُ فِي مَخْمَصَة , غَيْر مُتَجَانِف لِإِثْمٍ , غَفُور رَحِيم , يَقُول : يَسْتُر لَهُ عَنْ أَكْله مَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ بِعَفْوِهِ عَنْ مُؤَاخَذَته إِيَّاهُ , وَصَفْحه عَنْهُ , وَعَنْ عُقُوبَته عَلَيْهِ { رَحِيم } يَقُول : وَهُوَ بِهِ رَفِيق , مِنْ رَحْمَته وَرِفْقه بِهِ , أَبَاحَ لَهُ أَكْل مَا أَبَاحَ لَهُ أَكْله مِنْ الْمَيْتَة وَسَائِر مَا ذَكَرَ مَعَهَا فِي هَذِهِ الْآيَة , فِي حَال خَوْفه عَلَى نَفْسه , مِنْ كَلَب الْجُوع وَضُرّ الْحَاجَة الْعَارِضَة بِبَدَنِهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا الْأَكْل الَّذِي وَعَدَ اللَّه الْمُضْطَرّ إِلَى الْمَيْتَة وَسَائِر الْمُحَرَّمَات مَعَهَا بِهَذِهِ الْآيَة غُفْرَانه إِذَا أَكَلَ مِنْهَا ؟ قِيلَ : مَا : 8741 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الْأَسَدِيّ , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة , عَنْ أَبِي وَاقِد اللَّيْثِيّ , قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا فِيهَا مَخْمَصَة , فَمَا يَصْلُح لَنَا مِنْ الْمَيْتَة ؟ قَالَ : " إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا , أَوْ تَغْتَبِقُوا , أَوْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا , فَشَأْنُكُمْ بِهَا " 8742 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْخَصِيب بْن زَيْد التَّمِيمِيّ , قَالَ : ثنا الْحَسَن : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : إِلَى مَتَى يَحِلّ لِي الْحَرَام ؟ قَالَ : فَقَالَ : " إِلَى أَنْ يُرْوَى أَهْلك مِنْ اللَّبَن , أَوْ تَجِيء مِيرَتُهُمْ " . 8743 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا خَصِيب بْن زَيْد التَّمِيمِيّ , قَالَ : ثنا الْحَسَن : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " أَوْ تَحْيَا مِيرَتهمْ " . 8744 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عُرْوَة عَنْ جَدّه عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَمَّنْ حَدَّثَهُ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَاب أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيه فِي الَّذِي حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ وَاَلَّذِي أَحَلَّ لَهُ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يَحِلُّ لَك الطَّيِّبَات , وَيُحَرِّم عَلَيْك الْخَبَائِث , إِلَّا أَنْ تَفْتَقِر إِلَى طَعَام لَك فَتَأْكُل مِنْهُ حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنْهُ " , فَقَالَ الرَّجُل : وَمَا فَقْرِي الَّذِي يُحِلّ لِي , وَمَا غِنَايَ الَّذِي يُغْنِينِي عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كُنْت تَرْجُو نِتَاجًا فَتَبَلَّغْ بِلُحُومِ مَاشِيَتك إِلَى نِتَاجك , أَوْ كُنْت تَرْجُو غِنًى تَطْلُبهُ . فَتَبَلَّغْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا , فَأَطْعِمْ أَهْلك مَا بَدَا لَك حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنْهُ " فَقَالَ الْإِعْرَابِيّ . مَا غِنَايَ الَّذِي أَدَعهُ إِذَا وَجَدْته ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَرْوَيْت أَهْلك غَبُوقًا مِنْ اللَّيْل فَاجْتَنِبْ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْك مِنْ طَعَام مَالِك , فَإِنَّهُ مَيْسُور كُلّه , لَيْسَ فِيهِ حَرَام " 8745 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : وَجَدْت عِنْد الْحَسَن كِتَاب سَمُرَة , فَقَرَأْته عَلَيْهِ , وَكَانَ فِيهِ : وَيَجْزِي مِنْ الِاضْطِرَار غَبُوق أَوْ صَبُوح . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ : قَرَأْت فِي كِتَاب سَمُرَة بْن جُنْدَب : يَكْفِي مِنْ الِاضْطِرَار - أَوْ مِنْ الضَّرُورَة - غَبُوق أَوْ صَبُوح . 8746 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِذَا اُضْطُرَّ الرَّجُل إِلَى الْمَيْتَة أَكَلَ مِنْهَا قُوته ; يَعْنِي : مُسْكَته . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن مُبَارَك , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة , قَالَ : قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا بِأَرْضِ مَخْمَصَة , فَمَا يَحِلّ لَنَا مِنْ الْمَيْتَة ؟ وَمَتَى تَحِلّ لَنَا الْمَيْتَة ؟ قَالَ : " إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنكُمْ بِهَا " * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة , عَنْ رَجُل قَدْ سُمِّيَ لَنَا , أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا نَكُون بِأَرْضِ مَخْمَصَة , فَمَتَى تَحِلّ لَنَا الْمَيْتَة ؟ قَالَ : " إِذَا لَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنكُمْ بِهَا " قَالَ أَبُو جَعْفَر : يُرْوَى هَذَا عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه : "تَحْتَفِئُوا " بِالْهَمْزَةِ , " وَتَحْتَفِيُوا " بِتَخْفِيفِ الْيَاء وَالْحَاء , " وَتَحْتَفُّوا " بِتَشْدِيدِ الْفَاء , وَ " تَحْتَفُوا "بِالْحَاءِ وَالتَّخْفِيف , وَيَحْتَمِل الْهَمْز .
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَسْأَلك يَا مُحَمَّد أَصْحَابك مَا الَّذِي أُحِلَّ لَهُمْ أَكْله مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَآكِل , فَقُلْ لَهُمْ : أُحِلَّ مِنْهَا الطَّيِّبَات , وَهِيَ الْحَلَال الَّذِي أَذِنَ لَكُمْ رَبّكُمْ فِي أَكْله مِنْ الذَّبَائِح , وَأُحِلَّ لَكُمْ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ صَيْد مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح , وَمِنْ الْكَوَاسِب مِنْ سِبَاع الْبَهَائِم وَالطَّيْر , سُمِّيَتْ جَوَارِح لِجَرْحِهَا لِأَرْبَابِهَا وَكَسْبهَا إِيَّاهُمْ أَقْوَاتهمْ مِنْ الصَّيْد , يُقَال مِنْهُ : جَرَحَ فُلَان لِأَهْلِهِ خَيْرًا : إِذَا أَكْسَبَهُمْ خَيْرًا , وَفُلَان جَارِحَة أَهْله : يَعْنِي بِذَلِكَ : كَاسِبهمْ , وَلَا جَارِحَة لِفُلَانَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَاسِب , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : ذَات خَدّ مُنْضِج مِيسَمُهُ يُذْكِر الْجَارِحَ مَا كَانَ اِجْتَرَحَ يَعْنِي : اِكْتَسَبَ . وَتَرَكَ مِنْ قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ } " وَصَيْد " مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْره . وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْم فِيمَا بَلَغَنَا كَانُوا سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْكِلَاب عَمَّا يَحِلّ لَهُمْ اِتِّخَاذه مِنْهَا وَعَبِيده , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَة فَاسْتَثْنَى مِمَّا كَانَ حَرَّمَ اِتِّخَاذه مِنْهَا , وَأَمَرَ بِقِنْيَةِ كِلَاب الصَّيْد وَكِلَاب الْمَاشِيَة وَكِلَاب الْحَرْث , وَأَذِنَ لَهُمْ بِاِتِّخَاذِ ذَلِكَ . ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 8747 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب الْعُكَلِيّ , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا صَالِح عَنْ الْقَعْقَاع بْن حَكِيم , عَنْ سَلْمَى أُمّ رَافِع , عَنْ أَبِي رَافِع , قَالَ : جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِن عَلَيْهِ , فَأَذِنَ لَهُ , فَقَالَ : " قَدْ أَذَنَّا لَك يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " , قَالَ : أَجْل , وَلَكِنَّا لَا نَدْخُل بَيْتًا فِيهِ كَلْب . قَالَ أَبُو رَافِع : فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْتُل كُلّ كَلْب بِالْمَدِينَةِ , فَقَتَلْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى اِمْرَأَة عِنْدهَا كَلْب يَنْبَح عَلَيْهَا , فَتَرَكْته رَحْمَة لَهَا , ثُمَّ جِئْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرْته , فَأَمَرَنِي , فَرَجَعْت إِلَى الْكَلْب فَقَتَلْته , فَجَاءُوا فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا يَحِلّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة الَّتِي أَمَرْت بِقَتْلِهَا ؟ قَالَ : فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } 8748 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِع فِي قَتْل الْكِلَاب , فَقَتَلَ حَتَّى بَلَغَ الْعَوَالِي , فَدَخَلَ عَاصِم بْن عَدِيّ وَسَعْد بْن خَيْثَمَة وَعُوَيْم بْن سَاعِدَة , فَقَالُوا : مَاذَا أُحِلَّ لَنَا يَا رَسُول اللَّه ؟ فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } 8749 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : حَدَّثُونَا عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : لَمَّا أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَاب , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , فَمَاذَا يَحِلّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة ؟ فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } الْآيَة ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْجَوَارِح الَّتِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح } فَقَالَ بَعْضهمْ هُوَ كُلّ مَا عُلِّمَ الصَّيْد فَتَعَلَّمَهُ مِنْ بَهِيمَة أَوْ طَائِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8750 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : كُلّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ : مِنْ كَلْب , أَوْ صَقْر , أَوْ فَهْد , أَوْ غَيْره . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن : { مُكَلِّبِينَ } قَالَ : كُلّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ مِنْ كَلْب أَوْ فَهْد أَوْ غَيْره . 8751 - اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي صَيْد الْفَهْد , قَالَ : هُوَ مِنْ الْجَوَارِح . 8752 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : الطَّيْر , وَالْكِلَاب . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ الْقَاسِم أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد : { مُكَلِّبِينَ } قَالَ : مِنْ الْكِلَاب وَالطَّيْر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : مِنْ الطَّيْر وَالْكِلَاب . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8753 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا شُعْبَة ( ح ) وَثنا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْهَيْثَم , عَنْ طَلْحَة بْن مُصَرِّف , قَالَ : خَيْثَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن : هَذَا مَا قَدْ بَيَّنْت لَك أَنَّ الصَّقْر وَالْبَازِي مِنْ الْجَوَارِح . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت الْهَيْثَم يُحَدِّث عَنْ طَلْحَة الْإِيَامِيّ , عَنْ خَيْثَمَة , قَالَ : أُنْبِئْت أَنَّ الصَّقْر , وَالْبَاز , وَالْكَلْب : مِنْ الْجَوَارِح . 8754 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ نَافِع , عَنْ عَلِيّ بْن حُسَيْن , قَالَ : الْبَاز الصَّقْر مِنْ الْجَوَارِح . 8755 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْبَاز وَالصَّقْر مِنْ الْجَوَارِح الْمُكَلِّبِينَ . 8756 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } يَعْنِي بِالْجَوَارِحِ : الْكِلَاب الضَّوَارِي وَالْفُهُود وَالصُّقُور وَأَشْبَاههَا . 8757 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : مِنْ الْكِلَاب وَغَيْرهَا , مِنْ الصُّقُور وَالْبِيزَان وَأَشْبَاه ذَلِكَ مِمَّا يُعَلَّم . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } الْجَوَارِح : الْكِلَاب وَالصُّقُور الْمُعَلَّمَة . 8758 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول فِي قَوْله : { مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : الْكِلَاب وَالطَّيْر . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } الْكِلَاب دُون غَيْرهَا مِنْ السِّبَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8759 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : هِيَ الْكِلَاب . 8760 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } يَقُول : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْكِلَاب الَّتِي عَلَّمْتُمُوهُنَّ . 8761 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : أَمَّا مَا صَادَ مِنْ الطَّيْر وَالْبُزَاة مِنْ الطَّيْر , فَمَا أَدْرَكْت فَهُوَ لَك , وَإِلَّا فَلَا تَطْعَمهُ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : كُلّ مَا صَادَ مِنْ الطَّيْر وَالسِّبَاع فَمِنْ الْجَوَارِح , وَإِنَّ صَيْد جَمِيع ذَلِكَ حَلَال إِذَا صَادَ بَعْد التَّعْلِيم ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } كُلّ جَارِحَة , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهَا شَيْئًا , فَكُلّ جَارِحَة كَانَتْ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّه مِنْ كُلّ طَائِر وَسَبُع فَحَلَال أَكْل صَيْدهَا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَر , مَعَ مَا فِي الْآيَة مِنْ الدَّلَالَة الَّتِي ذَكَرْنَا عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , وَهُوَ مَا : 8762 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ مُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه عَنْ صَيْد الْبَازِي , فَقَالَ : " مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ " فَأَبَاحَ صَيْد الْبَازِي وَجَعَلَهُ مِنْ الْجَوَارِح , فَفِي ذَلِكَ دَلَالَة بَيِّنَة عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى أَنَّهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح } مَا عَلَّمَنَا مِنْ الْكِلَاب خَاصَّة دُون غَيْرهَا مِنْ سَائِر الْجَوَارِح . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي قَوْله { مُكَلِّبِينَ } دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْجَوَارِح الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح } هِيَ الْكِلَاب خَاصَّة , فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي حَال مَصِيركُمْ أَصْحَاب كِلَاب الطَّيِّبَات وَصَيْد مَا عَلَّمْتُمُوهُ الصَّيْد مِنْ كَوَاسِب السِّبَاع وَالطَّيْر . فَقَوْله : { مُكَلِّبِينَ } صِفَة لِلْقَانِصِ , وَإِنْ صَادَ بِغَيْرِ الْكِلَاب فِي بَعْض أَحْيَانه , وَهُوَ نَظِير قَوْل الْقَائِل يُخَاطِب قَوْمًا : أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات , وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ مُؤْمِنِينَ ; فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى قَائِل ذَلِكَ إِخْبَار الْقَوْم أَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْره أَحَلَّ لَهُمْ فِي حَال كَوْنهمْ أَهْل إِيمَان الطَّيِّبَات , وَصَيْد الْجَوَارِح الَّتِي أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا مَا صَادُوهُ بِهَا , فَكَذَلِكَ قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } لِذَلِكَ نَظِيره فِي أَنَّ التَّكْلِيب لِلْقَانِصِ بِالْكِلَابِ كَانَ صَيْده أَوْ بِغَيْرِهَا , لَا أَنَّهُ إِعْلَام مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَنَّهُ لَا يَحِلّ مِنْ الصَّيْد إِلَّا مَا صَادَتْهُ الْكِلَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { تُعَلِّمُونَهُنَّ } تُؤَدِّبُونَ الْجَوَارِح , فَتُعَلِّمُونَهُنَّ طَلَب الصَّيْد لَكُمْ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه , يَعْنِي بِذَلِكَ : مِنْ التَّأْدِيب الَّذِي أَدَّبَكُمْ اللَّه وَالْعِلْم الَّذِي عَلَّمَكُمْ . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل : مَعْنَى قَوْله : { مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } كَمَا عَلَّمَكُمْ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8763 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } يَقُول : تُعَلِّمُونَهُنَّ مِنْ الطَّلَب كَمَا عَلَّمَكُمْ اللَّه . وَلَسْنَا نَعْرِف فِي كَلَام الْعَرَب " مِنْ " بِمَعْنَى الْكَاف , لِأَنَّ " مِنْ " تَدْخُل فِي كَلَامهمْ بِمَعْنَى التَّبْعِيض , وَالْكَاف بِمَعْنَى التَّشْبِيه . وَإِنَّمَا يُوضَع الْحَرْف مَكَان آخَر غَيْره إِذَا تَقَارَبَ مَعْنَيَاهُمَا , فَأَمَّا إِذَا اِخْتَلَفَتْ مَعَانِيهمَا فَغَيْر مَوْجُود فِي كَلَامهمْ وَضْع أَحَدهمَا عَقِيب الْآخَر , وَكِتَاب اللَّه وَتَنْزِيله أَحْرَى الْكَلَام أَنْ يُجَنَّب مَا خَرَجَ عَنْ الْمَفْهُوم وَالْغَايَة فِي الْفَصَاحَة مِنْ كَلَام مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ . 8764 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن صُبَيْح , قَالَ : ثنا أَبُو هَانِئ , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : ثنا عَامِر , أَنَّ عَدِيّ بْن حَاتِم الطَّائِيّ , قَالَ : أَتَى رَجُل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلهُ عَنْ صَيْد الْكِلَاب , فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُول لَهُ , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } قِيلَ : اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يُسْتَشْلَى لِطَلَبِ الصَّيْد إِذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبه , وَيُمْسِك عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَهُ فَلَا يَأْكُل مِنْهُ , وَيَسْتَجِيب لَهُ إِذَا دَعَاهُ , وَلَا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ , فَإِذَا تَتَابَعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا كَانَ مُعَلَّمًا . وَهَذَا قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض أَهْل الْعِرَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8765 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عِصَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : كُلّ شَيْء قَتَلَهُ صَائِدك قَبْل أَنْ يُعَلَّم وَيُمْسِك وَيَصِيد فَهُوَ مَيْتَة , وَلَا يَكُون قَتْله إِيَّاهُ ذَكَاة حَتَّى يُعَلَّم وَيُمْسِك وَيَصِيد , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ قَتَلَ فَهُوَ ذَكَاته . 8766 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْمُعَلَّم مِنْ الْكِلَاب أَنْ يُمْسِك صَيْده فَلَا يَأْكُل مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيه صَاحِبه , فَإِنْ أَكَلَ مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه فَيُدْرِك ذَكَاته , فَلَا يَأْكُل مِنْ صَيْده . 8767 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ طَاوُس , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَلَا تَأْكُل , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه . 8768 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُل الْكَلْب فَأَكَلَ مِنْ صَيْده فَقَدْ أَفْسَدَهُ , وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ اِسْم اللَّه حِين أَرْسَلَهُ - فَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه - وَاللَّه يَقُول { مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } فَزَعَمَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ , وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَب وَيُعَلَّم حَتَّى يَتْرُك ذَلِكَ الْخُلُق . 8769 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَعْمَر الرَّقِّيّ , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا أَخَذَ الْكَلْب فَقَتَلَ فَأَكَلَ , فَهُوَ سَبُع . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَا يَأْكُل مِنْهُ , فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا لَمْ يَتَعَلَّم مِنْهُ وَلَمْ يَتَعَلَّم مَا عَلَّمْته , إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه وَلَمْ يُمْسِك عَلَيْك . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا أَكَلَتْ الْكِلَاب فَلَا تَأْكُل . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . 8770 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , قَالَ : قُلْت لِعَامِرٍ الشَّعْبِيّ : الرَّجُل يُرْسِل كَلْبه فَيَأْكُل مِنْهُ , أَنَأْكُلُ مِنْهُ ؟ قَالَ : لَا , لَمْ يَتَعَلَّم الَّذِي عَلَّمْته . 8771 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْكَلْب مِنْ صَيْد فَاضْرِبْهُ , فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ . 8772 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَهُوَ مَيْتَة , فَلَا تَأْكُلهُ . 8773 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَسَيَّار , عَنْ الشَّعْبِيّ وَمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْكَلْب : إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْده فَلَا تَأْكُل , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه . 8774 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : إِنْ وَجَدْت الْكَلْب قَدْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْد , فَمَا وَجَدْته مَيِّتًا فَدَعْهُ , فَإِنَّهُ مِمَّا لَمْ يُمْسِك عَلَيْك صَيْدًا , إِنَّمَا هُوَ سَبُع أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه وَلَمْ يُمْسِك عَلَيْك , وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِّمَ . 8775 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ نَحْو هَذِهِ الْمَقَالَة , غَيْر أَنَّهُمْ حَدُّوا لِمَعْرِفَةِ الْكَلَّاب بِأَنَّ كَلْبه قَدْ قَبِلَ التَّعْلِيم , وَصَارَ مِنْ الْجَوَارِح الْحَلَال صَيْدهَا أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ كَلْبه مَرَّات ثَلَاثًا , وَهَذَا قَوْل مَحْكِيّ عَنْ أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة : لَا حَدَّ لِعِلْمِ الْكَلَّاب بِذَلِكَ مِنْ كَلْبه أَكْثَر مِنْ أَنْ يَفْعَل كَلْبه مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ لَهُ تَعْلِيم ; قَالُوا : فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ مُعَلَّمًا حَلَالًا صَيْده . وَهَذَا قَوْل بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ . وَفَرَّقَ بَعْض قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة بَيْن تَعْلِيم الْبَازِي وَسَائِر الطُّيُور الْجَارِحَة , وَتَعْلِيم الْكَلْب وَضَارِي السِّبَاع الْجَارِحَة , فَقَالَ : جَائِز أَكْل مَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي مِنْ الصَّيْد . قَالُوا : وَإِنَّمَا تَعْلِيم الْبَازِي أَنْ يَطِير إِذَا اُسْتُشْلِيَ , وَيُجِيب إِذَا دُعِيَ , وَلَا يَنْفِر مِنْ صَاحِبه إِذَا أَرَادَ أَخْذه . قَالُوا : وَلَيْسَ مِنْ شُرُوط تَعْلِيمه أَنْ لَا يَأْكُل مِنْ الصَّيْد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8776 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَا بَأْس بِصَيْدِ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ . 8777 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّيْر : إِذَا أَرْسَلْته فَقَتَلَ فَكُلْ , فَإِنَّ الْكَلْب إِذَا ضَرَبْته لَمْ يَعُدْ ; وَإِنَّ تَعْلِيم الطَّيْر : أَنْ يَرْجِع إِلَى صَاحِبه , وَلَيْسَ يُضْرَب فَإِذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْد وَنَتَفَ مِنْ الرِّيش فَكُلْ . 8778 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : لَيْسَ الْبَازِي وَالصَّقْر كَالْكَلْبِ , فَإِذَا أَرْسَلْتهمَا فَأَمْسَكَا فَأَكَلَا فَدَعَوْتهمَا فَأَتَيَاك , فَكُلْ مِنْهُ . 8779 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو زُبَيْد , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ حَمَّاد , قَالَ إِبْرَاهِيم : كُلْ صَيْد الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ . 8780 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , وَجَابِر عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَا : كُلْ مِنْ صَيْد الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي وَالصَّقْر مِنْ الصَّيْد , فَكُلْ , فَإِنَّهُ لَا يُعَلَّم . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَا بَأْس بِمَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي . 8781 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَازِي : إِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَكُلْ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : سَوَاء تَعْلِيم الطَّيْر وَالْبَهَائِم وَالسِّبَاع , لَا يَكُون نَوْع مِنْ ذَلِكَ مُعَلَّمًا إِلَّا بِمَا يَكُون بِهِ سَائِر الْأَنْوَاع مُعَلَّمًا . وَقَالُوا : لَا يَحِلّ أَكْل شَيْء مِنْ الصَّيْد الَّذِي صَادَتْهُ جَارِحَة فَأَكَلَتْ مِنْهُ , كَائِنَة مَا كَانَتْ تِلْكَ الْجَارِحَة بَهِيمَة أَوْ طَائِرًا . قَالُوا : لِأَنَّ مِنْ شُرُوط تَعْلِيمهَا الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا , أَنْ تُمْسِك مَا صَادَتْ عَلَى صَاحِبهَا فَلَا تَأْكُل مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8782 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَالِم , عَنْ عَامِر , قَالَ : قَالَ عَلِيّ : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْ صَيْده فَلَا تَأْكُل . 8783 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُجَاهِد بْن سَعِيد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْهُ فَلَا تَأْكُل . 8784 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُل . 8785 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع عَنْ عَمْرو بْن الْوَلِيد السَّهْمِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُل . 8786 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : الْكَلْب وَالْبَازِي كُلّه وَاحِد , لَا تَأْكُل مَا أَكَلَ مِنْهُ مِنْ الصَّيْد إِلَّا أَنْ تُدْرِك ذَكَاته فَتُذَكِّيهِ . قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : الْبَازِي يَنْتِف الرِّيش ؟ قَالَ : فَمَا أَدْرَكْته وَلَمْ يَأْكُل , فَكُلْ . قَالَ ذَلِكَ غَيْر مَرَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : تَعْلِيم كُلّ جَارِحَة مِنْ الْبَهَائِم وَالطَّيْر وَاحِد , قَالُوا : وَتَعْلِيمه الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْده أَنْ يُشْلَى عَلَى الصَّيْد فَيَسْتَشْلِي وَيَأْخُذ الصَّيْد , وَيَدْعُوهُ صَاحِبه فَيُجِيب , أَوْ لَا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَخَذَهُ . قَالُوا : فَإِذَا فَعَلَ الْجَارِح ذَلِكَ كَانَ مُعَلَّمًا دَاخِلًا فِي الْمَعْنَى الَّذِي قَالَ اللَّه : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } قَالُوا : وَلَيْسَ مِنْ شَرْط تَعْلِيم ذَلِكَ أَنْ لَا يَأْكُل مِنْ الصَّيْد , قَالُوا : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ شَرْطه وَهُوَ يُؤَدَّب بِأَكْلِهِ ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8787 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد أَوْ سَعْد , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك عَلَى صَيْد , وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَأَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثه , فَكُلْ مَا بَقِيَ . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : ثني الْقَاسِم بْن رَبِيعَة , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ سَلْمَان وَبَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ سَلْمَان : أَنَّ الْكَلْب يَأْخُذ الصَّيْد فَيَأْكُل مِنْهُ , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ إِذَا أَرْسَلْته وَذَكَرْت اِسْم اللَّه وَكَانَ مُعَلَّمًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ ; يَعْنِي : الصَّيْد إِذَا أَكَلَ ثُلُثَيْهِ ; يَعْنِي : الصَّيْد إِذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْب . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ وَعَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمَد , عَنْ شُعْبَة ( ح ) وَحَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ : ثنا عَبْدَة جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَأَكَلَ ثُلُثه فَكُلْ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ سَلْمَان , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ وَالْقَاسِم , أَنَّ سَلْمَان قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَكُلْ , وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي الْفُرَات , عَنْ مُحَمَّد بْن زَيْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم أَوْ بَازك , فَسَمَّيْت , فَأَكَلَ نِصْفه أَوْ ثُلُثَيْهِ , فَكُلْ بَقِيَّته . 8788 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَخْرَمَة بْن بُكَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حُمَيْد بْن مَالِك بْن خُثَيْم الدُّؤَلِيّ , أَنَّهُ سَأَلَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ الصَّيْد يَأْكُل مِنْهُ الْكَلْب , فَقَالَ : كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا حَذْيَة , يَعْنِي بَضْعَة . 8789 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت بُكَيْر بْن الْأَشَجّ يُحَدِّث عَنْ سَعْد , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . 8790 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت بُكَيْر بْن الْأَشَجّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب - قَالَ شُعْبَة , قُلْت : سَمِعْته مِنْ سَعِيد ؟ قَالَ : لَا - قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . قَالَ : ثُمَّ إِنَّ شُعْبَة قَالَ فِي حَدِيثه عَنْ سَعْد , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ نِصْفه . 8791 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك فَأَكَلَ مِنْهُ , فَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثه فَكُلْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني سَالِم بْن نُوح الْعَطَّار , عَنْ عُمَر , يَعْنِي اِبْن عَامِر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم فَأَخَذَ فَقَتَلَ , فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . 8792 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه ( ح ) وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ نَافِع , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك , أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُل . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , بِنَحْوِهِ . 8793 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن أَبِي ذِئْب أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ : أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ لَا يَرَى بِأَكْلِ الصَّيْد بَأْسًا , إِذَا قَتَلَهُ الْكَلْب أَكَلَ مِنْهُ . * - حَدَّثَنِي يُونُس بِهِ مَرَّة أُخْرَى , فَقَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر وَابْن أَبِي ذِئْب وَغَيْر وَاحِد , أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي ذِئْب , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِمَا أَكَلَ الْكَلْب الضَّارِي . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ بُكَيْر بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجّ , عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ سَعْد , قَالَ : قُلْت : لَنَا كِلَاب ضَوَارٍ يَأْكُلْنَ وَيُبْقِينَ ؟ قَالَ : كُلْ وَإِنْ لَمْ يُبْقِ إِلَّا بَضْعَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجّ , عَنْ حُمَيْد , قَالَ : سَأَلْت سَعْدًا , فَذَكَرَ نَحْوه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } أَنَّ التَّعْلِيم الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة لِلْجَوَارِحِ , إِنَّمَا هُوَ أَنْ يُعَلِّم الرَّجُل جَارِحه الِاسْتِشْلَاء إِذَا أُشْلِيَ عَلَى الصَّيْد , وَطَلَبه إِيَّاهُ إِذَا أُغْرِيَ , أَوْ إِمْسَاكه عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَ مِنْ غَيْر أَنْ يَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , وَأَلَّا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ , وَأَنْ يُجِيبهُ إِذَا دَعَاهُ , فَذَلِكَ هُوَ تَعْلِيم جَمِيع الْجَوَارِح طَيْرهَا وَبَهَائِمهَا . وَإِنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْد جَارِحَة صَائِد , فَجَارِحه حِينَئِذٍ غَيْر مُعَلَّم . فَإِنْ أَدْرَكَ صَاحِبه حَيًّا فَذَكَّاهُ حَلَّ لَهُ أَكْله , وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا لَمْ يَحِلّ لَهُ , لِأَنَّهُ مِمَّا أَكَلَهُ السَّبُع الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَلَمْ يُدْرِك ذَكَاته . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , 8794 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان الْأَحْوَل , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّيْد , فَقَالَ : "إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك فَاذْكُرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ , فَإِنْ أَدْرَكْته وَقَدْ قَتَلَ وَأَكَلَ مِنْهُ , فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَأَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ بَيَان بْن بِشْر , عَنْ عَامِر , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْت : إِنَّا قَوْم نَتَصَيَّد بِهَذِهِ الْكِلَاب ؟ فَقَالَ : " إِذَا أَرْسَلْت كِلَابك الْمُعَلَّمَة وَذَكَرْت اِسْم اللَّه عَلَيْهَا , فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْك وَإِنْ قَتَلْنَ , إِلَّا أَنْ يَأْكُل الْكَلْب , فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُل , فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَكُون إِنَّمَا حَبَسَهُ عَلَى نَفْسه " فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِيمَا : 8795 - حَدَّثَك بِهِ عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن دِينَار , عَنْ أَبِي إِيَاس , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُل كَلْبًا عَلَى الصَّيْد فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ أَكَلَ مِنْهُ , فَلْيَأْكُلْ مَا بَقِيَ " قِيلَ : هَذَا خَبَر فِي إِسْنَاده نَظَر , فَإِنَّ سَعِيدًا غَيْر مَعْلُوم لَهُ سَمَاع مِنْ سَلْمَان , وَالثِّقَات مِنْ أَهْل الْآثَار يَقِفُونَ هَذَا الْكَلَام عَلَى سَلْمَان وَيَرْوُونَهُ عَنْهُ مِنْ قِبَله غَيْر مَرْفُوع إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْحُفَّاظ الثِّقَات إِذَا تَتَابَعُوا عَلَى نَقْل شَيْء بِصِفَةٍ فَخَالَفَهُمْ وَاحِد مُنْفَرِد لَيْسَ لَهُ حِفْظهمْ , كَانَتْ الْجَمَاعَة الْأَثْبَات أَحَقّ بِصِحَّةِ مَا نَقَلُوا مِنْ الْفَرْد الَّذِي لَيْسَ لَهُ حِفْظهمْ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي الْكَلْب عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْد فَغَيْر مُعَلَّم , فَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ جَارِحَة فِي أَنَّ مَا أَكَلَ مِنْهَا مِنْ الصَّيْد فَغَيْر مُعَلَّم , لَا يَحِلّ لَهُ أَكْل صَيْده إِلَّا أَنْ يُدْرِك ذَكَاته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } فَكُلُوا أَيّهَا النَّاس مِمَّا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِر وَالْعُمُوم كَمَا عَمَّمَهُ اللَّه حَلَال أَكْل كُلّ مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْنَا الْكِلَاب وَالْجَوَارِح الْمُعَلَّمَة مِنْ الصَّيْد الْحَلَال أَكْله , أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِح وَالْكِلَاب أَوْ لَمْ يَأْكُل مِنْهُ , أُدْرِكَتْ ذَكَاته فَذُكِّيَ أَوْ لَمْ تُدْرَك ذَكَاته حَتَّى قَتَلَتْهُ الْجَوَارِح , بِجَرْحِهَا إِيَّاهُ أَوْ بِغَيْرِ جَرْح . وَهَذَا قَوْل الَّذِينَ قَالُوا : تَعْلِيم الْجَوَارِح الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا أَنْ تُعَلَّم الِاسْتِشْلَاء عَلَى الصَّيْد وَطَلَبه إِذَا أُشْلِيَتْ عَلَيْهِ وَأَخْذه , وَتَرْك الْهَرَب مِنْ صَاحِبهَا دُون تَرْك الْأَكْل مِنْ صَيْدهَا إِذَا صَادَتْهُ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة وَالرِّوَايَة عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهَا الْوَارِدَة آنِفًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوص دُون الْعُمُوم , قَالُوا : وَمَعْنَاهُ : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّيْد جَمِيعه دُون بَعْضه . قَالُوا : فَإِنْ أَكَلَتْ الْجَوَارِح مِنْهُ بَعْضًا وَأَمْسَكْت بَعْضًا , فَاَلَّذِي أَمْسَكْت مِنْهُ غَيْر جَائِز أَكْله وَقَدْ أَكَلَتْ بَعْضه لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَمْسَكَت مَا أَمْسَكَت مِنْ ذَلِكَ الصَّيْد بَعْد الَّذِي أَكَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَنْفُسهَا لَا عَلَيْنَا , وَاللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا أَبَاحَ لَنَا كُلّ مَا أَمْسَكَتْهُ جَوَارِحنَا الْمُعَلَّمَة عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } دُون مَا أَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسهَا , وَهَذَا قَوْل مَنْ قَالَ : تَعْلِيم الْجَوَارِح الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا , أَنْ تُسْتَشْلَى لِلصَّيْدِ إِذَا أُشْلِيَتْ فَتَطْلُبهُ وَتَأْخُذهُ , فَتُمْسِكهُ عَلَى صَاحِبهَا فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , وَلَا تَفِرّ مِنْ صَاحِبهَا ; وَقَدْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُمْ جَمَاعَة كَثِيرَة , وَنَذْكُر مِنْهُمْ جَمَاعَة آخَرِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع . 8796 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } يَقُول : كُلُوا مِمَّا قَتَلْنَ . قَالَ عَلِيّ : وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : إِنْ قَتَلَ وَأَكَلَ فَلَا تَأْكُل , وَإِنْ أَمْسَكَ فَأَدْرَكْته حَيًّا فَذَكِّهِ . 8797 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنْ أَكَلَ الْمُعَلَّم مِنْ الْكِلَاب مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه فَيُدْرِك ذَكَاته , فَلَا يَأْكُل مِنْ صَيْده . 8798 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } إِذَا صَادَ الْكَلْب فَأَمْسَكَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُل مِنْهُ , فَهُوَ حِلّ , فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ , فَيُقَال : إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه , فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , إِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ . 8799 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } إِلَى قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم أَوْ طَيْرك أَوْ سَهْمك , فَذَكَرْت اِسْم اللَّه , فَأَخَذَ أَوْ قَتَلَ , فَكُلْ . 8800 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم فَذَكَرْت اِسْم اللَّه حِين تُرْسِلهُ فَأَمْسَكَ أَوْ قَتَلَ فَهُوَ حَلَال , فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلهُ , فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسه . 8801 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ , قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَرْضِي أَرْض صَيْد ؟ قَالَ : " إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك وَسَمَّيْت فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك كَلْبك , وَإِنْ قَتَلَ , فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُل فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه " وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَبْل , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته وَتَكْرَاره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه دُخُول " مِنْ " فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } , وَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَنَا صَيْد جَوَارِحنَا الْحَلَال , " وَمِنْ "إِنَّمَا تَدْخُل فِي الْكَلَام مُبَعِّضَة لِمَا دَخَلَتْ فِيهِ ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى دُخُولهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع أَهْل الْعَرَبِيَّة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة حِين دَخَلَتْ " مِنْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع لِغَيْرِ مَعْنًى , كَمَا تُدْخِلهُ الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : كَانَ مِنْ مَطَر , وَكَانَ مِنْ حَدِيث . قَالَ : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله : { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } , وَقَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } قَالَ : وَهُوَ فِيمَا فَسَّرَ : وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء جِبَالًا فِيهَا بَرَد . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } أَيْ مِنْ السَّمَاء مِنْ بَرَد , بِجَعْلِ الْجِبَال مِنْ بَرَد فِي السَّمَاء , وَبِجَعْلِ الْإِنْزَال مِنْهَا . وَكَانَ غَيْره مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة يُنْكِر ذَلِكَ وَيَقُول : لَمْ تَدْخُل "مِنْ " إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُوم لَا يَجُوز الْكَلَام وَلَا يَصْلُح إِلَّا بِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهَا دَالَّة عَلَى التَّبْعِيض . وَكَانَ يَقُول : مَعْنَى قَوْلهمْ : " قَدْ كَانَ مِنْ مَطَر , وَكَانَ مِنْ حَدِيث " : هَلْ كَانَ مِنْ مَطَر مُطِرَ عِنْدكُمْ , وَهَلْ مِنْ حَدِيث حَدَثَ عِنْدكُمْ . وَيَقُول : مَعْنَى { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } أَيْ وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ مَا يَشَاء وَيُرِيد , وَفِي قَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } فَيُجِيز حَذْف "مِنْ " مِنْ { مِنْ بَرَد } وَلَا يُجِيز حَذْفهَا مِنْ " الْجِبَال " , وَيَتَأَوَّل مَعْنَى ذَلِكَ : وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء أَمْثَال جِبَال بَرَد , ثُمَّ أُدْخِلَتْ " مِنْ " فِي الْبَرَد ; لِأَنَّ الْبَرَد مُفَسَّر عِنْده عَنْ الْأَمْثَال : أَعْنِي : أَمْثَال الْجِبَال , وَقَدْ أُقِيمَتْ الْجِبَال مَقَام الْأَمْثَال , وَالْجِبَال وَهِيَ جِبَال بَرَد , فَلَا يُجِيز حَذْف " مِنْ " مِنْ الْجِبَال ; لِأَنَّهَا دَالَّة عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي السَّمَاء الَّذِي أُنْزِلَ مِنْهُ الْبَرَد أَمْثَال جِبَال بَرَد , وَأَجَازَ حَذْف " مِنْ " مِنْ " الْبَرَد " ; لِأَنَّ " الْبَرَد " مُفَسَّر عَنْ الْأَمْثَال , كَمَا تَقُول : عِنْدِي رِطْلَانِ زَيْتًا , وَعِنْدِي رِطْلَانِ مِنْ زَيْت , وَلَيْسَ عِنْدك الرِّطْل وَإِنَّمَا عِنْدك الْمِقْدَار , فَ " مِنْ " تَدْخُل فِي الْمُفَسَّر وَتَخْرُج مِنْهُ . وَكَذَلِكَ عِنْد قَائِل هَذَا الْقَوْل : مِنْ السَّمَاء , مِنْ أَمْثَال جِبَال , وَلَيْسَ بِجِبَالٍ . وَقَالَ : وَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ مِنْ جِبَال فِي السَّمَاء مِنْ بَرَد جِبَالًا , ثُمَّ حَذَفَ " الْجِبَال " الثَّانِيَة وَ " الْجِبَال " الْأَوَّل فِي السَّمَاء جَازَ , تَقُول : أَكَلْت مِنْ الطَّعَام , تُرِيد : أَكَلْت مِنْ الطَّعَام طَعَامًا , ثُمَّ تَحْذِف الطَّعَام وَلَا تُسْقِط "مِنْ " . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , أَنَّ " مِنْ " لَا تَدْخُل فِي الْكَلَام إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُوم , وَقَدْ يَجُوز حَذْفهَا فِي بَعْض الْكَلَام وَبِالْكَلَامِ إِلَيْهَا حَاجَة لِدَلَالَةِ مَا يَظْهَر مِنْ الْكَلَام عَلَيْهَا , فَأَمَّا أَنْ تَكُون فِي الْكَلَام لِغَيْرِ مَعْنًى أَفَادَتْهُ بِدُخُولِهَا , فَذَلِكَ قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون فِيمَا صَحَّ مِنْ الْكَلَام . وَمَعْنَى دُخُولهَا فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } لِلتَّبْعِيضِ إِذْ كَانَتْ الْجَوَارِح تُمْسِك عَلَى أَصْحَابهَا مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ لُحُومه وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فَرْثه وَدَمه , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } جَوَارِحكُمْ الطَّيِّبَات الَّتِي أَحْلَلْت لَكُمْ مِنْ لُحُومهَا دُون مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَائِثه مِنْ الْفَرْث وَالدَّم وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ أُطَيِّبهُ لَكُمْ , فَذَلِكَ مَعْنَى دُخُول " مِنْ " فِي ذَلِكَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه دُخُولهَا فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَأَمَّا دُخُولهَا فِي قَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال } فَسَنُبَيِّنُهُ إِذَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه } عَلَى مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحكُمْ مِنْ الصَّيْد . كَمَا : 8802 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } يَقُول : إِذَا أَرْسَلْت جَارِحك فَقُلْ : بِسْمِ اللَّه , وَإِنْ نَسِيت فَلَا حَرَج . 8803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } قَالَ : إِذَا أَرْسَلْته فَسَمِّ عَلَيْهِ حِين تُرْسِلهُ عَلَى الصَّيْد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا النَّاس فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَاحْذَرُوهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُقْدِمُوا عَلَى خِلَافه , وَأَنْ تَأْكُلُوا مِنْ صَيْد الْجَوَارِح غَيْر الْمُعَلَّمَة أَوْ مِمَّا لَمْ تُمْسِك عَلَيْكُمْ مِنْ صَيْدهَا وَأَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسهَا , أَوْ تَطْعَمُوا مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْد وَالذَّبَائِح مِمَّا صَادَهُ أَهْل الْأَوْثَان وَعَبَدَة الْأَصْنَام وَمَنْ لَمْ يُوَحِّد اللَّه مِنْ خَلْقه , أَوْ ذَبَحُوهُ , فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوهُ . ثُمَّ خَوَّفَهُمْ إِنْ هُمْ فَعَلُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْره فَقَالَ : اِعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَرِيع حِسَابه لِمَنْ حَاسَبَهُ عَلَى نِعْمَته عَلَيْهِ مِنْكُمْ وَشُكْر الشَّاكِر مِنْكُمْ رَبّه , عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى ; لِأَنَّهُ حَافِظ لِجَمِيعِ ذَلِكَ فِيكُمْ فَيُحِيط بِهِ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء , فَيُجَازِي الْمُطِيع مِنْك بِطَاعَتِهِ وَالْعَاصِي بِمَعْصِيَتِهِ , وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ جَزَاء الْفَرِيقَيْنِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { تُعَلِّمُونَهُنَّ } تُؤَدِّبُونَ الْجَوَارِح , فَتُعَلِّمُونَهُنَّ طَلَب الصَّيْد لَكُمْ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه , يَعْنِي بِذَلِكَ : مِنْ التَّأْدِيب الَّذِي أَدَّبَكُمْ اللَّه وَالْعِلْم الَّذِي عَلَّمَكُمْ . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل : مَعْنَى قَوْله : { مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } كَمَا عَلَّمَكُمْ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8763 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } يَقُول : تُعَلِّمُونَهُنَّ مِنْ الطَّلَب كَمَا عَلَّمَكُمْ اللَّه . وَلَسْنَا نَعْرِف فِي كَلَام الْعَرَب " مِنْ " بِمَعْنَى الْكَاف , لِأَنَّ " مِنْ " تَدْخُل فِي كَلَامهمْ بِمَعْنَى التَّبْعِيض , وَالْكَاف بِمَعْنَى التَّشْبِيه . وَإِنَّمَا يُوضَع الْحَرْف مَكَان آخَر غَيْره إِذَا تَقَارَبَ مَعْنَيَاهُمَا , فَأَمَّا إِذَا اِخْتَلَفَتْ مَعَانِيهمَا فَغَيْر مَوْجُود فِي كَلَامهمْ وَضْع أَحَدهمَا عَقِيب الْآخَر , وَكِتَاب اللَّه وَتَنْزِيله أَحْرَى الْكَلَام أَنْ يُجَنَّب مَا خَرَجَ عَنْ الْمَفْهُوم وَالْغَايَة فِي الْفَصَاحَة مِنْ كَلَام مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ . 8764 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن صُبَيْح , قَالَ : ثنا أَبُو هَانِئ , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : ثنا عَامِر , أَنَّ عَدِيّ بْن حَاتِم الطَّائِيّ , قَالَ : أَتَى رَجُل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلهُ عَنْ صَيْد الْكِلَاب , فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُول لَهُ , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } قِيلَ : اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يُسْتَشْلَى لِطَلَبِ الصَّيْد إِذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبه , وَيُمْسِك عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَهُ فَلَا يَأْكُل مِنْهُ , وَيَسْتَجِيب لَهُ إِذَا دَعَاهُ , وَلَا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ , فَإِذَا تَتَابَعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا كَانَ مُعَلَّمًا . وَهَذَا قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض أَهْل الْعِرَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8765 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عِصَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : كُلّ شَيْء قَتَلَهُ صَائِدك قَبْل أَنْ يُعَلَّم وَيُمْسِك وَيَصِيد فَهُوَ مَيْتَة , وَلَا يَكُون قَتْله إِيَّاهُ ذَكَاة حَتَّى يُعَلَّم وَيُمْسِك وَيَصِيد , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ قَتَلَ فَهُوَ ذَكَاته . 8766 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْمُعَلَّم مِنْ الْكِلَاب أَنْ يُمْسِك صَيْده فَلَا يَأْكُل مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيه صَاحِبه , فَإِنْ أَكَلَ مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه فَيُدْرِك ذَكَاته , فَلَا يَأْكُل مِنْ صَيْده . 8767 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ طَاوُس , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَلَا تَأْكُل , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه . 8768 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُل الْكَلْب فَأَكَلَ مِنْ صَيْده فَقَدْ أَفْسَدَهُ , وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ اِسْم اللَّه حِين أَرْسَلَهُ - فَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه - وَاللَّه يَقُول { مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } فَزَعَمَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ , وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَب وَيُعَلَّم حَتَّى يَتْرُك ذَلِكَ الْخُلُق . 8769 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَعْمَر الرَّقِّيّ , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا أَخَذَ الْكَلْب فَقَتَلَ فَأَكَلَ , فَهُوَ سَبُع . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَا يَأْكُل مِنْهُ , فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا لَمْ يَتَعَلَّم مِنْهُ وَلَمْ يَتَعَلَّم مَا عَلَّمْته , إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه وَلَمْ يُمْسِك عَلَيْك . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا أَكَلَتْ الْكِلَاب فَلَا تَأْكُل . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . 8770 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , قَالَ : قُلْت لِعَامِرٍ الشَّعْبِيّ : الرَّجُل يُرْسِل كَلْبه فَيَأْكُل مِنْهُ , أَنَأْكُلُ مِنْهُ ؟ قَالَ : لَا , لَمْ يَتَعَلَّم الَّذِي عَلَّمْته . 8771 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْكَلْب مِنْ صَيْد فَاضْرِبْهُ , فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ . 8772 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَهُوَ مَيْتَة , فَلَا تَأْكُلهُ . 8773 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَسَيَّار , عَنْ الشَّعْبِيّ وَمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْكَلْب : إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْده فَلَا تَأْكُل , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه . 8774 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : إِنْ وَجَدْت الْكَلْب قَدْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْد , فَمَا وَجَدْته مَيِّتًا فَدَعْهُ , فَإِنَّهُ مِمَّا لَمْ يُمْسِك عَلَيْك صَيْدًا , إِنَّمَا هُوَ سَبُع أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه وَلَمْ يُمْسِك عَلَيْك , وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِّمَ . 8775 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ نَحْو هَذِهِ الْمَقَالَة , غَيْر أَنَّهُمْ حَدُّوا لِمَعْرِفَةِ الْكَلَّاب بِأَنَّ كَلْبه قَدْ قَبِلَ التَّعْلِيم , وَصَارَ مِنْ الْجَوَارِح الْحَلَال صَيْدهَا أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ كَلْبه مَرَّات ثَلَاثًا , وَهَذَا قَوْل مَحْكِيّ عَنْ أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة : لَا حَدَّ لِعِلْمِ الْكَلَّاب بِذَلِكَ مِنْ كَلْبه أَكْثَر مِنْ أَنْ يَفْعَل كَلْبه مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ لَهُ تَعْلِيم ; قَالُوا : فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ مُعَلَّمًا حَلَالًا صَيْده . وَهَذَا قَوْل بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ . وَفَرَّقَ بَعْض قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة بَيْن تَعْلِيم الْبَازِي وَسَائِر الطُّيُور الْجَارِحَة , وَتَعْلِيم الْكَلْب وَضَارِي السِّبَاع الْجَارِحَة , فَقَالَ : جَائِز أَكْل مَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي مِنْ الصَّيْد . قَالُوا : وَإِنَّمَا تَعْلِيم الْبَازِي أَنْ يَطِير إِذَا اُسْتُشْلِيَ , وَيُجِيب إِذَا دُعِيَ , وَلَا يَنْفِر مِنْ صَاحِبه إِذَا أَرَادَ أَخْذه . قَالُوا : وَلَيْسَ مِنْ شُرُوط تَعْلِيمه أَنْ لَا يَأْكُل مِنْ الصَّيْد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8776 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَا بَأْس بِصَيْدِ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ . 8777 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّيْر : إِذَا أَرْسَلْته فَقَتَلَ فَكُلْ , فَإِنَّ الْكَلْب إِذَا ضَرَبْته لَمْ يَعُدْ ; وَإِنَّ تَعْلِيم الطَّيْر : أَنْ يَرْجِع إِلَى صَاحِبه , وَلَيْسَ يُضْرَب فَإِذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْد وَنَتَفَ مِنْ الرِّيش فَكُلْ . 8778 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : لَيْسَ الْبَازِي وَالصَّقْر كَالْكَلْبِ , فَإِذَا أَرْسَلْتهمَا فَأَمْسَكَا فَأَكَلَا فَدَعَوْتهمَا فَأَتَيَاك , فَكُلْ مِنْهُ . 8779 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو زُبَيْد , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ حَمَّاد , قَالَ إِبْرَاهِيم : كُلْ صَيْد الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ . 8780 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , وَجَابِر عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَا : كُلْ مِنْ صَيْد الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي وَالصَّقْر مِنْ الصَّيْد , فَكُلْ , فَإِنَّهُ لَا يُعَلَّم . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَا بَأْس بِمَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي . 8781 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَازِي : إِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَكُلْ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : سَوَاء تَعْلِيم الطَّيْر وَالْبَهَائِم وَالسِّبَاع , لَا يَكُون نَوْع مِنْ ذَلِكَ مُعَلَّمًا إِلَّا بِمَا يَكُون بِهِ سَائِر الْأَنْوَاع مُعَلَّمًا . وَقَالُوا : لَا يَحِلّ أَكْل شَيْء مِنْ الصَّيْد الَّذِي صَادَتْهُ جَارِحَة فَأَكَلَتْ مِنْهُ , كَائِنَة مَا كَانَتْ تِلْكَ الْجَارِحَة بَهِيمَة أَوْ طَائِرًا . قَالُوا : لِأَنَّ مِنْ شُرُوط تَعْلِيمهَا الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا , أَنْ تُمْسِك مَا صَادَتْ عَلَى صَاحِبهَا فَلَا تَأْكُل مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8782 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَالِم , عَنْ عَامِر , قَالَ : قَالَ عَلِيّ : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْ صَيْده فَلَا تَأْكُل . 8783 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُجَاهِد بْن سَعِيد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْهُ فَلَا تَأْكُل . 8784 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُل . 8785 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع عَنْ عَمْرو بْن الْوَلِيد السَّهْمِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة , قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُل . 8786 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : الْكَلْب وَالْبَازِي كُلّه وَاحِد , لَا تَأْكُل مَا أَكَلَ مِنْهُ مِنْ الصَّيْد إِلَّا أَنْ تُدْرِك ذَكَاته فَتُذَكِّيهِ . قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : الْبَازِي يَنْتِف الرِّيش ؟ قَالَ : فَمَا أَدْرَكْته وَلَمْ يَأْكُل , فَكُلْ . قَالَ ذَلِكَ غَيْر مَرَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : تَعْلِيم كُلّ جَارِحَة مِنْ الْبَهَائِم وَالطَّيْر وَاحِد , قَالُوا : وَتَعْلِيمه الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْده أَنْ يُشْلَى عَلَى الصَّيْد فَيَسْتَشْلِي وَيَأْخُذ الصَّيْد , وَيَدْعُوهُ صَاحِبه فَيُجِيب , أَوْ لَا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَخَذَهُ . قَالُوا : فَإِذَا فَعَلَ الْجَارِح ذَلِكَ كَانَ مُعَلَّمًا دَاخِلًا فِي الْمَعْنَى الَّذِي قَالَ اللَّه : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } قَالُوا : وَلَيْسَ مِنْ شَرْط تَعْلِيم ذَلِكَ أَنْ لَا يَأْكُل مِنْ الصَّيْد , قَالُوا : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ شَرْطه وَهُوَ يُؤَدَّب بِأَكْلِهِ ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8787 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد أَوْ سَعْد , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك عَلَى صَيْد , وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَأَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثه , فَكُلْ مَا بَقِيَ . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : ثني الْقَاسِم بْن رَبِيعَة , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ سَلْمَان وَبَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ سَلْمَان : أَنَّ الْكَلْب يَأْخُذ الصَّيْد فَيَأْكُل مِنْهُ , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ إِذَا أَرْسَلْته وَذَكَرْت اِسْم اللَّه وَكَانَ مُعَلَّمًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ ; يَعْنِي : الصَّيْد إِذَا أَكَلَ ثُلُثَيْهِ ; يَعْنِي : الصَّيْد إِذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْب . - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ وَعَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمَد , عَنْ شُعْبَة ( ح ) وَحَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ : ثنا عَبْدَة جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَأَكَلَ ثُلُثه فَكُلْ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ سَلْمَان , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ وَالْقَاسِم , أَنَّ سَلْمَان قَالَ : إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَكُلْ , وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي الْفُرَات , عَنْ مُحَمَّد بْن زَيْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم أَوْ بَازك , فَسَمَّيْت , فَأَكَلَ نِصْفه أَوْ ثُلُثَيْهِ , فَكُلْ بَقِيَّته . 8788 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَخْرَمَة بْن بُكَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حُمَيْد بْن مَالِك بْن خُثَيْم الدُّؤَلِيّ , أَنَّهُ سَأَلَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ الصَّيْد يَأْكُل مِنْهُ الْكَلْب , فَقَالَ : كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا حَذْيَة , يَعْنِي بَضْعَة . 8789 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت بُكَيْر بْن الْأَشَجّ يُحَدِّث عَنْ سَعْد , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . 8790 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت بُكَيْر بْن الْأَشَجّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب - قَالَ شُعْبَة , قُلْت : سَمِعْته مِنْ سَعِيد ؟ قَالَ : لَا - قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . قَالَ : ثُمَّ إِنَّ شُعْبَة قَالَ فِي حَدِيثه عَنْ سَعْد , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ نِصْفه . 8791 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك فَأَكَلَ مِنْهُ , فَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثه فَكُلْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني سَالِم بْن نُوح الْعَطَّار , عَنْ عُمَر , يَعْنِي اِبْن عَامِر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم فَأَخَذَ فَقَتَلَ , فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . 8792 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه ( ح ) وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ نَافِع , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك , أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُل . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , بِنَحْوِهِ . 8793 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن أَبِي ذِئْب أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ : أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ لَا يَرَى بِأَكْلِ الصَّيْد بَأْسًا , إِذَا قَتَلَهُ الْكَلْب أَكَلَ مِنْهُ . * - حَدَّثَنِي يُونُس بِهِ مَرَّة أُخْرَى , فَقَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر وَابْن أَبِي ذِئْب وَغَيْر وَاحِد , أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي ذِئْب , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِمَا أَكَلَ الْكَلْب الضَّارِي . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ بُكَيْر بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجّ , عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ سَعْد , قَالَ : قُلْت : لَنَا كِلَاب ضَوَارٍ يَأْكُلْنَ وَيُبْقِينَ ؟ قَالَ : كُلْ وَإِنْ لَمْ يُبْقِ إِلَّا بَضْعَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجّ , عَنْ حُمَيْد , قَالَ : سَأَلْت سَعْدًا , فَذَكَرَ نَحْوه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } أَنَّ التَّعْلِيم الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة لِلْجَوَارِحِ , إِنَّمَا هُوَ أَنْ يُعَلِّم الرَّجُل جَارِحه الِاسْتِشْلَاء إِذَا أُشْلِيَ عَلَى الصَّيْد , وَطَلَبه إِيَّاهُ إِذَا أُغْرِيَ , أَوْ إِمْسَاكه عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَ مِنْ غَيْر أَنْ يَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , وَأَلَّا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ , وَأَنْ يُجِيبهُ إِذَا دَعَاهُ , فَذَلِكَ هُوَ تَعْلِيم جَمِيع الْجَوَارِح طَيْرهَا وَبَهَائِمهَا . وَإِنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْد جَارِحَة صَائِد , فَجَارِحه حِينَئِذٍ غَيْر مُعَلَّم . فَإِنْ أَدْرَكَ صَاحِبه حَيًّا فَذَكَّاهُ حَلَّ لَهُ أَكْله , وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا لَمْ يَحِلّ لَهُ , لِأَنَّهُ مِمَّا أَكَلَهُ السَّبُع الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَلَمْ يُدْرِك ذَكَاته . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , 8794 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان الْأَحْوَل , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّيْد , فَقَالَ : "إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك فَاذْكُرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ , فَإِنْ أَدْرَكْته وَقَدْ قَتَلَ وَأَكَلَ مِنْهُ , فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَأَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ بَيَان بْن بِشْر , عَنْ عَامِر , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْت : إِنَّا قَوْم نَتَصَيَّد بِهَذِهِ الْكِلَاب ؟ فَقَالَ : " إِذَا أَرْسَلْت كِلَابك الْمُعَلَّمَة وَذَكَرْت اِسْم اللَّه عَلَيْهَا , فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْك وَإِنْ قَتَلْنَ , إِلَّا أَنْ يَأْكُل الْكَلْب , فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُل , فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَكُون إِنَّمَا حَبَسَهُ عَلَى نَفْسه " فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِيمَا : 8795 - حَدَّثَك بِهِ عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن دِينَار , عَنْ أَبِي إِيَاس , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُل كَلْبًا عَلَى الصَّيْد فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ أَكَلَ مِنْهُ , فَلْيَأْكُلْ مَا بَقِيَ " قِيلَ : هَذَا خَبَر فِي إِسْنَاده نَظَر , فَإِنَّ سَعِيدًا غَيْر مَعْلُوم لَهُ سَمَاع مِنْ سَلْمَان , وَالثِّقَات مِنْ أَهْل الْآثَار يَقِفُونَ هَذَا الْكَلَام عَلَى سَلْمَان وَيَرْوُونَهُ عَنْهُ مِنْ قِبَله غَيْر مَرْفُوع إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْحُفَّاظ الثِّقَات إِذَا تَتَابَعُوا عَلَى نَقْل شَيْء بِصِفَةٍ فَخَالَفَهُمْ وَاحِد مُنْفَرِد لَيْسَ لَهُ حِفْظهمْ , كَانَتْ الْجَمَاعَة الْأَثْبَات أَحَقّ بِصِحَّةِ مَا نَقَلُوا مِنْ الْفَرْد الَّذِي لَيْسَ لَهُ حِفْظهمْ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي الْكَلْب عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْد فَغَيْر مُعَلَّم , فَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ جَارِحَة فِي أَنَّ مَا أَكَلَ مِنْهَا مِنْ الصَّيْد فَغَيْر مُعَلَّم , لَا يَحِلّ لَهُ أَكْل صَيْده إِلَّا أَنْ يُدْرِك ذَكَاته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } فَكُلُوا أَيّهَا النَّاس مِمَّا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِر وَالْعُمُوم كَمَا عَمَّمَهُ اللَّه حَلَال أَكْل كُلّ مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْنَا الْكِلَاب وَالْجَوَارِح الْمُعَلَّمَة مِنْ الصَّيْد الْحَلَال أَكْله , أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِح وَالْكِلَاب أَوْ لَمْ يَأْكُل مِنْهُ , أُدْرِكَتْ ذَكَاته فَذُكِّيَ أَوْ لَمْ تُدْرَك ذَكَاته حَتَّى قَتَلَتْهُ الْجَوَارِح , بِجَرْحِهَا إِيَّاهُ أَوْ بِغَيْرِ جَرْح . وَهَذَا قَوْل الَّذِينَ قَالُوا : تَعْلِيم الْجَوَارِح الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا أَنْ تُعَلَّم الِاسْتِشْلَاء عَلَى الصَّيْد وَطَلَبه إِذَا أُشْلِيَتْ عَلَيْهِ وَأَخْذه , وَتَرْك الْهَرَب مِنْ صَاحِبهَا دُون تَرْك الْأَكْل مِنْ صَيْدهَا إِذَا صَادَتْهُ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة وَالرِّوَايَة عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهَا الْوَارِدَة آنِفًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوص دُون الْعُمُوم , قَالُوا : وَمَعْنَاهُ : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّيْد جَمِيعه دُون بَعْضه . قَالُوا : فَإِنْ أَكَلَتْ الْجَوَارِح مِنْهُ بَعْضًا وَأَمْسَكْت بَعْضًا , فَاَلَّذِي أَمْسَكْت مِنْهُ غَيْر جَائِز أَكْله وَقَدْ أَكَلَتْ بَعْضه لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَمْسَكَت مَا أَمْسَكَت مِنْ ذَلِكَ الصَّيْد بَعْد الَّذِي أَكَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَنْفُسهَا لَا عَلَيْنَا , وَاللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا أَبَاحَ لَنَا كُلّ مَا أَمْسَكَتْهُ جَوَارِحنَا الْمُعَلَّمَة عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } دُون مَا أَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسهَا , وَهَذَا قَوْل مَنْ قَالَ : تَعْلِيم الْجَوَارِح الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا , أَنْ تُسْتَشْلَى لِلصَّيْدِ إِذَا أُشْلِيَتْ فَتَطْلُبهُ وَتَأْخُذهُ , فَتُمْسِكهُ عَلَى صَاحِبهَا فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , وَلَا تَفِرّ مِنْ صَاحِبهَا ; وَقَدْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُمْ جَمَاعَة كَثِيرَة , وَنَذْكُر مِنْهُمْ جَمَاعَة آخَرِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع . 8796 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } يَقُول : كُلُوا مِمَّا قَتَلْنَ . قَالَ عَلِيّ : وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : إِنْ قَتَلَ وَأَكَلَ فَلَا تَأْكُل , وَإِنْ أَمْسَكَ فَأَدْرَكْته حَيًّا فَذَكِّهِ . 8797 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنْ أَكَلَ الْمُعَلَّم مِنْ الْكِلَاب مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه فَيُدْرِك ذَكَاته , فَلَا يَأْكُل مِنْ صَيْده . 8798 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } إِذَا صَادَ الْكَلْب فَأَمْسَكَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُل مِنْهُ , فَهُوَ حِلّ , فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ , فَيُقَال : إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه , فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , إِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ . 8799 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } إِلَى قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم أَوْ طَيْرك أَوْ سَهْمك , فَذَكَرْت اِسْم اللَّه , فَأَخَذَ أَوْ قَتَلَ , فَكُلْ . 8800 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم فَذَكَرْت اِسْم اللَّه حِين تُرْسِلهُ فَأَمْسَكَ أَوْ قَتَلَ فَهُوَ حَلَال , فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلهُ , فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسه . 8801 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ , قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَرْضِي أَرْض صَيْد ؟ قَالَ : " إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك وَسَمَّيْت فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك كَلْبك , وَإِنْ قَتَلَ , فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُل فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه " وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَبْل , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته وَتَكْرَاره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه دُخُول " مِنْ " فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } , وَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَنَا صَيْد جَوَارِحنَا الْحَلَال , " وَمِنْ "إِنَّمَا تَدْخُل فِي الْكَلَام مُبَعِّضَة لِمَا دَخَلَتْ فِيهِ ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى دُخُولهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع أَهْل الْعَرَبِيَّة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة حِين دَخَلَتْ " مِنْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع لِغَيْرِ مَعْنًى , كَمَا تُدْخِلهُ الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : كَانَ مِنْ مَطَر , وَكَانَ مِنْ حَدِيث . قَالَ : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله : { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } , وَقَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } قَالَ : وَهُوَ فِيمَا فَسَّرَ : وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء جِبَالًا فِيهَا بَرَد . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } أَيْ مِنْ السَّمَاء مِنْ بَرَد , بِجَعْلِ الْجِبَال مِنْ بَرَد فِي السَّمَاء , وَبِجَعْلِ الْإِنْزَال مِنْهَا . وَكَانَ غَيْره مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة يُنْكِر ذَلِكَ وَيَقُول : لَمْ تَدْخُل "مِنْ " إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُوم لَا يَجُوز الْكَلَام وَلَا يَصْلُح إِلَّا بِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهَا دَالَّة عَلَى التَّبْعِيض . وَكَانَ يَقُول : مَعْنَى قَوْلهمْ : " قَدْ كَانَ مِنْ مَطَر , وَكَانَ مِنْ حَدِيث " : هَلْ كَانَ مِنْ مَطَر مُطِرَ عِنْدكُمْ , وَهَلْ مِنْ حَدِيث حَدَثَ عِنْدكُمْ . وَيَقُول : مَعْنَى { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } أَيْ وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ مَا يَشَاء وَيُرِيد , وَفِي قَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } فَيُجِيز حَذْف "مِنْ " مِنْ { مِنْ بَرَد } وَلَا يُجِيز حَذْفهَا مِنْ " الْجِبَال " , وَيَتَأَوَّل مَعْنَى ذَلِكَ : وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء أَمْثَال جِبَال بَرَد , ثُمَّ أُدْخِلَتْ " مِنْ " فِي الْبَرَد ; لِأَنَّ الْبَرَد مُفَسَّر عِنْده عَنْ الْأَمْثَال : أَعْنِي : أَمْثَال الْجِبَال , وَقَدْ أُقِيمَتْ الْجِبَال مَقَام الْأَمْثَال , وَالْجِبَال وَهِيَ جِبَال بَرَد , فَلَا يُجِيز حَذْف " مِنْ " مِنْ الْجِبَال ; لِأَنَّهَا دَالَّة عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي السَّمَاء الَّذِي أُنْزِلَ مِنْهُ الْبَرَد أَمْثَال جِبَال بَرَد , وَأَجَازَ حَذْف " مِنْ " مِنْ " الْبَرَد " ; لِأَنَّ " الْبَرَد " مُفَسَّر عَنْ الْأَمْثَال , كَمَا تَقُول : عِنْدِي رِطْلَانِ زَيْتًا , وَعِنْدِي رِطْلَانِ مِنْ زَيْت , وَلَيْسَ عِنْدك الرِّطْل وَإِنَّمَا عِنْدك الْمِقْدَار , فَ " مِنْ " تَدْخُل فِي الْمُفَسَّر وَتَخْرُج مِنْهُ . وَكَذَلِكَ عِنْد قَائِل هَذَا الْقَوْل : مِنْ السَّمَاء , مِنْ أَمْثَال جِبَال , وَلَيْسَ بِجِبَالٍ . وَقَالَ : وَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ مِنْ جِبَال فِي السَّمَاء مِنْ بَرَد جِبَالًا , ثُمَّ حَذَفَ " الْجِبَال " الثَّانِيَة وَ " الْجِبَال " الْأَوَّل فِي السَّمَاء جَازَ , تَقُول : أَكَلْت مِنْ الطَّعَام , تُرِيد : أَكَلْت مِنْ الطَّعَام طَعَامًا , ثُمَّ تَحْذِف الطَّعَام وَلَا تُسْقِط "مِنْ " . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , أَنَّ " مِنْ " لَا تَدْخُل فِي الْكَلَام إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُوم , وَقَدْ يَجُوز حَذْفهَا فِي بَعْض الْكَلَام وَبِالْكَلَامِ إِلَيْهَا حَاجَة لِدَلَالَةِ مَا يَظْهَر مِنْ الْكَلَام عَلَيْهَا , فَأَمَّا أَنْ تَكُون فِي الْكَلَام لِغَيْرِ مَعْنًى أَفَادَتْهُ بِدُخُولِهَا , فَذَلِكَ قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون فِيمَا صَحَّ مِنْ الْكَلَام . وَمَعْنَى دُخُولهَا فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } لِلتَّبْعِيضِ إِذْ كَانَتْ الْجَوَارِح تُمْسِك عَلَى أَصْحَابهَا مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ لُحُومه وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فَرْثه وَدَمه , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } جَوَارِحكُمْ الطَّيِّبَات الَّتِي أَحْلَلْت لَكُمْ مِنْ لُحُومهَا دُون مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَائِثه مِنْ الْفَرْث وَالدَّم وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ أُطَيِّبهُ لَكُمْ , فَذَلِكَ مَعْنَى دُخُول " مِنْ " فِي ذَلِكَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه دُخُولهَا فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَأَمَّا دُخُولهَا فِي قَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال } فَسَنُبَيِّنُهُ إِذَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه } عَلَى مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحكُمْ مِنْ الصَّيْد . كَمَا : 8802 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } يَقُول : إِذَا أَرْسَلْت جَارِحك فَقُلْ : بِسْمِ اللَّه , وَإِنْ نَسِيت فَلَا حَرَج . 8803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } قَالَ : إِذَا أَرْسَلْته فَسَمِّ عَلَيْهِ حِين تُرْسِلهُ عَلَى الصَّيْد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا النَّاس فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَاحْذَرُوهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُقْدِمُوا عَلَى خِلَافه , وَأَنْ تَأْكُلُوا مِنْ صَيْد الْجَوَارِح غَيْر الْمُعَلَّمَة أَوْ مِمَّا لَمْ تُمْسِك عَلَيْكُمْ مِنْ صَيْدهَا وَأَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسهَا , أَوْ تَطْعَمُوا مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْد وَالذَّبَائِح مِمَّا صَادَهُ أَهْل الْأَوْثَان وَعَبَدَة الْأَصْنَام وَمَنْ لَمْ يُوَحِّد اللَّه مِنْ خَلْقه , أَوْ ذَبَحُوهُ , فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوهُ . ثُمَّ خَوَّفَهُمْ إِنْ هُمْ فَعَلُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْره فَقَالَ : اِعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَرِيع حِسَابه لِمَنْ حَاسَبَهُ عَلَى نِعْمَته عَلَيْهِ مِنْكُمْ وَشُكْر الشَّاكِر مِنْكُمْ رَبّه , عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى ; لِأَنَّهُ حَافِظ لِجَمِيعِ ذَلِكَ فِيكُمْ فَيُحِيط بِهِ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء , فَيُجَازِي الْمُطِيع مِنْك بِطَاعَتِهِ وَالْعَاصِي بِمَعْصِيَتِهِ , وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ جَزَاء الْفَرِيقَيْنِ .
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات } الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَلَال مِنْ الذَّبَائِح وَالْمَطَاعِم , دُون الْخَبَائِث مِنْهَا . قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } وَذَبَائِح أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَهُمْ الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَأُنْزِلَ عَلَيْهِمْ , فَدَانُوا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا { حِلّ لَكُمْ } يَقُول : حَلَال لَكُمْ أَكْله دُون ذَبَائِح سَائِر أَهْل الشِّرْك الَّذِينَ لَا كِتَاب لَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب وَعَبَدَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَقَرَّ بِتَوْحِيدِ اللَّه عَزَّ ذِكْره وَدَانَ دِين أَهْل الْكِتَاب , فَحَرَام عَلَيْكُمْ ذَبَائِحهمْ . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ عَنَى اللَّه عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه بِذَلِكَ ذَبِيحَة كُلّ كِتَابِيّ مِمَّنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , أَوْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي مِلَّتهمْ فَدَانَ دِينهمْ وَحَرَّمَ مَا حَرَّمُوا وَحَلَّلَ مَا حَلَّلُوا مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ سَائِر أَجْنَاس الْأُمَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8804 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَهُ : ثنا عِكْرِمَة , قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } الْآيَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 8805 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بِشْر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَعِكْرِمَة : أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب وَبِتَزَوُّجِ نِسَائِهِمْ , وَيَتْلُوَانِ : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } . 8806 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب : أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِب . 8807 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , وَقَرَأَ : { وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } . 8808 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ . ثني اِبْن شِهَاب عَنْ ذَبِيحَة نَصَارَى الْعَرَب , قَالَ : تُؤْكَل مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ فِي الدِّين أَهْل كِتَاب , وَيَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه . 8809 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج : قَالَ : قَالَ عَطَاء : إِنَّمَا يَقْرَءُونَ ذَلِكَ الْكِتَاب . 8810 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت الْحَكَم وَحَمَّادًا وَقَتَادَة عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَقَالُوا : لَا بَأْس بِهَا . قَالَ : وَقَرَأَ الْحَكَم : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إِلَّا أَمَانِيَّ } . 8811 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كُلُوا مِنْ ذَبَائِح بَنِي تَغْلِب , وَتَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ , فَإِنَّ اللَّه قَالَ فِي كِتَابه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إِلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ . 8812 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ الْحَسَن كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , وَكَانَ يَقُول : اِنْتَحِلُوا دِينًا فَذَاكَ دِينهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب فِي هَذِهِ الْآيَة , الَّذِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَأَبْنَائِهِمْ , فَأَمَّا مَنْ كَانَ دَخِيلًا فِيهِمْ مِنْ سَائِر الْأُمَم مِمَّنْ دَانَ بِدِينِهِمْ وَهُمْ مِنْ غَيْر بَنِي إِسْرَائِيل , فَلَمْ يُعْنَ بِهَذِهِ الْآيَة وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يَحِلّ أَكْل ذَبَائِحه ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أُوتِيَ الْكِتَاب مِنْ قَبْل الْمُسْلِمِينَ . وَهَذَا قَوْل كَانَ مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِيّ يَقُولهُ - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع - وَيَتَأَوَّل فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ كَرِهَ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . ذِكْر مَنْ حَرَّمَ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب : 8813 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة قَالَ : قَالَ عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ : لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَمَسَّكُونَ مِنْ النَّصْرَانِيَّة بِشُرْبِ الْخَمْر . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَيْءٍ مِنْ النَّصْرَانِيَّة إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْر . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بَكْر , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب , فَقَالَ : لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهمْ , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينهمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْر . 8814 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن عَابِس , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : نَهَانَا عَلِيّ عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب . 8815 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة الْقَصَّاب , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَلِيّ يُحَدِّث عَنْ عَلِيّ : أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب . 8816 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب وَذَبَائِح نَصَارَى أَرْمِينِيَّة . وَهَذِهِ الْأَخْبَار عَنْ عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ , إِنَّمَا تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى النَّصْرَانِيَّة , لِتَرْكِهِمْ تَحْلِيل مَا تُحَلِّل النَّصَارَى وَتَحْرِيم مَا تُحَرِّم غَيْر الْخَمْر . وَمَنْ كَانَ مُنْتَحِلًا مِلَّة هُوَ غَيْر مُتَمَسِّك مِنْهَا بِشَيْءٍ , فَهُوَ إِلَى الْبَرَاءَة مِنْهَا أَقْرَب إِلَى اللَّحَاق بِهَا وَبِأَهْلِهَا , فَلِذَلِكَ نَهَى عَلِيٌّ عَنْ أَكْل ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , لَا مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْ الْحُجَّة إِحْلَال ذَبِيحَة كُلّ نَصْرَانِيّ وَيَهُودِيّ , إِنْ اِنْتَحَلَ دِين النَّصَارَى أَوْ الْيَهُود , فَأَحَلَّ مَا أَحَلُّوا , وَحَرَّمَ مَا حَرَّمُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرهمْ , فَبَيَّنَ خَطَأ مَا قَالَ الشَّافِعِيّ فِي ذَلِكَ وَتَأْوِيله الَّذِي تَأَوَّلَهُ فِي قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } أَنَّهُ ذَبَائِح الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَصَوَاب مَا خَالَفَ تَأْوِيله ذَلِكَ , وَقَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ كُلّ يَهُودِيّ وَنَصْرَانِيّ فَحَلَال ذَبِيحَته مِنْ أَيّ أَجْنَاس بَنِي آدَم كَانَ . وَأَمَّا الطَّعَام الَّذِي قَالَ اللَّه : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } فَإِنَّهُ الذَّبَائِح . وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8817 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : الذَّبَائِح . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : ذَبَائِحهمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم وَقَبِيصَة , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : ذَبِيحَة أَهْل الْكِتَاب . 8818 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : ذَبَائِحهمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم وَقَبِيصَة , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله . 8819 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : ذَبَائِحهمْ . 8820 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْمُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 8821 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } أَيْ ذَبَائِحهمْ . 8822 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } أَمَّا طَعَامهمْ فَهُوَ الذَّبَائِح . 8823 - حُدِّثْنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : أَحَلَّ اللَّه لَنَا طَعَامهمْ وَنِسَاءَهُمْ . 8824 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَمَّا قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَنَا طَعَامهمْ وَنِسَاءَهُمْ . 8825 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْته - يَعْنِي اِبْن يَزِيد - عَمَّا ذُبِحَ لِلْكَنَائِسِ وَسُمِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ : أَحَلَّ اللَّه لَنَا طَعَام أَهْل الْكِتَاب , وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا . 8826 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّة حُدَيْر بْن كُرَيْب , عَنْ أَبِي الْأَسْوَد , عَنْ عُمَيْر بْن الْأَسْوَد : أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاء عَنْ كَبْش ذُبِحَ لِكَنِيسَةٍ يُقَال لَهَا جِرْجِس أَهْدَوْهُ لَهَا , أَنَأْكُلُ مِنْهُ ؟ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : اللَّهُمَّ عَفْوًا ! إِنَّهُمْ هُمْ أَهْل كِتَاب , طَعَامهمْ حِلّ لَنَا وَطَعَامنَا حِلّ لَهُمْ . وَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِ . وَأَمَّا قَوْله { وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : ذَبَائِحكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ حِلّ لِأَهْلِ الْكِتَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات } أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَهُنَّ الْحَرَائِر مِنْهُنَّ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ . { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي : وَالْحَرَائِر مِنْ الَّذِينَ أُعْطُوا الْكِتَاب , وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ دَانُوا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ قَبْلكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَرَب وَسَائِر النَّاس , أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ أَيْضًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُحْصَنَات اللَّاتِي عَنَاهُنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ الْحَرَائِر خَاصَّة , فَاجِرَة كَانَتْ أَوْ عَفِيفَة . وَأَجَازَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة نِكَاح الْحُرَّة مُؤْمِنَة كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّة مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ أَيّ أَجْنَاس كَانَتْ , بَعْد أَنْ تَكُون كِتَابِيَّة فَاجِرَة كَانَتْ أَوْ عَفِيفَة , وَحَرَّمُوا إِمَاء أَهْل الْكِتَاب أَنْ نَتَزَوَّجهُنَّ بِكُلِّ حَال ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَرَطَ مَنْ نِكَاح الْإِمَاء الْإِيمَان بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَات الْمُؤْمِنَات فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8827 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } قَالَ : مِنْ الْحَرَائِر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : مِنْ الْحَرَائِر . 8828 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ اِمْرَأَته وَخُطِبَتْ إِلَيْهِ أُخْته , وَكَانَتْ قَدْ أَحْدَثَتْ , فَأَتَى عُمَر فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ مِنْهَا , فَقَالَ عُمَر : مَا رَأَيْت مِنْهَا ؟ قَالَ : مَا رَأَيْت مِنْهَا إِلَّا خَيْرًا ! فَقَالَ : زَوِّجْهَا وَلَا تُخْبِر . 8829 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : ثنا عَامِر , قَالَ : زَنَتْ اِمْرَأَة مِنْ هَمْدَان , قَالَ : فَجَلَدَهَا مُصَدِّق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدّ , ثُمَّ تَابَتْ . فَأَتَوْا عُمَر , فَقَالُوا : نُزَوِّجهَا وَبِئْسَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرهَا ! قَالَ عُمَر : لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَأُعَاقِبَنَّكُمْ عُقُوبَة شَدِيدَة . 8830 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّج أُخْته , فَقَالَتْ : إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَفْضَح أَبِي , فَقَدْ بَغَيْت . فَأَتَى عُمَر فَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ تَابَتْ ؟ قَالَ : بَلَى : قَالَ : فَزَوِّجْهَا . 8831 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ نُبَيْشَة اِمْرَأَة مِنْ هَمْدَان بَغَتْ , فَأَرَادَتْ أَنْ تَذْبَح نَفْسهَا , قَالَ : فَأَدْرَكُوهَا فَدَاوَوْهَا فَبَرِئَتْ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَر , فَقَالَ : اِنْكِحُوهَا نِكَاح الْعَفِيفَة الْمُسْلِمَة . 8832 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر : أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْيَمَن أَصَابَتْ أُخْته فَاحِشَة , فَأَمَرَّتْ الشَّفْرَة عَلَى أَوْدَاجهَا , فَأُدْرِكَتْ , فَدُووِيَ جُرْحهَا حَتَّى بَرِئَتْ . ثُمَّ إِنَّ عَمّهَا اِنْتَقَلَ بِأَهْلِهِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَة , فَقَرَأَتْ الْقُرْآن وَنَسَكَتْ , حَتَّى كَانَتْ مِنْ أَنْسَك نِسَائِهِمْ . فَخُطِبَتْ إِلَى عَمّهَا , وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُدَلِّسهَا , وَيَكْرَه أَنْ يُفْشِي عَلَى اِبْنَة أَخِيهِ , فَأَتَى عُمَر , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ عُمَر : لَوْ أَفْشَيْت عَلَيْهَا لَعَاقَبْتُك , إِذَا أَتَاك رَجُل صَالِح تَرْضَاهُ فَزَوِّجْهَا إِيَّاهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر : أَنَّ جَارِيَة بِالْيَمَنِ يُقَال لَهَا نُبَيْشَة , أَصَابَتْ فَاحِشَة , فَذَكَرَ نَحْوه . 8833 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل عَنْ عَامِر , قَالَ : أَتَى رَجُل عُمَر فَقَالَ : إِنَّ اِبْنَة لِي كَانَتْ وُئِدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَاسْتَخْرَجْتهَا قَبْل أَنْ تَمُوت , فَأَدْرَكَتْ الْإِسْلَام , فَلَمَّا أَسْلَمَتْ أَصَابَتْ حَدًّا مِنْ حُدُود اللَّه , فَعَمَدَتْ إِلَى الشَّفْرَة لِتَذْبَح بِهَا نَفْسهَا , فَأَدْرَكْتهَا وَقَدْ قَطَعَتْ بَعْض أَوْدَاجهَا , فَدَاوَيْتهَا حَتَّى بَرِئَتْ , ثُمَّ إِنَّهَا أَقْبَلَتْ بِتَوْبَةٍ حَسَنَة , فَهِيَ تُخْطَب إِلَيَّ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , فَأُخْبِرَ مِنْ شَأْنهَا بِاَلَّذِي كَانَ ؟ فَقَالَ عُمَر : أَتُخْبِرُ بِشَأْنِهَا ؟ تَعْمَد إِلَى مَا سَتَرَهُ اللَّه فَتُبْدِيه وَاللَّه لَئِنْ أَخْبَرْت بِشَأْنِهَا أَحَدًا مِنْ النَّاس , لَأَجْعَلَنَّك نَكَالًا لِأَهْلِ الْأَمْصَار بَلْ أَنْكِحْهَا بِنِكَاحِ الْعَفِيفَة الْمُسْلِمَة . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنِيع , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عُمَر . فَذَكَرَ نَحْوه . 8834 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر : أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ مِنْ رَجُل أُخْته , فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا قَدْ أَحْدَثَتْ . فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَضَرَبَ الرَّجُل , وَقَالَ : مَا لَك وَالْخَبَر ؟ أَنْكِحْ وَاسْكُتْ ! 8835 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لَا أَدَع أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَة فِي الْإِسْلَام أَنْ يَتَزَوَّج مُحْصَنَة . فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْن كَعْب : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , الشِّرْك أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ يُقْبَل مِنْهُ إِذَا تَابَ ! وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } الْعَفَائِف مِنْ الْفَرِيقَيْنِ , إِمَاء كُنَّ أَوْ حَرَائِر . فَأَجَازَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة نِكَاح إِمَاء أَهْل الْكِتَاب الدَّائِنَات دِينهمْ بِهَذِهِ الْآيَة , وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنْ الْمُؤْمِنَات وَأَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8836 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : الْعَفَائِف . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8837 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير عَنْ مُطَرِّف , عَنْ عَامِر : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ لَا تَزْنِي وَأَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ عَامِر : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة , وَأَنْ تُحْصِن فَرْجهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ رَجُل , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ لَا تَزْنِي , وَأَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَانهَا أَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة , وَأَنْ تُحْصِن فَرْجهَا مِنْ الزِّنَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُطَرِّف عَنْ عَامِر , بِنَحْوِهِ . 8838 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان يَقُول فِي قَوْله : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } قَالَ : الْعَفَائِف . 8839 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : أَمَّا الْمُحْصَنَات : فَهُنَّ الْعَفَائِف . 8840 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ اِمْرَأَة اِتَّخَذَتْ مَمْلُوكهَا وَقَالَتْ : تَأَوَّلْت كِتَاب اللَّه : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قَالَ : فَأُتِيَ بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَقَالَ لَهُ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَأَوَّلَتْ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه عَلَى غَيْر وَجْههَا . قَالَ : فَقَرَّبَ الْعَبْد وَجَزَّ رَأْسه , وَقَالَ : أَنْت بَعْده حَرَام عَلَى كُلّ مُسْلِم . 8841 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : أَنَّهُ قَالَ فِي الَّتِي تُسَرَّى قَبْل أَنْ يُدْخَل بِهَا , قَالَ : لَيْسَ لَهَا صَدَاق وَيُفَرَّق بَيْنهمَا . 8842 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي الْبِكْر تَهْجُر , قَالَ : تُضْرَب مِائَة سَوْط , وَتُنْفَى سَنَة , وَتَرُدّ عَلَى زَوْجهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ . 8843 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , مِثْل ذَلِكَ . 8844 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن , مِثْل ذَلِكَ . 8845 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقُول : إِذَا رَأَى الرَّجُل مِنْ اِمْرَأَته فَاحِشَة فَاسْتَيْقَنَ فَإِنَّهُ لَا يُمْسِكهَا . 8846 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : . مَمْلُوكَات أَهْل الْكِتَاب بِمَنْزِلَةِ حَرَائِرهمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حُكْم قَوْله عَزَّ ذِكْره : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } أَعَامّ أَمْ خَاصّ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عَامّ فِي الْعَفَائِف مِنْهُنَّ ; لِأَنَّ الْمُحْصَنَات الْعَفَائِف , وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّج كُلّ حُرَّة وَأَمَة كِتَابِيَّة حَرْبِيَّة كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّة . وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } وَأَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِنَّ الْعَفَائِف كَائِنَة مَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ . وَهَذَا قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْعَفَائِف . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اللَّوَاتِي عَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } الْحَرَائِر مِنْهُنَّ , وَالْآيَة عَامَّة فِي جَمِيعهنَّ , فَنِكَاح جَمِيع الْحَرَائِر الْيَهُود وَالنَّصَارَى جَائِز , حَرْبِيَّات كُنَّ أَوْ ذِمِّيَّات , مِنْ أَيّ أَجْنَاس الْيَهُود وَالنَّصَارَى كُنَّ وَهَذَا قَوْل جَمَاعَة مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8847 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن : أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِنِكَاحِ نِسَاء الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَقَالَا : أَحَلَّهُ اللَّه عَلَى عِلْم . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : نِكَاح بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَابِيَّات مِنْهُنَّ خَاصَّة دُون سَائِر أَجْنَاس الْأُمَم الَّذِينَ دَانُوا بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة . وَذَلِكَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَعْنِيّ بِهِ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ لَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ذِمَّة وَعَهْد , فَأَمَّا أَهْل الْحَرْب فَإِنَّ نِسَاءَهُمْ حَرَام عَلَى الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8848 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُقْبَة , قَالَ : ثنا الْفَزَارِيّ , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مِنْ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَحِلّ لَنَا , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحِلّ لَنَا , ثُمَّ قَرَأَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة } فَمَنْ أَعْطَى الْجِزْيَة حَلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ , وَمَنْ لَمْ يُعْطَ الْجِزْيَة لَمْ يَحِلّ لَنَا نِسَاؤُهُ . قَالَ الْحَكَم : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيم فَأَعْجَبَهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } حَرَائِر الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْكِتَاب ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَأْذَن بِنِكَاحِ الْإِمَاء الْأَحْرَار فِي الْحَال الَّتِي أَبَاحَهُنَّ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُنَّ مُؤْمِنَات , فَقَالَ عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَات الْمُؤْمِنَات فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات } فَلَمْ يُبَحْ مِنْهُنَّ إِلَّا الْمُؤْمِنَات , فَلَوْ كَانَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } الْعَفَائِف , لَدَخَلَ الْعَفَائِف مِنْ إِمَائِهِمْ فِي الْإِبَاحَة , وَخَرَجَ مِنْهَا غَيْر الْعَفَائِف مِنْ حَرَائِرهمْ وَحَرَائِر أَهْل الْإِيمَان . وَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَنَا حَرَائِر الْمُؤْمِنَات , وَإِنْ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ } , وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : لَا يَحِلّ نِكَاح مَنْ أَتَى الْفَاحِشَة مِنْ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْكِتَاب لِلْمُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَنِكَاح حَرَائِر الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الْكِتَاب حَلَال لِلْمُؤْمِنِينَ , كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَوْ لَمْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ , ذِمِّيَّة كَانَتْ أَوْ حَرْبِيَّة , بَعْد أَنْ تَكُون بِمَوْضِعٍ لَا يَخَاف النَّاكِح فِيهِ عَلَى وَلَده أَنْ يُجْبَر عَلَى الْكُفْر , بِظَاهِرِ قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } فَأَمَّا قَوْل الَّذِي قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ نِسَاء بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَابِيَّات مِنْهُنَّ خَاصَّة , فَقَوْل لَا يُوجِب التَّشَاغُل بِالْبَيَانِ عَنْهُ لِشُذُوذِهِ وَالْخُرُوج عَمَّا عَلَيْهِ عُلَمَاء الْأُمَّة مِنْ تَحْلِيل نِسَاء جَمِيع الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَاد قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ جِهَة الْقِيَاس فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فَكَرِهْنَا إِعَادَته .
يَعْنِي : إِذَا أَعْطَيْتُمْ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْ مُحْصَنَاتكُمْ وَمُحْصَنَاتهمْ أُجُورهنَّ , وَهِيَ مُهُورهنَّ . وَأَمَّا قَوْله : { إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ } فَإِنَّ الْأَجْر : الْعِوَض الَّذِي يَبْذُلهُ الزَّوْج لِلْمَرْأَةِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا , وَهُوَ الْمَهْر . كَمَا : 8849 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ } يَعْنِي مُهُورهنَّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُحِلَّ لَكُمْ الْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات , وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ , وَأَنْتُمْ مُحْصَنُونَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مُحْصِنِينَ } أَعِفَّاء ; { غَيْر مُسَافِحِينَ } يَعْنِي : لَا مُعَالِنِينَ بِالسِّفَاحِ بِكُلِّ فَاجِرَة وَهُوَ الْفُجُور ; { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } يَقُول : وَلَا مُنْفَرِدِينَ بِبَغِيَّةٍ وَاحِدَة قَدْ خَادَنَهَا وَخَادَنَتْهُ وَاِتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَدِيقَة يَفْجُر بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِحْصَان وَوُجُوهه وَمَعْنَى السِّفَاح وَالْخِدْن فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع وَهُوَ كَمَا : 8850 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ } يَعْنِي : يَنْكِحُوهُنَّ بِالْمَهْرِ وَالْبَيِّنَة , { غَيْر مُسَافِحِينَ } مُتَعَالِنِينَ بِالزِّنَا , { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } يَعْنِي : يُسِرُّونَ بِالزِّنَا . 8851 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : أَحَلَّ اللَّه لَنَا مُحْصَنَتَيْنِ : مُحْصَنَة مُؤْمِنَة , وَمُحْصَنَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب ; { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } ذَات الْخِدَان : ذَات الْخَلِيل الْوَاحِد . 8852 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : سَأَلَهُ رَجُل : أَيَتَزَوَّجُ الرَّجُل الْمَرْأَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب ؟ قَالَ : مَا لَهُ وَلِأَهْلِ الْكِتَاب وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّه الْمُسْلِمَات ؟ فَإِنْ كَانَ لَا بُدّ فَاعِلًا , فَلْيَعْمِدْ إِلَيْهَا حَصَانًا غَيْر مُسَافِحَة . قَالَ الرَّجُل : وَمَا الْمُسَافِحَة ؟ قَالَ : هِيَ الَّتِي إِذَا لَمَّحَ الرَّجُل إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ اِتَّبَعَتْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } وَمَنْ يَجْحَد مَا أَمَرَ اللَّه بِالتَّصْدِيقِ بِهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَنُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَهُوَ الْإِيمَان الَّذِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } يَقُول : فَقَدْ بَطَلَ ثَوَاب عَمَله الَّذِي كَانَ يَعْمَلهُ فِي الدُّنْيَا , يَرْجُو أَنْ يُدْرِك بِهِ مَنْزِلَة عِنْد اللَّه . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } عُنِيَ بِهِ أَهْل الْكِتَاب , وَأَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل قَوْم تَحَرَّجُوا نِكَاح نِسَاء أَهْل الْكِتَاب لَمَّا قِيلَ لَهُمْ { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8853 - حَدَّثَنَا بِشْر , ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : كَيْفَ نَتَزَوَّج نِسَاءَهُمْ - يَعْنِي نِسَاء أَهْل الْكِتَاب - وَهُمْ عَلَى غَيْر دِيننَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } فَأَحَلَّ اللَّه تَزْوِيجهنَّ عَلَى عِلْم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الْإِيمَان قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 8854 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : بِالْإِيمَانِ بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُبَيّ بْن يَمَان , عَنْ وَاصِل , عَنْ عَطَاء : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : الْإِيمَان : التَّوْحِيد . 8855 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ , فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : مَنْ يَكْفُر بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : مَنْ يَكْفُر بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : الْكُفْر بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8856 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّ الْإِيمَان هُوَ الْعُرْوَة الْوُثْقَى , وَأَنَّهُ لَا يَقْبَل عَمَلًا إِلَّا بِهِ , وَلَا يُحَرِّم الْجَنَّة إِلَّا عَلَى مَنْ تَرَكَهُ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه تَأْوِيل مَنْ وَجَّهَ قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } إِلَى مَعْنَى : وَمَنْ يَكْفُر بِاللَّه ؟ قِيلَ وَجْه تَأْوِيله ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِاَللَّهِ وَبِرُسُلِهِ وَمَا ابْتَعَثَهُمْ بِهِ مِنْ دِينه ; وَالْكُفْر : جُحُود ذَلِكَ . قَالُوا : فَمَعْنَى الْكُفْر بِالْإِيمَانِ , هُوَ جُحُود اللَّه وَجُحُود تَوْحِيده . فَفَسَّرُوا مَعْنَى الْكَلِمَة بِمَا أُرِيدَ بِهَا , وَأَعْرَضُوا عَنْ تَفْسِير الْكَلِمَة عَلَى حَقِيقَة أَلْفَاظهَا وَظَاهِرهَا فِي التِّلَاوَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا تَأْوِيلهَا عَلَى ظَاهِرهَا وَحَقِيقَة أَلْفَاظهَا ؟ قِيلَ : تَأْوِيلهَا : وَمَنْ يَأْبَ الْإِيمَان بِاللَّه وَيَمْتَنِع مِنْ تَوْحِيده وَالطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ , فَقَدْ حَبِطَ عَمَله ; وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفْر هُوَ الْجُحُود فِي كَلَام الْعَرَب , وَالْإِيمَان : التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار , وَمَنْ أَبَى التَّصْدِيق بِتَوْحِيدِ اللَّه وَالْإِقْرَار بِهِ فَهُوَ مِنْ الْكَافِرِينَ , فَذَلِكَ تَأْوِيل الْكَلَام عَلَى وَجْهه .
يَقُول : وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْهَالِكِينَ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ ثَوَاب اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَعَمَلهمْ بِغَيْرِ طَاعَة اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات } أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَهُنَّ الْحَرَائِر مِنْهُنَّ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ . { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي : وَالْحَرَائِر مِنْ الَّذِينَ أُعْطُوا الْكِتَاب , وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ دَانُوا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ قَبْلكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَرَب وَسَائِر النَّاس , أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ أَيْضًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُحْصَنَات اللَّاتِي عَنَاهُنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ الْحَرَائِر خَاصَّة , فَاجِرَة كَانَتْ أَوْ عَفِيفَة . وَأَجَازَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة نِكَاح الْحُرَّة مُؤْمِنَة كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّة مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ أَيّ أَجْنَاس كَانَتْ , بَعْد أَنْ تَكُون كِتَابِيَّة فَاجِرَة كَانَتْ أَوْ عَفِيفَة , وَحَرَّمُوا إِمَاء أَهْل الْكِتَاب أَنْ نَتَزَوَّجهُنَّ بِكُلِّ حَال ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَرَطَ مَنْ نِكَاح الْإِمَاء الْإِيمَان بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَات الْمُؤْمِنَات فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8827 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } قَالَ : مِنْ الْحَرَائِر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : مِنْ الْحَرَائِر . 8828 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ اِمْرَأَته وَخُطِبَتْ إِلَيْهِ أُخْته , وَكَانَتْ قَدْ أَحْدَثَتْ , فَأَتَى عُمَر فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ مِنْهَا , فَقَالَ عُمَر : مَا رَأَيْت مِنْهَا ؟ قَالَ : مَا رَأَيْت مِنْهَا إِلَّا خَيْرًا ! فَقَالَ : زَوِّجْهَا وَلَا تُخْبِر . 8829 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : ثنا عَامِر , قَالَ : زَنَتْ اِمْرَأَة مِنْ هَمْدَان , قَالَ : فَجَلَدَهَا مُصَدِّق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدّ , ثُمَّ تَابَتْ . فَأَتَوْا عُمَر , فَقَالُوا : نُزَوِّجهَا وَبِئْسَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرهَا ! قَالَ عُمَر : لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَأُعَاقِبَنَّكُمْ عُقُوبَة شَدِيدَة . 8830 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّج أُخْته , فَقَالَتْ : إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَفْضَح أَبِي , فَقَدْ بَغَيْت . فَأَتَى عُمَر فَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ تَابَتْ ؟ قَالَ : بَلَى : قَالَ : فَزَوِّجْهَا . 8831 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ نُبَيْشَة اِمْرَأَة مِنْ هَمْدَان بَغَتْ , فَأَرَادَتْ أَنْ تَذْبَح نَفْسهَا , قَالَ : فَأَدْرَكُوهَا فَدَاوَوْهَا فَبَرِئَتْ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَر , فَقَالَ : اِنْكِحُوهَا نِكَاح الْعَفِيفَة الْمُسْلِمَة . 8832 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر : أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْيَمَن أَصَابَتْ أُخْته فَاحِشَة , فَأَمَرَّتْ الشَّفْرَة عَلَى أَوْدَاجهَا , فَأُدْرِكَتْ , فَدُووِيَ جُرْحهَا حَتَّى بَرِئَتْ . ثُمَّ إِنَّ عَمّهَا اِنْتَقَلَ بِأَهْلِهِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَة , فَقَرَأَتْ الْقُرْآن وَنَسَكَتْ , حَتَّى كَانَتْ مِنْ أَنْسَك نِسَائِهِمْ . فَخُطِبَتْ إِلَى عَمّهَا , وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُدَلِّسهَا , وَيَكْرَه أَنْ يُفْشِي عَلَى اِبْنَة أَخِيهِ , فَأَتَى عُمَر , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ عُمَر : لَوْ أَفْشَيْت عَلَيْهَا لَعَاقَبْتُك , إِذَا أَتَاك رَجُل صَالِح تَرْضَاهُ فَزَوِّجْهَا إِيَّاهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر : أَنَّ جَارِيَة بِالْيَمَنِ يُقَال لَهَا نُبَيْشَة , أَصَابَتْ فَاحِشَة , فَذَكَرَ نَحْوه . 8833 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل عَنْ عَامِر , قَالَ : أَتَى رَجُل عُمَر فَقَالَ : إِنَّ اِبْنَة لِي كَانَتْ وُئِدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَاسْتَخْرَجْتهَا قَبْل أَنْ تَمُوت , فَأَدْرَكَتْ الْإِسْلَام , فَلَمَّا أَسْلَمَتْ أَصَابَتْ حَدًّا مِنْ حُدُود اللَّه , فَعَمَدَتْ إِلَى الشَّفْرَة لِتَذْبَح بِهَا نَفْسهَا , فَأَدْرَكْتهَا وَقَدْ قَطَعَتْ بَعْض أَوْدَاجهَا , فَدَاوَيْتهَا حَتَّى بَرِئَتْ , ثُمَّ إِنَّهَا أَقْبَلَتْ بِتَوْبَةٍ حَسَنَة , فَهِيَ تُخْطَب إِلَيَّ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , فَأُخْبِرَ مِنْ شَأْنهَا بِاَلَّذِي كَانَ ؟ فَقَالَ عُمَر : أَتُخْبِرُ بِشَأْنِهَا ؟ تَعْمَد إِلَى مَا سَتَرَهُ اللَّه فَتُبْدِيه وَاللَّه لَئِنْ أَخْبَرْت بِشَأْنِهَا أَحَدًا مِنْ النَّاس , لَأَجْعَلَنَّك نَكَالًا لِأَهْلِ الْأَمْصَار بَلْ أَنْكِحْهَا بِنِكَاحِ الْعَفِيفَة الْمُسْلِمَة . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنِيع , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عُمَر . فَذَكَرَ نَحْوه . 8834 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر : أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ مِنْ رَجُل أُخْته , فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا قَدْ أَحْدَثَتْ . فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَضَرَبَ الرَّجُل , وَقَالَ : مَا لَك وَالْخَبَر ؟ أَنْكِحْ وَاسْكُتْ ! 8835 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لَا أَدَع أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَة فِي الْإِسْلَام أَنْ يَتَزَوَّج مُحْصَنَة . فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْن كَعْب : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , الشِّرْك أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ يُقْبَل مِنْهُ إِذَا تَابَ ! وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } الْعَفَائِف مِنْ الْفَرِيقَيْنِ , إِمَاء كُنَّ أَوْ حَرَائِر . فَأَجَازَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة نِكَاح إِمَاء أَهْل الْكِتَاب الدَّائِنَات دِينهمْ بِهَذِهِ الْآيَة , وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنْ الْمُؤْمِنَات وَأَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8836 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : الْعَفَائِف . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8837 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير عَنْ مُطَرِّف , عَنْ عَامِر : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ لَا تَزْنِي وَأَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ عَامِر : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة , وَأَنْ تُحْصِن فَرْجهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ رَجُل , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ لَا تَزْنِي , وَأَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَانهَا أَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة , وَأَنْ تُحْصِن فَرْجهَا مِنْ الزِّنَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُطَرِّف عَنْ عَامِر , بِنَحْوِهِ . 8838 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان يَقُول فِي قَوْله : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } قَالَ : الْعَفَائِف . 8839 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : أَمَّا الْمُحْصَنَات : فَهُنَّ الْعَفَائِف . 8840 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ اِمْرَأَة اِتَّخَذَتْ مَمْلُوكهَا وَقَالَتْ : تَأَوَّلْت كِتَاب اللَّه : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قَالَ : فَأُتِيَ بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَقَالَ لَهُ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَأَوَّلَتْ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه عَلَى غَيْر وَجْههَا . قَالَ : فَقَرَّبَ الْعَبْد وَجَزَّ رَأْسه , وَقَالَ : أَنْت بَعْده حَرَام عَلَى كُلّ مُسْلِم . 8841 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : أَنَّهُ قَالَ فِي الَّتِي تُسَرَّى قَبْل أَنْ يُدْخَل بِهَا , قَالَ : لَيْسَ لَهَا صَدَاق وَيُفَرَّق بَيْنهمَا . 8842 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي الْبِكْر تَهْجُر , قَالَ : تُضْرَب مِائَة سَوْط , وَتُنْفَى سَنَة , وَتَرُدّ عَلَى زَوْجهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ . 8843 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , مِثْل ذَلِكَ . 8844 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن , مِثْل ذَلِكَ . 8845 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقُول : إِذَا رَأَى الرَّجُل مِنْ اِمْرَأَته فَاحِشَة فَاسْتَيْقَنَ فَإِنَّهُ لَا يُمْسِكهَا . 8846 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : . مَمْلُوكَات أَهْل الْكِتَاب بِمَنْزِلَةِ حَرَائِرهمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حُكْم قَوْله عَزَّ ذِكْره : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } أَعَامّ أَمْ خَاصّ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عَامّ فِي الْعَفَائِف مِنْهُنَّ ; لِأَنَّ الْمُحْصَنَات الْعَفَائِف , وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّج كُلّ حُرَّة وَأَمَة كِتَابِيَّة حَرْبِيَّة كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّة . وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } وَأَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِنَّ الْعَفَائِف كَائِنَة مَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ . وَهَذَا قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْعَفَائِف . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اللَّوَاتِي عَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } الْحَرَائِر مِنْهُنَّ , وَالْآيَة عَامَّة فِي جَمِيعهنَّ , فَنِكَاح جَمِيع الْحَرَائِر الْيَهُود وَالنَّصَارَى جَائِز , حَرْبِيَّات كُنَّ أَوْ ذِمِّيَّات , مِنْ أَيّ أَجْنَاس الْيَهُود وَالنَّصَارَى كُنَّ وَهَذَا قَوْل جَمَاعَة مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8847 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن : أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِنِكَاحِ نِسَاء الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَقَالَا : أَحَلَّهُ اللَّه عَلَى عِلْم . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : نِكَاح بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَابِيَّات مِنْهُنَّ خَاصَّة دُون سَائِر أَجْنَاس الْأُمَم الَّذِينَ دَانُوا بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة . وَذَلِكَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَعْنِيّ بِهِ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ لَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ذِمَّة وَعَهْد , فَأَمَّا أَهْل الْحَرْب فَإِنَّ نِسَاءَهُمْ حَرَام عَلَى الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8848 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُقْبَة , قَالَ : ثنا الْفَزَارِيّ , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مِنْ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَحِلّ لَنَا , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحِلّ لَنَا , ثُمَّ قَرَأَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة } فَمَنْ أَعْطَى الْجِزْيَة حَلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ , وَمَنْ لَمْ يُعْطَ الْجِزْيَة لَمْ يَحِلّ لَنَا نِسَاؤُهُ . قَالَ الْحَكَم : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيم فَأَعْجَبَهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } حَرَائِر الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْكِتَاب ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَأْذَن بِنِكَاحِ الْإِمَاء الْأَحْرَار فِي الْحَال الَّتِي أَبَاحَهُنَّ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُنَّ مُؤْمِنَات , فَقَالَ عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَات الْمُؤْمِنَات فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات } فَلَمْ يُبَحْ مِنْهُنَّ إِلَّا الْمُؤْمِنَات , فَلَوْ كَانَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } الْعَفَائِف , لَدَخَلَ الْعَفَائِف مِنْ إِمَائِهِمْ فِي الْإِبَاحَة , وَخَرَجَ مِنْهَا غَيْر الْعَفَائِف مِنْ حَرَائِرهمْ وَحَرَائِر أَهْل الْإِيمَان . وَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَنَا حَرَائِر الْمُؤْمِنَات , وَإِنْ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ } , وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : لَا يَحِلّ نِكَاح مَنْ أَتَى الْفَاحِشَة مِنْ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْكِتَاب لِلْمُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَنِكَاح حَرَائِر الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الْكِتَاب حَلَال لِلْمُؤْمِنِينَ , كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَوْ لَمْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ , ذِمِّيَّة كَانَتْ أَوْ حَرْبِيَّة , بَعْد أَنْ تَكُون بِمَوْضِعٍ لَا يَخَاف النَّاكِح فِيهِ عَلَى وَلَده أَنْ يُجْبَر عَلَى الْكُفْر , بِظَاهِرِ قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } فَأَمَّا قَوْل الَّذِي قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ نِسَاء بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَابِيَّات مِنْهُنَّ خَاصَّة , فَقَوْل لَا يُوجِب التَّشَاغُل بِالْبَيَانِ عَنْهُ لِشُذُوذِهِ وَالْخُرُوج عَمَّا عَلَيْهِ عُلَمَاء الْأُمَّة مِنْ تَحْلِيل نِسَاء جَمِيع الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَاد قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ جِهَة الْقِيَاس فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فَكَرِهْنَا إِعَادَته .
يَعْنِي : إِذَا أَعْطَيْتُمْ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْ مُحْصَنَاتكُمْ وَمُحْصَنَاتهمْ أُجُورهنَّ , وَهِيَ مُهُورهنَّ . وَأَمَّا قَوْله : { إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ } فَإِنَّ الْأَجْر : الْعِوَض الَّذِي يَبْذُلهُ الزَّوْج لِلْمَرْأَةِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا , وَهُوَ الْمَهْر . كَمَا : 8849 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ } يَعْنِي مُهُورهنَّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُحِلَّ لَكُمْ الْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات , وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ , وَأَنْتُمْ مُحْصَنُونَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مُحْصِنِينَ } أَعِفَّاء ; { غَيْر مُسَافِحِينَ } يَعْنِي : لَا مُعَالِنِينَ بِالسِّفَاحِ بِكُلِّ فَاجِرَة وَهُوَ الْفُجُور ; { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } يَقُول : وَلَا مُنْفَرِدِينَ بِبَغِيَّةٍ وَاحِدَة قَدْ خَادَنَهَا وَخَادَنَتْهُ وَاِتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَدِيقَة يَفْجُر بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِحْصَان وَوُجُوهه وَمَعْنَى السِّفَاح وَالْخِدْن فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع وَهُوَ كَمَا : 8850 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ } يَعْنِي : يَنْكِحُوهُنَّ بِالْمَهْرِ وَالْبَيِّنَة , { غَيْر مُسَافِحِينَ } مُتَعَالِنِينَ بِالزِّنَا , { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } يَعْنِي : يُسِرُّونَ بِالزِّنَا . 8851 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : أَحَلَّ اللَّه لَنَا مُحْصَنَتَيْنِ : مُحْصَنَة مُؤْمِنَة , وَمُحْصَنَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب ; { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } ذَات الْخِدَان : ذَات الْخَلِيل الْوَاحِد . 8852 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : سَأَلَهُ رَجُل : أَيَتَزَوَّجُ الرَّجُل الْمَرْأَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب ؟ قَالَ : مَا لَهُ وَلِأَهْلِ الْكِتَاب وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّه الْمُسْلِمَات ؟ فَإِنْ كَانَ لَا بُدّ فَاعِلًا , فَلْيَعْمِدْ إِلَيْهَا حَصَانًا غَيْر مُسَافِحَة . قَالَ الرَّجُل : وَمَا الْمُسَافِحَة ؟ قَالَ : هِيَ الَّتِي إِذَا لَمَّحَ الرَّجُل إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ اِتَّبَعَتْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } وَمَنْ يَجْحَد مَا أَمَرَ اللَّه بِالتَّصْدِيقِ بِهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَنُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَهُوَ الْإِيمَان الَّذِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } يَقُول : فَقَدْ بَطَلَ ثَوَاب عَمَله الَّذِي كَانَ يَعْمَلهُ فِي الدُّنْيَا , يَرْجُو أَنْ يُدْرِك بِهِ مَنْزِلَة عِنْد اللَّه . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } عُنِيَ بِهِ أَهْل الْكِتَاب , وَأَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل قَوْم تَحَرَّجُوا نِكَاح نِسَاء أَهْل الْكِتَاب لَمَّا قِيلَ لَهُمْ { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8853 - حَدَّثَنَا بِشْر , ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : كَيْفَ نَتَزَوَّج نِسَاءَهُمْ - يَعْنِي نِسَاء أَهْل الْكِتَاب - وَهُمْ عَلَى غَيْر دِيننَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } فَأَحَلَّ اللَّه تَزْوِيجهنَّ عَلَى عِلْم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الْإِيمَان قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 8854 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : بِالْإِيمَانِ بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُبَيّ بْن يَمَان , عَنْ وَاصِل , عَنْ عَطَاء : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : الْإِيمَان : التَّوْحِيد . 8855 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ , فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : مَنْ يَكْفُر بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : مَنْ يَكْفُر بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : الْكُفْر بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8856 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّ الْإِيمَان هُوَ الْعُرْوَة الْوُثْقَى , وَأَنَّهُ لَا يَقْبَل عَمَلًا إِلَّا بِهِ , وَلَا يُحَرِّم الْجَنَّة إِلَّا عَلَى مَنْ تَرَكَهُ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه تَأْوِيل مَنْ وَجَّهَ قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } إِلَى مَعْنَى : وَمَنْ يَكْفُر بِاللَّه ؟ قِيلَ وَجْه تَأْوِيله ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِاَللَّهِ وَبِرُسُلِهِ وَمَا ابْتَعَثَهُمْ بِهِ مِنْ دِينه ; وَالْكُفْر : جُحُود ذَلِكَ . قَالُوا : فَمَعْنَى الْكُفْر بِالْإِيمَانِ , هُوَ جُحُود اللَّه وَجُحُود تَوْحِيده . فَفَسَّرُوا مَعْنَى الْكَلِمَة بِمَا أُرِيدَ بِهَا , وَأَعْرَضُوا عَنْ تَفْسِير الْكَلِمَة عَلَى حَقِيقَة أَلْفَاظهَا وَظَاهِرهَا فِي التِّلَاوَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا تَأْوِيلهَا عَلَى ظَاهِرهَا وَحَقِيقَة أَلْفَاظهَا ؟ قِيلَ : تَأْوِيلهَا : وَمَنْ يَأْبَ الْإِيمَان بِاللَّه وَيَمْتَنِع مِنْ تَوْحِيده وَالطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ , فَقَدْ حَبِطَ عَمَله ; وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفْر هُوَ الْجُحُود فِي كَلَام الْعَرَب , وَالْإِيمَان : التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار , وَمَنْ أَبَى التَّصْدِيق بِتَوْحِيدِ اللَّه وَالْإِقْرَار بِهِ فَهُوَ مِنْ الْكَافِرِينَ , فَذَلِكَ تَأْوِيل الْكَلَام عَلَى وَجْهه .
يَقُول : وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْهَالِكِينَ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ ثَوَاب اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَعَمَلهمْ بِغَيْرِ طَاعَة اللَّه .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْر طُهْر الصَّلَاة , فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ بِالْمَاءِ , وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } أَمُرَاد بِهِ كُلّ حَال قَامَ إِلَيْهَا , أَوْ بَعْضهَا ؟ وَأَيّ أَحْوَال الْقِيَام إِلَيْهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ بَعْض أَحْوَال الْقِيَام إِلَيْهَا دُون كُلّ الْأَحْوَال , وَأَنَّ الْحَال الَّتِي عَنَى بِهَا حَال الْقِيَام إِلَيْهَا عَلَى غَيْر طُهْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8857 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سُئِلَ عِكْرِمَة عَنْ قَوْل اللَّه : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } فَكُلّ سَاعَة يَتَوَضَّأ ؟ فَقَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَا وُضُوء إِلَّا مِنْ حَدَث . 8858 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت مَسْعُود بْن عَلِيّ الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد . 8859 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ مَسْعُود بْن عَلِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَقُول : صَلِّ بِطُهُورِك مَا لَمْ تُحْدِث . 8860 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْم بْن أَخْضَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : قُلْت لِعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيّ : مَا يُوجِب الْوُضُوء ؟ قَالَ : الْحَدَث . 8861 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ وَاقِع بْن سَحْبَان بْن يَزِيد بْن طَرِيف أَوْ طَرِيف بْن يَزِيد أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ أَبِي مُوسَى عَلَى شَاطِئ دِجْلَة , فَتَوَضَّئُوا فَصَلَّوْا الظُّهْر , فَلَمَّا نُودِيَ بِالْعَصْرِ , قَامَ رِجَال يَتَوَضَّئُونَ مِنْ دِجْلَة , فَقَالَ : إِنَّهُ لَا وُضُوء إِلَّا عَلَى مَنْ أَحْدَثَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ طَرِيف بْن زِيَاد - أَوْ زِيَاد بْن طَرِيف - عَنْ وَاقِع بْن سَحْبَان : أَنَّهُ شَهِدَ أَبَا مُوسَى صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْر , ثُمَّ جَلَسُوا حِلَقًا عَلَى شَاطِئ دِجْلَة , فَنُودِيَ بِالْعَصْرِ , فَقَامَ رِجَال يَتَوَضَّئُونَ , فَقَالَ أَبُو مُوسَى : لَا وُضُوء إِلَّا عَلَى مَنْ أَحْدَثَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ وَاقِع بْن سَحْبَان , عَنْ طَرِيف بْن يَزِيد - أَوْ يَزِيد بْن طَرِيف - حَدَّثَنَا قَالَ : كُنْت مَعَ أَبِي مُوسَى بِشَاطِئِ دِجْلَة فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ وَاقِع بْن سَحْبَان , عَنْ طَرِيف بْن يَزِيد - أَوْ يَزِيد بْن طَرِيف - عَنْ أَبِي مُوسَى , مِثْله . 8862 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , قَالَ : تَوَضَّأْت عِنْد أَبِي الْعَالِيَة الظُّهْر أَوْ الْعَصْر , فَقُلْت : أُصَلِّي بِوُضُوئِي هَذَا , فَإِنِّي لَا أَرْجِع إِلَى أَهْلِي إِلَى الْعَتَمَة ؟ قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : لَا حَرَج . وَعَلَّمَنَا : إِذَا تَوَضَّأَ الْإِنْسَان فَهُوَ فِي وُضُوئِهِ حَتَّى يُحْدِث حَدَثًا . 8863 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا اِبْن هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : الْوُضُوء مِنْ غَيْر حَدَث اِعْتِدَاء . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , مِثْله . 8864 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : رَأَيْت إِبْرَاهِيم صَلَّى بِوُضُوءٍ وَاحِد , الظُّهْر وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب . 8865 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَثَّام , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , قَالَ : كُنْت مَعَ يَحْيَى , فَأُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد , قَالَ : وَإِبْرَاهِيم مِثْل ذَلِكَ . 8866 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن سُئِلَ عَنْ الرَّجُل يَتَوَضَّأ فَيُصَلِّي الصَّلَوَات كُلّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِد , فَقَالَ : لَا بَأْس بِهِ مَا لَمْ يُحْدِث . 8867 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِع , قَالَ : ثنا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : يُصَلِّي الصَّلَوَات بِالْوُضُوءِ الْوَاحِد مَا لَمْ يُحْدِث . 8868 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ ثنا زَائِدَة عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عُمَارَة , قَالَ : كَانَ الْأَسْوَد يُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد . 8869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } يَقُول : قُمْتُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْر طُهْر . 8870 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عُمَارَة , عَنْ الْأَسْوَد : أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَعْبٌ قَدْر رِيّ رَجُل , فَكَانَ يَتَوَضَّأ ثُمَّ يُصَلِّي بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ الصَّلَوَات كُلّهَا . 8871 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا زِيَاد بْن عَبْد اللَّه بْن الطُّفَيْل الْبَكَّائِيّ , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن الْمُبَشِّر , قَالَ : رَأَيْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد , فَإِذَا بَالَ أَوْ أَحْدَثَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِفَضْلِ طَهُوره الْخُفَّيْنِ . فَقُلْت : أَبَا عَبْد اللَّه أَشَيْء تَصْنَعهُ بِرَأْيِك ؟ قَالَ : بَلْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعهُ , فَأَنَا أَصْنَعهُ كَمَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ مِنْ نَوْمكُمْ إِلَى الصَّلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8872 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْ سَمِعَ مَالِك بْن أَنَس , يُحَدِّث عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } قَالَ : يَعْنِي : إِذَا قُمْتُمْ مِنْ النَّوْم . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَنَّ مَالِك بْن أَنَس , أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , بِمِثْلِهِ . 8873 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } قَالَ : فَقَالَ : قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة مِنْ النَّوْم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَعْنِيّ بِهِ كُلّ حَال قِيَام الْمَرْء إِلَى صَلَاته أَنْ يُجَدِّد لَهَا طُهْرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8874 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ مَسْعُود بْن عَلِيّ , قَالَ : سَأَلْت عِكْرِمَة , قَالَ : قُلْت يَا أَبَا عَبْد اللَّه , أَتَوَضَّأ لِصَلَاةِ الْغَدَاة ثُمَّ آتِي السُّوق فَتَحْضُر صَلَاة الظُّهْر فَأُصَلِّي ؟ قَالَ : كَانَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت مَسْعُود بْن عَلِيّ الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : كَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَتَوَضَّأ عِنْد كُلّ صَلَاة , وَيَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } الْآيَة . 8875 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا أَزْهَر , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ : أَنَّ الْخُلَفَاء كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ لِكُلِّ صَلَاة . 8876 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس , قَالَ : تَوَضَّأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وُضُوءًا فِيهِ تَجَوُّز خَفِيفًا , فَقَالَ : هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث . 8877 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة عَنْ النَّزَّال , قَالَ : رَأَيْت عَلِيًّا صَلَّى الظُّهْر ثُمَّ قَعَدَ لِلنَّاسِ فِي الرَّحْبَة , ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهه وَيَدَيْهِ , ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ , وَقَالَ : هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث . 8878 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : أَنَّ عَلِيًّا اِكْتَالَ مِنْ حُبّ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا فِيهِ تَجَوُّز , فَقَالَ : هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَتَوَضَّئُوا لِكُلِّ صَلَاة , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8879 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد الْقَطْوَانِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن إِسْحَاق قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَيَّان الْأَنْصَارِيّ ثُمَّ الْمَازِنِيّ , مَازِن بَنِي النَّجَّار , فَقَالَ لِعُبَيْدِ اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر : أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوء عَبْد اللَّه لِكُلِّ صَلَاة , طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْر طَاهِر , عَمَّنْ هُوَ ؟ قَالَ : حَدَّثَتْنِيهِ أَسْمَاء اِبْنَة زَيْد بْن الْخَطَّاب , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن حَنْظَلَة بْن أَبِي عَامِر الْغَسِيل حَدَّثَهَا : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ عِنْد كُلّ صَلَاة , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَأَمَرَ بِالسِّوَاكِ , وَرَفَعَ عَنْهُ الْوُضُوء إِلَّا مِنْ حَدَث . فَكَانَ عَبْد اللَّه يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّة عَلَيْهِ , فَكَانَ يَتَوَضَّأ * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن يَزِيد بْن رُكَانَة قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : قُلْت لِعُبَيْدِ اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوء عَبْد اللَّه لِكُلِّ صَلَاة ! ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 8880 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ لِكُلِّ صَلَاة , فَلَمَّا كَانَ عَام الْفَتْح , صَلَّى الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد , وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ , فَقَالَ عُمَر : إِنَّك فَعَلْت شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلهُ ! قَالَ : " عَمْدًا فَعَلْته " 8881 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأ لِكُلِّ صَلَاة , فَلَمَّا كَانَ يَوْم فَتْح مَكَّة , صَلَّى الصَّلَوَات كُلّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِد * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُحَارِب , بْن دِثَار , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأ , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ اِبْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَات كُلّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِد , فَقَالَ لَهُ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , صَنَعْت شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعهُ ؟ فَقَالَ : " عَمْدًا فَعَلْته يَا عُمَر " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ لِكُلِّ صَلَاة , فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّة , صَلَّى الظُّهْر وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء بِوُضُوءٍ وَاحِد 8882 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن ظَهِير , عَنْ مِسْعَر , عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْر وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء بِوُضُوءٍ وَاحِد فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنْظَلَة , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ عِنْد كُلّ صَلَاة , دَلَالَة عَلَى خِلَاف مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ نَدْبًا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه , وَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْوُجُوب ; فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْل الْقَائِل : أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَكَذَا , مُحْتَمِل مِنْ وُجُوه لِأَمْرِ الْإِيجَاب وَالْإِرْشَاد وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة وَالْإِطْلَاق , وَإِذْ كَانَ مُحْتَمِلًا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَوْجُه , كَانَ أَوْلَى وُجُوهه بِهِ مَا عَلَى صِحَّته الْحُجَّة مُجْمِعَة دُون مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّته بُرْهَان يُوجِب حَقِّيَّة مُدَّعِيه . وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِب عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى عِبَاده فَرْض الْوُضُوء لِكُلِّ صَلَاة , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ , فَفِي إِجْمَاعهَا عَلَى ذَلِكَ الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَفْعَل مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ إِيثَاره فِعْل مَا نَدَبَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره إِلَى فِعْله وَنَدَبَ إِلَيْهِ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } الْآيَة , وَأَنَّ تَرْكه فِي ذَلِكَ الْحَال الَّتِي تَرَكَهُ كَانَ تَرْخِيصًا لِأُمَّتِهِ وَإِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْر وَاجِب وَلَا لَازِم لَهُ وَلَا لَهُمْ , إِلَّا مِنْ حَدَث يُوجِب نَقْض الطُّهْر . وَقَدْ رُوِيَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَخْبَار : 8883 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن عَامِر , عَنْ أَنَس : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَعْبٍ صَغِير , فَتَوَضَّأَ . قَالَ : قُلْت لِأَنَسٍ : أَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ عِنْد كُلّ صَلَاة ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْت : فَأَنْتُمْ ؟ قَالَ : كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد 8884 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن خَالِد الرَّقِّيّ , ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد الْإِفْرِيقِيّ , عَنْ أَبِي غُطَيْف , قَالَ : صَلَّيْت مَعَ اِبْن عُمَر الظُّهْر , فَأَتَى مَجْلِسًا فِي دَاره , فَجَلَسَ وَجَلَسْت مَعَهُ , فَلَمَّا نُودِيَ بِالْعَصْرِ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ , ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَجْلِسه ; فَلَمَّا نُودِيَ بِالْمَغْرِبِ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ , فَقُلْت : أَسُنَّة مَا أَرَاك تَصْنَع ؟ قَالَ : لَا , وَإِنْ كَانَ وُضُوئِي لِصَلَاةِ الصُّبْح كَافِيًا لِلصَّلَوَاتِ كُلّهَا مَا لَمْ أُحْدِث , وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْر كُتِبَ لَهُ عَشْر حَسَنَات " , فَأَنَا رَغِبْت فِي ذَلِكَ * - حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيد الْبَغْدَادِيّ , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن مَنْصُور , عَنْ هُرَيْم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي غُطَيْف , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه : " مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْر كُتِبَ لَهُ عَشْر حَسَنَات " وَقَدْ قَالَ قَوْم : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْلَامًا مِنْ اللَّه لَهُ بِهَا أَنْ لَا وُضُوء عَلَيْهِ , إِلَّا إِذَا قَامَ إِلَى صَلَاته دُون غَيْرهَا مِنْ الْأَعْمَال كُلّهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَحْدَثَ اِمْتَنَعَ مِنْ الْأَعْمَال كُلّهَا حَتَّى يَتَوَضَّأ , فَأَذِنَ لَهُ بِهَذِهِ الْآيَة أَنْ يَفْعَل كُلّ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْأَفْعَال بَعْد الْحَدَث عَدَا الصَّلَاة تَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يَتَوَضَّأ , وَأَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَبْل الدُّخُول فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8885 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , عَنْ عَمْرو بْن حَزْم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَلْقَمَة بْن وَقَّاص , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَاقَ الْبَوْل نُكَلِّمهُ فَلَا يُكَلِّمنَا وَنُسَلِّم عَلَيْهِ فَلَا يَرُدّ عَلَيْنَا , حَتَّى يَأْتِي مَنْزِله فَيَتَوَضَّأ كَوُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ , فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمك فَلَا تُكَلِّمنَا وَنُسَلِّم عَلَيْك فَلَا تَرُدّ عَلَيْنَا ! قَالَ : حَتَّى نَزَلَتْ آيَة الرُّخْصَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } الْآيَة
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حَدّ الْوَجْه الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِغُسْلِهِ , الْقَائِم إِلَى الصَّلَاة بِقَوْلِهِ : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } ; فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ بَشَرَة الْإِنْسَان مِنْ قُصَاص شَعْر رَأْسه , مُنْحَدِرًا إِلَى مُنْقَطِع ذَقْنه طُولًا , وَمَا بَيْن الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا . قَالُوا : فَأَمَّا الْأُذُن وَمَا بَطَنَ مِنْ دَاخِل الْفَم وَالْأَنْف وَالْعَيْن فَلَيْسَ مِنْ الْوَجْه وَلَا غَيْره , وَلَا أُحِبّ غَسْل ذَلِكَ وَلَا غَسْل شَيْء مِنْهُ فِي الْوُضُوء . قَالُوا : وَأَمَّا مَا غَطَّاهُ الشَّعْر مِنْهُ كَالذَّقَنِ الَّذِي غِطَاء شَعْر اللِّحْيَة وَالصُّدْغَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ غَطَّاهُمَا عُذُر اللِّحْيَةِ , فَإِنَّ إِمْرَار الْمَاء عَلَى مَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّعْر مُجْزِئ عَنْ غَسْل مَا بَطَنَ مِنْهُ مِنْ بَشَرَة الْوَجْه ; لِأَنَّ الْوَجْه عِنْدهمْ هُوَ مَا ظَهَرَ لِعَيْن النَّاظِر مِنْ ذَلِكَ فَقَابَلَهَا دُون غَيْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8886 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عُبَيْد , عَنْ مَعْمَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : . يُجْزِئ اللِّحْيَة مَا سَالَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاء . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يَكْفِيه مَا سَالَ مِنْ الْمَاء مِنْ وَجْهه عَلَى لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِنَحْوِهِ . 8887 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة , قَالَ : يَجْزِيك مَا مَرَّ عَلَى لِحْيَتك . 8888 - حَدَّثَنَا هَارُون بْن إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : رَأَيْت إِبْرَاهِيم يَتَوَضَّأ , فَلَمْ يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ سَعِيد الزُّبَيْدِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : . يَجْزِيك مَا سَالَ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ تُخَلِّلهَا . 8889 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يُونُس , قَالَ : . كَانَ الْحَسَن إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ لِحْيَته مَعَ وَجْهه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ كَانَ لَا يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ لَا يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 8890 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : لَيْسَ غَسْل اللِّحْيَة مِنْ السُّنَّة . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عِيسَى بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ لَمْ يُبَلِّغ الْمَاء فِي أُصُول لِحْيَته . 8891 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ أَبِي شَيْبَة سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّبَيْدِيّ , قَالَ : سَأَلْت إِبْرَاهِيم أُخَلِّل لِحْيَتِي عِنْد الْوُضُوء بِالْمَاءِ ؟ فَقَالَ : لَا , إِنَّمَا يَكْفِيك مَا مَرَّتْ عَلَيْهِ يَدك . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : سَأَلْت شُعْبَة عَنْ تَخْلِيل اللِّحْيَة فِي الْوُضُوء , فَقَالَ : قَالَ الْمُغِيرَة : قَالَ إِبْرَاهِيم : يَكْفِيه مَا سَالَ مِنْ الْمَاء مِنْ وَجْهه عَلَى لِحْيَته . 8892 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن رِشْدِينَ , قَالَ : ثنا عَبْد الْجَبَّار بْن عُمَر : أَنَّ اِبْن شِهَاب وَرَبِيعَة تَوَضَّئَا , فَأَمَرَّا الْمَاء عَلَى لِحَاهُمَا , وَلَمْ أَرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا خَلَّلَ لِحْيَته . 8893 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ عَرْك الْعَارِضَيْنِ فِي الْوُضُوء , فَقَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ , رَأَيْت مَكْحُولًا يَتَوَضَّأ فَلَا يَفْعَل ذَلِكَ . 8894 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَيْسَ عَرْك الْعَارِضَيْنِ فِي الْوُضُوء بِوَاجِبٍ . * - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يَكْفِيه مَا مَرَّ مِنْ الْمَاء عَلَى لِحْيَته . 8895 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن أَبِي زَيْنَب , قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد كَيْفَ أَصْنَع بِلِحْيَتِي إِذَا تَوَضَّأْت ؟ قَالَ : . لَسْت مِنْ الَّذِينَ يَغْسِلُونَ لِحَاهُمْ . 8896 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ أَبُو عَمْرو : لَيْسَ عَرْك الْعَارِضَيْنِ وَتَشْبِيك اللِّحْيَة بِوَاجِبٍ فِي الْوُضُوء . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة فِي غَسْل مَا بَطَنَ مِنْ الْفَم وَالْأَنْف : 8897 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي بَشِير , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَوْلَا التَّلَمُّظ فِي الصَّلَاة مَا مَضْمَضْت . 8898 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْمَلِك يَقُول : سُئِلَ عَطَاء , عَنْ رَجُل صَلَّى وَلَمْ يُمَضْمِض قَالَ : مَا لَمْ يُسَمّ فِي الْكِتَاب يُجْزِئهُ . 8899 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَيْسَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مِنْ وَاجِب الْوُضُوء . 8900 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح , عَنْ أَبِي سِنَان , قَالَ : كَانَ الضَّحَّاك يَنْهَانَا عَنْ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْوُضُوء فِي رَمَضَان . 8901 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت هِشَامًا , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِذَا نَسِيَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق , قَالَ : إِنْ ذَكَرَ وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاة فَلْيَمْضِ فِي صَلَاته , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ . 8902 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت الْحَكَم وَقَتَادَة , عَنْ رَجُل ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنَّهُ لَمْ يَتَمَضْمَض وَلَمْ يَسْتَنْشِق , فَقَالَ : يَمْضِي فِي صَلَاته . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ الْوَجْه : 8903 - حَدَّثَنِي يَزِيد بْن مَخْلَد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ غَيْلَان , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا أَبُو مُطَرِّف , قَالَ : ثنا غَيْلَان مَوْلَى بَنِي مَخْزُوم , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس , فَإِذَا مَسَحْت الرَّأْس فَامْسَحْهُمَا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي غَيْلَان بْن عَبْد اللَّه مَوْلَى قُرَيْش , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر سَأَلَهُ سَائِل , قَالَ : إِنَّهُ تَوَضَّأَ وَنَسِيَ أَنْ يَمْسَح أُذُنَيْهِ , قَالَ : فَقَالَ اِبْن عُمَر : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ بَأْسًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد . ح , وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْر , عَنْ سَعِيد بْن مَرْجَانَة , عَنْ اِبْن عُمَر , أَنَّهُ قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . 8904 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . 8905 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَا : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد . * - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرو , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي النَّضْر , عَنْ اِبْن عُمَر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عِيسَى بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . 8906 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ سِنَان بْن رَبِيعَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أَبِي أُمَامَة أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ; شَكَّ اِبْن بَزِيع أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس " 8907 - ثنا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن مَنْصُور , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ سِنَان بْن رَبِيعَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس قَالَ حَمَّاد : لَا أَدْرِي هَذَا عَنْ أَبِي أُمَامَة أَوْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثني حَمَّاد بْن زَيْد , قَالَ : ثني سِنَان بْن رَبِيعَة أَبُو رَبِيعَة عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس " 8908 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج وَغَيْره , عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس " 8909 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن شُبَيْب , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن هَاشِم بْن الْبَرِيد , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ عَطَاء , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس " 8910 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ يُونُس , أَنَّ الْحَسَن , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . وَقَالَ آخَرُونَ : الْوَجْه : كُلّ مَا دُون مَنَابِت شَعْر الرَّأْس إِلَى مُنْقَطِع الذَّقَن طُولًا , وَمِنْ الْأُذُن إِلَى الْأُذُن عَرْضًا , مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ لِعَيْنِ النَّاظِر , وَمَا بَطَنَ مِنْهُ مِنْ مَنَابِت شَعْر اللِّحْيَة النَّابِت عَلَى الذَّقَن وَعَلَى الْعَارِضَيْنِ , وَمَا كَانَ مِنْهُ دَاخِل الْفَم وَالْأَنْف , وَمَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ عَلَى الْوَجْه . كُلّ ذَلِكَ عِنْدهمْ مِنْ الْوَجْه الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِغُسْلِهِ بِقَوْلِهِ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } وَقَالُوا : إِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمُتَوَضِّئ فَلَمْ يَغْسِلهُ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاته بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8911 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر وَأَبُو عَاصِم , قَالَا : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَبُلّ أُصُول شَعْر لِحْيَته , وَيُغَلْغِل بِيَدِهِ فِي أُصُول شَعْرهَا حَتَّى تَكْثُر الْقَطَرَات مِنْهَا . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُغَلْغِل يَدَيْهِ فِي لِحْيَته حَتَّى تَكْثُر مِنْهَا الْقَطَرَات . * - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , عَنْ سَعِيد , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَته حَتَّى يَبْلُغ أُصُول الشَّعْر . 8912 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن جَابِر اللُّقَيْطِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْأَزْرَق بْن قَيْس , قَالَ : رَأَيْت اِبْن عُمَر تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا لَيْث , عَنْ نَافِع : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته بِالْمَاءِ حَتَّى يَبْلُغ أُصُول الشَّعْر . 8913 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر : أَنَّ أَبَاهُ عُبَيْد بْن عُمَيْر كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ غَلْغَلَ أَصَابِعه فِي أُصُول شَعْر الْوَجْه يُغَلْغِلهَا بَيْن الشَّعْر فِي أُصُوله يَدْلُك بِأَصَابِعِهِ الْبَشَرَة . فَأَشَارَ لِي عَبْد اللَّه كَمَا أَخْبَرَهُ الرَّجُل , كَمَا وَصَفَ عَنْهُ . 8914 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْض الْعَرْك , وَشَبَّكَ لِحْيَته بِأَصَابِعِهِ أَحْيَانًا وَيَتْرُك أَحْيَانًا . 8915 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , وَعَلِيّ بْن سَهْل , قَالَا : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ ثنا أَبُو عَمْرو , وَأَخْبَرَنِي عَبْدَة , عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ نَحْو ذَلِكَ . 8916 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُسْلِم , قَالَ : . رَأَيْت اِبْن أَبِي لَيْلَى تَوَضَّأَ فَغَسَلَ لِحْيَته وَقَالَ : مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُبْلِغ الْمَاء أُصُول الشَّعْر فَلْيَفْعَلْ . 8917 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : حَقّ عَلَيْهِ أَنْ يَبُلّ أُصُول الشَّعْر . 8918 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , قَالَ : كَانَ مُجَاهِد يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8919 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد الْحَفْرِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن شُبْرُمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : مَا بَال اللِّحْيَة تُغْسَل قَبْل أَنْ تَنْبُت فَإِذَا نَبَتَتْ لَمْ تُغْسَل ؟ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . 8920 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ طَاوُس , أَنَّهُ . كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . 8921 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , مِثْله . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : سَأَلْت شُعْبَة , عَنْ تَخْلِيل اللِّحْيَة فِي الْوُضُوء , فَذَكَرَ عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة : أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَمْرو عَنْ مَعْرُوف , قَالَ : رَأَيْت اِبْن سِيرِينَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , مِثْله . 8922 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الزُّبَيْر بْن عَدِيّ , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : رَأَيْته يُخَلِّل لِحْيَته . 8923 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ زَيْد الْخُدْرِيّ , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته , فَقُلْت : لِمَ تَفْعَل هَذَا يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : " أَمَرَنِي بِذَلِكَ رَبِّي " * - حَدَّثَنَا تَمِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ سَلَّام بْن سَلْم , عَنْ زَيْد الْعَمِّيّ , عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة أَوْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس , قَالَ : وَضَّأْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَدْخَلَ أَصَابِعه مِنْ تَحْت حَنَكه , فَخَلَّلَ لِحْيَته , وَقَالَ : " بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي جَلَّ وَعَزَّ " * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ سَلَّام بْن سَلْم الْمَدِينِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد الْعَمِّيّ , عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْدَة الْحَدَّاد , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن شِرْوَان , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي " . وَأَدْخَلَ أَصَابِعه فِي لِحْيَته , فَخَلَّلَهَا 8924 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام وَعُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ خَالِد بْن إِلْيَاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع , عَنْ أُمّ سَلَمَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ , فَخَلَّلَ لِحْيَته 8925 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن الْحُرّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , عَنْ وَاصِل بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي سَوْرَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : " رَأَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ , وَخَلَّلَ لِحْيَته " 8926 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : ثنا عُمَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي غَالِب , عَنْ أَبِي أُمَامَة : " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّلَ لِحْيَته " 8927 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامَغَانِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم أَبِي أُمَيَّة : أَنَّ حَسَّان بْن ثَابِت الْمُزَنِيّ رَأَى عَمَّار بْن يَاسِر تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَته , فَقِيلَ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا , فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ 8928 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الْوَاحِد بْن قَيْس , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ وَقَتَادَة : " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ , وَشَبَّكَ لِحْيَته بِأَصَابِعِهِ " 8929 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو مَهْدِيّ بْن سِنَان , عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّة , عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 8930 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الطَّنَافِسِيّ أَبُو عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني وَاصِل الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَبِي سَوْرَة هَكَذَا قَالَ الْأَحْمَسِيّ عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ تَمَضْمَضَ وَمَسَحَ لِحْيَته مِنْ تَحْتهَا بِالْمَاءِ " ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة فِي غَسْل مَا بَطَنَ مِنْ الْأَنْف وَالْفَم : 8931 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : الِاسْتِنْشَاق شَطْر الْوُضُوء . 8932 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت حَمَّادًا عَنْ رَجُل ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنَّهُ لَمْ يَتَمَضْمَض وَلَمْ يَسْتَنْشِق , قَالَ حَمَّاد : يَنْصَرِف فَيَتَمَضْمَض وَيَسْتَنْشِق . 8933 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح , عَنْ أَبِي سِنَان , قَالَ : قَدِمْت الْكُوفَة فَأَتَيْت حَمَّادًا فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ , يَعْنِي عَمَّنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَصَلَّى فَقَالَ : أَرَى عَلَيْهِ إِعَادَة الصَّلَاة . 8934 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : كَانَ قَتَادَة يَقُول : إِذَا تَرَكَ الْمَضْمَضَة أَوْ الِاسْتِنْشَاق أَوْ أُذُنه أَوْ طَائِفَة مِنْ رِجْله حَتَّى يَدْخُل فِي صَلَاته , فَإِنَّهُ يَنْفَتِل وَيَتَوَضَّأ , وَيُعِيد صَلَاته . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَنَّ مَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ فَمِنْ الْوَجْه , وَمَا أَدْبَرَ فَمِنْ الرَّأْس : 8935 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : مَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ فَمِنْ الْوَجْه , وَمَا أَدْبَرَ فَمِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثني شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم وَحَمَّاد , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي الْأُذُنَيْنِ : بَاطِنهمَا مِنْ الْوَجْه , وَظَاهِرهمَا مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : مُقَدَّم الْأُذُنَيْنِ مِنْ الْوَجْه , وَمُؤَخَّرهمَا مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم وَحَمَّاد , عَنْ الشَّعْبِيّ بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : بَاطِن الْأُذُنَيْنِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ الشَّعْبِيّ بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : بَاطِن الْأُذُنَيْنِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ الشَّعْبِيّ , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : بَاطِن الْأُذُنَيْنِ مِنْ الْوَجْه , وَظَاهِرهمَا مِنْ الرَّأْس . 8936 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة . ح , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَا جَمِيعًا : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن يَزِيد بْن رُكَانَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه الْخَوْلَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : أَلَا أَتَوَضَّأ لَكُمْ وُضُوء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : قُلْنَا : نَعَمْ . فَتَوَضَّأَ , فَلَمَّا غَسَلَ وَجْهه , أَلْقَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ , قَالَ : ثُمَّ لَمَّا مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسَحَ أُذُنَيْهِ مِنْ ظُهُورهمَا وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : الْوَجْه الَّذِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ ذِكْره بِغَسْلِهِ الْقَائِم إِلَى صَلَاته : كُلّ مَا اِنْحَدَرَ عَنْ مَنَابِت شَعْر الرَّأْس إِلَى مُنْقَطِع الذَّقَن طُولًا , وَمَا بَيْن الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا مِمَّا هُوَ ظَاهِر لِعَيْنِ النَّاظِر , دُون مَا بَطَنَ مِنْ الْفَم وَالْأَنْف وَالْعَيْن , وَدُون مَا غَطَّاهُ شَعْر اللِّحْيَة وَالْعَارِضَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ فَسَتَرَهُ عَنْ أَبْصَار النَّاظِرِينَ , وَدُون الْأُذُنَيْنِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَإِنْ كَانَ مَا تَحْت شَعْر اللِّحْيَة وَالشَّارِبَيْنِ قَدْ كَانَ وَجْهًا يَجِب غَسْله قَبْل نَبَات الشَّعْر السَّاتِر عَنْ أَعْيُن النَّاظِرِينَ عَلَى الْقَائِم إِلَى صَلَاته , لِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَيْنِ مِنْ الْوَجْه , ثُمَّ هُمْ مَعَ إِجْمَاعهمْ عَلَى ذَلِكَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ غَسْل مَا عَلَاهُمَا مِنْ أَجْفَانهمَا دُون إِيصَال الْمَاء إِلَى مَا تَحْت الْأَجْفَان مِنْهُمَا مُجْزِئ ; فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِجْمَاعًا بِتَوْقِيفِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته عَلَى ذَلِكَ , فَنَظِير ذَلِكَ كُلّ مَا عَلَاهُ شَيْء مِنْ مَوَاضِع الْوُضُوء مِنْ جَسَد اِبْن آدَم مِنْ نَفْس خِلْقَة سَاتِره لَا يَصِل الْمَاء إِلَيْهِ إِلَّا بِكُلْفَةٍ وَمُؤْنَة وَعِلَاج , قِيَاسًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْم الْعَيْنَيْنِ فِي ذَلِكَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْل الْعَيْنَيْنِ فِي مُؤْنَة إِيصَال الْمَاء إِلَيْهِمَا عِنْد الْوُضُوء مَا بَطَنَ مِنْ الْأَنْف وَالْفَم وَشَعْر اللِّحْيَة وَالصُّدْغَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ لَا يَصِل الْمَاء إِلَيْهِ إِلَّا بِعِلَاجٍ لِإِيصَالِ الْمَاء إِلَيْهِ نَحْو كُلْفَة عِلَاج الْحَدَقَتَيْنِ لِإِيصَالِ الْمَاء إِلَيْهِمَا أَوْ أَشَدّ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ غَسْل مَنْ غَسَلَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مَا تَحْت مَنَابِت شَعْر اللِّحْيَة وَالْعَارِضَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَمَا بَطَنَ مِنْ الْأَنْف وَالْفَم , إِنَّمَا كَانَ إِيثَارًا مِنْهُ لِأَشَقّ الْأَمْرَيْنِ عَلَيْهِ مِنْ غَسْل ذَلِكَ وَتَرْك غَسْله , كَمَا آثَرَ اِبْن عُمَر غَسْل مَا تَحْت أَجْفَان الْعَيْنَيْنِ بِالْمَاءِ بِصَبِّهِ الْمَاء فِي ذَلِكَ , لَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ عِنْده فَرْضًا وَاجِبًا . فَأَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ كَانَ عَلَى وَجْه الْإِيجَاب وَالْفَرْض , فَإِنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْهَاجهمْ وَأَغْفَلَ سَبِيل الْقِيَاس ; لِأَنَّ الْقِيَاس هُوَ مَا وَصَفْنَا مِنْ تَمْثِيل الْمُخْتَلَف فِيهِ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَصْلِ الْمُجْمَع عَلَيْهِ مِنْ حُكْم الْعَيْنَيْنِ , وَأَنْ لَا خَبَر عَنْ وَاحِد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ عَلَى تَارِك إِيصَال الْمَاء فِي وُضُوئِهِ إِلَى أُصُول شَعْر لِحْيَته وَعَارِضَيْهِ , وَتَارِك الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِعَادَة صَلَاته إِذَا صَلَّى بِطُهْرِهِ ذَلِكَ , فَفِي ذَلِكَ أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فِعْلهمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ إِيثَارًا مِنْهُمْ لِأَفْضَل الْفِعْلَيْنِ مِنْ التَّرْك وَالْغَسْل . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدكُمْ فَلْيَسْتَنْثِرْ " دَلِيلًا عَلَى وُجُوب الِاسْتِنْثَار , فَإِنَّ فِي إِجْمَاع الْحُجَّة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْر فَرْض يَجِب عَلَى مَنْ تَرَكَهُ إِعَادَة الصَّلَاة الَّتِي صَلَّاهَا قَبْل غَسْله , مَا يُغْنِي عَنْ إِكْثَار الْقَوْل فِيهِ . وَأَمَّا الْأُذُنَانِ فَإِنَّ فِي إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ تَرْك غَسْلهمَا أَوْ غَسْل مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا عَلَى الْوَجْه , غَيْر مُفْسِد صَلَاة مَنْ صَلَّى بِطُهْرِهِ الَّذِي تَرَكَ فِيهِ غَسْلهمَا , مَعَ إِجْمَاعهمْ جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ غَسْل شَيْء مِمَّا يَجِب عَلَيْهِ غَسْله مِنْ وَجْهه فِي وُضُوئِهِ أَنَّ صَلَاته لَا تُجْزِئهُ بِطَهُورِهِ ذَلِكَ , مَا يُنْبِئ عَنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلهمْ إِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْوَجْه ; دُون مَا قَالَهُ الشَّعْبِيّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَرَافِق , هَلْ هِيَ مِنْ الْيَد الْوَاجِب غَسْلهَا أَمْ لَا ؟ بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ غَسْل الْيَد إِلَيْهَا وَاجِب . فَقَالَ مَالِك بْن أَنَس وَسُئِلَ عَنْ قَوْل اللَّه : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } أَتَرَى أَنْ يَخْلُف الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْوُضُوء ؟ قَالَ : الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْ يَبْلُغ " الْمَرْفِقَيْنِ " , قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } فَذَهَبَ هَذَا يَغْسِل خَلْفه ! فَقِيلَ لَهُ : فَإِنَّمَا يَغْسِل إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ لَا يُجَاوِزهُمَا ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي مَا لَا يُجَاوِزهُمَا ; أَمَّا الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْ يَبْلُغ بِهِ فَهَذَا : إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ . حَدَّثَنَا يُونُس , عَنْ أَشْهَب عَنْهُ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَمْ أَعْلَم مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرَافِق فِيمَا يُغْسَل كَأَنَّهُ يَذْهَب إِلَى أَنَّ مَعْنَاهَا : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى } أَنْ تُغْسَل { الْمَرَافِق } حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } غَسْل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرَافِق , فَالْمِرْفَقَانِ غَايَة لِمَا أَوْجَبَ اللَّه غَسْله مِنْ آخِر الْيَد , وَالْغَايَة غَيْر دَاخِلَة فِي الْحَدّ , كَمَا غَيْر دَاخِل اللَّيْل فِيمَا أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَى عِبَاده مِنْ الصَّوْم بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إِلَى اللَّيْل } لِأَنَّ اللَّيْل غَايَة لِصَوْمِ الصَّائِم , إِذَا بَلَغَهُ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ . قَالُوا : فَكَذَلِكَ الْمَرَافِق فِي قَوْله : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } غَايَة لِمَا أَوْجَبَ اللَّه غَسْله مِنْ الْيَد . وَهَذَا قَوْل زُفَر بْن الْهُذَيْل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّ غَسْل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ مِنْ الْفَرْض الَّذِي إِنْ تَرَكَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ تَارِك , لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاة مَعَ تَرْكه غَسْله . فَأَمَّا الْمِرْفَقَانِ وَمَا وَرَاءَهُمَا , فَإِنَّ غَسْل ذَلِكَ مِنْ النَّدْب الَّذِي نَدَبَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته بِقَوْلِهِ : " أُمَّتِي الْغُرّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَار الْوُضُوء , فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيل غُرَّته فَلْيَفْعَلْ " فَلَا تَفْسُد صَلَاة تَارِك غَسْلهمَا وَغَسْل مَا وَرَاءَهُمَا , لِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِيمَا مَضَى مِنْ أَنَّ لَك غَايَة حُدَّتْ بِ " إِلَى " فَقَدْ تَحْتَمِل فِي كَلَام الْعَرَب دُخُول الْغَايَة فِي الْحَدّ وَخُرُوجهَا مِنْهُ . وَإِذَا اِحْتَمَلَ الْكَلَام ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ الْقَضَاء بِأَنَّهَا دَاخِلَة فِيهِ , إِلَّا لِمَنْ لَا يُجَوِّز خِلَافه فِيمَا بُيِّنَ وَحُكِمَ , وَلَا حُكْم بِأَنَّ الْمَرَافِق دَاخِلَة فِيمَا يَجِب غَسْله عِنْدنَا مِمَّنْ يَجِب التَّسْلِيم بِحُكْمِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْمَسْح الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ بِقَوْلِهِ : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : وَامْسَحُوا بِمَا بَدَا لَكُمْ أَنْ تَمْسَحُوا بِهِ مِنْ رُءُوسكُمْ بِالْمَاءِ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8937 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , عَنْ عِيسَى بْن حَفْص , قَالَ : ذُكِرَ عِنْد الْقَاسِم بْن مُحَمَّد مَسْح الرَّأْس , فَقَالَ : يَا نَافِع كَيْفَ كَانَ اِبْن عُمَر يَمْسَح ؟ فَقَالَ : مَسْحَة وَاحِدَة . وَوَصَفَ أَنَّهُ مَسَحَ مُقَدَّم رَأْسه إِلَى وَجْهه . فَقَالَ الْقَاسِم : اِبْن عُمَر أَفْقَهُنَا وَأَعْلَمنَا . 8938 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن سَعِيد , يَقُول : أَخْبَرَنِي نَافِع أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ رَدَّ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء وَوَضَعَهُمَا فِيهِ , ثُمَّ مَسَحَ بِيَدَيْهِ مُقَدَّم رَأْسه . 8939 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بُكَيْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَضَع بَطْن كَفَّيْهِ عَلَى الْمَاء ثُمَّ لَا يَنْفُضهُمَا ثُمَّ يَمْسَح بِهِمَا مَا بَيْن قَرْنَيْهِ إِلَى الْجَبِين وَاحِدَة , ثُمَّ لَا يَزِيد عَلَيْهَا فِي كُلّ ذَلِكَ مَسْحَة وَاحِدَة , مُقْبِلَة مِنْ الْجَبِين إِلَى الْقَرْن . * - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ مُقَدَّم رَأْسه . 8940 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , قَالَ : يَجْزِيك أَنْ تَمْسَح مُقَدَّم رَأْسك إِذَا كُنْت مُعْتَمِرًا , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْمَرْأَة . 8941 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ نَافِع , قَالَ : رَأَيْت اِبْن عُمَر مَسَحَ بِيَافُوخِهِ مَسْحَة . وَقَالَ سُفْيَان : إِنْ مَسَحَ شَعْره أَجْزَأَهُ ; يَعْنِي وَاحِدَة . 8942 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : أَيّ جَوَانِب رَأْسك مَسَسْت الْمَاء أَجْزَأَك . 8943 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن ظَبْيَان , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ الشَّعْبِيّ , مِثْله . 8944 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ نَافِع , قَالَ : . كَانَ اِبْن عُمَر يَمْسَح رَأْسه هَكَذَا , فَوَضَعَ أَيُّوب كَفّه وَسَط رَأْسه , ثُمَّ أَمَرَّهَا عَلَى مُقَدَّم رَأْسه . 8945 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن الْحُبَاب , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : إِنْ مَسَحَ رَأْسه بِأُصْبُعٍ وَاحِدَة أَجْزَأَهُ . 8946 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : قُلْت لِأَبِي عَمْرو : مَا يُجْزِئ مِنْ مَسْح الرَّأْس ؟ قَالَ : أَنْ تَمْسَح مُقَدَّم رَأْسك إِلَى الْقَفَا أَحَبّ إِلَيَّ . * - حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْهُ , نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَامْسَحُوا بِجَمِيعِ رُءُوسكُمْ . قَالُوا : إِنْ لَمْ يَمْسَح بِجَمِيعِ رَأْسه بِالْمَاءِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاة بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8947 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا أَشْهَب , قَالَ : قَالَ مَالِك : مَنْ مَسَحَ بَعْض رَأْسه وَلَمْ يَعُمّ أَعَادَ الصَّلَاة بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَسَلَ بَعْض وَجْهه أَوْ بَعْض ذِرَاعه . قَالَ : وَسُئِلَ مَالِك عَنْ مَسْح الرَّأْس , قَالَ : يَبْدَأ مِنْ مُقَدَّم وَجْهه , فَيُدِير يَدَيْهِ إِلَى قَفَاهُ , ثُمَّ يَرُدّهُمَا إِلَى حَيْثُ بَدَأَ مِنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يُجْزِئ مَسْح الرَّأْس بِأَقَلّ مِنْ ثَلَاث أَصَابِع , وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ بِالْمَسْحِ بِرَأْسِهِ الْقَائِم إِلَى صَلَاته مَعَ سَائِر مَا أَمَرَهُ بِغَسْلِهِ مَعَهُ أَوْ مَسْحه , وَلَمْ يَحُدّ ذَلِكَ بِحَدٍّ لَا يَجُوز التَّقْصِير عَنْهُ وَلَا يُجَاوِزهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَا مَسَحَ بِهِ الْمُتَوَضِّئ مِنْ رَأْسه فَاسْتَحَقَّ بِمَسْحِهِ ذَلِكَ أَنْ يُقَال : مَسَحَ بِرَأْسِهِ , فَقَدْ أَدَّى مَا فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ مَسْح ذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِيمَا لَزِمَهُ اِسْم مَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ إِذَا قَامَ إِلَى صَلَاته . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنَّ اللَّه قَدْ قَالَ فِي التَّيَمُّم : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } أَفَيُجْزِئ الْمَسْح بِبَعْضِ الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّم ؟ قِيلَ لَهُ : كُلّ مَا مَسَحَ مِنْ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ فِيمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْعُلَمَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَجْزِيه ذَلِكَ مِنْ التَّيَمُّم , وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يُجْزِئهُ , فَهُوَ مُجْزِئُهُ , لِدُخُولِهِ فِي اِسْم الْمَاسِحِينَ بِهِ . وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُجْمَعًا عَلَى أَنَّهُ غَيْر مُجْزِئِهِ , فَمُسَلَّمٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّة نَقْلًا عَنْ نَبِيّهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا حُجَّة لِأَحَدٍ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلنَا : إِنَّ مَا جَاءَ فِي آيِ الْكِتَاب عَامًّا فِي مَعْنًى فَالْوَاجِب الْحُكْم بِهِ عَلَى عُمُومه حَتَّى يَخُصّهُ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ , فَإِذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْء كَانَ مَا خُصَّ مِنْهُ خَارِجًا مِنْ ظَاهِره , وَحُكْم سَائِره عَلَى الْعُمُوم . وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَّة الْمُوجِبَة صِحَّة الْقَوْل بِذَلِكَ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالرَّأْس الَّذِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِالْمَسْحِ بِقَوْلِهِ بِهِ : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } هُوَ مَنَابِت شَعْر الرَّأْس دُون مَا جَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى الْقَفَا مِمَّا اِسْتَدْبَرَ , وَدُون مَا اِنْحَدَرَ عَنْ ذَلِكَ مِمَّا اِسْتَقْبَلَ مِنْ قِبَل وَجْهه إِلَى الْجَبْهَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } نَصْبًا . فَتَأْوِيله : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة , فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق , وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ , وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ . وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , وَتَكُون " الْأَرْجُل " مَنْصُوبَة , عَطْفًا عَلَى " الْأَيْدِي " . وَتَأَوَّلَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَ عِبَاده بِغَسْلِ الْأَرْجُل دُون الْمَسْح بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } الْغَسْل : 8948 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ أَبِي قِلَابَة : أَنَّ رَجُلًا صَلَّى وَعَلَى ظَهْر قَدَمه مَوْضِع ظُفْر , فَلَمَّا قَضَى صَلَاته , قَالَ لَهُ عُمَر : أَعِدْ وُضُوءَك وَصَلَاتك . 8949 - حَدَّثَنَا حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن حَسَن , قَالَ : ثنا هُزَيْل بْن شُرَحْبِيل , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : خَلِّلُوا الْأَصَابِع بِالْمَاءِ لَا تُخَلِّلهَا النَّار . 8950 - حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الصَّبَّاح الْعَطَّار , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر الْحَوْضِيّ , قَالَ : ثنا مُرَجَّى , يَعْنِي اِبْن رَجَاء الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو رَوْح عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ الْمُغِيرَة بْن حُنَيْن : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَتَوَضَّأ وَهُوَ يَغْسِل رِجْلَيْهِ , فَقَالَ : " بِهَذَا أُمِرْت " 8951 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ وَاقِد مَوْلَى زَيْد بْن خُلَيْدَة , قَالَ : سَمِعْت مُصْعَب بْن سَعِيد , يَقُول : رَأَى عُمَر بْن الْخَطَّاب قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ , فَقَالَ : خَلِّلُوا . 8952 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم , قَالَ : كَانَ اِبْن عُمَر يَخْلَع خُفَّيْهِ , ثُمَّ يَتَوَضَّأ فَيَغْسِل رِجْلَيْهِ , ثُمَّ يُخَلِّل أَصَابِعه . 8953 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الزُّبَيْر بْن عَدِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قُلْت لِلْأَسْوَدِ : رَأَيْت عُمَر يَغْسِل قَدَمَيْهِ غَسْلًا ؟ قَالَ : نَعَمْ . 8954 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مَيْسَرَة , عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أَبِي سُوَيْد : بَلَغَنَا عَنْ ثَلَاثَة كُلّهمْ رَأَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِل قَدَمَيْهِ غَسْلًا , أَدْنَاهُمْ اِبْن عَمّك الْمُغِيرَة 8955 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح , عَنْ مُحَمَّد , وَهُوَ اِبْن أَبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : اِغْسِلُوا الْأَقْدَام إِلَى الْكَعْبَيْنِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ خَالِد , عَنْ أَبِي قِلَابَة : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَأَى رَجُلًا قَدْ تَرَكَ عَلَى ظَهْر قَدَمه مِثْل الظُّفُر , فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيد وُضُوءَهُ وَصَلَاته . 8956 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ شَيْبَة بْن نَصَّاح , قَالَ : صَحِبْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد إِلَى مَكَّة , فَرَأَيْته إِذَا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ يُدْخِل أَصَابِع رِجْلَيْهِ يَصُبّ عَلَيْهَا الْمَاء , قُلْت : يَا أَبَا مُحَمَّد , لِمَ تَصْنَع هَذَا ؟ قَالَ : رَأَيْت اِبْن عُمَر يَصْنَعهُ . 8957 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } قَالَ : عَادَ الْأَمْر إِلَى الْغَسْل . 8958 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَفْص الْغَاضِرِيّ , عَنْ عَامِر بْن كُلَيْب , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : قَرَأَ عَلَيَّ الْحَسَن وَالْحُسَيْن رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمَا , فَقَرَءَا : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } فَسَمِعَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ذَلِكَ , وَكَانَ يَقْضِي بَيْن النَّاس , فَقَالَ : " وَأَرْجُلكُمْ " , هَذَا مِنْ الْمُقَدَّم وَالْمُؤَخَّر مِنْ الْكَلَام . 8959 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب بْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَهَا : { فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } بِالنَّصْبِ , وَقَالَ : عَادَ الْأَمْر إِلَى الْغَسْل . 8960 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة وَأَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَرَأَهَا : { وَأَرْجُلكُمْ } وَقَالَ : عَادَ الْأَمْر إِلَى الْغَسْل . 8961 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ قَيْس , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه : أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { وَأَرْجُلكُمْ } بِالنَّصْبِ . 8962 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } فَيَقُول : اِغْسِلُوا وُجُوهكُمْ , وَاغْسِلُوا أَرْجُلكُمْ , وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ; فَهَذَا مِنْ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير . 8963 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ شَيْبَان , قَالَ : أُثْبِتَ لِي عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ قَرَأَ : { وَأَرْجُلَكُمْ } . ثنا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : { وَأَرْجُلَكُمْ } رَجَعَ الْأَمْر إِلَى الْغَسْل . 8964 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . 8965 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : . كَانَ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَهَا : { وَأَرْجُلَكُمْ } فَيَغْسِلُونَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : اِغْسِلْ الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ . 8966 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبِي السَّوْدَاء , عَنْ اِبْن عَبْد خَيْر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : رَأَيْت عَلِيًّا تَوَضَّأَ , فَغَسَلَ ظَاهِر قَدَمَيْهِ , وَقَالَ : لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ , ظَنَنْت أَنَّ بَطْن الْقَدَم أَحَقّ مِنْ ظَاهِرهَا 8967 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَمْ أَرَ أَحَدًا يَمْسَح عَلَى الْقَدَمَيْنِ . 8968 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ : { وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } فَنَصَبَهَا , وَقَالَ : رَجَعَ إِلَى الْغَسْل . 8969 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقْرَأ : { وَأَرْجُلكُمْ } بِالنَّصْبِ . 8970 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْهَب , قَالَ : سُئِلَ مَالِك عَنْ قَوْل اللَّه : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } أَهِيَ " أَرْجُلِكُمْ " أَوْ " أَرْجُلَكُمْ " ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ الْغَسْل وَلَيْسَ بِالْمَسْحِ , لَا تُمْسَحُ الْأَرْجُل , إِنَّمَا تُغْسَلُ . قِيلَ لَهُ : أَفَرَأَيْت مَنْ مَسَحَ أَيَجْزِيهِ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لَا . 8971 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ } قَالَ : اِغْسِلُوهَا غَسْلًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ " بِخَفْضِ الْأَرْجُل . وَتَأَوَّلَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَمَرَ عِبَاده بِمَسْحِ الْأَرْجُل فِي الْوُضُوء دُون غَسْلهَا , وَجَعَلُوا الْأَرْجُل عَطْفًا عَلَى الرَّأْس , فَخَفَضُوهَا لِذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : 8972 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن قَيْس الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْوُضُوء غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ . 8973 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ حُمَيْد . ح , وَحَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : قَالَ مُوسَى بْن أَنَس لِأَنَسٍ وَنَحْنُ عِنْده : يَا أَبَا حَمْزَة إِنَّ الْحَجَّاج خَطَبَنَا بِالْأَهْوَازِ وَنَحْنُ مَعَهُ , فَذَكَرَ الطَّهُور , فَقَالَ : " اِغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ , وَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْ اِبْن آدَم أَقْرَب إِلَى خُبْثه مِنْ قَدَمَيْهِ , فَاغْسِلُوا بُطُونهمَا وَظُهُورهمَا وَعَرَاقِيبهمَا " . فَقَالَ أَنَس : صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ الْحَجَّاج , قَالَ اللَّه : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ " قَالَ : وَكَانَ أَنَس إِذَا مَسَحَ قَدَمَيْهِ بَلَّهُمَا . 8974 - حَدَّثَنَا اِبْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : ثنا عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَنَس , قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن بِالْمَسْحِ , وَالسُّنَّة الْغَسْل . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُوسَى بْن أَنَس , قَالَ : خَطَبَ الْحَجَّاج , فَقَالَ : " اِغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ , ظُهُورهمَا وَبُطُونهمَا وَعَرَاقِيبهمَا , فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى إِلَى خُبْثكُمْ " . قَالَ أَنَس : صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ الْحَجَّاج , قَالَ اللَّه : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " . 8975 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه الْعَتَكِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : لَيْسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ غَسْل , إِنَّمَا نَزَلَ فِيهِمَا الْمَسْح . 8976 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : اِمْسَحْ عَلَى رَأْسك وَقَدَمَيْك . 8977 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : نَزَلَ جِبْرِيل بِالْمَسْحِ . قَالَ : ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيّ : أَلَا تَرَى أَنَّ التَّيَمُّم أَنْ يَمْسَح مَا كَانَ غَسْلًا وَيُلْغِي مَا كَانَ مَسْحًا ؟ * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ بِالْغَسْلِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا هُوَ الْمَسْح عَلَى الرِّجْلَيْنِ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْغَسْل جَعَلَ عَلَيْهِ الْمَسْح , وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَسْح أُهْمِلَ ؟ * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَ أَنْ يُمْسَح فِي التَّيَمُّم مَا أَمَرَ أَنْ يُغْسَل فِي الْوُضُوء , وَأَبْطَلَ مَا أَمَرَ أَنْ يُمْسَح فِي الْوُضُوء الرَّأْس وَالرِّجْلَانِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَمَرَ أَنْ يَمْسَح بِالصَّعِيدِ فِي التَّيَمُّم مَا أَمَرَ أَنْ يُغْسَل بِالْمَاءِ , وَأَهْمَلَ مَا أَمَرَ أَنْ يُمْسَح بِالْمَاءِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل , قَالَ : قُلْت لِعَامِر : إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نَزَلَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ , فَقَالَ : نَزَلَ جِبْرِيل بِالْمَسْحِ . 8978 - حَدَّثَنَا أَبُو بِشْر الْوَاسِطِيّ إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ يُونُس , قَالَ : ثني مَنْ صَحِبَ عِكْرِمَة إِلَى وَاسِط , قَالَ : فَمَا رَأَيْته غَسَلَ رِجْلَيْهِ , إِنَّمَا يَمْسَح عَلَيْهِمَا حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا . 8979 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " اِفْتَرَضَ اللَّه غَسْلَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ . 8980 - اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب , عَنْ عَلْقَمَة أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَرْجُلِكُمْ " مَخْفُوضَة اللَّام . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , مِثْله . 8981 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو الْحُسَيْن الْعُكَلِيّ , عَنْ عَبْد الْوَارِث , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ : " وَأَرْجُلِكُمْ " . 8982 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , قَالَ : كَانَ الشَّعْبِيّ يَقْرَأ : " وَأَرْجُلِكُمْ " بِالْخَفْضِ . 8983 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح , عَنْ غَالِب , عَنْ أَبِي جَعْفَر , أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَرْجُلِكُمْ " بِالْخَفْضِ . 8984 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك , أَنَّهُ قَرَأَ " وَأَرْجُلِكُمْ " بِالْكَسْرِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ , أَنَّ اللَّه أَمَرَ بِعُمُومِ مَسْح الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ فِي الْوُضُوء , كَمَا أَمَرَ بِعُمُومِ مَسْح الْوَجْه بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّم , وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمَا الْمُتَوَضِّئ كَانَ مُسْتَحِقًّا اِسْم مَاسِح غَاسِل ; لِأَنَّ غَسْلهمَا إِمْرَار الْمَاء عَلَيْهِمَا أَوْ إِصَابَتهمَا بِالْمَاءِ . وَمَسْحهمَا : إِمْرَار الْيَد أَوْ مَا قَامَ مَقَام الْيَد عَلَيْهِمَا . فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمَا فَاعِلٌ فَهُوَ غَاسِلٌ مَاسِحٌ , وَلِذَلِكَ مِنْ اِحْتِمَال الْمَسْح الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت مِنْ الْعُمُوم وَالْخُصُوص اللَّذَيْنِ . أَحَدهمَا مَسْح بِبَعْضٍ وَالْآخَر مَسْح بِالْجَمِيعِ اِخْتَلَفَتْ قِرَاءَة الْقُرَّاء فِي قَوْله : { وَأَرْجُلكُمْ } فَنَصَبَهَا بَعْضهمْ تَوْجِيهًا مِنْهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْفَرْض فِيهِمَا الْغَسْل وَإِنْكَارًا مِنْهُ الْمَسْح عَلَيْهِمَا مَعَ تَظَاهُر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمُومِ مَسْحهمَا بِالْمَاءِ , وَخَفَضَهَا بَعْضهمْ تَوْجِيهًا مِنْهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْفَرْض فِيهِمَا الْمَسْح . وَلِمَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ إِنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ عُمُوم مَسْح الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ كَرِهَ مَنْ كَرِهَ لِلْمُتَوَضِّئِ الِاجْتِزَاء بِإِدْخَالِ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاء دُون مَسْحهمَا بِيَدِهِ , أَوْ بِمَا قَامَ مَقَام الْيَد تَوْجِيهًا مِنْهُ قَوْله : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " إِلَى مَسْح جَمِيعهمَا عَامًّا بِالْيَدِ , أَوْ بِمَا قَامَ مَقَام الْيَد دُون بَعْضهمَا مَعَ غَسْلهمَا بِالْمَاءِ . كَمَا : 8985 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر . وَعَنْ الْأَحْوَل , عَنْ طَاوُس : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُل يَتَوَضَّأ وَيُدْخِل رِجْلَيْهِ فِي الْمَاء , قَالَ : مَا أَعُدّ ذَلِكَ طَائِلًا . وَأَجَازَ ذَلِكَ مَنْ أَجَازَ تَوْجِيهه مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ الْغَسْل . كَمَا : 8986 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت هِشَامًا يَذْكُر عَنْ الْحَسَن فِي الرَّجُل يَتَوَضَّأ فِي السَّفِينَة , قَالَ : لَا بَأْس أَنْ يَغْمِس رِجْلَيْهِ غَمْسًا . 8987 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو حُرَّة , عَنْ الْحَسَن فِي الرَّجُل إِذَا تَوَضَّأَ عَلَى حَرْف السَّفِينَة , قَالَ : يُخَضْخِض قَدَمَيْهِ فِي الْمَاء . فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْح الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ وَصَفْنَا مِنْ عُمُوم الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ , وَخُصُوص بَعْضهمَا بِهِ , وَكَانَ صَحِيحًا بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة الَّتِي سَنَذْكُرُهَا بَعْد أَنَّ مُرَاد اللَّه مِنْ مَسْحهمَا الْعُمُوم , وَكَانَ لِعُمُومِهِمَا بِذَلِكَ مَعْنَى الْغَسْل وَالْمَسْح ; فَبَيَّنَ صَوَاب الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا , أَعْنِي النَّصْب فِي الْأَرْجُل وَالْخَفْض ; لِأَنَّ فِي عُمُوم الرِّجْلَيْنِ بِمَسْحِهِمَا بِالْمَاءِ غَسْلهمَا , وَفِي إِمْرَار الْيَد وَمَا قَامَ مَقَام الْيَد عَلَيْهِمَا مَسْحهمَا , فَوَجْه صَوَاب قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى عُمُومهمَا بِإِمْرَارِ الْمَاء عَلَيْهِمَا . وَوَجْه صَوَاب قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ خَفْضًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِمْرَار الْيَد عَلَيْهِمَا , أَوْ مَا قَامَ مَقَام الْيَد مَسْحًا بِهِمَا . غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَتْ الْقِرَاءَتَانِ كِلْتَاهُمَا حَسَنًا صَوَابًا , فَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأهَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ خَفْضًا لِمَا وَصَفْت مِنْ جَمْع الْمَسْح الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت , وَلِأَنَّهُ بَعْد قَوْله : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } فَالْعَطْف بِهِ عَلَى الرُّءُوس مَعَ قُرْبه مِنْهُ أَوْلَى مِنْ الْعَطْف بِهِ عَلَى الْأَيْدِي , وَقَدْ حِيلَ بَيْنه وَبَيْنهَا بِقَوْلِهِ : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمَسْحِ فِي الرِّجْلَيْنِ الْعُمُوم دُون أَنْ يَكُون خُصُوصًا نَظِير قَوْلك فِي الْمَسْح بِالرَّأْسِ ؟ قِيلَ : الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ تَظَاهُر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ وَبُطُون الْأَقْدَام مِنْ النَّار " , وَلَوْ كَانَ مَسْح بَعْض الْقَدَم مُجْزِيًا عَنْ عُمُومهَا بِذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهَا الْوَيْل بِتَرْكِ مَا تَرَكَ مَسْحه مِنْهَا بِالْمَاءِ بَعْد أَنْ يَمْسَح بَعْضهَا ; لِأَنَّ مَنْ أَدَّى فَرْض اللَّه عَلَيْهِ فِيمَا لَزِمَهُ غَسْله مِنْهَا لَمْ يَسْتَحِقّ الْوَيْل , بَلْ يَجِب أَنْ يَكُون لَهُ الثَّوَاب الْجَزِيل , فَوُجُوب الْوَيْل لِعَقِبِ تَارِك غَسْل عَقِبه فِي وُضُوئِهِ , أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى وُجُوب فَرْض الْعُمُوم بِمَسْحِ جَمِيع الْقَدَم بِالْمَاءِ , وَصِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَفَسَاد مَا خَالَفَهُ . ذِكْر بَعْض الْأَخْبَار الْمَرْوِيَّة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا : 8988 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَمُرّ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأ مِنْ الْمَطْهَرَة , فَيَقُول : أَسْبِغُوا الْوُضُوء ! أَسْبِغُوا الْوُضُوء ! قَالَ أَبُو الْقَاسِم : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَمُرّ بِأُنَاسٍ يَتَوَضَّئُونَ مُسْرِعِينَ الطُّهُور , فَيَقُول : أَسْبِغُوا الْوُضُوء ! فَإِنِّي سَمِعْت أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْعَقِبِ مِنْ النَّار " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثني سُلَيْمَان بْن بِلَال , قَالَ : ثني سُهَيْل , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار يَوْم الْقِيَامَة " * - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين وَإِسْمَاعِيل بْن مُوسَى قَالَا : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " , وَقَالَ إِسْمَاعِيل فِي حَدِيثه : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " . 8989 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا حُسَيْن الْمُعَلِّم , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ سَالِم الدَّوْسِيّ , قَالَ : دَخَلْت مَعَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر عَلَى عَائِشَة , فَدَعَا بِوَضُوءٍ , فَقَالَتْ عَائِشَة : يَا عَبْد الرَّحْمَن , أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عُمَر بْن يُونُس الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , قَالَ : ثني أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثني أَبُو سَالِم مَوْلَى الْمَهْدِيّ , هَكَذَا قَالَ عُمَر بْن يُونُس قَالَ : خَرَجْت أَنَا وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر فِي جِنَازَة سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , قَالَ : فَمَرَرْت أَنَا وَعَبْد الرَّحْمَن عَلَى حُجْرَة عَائِشَة أُخْت عَبْد الرَّحْمَن , فَدَعَا عَبْد الرَّحْمَن بِوَضُوءٍ فَسَمِعْت عَائِشَة تُنَادِيه : يَا عَبْد الرَّحْمَن أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْمُبَارَك , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ سَالِم مَوْلَى دَوْس , قَالَ : سَمِعْت عَائِشَة تَقُول لِأَخِيهَا عَبْد الرَّحْمَن : يَا عَبْد الرَّحْمَن أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَسَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَا : ثنا يَحْيَى الْقَطَّان , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد عَنْ أَبِي سَلَمَة , أَنَّ عَائِشَة رَأَتْ عَبْد الرَّحْمَن يَتَوَضَّأ , فَقَالَتْ : أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْنُ عُيَيْنَة وَيَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد , عَنْ أَبِي سَلَمَة , قَالَ : رَأَتْ عَائِشَة عَبْد الرَّحْمَن يَتَوَضَّأ , فَقَالَتْ : أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو رَوَاحَة وَعَبْد اللَّه بْن رَاشِد , قَالَا : أَخْبَرَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَسْوَد , أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه مَوْلَى شَدَّاد بْن الْهَادِ , حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدهَا عَبْد الرَّحْمَن , فَتَوَضَّأَ عَبْد الرَّحْمَن , ثُمَّ قَامَ فَأَدْبَرَ , فَنَادَتْهُ عَائِشَة فَقَالَتْ : يَا عَبْد الرَّحْمَن ! فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا , فَقَالَتْ لَهُ : إِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " 8990 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثني أَبُو إِسْحَاق , عَنْ سَعْد أَوْ سَعِيد بْن أَبِي كَرْب , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَم , قَالَ : ثنا النَّضْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت اِبْن أَبِي كَرْب , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْعَقِبِ أَوْ الْعَرَاقِيب مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن مَحْمُود الْحُجَيْرِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت سَعِيدًا يَقُول : سَمِعْت جَابِرًا يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي كَرْب , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح بْن مُحَارِب , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي كَرْب , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعَ أُذُنِي مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح بْن مُحَارِب , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي كَرْب , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعَ أُذُنِي مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار , أَسْبِغُوا الْوُضُوء " * - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن الْقَاسِم , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : أَبْصَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَتَوَضَّأ , وَبَقِيَ مِنْ عَقِبه شَيْء , فَقَالَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ لَمْ يُصِبْ أَعْقَابهمْ الْمَاء , فَقَالَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " 8991 - حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَان الْغَنَوِيّ يَزِيد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا خَلَف بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثني أَيُّوب بْن عُتْبَة , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ مُعَيْقِيب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " 8992 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ , فَرَأَى أَعْقَابهمْ تَلُوح , فَقَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار , أَسْبِغُوا الْوُضُوء " * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْأَعْرَج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : أَبْصَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ لَمْ يُتِمُّوا الْوُضُوء , فَقَالَ : " أَسْبِغُوا الْوُضُوء , وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ أَوْ الْأَعْقَاب مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ , فَلَمْ يُتِمُّوا الْوُضُوء , فَقَالَ : " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ وَأَعْقَابهمْ تَلُوح , فَقَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار , أَسْبِغُوا الْوُضُوء " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال , عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , فَسَبَقَنَا نَاس فَتَوَضَّئُوا , فَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَأَى أَقْدَامهمْ بِيضًا مِنْ أَثَر الْوُضُوء , فَقَالَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار , أَسْبِغُوا الْوُضُوء " 8993 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ مُطَّرِح بْن يَزِيد , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر , عَنْ عَلِيّ بْن يَزِيد , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ أَبِي أُمَامَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " قَالَ : فَمَا بَقِيَ فِي الْمَسْجِد شَرِيف وَلَا وَضِيع إِلَّا نَظَرْت إِلَيْهِ يُقَلِّب عُرْقُوبَيْهِ يَنْظُر إِلَيْهِمَا * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حُسَيْن , عَنْ زَائِدَة , عَنْ لَيْث , قَالَ : ثني عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِط , عَنْ أَبِي أُمَامَة , أَوْ أَخِي أَبِي أُمَامَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ أَقْوَامًا يَتَوَضَّئُونَ , وَفِي عَقِب أَحَدهمْ أَوْ كَعْب أَحَدهمْ مِثْل مَوْضِع الدِّرْهَم أَوْ مَوْضِع الظُّفْر , لَمْ يَمَسّهُ الْمَاء , فَقَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " قَالَ : فَجَعَلَ الرَّجُل إِذَا رَأَى فِي عَقِبه شَيْئًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاء أَعَادَ وُضُوءَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِيمَا : 8994 - حَدَّثَكُمْ بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَوْس بْن أَبِي أَوْس , قَالَ : " رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ , ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى " 8995 - وَمَا حَدَّثَك بِهِ عَبْد اللَّه بْن الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا جَرِير بْن حَازِم , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : " أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطَة قَوْم , فَبَال عَلَيْهَا قَائِمًا , ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ " وَمَا حَدَّثَك بِهِ الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَوْس بْن أَبِي أَوْس قَالَ : " رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَة قَوْم , فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ " وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الدَّالَّة عَلَى أَنَّ الْمَسْح بِبَعْضِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوء مُجْزِئ ؟ قِيلَ لَهُ : أَمَّا حَدِيث أَوْس بْن أَبِي أَوْس فَإِنَّهُ لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ , إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ ذِكْر أَنَّهُ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بَعْد حَدَث يُوجِب عَلَيْهِ الْوُضُوء لِصَلَاتِهِ , فَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ , أَوْ عَلَى قَدَمَيْهِ , وَجَائِز أَنْ يَكُون مَسْحه عَلَى قَدَمَيْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْس كَانَ فِي وُضُوء تَوَضَّأَهُ مِنْ غَيْر حَدَث كَانَ مِنْهُ , وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْله تَجْدِيد وُضُوئِهِ , لِأَنَّ الرِّوَايَة عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ لِغَيْرِ حَدَث , كَذَلِكَ يَفْعَل . يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا : 8996 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مَالِك الْجَنْبِيّ , عَنْ مُسْلِم , عَنْ حَبَّة الْعُرَنِيّ , قَالَ : رَأَيْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَرِبَ فِي الرَّحْبَة قَائِمًا , ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ , وَقَالَ : هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث , هَكَذَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا الْخَبَر عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى حَدِيث أَوْس . فَإِنْ قَالَ : فَإِنَّ حَدِيث أَوْس , وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا مِنْ الْمَعْنَى مَا قُلْت , فَإِنَّهُ مُحْتَمِل أَيْضًا مَا قَالَهُ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ الْمَسْح عَلَى النَّعْلَيْنِ أَوْ الْقَدَمَيْنِ فِي وُضُوء تَوَضَّأَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدَث ؟ قِيلَ : أَحْسَن حَالَات الْخَبَر , مَا اِحْتَمَلَ مَا قُلْت , إِنْ سُلِّمَ لَهُ مَا اِدَّعَى مِنْ اِحْتِمَاله مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْح عَلَى الْقَدَم أَوْ النَّعْل بَعْد الْحَدَث وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْر مُحْتَمِله عِنْدنَا , إِذْ كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ تَكُون فَرَائِض اللَّه وَسُنَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَنَافِيَة مُتَعَارِضَة , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْر بِعُمُومِ غَسْل الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوء بِالْمَاءِ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض الْقَاطِع عُذْر مَنْ اِنْتَهَى إِلَيْهِ وَبَلَغَهُ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْهُ صَحِيحًا , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون صَحِيحًا عَنْهُ إِبَاحَة تَرْك غَسْل بَعْض مَا قَدْ أَوْجَبَ فَرْضًا غَسْله فِي حَال وَاحِدَة وَوَقْت وَاحِد ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِيجَاب فَرْض وَإِبْطَاله فِي حَال وَاحِدَة , وَذَلِكَ عَنْ أَحْكَام اللَّه وَأَحْكَام رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْتَفٍ . غَيْر أَنَّا إِذَا سَلَّمْنَا لِمَنْ اِدَّعَى فِي حَدِيث أَوْس مَا اِدَّعَى مِنْ اِحْتِمَاله مَسْح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَدَمه فِي حَال وُضُوء مِنْ حَدَث , فَفِيهِ نَبَأ بِالْفَلْجِ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَا حُجَّة لَهُ فِي ذَلِكَ . قُلْنَا : فَإِذَا كَانَ مُحْتَمَلًا مَا اِدَّعَيْت , أَفَمُحْتَمِل هُوَ مَا قُلْنَاهُ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَال وُضُوئِهِ لَا مِنْ حَدَث . فَإِنْ قَالَ : لَا , ثَبَتَتْ مُكَابَرَته لِأَنَّهُ لَا بَيَان فِي خَبَر أَوْس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي وُضُوء مِنْ حَدَث , وَإِنْ قَالَ : بَلْ هُوَ مُحْتَمِل مَا قُلْت وَمُحْتَمِل مَا قُلْنَا ; قِيلَ لَهُ : فَمَا الْبُرْهَان عَلَى أَنَّ تَأْوِيلك الَّذِي اِدَّعَيْت فِيهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ تَأْوِيلنَا ؟ فَلَنْ يَدَّعِي بُرْهَانًا عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا عُورِضَ بِمِثْلِهِ فِي خِلَاف دَعْوَاهُ . وَأَمَّا حَدِيث حُذَيْفَة , فَإِنَّ الثِّقَات الْحُفَّاظ مِنْ أَصْحَاب الْأَعْمَش , حَدَّثُوا بِهِ عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَة قَوْم , فَبَالَ قَائِمًا , ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ . * - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شَقِيق , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شَقِيق , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة . وَكُلّ هَؤُلَاءِ يُحَدِّث ذَلِكَ عَنْ الْأَعْمَش , بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ حُذَيْفَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ , وَهُمْ أَصْحَاب الْأَعْمَش . وَلَمْ يَنْقُل هَذَا الْحَدِيث عَنْ الْأَعْمَش , غَيْر جَرِير بْن حَازِم , وَلَوْ لَمْ يُخَالِفهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِف لَوَجَبَ التَّثَبُّت فِيهِ لِشُذُوذِهِ , فَكَيْفَ وَالثِّقَات مِنْ أَصْحَاب الْأَعْمَش يُخَالِفُونَهُ فِي رِوَايَته مَا رَوَى مِنْ ذَلِكَ ؟ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُون مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَهُمَا مَلْبُوسَتَانِ فَوْق الْجَوْرَبَيْنِ , وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ صَرْف الْخَبَر إِلَى أَحَد الْمَعَانِي الْمُحْتَمِلهَا الْخَبَر إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَى الْكَعْبَيْنِ } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكَعْب , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 8997 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن الْفَضْل الْحَدَّانِيّ , قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَيْنَ الْكَعْبَانِ ؟ فَقَالَ : الْقَوْم هَاهُنَا , فَقَالَ : هَذَا رَأْس السَّاق , وَلَكِنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا عِنْد الْمَفْصِل . 8998 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْهَب , قَالَ : قَالَ مَالِك : الْكَعْب الَّذِي يَجِب الْوُضُوء إِلَيْهِ , هُوَ الْكَعْب الْمُلْتَصِق بِالسَّاقِ الْمُحَاذِي الْعَقِب , وَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ فِي ظَاهِر الْقَدَم . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 8999 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيّ : لَمْ أَعْلَم مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي كِتَابه فِي الْوُضُوء هُمَا النَّاتِئَانِ وَهُمَا مَجْمَع فَصْل السَّاق وَالْقَدَم . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَان اللَّذَانِ فِي مَفْصِل السَّاق وَالْقَدَم تُسَمِّيهِمَا الْعَرَب الْمِنْجَمَيْنِ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : هُمَا عَظْمَا السَّاق فِي طَرَفهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وُجُوب غَسْلهمَا فِي الْوُضُوء وَفِي الْحَدّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغ بِالْغَسْلِ إِلَيْهِ مِنْ الرِّجْلَيْنِ نَحْو اِخْتِلَافهمْ فِي وُجُوب غَسْل الْمَرْفِقَيْنِ , وَفِي الْحَدّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغ بِالْغَسْلِ إِلَيْهِ مِنْ الْيَدَيْنِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ بِعِلَلِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا } وَإِنْ كُنْتُمْ أَصَابَتْكُمْ جَنَابَة قَبْل أَنْ تَقُومُوا إِلَى صَلَاتكُمْ فَقُمْتُمْ إِلَيْهَا فَاطَّهَّرُوا , يَقُول : فَتَطَهَّرُوا بِالِاغْتِسَالِ مِنْهَا قَبْل دُخُولكُمْ فِي صَلَاتكُمْ الَّتِي قُمْتُمْ إِلَيْهَا . وَوَحَّدَ الْجُنُب وَهُوَ خَبَر عَنْ الْجَمِيع ; لِأَنَّهُ اِسْم خَرَجَ مَخْرَج الْفِعْل , كَمَا قِيلَ : رَجُل عَدْل وَقَوْم عَدْل , وَرَجُل زَوْر وَقَوْم زَوْر , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَفْظ الْوَاحِد وَالْجَمِيع وَالِاثْنَيْنِ وَالذَّكَر وَالْأُنْثَى فِيهِ وَاحِد , يُقَال مِنْهُ : أَجْنَب الرَّجُل وَجَنَّبَ وَاجْتَنَبَ وَالْفِعْل الْجَنَابَة وَالْإِجْنَاب , وَقَدْ سُمِعَ فِي جَمْعه أَجْنَاب , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسْتَفِيضِ الْفَاشِي فِي كَلَام الْعَرَب , بَلْ الْفَصِيح مِنْ كَلَامهمْ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ كُنْتُمْ جَرْحَى أَوْ مُجْدِرِينَ وَأَنْتُمْ جُنُب . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ عَلَى سَفَر } فَإِنَّهُ يَقُول : وَإِنْ كُنْتُمْ مُسَافِرِينَ وَأُنْتَمَ جُنُب .
يَقُول : أَوْ جَاءَ أَحَدكُمْ مِنْ الْغَائِط بَعْد قَضَاء حَاجَته فِيهِ وَهُوَ مُسَافِر ; وَإِنَّمَا عَنَى بِذِكْرِ مَجِيئِهِ مِنْهُ قَضَاء حَاجَته فِيهِ .
يَقُول : أَوْ جَامَعْتُمْ النِّسَاء وَأَنْتُمْ مُسَافِرُونَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي اللَّمْس وَبَيَّنَّا أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه تَكْرِير قَوْله : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاء } إِنْ كَانَ مَعْنَى اللَّمْس الْجِمَاع , وَقَدْ مَضَى ذِكْر الْوَاجِب عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } ؟ قِيلَ : وَجْه تَكْرِير ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ تَعَالَى مِنْ فَرْضه بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي أَلْزَمَهُ بِقَوْلِهِ : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاء } وَذَلِكَ أَنَّهُ بَيَّنَ حُكْمه فِي قَوْله : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } إِذَا كَانَ لَهُ السَّبِيل إِلَى الْمَاء الَّذِي يُطَهِّرهُ فَرْض عَلَيْهِ الِاغْتِسَال بِهِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمه إِذَا أَعْوَزَهُ الْمَاء فَلَمْ يَجِد إِلَيْهِ السَّبِيل وَهُوَ مُسَافِر غَيْر مَرِيض مُقِيم , فَأَعْلَمَهُ أَنَّ التَّيَمُّم بِالصَّعِيدِ لَهُ حِينَئِذٍ الطَّهُور .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة وَأَنْتُمْ مَرْضَى مُقِيمُونَ , أَوْ عَلَى سَفَر أَصِحَّاء , أَوْ قَدْ جَاءَ أَحَد مِنْكُمْ مِنْ قَضَاء حَاجَته , أَوْ جَامَعَ أَهْله فِي سَفَره - مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا , يَقُول : فَتَعَمَّدُوا وَاقْصِدُوا وَجْه الْأَرْض طَيِّبًا , يَعْنِي طَاهِرًا نَظِيفًا غَيْر قَذِر وَلَا نَجَس , جَائِزًا لَكُمْ حَلَالًا .
يَقُول : فَاضْرِبُوا بِأَيْدِيكُمْ الصَّعِيد الَّذِي تَيَمَّمْتُمُوهُ وَتَعَمَّدْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ , فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِمَّا عَلِقَ بِأَيْدِيكُمْ مِنْهُ , يَعْنِي : مِنْ الصَّعِيد الَّذِي ضَرَبْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ مِنْ تُرَابه وَغُبَاره . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى كَيْفَِيَّة الْمَسْح بِالْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي مِنْهُ وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ وَالْقَوْل فِي مَعْنَى الصَّعِيد وَالتَّيَمُّم , وَدَلَّلَنَا عَلَى الصَّحِيح مِنْ كُلّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرِيره فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا يُرِيد اللَّه لِيَجْعَل عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مَا يُرِيد اللَّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج } مَا يُرِيد اللَّه بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْوُضُوء إِذَا قُمْتُمْ إِلَى صَلَاتكُمْ , وَالْغُسْل مِنْ جَنَابَتكُمْ وَالتَّيَمُّم صَعِيدًا طَيِّبًا عِنْد عَدَمكُمْ الْمَاء , { لِيَجْعَل عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج } لِيُلْزِمكُمْ فِي دِينكُمْ مِنْ ضِيق , وَلَا لِيُعْنِتكُمْ فِيهِ . وَبِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْحَرَج , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9000 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ خَالِد بْن دِينَار , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , وَعَنْ أَبِي مُكَيْن , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { مِنْ حَرَج } قَالَا : مِنْ ضِيق . 9001 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مِنْ حَرَج } مِنْ ضِيق . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكِنْ يُرِيد لِيُطَهِّركُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَكِنْ يُرِيد لِيُطَهِّركُمْ } وَلَكِنَّ اللَّه يُرِيد أَنْ يُطَهِّركُمْ بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْوُضُوء مِنْ الْأَحْدَاث وَالْغُسْل مِنْ الْجَنَابَة , وَالتَّيَمُّم عِنْد عَدَم الْمَاء , فَتُنَظِّفُوا وَتُطَهِّرُوا بِذَلِكَ أَجْسَامكُمْ مِنْ الذُّنُوب . كَمَا : 9002 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , قَالَ : ثنا قَتَادَة عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْوُضُوء يُكَفِّر مَا قَبْله , ثُمَّ تَصِير الصَّلَاة نَافِلَة " . قَالَ : قُلْت : أَنْتَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , لَا مَرَّة , وَلَا مَرَّتَيْنِ , وَلَا ثَلَاث , وَلَا أَرْبَع , وَلَا خَمْس . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة صُدَيّ بْن عَجْلَان , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 9003 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَيَحْيَى بْن دَاوُد الْوَاسِطِيّ , قَالُوا : ثنا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد يَزرانبِه الْقُرَشِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا رَقَبَة بْن مِصْقَلَة الْعَبْدِيّ , عَنْ شِمْر بْن عَطِيَّة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوء ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة , خَرَجَتْ ذُنُوبه مِنْ سَمْعه وَبَصَره وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ " 9004 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ كَعْب بْن مُرَّة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ رَجُل يَتَوَضَّأ فَيَغْسِل وَجْهه إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهه , وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ أَوْ ذِرَاعَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ , فَإِذَا مَسَحَ رَأْسه خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسه , وَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رِجْلَيْهِ " 9005 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا حَاتِم , عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان , عَنْ أَبِي عُبَيْد مَوْلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَمْرو بْن عَبَسَة , أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إِذَا غَسَلَ الْمُؤْمِن كَفَّيْهِ اِنْتَثَرَتْ الْخَطَايَا مِنْ كَفَّيْهِ , وَإِذَا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ فِيهِ وَمَنْخِرَيْهِ , وَإِذَا غَسَلَ وَجْهه خَرَجَتْ مِنْ وَجْهه حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَشْفَار عَيْنَيْهِ , فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ , فَإِذَا مَسَحَ رَأْسه وَأُذُنَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ رَأْسه وَأُذُنَيْهِ , فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ حَتَّى تَخْرُج مِنْ أَظْفَار قَدَمَيْهِ , فَإِذَا اِنْتَهَى إِلَى ذَلِكَ مِنْ وُضُوئِهِ كَانَ ذَلِكَ حَظّه مِنْهُ , فَإِنْ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلًا فِيهِمَا بِوَجْهِهِ وَقَلْبه عَلَى رَبّه كَانَ مِنْ خَطَايَاهُ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه " 9006 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِك بْن أَنَس , عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْد الْمُسْلِم أَوْ الْمُؤْمِن فَغَسَلَ وَجْهه خَرَجَتْ مِنْ وَجْهه كُلّ خَطِيئَة نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاء , أَوْ مَعَ آخِر قَطْرَة مِنْ الْمَاء , أَوْ نَحْو هَذَا . وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلّ خَطِيئَة بَطَشَتْ بِهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاء , أَوْ مَعَ آخِر قَطْرَة مِنْ الْمَاء , حَتَّى يَخْرُج نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوب " 9007 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ حُمْرَان مَوْلَى عُثْمَان , قَالَ : أَتَيْت عُثْمَان بْن عَفَّان بِوَضُوءٍ وَهُوَ قَاعِد , فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا , ثُمَّ قَالَ : رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ كَوُضُوئِي هَذَا , ثُمَّ قَالَ : " مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا كَانَ مِنْ ذُنُوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه , وَكَانَتْ خُطَاهُ إِلَى الْمَسَاجِد نَافِلَة "
وَقَوْله : { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَيُرِيد رَبّكُمْ مَعَ تَطْهِيركُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْوُضُوء وَالْغُسْل إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة بِالْمَاءِ إِنْ وَجَدْتُمُوهُ , وَتَيَمُّمكُمْ إِذَا لَمْ تَجِدُوهُ , أَنْ يُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ بِإِبَاحَتِهِ لَكُمْ التَّيَمُّم , وَتَصْيِيره لَكُمْ الصَّعِيد الطَّيِّب طَهُورًا , رُخْصَة مِنْهُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَعَ سَائِر نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ .
يَقُول : تَشْكُرُونَ اللَّه عَلَى نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حَدّ الْوَجْه الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِغُسْلِهِ , الْقَائِم إِلَى الصَّلَاة بِقَوْلِهِ : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } ; فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ بَشَرَة الْإِنْسَان مِنْ قُصَاص شَعْر رَأْسه , مُنْحَدِرًا إِلَى مُنْقَطِع ذَقْنه طُولًا , وَمَا بَيْن الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا . قَالُوا : فَأَمَّا الْأُذُن وَمَا بَطَنَ مِنْ دَاخِل الْفَم وَالْأَنْف وَالْعَيْن فَلَيْسَ مِنْ الْوَجْه وَلَا غَيْره , وَلَا أُحِبّ غَسْل ذَلِكَ وَلَا غَسْل شَيْء مِنْهُ فِي الْوُضُوء . قَالُوا : وَأَمَّا مَا غَطَّاهُ الشَّعْر مِنْهُ كَالذَّقَنِ الَّذِي غِطَاء شَعْر اللِّحْيَة وَالصُّدْغَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ غَطَّاهُمَا عُذُر اللِّحْيَةِ , فَإِنَّ إِمْرَار الْمَاء عَلَى مَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّعْر مُجْزِئ عَنْ غَسْل مَا بَطَنَ مِنْهُ مِنْ بَشَرَة الْوَجْه ; لِأَنَّ الْوَجْه عِنْدهمْ هُوَ مَا ظَهَرَ لِعَيْن النَّاظِر مِنْ ذَلِكَ فَقَابَلَهَا دُون غَيْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8886 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عُبَيْد , عَنْ مَعْمَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : . يُجْزِئ اللِّحْيَة مَا سَالَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاء . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يَكْفِيه مَا سَالَ مِنْ الْمَاء مِنْ وَجْهه عَلَى لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِنَحْوِهِ . 8887 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة , قَالَ : يَجْزِيك مَا مَرَّ عَلَى لِحْيَتك . 8888 - حَدَّثَنَا هَارُون بْن إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : رَأَيْت إِبْرَاهِيم يَتَوَضَّأ , فَلَمْ يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ سَعِيد الزُّبَيْدِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : . يَجْزِيك مَا سَالَ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ تُخَلِّلهَا . 8889 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يُونُس , قَالَ : . كَانَ الْحَسَن إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ لِحْيَته مَعَ وَجْهه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ كَانَ لَا يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ لَا يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 8890 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : لَيْسَ غَسْل اللِّحْيَة مِنْ السُّنَّة . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عِيسَى بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ لَمْ يُبَلِّغ الْمَاء فِي أُصُول لِحْيَته . 8891 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ أَبِي شَيْبَة سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّبَيْدِيّ , قَالَ : سَأَلْت إِبْرَاهِيم أُخَلِّل لِحْيَتِي عِنْد الْوُضُوء بِالْمَاءِ ؟ فَقَالَ : لَا , إِنَّمَا يَكْفِيك مَا مَرَّتْ عَلَيْهِ يَدك . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : سَأَلْت شُعْبَة عَنْ تَخْلِيل اللِّحْيَة فِي الْوُضُوء , فَقَالَ : قَالَ الْمُغِيرَة : قَالَ إِبْرَاهِيم : يَكْفِيه مَا سَالَ مِنْ الْمَاء مِنْ وَجْهه عَلَى لِحْيَته . 8892 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن رِشْدِينَ , قَالَ : ثنا عَبْد الْجَبَّار بْن عُمَر : أَنَّ اِبْن شِهَاب وَرَبِيعَة تَوَضَّئَا , فَأَمَرَّا الْمَاء عَلَى لِحَاهُمَا , وَلَمْ أَرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا خَلَّلَ لِحْيَته . 8893 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ عَرْك الْعَارِضَيْنِ فِي الْوُضُوء , فَقَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ , رَأَيْت مَكْحُولًا يَتَوَضَّأ فَلَا يَفْعَل ذَلِكَ . 8894 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَيْسَ عَرْك الْعَارِضَيْنِ فِي الْوُضُوء بِوَاجِبٍ . * - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يَكْفِيه مَا مَرَّ مِنْ الْمَاء عَلَى لِحْيَته . 8895 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن أَبِي زَيْنَب , قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد كَيْفَ أَصْنَع بِلِحْيَتِي إِذَا تَوَضَّأْت ؟ قَالَ : . لَسْت مِنْ الَّذِينَ يَغْسِلُونَ لِحَاهُمْ . 8896 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ أَبُو عَمْرو : لَيْسَ عَرْك الْعَارِضَيْنِ وَتَشْبِيك اللِّحْيَة بِوَاجِبٍ فِي الْوُضُوء . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة فِي غَسْل مَا بَطَنَ مِنْ الْفَم وَالْأَنْف : 8897 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي بَشِير , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَوْلَا التَّلَمُّظ فِي الصَّلَاة مَا مَضْمَضْت . 8898 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْمَلِك يَقُول : سُئِلَ عَطَاء , عَنْ رَجُل صَلَّى وَلَمْ يُمَضْمِض قَالَ : مَا لَمْ يُسَمّ فِي الْكِتَاب يُجْزِئهُ . 8899 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَيْسَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مِنْ وَاجِب الْوُضُوء . 8900 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح , عَنْ أَبِي سِنَان , قَالَ : كَانَ الضَّحَّاك يَنْهَانَا عَنْ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْوُضُوء فِي رَمَضَان . 8901 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت هِشَامًا , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِذَا نَسِيَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق , قَالَ : إِنْ ذَكَرَ وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاة فَلْيَمْضِ فِي صَلَاته , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ . 8902 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت الْحَكَم وَقَتَادَة , عَنْ رَجُل ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنَّهُ لَمْ يَتَمَضْمَض وَلَمْ يَسْتَنْشِق , فَقَالَ : يَمْضِي فِي صَلَاته . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ الْوَجْه : 8903 - حَدَّثَنِي يَزِيد بْن مَخْلَد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ غَيْلَان , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا أَبُو مُطَرِّف , قَالَ : ثنا غَيْلَان مَوْلَى بَنِي مَخْزُوم , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس , فَإِذَا مَسَحْت الرَّأْس فَامْسَحْهُمَا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي غَيْلَان بْن عَبْد اللَّه مَوْلَى قُرَيْش , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر سَأَلَهُ سَائِل , قَالَ : إِنَّهُ تَوَضَّأَ وَنَسِيَ أَنْ يَمْسَح أُذُنَيْهِ , قَالَ : فَقَالَ اِبْن عُمَر : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ بَأْسًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد . ح , وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْر , عَنْ سَعِيد بْن مَرْجَانَة , عَنْ اِبْن عُمَر , أَنَّهُ قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . 8904 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . 8905 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَا : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد . * - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرو , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي النَّضْر , عَنْ اِبْن عُمَر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عِيسَى بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . 8906 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ سِنَان بْن رَبِيعَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أَبِي أُمَامَة أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ; شَكَّ اِبْن بَزِيع أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس " 8907 - ثنا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن مَنْصُور , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ سِنَان بْن رَبِيعَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس قَالَ حَمَّاد : لَا أَدْرِي هَذَا عَنْ أَبِي أُمَامَة أَوْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثني حَمَّاد بْن زَيْد , قَالَ : ثني سِنَان بْن رَبِيعَة أَبُو رَبِيعَة عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس " 8908 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج وَغَيْره , عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس " 8909 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن شُبَيْب , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن هَاشِم بْن الْبَرِيد , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ عَطَاء , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس " 8910 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ يُونُس , أَنَّ الْحَسَن , قَالَ : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . وَقَالَ آخَرُونَ : الْوَجْه : كُلّ مَا دُون مَنَابِت شَعْر الرَّأْس إِلَى مُنْقَطِع الذَّقَن طُولًا , وَمِنْ الْأُذُن إِلَى الْأُذُن عَرْضًا , مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ لِعَيْنِ النَّاظِر , وَمَا بَطَنَ مِنْهُ مِنْ مَنَابِت شَعْر اللِّحْيَة النَّابِت عَلَى الذَّقَن وَعَلَى الْعَارِضَيْنِ , وَمَا كَانَ مِنْهُ دَاخِل الْفَم وَالْأَنْف , وَمَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ عَلَى الْوَجْه . كُلّ ذَلِكَ عِنْدهمْ مِنْ الْوَجْه الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِغُسْلِهِ بِقَوْلِهِ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } وَقَالُوا : إِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمُتَوَضِّئ فَلَمْ يَغْسِلهُ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاته بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8911 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر وَأَبُو عَاصِم , قَالَا : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَبُلّ أُصُول شَعْر لِحْيَته , وَيُغَلْغِل بِيَدِهِ فِي أُصُول شَعْرهَا حَتَّى تَكْثُر الْقَطَرَات مِنْهَا . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُغَلْغِل يَدَيْهِ فِي لِحْيَته حَتَّى تَكْثُر مِنْهَا الْقَطَرَات . * - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , عَنْ سَعِيد , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَته حَتَّى يَبْلُغ أُصُول الشَّعْر . 8912 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن جَابِر اللُّقَيْطِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْأَزْرَق بْن قَيْس , قَالَ : رَأَيْت اِبْن عُمَر تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا لَيْث , عَنْ نَافِع : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته بِالْمَاءِ حَتَّى يَبْلُغ أُصُول الشَّعْر . 8913 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر : أَنَّ أَبَاهُ عُبَيْد بْن عُمَيْر كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ غَلْغَلَ أَصَابِعه فِي أُصُول شَعْر الْوَجْه يُغَلْغِلهَا بَيْن الشَّعْر فِي أُصُوله يَدْلُك بِأَصَابِعِهِ الْبَشَرَة . فَأَشَارَ لِي عَبْد اللَّه كَمَا أَخْبَرَهُ الرَّجُل , كَمَا وَصَفَ عَنْهُ . 8914 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْض الْعَرْك , وَشَبَّكَ لِحْيَته بِأَصَابِعِهِ أَحْيَانًا وَيَتْرُك أَحْيَانًا . 8915 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , وَعَلِيّ بْن سَهْل , قَالَا : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ ثنا أَبُو عَمْرو , وَأَخْبَرَنِي عَبْدَة , عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ نَحْو ذَلِكَ . 8916 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُسْلِم , قَالَ : . رَأَيْت اِبْن أَبِي لَيْلَى تَوَضَّأَ فَغَسَلَ لِحْيَته وَقَالَ : مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُبْلِغ الْمَاء أُصُول الشَّعْر فَلْيَفْعَلْ . 8917 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : حَقّ عَلَيْهِ أَنْ يَبُلّ أُصُول الشَّعْر . 8918 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , قَالَ : كَانَ مُجَاهِد يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8919 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد الْحَفْرِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن شُبْرُمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : مَا بَال اللِّحْيَة تُغْسَل قَبْل أَنْ تَنْبُت فَإِذَا نَبَتَتْ لَمْ تُغْسَل ؟ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . 8920 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ طَاوُس , أَنَّهُ . كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . 8921 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , مِثْله . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : سَأَلْت شُعْبَة , عَنْ تَخْلِيل اللِّحْيَة فِي الْوُضُوء , فَذَكَرَ عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة : أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَمْرو عَنْ مَعْرُوف , قَالَ : رَأَيْت اِبْن سِيرِينَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , مِثْله . 8922 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الزُّبَيْر بْن عَدِيّ , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : رَأَيْته يُخَلِّل لِحْيَته . 8923 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ زَيْد الْخُدْرِيّ , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته , فَقُلْت : لِمَ تَفْعَل هَذَا يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : " أَمَرَنِي بِذَلِكَ رَبِّي " * - حَدَّثَنَا تَمِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ سَلَّام بْن سَلْم , عَنْ زَيْد الْعَمِّيّ , عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة أَوْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس , قَالَ : وَضَّأْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَدْخَلَ أَصَابِعه مِنْ تَحْت حَنَكه , فَخَلَّلَ لِحْيَته , وَقَالَ : " بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي جَلَّ وَعَزَّ " * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ سَلَّام بْن سَلْم الْمَدِينِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد الْعَمِّيّ , عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْدَة الْحَدَّاد , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن شِرْوَان , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي " . وَأَدْخَلَ أَصَابِعه فِي لِحْيَته , فَخَلَّلَهَا 8924 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام وَعُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ خَالِد بْن إِلْيَاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع , عَنْ أُمّ سَلَمَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ , فَخَلَّلَ لِحْيَته 8925 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن الْحُرّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , عَنْ وَاصِل بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي سَوْرَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : " رَأَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ , وَخَلَّلَ لِحْيَته " 8926 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : ثنا عُمَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي غَالِب , عَنْ أَبِي أُمَامَة : " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّلَ لِحْيَته " 8927 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامَغَانِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم أَبِي أُمَيَّة : أَنَّ حَسَّان بْن ثَابِت الْمُزَنِيّ رَأَى عَمَّار بْن يَاسِر تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَته , فَقِيلَ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا , فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ 8928 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الْوَاحِد بْن قَيْس , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ وَقَتَادَة : " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ , وَشَبَّكَ لِحْيَته بِأَصَابِعِهِ " 8929 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو مَهْدِيّ بْن سِنَان , عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّة , عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 8930 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الطَّنَافِسِيّ أَبُو عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني وَاصِل الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَبِي سَوْرَة هَكَذَا قَالَ الْأَحْمَسِيّ عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ تَمَضْمَضَ وَمَسَحَ لِحْيَته مِنْ تَحْتهَا بِالْمَاءِ " ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة فِي غَسْل مَا بَطَنَ مِنْ الْأَنْف وَالْفَم : 8931 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : الِاسْتِنْشَاق شَطْر الْوُضُوء . 8932 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت حَمَّادًا عَنْ رَجُل ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنَّهُ لَمْ يَتَمَضْمَض وَلَمْ يَسْتَنْشِق , قَالَ حَمَّاد : يَنْصَرِف فَيَتَمَضْمَض وَيَسْتَنْشِق . 8933 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح , عَنْ أَبِي سِنَان , قَالَ : قَدِمْت الْكُوفَة فَأَتَيْت حَمَّادًا فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ , يَعْنِي عَمَّنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَصَلَّى فَقَالَ : أَرَى عَلَيْهِ إِعَادَة الصَّلَاة . 8934 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : كَانَ قَتَادَة يَقُول : إِذَا تَرَكَ الْمَضْمَضَة أَوْ الِاسْتِنْشَاق أَوْ أُذُنه أَوْ طَائِفَة مِنْ رِجْله حَتَّى يَدْخُل فِي صَلَاته , فَإِنَّهُ يَنْفَتِل وَيَتَوَضَّأ , وَيُعِيد صَلَاته . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَنَّ مَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ فَمِنْ الْوَجْه , وَمَا أَدْبَرَ فَمِنْ الرَّأْس : 8935 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : مَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ فَمِنْ الْوَجْه , وَمَا أَدْبَرَ فَمِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثني شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم وَحَمَّاد , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي الْأُذُنَيْنِ : بَاطِنهمَا مِنْ الْوَجْه , وَظَاهِرهمَا مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : مُقَدَّم الْأُذُنَيْنِ مِنْ الْوَجْه , وَمُؤَخَّرهمَا مِنْ الرَّأْس . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم وَحَمَّاد , عَنْ الشَّعْبِيّ بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : بَاطِن الْأُذُنَيْنِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ الشَّعْبِيّ بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : بَاطِن الْأُذُنَيْنِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ الشَّعْبِيّ , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : بَاطِن الْأُذُنَيْنِ مِنْ الْوَجْه , وَظَاهِرهمَا مِنْ الرَّأْس . 8936 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة . ح , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَا جَمِيعًا : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن يَزِيد بْن رُكَانَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه الْخَوْلَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : أَلَا أَتَوَضَّأ لَكُمْ وُضُوء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : قُلْنَا : نَعَمْ . فَتَوَضَّأَ , فَلَمَّا غَسَلَ وَجْهه , أَلْقَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ , قَالَ : ثُمَّ لَمَّا مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسَحَ أُذُنَيْهِ مِنْ ظُهُورهمَا وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : الْوَجْه الَّذِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ ذِكْره بِغَسْلِهِ الْقَائِم إِلَى صَلَاته : كُلّ مَا اِنْحَدَرَ عَنْ مَنَابِت شَعْر الرَّأْس إِلَى مُنْقَطِع الذَّقَن طُولًا , وَمَا بَيْن الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا مِمَّا هُوَ ظَاهِر لِعَيْنِ النَّاظِر , دُون مَا بَطَنَ مِنْ الْفَم وَالْأَنْف وَالْعَيْن , وَدُون مَا غَطَّاهُ شَعْر اللِّحْيَة وَالْعَارِضَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ فَسَتَرَهُ عَنْ أَبْصَار النَّاظِرِينَ , وَدُون الْأُذُنَيْنِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَإِنْ كَانَ مَا تَحْت شَعْر اللِّحْيَة وَالشَّارِبَيْنِ قَدْ كَانَ وَجْهًا يَجِب غَسْله قَبْل نَبَات الشَّعْر السَّاتِر عَنْ أَعْيُن النَّاظِرِينَ عَلَى الْقَائِم إِلَى صَلَاته , لِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَيْنِ مِنْ الْوَجْه , ثُمَّ هُمْ مَعَ إِجْمَاعهمْ عَلَى ذَلِكَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ غَسْل مَا عَلَاهُمَا مِنْ أَجْفَانهمَا دُون إِيصَال الْمَاء إِلَى مَا تَحْت الْأَجْفَان مِنْهُمَا مُجْزِئ ; فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِجْمَاعًا بِتَوْقِيفِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته عَلَى ذَلِكَ , فَنَظِير ذَلِكَ كُلّ مَا عَلَاهُ شَيْء مِنْ مَوَاضِع الْوُضُوء مِنْ جَسَد اِبْن آدَم مِنْ نَفْس خِلْقَة سَاتِره لَا يَصِل الْمَاء إِلَيْهِ إِلَّا بِكُلْفَةٍ وَمُؤْنَة وَعِلَاج , قِيَاسًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْم الْعَيْنَيْنِ فِي ذَلِكَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْل الْعَيْنَيْنِ فِي مُؤْنَة إِيصَال الْمَاء إِلَيْهِمَا عِنْد الْوُضُوء مَا بَطَنَ مِنْ الْأَنْف وَالْفَم وَشَعْر اللِّحْيَة وَالصُّدْغَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ لَا يَصِل الْمَاء إِلَيْهِ إِلَّا بِعِلَاجٍ لِإِيصَالِ الْمَاء إِلَيْهِ نَحْو كُلْفَة عِلَاج الْحَدَقَتَيْنِ لِإِيصَالِ الْمَاء إِلَيْهِمَا أَوْ أَشَدّ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ غَسْل مَنْ غَسَلَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مَا تَحْت مَنَابِت شَعْر اللِّحْيَة وَالْعَارِضَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَمَا بَطَنَ مِنْ الْأَنْف وَالْفَم , إِنَّمَا كَانَ إِيثَارًا مِنْهُ لِأَشَقّ الْأَمْرَيْنِ عَلَيْهِ مِنْ غَسْل ذَلِكَ وَتَرْك غَسْله , كَمَا آثَرَ اِبْن عُمَر غَسْل مَا تَحْت أَجْفَان الْعَيْنَيْنِ بِالْمَاءِ بِصَبِّهِ الْمَاء فِي ذَلِكَ , لَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ عِنْده فَرْضًا وَاجِبًا . فَأَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ كَانَ عَلَى وَجْه الْإِيجَاب وَالْفَرْض , فَإِنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْهَاجهمْ وَأَغْفَلَ سَبِيل الْقِيَاس ; لِأَنَّ الْقِيَاس هُوَ مَا وَصَفْنَا مِنْ تَمْثِيل الْمُخْتَلَف فِيهِ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَصْلِ الْمُجْمَع عَلَيْهِ مِنْ حُكْم الْعَيْنَيْنِ , وَأَنْ لَا خَبَر عَنْ وَاحِد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ عَلَى تَارِك إِيصَال الْمَاء فِي وُضُوئِهِ إِلَى أُصُول شَعْر لِحْيَته وَعَارِضَيْهِ , وَتَارِك الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِعَادَة صَلَاته إِذَا صَلَّى بِطُهْرِهِ ذَلِكَ , فَفِي ذَلِكَ أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فِعْلهمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ إِيثَارًا مِنْهُمْ لِأَفْضَل الْفِعْلَيْنِ مِنْ التَّرْك وَالْغَسْل . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدكُمْ فَلْيَسْتَنْثِرْ " دَلِيلًا عَلَى وُجُوب الِاسْتِنْثَار , فَإِنَّ فِي إِجْمَاع الْحُجَّة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْر فَرْض يَجِب عَلَى مَنْ تَرَكَهُ إِعَادَة الصَّلَاة الَّتِي صَلَّاهَا قَبْل غَسْله , مَا يُغْنِي عَنْ إِكْثَار الْقَوْل فِيهِ . وَأَمَّا الْأُذُنَانِ فَإِنَّ فِي إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ تَرْك غَسْلهمَا أَوْ غَسْل مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا عَلَى الْوَجْه , غَيْر مُفْسِد صَلَاة مَنْ صَلَّى بِطُهْرِهِ الَّذِي تَرَكَ فِيهِ غَسْلهمَا , مَعَ إِجْمَاعهمْ جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ غَسْل شَيْء مِمَّا يَجِب عَلَيْهِ غَسْله مِنْ وَجْهه فِي وُضُوئِهِ أَنَّ صَلَاته لَا تُجْزِئهُ بِطَهُورِهِ ذَلِكَ , مَا يُنْبِئ عَنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلهمْ إِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْوَجْه ; دُون مَا قَالَهُ الشَّعْبِيّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَرَافِق , هَلْ هِيَ مِنْ الْيَد الْوَاجِب غَسْلهَا أَمْ لَا ؟ بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ غَسْل الْيَد إِلَيْهَا وَاجِب . فَقَالَ مَالِك بْن أَنَس وَسُئِلَ عَنْ قَوْل اللَّه : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } أَتَرَى أَنْ يَخْلُف الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْوُضُوء ؟ قَالَ : الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْ يَبْلُغ " الْمَرْفِقَيْنِ " , قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } فَذَهَبَ هَذَا يَغْسِل خَلْفه ! فَقِيلَ لَهُ : فَإِنَّمَا يَغْسِل إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ لَا يُجَاوِزهُمَا ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي مَا لَا يُجَاوِزهُمَا ; أَمَّا الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْ يَبْلُغ بِهِ فَهَذَا : إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ . حَدَّثَنَا يُونُس , عَنْ أَشْهَب عَنْهُ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَمْ أَعْلَم مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرَافِق فِيمَا يُغْسَل كَأَنَّهُ يَذْهَب إِلَى أَنَّ مَعْنَاهَا : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى } أَنْ تُغْسَل { الْمَرَافِق } حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } غَسْل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرَافِق , فَالْمِرْفَقَانِ غَايَة لِمَا أَوْجَبَ اللَّه غَسْله مِنْ آخِر الْيَد , وَالْغَايَة غَيْر دَاخِلَة فِي الْحَدّ , كَمَا غَيْر دَاخِل اللَّيْل فِيمَا أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَى عِبَاده مِنْ الصَّوْم بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إِلَى اللَّيْل } لِأَنَّ اللَّيْل غَايَة لِصَوْمِ الصَّائِم , إِذَا بَلَغَهُ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ . قَالُوا : فَكَذَلِكَ الْمَرَافِق فِي قَوْله : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } غَايَة لِمَا أَوْجَبَ اللَّه غَسْله مِنْ الْيَد . وَهَذَا قَوْل زُفَر بْن الْهُذَيْل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّ غَسْل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ مِنْ الْفَرْض الَّذِي إِنْ تَرَكَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ تَارِك , لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاة مَعَ تَرْكه غَسْله . فَأَمَّا الْمِرْفَقَانِ وَمَا وَرَاءَهُمَا , فَإِنَّ غَسْل ذَلِكَ مِنْ النَّدْب الَّذِي نَدَبَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته بِقَوْلِهِ : " أُمَّتِي الْغُرّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَار الْوُضُوء , فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيل غُرَّته فَلْيَفْعَلْ " فَلَا تَفْسُد صَلَاة تَارِك غَسْلهمَا وَغَسْل مَا وَرَاءَهُمَا , لِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِيمَا مَضَى مِنْ أَنَّ لَك غَايَة حُدَّتْ بِ " إِلَى " فَقَدْ تَحْتَمِل فِي كَلَام الْعَرَب دُخُول الْغَايَة فِي الْحَدّ وَخُرُوجهَا مِنْهُ . وَإِذَا اِحْتَمَلَ الْكَلَام ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ الْقَضَاء بِأَنَّهَا دَاخِلَة فِيهِ , إِلَّا لِمَنْ لَا يُجَوِّز خِلَافه فِيمَا بُيِّنَ وَحُكِمَ , وَلَا حُكْم بِأَنَّ الْمَرَافِق دَاخِلَة فِيمَا يَجِب غَسْله عِنْدنَا مِمَّنْ يَجِب التَّسْلِيم بِحُكْمِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْمَسْح الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ بِقَوْلِهِ : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : وَامْسَحُوا بِمَا بَدَا لَكُمْ أَنْ تَمْسَحُوا بِهِ مِنْ رُءُوسكُمْ بِالْمَاءِ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8937 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , عَنْ عِيسَى بْن حَفْص , قَالَ : ذُكِرَ عِنْد الْقَاسِم بْن مُحَمَّد مَسْح الرَّأْس , فَقَالَ : يَا نَافِع كَيْفَ كَانَ اِبْن عُمَر يَمْسَح ؟ فَقَالَ : مَسْحَة وَاحِدَة . وَوَصَفَ أَنَّهُ مَسَحَ مُقَدَّم رَأْسه إِلَى وَجْهه . فَقَالَ الْقَاسِم : اِبْن عُمَر أَفْقَهُنَا وَأَعْلَمنَا . 8938 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن سَعِيد , يَقُول : أَخْبَرَنِي نَافِع أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ رَدَّ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء وَوَضَعَهُمَا فِيهِ , ثُمَّ مَسَحَ بِيَدَيْهِ مُقَدَّم رَأْسه . 8939 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بُكَيْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَضَع بَطْن كَفَّيْهِ عَلَى الْمَاء ثُمَّ لَا يَنْفُضهُمَا ثُمَّ يَمْسَح بِهِمَا مَا بَيْن قَرْنَيْهِ إِلَى الْجَبِين وَاحِدَة , ثُمَّ لَا يَزِيد عَلَيْهَا فِي كُلّ ذَلِكَ مَسْحَة وَاحِدَة , مُقْبِلَة مِنْ الْجَبِين إِلَى الْقَرْن . * - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ مُقَدَّم رَأْسه . 8940 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , قَالَ : يَجْزِيك أَنْ تَمْسَح مُقَدَّم رَأْسك إِذَا كُنْت مُعْتَمِرًا , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْمَرْأَة . 8941 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ نَافِع , قَالَ : رَأَيْت اِبْن عُمَر مَسَحَ بِيَافُوخِهِ مَسْحَة . وَقَالَ سُفْيَان : إِنْ مَسَحَ شَعْره أَجْزَأَهُ ; يَعْنِي وَاحِدَة . 8942 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : أَيّ جَوَانِب رَأْسك مَسَسْت الْمَاء أَجْزَأَك . 8943 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن ظَبْيَان , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ الشَّعْبِيّ , مِثْله . 8944 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ نَافِع , قَالَ : . كَانَ اِبْن عُمَر يَمْسَح رَأْسه هَكَذَا , فَوَضَعَ أَيُّوب كَفّه وَسَط رَأْسه , ثُمَّ أَمَرَّهَا عَلَى مُقَدَّم رَأْسه . 8945 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن الْحُبَاب , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : إِنْ مَسَحَ رَأْسه بِأُصْبُعٍ وَاحِدَة أَجْزَأَهُ . 8946 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : قُلْت لِأَبِي عَمْرو : مَا يُجْزِئ مِنْ مَسْح الرَّأْس ؟ قَالَ : أَنْ تَمْسَح مُقَدَّم رَأْسك إِلَى الْقَفَا أَحَبّ إِلَيَّ . * - حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْهُ , نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَامْسَحُوا بِجَمِيعِ رُءُوسكُمْ . قَالُوا : إِنْ لَمْ يَمْسَح بِجَمِيعِ رَأْسه بِالْمَاءِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاة بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8947 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا أَشْهَب , قَالَ : قَالَ مَالِك : مَنْ مَسَحَ بَعْض رَأْسه وَلَمْ يَعُمّ أَعَادَ الصَّلَاة بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَسَلَ بَعْض وَجْهه أَوْ بَعْض ذِرَاعه . قَالَ : وَسُئِلَ مَالِك عَنْ مَسْح الرَّأْس , قَالَ : يَبْدَأ مِنْ مُقَدَّم وَجْهه , فَيُدِير يَدَيْهِ إِلَى قَفَاهُ , ثُمَّ يَرُدّهُمَا إِلَى حَيْثُ بَدَأَ مِنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يُجْزِئ مَسْح الرَّأْس بِأَقَلّ مِنْ ثَلَاث أَصَابِع , وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ بِالْمَسْحِ بِرَأْسِهِ الْقَائِم إِلَى صَلَاته مَعَ سَائِر مَا أَمَرَهُ بِغَسْلِهِ مَعَهُ أَوْ مَسْحه , وَلَمْ يَحُدّ ذَلِكَ بِحَدٍّ لَا يَجُوز التَّقْصِير عَنْهُ وَلَا يُجَاوِزهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَا مَسَحَ بِهِ الْمُتَوَضِّئ مِنْ رَأْسه فَاسْتَحَقَّ بِمَسْحِهِ ذَلِكَ أَنْ يُقَال : مَسَحَ بِرَأْسِهِ , فَقَدْ أَدَّى مَا فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ مَسْح ذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِيمَا لَزِمَهُ اِسْم مَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ إِذَا قَامَ إِلَى صَلَاته . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنَّ اللَّه قَدْ قَالَ فِي التَّيَمُّم : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } أَفَيُجْزِئ الْمَسْح بِبَعْضِ الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّم ؟ قِيلَ لَهُ : كُلّ مَا مَسَحَ مِنْ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ فِيمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْعُلَمَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَجْزِيه ذَلِكَ مِنْ التَّيَمُّم , وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يُجْزِئهُ , فَهُوَ مُجْزِئُهُ , لِدُخُولِهِ فِي اِسْم الْمَاسِحِينَ بِهِ . وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُجْمَعًا عَلَى أَنَّهُ غَيْر مُجْزِئِهِ , فَمُسَلَّمٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّة نَقْلًا عَنْ نَبِيّهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا حُجَّة لِأَحَدٍ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلنَا : إِنَّ مَا جَاءَ فِي آيِ الْكِتَاب عَامًّا فِي مَعْنًى فَالْوَاجِب الْحُكْم بِهِ عَلَى عُمُومه حَتَّى يَخُصّهُ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ , فَإِذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْء كَانَ مَا خُصَّ مِنْهُ خَارِجًا مِنْ ظَاهِره , وَحُكْم سَائِره عَلَى الْعُمُوم . وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَّة الْمُوجِبَة صِحَّة الْقَوْل بِذَلِكَ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالرَّأْس الَّذِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِالْمَسْحِ بِقَوْلِهِ بِهِ : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } هُوَ مَنَابِت شَعْر الرَّأْس دُون مَا جَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى الْقَفَا مِمَّا اِسْتَدْبَرَ , وَدُون مَا اِنْحَدَرَ عَنْ ذَلِكَ مِمَّا اِسْتَقْبَلَ مِنْ قِبَل وَجْهه إِلَى الْجَبْهَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } نَصْبًا . فَتَأْوِيله : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة , فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق , وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ , وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ . وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , وَتَكُون " الْأَرْجُل " مَنْصُوبَة , عَطْفًا عَلَى " الْأَيْدِي " . وَتَأَوَّلَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَ عِبَاده بِغَسْلِ الْأَرْجُل دُون الْمَسْح بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } الْغَسْل : 8948 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ أَبِي قِلَابَة : أَنَّ رَجُلًا صَلَّى وَعَلَى ظَهْر قَدَمه مَوْضِع ظُفْر , فَلَمَّا قَضَى صَلَاته , قَالَ لَهُ عُمَر : أَعِدْ وُضُوءَك وَصَلَاتك . 8949 - حَدَّثَنَا حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن حَسَن , قَالَ : ثنا هُزَيْل بْن شُرَحْبِيل , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : خَلِّلُوا الْأَصَابِع بِالْمَاءِ لَا تُخَلِّلهَا النَّار . 8950 - حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الصَّبَّاح الْعَطَّار , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر الْحَوْضِيّ , قَالَ : ثنا مُرَجَّى , يَعْنِي اِبْن رَجَاء الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو رَوْح عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ الْمُغِيرَة بْن حُنَيْن : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَتَوَضَّأ وَهُوَ يَغْسِل رِجْلَيْهِ , فَقَالَ : " بِهَذَا أُمِرْت " 8951 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ وَاقِد مَوْلَى زَيْد بْن خُلَيْدَة , قَالَ : سَمِعْت مُصْعَب بْن سَعِيد , يَقُول : رَأَى عُمَر بْن الْخَطَّاب قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ , فَقَالَ : خَلِّلُوا . 8952 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم , قَالَ : كَانَ اِبْن عُمَر يَخْلَع خُفَّيْهِ , ثُمَّ يَتَوَضَّأ فَيَغْسِل رِجْلَيْهِ , ثُمَّ يُخَلِّل أَصَابِعه . 8953 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الزُّبَيْر بْن عَدِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قُلْت لِلْأَسْوَدِ : رَأَيْت عُمَر يَغْسِل قَدَمَيْهِ غَسْلًا ؟ قَالَ : نَعَمْ . 8954 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُسْلِم , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مَيْسَرَة , عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أَبِي سُوَيْد : بَلَغَنَا عَنْ ثَلَاثَة كُلّهمْ رَأَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِل قَدَمَيْهِ غَسْلًا , أَدْنَاهُمْ اِبْن عَمّك الْمُغِيرَة 8955 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح , عَنْ مُحَمَّد , وَهُوَ اِبْن أَبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : اِغْسِلُوا الْأَقْدَام إِلَى الْكَعْبَيْنِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ خَالِد , عَنْ أَبِي قِلَابَة : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَأَى رَجُلًا قَدْ تَرَكَ عَلَى ظَهْر قَدَمه مِثْل الظُّفُر , فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيد وُضُوءَهُ وَصَلَاته . 8956 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ شَيْبَة بْن نَصَّاح , قَالَ : صَحِبْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد إِلَى مَكَّة , فَرَأَيْته إِذَا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ يُدْخِل أَصَابِع رِجْلَيْهِ يَصُبّ عَلَيْهَا الْمَاء , قُلْت : يَا أَبَا مُحَمَّد , لِمَ تَصْنَع هَذَا ؟ قَالَ : رَأَيْت اِبْن عُمَر يَصْنَعهُ . 8957 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } قَالَ : عَادَ الْأَمْر إِلَى الْغَسْل . 8958 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَفْص الْغَاضِرِيّ , عَنْ عَامِر بْن كُلَيْب , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : قَرَأَ عَلَيَّ الْحَسَن وَالْحُسَيْن رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمَا , فَقَرَءَا : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } فَسَمِعَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ذَلِكَ , وَكَانَ يَقْضِي بَيْن النَّاس , فَقَالَ : " وَأَرْجُلكُمْ " , هَذَا مِنْ الْمُقَدَّم وَالْمُؤَخَّر مِنْ الْكَلَام . 8959 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب بْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَهَا : { فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } بِالنَّصْبِ , وَقَالَ : عَادَ الْأَمْر إِلَى الْغَسْل . 8960 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة وَأَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَرَأَهَا : { وَأَرْجُلكُمْ } وَقَالَ : عَادَ الْأَمْر إِلَى الْغَسْل . 8961 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ قَيْس , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه : أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { وَأَرْجُلكُمْ } بِالنَّصْبِ . 8962 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } فَيَقُول : اِغْسِلُوا وُجُوهكُمْ , وَاغْسِلُوا أَرْجُلكُمْ , وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ; فَهَذَا مِنْ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير . 8963 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ شَيْبَان , قَالَ : أُثْبِتَ لِي عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ قَرَأَ : { وَأَرْجُلَكُمْ } . ثنا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : { وَأَرْجُلَكُمْ } رَجَعَ الْأَمْر إِلَى الْغَسْل . 8964 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . 8965 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : . كَانَ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَهَا : { وَأَرْجُلَكُمْ } فَيَغْسِلُونَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : اِغْسِلْ الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ . 8966 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ أَبِي السَّوْدَاء , عَنْ اِبْن عَبْد خَيْر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : رَأَيْت عَلِيًّا تَوَضَّأَ , فَغَسَلَ ظَاهِر قَدَمَيْهِ , وَقَالَ : لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ , ظَنَنْت أَنَّ بَطْن الْقَدَم أَحَقّ مِنْ ظَاهِرهَا 8967 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَمْ أَرَ أَحَدًا يَمْسَح عَلَى الْقَدَمَيْنِ . 8968 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ : { وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } فَنَصَبَهَا , وَقَالَ : رَجَعَ إِلَى الْغَسْل . 8969 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقْرَأ : { وَأَرْجُلكُمْ } بِالنَّصْبِ . 8970 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْهَب , قَالَ : سُئِلَ مَالِك عَنْ قَوْل اللَّه : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } أَهِيَ " أَرْجُلِكُمْ " أَوْ " أَرْجُلَكُمْ " ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ الْغَسْل وَلَيْسَ بِالْمَسْحِ , لَا تُمْسَحُ الْأَرْجُل , إِنَّمَا تُغْسَلُ . قِيلَ لَهُ : أَفَرَأَيْت مَنْ مَسَحَ أَيَجْزِيهِ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لَا . 8971 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ } قَالَ : اِغْسِلُوهَا غَسْلًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ " بِخَفْضِ الْأَرْجُل . وَتَأَوَّلَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَمَرَ عِبَاده بِمَسْحِ الْأَرْجُل فِي الْوُضُوء دُون غَسْلهَا , وَجَعَلُوا الْأَرْجُل عَطْفًا عَلَى الرَّأْس , فَخَفَضُوهَا لِذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : 8972 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن قَيْس الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْوُضُوء غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ . 8973 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ حُمَيْد . ح , وَحَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : قَالَ مُوسَى بْن أَنَس لِأَنَسٍ وَنَحْنُ عِنْده : يَا أَبَا حَمْزَة إِنَّ الْحَجَّاج خَطَبَنَا بِالْأَهْوَازِ وَنَحْنُ مَعَهُ , فَذَكَرَ الطَّهُور , فَقَالَ : " اِغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ , وَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْ اِبْن آدَم أَقْرَب إِلَى خُبْثه مِنْ قَدَمَيْهِ , فَاغْسِلُوا بُطُونهمَا وَظُهُورهمَا وَعَرَاقِيبهمَا " . فَقَالَ أَنَس : صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ الْحَجَّاج , قَالَ اللَّه : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ " قَالَ : وَكَانَ أَنَس إِذَا مَسَحَ قَدَمَيْهِ بَلَّهُمَا . 8974 - حَدَّثَنَا اِبْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : ثنا عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَنَس , قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن بِالْمَسْحِ , وَالسُّنَّة الْغَسْل . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُوسَى بْن أَنَس , قَالَ : خَطَبَ الْحَجَّاج , فَقَالَ : " اِغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ , ظُهُورهمَا وَبُطُونهمَا وَعَرَاقِيبهمَا , فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى إِلَى خُبْثكُمْ " . قَالَ أَنَس : صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ الْحَجَّاج , قَالَ اللَّه : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " . 8975 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه الْعَتَكِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : لَيْسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ غَسْل , إِنَّمَا نَزَلَ فِيهِمَا الْمَسْح . 8976 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : اِمْسَحْ عَلَى رَأْسك وَقَدَمَيْك . 8977 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : نَزَلَ جِبْرِيل بِالْمَسْحِ . قَالَ : ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيّ : أَلَا تَرَى أَنَّ التَّيَمُّم أَنْ يَمْسَح مَا كَانَ غَسْلًا وَيُلْغِي مَا كَانَ مَسْحًا ؟ * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ بِالْغَسْلِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا هُوَ الْمَسْح عَلَى الرِّجْلَيْنِ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْغَسْل جَعَلَ عَلَيْهِ الْمَسْح , وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَسْح أُهْمِلَ ؟ * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَ أَنْ يُمْسَح فِي التَّيَمُّم مَا أَمَرَ أَنْ يُغْسَل فِي الْوُضُوء , وَأَبْطَلَ مَا أَمَرَ أَنْ يُمْسَح فِي الْوُضُوء الرَّأْس وَالرِّجْلَانِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَمَرَ أَنْ يَمْسَح بِالصَّعِيدِ فِي التَّيَمُّم مَا أَمَرَ أَنْ يُغْسَل بِالْمَاءِ , وَأَهْمَلَ مَا أَمَرَ أَنْ يُمْسَح بِالْمَاءِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل , قَالَ : قُلْت لِعَامِر : إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نَزَلَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ , فَقَالَ : نَزَلَ جِبْرِيل بِالْمَسْحِ . 8978 - حَدَّثَنَا أَبُو بِشْر الْوَاسِطِيّ إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ يُونُس , قَالَ : ثني مَنْ صَحِبَ عِكْرِمَة إِلَى وَاسِط , قَالَ : فَمَا رَأَيْته غَسَلَ رِجْلَيْهِ , إِنَّمَا يَمْسَح عَلَيْهِمَا حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا . 8979 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " اِفْتَرَضَ اللَّه غَسْلَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ . 8980 - اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب , عَنْ عَلْقَمَة أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَرْجُلِكُمْ " مَخْفُوضَة اللَّام . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , مِثْله . 8981 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو الْحُسَيْن الْعُكَلِيّ , عَنْ عَبْد الْوَارِث , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ : " وَأَرْجُلِكُمْ " . 8982 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , قَالَ : كَانَ الشَّعْبِيّ يَقْرَأ : " وَأَرْجُلِكُمْ " بِالْخَفْضِ . 8983 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح , عَنْ غَالِب , عَنْ أَبِي جَعْفَر , أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَرْجُلِكُمْ " بِالْخَفْضِ . 8984 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك , أَنَّهُ قَرَأَ " وَأَرْجُلِكُمْ " بِالْكَسْرِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ , أَنَّ اللَّه أَمَرَ بِعُمُومِ مَسْح الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ فِي الْوُضُوء , كَمَا أَمَرَ بِعُمُومِ مَسْح الْوَجْه بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّم , وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمَا الْمُتَوَضِّئ كَانَ مُسْتَحِقًّا اِسْم مَاسِح غَاسِل ; لِأَنَّ غَسْلهمَا إِمْرَار الْمَاء عَلَيْهِمَا أَوْ إِصَابَتهمَا بِالْمَاءِ . وَمَسْحهمَا : إِمْرَار الْيَد أَوْ مَا قَامَ مَقَام الْيَد عَلَيْهِمَا . فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمَا فَاعِلٌ فَهُوَ غَاسِلٌ مَاسِحٌ , وَلِذَلِكَ مِنْ اِحْتِمَال الْمَسْح الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت مِنْ الْعُمُوم وَالْخُصُوص اللَّذَيْنِ . أَحَدهمَا مَسْح بِبَعْضٍ وَالْآخَر مَسْح بِالْجَمِيعِ اِخْتَلَفَتْ قِرَاءَة الْقُرَّاء فِي قَوْله : { وَأَرْجُلكُمْ } فَنَصَبَهَا بَعْضهمْ تَوْجِيهًا مِنْهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْفَرْض فِيهِمَا الْغَسْل وَإِنْكَارًا مِنْهُ الْمَسْح عَلَيْهِمَا مَعَ تَظَاهُر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمُومِ مَسْحهمَا بِالْمَاءِ , وَخَفَضَهَا بَعْضهمْ تَوْجِيهًا مِنْهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْفَرْض فِيهِمَا الْمَسْح . وَلِمَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ إِنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ عُمُوم مَسْح الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ كَرِهَ مَنْ كَرِهَ لِلْمُتَوَضِّئِ الِاجْتِزَاء بِإِدْخَالِ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاء دُون مَسْحهمَا بِيَدِهِ , أَوْ بِمَا قَامَ مَقَام الْيَد تَوْجِيهًا مِنْهُ قَوْله : " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " إِلَى مَسْح جَمِيعهمَا عَامًّا بِالْيَدِ , أَوْ بِمَا قَامَ مَقَام الْيَد دُون بَعْضهمَا مَعَ غَسْلهمَا بِالْمَاءِ . كَمَا : 8985 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر . وَعَنْ الْأَحْوَل , عَنْ طَاوُس : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُل يَتَوَضَّأ وَيُدْخِل رِجْلَيْهِ فِي الْمَاء , قَالَ : مَا أَعُدّ ذَلِكَ طَائِلًا . وَأَجَازَ ذَلِكَ مَنْ أَجَازَ تَوْجِيهه مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ الْغَسْل . كَمَا : 8986 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت هِشَامًا يَذْكُر عَنْ الْحَسَن فِي الرَّجُل يَتَوَضَّأ فِي السَّفِينَة , قَالَ : لَا بَأْس أَنْ يَغْمِس رِجْلَيْهِ غَمْسًا . 8987 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو حُرَّة , عَنْ الْحَسَن فِي الرَّجُل إِذَا تَوَضَّأَ عَلَى حَرْف السَّفِينَة , قَالَ : يُخَضْخِض قَدَمَيْهِ فِي الْمَاء . فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْح الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ وَصَفْنَا مِنْ عُمُوم الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ , وَخُصُوص بَعْضهمَا بِهِ , وَكَانَ صَحِيحًا بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة الَّتِي سَنَذْكُرُهَا بَعْد أَنَّ مُرَاد اللَّه مِنْ مَسْحهمَا الْعُمُوم , وَكَانَ لِعُمُومِهِمَا بِذَلِكَ مَعْنَى الْغَسْل وَالْمَسْح ; فَبَيَّنَ صَوَاب الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا , أَعْنِي النَّصْب فِي الْأَرْجُل وَالْخَفْض ; لِأَنَّ فِي عُمُوم الرِّجْلَيْنِ بِمَسْحِهِمَا بِالْمَاءِ غَسْلهمَا , وَفِي إِمْرَار الْيَد وَمَا قَامَ مَقَام الْيَد عَلَيْهِمَا مَسْحهمَا , فَوَجْه صَوَاب قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى عُمُومهمَا بِإِمْرَارِ الْمَاء عَلَيْهِمَا . وَوَجْه صَوَاب قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ خَفْضًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِمْرَار الْيَد عَلَيْهِمَا , أَوْ مَا قَامَ مَقَام الْيَد مَسْحًا بِهِمَا . غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَتْ الْقِرَاءَتَانِ كِلْتَاهُمَا حَسَنًا صَوَابًا , فَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأهَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ خَفْضًا لِمَا وَصَفْت مِنْ جَمْع الْمَسْح الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت , وَلِأَنَّهُ بَعْد قَوْله : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } فَالْعَطْف بِهِ عَلَى الرُّءُوس مَعَ قُرْبه مِنْهُ أَوْلَى مِنْ الْعَطْف بِهِ عَلَى الْأَيْدِي , وَقَدْ حِيلَ بَيْنه وَبَيْنهَا بِقَوْلِهِ : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمَسْحِ فِي الرِّجْلَيْنِ الْعُمُوم دُون أَنْ يَكُون خُصُوصًا نَظِير قَوْلك فِي الْمَسْح بِالرَّأْسِ ؟ قِيلَ : الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ تَظَاهُر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ وَبُطُون الْأَقْدَام مِنْ النَّار " , وَلَوْ كَانَ مَسْح بَعْض الْقَدَم مُجْزِيًا عَنْ عُمُومهَا بِذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهَا الْوَيْل بِتَرْكِ مَا تَرَكَ مَسْحه مِنْهَا بِالْمَاءِ بَعْد أَنْ يَمْسَح بَعْضهَا ; لِأَنَّ مَنْ أَدَّى فَرْض اللَّه عَلَيْهِ فِيمَا لَزِمَهُ غَسْله مِنْهَا لَمْ يَسْتَحِقّ الْوَيْل , بَلْ يَجِب أَنْ يَكُون لَهُ الثَّوَاب الْجَزِيل , فَوُجُوب الْوَيْل لِعَقِبِ تَارِك غَسْل عَقِبه فِي وُضُوئِهِ , أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى وُجُوب فَرْض الْعُمُوم بِمَسْحِ جَمِيع الْقَدَم بِالْمَاءِ , وَصِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَفَسَاد مَا خَالَفَهُ . ذِكْر بَعْض الْأَخْبَار الْمَرْوِيَّة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا : 8988 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَمُرّ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأ مِنْ الْمَطْهَرَة , فَيَقُول : أَسْبِغُوا الْوُضُوء ! أَسْبِغُوا الْوُضُوء ! قَالَ أَبُو الْقَاسِم : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَمُرّ بِأُنَاسٍ يَتَوَضَّئُونَ مُسْرِعِينَ الطُّهُور , فَيَقُول : أَسْبِغُوا الْوُضُوء ! فَإِنِّي سَمِعْت أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْعَقِبِ مِنْ النَّار " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثني سُلَيْمَان بْن بِلَال , قَالَ : ثني سُهَيْل , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار يَوْم الْقِيَامَة " * - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين وَإِسْمَاعِيل بْن مُوسَى قَالَا : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " , وَقَالَ إِسْمَاعِيل فِي حَدِيثه : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " . 8989 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا حُسَيْن الْمُعَلِّم , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ سَالِم الدَّوْسِيّ , قَالَ : دَخَلْت مَعَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر عَلَى عَائِشَة , فَدَعَا بِوَضُوءٍ , فَقَالَتْ عَائِشَة : يَا عَبْد الرَّحْمَن , أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عُمَر بْن يُونُس الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , قَالَ : ثني أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثني أَبُو سَالِم مَوْلَى الْمَهْدِيّ , هَكَذَا قَالَ عُمَر بْن يُونُس قَالَ : خَرَجْت أَنَا وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر فِي جِنَازَة سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , قَالَ : فَمَرَرْت أَنَا وَعَبْد الرَّحْمَن عَلَى حُجْرَة عَائِشَة أُخْت عَبْد الرَّحْمَن , فَدَعَا عَبْد الرَّحْمَن بِوَضُوءٍ فَسَمِعْت عَائِشَة تُنَادِيه : يَا عَبْد الرَّحْمَن أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْمُبَارَك , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ سَالِم مَوْلَى دَوْس , قَالَ : سَمِعْت عَائِشَة تَقُول لِأَخِيهَا عَبْد الرَّحْمَن : يَا عَبْد الرَّحْمَن أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَسَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَا : ثنا يَحْيَى الْقَطَّان , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد عَنْ أَبِي سَلَمَة , أَنَّ عَائِشَة رَأَتْ عَبْد الرَّحْمَن يَتَوَضَّأ , فَقَالَتْ : أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْنُ عُيَيْنَة وَيَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد , عَنْ أَبِي سَلَمَة , قَالَ : رَأَتْ عَائِشَة عَبْد الرَّحْمَن يَتَوَضَّأ , فَقَالَتْ : أَسْبِغْ الْوُضُوء , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو رَوَاحَة وَعَبْد اللَّه بْن رَاشِد , قَالَا : أَخْبَرَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَسْوَد , أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه مَوْلَى شَدَّاد بْن الْهَادِ , حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدهَا عَبْد الرَّحْمَن , فَتَوَضَّأَ عَبْد الرَّحْمَن , ثُمَّ قَامَ فَأَدْبَرَ , فَنَادَتْهُ عَائِشَة فَقَالَتْ : يَا عَبْد الرَّحْمَن ! فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا , فَقَالَتْ لَهُ : إِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " 8990 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثني أَبُو إِسْحَاق , عَنْ سَعْد أَوْ سَعِيد بْن أَبِي كَرْب , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَم , قَالَ : ثنا النَّضْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت اِبْن أَبِي كَرْب , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْعَقِبِ أَوْ الْعَرَاقِيب مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن مَحْمُود الْحُجَيْرِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت سَعِيدًا يَقُول : سَمِعْت جَابِرًا يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي كَرْب , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح بْن مُحَارِب , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي كَرْب , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعَ أُذُنِي مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح بْن مُحَارِب , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي كَرْب , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعَ أُذُنِي مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار , أَسْبِغُوا الْوُضُوء " * - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن الْقَاسِم , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : أَبْصَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَتَوَضَّأ , وَبَقِيَ مِنْ عَقِبه شَيْء , فَقَالَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان , عَنْ جَابِر , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ لَمْ يُصِبْ أَعْقَابهمْ الْمَاء , فَقَالَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " 8991 - حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَان الْغَنَوِيّ يَزِيد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا خَلَف بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثني أَيُّوب بْن عُتْبَة , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ مُعَيْقِيب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار " 8992 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ , فَرَأَى أَعْقَابهمْ تَلُوح , فَقَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار , أَسْبِغُوا الْوُضُوء " * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْأَعْرَج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : أَبْصَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ لَمْ يُتِمُّوا الْوُضُوء , فَقَالَ : " أَسْبِغُوا الْوُضُوء , وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ أَوْ الْأَعْقَاب مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ , فَلَمْ يُتِمُّوا الْوُضُوء , فَقَالَ : " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ وَأَعْقَابهمْ تَلُوح , فَقَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار , أَسْبِغُوا الْوُضُوء " * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال , عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , فَسَبَقَنَا نَاس فَتَوَضَّئُوا , فَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَأَى أَقْدَامهمْ بِيضًا مِنْ أَثَر الْوُضُوء , فَقَالَ : " وَيْل لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّار , أَسْبِغُوا الْوُضُوء " 8993 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ مُطَّرِح بْن يَزِيد , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر , عَنْ عَلِيّ بْن يَزِيد , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ أَبِي أُمَامَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " قَالَ : فَمَا بَقِيَ فِي الْمَسْجِد شَرِيف وَلَا وَضِيع إِلَّا نَظَرْت إِلَيْهِ يُقَلِّب عُرْقُوبَيْهِ يَنْظُر إِلَيْهِمَا * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حُسَيْن , عَنْ زَائِدَة , عَنْ لَيْث , قَالَ : ثني عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِط , عَنْ أَبِي أُمَامَة , أَوْ أَخِي أَبِي أُمَامَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ أَقْوَامًا يَتَوَضَّئُونَ , وَفِي عَقِب أَحَدهمْ أَوْ كَعْب أَحَدهمْ مِثْل مَوْضِع الدِّرْهَم أَوْ مَوْضِع الظُّفْر , لَمْ يَمَسّهُ الْمَاء , فَقَالَ : " وَيْل لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّار " قَالَ : فَجَعَلَ الرَّجُل إِذَا رَأَى فِي عَقِبه شَيْئًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاء أَعَادَ وُضُوءَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِيمَا : 8994 - حَدَّثَكُمْ بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَوْس بْن أَبِي أَوْس , قَالَ : " رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ , ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى " 8995 - وَمَا حَدَّثَك بِهِ عَبْد اللَّه بْن الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا جَرِير بْن حَازِم , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : " أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطَة قَوْم , فَبَال عَلَيْهَا قَائِمًا , ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ " وَمَا حَدَّثَك بِهِ الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَوْس بْن أَبِي أَوْس قَالَ : " رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَة قَوْم , فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ " وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الدَّالَّة عَلَى أَنَّ الْمَسْح بِبَعْضِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوء مُجْزِئ ؟ قِيلَ لَهُ : أَمَّا حَدِيث أَوْس بْن أَبِي أَوْس فَإِنَّهُ لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ , إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ ذِكْر أَنَّهُ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بَعْد حَدَث يُوجِب عَلَيْهِ الْوُضُوء لِصَلَاتِهِ , فَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ , أَوْ عَلَى قَدَمَيْهِ , وَجَائِز أَنْ يَكُون مَسْحه عَلَى قَدَمَيْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْس كَانَ فِي وُضُوء تَوَضَّأَهُ مِنْ غَيْر حَدَث كَانَ مِنْهُ , وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْله تَجْدِيد وُضُوئِهِ , لِأَنَّ الرِّوَايَة عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ لِغَيْرِ حَدَث , كَذَلِكَ يَفْعَل . يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا : 8996 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مَالِك الْجَنْبِيّ , عَنْ مُسْلِم , عَنْ حَبَّة الْعُرَنِيّ , قَالَ : رَأَيْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَرِبَ فِي الرَّحْبَة قَائِمًا , ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ , وَقَالَ : هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث , هَكَذَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا الْخَبَر عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى حَدِيث أَوْس . فَإِنْ قَالَ : فَإِنَّ حَدِيث أَوْس , وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا مِنْ الْمَعْنَى مَا قُلْت , فَإِنَّهُ مُحْتَمِل أَيْضًا مَا قَالَهُ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ الْمَسْح عَلَى النَّعْلَيْنِ أَوْ الْقَدَمَيْنِ فِي وُضُوء تَوَضَّأَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدَث ؟ قِيلَ : أَحْسَن حَالَات الْخَبَر , مَا اِحْتَمَلَ مَا قُلْت , إِنْ سُلِّمَ لَهُ مَا اِدَّعَى مِنْ اِحْتِمَاله مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْح عَلَى الْقَدَم أَوْ النَّعْل بَعْد الْحَدَث وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْر مُحْتَمِله عِنْدنَا , إِذْ كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ تَكُون فَرَائِض اللَّه وَسُنَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَنَافِيَة مُتَعَارِضَة , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْر بِعُمُومِ غَسْل الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوء بِالْمَاءِ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض الْقَاطِع عُذْر مَنْ اِنْتَهَى إِلَيْهِ وَبَلَغَهُ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْهُ صَحِيحًا , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون صَحِيحًا عَنْهُ إِبَاحَة تَرْك غَسْل بَعْض مَا قَدْ أَوْجَبَ فَرْضًا غَسْله فِي حَال وَاحِدَة وَوَقْت وَاحِد ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِيجَاب فَرْض وَإِبْطَاله فِي حَال وَاحِدَة , وَذَلِكَ عَنْ أَحْكَام اللَّه وَأَحْكَام رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْتَفٍ . غَيْر أَنَّا إِذَا سَلَّمْنَا لِمَنْ اِدَّعَى فِي حَدِيث أَوْس مَا اِدَّعَى مِنْ اِحْتِمَاله مَسْح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَدَمه فِي حَال وُضُوء مِنْ حَدَث , فَفِيهِ نَبَأ بِالْفَلْجِ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَا حُجَّة لَهُ فِي ذَلِكَ . قُلْنَا : فَإِذَا كَانَ مُحْتَمَلًا مَا اِدَّعَيْت , أَفَمُحْتَمِل هُوَ مَا قُلْنَاهُ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَال وُضُوئِهِ لَا مِنْ حَدَث . فَإِنْ قَالَ : لَا , ثَبَتَتْ مُكَابَرَته لِأَنَّهُ لَا بَيَان فِي خَبَر أَوْس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي وُضُوء مِنْ حَدَث , وَإِنْ قَالَ : بَلْ هُوَ مُحْتَمِل مَا قُلْت وَمُحْتَمِل مَا قُلْنَا ; قِيلَ لَهُ : فَمَا الْبُرْهَان عَلَى أَنَّ تَأْوِيلك الَّذِي اِدَّعَيْت فِيهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ تَأْوِيلنَا ؟ فَلَنْ يَدَّعِي بُرْهَانًا عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا عُورِضَ بِمِثْلِهِ فِي خِلَاف دَعْوَاهُ . وَأَمَّا حَدِيث حُذَيْفَة , فَإِنَّ الثِّقَات الْحُفَّاظ مِنْ أَصْحَاب الْأَعْمَش , حَدَّثُوا بِهِ عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَة قَوْم , فَبَالَ قَائِمًا , ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ . * - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شَقِيق , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شَقِيق , عَنْ حُذَيْفَة ( ح ) , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة . وَكُلّ هَؤُلَاءِ يُحَدِّث ذَلِكَ عَنْ الْأَعْمَش , بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ حُذَيْفَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ , وَهُمْ أَصْحَاب الْأَعْمَش . وَلَمْ يَنْقُل هَذَا الْحَدِيث عَنْ الْأَعْمَش , غَيْر جَرِير بْن حَازِم , وَلَوْ لَمْ يُخَالِفهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِف لَوَجَبَ التَّثَبُّت فِيهِ لِشُذُوذِهِ , فَكَيْفَ وَالثِّقَات مِنْ أَصْحَاب الْأَعْمَش يُخَالِفُونَهُ فِي رِوَايَته مَا رَوَى مِنْ ذَلِكَ ؟ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُون مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَهُمَا مَلْبُوسَتَانِ فَوْق الْجَوْرَبَيْنِ , وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ صَرْف الْخَبَر إِلَى أَحَد الْمَعَانِي الْمُحْتَمِلهَا الْخَبَر إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَى الْكَعْبَيْنِ } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكَعْب , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 8997 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن الْفَضْل الْحَدَّانِيّ , قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَيْنَ الْكَعْبَانِ ؟ فَقَالَ : الْقَوْم هَاهُنَا , فَقَالَ : هَذَا رَأْس السَّاق , وَلَكِنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا عِنْد الْمَفْصِل . 8998 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْهَب , قَالَ : قَالَ مَالِك : الْكَعْب الَّذِي يَجِب الْوُضُوء إِلَيْهِ , هُوَ الْكَعْب الْمُلْتَصِق بِالسَّاقِ الْمُحَاذِي الْعَقِب , وَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ فِي ظَاهِر الْقَدَم . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 8999 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيّ : لَمْ أَعْلَم مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي كِتَابه فِي الْوُضُوء هُمَا النَّاتِئَانِ وَهُمَا مَجْمَع فَصْل السَّاق وَالْقَدَم . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَان اللَّذَانِ فِي مَفْصِل السَّاق وَالْقَدَم تُسَمِّيهِمَا الْعَرَب الْمِنْجَمَيْنِ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : هُمَا عَظْمَا السَّاق فِي طَرَفهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وُجُوب غَسْلهمَا فِي الْوُضُوء وَفِي الْحَدّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغ بِالْغَسْلِ إِلَيْهِ مِنْ الرِّجْلَيْنِ نَحْو اِخْتِلَافهمْ فِي وُجُوب غَسْل الْمَرْفِقَيْنِ , وَفِي الْحَدّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغ بِالْغَسْلِ إِلَيْهِ مِنْ الْيَدَيْنِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ بِعِلَلِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا } وَإِنْ كُنْتُمْ أَصَابَتْكُمْ جَنَابَة قَبْل أَنْ تَقُومُوا إِلَى صَلَاتكُمْ فَقُمْتُمْ إِلَيْهَا فَاطَّهَّرُوا , يَقُول : فَتَطَهَّرُوا بِالِاغْتِسَالِ مِنْهَا قَبْل دُخُولكُمْ فِي صَلَاتكُمْ الَّتِي قُمْتُمْ إِلَيْهَا . وَوَحَّدَ الْجُنُب وَهُوَ خَبَر عَنْ الْجَمِيع ; لِأَنَّهُ اِسْم خَرَجَ مَخْرَج الْفِعْل , كَمَا قِيلَ : رَجُل عَدْل وَقَوْم عَدْل , وَرَجُل زَوْر وَقَوْم زَوْر , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَفْظ الْوَاحِد وَالْجَمِيع وَالِاثْنَيْنِ وَالذَّكَر وَالْأُنْثَى فِيهِ وَاحِد , يُقَال مِنْهُ : أَجْنَب الرَّجُل وَجَنَّبَ وَاجْتَنَبَ وَالْفِعْل الْجَنَابَة وَالْإِجْنَاب , وَقَدْ سُمِعَ فِي جَمْعه أَجْنَاب , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسْتَفِيضِ الْفَاشِي فِي كَلَام الْعَرَب , بَلْ الْفَصِيح مِنْ كَلَامهمْ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ كُنْتُمْ جَرْحَى أَوْ مُجْدِرِينَ وَأَنْتُمْ جُنُب . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ عَلَى سَفَر } فَإِنَّهُ يَقُول : وَإِنْ كُنْتُمْ مُسَافِرِينَ وَأُنْتَمَ جُنُب .
يَقُول : أَوْ جَاءَ أَحَدكُمْ مِنْ الْغَائِط بَعْد قَضَاء حَاجَته فِيهِ وَهُوَ مُسَافِر ; وَإِنَّمَا عَنَى بِذِكْرِ مَجِيئِهِ مِنْهُ قَضَاء حَاجَته فِيهِ .
يَقُول : أَوْ جَامَعْتُمْ النِّسَاء وَأَنْتُمْ مُسَافِرُونَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي اللَّمْس وَبَيَّنَّا أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه تَكْرِير قَوْله : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاء } إِنْ كَانَ مَعْنَى اللَّمْس الْجِمَاع , وَقَدْ مَضَى ذِكْر الْوَاجِب عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } ؟ قِيلَ : وَجْه تَكْرِير ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ تَعَالَى مِنْ فَرْضه بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي أَلْزَمَهُ بِقَوْلِهِ : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاء } وَذَلِكَ أَنَّهُ بَيَّنَ حُكْمه فِي قَوْله : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } إِذَا كَانَ لَهُ السَّبِيل إِلَى الْمَاء الَّذِي يُطَهِّرهُ فَرْض عَلَيْهِ الِاغْتِسَال بِهِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمه إِذَا أَعْوَزَهُ الْمَاء فَلَمْ يَجِد إِلَيْهِ السَّبِيل وَهُوَ مُسَافِر غَيْر مَرِيض مُقِيم , فَأَعْلَمَهُ أَنَّ التَّيَمُّم بِالصَّعِيدِ لَهُ حِينَئِذٍ الطَّهُور .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة وَأَنْتُمْ مَرْضَى مُقِيمُونَ , أَوْ عَلَى سَفَر أَصِحَّاء , أَوْ قَدْ جَاءَ أَحَد مِنْكُمْ مِنْ قَضَاء حَاجَته , أَوْ جَامَعَ أَهْله فِي سَفَره - مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا , يَقُول : فَتَعَمَّدُوا وَاقْصِدُوا وَجْه الْأَرْض طَيِّبًا , يَعْنِي طَاهِرًا نَظِيفًا غَيْر قَذِر وَلَا نَجَس , جَائِزًا لَكُمْ حَلَالًا .
يَقُول : فَاضْرِبُوا بِأَيْدِيكُمْ الصَّعِيد الَّذِي تَيَمَّمْتُمُوهُ وَتَعَمَّدْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ , فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِمَّا عَلِقَ بِأَيْدِيكُمْ مِنْهُ , يَعْنِي : مِنْ الصَّعِيد الَّذِي ضَرَبْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ مِنْ تُرَابه وَغُبَاره . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى كَيْفَِيَّة الْمَسْح بِالْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي مِنْهُ وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ وَالْقَوْل فِي مَعْنَى الصَّعِيد وَالتَّيَمُّم , وَدَلَّلَنَا عَلَى الصَّحِيح مِنْ كُلّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرِيره فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا يُرِيد اللَّه لِيَجْعَل عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مَا يُرِيد اللَّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج } مَا يُرِيد اللَّه بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْوُضُوء إِذَا قُمْتُمْ إِلَى صَلَاتكُمْ , وَالْغُسْل مِنْ جَنَابَتكُمْ وَالتَّيَمُّم صَعِيدًا طَيِّبًا عِنْد عَدَمكُمْ الْمَاء , { لِيَجْعَل عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج } لِيُلْزِمكُمْ فِي دِينكُمْ مِنْ ضِيق , وَلَا لِيُعْنِتكُمْ فِيهِ . وَبِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْحَرَج , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9000 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ خَالِد بْن دِينَار , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , وَعَنْ أَبِي مُكَيْن , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { مِنْ حَرَج } قَالَا : مِنْ ضِيق . 9001 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مِنْ حَرَج } مِنْ ضِيق . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكِنْ يُرِيد لِيُطَهِّركُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَكِنْ يُرِيد لِيُطَهِّركُمْ } وَلَكِنَّ اللَّه يُرِيد أَنْ يُطَهِّركُمْ بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْوُضُوء مِنْ الْأَحْدَاث وَالْغُسْل مِنْ الْجَنَابَة , وَالتَّيَمُّم عِنْد عَدَم الْمَاء , فَتُنَظِّفُوا وَتُطَهِّرُوا بِذَلِكَ أَجْسَامكُمْ مِنْ الذُّنُوب . كَمَا : 9002 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , قَالَ : ثنا قَتَادَة عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْوُضُوء يُكَفِّر مَا قَبْله , ثُمَّ تَصِير الصَّلَاة نَافِلَة " . قَالَ : قُلْت : أَنْتَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , لَا مَرَّة , وَلَا مَرَّتَيْنِ , وَلَا ثَلَاث , وَلَا أَرْبَع , وَلَا خَمْس . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة صُدَيّ بْن عَجْلَان , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 9003 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَيَحْيَى بْن دَاوُد الْوَاسِطِيّ , قَالُوا : ثنا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد يَزرانبِه الْقُرَشِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا رَقَبَة بْن مِصْقَلَة الْعَبْدِيّ , عَنْ شِمْر بْن عَطِيَّة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوء ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة , خَرَجَتْ ذُنُوبه مِنْ سَمْعه وَبَصَره وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ " 9004 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ كَعْب بْن مُرَّة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ رَجُل يَتَوَضَّأ فَيَغْسِل وَجْهه إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهه , وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ أَوْ ذِرَاعَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ , فَإِذَا مَسَحَ رَأْسه خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسه , وَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رِجْلَيْهِ " 9005 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا حَاتِم , عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان , عَنْ أَبِي عُبَيْد مَوْلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَمْرو بْن عَبَسَة , أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إِذَا غَسَلَ الْمُؤْمِن كَفَّيْهِ اِنْتَثَرَتْ الْخَطَايَا مِنْ كَفَّيْهِ , وَإِذَا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ فِيهِ وَمَنْخِرَيْهِ , وَإِذَا غَسَلَ وَجْهه خَرَجَتْ مِنْ وَجْهه حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَشْفَار عَيْنَيْهِ , فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ , فَإِذَا مَسَحَ رَأْسه وَأُذُنَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ رَأْسه وَأُذُنَيْهِ , فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ حَتَّى تَخْرُج مِنْ أَظْفَار قَدَمَيْهِ , فَإِذَا اِنْتَهَى إِلَى ذَلِكَ مِنْ وُضُوئِهِ كَانَ ذَلِكَ حَظّه مِنْهُ , فَإِنْ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلًا فِيهِمَا بِوَجْهِهِ وَقَلْبه عَلَى رَبّه كَانَ مِنْ خَطَايَاهُ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمّه " 9006 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِك بْن أَنَس , عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْد الْمُسْلِم أَوْ الْمُؤْمِن فَغَسَلَ وَجْهه خَرَجَتْ مِنْ وَجْهه كُلّ خَطِيئَة نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاء , أَوْ مَعَ آخِر قَطْرَة مِنْ الْمَاء , أَوْ نَحْو هَذَا . وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلّ خَطِيئَة بَطَشَتْ بِهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاء , أَوْ مَعَ آخِر قَطْرَة مِنْ الْمَاء , حَتَّى يَخْرُج نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوب " 9007 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ حُمْرَان مَوْلَى عُثْمَان , قَالَ : أَتَيْت عُثْمَان بْن عَفَّان بِوَضُوءٍ وَهُوَ قَاعِد , فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا , ثُمَّ قَالَ : رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ كَوُضُوئِي هَذَا , ثُمَّ قَالَ : " مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا كَانَ مِنْ ذُنُوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه , وَكَانَتْ خُطَاهُ إِلَى الْمَسَاجِد نَافِلَة "
وَقَوْله : { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَيُرِيد رَبّكُمْ مَعَ تَطْهِيركُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْوُضُوء وَالْغُسْل إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة بِالْمَاءِ إِنْ وَجَدْتُمُوهُ , وَتَيَمُّمكُمْ إِذَا لَمْ تَجِدُوهُ , أَنْ يُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ بِإِبَاحَتِهِ لَكُمْ التَّيَمُّم , وَتَصْيِيره لَكُمْ الصَّعِيد الطَّيِّب طَهُورًا , رُخْصَة مِنْهُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَعَ سَائِر نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ .
يَقُول : تَشْكُرُونَ اللَّه عَلَى نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ .
وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالْعُقُودِ الَّتِي عَقَدْتُمُوهَا لِلَّهِ عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَاذْكُرُوا نِعْمَته عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكُمْ , بِأَنْ هَدَاكُمْ مِنْ الْعُقُود لِمَا فِيهِ الرِّضَا , وَوَفَّقَكُمْ لِمَا فِيهِ نَجَاتكُمْ مِنْ الضَّلَالَة وَالرَّدَى فِي نِعَم غَيْرهَا جَمَّة . كَمَا : 9008 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } قَالَ : النِّعَم : آلَاء اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاذْكُرُوا أَيْضًا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي نِعَم اللَّه الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , وَهُوَ عَهْده الَّذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمِيثَاق الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , أَيْ مَوَاثِيقه عَنَى ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ مِيثَاق اللَّه الَّذِي وَاثَقَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا , وَالْعَمَل بِكُلِّ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَرَسُوله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9009 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } الْآيَة , يَعْنِي : حَيْثُ بَعَثَ اللَّه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَاب , فَقَالُوا : آمَنَّا بِالنَّبِيِّ وَبِالْكِتَابِ , وَأَقْرَرْنَا بِمَا فِي التَّوْرَاة . فَذَكَّرَهُمْ اللَّه مِيثَاقه الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَأَمَرَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ . 9010 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } فَإِنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقنَا , فَقُلْنَا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا عَلَى الْإِيمَان وَالْإِقْرَار بِهِ وَبِرَسُولِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مِيثَاقه الَّذِي أَخَذَ عَلَى عِبَاده حِين أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْب آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ : أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ فَقَالُوا : بَلَى شَهِدْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9011 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ } قَالَ : الَّذِي وَاثَقَ بِهِ بَنِي آدَم فِي ظَهْر آدَم . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : قَوْل اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ : وَاذْكُرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ لِلْإِسْلَامِ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , يَعْنِي : وَعَهْده الَّذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ حِين بَايَعْتُمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة لَهُ فِي الْمَنْشَط وَالْمَكْرَه , وَالْعُسْر وَالْيُسْر , إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا مَا قُلْت لَنَا , وَأَخَذْت عَلَيْنَا مِنْ الْمَوَاثِيق وَأَطَعْنَاك فِيمَا أَمَرْتَنَا بِهِ وَنَهَيْتنَا عَنْهُ , وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا بِتَوْفِيقِكُمْ لِقَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ بِقَوْلِكُمْ لَهُ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , يَقُول : فَفُوا لِلَّهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , وَنِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ بِإِقْرَارِكُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ بِالسَّمْعِ لَهُ وَالطَّاعَة فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , يَفِ لَكُمْ بِمَا ضَمِنَ لَكُمْ الْوَفَاء بِهِ إِذَا أَنْتُمْ وَفَّيْتُمْ لَهُ بِمِيثَاقِهِ مِنْ إِتْمَام نِعْمَته عَلَيْكُمْ , وَبِإِدْخَالِكُمْ جَنَّته وَبِإِنْعَامِكُمْ بِالْخُلُودِ فِي دَار كَرَامَته , وَإِنْقَاذكُمْ مِنْ عِقَابه وَأَلِيم عَذَابه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْب آدَم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ بِعَقِبِ تَذْكِرَة الْمُؤْمِنِينَ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَ بِهِ أَهْل التَّوْرَاة بَعْد مَا أَنْزَلَ كِتَابه عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ فِيهَا , فَقَالَ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } الْآيَات بَعْدهَا مُنَبِّهًا بِذَلِكَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد عَلَى مَوَاضِع حُظُوظهمْ مِنْ الْوَفَاء لِلَّهِ بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ , وَمُعَرِّفهمْ سُوء عَاقِبَة أَهْل الْكِتَاب فِي تَضْيِيعهمْ مَا ضَيَّعُوا مِنْ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ فِي أَمْره وَنَهْيه , وَتَعْزِير أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ نَكْث عُهُودهمْ , فَيُحِلّ بِهِمْ مَا أَحَلَّ بِالنَّاكِثِينَ عُهُوده مِنْ أَهْل الْكِتَاب قَبْلهمْ , فَكَانَ إِذَا كَانَ الَّذِي ذَكَّرَهُمْ فَوَعَظَهُمْ بِهِ , وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَرْكَبُوا مِنْ الْفِعْل مِثْله مِيثَاق قَوْم أَخَذَ مِيثَاقهمْ بَعْد إِرْسَال الرَّسُول إِلَيْهِمْ , وَإِنْزَال الْكِتَاب عَلَيْهِمْ وَاجِبًا , أَنْ يَكُون الْحَال الَّتِي أَخَذَ فِيهَا الْمِيثَاق وَالْمَوْعُوظِينَ نَظِير حَال الَّذِينَ وُعِظُوا بِهِمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ بَيِّنًا صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَفَسَاد خِلَافه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } فَإِنَّهُ وَعِيد مِنْ اللَّه جَلَّ اِسْمه لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَطَافُوا بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابه , وَتَهْدِيدًا لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا مِيثَاق اللَّه الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ فِي رُسُله وَعَهْدهمْ الَّذِي عَاهَدُوهُ فِيهِ , بِأَنْ يُضْمِرُوا لَهُ خِلَاف مَا أَبْدَوْا لَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَخَافُوهُ أَنْ تُبَدِّلُوا عَهْده وَتَنْقُضُوا مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , أَوْ تُخَالِفُوا مَا ضَمِنْتُمْ لَهُ بِقَوْلِكُمْ : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , بِأَنْ تُضْمِرُوا لَهُ غَيْر الْوَفَاء بِذَلِكَ فِي أَنْفُسكُمْ , فَإِنَّ اللَّه مُطَّلِع عَلَى ضَمَائِر صُدُوركُمْ , وَعَالِم بِمَا تُخْفِيهِ نُفُوسكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ , فَيُحِلّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَته مَا لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ , كَاَلَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْيَهُود مِنْ الْمَسْخ وَصُنُوف النِّقَم , وَتَصِيرُوا فِي مَعَادكُمْ إِلَى سَخَط اللَّه وَأَلِيم عِقَابه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاذْكُرُوا أَيْضًا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي نِعَم اللَّه الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , وَهُوَ عَهْده الَّذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمِيثَاق الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , أَيْ مَوَاثِيقه عَنَى ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ مِيثَاق اللَّه الَّذِي وَاثَقَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا , وَالْعَمَل بِكُلِّ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَرَسُوله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9009 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } الْآيَة , يَعْنِي : حَيْثُ بَعَثَ اللَّه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَاب , فَقَالُوا : آمَنَّا بِالنَّبِيِّ وَبِالْكِتَابِ , وَأَقْرَرْنَا بِمَا فِي التَّوْرَاة . فَذَكَّرَهُمْ اللَّه مِيثَاقه الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَأَمَرَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ . 9010 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } فَإِنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقنَا , فَقُلْنَا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا عَلَى الْإِيمَان وَالْإِقْرَار بِهِ وَبِرَسُولِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مِيثَاقه الَّذِي أَخَذَ عَلَى عِبَاده حِين أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْب آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ : أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ فَقَالُوا : بَلَى شَهِدْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9011 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ } قَالَ : الَّذِي وَاثَقَ بِهِ بَنِي آدَم فِي ظَهْر آدَم . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : قَوْل اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ : وَاذْكُرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ لِلْإِسْلَامِ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , يَعْنِي : وَعَهْده الَّذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ حِين بَايَعْتُمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة لَهُ فِي الْمَنْشَط وَالْمَكْرَه , وَالْعُسْر وَالْيُسْر , إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا مَا قُلْت لَنَا , وَأَخَذْت عَلَيْنَا مِنْ الْمَوَاثِيق وَأَطَعْنَاك فِيمَا أَمَرْتَنَا بِهِ وَنَهَيْتنَا عَنْهُ , وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا بِتَوْفِيقِكُمْ لِقَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ بِقَوْلِكُمْ لَهُ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , يَقُول : فَفُوا لِلَّهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , وَنِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ بِإِقْرَارِكُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ بِالسَّمْعِ لَهُ وَالطَّاعَة فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , يَفِ لَكُمْ بِمَا ضَمِنَ لَكُمْ الْوَفَاء بِهِ إِذَا أَنْتُمْ وَفَّيْتُمْ لَهُ بِمِيثَاقِهِ مِنْ إِتْمَام نِعْمَته عَلَيْكُمْ , وَبِإِدْخَالِكُمْ جَنَّته وَبِإِنْعَامِكُمْ بِالْخُلُودِ فِي دَار كَرَامَته , وَإِنْقَاذكُمْ مِنْ عِقَابه وَأَلِيم عَذَابه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْب آدَم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ بِعَقِبِ تَذْكِرَة الْمُؤْمِنِينَ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَ بِهِ أَهْل التَّوْرَاة بَعْد مَا أَنْزَلَ كِتَابه عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ فِيهَا , فَقَالَ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } الْآيَات بَعْدهَا مُنَبِّهًا بِذَلِكَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد عَلَى مَوَاضِع حُظُوظهمْ مِنْ الْوَفَاء لِلَّهِ بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ , وَمُعَرِّفهمْ سُوء عَاقِبَة أَهْل الْكِتَاب فِي تَضْيِيعهمْ مَا ضَيَّعُوا مِنْ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ فِي أَمْره وَنَهْيه , وَتَعْزِير أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ نَكْث عُهُودهمْ , فَيُحِلّ بِهِمْ مَا أَحَلَّ بِالنَّاكِثِينَ عُهُوده مِنْ أَهْل الْكِتَاب قَبْلهمْ , فَكَانَ إِذَا كَانَ الَّذِي ذَكَّرَهُمْ فَوَعَظَهُمْ بِهِ , وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَرْكَبُوا مِنْ الْفِعْل مِثْله مِيثَاق قَوْم أَخَذَ مِيثَاقهمْ بَعْد إِرْسَال الرَّسُول إِلَيْهِمْ , وَإِنْزَال الْكِتَاب عَلَيْهِمْ وَاجِبًا , أَنْ يَكُون الْحَال الَّتِي أَخَذَ فِيهَا الْمِيثَاق وَالْمَوْعُوظِينَ نَظِير حَال الَّذِينَ وُعِظُوا بِهِمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ بَيِّنًا صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَفَسَاد خِلَافه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } فَإِنَّهُ وَعِيد مِنْ اللَّه جَلَّ اِسْمه لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَطَافُوا بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابه , وَتَهْدِيدًا لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا مِيثَاق اللَّه الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ فِي رُسُله وَعَهْدهمْ الَّذِي عَاهَدُوهُ فِيهِ , بِأَنْ يُضْمِرُوا لَهُ خِلَاف مَا أَبْدَوْا لَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَخَافُوهُ أَنْ تُبَدِّلُوا عَهْده وَتَنْقُضُوا مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , أَوْ تُخَالِفُوا مَا ضَمِنْتُمْ لَهُ بِقَوْلِكُمْ : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , بِأَنْ تُضْمِرُوا لَهُ غَيْر الْوَفَاء بِذَلِكَ فِي أَنْفُسكُمْ , فَإِنَّ اللَّه مُطَّلِع عَلَى ضَمَائِر صُدُوركُمْ , وَعَالِم بِمَا تُخْفِيهِ نُفُوسكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ , فَيُحِلّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَته مَا لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ , كَاَلَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْيَهُود مِنْ الْمَسْخ وَصُنُوف النِّقَم , وَتَصِيرُوا فِي مَعَادكُمْ إِلَى سَخَط اللَّه وَأَلِيم عِقَابه .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد , لِيَكُنْ مِنْ أَخْلَاقكُمْ وَصِفَاتكُمْ الْقِيَام لِلَّهِ , شُهَدَاء بِالْعَدْلِ فِي أَوْلِيَائِكُمْ وَأَعْدَائِكُمْ , وَلَا تَجُورُوا فِي أَحْكَامكُمْ وَأَفْعَالكُمْ , فَتُجَاوِزُوا مَا حَدَّدْت لَكُمْ فِي أَعْدَائِكُمْ لِعَدَوَاتِهِمْ لَكُمْ , وَلَا تُقَصِّرُوا فِيمَا حَدَّدْت لَكُمْ مِنْ أَحْكَامِي وَحُدُودِي فِي أَوْلِيَائِكُمْ لِوِلَايَتِهِمْ , وَلَكِنْ اِنْتَهُوا فِي جَمِيعهمْ إِلَى حَدِّي , وَاعْمَلُوا فِيهِ بِأَمْرِي .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَنْ لَا تَعْدِلُوا } فَإِنَّهُ يَقُول : وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَة قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا فِي حُكْمكُمْ فِيهِمْ وَسِيرَتكُمْ بَيْنهمْ , فَتَجُورُوا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْل مَا بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ } وَفِي قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي قِرَاءَة ذَلِكَ وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل فِيهِ وَالْقِرَاءَة بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة عَلَى صِحَّته بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين هَمَّتْ الْيَهُود بِقَتْلِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9012 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعَدِلُوا هُوَ أَقْرَب لِلتَّقْوَى } نَزَلَتْ فِي يَهُود خَيْبَر , أَرَادُوا قَتْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : ذَهَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَهُود يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَة , فَهَمُّوا أَنْ يَقْتُلُوهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا } الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِعْدِلُوا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { اِعْدِلُوا } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى كُلّ أَحَد مِنْ النَّاس وَلِيًّا لَكُمْ كَانَ أَوْ عَدُوًّا , فَاحْمِلُوهُمْ عَلَى مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَحْمِلُوهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِي , وَلَا تَجُورُوا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { هُوَ أَقْرَب لِلتَّقْوَى } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : هُوَ الْعَدْل عَلَيْهِمْ أَقْرَب لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى التَّقْوَى , يَعْنِي : إِلَى أَنْ تَكُونُوا عِنْد اللَّه بِاسْتِعْمَالِكُمْ إِيَّاهُ مِنْ أَهْل التَّقْوَى , وَهُمْ أَهْل الْخَوْف وَالْحَذَر مِنْ اللَّه أَنْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْء مِنْ أَمْره , أَوْ يَأْتُوا شَيْئًا مِنْ مَعَاصِيه . وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْعَدْل بِمَا وَصَفَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَقْرَب لِلتَّقْوَى مِنْ الْجَوْر ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَادِلًا كَانَ لِلَّهِ بِعَدْلِهِ مُطِيعًا , وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا كَانَ لَا شَكّ مِنْ أَهْل التَّقْوَى , وَمَنْ كَانَ جَائِرًا كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا , وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا كَانَ بَعِيدًا مِنْ تَقْوَاهُ . وَإِنَّمَا كَنَّى بِقَوْلِهِ : { هُوَ أَقْرَب } عَنْ الْفِعْل , وَالْعَرَب تَكُنِّي عَنْ الْأَفْعَال إِذَا كَنَّتْ عَنْهَا بِ " هُوَ " وَبِ " ذَلِكَ " , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَهُوَ خَيْر لَكُمْ } { وَذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ } وَلِمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام " هُوَ " لَكَانَ أَقْرَب " نَصْبًا " , وَلَقِيلَ : اِعْدِلُوا أَقْرَب لِلتَّقْوَى , كَمَا قِيلَ : { اِنْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ }
وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاحْذَرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَجُورُوا فِي عِبَاده , فَتُجَاوِزُوا فِيهِمْ حُكْمه وَقَضَاءَهُ الَّذِينَ بَيَّنَ لَكُمْ , فَيُحِلّ بِكُمْ عُقُوبَته , وَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ أَلِيم نَكَاله .
يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو خِبْرَة وَعِلْم بِمَا تَعْمَلُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ عَمَل بِهِ أَوْ خِلَاف لَهُ , مُحْصٍ ذَلِكُمْ عَلَيْكُمْ كُلّه , حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمْ الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , فَاتَّقُوا أَنْ تُسِيئُوا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَنْ لَا تَعْدِلُوا } فَإِنَّهُ يَقُول : وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَة قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا فِي حُكْمكُمْ فِيهِمْ وَسِيرَتكُمْ بَيْنهمْ , فَتَجُورُوا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْل مَا بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ } وَفِي قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي قِرَاءَة ذَلِكَ وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل فِيهِ وَالْقِرَاءَة بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة عَلَى صِحَّته بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين هَمَّتْ الْيَهُود بِقَتْلِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9012 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعَدِلُوا هُوَ أَقْرَب لِلتَّقْوَى } نَزَلَتْ فِي يَهُود خَيْبَر , أَرَادُوا قَتْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : ذَهَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَهُود يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَة , فَهَمُّوا أَنْ يَقْتُلُوهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا } الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِعْدِلُوا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { اِعْدِلُوا } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى كُلّ أَحَد مِنْ النَّاس وَلِيًّا لَكُمْ كَانَ أَوْ عَدُوًّا , فَاحْمِلُوهُمْ عَلَى مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَحْمِلُوهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِي , وَلَا تَجُورُوا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { هُوَ أَقْرَب لِلتَّقْوَى } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : هُوَ الْعَدْل عَلَيْهِمْ أَقْرَب لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى التَّقْوَى , يَعْنِي : إِلَى أَنْ تَكُونُوا عِنْد اللَّه بِاسْتِعْمَالِكُمْ إِيَّاهُ مِنْ أَهْل التَّقْوَى , وَهُمْ أَهْل الْخَوْف وَالْحَذَر مِنْ اللَّه أَنْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْء مِنْ أَمْره , أَوْ يَأْتُوا شَيْئًا مِنْ مَعَاصِيه . وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْعَدْل بِمَا وَصَفَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَقْرَب لِلتَّقْوَى مِنْ الْجَوْر ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَادِلًا كَانَ لِلَّهِ بِعَدْلِهِ مُطِيعًا , وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا كَانَ لَا شَكّ مِنْ أَهْل التَّقْوَى , وَمَنْ كَانَ جَائِرًا كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا , وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا كَانَ بَعِيدًا مِنْ تَقْوَاهُ . وَإِنَّمَا كَنَّى بِقَوْلِهِ : { هُوَ أَقْرَب } عَنْ الْفِعْل , وَالْعَرَب تَكُنِّي عَنْ الْأَفْعَال إِذَا كَنَّتْ عَنْهَا بِ " هُوَ " وَبِ " ذَلِكَ " , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَهُوَ خَيْر لَكُمْ } { وَذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ } وَلِمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام " هُوَ " لَكَانَ أَقْرَب " نَصْبًا " , وَلَقِيلَ : اِعْدِلُوا أَقْرَب لِلتَّقْوَى , كَمَا قِيلَ : { اِنْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ }
وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاحْذَرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَجُورُوا فِي عِبَاده , فَتُجَاوِزُوا فِيهِمْ حُكْمه وَقَضَاءَهُ الَّذِينَ بَيَّنَ لَكُمْ , فَيُحِلّ بِكُمْ عُقُوبَته , وَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ أَلِيم نَكَاله .
يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو خِبْرَة وَعِلْم بِمَا تَعْمَلُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ عَمَل بِهِ أَوْ خِلَاف لَهُ , مُحْصٍ ذَلِكُمْ عَلَيْكُمْ كُلّه , حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمْ الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , فَاتَّقُوا أَنْ تُسِيئُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } وَعَدَ اللَّه أَيّهَا النَّاس الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ , وَعَمِلُوا بِمَا وَاثَقَهُمْ اللَّه بِهِ , وَأَوْفَوْا بِالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدَهُمْ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِمْ : لَنَسْمَعَنَّ وَلَنُطِيعَنَّ اللَّه وَرَسُوله . فَسَمِعُوا أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَأَطَاعُوهُ فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ , وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَهُمْ مَغْفِرَة } لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَفُّوا بِالْعُقُودِ وَالْمِيثَاق الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ رَبّهمْ مَغْفِرَة وَهِيَ سَتْر ذُنُوبهمْ السَّالِفَة مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ , وَتَغْطِيَتهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا , وَتَرْكه عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا وَفَضِيحَتهمْ بِهَا . { وَأَجْر عَظِيم } يَقُول : وَلَهُمْ مَعَ عَفْوه لَهُمْ عَنْ ذُنُوبهمْ السَّالِفَة مِنْهُمْ جَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا وَوَفَائِهِمْ بِالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدُوا رَبّهمْ عَلَيْهَا أَجْر عَظِيم , وَالْعَظِيم مِنْ خَيْر غَيْر مَحْدُود مَبْلَغه وَلَا يُعْرَف مُنْتَهَاهُ غَيْره تَعَالَى ذِكْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , وَلَمْ يُخْبِر بِمَا وَعَدَهُمْ , فَأَيْنَ الْخَبَر عَنْ الْمَوْعُود ؟ قِيلَ : بَلَى , إِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } الْمَوْعُود , وَالْمَوْعُود هُوَ قَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ قَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } خَبَر مُبْتَدَأ , وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَوْعُود لَقِيلَ : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا , وَلَمْ يُدْخِل فِي ذَلِكَ " لَهُمْ " , وَفِي دُخُول ذَلِكَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى اِبْتِدَاء الْكَلَام , وَانْقِضَاء الْخَبَر عَنْ الْوَعْد ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِره مَا ذَكَرْت فَإِنَّهُ مِمَّا اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَى مَا بَطَنَ مِنْ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْر بَعْض قَدْ تَرَكَ ذِكْره فِيهِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أَنْ يَغْفِر لَهُمْ , وَيَأْجُرهُمْ أَجْرًا عَظِيمًا ; لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب أَنْ يُصْحِبُوا " الْوَعْد " " أَنَّ " يُعْمِلُوهُ فِيهَا , فَتُرِكَتْ " أَنَّ " إِذْ كَانَ الْوَعْد قَوْلًا , وَمِنْ شَأْن الْقَوْل أَنْ يَكُون مَا بَعْده مِنْ جُمَل الْأَخْبَار مُبْتَدَأ وَذَكَرَ بَعْده جُمْلَة الْخَبَر اِجْتِزَاء بِدَلَالَةِ ظَاهِر الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ وَصَرْفًا لِلْوَعْدِ الْمُوَافِق لِلْقَوْلِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لِلَفْظِهِ مُخَالِفًا إِلَى مَعْنَاهُ , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : قَالَ اللَّه لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : إِنَّمَا قِيلَ : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } الْوَعْد الَّذِي وُعِدُوا , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى تَأْوِيل قَائِل هَذَا الْقَوْل : وَعَدَ اللَّه الَّذِي آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } الْمَوْعُود , وَالْمَوْعُود هُوَ قَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ قَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } خَبَر مُبْتَدَأ , وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَوْعُود لَقِيلَ : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا , وَلَمْ يُدْخِل فِي ذَلِكَ " لَهُمْ " , وَفِي دُخُول ذَلِكَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى اِبْتِدَاء الْكَلَام , وَانْقِضَاء الْخَبَر عَنْ الْوَعْد ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِره مَا ذَكَرْت فَإِنَّهُ مِمَّا اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَى مَا بَطَنَ مِنْ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْر بَعْض قَدْ تَرَكَ ذِكْره فِيهِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أَنْ يَغْفِر لَهُمْ , وَيَأْجُرهُمْ أَجْرًا عَظِيمًا ; لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب أَنْ يُصْحِبُوا " الْوَعْد " " أَنَّ " يُعْمِلُوهُ فِيهَا , فَتُرِكَتْ " أَنَّ " إِذْ كَانَ الْوَعْد قَوْلًا , وَمِنْ شَأْن الْقَوْل أَنْ يَكُون مَا بَعْده مِنْ جُمَل الْأَخْبَار مُبْتَدَأ وَذَكَرَ بَعْده جُمْلَة الْخَبَر اِجْتِزَاء بِدَلَالَةِ ظَاهِر الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ وَصَرْفًا لِلْوَعْدِ الْمُوَافِق لِلْقَوْلِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لِلَفْظِهِ مُخَالِفًا إِلَى مَعْنَاهُ , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : قَالَ اللَّه لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : إِنَّمَا قِيلَ : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } الْوَعْد الَّذِي وُعِدُوا , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى تَأْوِيل قَائِل هَذَا الْقَوْل : وَعَدَ اللَّه الَّذِي آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } وَاَلَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَنَقَضُوا مِيثَاقه وَعُقُوده الَّتِي عَاقَدُوهَا إِيَّاهُ .
يَقُول : وَكَذَّبُوا بِأَدِلَّةِ اللَّه وَحُجَجه الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُل وَغَيْرهَا .
يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ أَهْل الْجَحِيم , يَعْنِي : أَهْل النَّار الَّذِينَ يَخْلُدُونَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا .
يَقُول : وَكَذَّبُوا بِأَدِلَّةِ اللَّه وَحُجَجه الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُل وَغَيْرهَا .
يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ أَهْل الْجَحِيم , يَعْنِي : أَهْل النَّار الَّذِينَ يَخْلُدُونَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أَقِرُّوا بِتَوْحِيدِ اللَّه وَرِسَالَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ . { اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } اُذْكُرُوا النِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه بِهَا عَلَيْكُمْ , فَاشْكُرُوهُ عَلَيْهَا بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , وَالْعُقُود الَّتِي عَاقَدْتُمْ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا . ثُمَّ وَصَفَ نِعْمَته الَّتِي أَمَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا مَعَ سَائِر نِعَمه , فَقَالَ : هِيَ كَفُّهُ عَنْكُمْ أَيْدِي الْقَوْم الَّذِينَ هَمُّوا بِالْبَطْشِ بِكُمْ , فَصَرَفَهُمْ عَنْكُمْ , وَحَالَ بَيْنهمْ وَبَيْن مَا أَرَادُوهُ بِكُمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة هَذِهِ النِّعْمَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْحَاب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَأَمَرَهُمْ بِالشُّكْرِ لَهُ عَلَيْهَا . فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْتِنْقَاذ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِمَّا كَانَتْ الْيَهُود مِنْ بَنِي النَّضِير هَمُّوا بِهِ يَوْم أَتَوْهُمْ يَسْتَحْمِلُونَهُمْ دِيَة الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9013 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , قَالَا : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي النَّضِير لِيَسْتَعِينَهُمْ عَلَى دِيَة الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ ; فَلَمَّا جَاءَهُمْ خَلَا بَعْضهمْ بِبَعْضِ , فَقَالُوا : إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا مُحَمَّدًا أَقْرَب مِنْهُ الْآن , فَمُرُوا رَجُلًا يَظْهَر عَلَى هَذَا الْبَيْت فَيَطْرَح عَلَيْهِ صَخْرَة فَيُرِيحنَا مِنْهُ ! فَقَامَ عَمْرو بْن جَحَّاش بْن كَعْب . فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَر , وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِيهِمْ وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وَقَوْمه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } الْآيَة 9014 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } قَالَ الْيَهُود : دَخَلَ عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لَهُمْ , وَأَصْحَابه مِنْ وَرَاء جِدَاره , فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَم دِيَة غَرِمَهَا , ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدهمْ , فَائْتَمَرُوا بَيْنهمْ بِقَتْلِهِ , فَخَرَجَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى يَنْظُر إِلَيْهِمْ , ثُمَّ دَعَا أَصْحَابه رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامُّوا إِلَيْهِ * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } يَهُود حِين دَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لَهُمْ , وَأَصْحَابه مِنْ وَرَاء جِدَار لَهُمْ , فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَم فِي دِيَة غَرِمَهَا , ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدهمْ , فَائْتَمَرُوا بَيْنهمْ بِقَتْلِهِ , فَخَرَجَ يَمْشِي مُعْتَرِضًا يَنْظُر إِلَيْهِمْ خِيفَتهمْ , ثُمَّ دَعَا أَصْحَابه رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامُّوا إِلَيْهِ . قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّه وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } 9015 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني أَبُو مَعْشَر , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِير يَسْتَعِينهُمْ فِي عَقْل أَصَابَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ فَقَالَ : " أَعِينُونِي فِي عَقْل أَصَابَنِي ! " فَقَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِم , قَدْ آنَ لَك أَنْ تَأْتِينَا وَتَسْأَلنَا حَاجَة , اِجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمك وَنُعْطِيك الَّذِي تَسْأَلنَا ! فَجَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَنْتَظِرُونَهُ , وَجَاءَ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَهُوَ رَأْس الْقَوْم , وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ , فَقَالَ حُيَيّ لِأَصْحَابِهِ : لَا تَرَوْنَهُ أَقْرَب مِنْهُ الْآن , اِطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَة فَاقْتُلُوهُ وَلَا تَرَوْنَ شَرًّا أَبَدًا ! فَجَاءُوا إِلَى رَحًى لَهُمْ عَظِيمَة لِيَطْرَحُوهَا عَلَيْهِ , فَأَمْسَكَ اللَّه عَنْهَا أَيْدِيهمْ , حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيل فَأَقَامَهُ مِنْ ثَمَّ , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّه وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } , فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَادُوا بِهِ 9016 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } الْآيَة , قَالَ : يَهُود دَخَلَ عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا , فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَم غَرِمَهُ , فَائْتَمَرُوا بَيْنهمْ بِقَتْلِهِ , فَقَامَ مِنْ عِنْدهمْ , فَخَرَجَ مُعْتَرِضًا يَنْظُر إِلَيْهِمْ خِيفَتهمْ , ثُمَّ دَعَا أَصْحَابه رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامُّوا إِلَيْهِ 9017 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِر بْن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ أَحَد بَنِي النَّجَّار وَهُوَ أَحَد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعَقَبَة , فَبَعَثَهُ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار . فَخَرَجُوا , فَلَقُوا عَامِر بْن الطُّفَيْل بْن مَالِك بْن جَعْفَر عَلَى بِئْر مَعُونَة , وَهِيَ مِنْ مِيَاه بَنِي عَامِر , فَاقْتَتَلُوا , فَقُتِلَ الْمُنْذِر وَأَصْحَابه إِلَّا ثَلَاثَة نَفَر كَانُوا فِي طَلَب ضَالَّة لَهُمْ , فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَالطَّيْر تَحُوم فِي السَّمَاء , يَسْقُط مِنْ بَيْن خَرَاطِيمهَا عَلَقُ الدَّم , فَقَالَ أَحَد النَّفَر : قُتِلَ أَصْحَابنَا وَالرَّحْمَن ! ثُمَّ تَوَلَّى يَشْتَدّ حَتَّى لَقِيَ رَجُلًا , فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ , فَلَمَّا خَالَطَتْهُ الضَّرْبَة , رَفَعَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّه أَكْبَر , الْجَنَّة وَرَبّ الْعَالَمِينَ ! فَكَانَ يُدْعَى " أَعْنَق لِيَمُوتَ " . وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ , فَلَقِيَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْم , وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن قَوْمهمَا مُوَادَعَة , فَانْتَسَبَا لَهُمَا إِلَى بَنِي عَامِر , فَقَتَلَاهُمَا . وَقَدِمَ قَوْمهمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُونَ الدِّيَة , فَخَرَجَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَطَلْحَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , حَتَّى دَخَلُوا إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف وَيَهُود بَنِي النَّضِير , فَاسْتَعَانَهُمْ فِي عَقْلهمَا . قَالَ : فَاجْتَمَعَتْ الْيَهُود لِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَاعْتَلُّوا بِصَنِيعَةِ الطَّعَام , فَأَتَاهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاَلَّذِي اِجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ يَهُود مِنْ الْغَدْر , فَخَرَجَ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا , فَقَالَ : " لَا تَبْرَح مَقَامك , فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْك مِنْ أَصْحَابِي فَسَأَلَك عَنِّي فَقُلْ وَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَة فَأَدْرِكُوهُ ! " قَالَ : فَجَعَلُوا يَمُرُّونَ عَلَى عَلِيّ , فَيَأْمُرهُمْ بِاَلَّذِي أَمَرَهُ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ آخِرهمْ , ثُمَّ تَبِعَهُمْ ; فَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } 9018 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي كَعْب بْن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه , حِين أَرَادُوا أَنْ يَغْدِرُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ النِّعْمَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه بِالشُّكْرِ لَهُ عَلَيْهَا , أَنَّ الْيَهُود كَانَتْ هَمَّتْ بِقَتْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَعَام دَعَوْهُ إِلَيْهِ , فَأَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مَا هَمُّوا بِهِ , فَانْتَهَى هُوَ وَأَصْحَابه عَنْ إِجَابَتهمْ إِلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9019 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } إِلَى قَوْله : { فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْيَهُود صَنَعُوا لِرَسُولِ اللَّه وَأَصْحَابه طَعَامًا لِيَقْتُلُوهُ إِذَا أَتَى الطَّعَام , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ بِشَأْنِهِمْ , فَلَمْ يَأْتِ الطَّعَام وَأَمَرَ أَصْحَابه فَأَبَوْهُ وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ النِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاطِّلَاعِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا هَمَّ بِهِ عَدُوّهُ وَعَدُوّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَطْن نَخْل مِنْ اِغْتِرَارهمْ إِيَّاهُمْ , وَالْإِيقَاع بِهِمْ إِذَا هُمْ اِشْتَغَلُوا عَنْهُمْ بِصَلَاتِهِمْ , فَسَجَدُوا فِيهَا , وَتَعْرِيفه نَبِيّه الْحِذَار مِنْ عَدُوّهُ فِي صَلَاته بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ صَلَاة الْخَوْف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9020 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَطْنِ نَخْل فِي الْغَزْوَة السَّابِعَة , فَأَرَادَ بَنُو ثَعْلَبَة وَبَنُو مُحَارِب أَنْ يَفْتِكُوا بِهِ , فَأَطْلَعَهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا اُنْتُدِبَ لِقَتْلِهِ , فَأَتَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيْفه مَوْضُوع , فَقَالَ : آخُذهُ يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : " خُذْهُ " قَالَ : أَسْتَلَّهُ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ! " فَسَلَّهُ , فَقَالَ : مَنْ يَمْنَعك مِنِّي ؟ قَالَ : " اللَّه يَمْنَعنِي مِنْك " . فَهَدَّدَهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَغْلَظُوا لَهُ الْقَوْل , فَشَامَ السَّيْف , وَأَمَرَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه بِالرَّحِيلِ , فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ صَلَاة الْخَوْف عِنْد ذَلِكَ . 9021 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , ذَكَرَهُ عَنْ اِبْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ جَابِر : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ مَنْزِلًا , وَتَفَرَّقَ النَّاس فِي الْعِضَاه يَسْتَظِلُّونَ تَحْتهَا , فَعَلَّقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلَاحه بِشَجَرَةٍ , فَجَاءَ أَعْرَابِيّ إِلَى سَيْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ فَسَلَّهُ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : مَنْ يَمْنَعك مِنِّي ؟ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " اللَّه " , فَشَامَ الْأَعْرَابِيّ السَّيْف , فَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه , فَأَخْبَرَهُمْ خَبَر الْأَعْرَابِيّ وَهُوَ جَالِس إِلَى جَنْبه لَمْ يُعَاقِبهُ . قَالَ مَعْمَر : وَكَانَ قَتَادَة يَذْكُر نَحْو هَذَا , وَذُكِرَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْعَرَب أَرَادُوا أَنْ يَفْتِكُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَرْسَلُوا هَذَا الْأَعْرَابِيّ . وَتَأَوَّلَ : { اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } الْآيَة وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصِّحَّةِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه بِالنِّعْمَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة نِعْمَته عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ , الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي اِسْتِنْقَاذه نَبِيّهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِمَّا كَانَتْ يَهُود بَنِي النَّضِير هَمَّتْ بِهِ مِنْ قَتْله وَقَتْل مَنْ مَعَهُ يَوْم سَارَ إِلَيْهِمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّيَة الَّتِي كَانَ تَحَمَّلَهَا عَنْ قَتِيلَيْ عَمْرو بْن أُمَيَّة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه عَقَّبَ ذِكْر ذَلِكَ بِرَمْيِ الْيَهُود بِصَنَائِعِهَا وَقَبِيح أَفْعَالهَا وَخِيَانَتهَا رَبّهَا وَأَنْبِيَاءَهَا . ثُمَّ أَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَالصَّفْح عَنْ عَظِيم جَهْلهمْ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْمَر بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَالصَّفْح عَقِيب قَوْله : { إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } وَمَنْ غَيْرهمْ كَانَ يَبْسُط الْأَيْدِي إِلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ الْأَيْدِي إِلَيْهِمْ غَيْرهمْ لَكَانَ حَرِيًّا أَنْ يَكُون الْأَمْر بِالْعَفْوِ وَالصَّفْح عَنْهُمْ لَا عَمَّنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمْ بِذَلِكَ ذِكْرٌ , وَلَكَانَ الْوَصْف بِالْخِيَانَةِ فِي وَصْفهمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع لَا فِي وَصْف مَنْ لَمْ يَجْرِ لِخِيَانَتِهِ ذِكْر , فَفِي ذَلِكَ مَا يُنْبِئ عَنْ صِحَّة مَا قَضَيْنَا لَهُ بِالصِّحَّةِ مِنْ التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ دُون مَا خَالَفَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاحْذَرُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ أَنْ تَنْقُضُوا الْمِيثَاق الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ فَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ الْعِقَاب الَّذِي لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ .
يَقُول : وَإِلَى اللَّه فَلْيُلْقِ أَزِمَّة أُمُورهمْ , وَيَسْتَسْلِم لِقَضَائِهِ , وَيَثِق بِنُصْرَتِهِ وَعَوْنه , الْمُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَرِسَالَة رَسُوله , الْعَامِلُونَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيه , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَال دِينهمْ وَتَمَام إِيمَانهمْ , وَأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَلَأَهُمْ وَرَعَاهُمْ وَحَفِظَهُمْ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ , كَمَا حَفِظَكُمْ وَدَافَعَ عَنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْط أَيْدِيهمْ إِلَيْكُمْ , كِلَاءَة مِنْهُ لَكُمْ , إِذْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ دُون غَيْره , فَإِنَّ غَيْره لَا يُطِيق دَفْع سُوء أَرَادَ بِكُمْ رَبّكُمْ وَلَا اِجْتِلَاب نَفْع لَكُمْ لَمْ يَقْضِهِ لَكُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاحْذَرُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ أَنْ تَنْقُضُوا الْمِيثَاق الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ فَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ الْعِقَاب الَّذِي لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ .
يَقُول : وَإِلَى اللَّه فَلْيُلْقِ أَزِمَّة أُمُورهمْ , وَيَسْتَسْلِم لِقَضَائِهِ , وَيَثِق بِنُصْرَتِهِ وَعَوْنه , الْمُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَرِسَالَة رَسُوله , الْعَامِلُونَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيه , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَال دِينهمْ وَتَمَام إِيمَانهمْ , وَأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَلَأَهُمْ وَرَعَاهُمْ وَحَفِظَهُمْ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ , كَمَا حَفِظَكُمْ وَدَافَعَ عَنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْط أَيْدِيهمْ إِلَيْكُمْ , كِلَاءَة مِنْهُ لَكُمْ , إِذْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ دُون غَيْره , فَإِنَّ غَيْره لَا يُطِيق دَفْع سُوء أَرَادَ بِكُمْ رَبّكُمْ وَلَا اِجْتِلَاب نَفْع لَكُمْ لَمْ يَقْضِهِ لَكُمْ
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } وَهَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ إِعْلَامًا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , أَخْلَاق الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهمْ إِلَيْهِمْ مِنْ الْيَهُود . كَاَلَّذِي : 9022 - حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : الْيَهُود مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَأَنَّ الَّذِي هَمُّوا بِهِ مِنْ الْغَدْر وَنَقْضِ الْعَهْد الَّذِي بَيْنهمْ وَبَيْنه مِنْ صِفَاتهمْ وَصِفَات أَوَائِلهمْ وَأَخْلَاقهمْ وَأَخْلَاق أَسْلَافهمْ قَدِيمًا , وَاحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَهُود بِإِطْلَاعِهِ إِيَّاهُ عَلَى مَا كَانَ عِلْمُهُ عِنْدهمْ دُون الْعَرَب مِنْ خَفِيّ أُمُورهمْ وَمَكْنُون عُلُومهمْ , وَتَوْبِيخًا لِلْيَهُودِ فِي تَمَادِيهِمْ فِي الْغَيّ , وَإِصْرَارهمْ عَلَى الْكُفْر مَعَ عِلْمهمْ بِخَطَإٍ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ . يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَسْتَعْظِمُوا أَمْر الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهمْ إِلَيْكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود بِمَا هَمُّوا بِهِ لَكُمْ , وَلَا أَمْر الْغَدْر الَّذِي حَاوَلُوهُ وَأَرَادُوهُ بِكُمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْلَاق أَوَائِلهمْ وَأَسْلَافهمْ , لَا يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مِنْهَاج أَوَّلهمْ وَطَرِيق سَلَفهمْ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَزَّ ذِكْره عَنْ بَعْض غَدَرَاتهمْ وَخِيَانَاتهمْ وَجَرَاءَتهمْ عَلَى رَبّهمْ وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ الَّذِي وَاثَقَهُمْ عَلَيْهِ بَارِئُهُمْ , مَعَ نِعَمه الَّتِي خَصَّهُمْ بِهَا , وَكَرَامَاته الَّتِي طَوَّقَهُمْ شُكْرهَا , فَقَالَ : وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق مَنْ سَلَفَ مِمَّنْ هَمَّ بِبَسْطِ يَده إِلَيْكُمْ مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ لَهُ بِعُهُودِهِ وَطَاعَته فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ كَمَا : 9023 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : أَخَذَ اللَّه مَوَاثِيقهمْ أَنْ يُخْلِصُوا لَهُ وَلَا يَعْبُدُوا غَيْره .
يَعْنِي بِذَلِكَ : وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر كَفِيلًا , كَفَلُوا عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ لِلَّهِ بِمَا وَاثَقُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُهُود فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَفِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ . وَالنَّقِيب فِي كَلَام الْعَرَب , كَالْعَرِيفِ عَلَى الْقَوْم , غَيْر أَنَّهُ فَوْق الْعَرِيف , يُقَال مِنْهُ : نَقَبَ فُلَان عَلَى بَنِي فُلَان فَهُوَ يَنْقُب نَقْبًا , فَإِذَا أُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَقِيبًا فَصَارَ نَقِيبًا , قِيلَ : قَدْ نَقُبَ فَهُوَ يَنْقُب نَقَابَة , وَمِنْ الْعَرِيف : عَرُفَ عَلَيْهِمْ يَعْرُف عِرَافَة . فَأَمَّا الْمَنَاكِب فَإِنَّهُمْ كَالْأَعْوَانِ يَكُونُونَ مَعَ الْعُرَفَاء , وَاحِدهمْ مَنْكِب . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ يَقُول : هُوَ الْأَمِين الضَّامِن عَلَى الْقَوْم . فَأَمَّا أَهْل التَّأْوِيل فَإِنَّهُمْ قَدْ اِخْتَلَفُوا بَيْنهمْ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الشَّاهِد عَلَى قَوْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9024 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط رَجُل شَاهِد عَلَى قَوْمه . وَقَالَ آخَرُونَ : النَّقِيب : الْأَمِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9025 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : النُّقَبَاء : الْأُمَنَاء . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَإِنَّمَا كَانَ اللَّه أَمَرَ مُوسَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثِهِ النُّقَبَاء الِاثْنَيْ عَشَر مِنْ قَوْمه بَنِي إِسْرَائِيل إِلَى أَرْض الْجَبَابِرَة بِالشَّامِ لِيَتَجَسَّسُوا لِمُوسَى أَخْبَارهمْ إِذْ أَرَادَ هَلَاكهمْ , وَأَنْ يُورِث أَرْضهمْ وَدِيَارهمْ مُوسَى وَقَوْمه , وَأَنْ يَجْعَلهَا مَسَاكِن لِبَنِي إِسْرَائِيل بَعْد مَا أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه , وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْض مِصْر , فَبَعَثَ مُوسَى الَّذِينَ أَمَرَهُ اللَّه بِبَعْثِهِمْ إِلَيْهَا مِنْ النُّقَبَاء . كَمَا : 9026 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَمَرَ اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَاء , وَهِيَ أَرْض بَيْت الْمَقْدِس , فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ بَعَثَ مُوسَى اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ جَمِيع أَسْبَاط بَنِي إِسْرَائِيل , فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَابِرَة , فَلَقِيَهُمْ رَجُل مِنْ الْجَبَّارِينَ يُقَال لَهُ عَاج , فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَر , فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَته وَعَلَى رَأْسه حُزْمَة حَطَب , فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى اِمْرَأَته , فَقَالَ : اُنْظُرِي إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا ! فَطَرَحَهُمْ بَيْن يَدَيْهَا , فَقَالَ : أَلَا أَطْحَنهُمْ بِرِجْلِي ؟ فَقَالَتْ اِمْرَأَته : بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمهمْ بِمَا رَأَوْا ! فَفَعَلَ ذَلِكَ . فَلَمَّا خَرَجَ الْقَوْم , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْم إِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيل خَبَر الْقَوْم , اِرْتَدُّوا عَنْ نَبِيّ اللَّه لَكِنْ اُكْتُمُوهُ وَأَخْبِرُوا نَبِيّ اللَّه , فَيَكُونَانِ فِيمَا يَرَيَانِ رَأْيهمَا , فَأَخَذَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض الْمِيثَاق بِذَلِكَ لِيَكْتُمُوهُ . ثُمَّ رَجَعُوا فَانْطَلَقَ عَشَرَة مِنْهُمْ فَنَكَثُوا الْعَهْد , فَجَعَلَ الرَّجُل يُخْبِر أَخَاهُ وَأَبَاهُ بِمَا رَأَى مِنْ عَاج , وَكَتَمَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ , فَأَتَوْا مُوسَى وَهَارُون , فَأَخْبَرُوهُمَا الْخَبَر , فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 9027 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ , فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُل فِي كُمّ أَحَدهمْ اِثْنَانِ مِنْهُمْ يَلُفُّونَهُمْ لَفًّا , وَلَا يَحْمِل عُنْقُود عِنَبهمْ إِلَّا خَمْسَة أَنْفُس بَيْنهمْ فِي خَشَبَة , وَيَدْخُل فِي شَطْر الرُّمَّانَة إِذَا نُزِعَ حَبّهَا خَمْسَة أَنْفُس أَوْ أَرْبَع . فَرَجَعَ النُّقَبَاء كُلّ مِنْهُمْ يَنْهَى سِبْطه عَنْ قِتَالهمْ إِلَّا يُوشَع بْن نُون وَكَالِب بْن يوقنا يَأْمُرَانِ الْأَسْبَاط بِقِتَالِ الْجَبَابِرَة وَبِجِهَادِهِمْ , فَعَصَوْا هَذَيْنِ وَأَطَاعُوا الْآخَرِينَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رِجَال , وَقَالَ أَيْضًا : يُلْقُونَهُمَا . 9028 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَسِير بِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَقَالَ : إِنِّي قَدْ كَتَبْتهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا وَمَنْزِلًا , فَاخْرُجْ إِلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنْ الْعَدُوّ , فَإِنِّي نَاصِركُمْ عَلَيْهِمْ , وَخُذْ مِنْ قَوْمك اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ كُلّ سِبْط نَقِيبًا يَكُون عَلَى قَوْمه بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ , وَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّه يَقُول لَكُمْ : { إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَ آتَيْتُمْ الزَّكَاة } إِلَى قَوْله : { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل } وَأَخَذَ مُوسَى مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا اِخْتَارَهُمْ مِنْ أَسْبَاط كُفَلَاء عَلَى قَوْمهمْ بِمَا هُمْ فِيهِ عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقه , وَأَخَذَ مِنْ كُلّ سِبْط مِنْهُمْ خَيْرهمْ وَأَوْفَاهُمْ رَجُلًا . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } فَسَارَ بِهِمْ مُوسَى إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة بِأَمْرِ اللَّه , حَتَّى إِذَا نَزَلَ التِّيه بَيْن مِصْر وَالشَّام , وَهِيَ بِلَاد لَيْسَ فِيهَا شَجَر وَلَا ظِلّ , دَعَا مُوسَى رَبّه حِين آذَاهُمْ الْحَرّ , فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْغَمَامِ , وَدَعَا لَهُمْ بِالرِّزْقِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى . وَأَمَرَ اللَّه مُوسَى فَقَالَ : أَرْسِلْ رِجَالًا يَتَجَسَّسُونَ إِلَى أَرْض كَنْعَان الَّتِي وَهَبْت لِبَنِي إِسْرَائِيل , مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا . فَأَرْسَلَ مُوسَى الرُّءُوس كُلّهمْ الَّذِينَ فِيهِمْ , وَهَذِهِ أَسْمَاء الرَّهْط الَّذِينَ بَعَثَ اللَّه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِلَى أَرْض الشَّام , فِيمَا يَذْكُر أَهْل التَّوْرَاة لِيَجُوسُوهَا لِبَنِي إِسْرَائِيل : مِنْ سِبْط روبيل : شامون بْن ركون , وَمِنْ سِبْط شَمْعُون سافاط بْن حَرْبِيّ , وَمِنْ سِبْط يَهُوذَا كَالِب بْن يوقنا , وَمِنْ سِبْط كَاذ مِيخَائِيل بْن يُوسُف , وَمِنْ سِبْط يُوسُف وَهُوَ سِبْط أفرائيم يُوشَع بْن نُون , وَمِنْ سِبْط بِنْيَامِين فلط بْن ذنون , وَمِنْ سِبْط ربالون كَرَابِيل بْن سودي , وَمِنْ سِبْط منشا بْن يُوسُف حدي بْن سوشا , وَمِنْ سِبْط دَانَ حملائل بْن حمل , وَمِنْ سِبْط أشار سابور بْن ملكيل , وَمِنْ سِبْط نفتالي محر بْن وقسي , وَمِنْ سِبْط يساخر حولايل بْن منكد . فَهَذِهِ أَسْمَاء الَّذِينَ بَعَثَهُمْ مُوسَى يَتَجَسَّسُونَ لَهُ الْأَرْض , وَيَوْمئِذٍ سَمَّى يُوشَع بْن نُون : يُوشَع بْن نُون , فَأَرْسَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ : اِرْتَفِعُوا قَبْل الشَّمْس , فَارْقَوْا الْجَبَل , وَانْظُرُوا مَا فِي الْأَرْض , وَمَا الشَّعْب الَّذِي يَسْكُنُونَهُ , أَقْوِيَاء هُمْ أَمْ ضُعَفَاء ؟ أَقَلِيل هُمْ أَمْ هُمْ كَثِير ؟ وَانْظُرُوا أَرْضهمْ الَّتِي يَسْكُنُونَ أَشَمِسَة هِيَ أَمْ ذَات شَجَر ؟ وَاحْمِلُوا إِلَيْنَا مِنْ ثَمَرَة تِلْكَ الْأَرْض ! وَكَانَ فِي أَوَّل مَا سَمَّى لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ثَمَرَة الْعِنَب . 9029 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } فَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , بَعَثَهُمْ مُوسَى لِيَنْظُرُوا لَهُ إِلَى الْمَدِينَة . فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا إِلَى الْمَدِينَة , فَجَاءُوا بِحَبَّةٍ مِنْ فَاكِهَتهمْ وِقْرَ رَجُل , فَقَالُوا : قَدِّرُوا قُوَّة قَوْم وَبَأْسهمْ هَذِهِ فَاكِهَتهمْ . فَعِنْد ذَلِكَ فُتِنُوا , فَقَالُوا : لَا نَسْتَطِيع الْقِتَال { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } . 9030 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : سَمِعَ أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد يَقُول فِي قَوْله : { وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } أَمَرَ اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة مَعَ نَبِيّهمْ مُوسَى ; فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة , قَالَ لَهُمْ مُوسَى : اُدْخُلُوهَا ! فَأَبَوْا وَجَبَنُوا , وَبَعَثُوا اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ . فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا , فَجَاءُوا بِحَبَّةٍ مِنْ فَاكِهَتهمْ بِوِقْرِ الرَّجُل , فَقَالُوا : قَدِّرُوا قُوَّة قَوْم وَبَأْسهمْ , هَذِهِ فَاكِهَتهمْ ! فَعِنْد ذَلِكَ قَالُوا لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ اللَّه إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره { وَقَالَ اللَّه } لِبَنِي إِسْرَائِيل { إِنِّي مَعَكُمْ } يَقُول : إِنِّي نَاصِركُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ وَعَدُوِّي الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِمْ إِنْ قَاتَلْتُمُوهُمْ وَوَفَّيْتُمْ بِعَهْدِي وَمِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْكُمْ . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ , بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَمَّا حُذِفَ مِنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَقَالَ اللَّه لَهُمْ : إِنِّي مَعَكُمْ , فَتَرَكَ ذِكْر " لَهُمْ " , اِسْتِغْنَاء بِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } إِذْ كَانَ مُتَقَدِّم الْخَبَر عَنْ قَوْم مُسَمَّيْنَ بِأَعْيَانِهِمْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ سِيَاق مَا فِي الْكَلَام مِنْ الْخَبَر عَنْهُمْ , إِذْ لَمْ يَكُنْ الْكَلَام مَصْرُوفًا عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقَسَم , فَقَالَ : قَسَم { لَئِنْ أَقَمْتُمْ } مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل { الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة } أَيْ أَعْطَيْتُمُوهَا مَنْ أَمَرْتُكُمْ بِإِعْطَائِهَا , { وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي } يَقُول : وَصَدَّقْتُمْ بِمَا آتَاكُمْ بِهِ رُسُلِي مِنْ شَرَائِع دِينِي . وَكَانَ الرَّبِيع بْن أَنَس يَقُول : هَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه لِلنُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَر . 9031 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَر : سِيرُوا إِلَيْهِمْ يَعْنِي إِلَى الْجَبَّارِينَ فَحَدِّثُونِي حَدِيثهمْ , وَمَا أَمْرهمْ , وَلَا تَخَافُوا إِنَّ اللَّه مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا ! . وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ الرَّبِيع فِي ذَلِكَ بِبَعِيدٍ مِنْ الصَّوَاب , غَيْر أَنَّ مِنْ قَضَاء اللَّه فِي جَمِيع خَلْقه أَنَّهُ نَاصِر مَنْ أَطَاعَهُ , وَوَلِيّ مَنْ اِتَّبَعَ أَمْره وَتَجَنَّبَ مَعْصِيَته وَجَافَى ذُنُوبه . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مِنْ طَاعَته : إِقَام الصَّلَاة , وَإِيتَاء الزَّكَاة , وَالْإِيمَان بِالرُّسُلِ , وَسَائِر مَا نَدَبَ الْقَوْم إِلَيْهِ ; كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ تَكْفِير السَّيِّئَات بِذَلِكَ وَإِدْخَال الْجَنَّات بِهِ لَمْ يُخَصِّص بِهِ النُّقَبَاء دُون سَائِر بَنِي إِسْرَائِيل غَيْرهمْ , فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُون نَدْبًا لِلْقَوْمِ جَمِيعًا وَحَضًّا لَهُمْ عَلَى مَا حَضَّهُمْ عَلَيْهِ , أَحَقّ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون نَدْبًا لِبَعْضٍ وَحَضًّا لِخَاصٍّ دُون عَامّ .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيل ذَلِكَ : وَنَصَرْتُمُوهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9032 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : نَصَرْتُمُوهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9033 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : نَصَرْتُمُوهُمْ بِالسَّيْفِ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الطَّاعَة وَالنُّصْرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9034 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : التَّعَزُّر وَالتَّوْقِير : الطَّاعَة وَالنُّصْرَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيله , فَذُكِرَ عَنْ يُونُس الْحِرْمِرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : تَأْوِيل ذَلِكَ : أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ . 9035 - حُدِّثْنَا بِذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى عَنْهُ . وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ نَصَرْتُمُوهُمْ وَأَعَنْتُمُوهُمْ وَوَقَّرْتُمُوهُمْ وَعَظَّمْتُمُوهُمْ وَأَيَّدْتُمُوهُمْ , وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ : وَكَمْ مِنْ مَاجِد لَهُمْ كَرِيم وَمِنْ لَيْث يُعَزَّز فِي النَّدِيّ وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : الْعَزْر الرَّدّ عَزَّرْته رَدَدْته : إِذَا رَأَيْته يَظْلِم , فَقُلْت : اِتَّقِ اللَّه أَوْ نَهَيْته , فَذَلِكَ الْعَزْر . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : نَصَرْتُمُوهُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِي سُورَة الْفَتْح : { إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } فَالتَّوْقِير : هُوَ التَّعْظِيم . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بَعْض مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَا عَنْهُ . وَإِذَا فَسَدَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ التَّعْظِيم , وَكَانَ النَّصْر قَدْ يَكُون بِالْيَدِ وَاللِّسَان ; فَأَمَّا بِالْيَدِ فَالذَّبّ بِهَا عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْره , وَأَمَّا بِاللِّسَانِ فَحُسْن الثَّنَاء , وَالذَّبّ عَنْ الْعِرْض , صَحَّ أَنَّهُ النَّصْر إِذْ كَانَ النَّصْر يَحْوِي مَعْنَى كُلّ قَائِل قَالَ فِيهِ قَوْلًا مِمَّا حَكَيْنَا عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } فَإِنَّهُ يَقُول : وَأَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه , وَذَلِكَ فِي جِهَاد عَدُوّهُ وَعَدُوّكُمْ , { قَرْضًا حَسَنًا } يَقُول : وَأَنْفَقْتُمْ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيله , فَأَصَبْتُمْ الْحَقّ فِي إِنْفَاقكُمْ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي ذَلِكَ , وَلَمْ تَتَعَدَّوْا فِيهِ حُدُود اللَّه وَمَا نَدَبَكُمْ إِلَيْهِ وَحَثَّكُمْ عَلَيْهِ إِلَى غَيْره . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : { وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } وَلَمْ يَقُلْ : إِقْرَاضًا حَسَنًا , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَصْدَر أَقْرَضْت : الْإِقْرَاض ؟ قِيلَ : لَوْ قِيلَ ذَلِكَ كَانَ صَوَابًا , وَلَكِنَّ قَوْله : { قَرْضًا حَسَنًا } أُخْرِجَ مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظه , وَذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْله : أَقْرَضَ مَعْنَى قَرَضَ , كَمَا فِي مَعْنَى أَعْطَى أَخَذَ , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَقَرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا , وَنَظِير ذَلِكَ : { وَاللَّه أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا } إِذْ كَانَ فِي أَنْبَتَكُمْ مَعْنَى فَنَبَتُّمْ , وَكَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقِيس : وَرُضْت فَذَلَّتْ صَعْبَة أَيّ إِذْلَال إِذْ كَانَ فِي رُضْت مَعْنَى أَذْلَلْت , فَخَرَجَ الْإِذْلَال مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيل , يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة أَيّهَا الْقَوْم الَّذِينَ أَعْطُونِي مِيثَاقهمْ بِالْوَفَاءِ بِطَاعَتِي , وَاتِّبَاع أَمْرِي , وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة , وَفَعَلْتُمْ سَائِر مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَيْهِ جَنَّتِي { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } يَقُول : لَأُغَطِّيَنَّ بِعَفْوِي عَنْكُمْ وَصَفْحِي عَنْ عُقُوبَتكُمْ , عَلَى سَالِف إِجْرَامكُمْ الَّتِي أَجْرَمْتُمُوهَا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ عَلَى ذُنُوبكُمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ مِنْ عِبَادَة الْعِجْل وَغَيْرهَا مِنْ مُوبِقَات ذُنُوبكُمْ . وَإِنَّمَا قُلْت : مَعْنَى قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ } لَأُغَطِّيَنَّ , لِأَنَّ الْكُفْر مَعْنَاهُ الْجُحُود وَالتَّغْطِيَة وَالسَّتْر , كَمَا قَالَ لَبِيد : فِي لَيْلَة كَفَرَ النُّجُوم غَمَامُهَا يَعْنِي : " غَطَّاهَا " . التَّفْعِيل مِنْ الْكَفْر . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى " اللَّام " الَّتِي فِي قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : اللَّام الْأُولَى عَلَى مَعْنَى الْقَسَم , يَعْنِي اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } قَالَ : وَالثَّانِيَة مَعْنَى قَسَم آخَر . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : بَلْ اللَّام الْأُولَى وَقَعَتْ مَوْقِع الْيَمِين , فَاكْتَفَى بِهَا عَنْ الْيَمِين , يَعْنِي بِاللَّامِ الْأُولَى : لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة . قَالَ : وَاللَّام الثَّانِيَة , يَعْنِي قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } جَوَاب لَهَا , يَعْنِي لِلَّامِ الَّتِي فِي قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } وَاعْتَلَّ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } غَيْر تَامّ وَلَا مُسْتَغْنٍ عَنْ قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } قَسَمًا مُبْتَدَأ , بَلْ الْوَاجِب أَنْ يَكُون جَوَابًا لِلْيَمِينِ إِذْ كَانَتْ غَيْر مُسْتَغْنِيَة عَنْهُ .
{ وَلَأُدْخِلَنَّكُم } مَعَ تَغْطِيَتِي عَلَى ذَلِكَ مِنْكُمْ بِفَضْلِي يَوْم الْقِيَامَة { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } فَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين . وَقَوْله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول : يَجْرِي مِنْ تَحْت أَشْجَار هَذِهِ الْبَسَاتِين الَّتِي أُدْخِلكُمُوهَا الْأَنْهَار .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ مِنْكُمْ } يَقُول عَزَّ ذِكْره : فَمَنْ جَحَدَ مِنْكُمْ يَا مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل شَيْئًا مِمَّا أَمَرْته بِهِ , فَتَرَكَهُ , أَوْ رَكِبَ مَا نَهَيْته عَنْهُ فَعَمِلَهُ بَعْد أَخْذِي الْمِيثَاق عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ لِي بِطَاعَتِي وَاجْتِنَاب مَعْصِيَتِي .
يَقُول : فَقَدْ أَخْطَأَ قَصْد الطَّرِيق الْوَاضِح , وَزَلَّ عَنْ مَنْهَج السَّبِيل الْقَاصِد . وَالضَّلَال : الرُّكُوب عَلَى غَيْر هُدًى ; وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { سَوَاء } يَعْنِي بِهِ : وَسَط السَّبِيل , وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل ذَلِكَ كُلّه فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
يَعْنِي بِذَلِكَ : وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر كَفِيلًا , كَفَلُوا عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ لِلَّهِ بِمَا وَاثَقُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُهُود فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَفِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ . وَالنَّقِيب فِي كَلَام الْعَرَب , كَالْعَرِيفِ عَلَى الْقَوْم , غَيْر أَنَّهُ فَوْق الْعَرِيف , يُقَال مِنْهُ : نَقَبَ فُلَان عَلَى بَنِي فُلَان فَهُوَ يَنْقُب نَقْبًا , فَإِذَا أُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَقِيبًا فَصَارَ نَقِيبًا , قِيلَ : قَدْ نَقُبَ فَهُوَ يَنْقُب نَقَابَة , وَمِنْ الْعَرِيف : عَرُفَ عَلَيْهِمْ يَعْرُف عِرَافَة . فَأَمَّا الْمَنَاكِب فَإِنَّهُمْ كَالْأَعْوَانِ يَكُونُونَ مَعَ الْعُرَفَاء , وَاحِدهمْ مَنْكِب . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ يَقُول : هُوَ الْأَمِين الضَّامِن عَلَى الْقَوْم . فَأَمَّا أَهْل التَّأْوِيل فَإِنَّهُمْ قَدْ اِخْتَلَفُوا بَيْنهمْ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الشَّاهِد عَلَى قَوْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9024 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط رَجُل شَاهِد عَلَى قَوْمه . وَقَالَ آخَرُونَ : النَّقِيب : الْأَمِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9025 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : النُّقَبَاء : الْأُمَنَاء . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَإِنَّمَا كَانَ اللَّه أَمَرَ مُوسَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثِهِ النُّقَبَاء الِاثْنَيْ عَشَر مِنْ قَوْمه بَنِي إِسْرَائِيل إِلَى أَرْض الْجَبَابِرَة بِالشَّامِ لِيَتَجَسَّسُوا لِمُوسَى أَخْبَارهمْ إِذْ أَرَادَ هَلَاكهمْ , وَأَنْ يُورِث أَرْضهمْ وَدِيَارهمْ مُوسَى وَقَوْمه , وَأَنْ يَجْعَلهَا مَسَاكِن لِبَنِي إِسْرَائِيل بَعْد مَا أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه , وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْض مِصْر , فَبَعَثَ مُوسَى الَّذِينَ أَمَرَهُ اللَّه بِبَعْثِهِمْ إِلَيْهَا مِنْ النُّقَبَاء . كَمَا : 9026 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَمَرَ اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَاء , وَهِيَ أَرْض بَيْت الْمَقْدِس , فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ بَعَثَ مُوسَى اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ جَمِيع أَسْبَاط بَنِي إِسْرَائِيل , فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَابِرَة , فَلَقِيَهُمْ رَجُل مِنْ الْجَبَّارِينَ يُقَال لَهُ عَاج , فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَر , فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَته وَعَلَى رَأْسه حُزْمَة حَطَب , فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى اِمْرَأَته , فَقَالَ : اُنْظُرِي إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا ! فَطَرَحَهُمْ بَيْن يَدَيْهَا , فَقَالَ : أَلَا أَطْحَنهُمْ بِرِجْلِي ؟ فَقَالَتْ اِمْرَأَته : بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمهمْ بِمَا رَأَوْا ! فَفَعَلَ ذَلِكَ . فَلَمَّا خَرَجَ الْقَوْم , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْم إِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيل خَبَر الْقَوْم , اِرْتَدُّوا عَنْ نَبِيّ اللَّه لَكِنْ اُكْتُمُوهُ وَأَخْبِرُوا نَبِيّ اللَّه , فَيَكُونَانِ فِيمَا يَرَيَانِ رَأْيهمَا , فَأَخَذَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض الْمِيثَاق بِذَلِكَ لِيَكْتُمُوهُ . ثُمَّ رَجَعُوا فَانْطَلَقَ عَشَرَة مِنْهُمْ فَنَكَثُوا الْعَهْد , فَجَعَلَ الرَّجُل يُخْبِر أَخَاهُ وَأَبَاهُ بِمَا رَأَى مِنْ عَاج , وَكَتَمَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ , فَأَتَوْا مُوسَى وَهَارُون , فَأَخْبَرُوهُمَا الْخَبَر , فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 9027 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ , فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُل فِي كُمّ أَحَدهمْ اِثْنَانِ مِنْهُمْ يَلُفُّونَهُمْ لَفًّا , وَلَا يَحْمِل عُنْقُود عِنَبهمْ إِلَّا خَمْسَة أَنْفُس بَيْنهمْ فِي خَشَبَة , وَيَدْخُل فِي شَطْر الرُّمَّانَة إِذَا نُزِعَ حَبّهَا خَمْسَة أَنْفُس أَوْ أَرْبَع . فَرَجَعَ النُّقَبَاء كُلّ مِنْهُمْ يَنْهَى سِبْطه عَنْ قِتَالهمْ إِلَّا يُوشَع بْن نُون وَكَالِب بْن يوقنا يَأْمُرَانِ الْأَسْبَاط بِقِتَالِ الْجَبَابِرَة وَبِجِهَادِهِمْ , فَعَصَوْا هَذَيْنِ وَأَطَاعُوا الْآخَرِينَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رِجَال , وَقَالَ أَيْضًا : يُلْقُونَهُمَا . 9028 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَسِير بِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَقَالَ : إِنِّي قَدْ كَتَبْتهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا وَمَنْزِلًا , فَاخْرُجْ إِلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنْ الْعَدُوّ , فَإِنِّي نَاصِركُمْ عَلَيْهِمْ , وَخُذْ مِنْ قَوْمك اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ كُلّ سِبْط نَقِيبًا يَكُون عَلَى قَوْمه بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ , وَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّه يَقُول لَكُمْ : { إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَ آتَيْتُمْ الزَّكَاة } إِلَى قَوْله : { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل } وَأَخَذَ مُوسَى مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا اِخْتَارَهُمْ مِنْ أَسْبَاط كُفَلَاء عَلَى قَوْمهمْ بِمَا هُمْ فِيهِ عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقه , وَأَخَذَ مِنْ كُلّ سِبْط مِنْهُمْ خَيْرهمْ وَأَوْفَاهُمْ رَجُلًا . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } فَسَارَ بِهِمْ مُوسَى إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة بِأَمْرِ اللَّه , حَتَّى إِذَا نَزَلَ التِّيه بَيْن مِصْر وَالشَّام , وَهِيَ بِلَاد لَيْسَ فِيهَا شَجَر وَلَا ظِلّ , دَعَا مُوسَى رَبّه حِين آذَاهُمْ الْحَرّ , فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْغَمَامِ , وَدَعَا لَهُمْ بِالرِّزْقِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى . وَأَمَرَ اللَّه مُوسَى فَقَالَ : أَرْسِلْ رِجَالًا يَتَجَسَّسُونَ إِلَى أَرْض كَنْعَان الَّتِي وَهَبْت لِبَنِي إِسْرَائِيل , مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا . فَأَرْسَلَ مُوسَى الرُّءُوس كُلّهمْ الَّذِينَ فِيهِمْ , وَهَذِهِ أَسْمَاء الرَّهْط الَّذِينَ بَعَثَ اللَّه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِلَى أَرْض الشَّام , فِيمَا يَذْكُر أَهْل التَّوْرَاة لِيَجُوسُوهَا لِبَنِي إِسْرَائِيل : مِنْ سِبْط روبيل : شامون بْن ركون , وَمِنْ سِبْط شَمْعُون سافاط بْن حَرْبِيّ , وَمِنْ سِبْط يَهُوذَا كَالِب بْن يوقنا , وَمِنْ سِبْط كَاذ مِيخَائِيل بْن يُوسُف , وَمِنْ سِبْط يُوسُف وَهُوَ سِبْط أفرائيم يُوشَع بْن نُون , وَمِنْ سِبْط بِنْيَامِين فلط بْن ذنون , وَمِنْ سِبْط ربالون كَرَابِيل بْن سودي , وَمِنْ سِبْط منشا بْن يُوسُف حدي بْن سوشا , وَمِنْ سِبْط دَانَ حملائل بْن حمل , وَمِنْ سِبْط أشار سابور بْن ملكيل , وَمِنْ سِبْط نفتالي محر بْن وقسي , وَمِنْ سِبْط يساخر حولايل بْن منكد . فَهَذِهِ أَسْمَاء الَّذِينَ بَعَثَهُمْ مُوسَى يَتَجَسَّسُونَ لَهُ الْأَرْض , وَيَوْمئِذٍ سَمَّى يُوشَع بْن نُون : يُوشَع بْن نُون , فَأَرْسَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ : اِرْتَفِعُوا قَبْل الشَّمْس , فَارْقَوْا الْجَبَل , وَانْظُرُوا مَا فِي الْأَرْض , وَمَا الشَّعْب الَّذِي يَسْكُنُونَهُ , أَقْوِيَاء هُمْ أَمْ ضُعَفَاء ؟ أَقَلِيل هُمْ أَمْ هُمْ كَثِير ؟ وَانْظُرُوا أَرْضهمْ الَّتِي يَسْكُنُونَ أَشَمِسَة هِيَ أَمْ ذَات شَجَر ؟ وَاحْمِلُوا إِلَيْنَا مِنْ ثَمَرَة تِلْكَ الْأَرْض ! وَكَانَ فِي أَوَّل مَا سَمَّى لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ثَمَرَة الْعِنَب . 9029 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } فَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , بَعَثَهُمْ مُوسَى لِيَنْظُرُوا لَهُ إِلَى الْمَدِينَة . فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا إِلَى الْمَدِينَة , فَجَاءُوا بِحَبَّةٍ مِنْ فَاكِهَتهمْ وِقْرَ رَجُل , فَقَالُوا : قَدِّرُوا قُوَّة قَوْم وَبَأْسهمْ هَذِهِ فَاكِهَتهمْ . فَعِنْد ذَلِكَ فُتِنُوا , فَقَالُوا : لَا نَسْتَطِيع الْقِتَال { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } . 9030 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : سَمِعَ أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد يَقُول فِي قَوْله : { وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } أَمَرَ اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة مَعَ نَبِيّهمْ مُوسَى ; فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة , قَالَ لَهُمْ مُوسَى : اُدْخُلُوهَا ! فَأَبَوْا وَجَبَنُوا , وَبَعَثُوا اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ . فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا , فَجَاءُوا بِحَبَّةٍ مِنْ فَاكِهَتهمْ بِوِقْرِ الرَّجُل , فَقَالُوا : قَدِّرُوا قُوَّة قَوْم وَبَأْسهمْ , هَذِهِ فَاكِهَتهمْ ! فَعِنْد ذَلِكَ قَالُوا لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ اللَّه إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره { وَقَالَ اللَّه } لِبَنِي إِسْرَائِيل { إِنِّي مَعَكُمْ } يَقُول : إِنِّي نَاصِركُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ وَعَدُوِّي الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِمْ إِنْ قَاتَلْتُمُوهُمْ وَوَفَّيْتُمْ بِعَهْدِي وَمِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْكُمْ . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ , بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَمَّا حُذِفَ مِنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَقَالَ اللَّه لَهُمْ : إِنِّي مَعَكُمْ , فَتَرَكَ ذِكْر " لَهُمْ " , اِسْتِغْنَاء بِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } إِذْ كَانَ مُتَقَدِّم الْخَبَر عَنْ قَوْم مُسَمَّيْنَ بِأَعْيَانِهِمْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ سِيَاق مَا فِي الْكَلَام مِنْ الْخَبَر عَنْهُمْ , إِذْ لَمْ يَكُنْ الْكَلَام مَصْرُوفًا عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقَسَم , فَقَالَ : قَسَم { لَئِنْ أَقَمْتُمْ } مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل { الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة } أَيْ أَعْطَيْتُمُوهَا مَنْ أَمَرْتُكُمْ بِإِعْطَائِهَا , { وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي } يَقُول : وَصَدَّقْتُمْ بِمَا آتَاكُمْ بِهِ رُسُلِي مِنْ شَرَائِع دِينِي . وَكَانَ الرَّبِيع بْن أَنَس يَقُول : هَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه لِلنُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَر . 9031 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَر : سِيرُوا إِلَيْهِمْ يَعْنِي إِلَى الْجَبَّارِينَ فَحَدِّثُونِي حَدِيثهمْ , وَمَا أَمْرهمْ , وَلَا تَخَافُوا إِنَّ اللَّه مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا ! . وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ الرَّبِيع فِي ذَلِكَ بِبَعِيدٍ مِنْ الصَّوَاب , غَيْر أَنَّ مِنْ قَضَاء اللَّه فِي جَمِيع خَلْقه أَنَّهُ نَاصِر مَنْ أَطَاعَهُ , وَوَلِيّ مَنْ اِتَّبَعَ أَمْره وَتَجَنَّبَ مَعْصِيَته وَجَافَى ذُنُوبه . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مِنْ طَاعَته : إِقَام الصَّلَاة , وَإِيتَاء الزَّكَاة , وَالْإِيمَان بِالرُّسُلِ , وَسَائِر مَا نَدَبَ الْقَوْم إِلَيْهِ ; كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ تَكْفِير السَّيِّئَات بِذَلِكَ وَإِدْخَال الْجَنَّات بِهِ لَمْ يُخَصِّص بِهِ النُّقَبَاء دُون سَائِر بَنِي إِسْرَائِيل غَيْرهمْ , فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُون نَدْبًا لِلْقَوْمِ جَمِيعًا وَحَضًّا لَهُمْ عَلَى مَا حَضَّهُمْ عَلَيْهِ , أَحَقّ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون نَدْبًا لِبَعْضٍ وَحَضًّا لِخَاصٍّ دُون عَامّ .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيل ذَلِكَ : وَنَصَرْتُمُوهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9032 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : نَصَرْتُمُوهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9033 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : نَصَرْتُمُوهُمْ بِالسَّيْفِ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الطَّاعَة وَالنُّصْرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9034 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : التَّعَزُّر وَالتَّوْقِير : الطَّاعَة وَالنُّصْرَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيله , فَذُكِرَ عَنْ يُونُس الْحِرْمِرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : تَأْوِيل ذَلِكَ : أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ . 9035 - حُدِّثْنَا بِذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى عَنْهُ . وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ نَصَرْتُمُوهُمْ وَأَعَنْتُمُوهُمْ وَوَقَّرْتُمُوهُمْ وَعَظَّمْتُمُوهُمْ وَأَيَّدْتُمُوهُمْ , وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ : وَكَمْ مِنْ مَاجِد لَهُمْ كَرِيم وَمِنْ لَيْث يُعَزَّز فِي النَّدِيّ وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : الْعَزْر الرَّدّ عَزَّرْته رَدَدْته : إِذَا رَأَيْته يَظْلِم , فَقُلْت : اِتَّقِ اللَّه أَوْ نَهَيْته , فَذَلِكَ الْعَزْر . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : نَصَرْتُمُوهُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِي سُورَة الْفَتْح : { إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } فَالتَّوْقِير : هُوَ التَّعْظِيم . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بَعْض مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَا عَنْهُ . وَإِذَا فَسَدَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ التَّعْظِيم , وَكَانَ النَّصْر قَدْ يَكُون بِالْيَدِ وَاللِّسَان ; فَأَمَّا بِالْيَدِ فَالذَّبّ بِهَا عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْره , وَأَمَّا بِاللِّسَانِ فَحُسْن الثَّنَاء , وَالذَّبّ عَنْ الْعِرْض , صَحَّ أَنَّهُ النَّصْر إِذْ كَانَ النَّصْر يَحْوِي مَعْنَى كُلّ قَائِل قَالَ فِيهِ قَوْلًا مِمَّا حَكَيْنَا عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } فَإِنَّهُ يَقُول : وَأَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه , وَذَلِكَ فِي جِهَاد عَدُوّهُ وَعَدُوّكُمْ , { قَرْضًا حَسَنًا } يَقُول : وَأَنْفَقْتُمْ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيله , فَأَصَبْتُمْ الْحَقّ فِي إِنْفَاقكُمْ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي ذَلِكَ , وَلَمْ تَتَعَدَّوْا فِيهِ حُدُود اللَّه وَمَا نَدَبَكُمْ إِلَيْهِ وَحَثَّكُمْ عَلَيْهِ إِلَى غَيْره . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : { وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } وَلَمْ يَقُلْ : إِقْرَاضًا حَسَنًا , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَصْدَر أَقْرَضْت : الْإِقْرَاض ؟ قِيلَ : لَوْ قِيلَ ذَلِكَ كَانَ صَوَابًا , وَلَكِنَّ قَوْله : { قَرْضًا حَسَنًا } أُخْرِجَ مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظه , وَذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْله : أَقْرَضَ مَعْنَى قَرَضَ , كَمَا فِي مَعْنَى أَعْطَى أَخَذَ , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَقَرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا , وَنَظِير ذَلِكَ : { وَاللَّه أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا } إِذْ كَانَ فِي أَنْبَتَكُمْ مَعْنَى فَنَبَتُّمْ , وَكَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقِيس : وَرُضْت فَذَلَّتْ صَعْبَة أَيّ إِذْلَال إِذْ كَانَ فِي رُضْت مَعْنَى أَذْلَلْت , فَخَرَجَ الْإِذْلَال مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيل , يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة أَيّهَا الْقَوْم الَّذِينَ أَعْطُونِي مِيثَاقهمْ بِالْوَفَاءِ بِطَاعَتِي , وَاتِّبَاع أَمْرِي , وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة , وَفَعَلْتُمْ سَائِر مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَيْهِ جَنَّتِي { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } يَقُول : لَأُغَطِّيَنَّ بِعَفْوِي عَنْكُمْ وَصَفْحِي عَنْ عُقُوبَتكُمْ , عَلَى سَالِف إِجْرَامكُمْ الَّتِي أَجْرَمْتُمُوهَا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ عَلَى ذُنُوبكُمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ مِنْ عِبَادَة الْعِجْل وَغَيْرهَا مِنْ مُوبِقَات ذُنُوبكُمْ . وَإِنَّمَا قُلْت : مَعْنَى قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ } لَأُغَطِّيَنَّ , لِأَنَّ الْكُفْر مَعْنَاهُ الْجُحُود وَالتَّغْطِيَة وَالسَّتْر , كَمَا قَالَ لَبِيد : فِي لَيْلَة كَفَرَ النُّجُوم غَمَامُهَا يَعْنِي : " غَطَّاهَا " . التَّفْعِيل مِنْ الْكَفْر . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى " اللَّام " الَّتِي فِي قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : اللَّام الْأُولَى عَلَى مَعْنَى الْقَسَم , يَعْنِي اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } قَالَ : وَالثَّانِيَة مَعْنَى قَسَم آخَر . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : بَلْ اللَّام الْأُولَى وَقَعَتْ مَوْقِع الْيَمِين , فَاكْتَفَى بِهَا عَنْ الْيَمِين , يَعْنِي بِاللَّامِ الْأُولَى : لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة . قَالَ : وَاللَّام الثَّانِيَة , يَعْنِي قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } جَوَاب لَهَا , يَعْنِي لِلَّامِ الَّتِي فِي قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } وَاعْتَلَّ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } غَيْر تَامّ وَلَا مُسْتَغْنٍ عَنْ قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } قَسَمًا مُبْتَدَأ , بَلْ الْوَاجِب أَنْ يَكُون جَوَابًا لِلْيَمِينِ إِذْ كَانَتْ غَيْر مُسْتَغْنِيَة عَنْهُ .
{ وَلَأُدْخِلَنَّكُم } مَعَ تَغْطِيَتِي عَلَى ذَلِكَ مِنْكُمْ بِفَضْلِي يَوْم الْقِيَامَة { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } فَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين . وَقَوْله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول : يَجْرِي مِنْ تَحْت أَشْجَار هَذِهِ الْبَسَاتِين الَّتِي أُدْخِلكُمُوهَا الْأَنْهَار .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ مِنْكُمْ } يَقُول عَزَّ ذِكْره : فَمَنْ جَحَدَ مِنْكُمْ يَا مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل شَيْئًا مِمَّا أَمَرْته بِهِ , فَتَرَكَهُ , أَوْ رَكِبَ مَا نَهَيْته عَنْهُ فَعَمِلَهُ بَعْد أَخْذِي الْمِيثَاق عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ لِي بِطَاعَتِي وَاجْتِنَاب مَعْصِيَتِي .
يَقُول : فَقَدْ أَخْطَأَ قَصْد الطَّرِيق الْوَاضِح , وَزَلَّ عَنْ مَنْهَج السَّبِيل الْقَاصِد . وَالضَّلَال : الرُّكُوب عَلَى غَيْر هُدًى ; وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { سَوَاء } يَعْنِي بِهِ : وَسَط السَّبِيل , وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل ذَلِكَ كُلّه فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد , لَا تَعْجَبَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك , وَنَكَثُوا الْعَهْد الَّذِي بَيْنك وَبَيْنهمْ , غَدْرًا مِنْهُمْ بِك وَأَصْحَابك , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَاتهمْ وَعَادَات سَلَفهمْ ; وَمِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَخَذْت مِيثَاق سَلَفهمْ عَلَى عَهْد مُوسَى عَلَى طَاعَتِي , وَبَعَثْت مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا وَقَدْ تَخَيَّرُوا مِنْ جَمِيعهمْ لِيَتَجَسَّسُوا أَخْبَار الْجَبَابِرَة , وَوَعَدْتهمْ النَّصْر عَلَيْهِمْ , وَأَنْ أُوَرِّثهُمْ أَرْضهمْ وَدِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ , بَعْد مَا أَرَيْتهمْ مِنْ الْعِبَر وَالْآيَات بِإِهْلَاكِ فِرْعَوْن وَقَوْمه فِي الْبَحْر وَفَلْق الْبَحْر لَهُمْ وَسَائِر الْعِبَر مَا أَرَيْتهمْ , فَنَقَضُوا مِيثَاقهمْ الَّذِي وَاثَقُونِي وَنَكَثُوا عَهْدِي , فَلَعَنْتهمْ بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ ; فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْل خِيَارهمْ مَعَ أَيَادِي عِنْدهمْ , فَلَا تَسْتَنْكِرُوا مِثْله مِنْ فِعْل أَرَاذِلهمْ . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل , فَنَقَضُوا الْمِيثَاق , فَلَعَنْتهمْ , فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ , فَاكْتُفِيَ بِقَوْلِهِ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } مِنْ ذِكْر " فَنَقَضُوا " . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ . كَمَا قَالَ قَتَادَة . 9036 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ } يَقُول : فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ . 9037 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } قَالَ : هُوَ مِيثَاق أَخَذَهُ اللَّه عَلَى أَهْل التَّوْرَاة فَنَقَضُوهُ . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى اللَّعْن فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَالْهَاء وَالْمِيم مِنْ قَوْله : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ } عَائِدَتَانِ عَلَى ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل قَبْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل مَكَّة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { قَاسِيَة } بِالْأَلِفِ , عَلَى تَقْدِير فَاعِلَة , مِنْ قَسْوَة الْقَلْب , مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَسَا قَلْبه , فَهُوَ يَقْسُو وَهُوَ قَاسٍ , وَذَلِكَ إِذَا غَلُظَ وَاشْتَدَّ وَصَارَ يَابِسًا صَلْبًا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : وَقَدْ قَسَوْت وَقَسَتْ لِدَاتِي فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : فَلَعَنَّا الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدِي وَلَمْ يَفُوا بِمِيثَاقِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ الَّذِي وَاثَقُونِي , وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة غَلِيظَة يَابِسَة عَنْ الْإِيمَان بِي وَالتَّوْفِيق لِطَاعَتِي , مَنْزُوعَة مِنْهَا الرَّأْفَة وَالرَّحْمَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَسِيَّة " . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَعْنَى الْقَسْوَة ; لِأَنَّ فَعِيلَة فِي الذَّمّ أَبْلَغ مِنْ فَاعِلَة , فَاخْتَرْنَا قِرَاءَتهَا قَسِيَّة عَلَى قَاسِيَة لِذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ مَعْنَى " قَسِيَّة " غَيْر مَعْنَى الْقَسْوَة ; وَإِنَّمَا الْقَسِيَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع الْقُلُوب الَّتِي لَمْ يَخْلُص إِيمَانهَا بِاَللَّهِ , وَلَكِنْ يُخَالِط إِيمَانهَا كُفْر كَالدَّرَاهِمِ الْقَسِيَّة , وَهِيَ الَّتِي يُخَالِط فِضَّتهَا غِشّ مِنْ نُحَاس أَوْ رَصَاص وَغَيْر ذَلِكَ , كَمَا قَالَ أَبُو زُبَيْد الطَّائِيّ : لَهَا صَوَاهِل فِي صُمّ السِّلَام كَمَا صَاحَ الْقَسِيَّات فِي أَيْدِي الصَّيَارِيفِ يَصِف بِذَلِكَ وَقْع مَسَاحِي الَّذِينَ حَفَرُوا قَبْر عُثْمَان عَلَى الصُّخُور , وَهِيَ السِّلَام. وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَسِيَّة " عَلَى فَعِيلَة ; لِأَنَّهَا أَبْلَغ فِي ذَمّ الْقَوْم مِنْ قَاسِيَة . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ فَعِيلَة مِنْ الْقَسْوَة , كَمَا قِيلَ : نَفْس زَكِيَّة وَزَاكِيَة , وَامْرَأَة شَاهِدَة وَشَهِيدَة ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ الْقَوْم بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ وَكُفْرهمْ بِهِ , وَلَمْ يَصِفهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْإِيمَان , فَتَكُون قُلُوبهمْ مَوْصُوفَة بِأَنَّ إِيمَانهَا يُخَالِطهُ كُفْر كَالدَّرَاهِمِ الْقَسِيَّة الَّتِي يُخَالِط فِضَّتهَا غِشّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه } يَقُول عَزَّ ذِكْره : وَجَعَلْنَا قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَقَضُوا عُهُودنَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل قَسِيَّة , مَنْزُوعًا مِنْهَا الْخَيْر , مَرْفُوعًا مِنْهَا التَّوْفِيق , فَلَا يُؤْمِنُونَ , وَلَا يَهْتَدُونَ , فَهُمْ لِنَزْعِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيق مِنْ قُلُوبهمْ وَالْإِيمَان يُحَرِّفُونَ كَلَام رَبّهمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ التَّوْرَاة , فَيُبَدِّلُونَهُ وَيَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِمْ غَيْر الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى نَبِيّهمْ وَيَقُولُونَ لِجُهَّالِ النَّاس : هَذَا هُوَ كَلَام اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّوْرَاة الَّتِي أَوْحَاهَا إِلَيْهِ . وَهَذَا مِنْ صِفَة الْقُرُون الَّتِي كَانَتْ بَعْد مُوسَى مِنْ الْيَهُود مِمَّنْ أَدْرَكَ بَعْضهمْ عَصْر نَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَدْخَلَهُمْ فِي عِدَاد الَّذِينَ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْهُمْ مِمَّنْ أَدْرَكَ مُوسَى مِنْهُمْ , إِذْ كَانُوا مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَعَلَى مِنْهَاجهمْ فِي الْكَذِب عَلَى اللَّه وَالْفِرْيَة عَلَيْهِ وَنَقْض الْمَوَاثِيق الَّتِي أَخَذَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة . كَمَا : 9038 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه } يَعْنِي : حُدُود اللَّه فِي التَّوْرَاة , وَيَقُولُونَ : إِنْ أَمَرَكُمْ مُحَمَّد بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَاقْبَلُوهُ , وَإِنْ خَالَفَكُمْ فَاحْذَرُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَنَسُوا حَظًّا } وَتَرَكُوا نَصِيبًا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } أَيْ تَرَكُوا أَمْر اللَّه فَتَرَكَهُمْ اللَّه ; وَقَدْ مَضَى بَيَان ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } يَقُول : تَرَكُوا نَصِيبًا . 9040 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز قَالَ : ثنا مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } قَالَ : تَرَكُوا عُرَى دِينهمْ وَوَظَائِف اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّتِي لَا تُقْبَل الْأَعْمَال إِلَّا بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا تَزَال يَا مُحَمَّد تَطَّلِع مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ أَنْبَأْتُك نَبَأَهُمْ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقِي , وَنَكْثهمْ عَهْدِي , مَعَ أَيَادِيَّ عِنْدهمْ , وَنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ , عَلَى مِثْل ذَلِكَ مِنْ الْغَدْر وَالْخِيَانَة , إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ . وَالْخَائِنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْخِيَانَة , وَهُوَ اِسْم وُضِعَ مَوْضِع الْمَصْدَر , كَمَا قِيلَ خَاطِئَة : لِلْخَطِيئَةِ , وَقَائِلَة : لِلْقَيْلُولَةِ . وَقَوْله : { إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } اِسْتِثْنَاء مِنْ الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } وَبِنَحْوِ الَّذِينَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9041 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } قَالَ : عَلَى خِيَانَة وَكَذِب وَفُجُور . 9042 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } قَالَ : هَمّ يَهُود مِثْل الَّذِي هَمُّوا بِهِ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم دَخَلَ حَائِطهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 9043 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : قَوْله : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } مِنْ يَهُود مِثْل الَّذِي هَمُّوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم دَخَلَ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ بَعْض الْقَائِلِينَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِن مِنْهُمْ , قَالَ : وَالْعَرَب تَزِيد الْهَاء فِي آخِر الْمُذَكَّر كَقَوْلِهِمْ : هُوَ رَاوِيَة لِلشِّعْرِ , وَرَجُل عَلَّامَة , وَأَنْشَدَ : حَدَّثْت نَفْسك بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُنْ لِلْغَدْرِ خَائِنَة مُغِلّ الْإِصْبَع فَقَالَ خَائِنَة , وَهُوَ يُخَاطِب رَجُلًا . وَالصَّوَاب مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ الْقَوْل الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ أَهْل التَّأْوِيل ; لِأَنَّ اللَّه عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة الْقَوْم مِنْ يَهُود بَنِي النَّضِير الَّذِينَ هَمُّوا بِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , إِذْ أَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَة الْعَامِرِيَّيْنِ , فَأَطْلَعَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَلَى مَا قَدْ هَمُّوا بِهِ . ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعْد تَعْرِيفه أَخْبَار أَوَائِلهمْ وَإِعْلَامه مَنْهَج أَسْلَافهمْ وَأَنَّ آخِرهمْ عَلَى مِنْهَاج أَوَّلهمْ فِي الْغَدْر وَالْخِيَانَة , لِئَلَّا يَكْبُر فِعْلهمْ ذَلِكَ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا تَزَال تَطَّلِع مِنْ الْيَهُود عَلَى خِيَانَة وَغَدْر وَنَقْض عَهْد . وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يَزَال يَطَّلِع عَلَى رَجُل مِنْهُمْ خَائِن , وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَر اُبْتُدِئَ بِهِ عَنْ جَمَاعَتهمْ , فَقِيلَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } , ثُمَّ قِيلَ : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } , فَإِذْ كَانَ الِابْتِدَاء عَنْ الْجَمَاعَة فَلْتُخْتَمْ بِالْجَمَاعَةِ أَوْلَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيهمْ إِلَيْهِ مِنْ الْيَهُود , يَقُول اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لَهُ : اُعْفُ يَا مُحَمَّد عَنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْط أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك بِالْقَتْلِ , وَاصْفَحْ لَهُمْ عَنْ جُرْمهمْ بِتَرْكِ التَّعَرُّض لِمَكْرُوهِهِمْ , فَإِنِّي أُحِبّ مَنْ أَحْسَنَ الْعَفْو وَالصَّفْح إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : هَذِهِ مَنْسُوخَة , وَيَقُول : نَسَخَتْهَا آيَة بَرَاءَة : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } الْآيَة . 9044 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ } قَالَ : نَسَخَتْهَا : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله } . 9045 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } وَلَمْ يُؤْمَر يَوْمئِذٍ بِقِتَالِهِمْ , فَأَمَرَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ وَيَصْفَح , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ فِي بَرَاءَة فَقَالَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَهُمْ أَهْل الْكِتَاب . فَأَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاتِلهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا , أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْم , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة نَحْوه . وَاَلَّذِي قَالَهُ قَتَادَة غَيْر مَدْفُوع إِمْكَانه , غَيْر أَنَّ النَّاسِخ الَّذِي لَا شَكّ فِيهِ مِنْ الْأَمْر , هُوَ مَا كَانَ نَافِيًا كُلّ مَعَانِي خِلَافه الَّذِي كَانَ قَبْله . فَأَمَّا مَا كَانَ غَيْر نَافٍ جَمِيعه , فَلَا سَبِيل إِلَى الْعِلْم بِأَنَّهُ نَاسِخ إِلَّا بِخَبَرٍ مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , أَوْ مِنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَيْسَ فِي قَوْله : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } دَلَالَة عَلَى الْأَمْر بِنَفْي مَعَانِي الصَّفْح وَالْعَفْو عَنْ الْيَهُود . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ جَائِزًا مَعَ إِقْرَارهمْ بِالصَّغَارِ وَأَدَائِهِمْ الْجِزْيَة بَعْد الْقِتَال , الْأَمْر بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ فِي غَدْرَة هَمُّوا بِهَا أَوْ نَكْثَة عَزَمُوا عَلَيْهَا , مَا لَمْ يَنْصِبُوا حَرْبًا دُون أَدَاءِ الْجِزْيَةِ , وَيَمْتَنِعُوا مِنْ الْأَحْكَام اللَّازِمَة مِنْهُمْ , لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَنْ يَحْكُم لِقَوْلِهِ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } الْآيَة , بِأَنَّهُ نَاسِخ قَوْله : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل مَكَّة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { قَاسِيَة } بِالْأَلِفِ , عَلَى تَقْدِير فَاعِلَة , مِنْ قَسْوَة الْقَلْب , مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَسَا قَلْبه , فَهُوَ يَقْسُو وَهُوَ قَاسٍ , وَذَلِكَ إِذَا غَلُظَ وَاشْتَدَّ وَصَارَ يَابِسًا صَلْبًا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : وَقَدْ قَسَوْت وَقَسَتْ لِدَاتِي فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : فَلَعَنَّا الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدِي وَلَمْ يَفُوا بِمِيثَاقِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ الَّذِي وَاثَقُونِي , وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة غَلِيظَة يَابِسَة عَنْ الْإِيمَان بِي وَالتَّوْفِيق لِطَاعَتِي , مَنْزُوعَة مِنْهَا الرَّأْفَة وَالرَّحْمَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَسِيَّة " . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَعْنَى الْقَسْوَة ; لِأَنَّ فَعِيلَة فِي الذَّمّ أَبْلَغ مِنْ فَاعِلَة , فَاخْتَرْنَا قِرَاءَتهَا قَسِيَّة عَلَى قَاسِيَة لِذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ مَعْنَى " قَسِيَّة " غَيْر مَعْنَى الْقَسْوَة ; وَإِنَّمَا الْقَسِيَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع الْقُلُوب الَّتِي لَمْ يَخْلُص إِيمَانهَا بِاَللَّهِ , وَلَكِنْ يُخَالِط إِيمَانهَا كُفْر كَالدَّرَاهِمِ الْقَسِيَّة , وَهِيَ الَّتِي يُخَالِط فِضَّتهَا غِشّ مِنْ نُحَاس أَوْ رَصَاص وَغَيْر ذَلِكَ , كَمَا قَالَ أَبُو زُبَيْد الطَّائِيّ : لَهَا صَوَاهِل فِي صُمّ السِّلَام كَمَا صَاحَ الْقَسِيَّات فِي أَيْدِي الصَّيَارِيفِ يَصِف بِذَلِكَ وَقْع مَسَاحِي الَّذِينَ حَفَرُوا قَبْر عُثْمَان عَلَى الصُّخُور , وَهِيَ السِّلَام. وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَسِيَّة " عَلَى فَعِيلَة ; لِأَنَّهَا أَبْلَغ فِي ذَمّ الْقَوْم مِنْ قَاسِيَة . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ فَعِيلَة مِنْ الْقَسْوَة , كَمَا قِيلَ : نَفْس زَكِيَّة وَزَاكِيَة , وَامْرَأَة شَاهِدَة وَشَهِيدَة ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ الْقَوْم بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ وَكُفْرهمْ بِهِ , وَلَمْ يَصِفهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْإِيمَان , فَتَكُون قُلُوبهمْ مَوْصُوفَة بِأَنَّ إِيمَانهَا يُخَالِطهُ كُفْر كَالدَّرَاهِمِ الْقَسِيَّة الَّتِي يُخَالِط فِضَّتهَا غِشّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه } يَقُول عَزَّ ذِكْره : وَجَعَلْنَا قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَقَضُوا عُهُودنَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل قَسِيَّة , مَنْزُوعًا مِنْهَا الْخَيْر , مَرْفُوعًا مِنْهَا التَّوْفِيق , فَلَا يُؤْمِنُونَ , وَلَا يَهْتَدُونَ , فَهُمْ لِنَزْعِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيق مِنْ قُلُوبهمْ وَالْإِيمَان يُحَرِّفُونَ كَلَام رَبّهمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ التَّوْرَاة , فَيُبَدِّلُونَهُ وَيَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِمْ غَيْر الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى نَبِيّهمْ وَيَقُولُونَ لِجُهَّالِ النَّاس : هَذَا هُوَ كَلَام اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّوْرَاة الَّتِي أَوْحَاهَا إِلَيْهِ . وَهَذَا مِنْ صِفَة الْقُرُون الَّتِي كَانَتْ بَعْد مُوسَى مِنْ الْيَهُود مِمَّنْ أَدْرَكَ بَعْضهمْ عَصْر نَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَدْخَلَهُمْ فِي عِدَاد الَّذِينَ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْهُمْ مِمَّنْ أَدْرَكَ مُوسَى مِنْهُمْ , إِذْ كَانُوا مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَعَلَى مِنْهَاجهمْ فِي الْكَذِب عَلَى اللَّه وَالْفِرْيَة عَلَيْهِ وَنَقْض الْمَوَاثِيق الَّتِي أَخَذَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة . كَمَا : 9038 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه } يَعْنِي : حُدُود اللَّه فِي التَّوْرَاة , وَيَقُولُونَ : إِنْ أَمَرَكُمْ مُحَمَّد بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَاقْبَلُوهُ , وَإِنْ خَالَفَكُمْ فَاحْذَرُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَنَسُوا حَظًّا } وَتَرَكُوا نَصِيبًا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } أَيْ تَرَكُوا أَمْر اللَّه فَتَرَكَهُمْ اللَّه ; وَقَدْ مَضَى بَيَان ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } يَقُول : تَرَكُوا نَصِيبًا . 9040 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز قَالَ : ثنا مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } قَالَ : تَرَكُوا عُرَى دِينهمْ وَوَظَائِف اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّتِي لَا تُقْبَل الْأَعْمَال إِلَّا بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا تَزَال يَا مُحَمَّد تَطَّلِع مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ أَنْبَأْتُك نَبَأَهُمْ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقِي , وَنَكْثهمْ عَهْدِي , مَعَ أَيَادِيَّ عِنْدهمْ , وَنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ , عَلَى مِثْل ذَلِكَ مِنْ الْغَدْر وَالْخِيَانَة , إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ . وَالْخَائِنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْخِيَانَة , وَهُوَ اِسْم وُضِعَ مَوْضِع الْمَصْدَر , كَمَا قِيلَ خَاطِئَة : لِلْخَطِيئَةِ , وَقَائِلَة : لِلْقَيْلُولَةِ . وَقَوْله : { إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } اِسْتِثْنَاء مِنْ الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } وَبِنَحْوِ الَّذِينَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9041 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } قَالَ : عَلَى خِيَانَة وَكَذِب وَفُجُور . 9042 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } قَالَ : هَمّ يَهُود مِثْل الَّذِي هَمُّوا بِهِ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم دَخَلَ حَائِطهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 9043 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : قَوْله : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } مِنْ يَهُود مِثْل الَّذِي هَمُّوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم دَخَلَ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ بَعْض الْقَائِلِينَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِن مِنْهُمْ , قَالَ : وَالْعَرَب تَزِيد الْهَاء فِي آخِر الْمُذَكَّر كَقَوْلِهِمْ : هُوَ رَاوِيَة لِلشِّعْرِ , وَرَجُل عَلَّامَة , وَأَنْشَدَ : حَدَّثْت نَفْسك بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُنْ لِلْغَدْرِ خَائِنَة مُغِلّ الْإِصْبَع فَقَالَ خَائِنَة , وَهُوَ يُخَاطِب رَجُلًا . وَالصَّوَاب مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ الْقَوْل الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ أَهْل التَّأْوِيل ; لِأَنَّ اللَّه عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة الْقَوْم مِنْ يَهُود بَنِي النَّضِير الَّذِينَ هَمُّوا بِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , إِذْ أَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَة الْعَامِرِيَّيْنِ , فَأَطْلَعَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَلَى مَا قَدْ هَمُّوا بِهِ . ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعْد تَعْرِيفه أَخْبَار أَوَائِلهمْ وَإِعْلَامه مَنْهَج أَسْلَافهمْ وَأَنَّ آخِرهمْ عَلَى مِنْهَاج أَوَّلهمْ فِي الْغَدْر وَالْخِيَانَة , لِئَلَّا يَكْبُر فِعْلهمْ ذَلِكَ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا تَزَال تَطَّلِع مِنْ الْيَهُود عَلَى خِيَانَة وَغَدْر وَنَقْض عَهْد . وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يَزَال يَطَّلِع عَلَى رَجُل مِنْهُمْ خَائِن , وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَر اُبْتُدِئَ بِهِ عَنْ جَمَاعَتهمْ , فَقِيلَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } , ثُمَّ قِيلَ : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } , فَإِذْ كَانَ الِابْتِدَاء عَنْ الْجَمَاعَة فَلْتُخْتَمْ بِالْجَمَاعَةِ أَوْلَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيهمْ إِلَيْهِ مِنْ الْيَهُود , يَقُول اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لَهُ : اُعْفُ يَا مُحَمَّد عَنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْط أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك بِالْقَتْلِ , وَاصْفَحْ لَهُمْ عَنْ جُرْمهمْ بِتَرْكِ التَّعَرُّض لِمَكْرُوهِهِمْ , فَإِنِّي أُحِبّ مَنْ أَحْسَنَ الْعَفْو وَالصَّفْح إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : هَذِهِ مَنْسُوخَة , وَيَقُول : نَسَخَتْهَا آيَة بَرَاءَة : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } الْآيَة . 9044 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ } قَالَ : نَسَخَتْهَا : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله } . 9045 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } وَلَمْ يُؤْمَر يَوْمئِذٍ بِقِتَالِهِمْ , فَأَمَرَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ وَيَصْفَح , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ فِي بَرَاءَة فَقَالَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَهُمْ أَهْل الْكِتَاب . فَأَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاتِلهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا , أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْم , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة نَحْوه . وَاَلَّذِي قَالَهُ قَتَادَة غَيْر مَدْفُوع إِمْكَانه , غَيْر أَنَّ النَّاسِخ الَّذِي لَا شَكّ فِيهِ مِنْ الْأَمْر , هُوَ مَا كَانَ نَافِيًا كُلّ مَعَانِي خِلَافه الَّذِي كَانَ قَبْله . فَأَمَّا مَا كَانَ غَيْر نَافٍ جَمِيعه , فَلَا سَبِيل إِلَى الْعِلْم بِأَنَّهُ نَاسِخ إِلَّا بِخَبَرٍ مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , أَوْ مِنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَيْسَ فِي قَوْله : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } دَلَالَة عَلَى الْأَمْر بِنَفْي مَعَانِي الصَّفْح وَالْعَفْو عَنْ الْيَهُود . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ جَائِزًا مَعَ إِقْرَارهمْ بِالصَّغَارِ وَأَدَائِهِمْ الْجِزْيَة بَعْد الْقِتَال , الْأَمْر بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ فِي غَدْرَة هَمُّوا بِهَا أَوْ نَكْثَة عَزَمُوا عَلَيْهَا , مَا لَمْ يَنْصِبُوا حَرْبًا دُون أَدَاءِ الْجِزْيَةِ , وَيَمْتَنِعُوا مِنْ الْأَحْكَام اللَّازِمَة مِنْهُمْ , لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَنْ يَحْكُم لِقَوْلِهِ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } الْآيَة , بِأَنَّهُ نَاسِخ قَوْله : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ }
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } يَقُول عَزَّ ذِكْره : وَأَخَذْنَا مِنْ النَّصَارَى الْمِيثَاق عَلَى طَاعَتِي وَأَدَاء فَرَائِضِي وَاتِّبَاع رُسُلِي وَالتَّصْدِيق بِهِمْ , فَسَلَكُوا فِي مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ مِنْهَاج الْأُمَّة الضَّالَّة مِنْ الْيَهُود , فَبَدَّلُوا كَذَلِكَ دِينهمْ وَنَقَضُوا نَقْضِهِمْ وَتَرَكُوا حَظّهمْ مِنْ مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِي وَضَيَّعُوا أَمْرِي . كَمَا : 9046 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } نَسُوا كِتَاب اللَّه بَيْن أَظْهُرهمْ , وَعَهْد اللَّه الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ , وَأَمْر اللَّه الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ . 9047 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَتْ النَّصَارَى مِثْل مَا قَالَتْ الْيَهُود , وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ } حَرَّشْنَا بَيْنهمْ وَأَلْقَيْنَا , كَمَا تُغْرِي الشَّيْء بِالشَّيْءِ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَمَّا تَرَكَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَخَذْت مِيثَاقهمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِي حَظّهمْ , مِمَّا عَهِدْت إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي , أَغْرَيْت بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة إِغْرَاء اللَّه بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ إِغْرَاؤُهُ بَيْنهمْ بِالْأَهْوَاءِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9048 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِي قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : هَذِهِ الْأَهْوَاء الْمُخْتَلِفَة , وَالتَّبَاغُض فَهُوَ الْإِغْرَاء . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , قَالَ : سَمِعْت النَّخَعِيّ يَقُول : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : أَغْرَى بَعْضهمْ بِبَعْضٍ بِخُصُومَاتٍ بِالْجِدَالِ فِي الدِّين . 9049 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالتَّيْمِيّ , قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : مَا أَرَى الْإِغْرَاء فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَّا الْأَهْوَاء الْمُخْتَلِفَة . وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة : الْخُصُومَات فِي الدِّين تُحْبِط الْأَعْمَال . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْنهمْ وَالْبَغْضَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9050 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } الْآيَة . إِنَّ الْقَوْم لَمَّا تَرَكُوا كِتَاب اللَّه , وَعَصَوْا رُسُله , وَضَيَّعُوا فَرَائِضه , وَعَطَّلُوا حُدُوده , أَلْقَى بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَال السُّوء , وَلَوْ أَخَذَ الْقَوْم كِتَاب اللَّه وَأَمْره , مَا اِفْتَرَقُوا وَلَا تَبَاغَضُوا . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالْحَقِّ , تَأْوِيل مَنْ قَالَ : أَغْرَى بَيْنهمْ بِالْأَهْوَاءِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنهمْ , كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ ; لِأَنَّ عَدَاوَة النَّصَارَى بَيْنهمْ , إِنَّمَا هِيَ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح , وَذَلِكَ أَهْوَاء لَا وَحْي مِنْ اللَّه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْهَاءِ وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى قَوْلهمْ وَتَأْوِيلهمْ : فَأَغْرَيْنَا بَيْن الْيَهُود وَالنَّصَارَى , لِنِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9051 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , وَقَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَ فِي النَّصَارَى أَيْضًا : فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ , فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَغْرَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنهمْ وَبَيْن الْيَهُود الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 9052 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ اِبْن زَيْد : كَمَا تُغْرِي بَيْن اِثْنَيْنِ مِنْ الْبَهَائِم . 9053 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9054 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , أَغْرَى اللَّه بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه بِذَلِكَ : النَّصَارَى وَحْدهَا . وَقَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ : فَأَغْرَيْنَا بَيْن النَّصَارَى عُقُوبَة لَهَا بِنِسْيَانِهَا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرَتْ بِهِ . قَالُوا : وَعَلَيْهَا عَادَتْ الْهَاء وَالْمِيم فِي بَيْنهمْ دُون الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9055 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَالَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره تَقَدَّمَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ لَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا , وَعَلِّمُوا الْحِكْمَة وَلَا تَأْخُذُوا عَلَيْهَا أَجْرًا . فَلَمْ يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ , فَأَخَذُوا الرِّشْوَة فِي الْحُكْم وَجَاوَزُوا الْحُدُود , فَقَالَ فِي الْيَهُود حَيْثُ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّه : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } وَقَالَ فِي النَّصَارَى : { فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ عِنْدِي مَا قَالَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس , وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنِيّ بِالْإِغْرَاءِ بَيْنهمْ : النَّصَارَى فِي هَذِهِ الْآيَة خَاصَّة , وَأَنَّ الْهَاء وَالْمِيم عَائِدَتَانِ عَلَى النَّصَارَى دُون الْيَهُود , لِأَنَّ ذِكْر الْإِغْرَاء فِي خَبَر اللَّه عَنْ النَّصَارَى بَعْد تَقَضِّي خَبَره عَنْ الْيَهُود , وَبَعْد اِبْتِدَائِهِ خَبَره عَنْ النَّصَارَى , فَأَنْ لَا يَكُون ذَلِكَ مَعْنِيًّا بِهِ إِلَّا النَّصَارَى خَاصَّة أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ الْحِزْبَانِ جَمِيعًا لِمَا ذَكَرْنَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْن النَّصَارَى , فَتَكُون مَخْصُوصَة بِمَعْنَى ذَلِكَ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ عَدَاوَة النَّسْطُورِيَّة وَالْيَعْقُوبِيَّة وَالْمَلَكِيَّة النَّسْطُورِيَّة وَالْيَعْقُوبِيَّة , وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ مَعْنِيٌّ بِذَلِكَ : إِغْرَاء اللَّه بَيْن الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِبَعِيدٍ , غَيْر أَنَّ هَذَا أَقْرَب عِنْدِي وَأَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة لِمَا ذَكَرْنَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّه بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُعْفُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك , وَاصْفَحْ فَإِنَّ اللَّه مِنْ وَرَاء الِانْتِقَام مِنْهُمْ , وَسَيُنَبِّئُهُمْ اللَّه عِنْد وُرُودهمْ اللَّه عَلَيْهِ فِي مُعَادهمْ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَصْنَعُونَ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقه , وَنَكْثهمْ عَهْده , وَتَبْدِيلهمْ كِتَابه , وَتَحْرِيفهمْ أَمْره وَنَهْيه , فَيُعَاقِبهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَسْب اِسْتِحْقَاقهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ } حَرَّشْنَا بَيْنهمْ وَأَلْقَيْنَا , كَمَا تُغْرِي الشَّيْء بِالشَّيْءِ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَمَّا تَرَكَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَخَذْت مِيثَاقهمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِي حَظّهمْ , مِمَّا عَهِدْت إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي , أَغْرَيْت بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة إِغْرَاء اللَّه بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ إِغْرَاؤُهُ بَيْنهمْ بِالْأَهْوَاءِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9048 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِي قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : هَذِهِ الْأَهْوَاء الْمُخْتَلِفَة , وَالتَّبَاغُض فَهُوَ الْإِغْرَاء . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , قَالَ : سَمِعْت النَّخَعِيّ يَقُول : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : أَغْرَى بَعْضهمْ بِبَعْضٍ بِخُصُومَاتٍ بِالْجِدَالِ فِي الدِّين . 9049 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالتَّيْمِيّ , قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : مَا أَرَى الْإِغْرَاء فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَّا الْأَهْوَاء الْمُخْتَلِفَة . وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة : الْخُصُومَات فِي الدِّين تُحْبِط الْأَعْمَال . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْنهمْ وَالْبَغْضَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9050 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } الْآيَة . إِنَّ الْقَوْم لَمَّا تَرَكُوا كِتَاب اللَّه , وَعَصَوْا رُسُله , وَضَيَّعُوا فَرَائِضه , وَعَطَّلُوا حُدُوده , أَلْقَى بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَال السُّوء , وَلَوْ أَخَذَ الْقَوْم كِتَاب اللَّه وَأَمْره , مَا اِفْتَرَقُوا وَلَا تَبَاغَضُوا . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالْحَقِّ , تَأْوِيل مَنْ قَالَ : أَغْرَى بَيْنهمْ بِالْأَهْوَاءِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنهمْ , كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ ; لِأَنَّ عَدَاوَة النَّصَارَى بَيْنهمْ , إِنَّمَا هِيَ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح , وَذَلِكَ أَهْوَاء لَا وَحْي مِنْ اللَّه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْهَاءِ وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى قَوْلهمْ وَتَأْوِيلهمْ : فَأَغْرَيْنَا بَيْن الْيَهُود وَالنَّصَارَى , لِنِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9051 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , وَقَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَ فِي النَّصَارَى أَيْضًا : فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ , فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَغْرَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنهمْ وَبَيْن الْيَهُود الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 9052 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ اِبْن زَيْد : كَمَا تُغْرِي بَيْن اِثْنَيْنِ مِنْ الْبَهَائِم . 9053 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9054 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , أَغْرَى اللَّه بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه بِذَلِكَ : النَّصَارَى وَحْدهَا . وَقَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ : فَأَغْرَيْنَا بَيْن النَّصَارَى عُقُوبَة لَهَا بِنِسْيَانِهَا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرَتْ بِهِ . قَالُوا : وَعَلَيْهَا عَادَتْ الْهَاء وَالْمِيم فِي بَيْنهمْ دُون الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9055 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَالَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره تَقَدَّمَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ لَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا , وَعَلِّمُوا الْحِكْمَة وَلَا تَأْخُذُوا عَلَيْهَا أَجْرًا . فَلَمْ يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ , فَأَخَذُوا الرِّشْوَة فِي الْحُكْم وَجَاوَزُوا الْحُدُود , فَقَالَ فِي الْيَهُود حَيْثُ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّه : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } وَقَالَ فِي النَّصَارَى : { فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ عِنْدِي مَا قَالَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس , وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنِيّ بِالْإِغْرَاءِ بَيْنهمْ : النَّصَارَى فِي هَذِهِ الْآيَة خَاصَّة , وَأَنَّ الْهَاء وَالْمِيم عَائِدَتَانِ عَلَى النَّصَارَى دُون الْيَهُود , لِأَنَّ ذِكْر الْإِغْرَاء فِي خَبَر اللَّه عَنْ النَّصَارَى بَعْد تَقَضِّي خَبَره عَنْ الْيَهُود , وَبَعْد اِبْتِدَائِهِ خَبَره عَنْ النَّصَارَى , فَأَنْ لَا يَكُون ذَلِكَ مَعْنِيًّا بِهِ إِلَّا النَّصَارَى خَاصَّة أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ الْحِزْبَانِ جَمِيعًا لِمَا ذَكَرْنَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْن النَّصَارَى , فَتَكُون مَخْصُوصَة بِمَعْنَى ذَلِكَ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ عَدَاوَة النَّسْطُورِيَّة وَالْيَعْقُوبِيَّة وَالْمَلَكِيَّة النَّسْطُورِيَّة وَالْيَعْقُوبِيَّة , وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ مَعْنِيٌّ بِذَلِكَ : إِغْرَاء اللَّه بَيْن الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِبَعِيدٍ , غَيْر أَنَّ هَذَا أَقْرَب عِنْدِي وَأَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة لِمَا ذَكَرْنَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّه بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُعْفُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك , وَاصْفَحْ فَإِنَّ اللَّه مِنْ وَرَاء الِانْتِقَام مِنْهُمْ , وَسَيُنَبِّئُهُمْ اللَّه عِنْد وُرُودهمْ اللَّه عَلَيْهِ فِي مُعَادهمْ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَصْنَعُونَ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقه , وَنَكْثهمْ عَهْده , وَتَبْدِيلهمْ كِتَابه , وَتَحْرِيفهمْ أَمْره وَنَهْيه , فَيُعَاقِبهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَسْب اِسْتِحْقَاقهمْ .
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا } يَقُول عَزَّ ذِكْره لِجَمَاعَةِ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا , يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا : 9056- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْله : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : يُبَيِّنُ لَكُمْ مُحَمَّد رَسُولنَا كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَهُ النَّاس وَلَا تُبَيِّنُونَهُ لَهُمْ مِمَّا فِي كِتَابكُمْ . وَكَانَ مِمَّا يُخْفُونَهُ مِنْ كِتَابهمْ فَبَيَّنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ : رَجْم الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي تَبْيِين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ مِنْ إِخْفَائِهِمْ ذَلِكَ مِنْ كِتَابهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9057 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالرَّجْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب , قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب } فَكَانَ الرَّجْم مِمَّا أَخْفَوْا . * - حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَة , أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 9058 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ } إِلَى قَوْله : { صِرَاط مُسْتَقِيم } يَسْأَلُونَهُ عَنْ الرَّجْم , وَاجْتَمَعُوا فِي بَيْت , قَالَ : " أَيّكُمْ أَعْلَم " فَأَشَارُوا إِلَى اِبْن صُورِيَّا , فَقَالَ : " أَنْتَ أَعْلَمهُمْ ؟ " قَالَ : سَلْ عَمَّا شِئْت , قَالَ : " أَنْتَ أَعْلَمهُمْ " قَالَ : إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ ذَلِكَ . قَالَ : فَنَاشَدَهُ بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , وَاَلَّذِي رَفَعَ الطُّور , وَنَاشَدَهُ بِالْمَوَاثِيقِ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ , حَتَّى أَخَذَهُ أَفْكَل , فَقَالَ : إِنَّ نِسَاءَنَا نِسَاء حِسَان , فَكَثُرَ فِينَا الْقَتْل , فَاخْتَصَرْنَا أُخْصُورَة , فَجَلَدْنَا مِائَة , وَحَلَقْنَا الرُّءُوس , وَخَالَفْنَا بَيْن الرُّءُوس إِلَى الدَّوَابّ - أَحْسَبهُ قَالَ : الْإِبِل - قَالَ : فَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْمِ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ } الْآيَة , وَهَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إِلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ }
قَوْله : { وَيَعْفُو عَنْ كَثِير } يَعْنِي بِقَوْلِهِ وَيَعْفُو : وَيَتْرُك أَخْذكُمْ بِكَثِيرٍ مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ كِتَابكُمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه إِلَيْكُمْ , وَهُوَ التَّوْرَاة , فَلَا تَعْمَلُونَ بِهِ حَتَّى يَأْمُرهُ اللَّه بِأَخْذِكُمْ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه نُور } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب : قَدْ جَاءَكُمْ يَا أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ اللَّه نُور , يَعْنِي بِالنُّورِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي أَنَارَ اللَّه بِهِ الْحَقّ , وَأَظْهَرَ بِهِ الْإِسْلَام , وَمَحَقَ بِهِ الشِّرْك فَهُوَ نُور لِمَنْ اِسْتَنَارَ بِهِ يُبَيِّن الْحَقّ , وَمِنْ إِنَارَته الْحَقّ تَبْيِينه لِلْيَهُودِ كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب .
وَقَوْله : { وَكِتَاب مُبِين } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه تَعَالَى النُّور الَّذِي أَنَارَ لَكُمْ بِهِ مَعَالِم الْحَقّ . { وَكِتَاب مُبِين } يَعْنِي : كِتَابًا فِيهِ بَيَان مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ بَيْنهمْ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَحَلَاله وَحَرَامه وَشَرَائِع دِينه , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُبَيِّن لِلنَّاسِ جَمِيع مَا بِهِمْ الْحَاجَة إِلَيْهِ مِنْ أَمْر دِينهمْ وَيُوَضِّحهُ لَهُمْ , حَتَّى يَعْرِفُوا حَقّه مِنْ بَاطِله .
وَقَوْله : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : يُبَيِّنُ لَكُمْ مُحَمَّد رَسُولنَا كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَهُ النَّاس وَلَا تُبَيِّنُونَهُ لَهُمْ مِمَّا فِي كِتَابكُمْ . وَكَانَ مِمَّا يُخْفُونَهُ مِنْ كِتَابهمْ فَبَيَّنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ : رَجْم الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي تَبْيِين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ مِنْ إِخْفَائِهِمْ ذَلِكَ مِنْ كِتَابهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9057 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالرَّجْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب , قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب } فَكَانَ الرَّجْم مِمَّا أَخْفَوْا . * - حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَة , أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 9058 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ } إِلَى قَوْله : { صِرَاط مُسْتَقِيم } يَسْأَلُونَهُ عَنْ الرَّجْم , وَاجْتَمَعُوا فِي بَيْت , قَالَ : " أَيّكُمْ أَعْلَم " فَأَشَارُوا إِلَى اِبْن صُورِيَّا , فَقَالَ : " أَنْتَ أَعْلَمهُمْ ؟ " قَالَ : سَلْ عَمَّا شِئْت , قَالَ : " أَنْتَ أَعْلَمهُمْ " قَالَ : إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ ذَلِكَ . قَالَ : فَنَاشَدَهُ بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , وَاَلَّذِي رَفَعَ الطُّور , وَنَاشَدَهُ بِالْمَوَاثِيقِ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ , حَتَّى أَخَذَهُ أَفْكَل , فَقَالَ : إِنَّ نِسَاءَنَا نِسَاء حِسَان , فَكَثُرَ فِينَا الْقَتْل , فَاخْتَصَرْنَا أُخْصُورَة , فَجَلَدْنَا مِائَة , وَحَلَقْنَا الرُّءُوس , وَخَالَفْنَا بَيْن الرُّءُوس إِلَى الدَّوَابّ - أَحْسَبهُ قَالَ : الْإِبِل - قَالَ : فَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْمِ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ } الْآيَة , وَهَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إِلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ }
قَوْله : { وَيَعْفُو عَنْ كَثِير } يَعْنِي بِقَوْلِهِ وَيَعْفُو : وَيَتْرُك أَخْذكُمْ بِكَثِيرٍ مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ كِتَابكُمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه إِلَيْكُمْ , وَهُوَ التَّوْرَاة , فَلَا تَعْمَلُونَ بِهِ حَتَّى يَأْمُرهُ اللَّه بِأَخْذِكُمْ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه نُور } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب : قَدْ جَاءَكُمْ يَا أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ اللَّه نُور , يَعْنِي بِالنُّورِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي أَنَارَ اللَّه بِهِ الْحَقّ , وَأَظْهَرَ بِهِ الْإِسْلَام , وَمَحَقَ بِهِ الشِّرْك فَهُوَ نُور لِمَنْ اِسْتَنَارَ بِهِ يُبَيِّن الْحَقّ , وَمِنْ إِنَارَته الْحَقّ تَبْيِينه لِلْيَهُودِ كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب .
وَقَوْله : { وَكِتَاب مُبِين } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه تَعَالَى النُّور الَّذِي أَنَارَ لَكُمْ بِهِ مَعَالِم الْحَقّ . { وَكِتَاب مُبِين } يَعْنِي : كِتَابًا فِيهِ بَيَان مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ بَيْنهمْ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَحَلَاله وَحَرَامه وَشَرَائِع دِينه , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُبَيِّن لِلنَّاسِ جَمِيع مَا بِهِمْ الْحَاجَة إِلَيْهِ مِنْ أَمْر دِينهمْ وَيُوَضِّحهُ لَهُمْ , حَتَّى يَعْرِفُوا حَقّه مِنْ بَاطِله .
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَهْدِي بِهِ اللَّه مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه } يَعْنِي عَزَّ ذِكْره : يَهْدِي بِهَذَا الْكِتَاب الْمُبِين الَّذِي جَاءَ مِنْ اللَّه جَلَّ جَلَاله , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَهْدِي بِهِ اللَّه } يُرْشِد بِهِ اللَّه وَيُسَدِّد بِهِ . وَالْهَاء فِي قَوْله بِهِ عَائِدَة عَلَى الْكِتَاب . { مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه } يَقُول : مَنْ اِتَّبَعَ رِضَا اللَّه . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الرِّضَا مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الرِّضَا مِنْهُ بِالشَّيْءِ : الْقَبُول لَهُ وَالْمَدْح وَالثَّنَاء . قَالُوا : فَهُوَ قَابِل الْإِيمَان وَمُزَكٍّ لَهُ , وَمُثْنٍ عَلَى الْمُؤْمِن بِالْإِيمَانِ , وَوَاصِف الْإِيمَان بِأَنَّهُ نُور وَهُدًى وَفَصْل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الرِّضَا مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مَعْنًى مَفْهُوم , هُوَ خِلَاف السُّخْط , وَهُوَ صِفَة مِنْ صِفَاته عَلَى مَا يُعْقَل مِنْ مَعَانِي الرِّضَا , الَّذِي هُوَ خِلَاف السُّخْط , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَدْحِ ; لِأَنَّ الْمَدْح وَالثَّنَاء قَوْل , وَإِنَّمَا يُثْنَى وَيُمْدَح مَا قَدْ رَضِيَ ; قَالُوا : فَالرِّضَا مَعْنًى , وَالثَّنَاء وَالْمَدْح مَعْنًى لَيْسَ بِهِ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { سُبُل السَّلَام } طُرُق السَّلَام , وَالسَّلَام هُوَ اللَّه عَزَّ ذِكْره . 9059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه سُبُل السَّلَام } سَبِيل اللَّه الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ , وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ , وَابْتَعَثَ بِهِ رُسُله , وَهُوَ الْإِسْلَام الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد عَمَلًا إِلَّا بِهِ , لَا الْيَهُودِيَّة , وَلَا النَّصْرَانِيَّة , وَلَا الْمَجُوسِيَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِهِ } يَقُول عَزَّ ذِكْره : يَهْدِي اللَّه بِهَذَا الْكِتَاب الْمُبِين مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه إِلَى سُبُل السَّلَام , وَشَرَائِع دِينه . { وَيُخْرِجهُمْ } يَقُول : وَمَنْ يُخْرِج مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه , وَالْهَاء وَالْمِيم فِي : وَيُخْرِجهُمْ إِلَى مَنْ ذَكَرَ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور , يَعْنِي : مِنْ ظُلُمَات الْكُفْر وَالشِّرْك إِلَى نُور الْإِسْلَام وَضِيَائِهِ بِإِذْنِهِ , يَعْنِي : بِإِذْنِ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ . وَإِذْنه فِي هَذَا الْمَوْضِع تَحْبِيبه إِيَّاهُ الْإِيمَان بِرَفْعِ طَابِع الْكُفْر عَنْ قَلْبه , وَخَاتَم الشِّرْك عَنْهُ , وَتَوْفِيقه لِإِبْصَارِ سُبُل السَّلَام .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَعْنِي عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَيَهْدِيهِمْ } وَيُرْشِدهُمْ وَيُسَدِّدهُمْ { إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : إِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم , وَهُوَ دِين اللَّه الْقَوِيم الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { سُبُل السَّلَام } طُرُق السَّلَام , وَالسَّلَام هُوَ اللَّه عَزَّ ذِكْره . 9059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه سُبُل السَّلَام } سَبِيل اللَّه الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ , وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ , وَابْتَعَثَ بِهِ رُسُله , وَهُوَ الْإِسْلَام الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد عَمَلًا إِلَّا بِهِ , لَا الْيَهُودِيَّة , وَلَا النَّصْرَانِيَّة , وَلَا الْمَجُوسِيَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِهِ } يَقُول عَزَّ ذِكْره : يَهْدِي اللَّه بِهَذَا الْكِتَاب الْمُبِين مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه إِلَى سُبُل السَّلَام , وَشَرَائِع دِينه . { وَيُخْرِجهُمْ } يَقُول : وَمَنْ يُخْرِج مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه , وَالْهَاء وَالْمِيم فِي : وَيُخْرِجهُمْ إِلَى مَنْ ذَكَرَ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور , يَعْنِي : مِنْ ظُلُمَات الْكُفْر وَالشِّرْك إِلَى نُور الْإِسْلَام وَضِيَائِهِ بِإِذْنِهِ , يَعْنِي : بِإِذْنِ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ . وَإِذْنه فِي هَذَا الْمَوْضِع تَحْبِيبه إِيَّاهُ الْإِيمَان بِرَفْعِ طَابِع الْكُفْر عَنْ قَلْبه , وَخَاتَم الشِّرْك عَنْهُ , وَتَوْفِيقه لِإِبْصَارِ سُبُل السَّلَام .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَعْنِي عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَيَهْدِيهِمْ } وَيُرْشِدهُمْ وَيُسَدِّدهُمْ { إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : إِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم , وَهُوَ دِين اللَّه الْقَوِيم الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم } هَذَا ذَمّ مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره لِلنَّصَارَى وَالنَّصْرَانِيَّة الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ سُبُل السَّلَام , وَاحْتِجَاج مِنْهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِرْيَتهمْ عَلَيْهِ بِادِّعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُقْسِم لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم , وَكُفْرهمْ فِي ذَلِكَ تَغْطِيَتهمْ الْحَقّ فِي تَرْكهمْ نَفْي الْوَلَد عَنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ الْمَسِيح هُوَ اللَّه فِرْيَة وَكَذِبًا عَلَيْهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَسِيح فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ فَمَنْ يَمْلِك مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلنَّصَارَى الَّذِينَ اِفْتَرَوْا عَلَيَّ , وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل , بِقِيلِهِمْ : إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم { مَنْ يَمْلِك مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَقُول : مَنْ الَّذِي يُطِيق أَنْ يَدْفَع مِنْ أَمْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ شَيْئًا , فَيَرُدّهُ إِذَا قَضَاهُ ; مِنْ قَوْل الْقَائِل : مَلَكْت عَلَى فُلَان أَمْره : إِذَا صَارَ لَا يَقْدِر أَنْ يُنَفِّذ أَمْرًا إِلَّا بِهِ .
وَقَوْله : { إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِك الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا } يَقُول : مَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِر أَنْ يَرُدّ مِنْ أَمْر اللَّه شَيْئًا إِنْ شَاءَ أَنْ يُهْلِك الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم بِإِعْدَامِهِ مِنْ الْأَرْض وَإِعْدَام أُمّه مَرْيَم , وَإِعْدَام جَمِيع مَنْ فِي الْأَرْض مِنْ الْخَلْق جَمِيعًا . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ النَّصَارَى لَوْ كَانَ الْمَسِيح كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ اللَّه , وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَقَدَرَ أَنْ يَرُدّ أَمْر اللَّه إِذَا جَاءَهُ بِإِهْلَاكِهِ وَإِهْلَاك أُمّه , وَقَدْ أَهْلَكَ أُمّه فَلَمْ يَقْدِر عَلَى دَفْع أَمْره فِيهَا إِذْ نَزَلَ ذَلِكَ , فَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مُعْتَبَر إِنْ اِعْتَبَرْتُمْ , وَحُجَّة عَلَيْكُمْ إِنْ عَقَلْتُمْ فِي أَنَّ الْمَسِيح بَشَر كَسَائِرِ بَنِي آدَم , وَأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي لَا يُغْلَب وَلَا يُقْهَر وَلَا يُرَدّ لَهُ أَمْر , بَلْ هُوَ الْحَقّ الدَّائِم الْقَيُّوم الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , وَيُنْشِئ وَيُفْنِي , وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا } يَعْنِي تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ : وَاَللَّه لَهُ تَصْرِيف مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , يَعْنِي : وَمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , يُهْلِك مَنْ يَشَاء مِنْ ذَلِكَ , وَيُبْقِي مَا يَشَاء مِنْهُ , وَيُوجِد مَا أَرَادَ , وَيُعْدِم مَا أَحَبَّ , لَا يَمْنَعهُ مِنْ شَيْء أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَانِع , وَلَا يَدْفَعهُ عَنْهُ دَافِع ; يُنَفِّذ فِيهِمْ حُكْمه , وَيُمْضِي فِيهِمْ قَضَاءَهُ , لَا الْمَسِيح الَّذِي إِنْ أَرَادَ إِهْلَاكه رَبّه وَإِهْلَاك أُمّه , لَمْ يَمْلِك دَفْع مَا أَرَادَ بِهِ رَبّه مِنْ ذَلِكَ . يَقُول جَلَّ وَعَزَّ : كَيْفَ يَكُون إِلَهًا يُعْبَد مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْع مَا أَرَادَ بِهِ غَيْره مِنْ السُّوء , وَغَيْر قَادِر عَلَى صَرْف مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ الْهَلَاك ؟ بَلْ الْإِلَه الْمَعْبُود الَّذِي لَهُ مُلْك كُلّ شَيْء , وَبِيَدِهِ تَصْرِيف كُلّ مَنْ فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا بَيْنهمَا } , وَقَدْ ذَكَرَ السَّمَوَات بِلَفْظِ الْجَمْع , وَلَمْ يَقُلْ : وَمَا بَيْنهنَّ , لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَمَا بَيْن هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْأَشْيَاء , كَمَا قَالَ الرَّاعِي : طَرَقًا فَتِلْكَ هَمَاهِمِي أَقْرِيهِمَا قُلُصًا لَوَاقِح كَالْقِسِيِّ وُحُولًا فَقَالَ : طَرَقًا , مُخْبِرًا عَنْ شَيْئَيْنِ , ثُمَّ قَالَ : فَتِلْكَ هَمَاهِمِي , فَرَجَعَ إِلَى مَعْنَى الْكَلَام .
وَقَوْله : { يَخْلُق مَا يَشَاء } يَقُول : جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيُنْشِئ مَا يَشَاء وَيُوجِدهُ , وَيُخْرِجهُ مِنْ حَال الْعَدَم إِلَى حَال الْوُجُود , وَلَنْ يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ غَيْر اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار , وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ تَدْبِير السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , وَتَصْرِيفه وَإِفْنَاءَهُ وَإِعْدَامه , وَإِيجَاد مَا يَشَاء مِمَّا هُوَ غَيْر مَوْجُود وَلَا مُنْشَأ , يَقُول : فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ سِوَايَ , فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَيّهَا الْكَذَبَة أَنَّ الْمَسِيح إِلَه , وَهُوَ لَا يُطِيق شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , بَلْ لَا يَقْدِر عَلَى دَفْع الضَّرَر عَنْ نَفْسه , وَلَا عَنْ أُمّه , وَلَا اِجْتِلَاب نَفْع إِلَيْهَا , إِلَّا بِإِذْنِي .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول عَزَّ ذِكْره : اللَّه الْمَعْبُود هُوَ الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , وَالْمَالِك كُلّ شَيْء , الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَغْلِبهُ شَيْء طَلَبَهُ , الْمُقْتَدِر عَلَى هَلَاك الْمَسِيح وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا , لَا الْعَاجِز الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى مَنْع نَفْسه مِنْ ضُرّ نَزَلَ بِهِ مِنْ اللَّه وَلَا مَنْع أُمّه مِنْ الْهَلَاك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ فَمَنْ يَمْلِك مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلنَّصَارَى الَّذِينَ اِفْتَرَوْا عَلَيَّ , وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل , بِقِيلِهِمْ : إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم { مَنْ يَمْلِك مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَقُول : مَنْ الَّذِي يُطِيق أَنْ يَدْفَع مِنْ أَمْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ شَيْئًا , فَيَرُدّهُ إِذَا قَضَاهُ ; مِنْ قَوْل الْقَائِل : مَلَكْت عَلَى فُلَان أَمْره : إِذَا صَارَ لَا يَقْدِر أَنْ يُنَفِّذ أَمْرًا إِلَّا بِهِ .
وَقَوْله : { إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِك الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا } يَقُول : مَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِر أَنْ يَرُدّ مِنْ أَمْر اللَّه شَيْئًا إِنْ شَاءَ أَنْ يُهْلِك الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم بِإِعْدَامِهِ مِنْ الْأَرْض وَإِعْدَام أُمّه مَرْيَم , وَإِعْدَام جَمِيع مَنْ فِي الْأَرْض مِنْ الْخَلْق جَمِيعًا . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ النَّصَارَى لَوْ كَانَ الْمَسِيح كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ اللَّه , وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَقَدَرَ أَنْ يَرُدّ أَمْر اللَّه إِذَا جَاءَهُ بِإِهْلَاكِهِ وَإِهْلَاك أُمّه , وَقَدْ أَهْلَكَ أُمّه فَلَمْ يَقْدِر عَلَى دَفْع أَمْره فِيهَا إِذْ نَزَلَ ذَلِكَ , فَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مُعْتَبَر إِنْ اِعْتَبَرْتُمْ , وَحُجَّة عَلَيْكُمْ إِنْ عَقَلْتُمْ فِي أَنَّ الْمَسِيح بَشَر كَسَائِرِ بَنِي آدَم , وَأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي لَا يُغْلَب وَلَا يُقْهَر وَلَا يُرَدّ لَهُ أَمْر , بَلْ هُوَ الْحَقّ الدَّائِم الْقَيُّوم الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , وَيُنْشِئ وَيُفْنِي , وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا } يَعْنِي تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ : وَاَللَّه لَهُ تَصْرِيف مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , يَعْنِي : وَمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , يُهْلِك مَنْ يَشَاء مِنْ ذَلِكَ , وَيُبْقِي مَا يَشَاء مِنْهُ , وَيُوجِد مَا أَرَادَ , وَيُعْدِم مَا أَحَبَّ , لَا يَمْنَعهُ مِنْ شَيْء أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَانِع , وَلَا يَدْفَعهُ عَنْهُ دَافِع ; يُنَفِّذ فِيهِمْ حُكْمه , وَيُمْضِي فِيهِمْ قَضَاءَهُ , لَا الْمَسِيح الَّذِي إِنْ أَرَادَ إِهْلَاكه رَبّه وَإِهْلَاك أُمّه , لَمْ يَمْلِك دَفْع مَا أَرَادَ بِهِ رَبّه مِنْ ذَلِكَ . يَقُول جَلَّ وَعَزَّ : كَيْفَ يَكُون إِلَهًا يُعْبَد مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْع مَا أَرَادَ بِهِ غَيْره مِنْ السُّوء , وَغَيْر قَادِر عَلَى صَرْف مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ الْهَلَاك ؟ بَلْ الْإِلَه الْمَعْبُود الَّذِي لَهُ مُلْك كُلّ شَيْء , وَبِيَدِهِ تَصْرِيف كُلّ مَنْ فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا بَيْنهمَا } , وَقَدْ ذَكَرَ السَّمَوَات بِلَفْظِ الْجَمْع , وَلَمْ يَقُلْ : وَمَا بَيْنهنَّ , لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَمَا بَيْن هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْأَشْيَاء , كَمَا قَالَ الرَّاعِي : طَرَقًا فَتِلْكَ هَمَاهِمِي أَقْرِيهِمَا قُلُصًا لَوَاقِح كَالْقِسِيِّ وُحُولًا فَقَالَ : طَرَقًا , مُخْبِرًا عَنْ شَيْئَيْنِ , ثُمَّ قَالَ : فَتِلْكَ هَمَاهِمِي , فَرَجَعَ إِلَى مَعْنَى الْكَلَام .
وَقَوْله : { يَخْلُق مَا يَشَاء } يَقُول : جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيُنْشِئ مَا يَشَاء وَيُوجِدهُ , وَيُخْرِجهُ مِنْ حَال الْعَدَم إِلَى حَال الْوُجُود , وَلَنْ يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ غَيْر اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار , وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ تَدْبِير السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , وَتَصْرِيفه وَإِفْنَاءَهُ وَإِعْدَامه , وَإِيجَاد مَا يَشَاء مِمَّا هُوَ غَيْر مَوْجُود وَلَا مُنْشَأ , يَقُول : فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ سِوَايَ , فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَيّهَا الْكَذَبَة أَنَّ الْمَسِيح إِلَه , وَهُوَ لَا يُطِيق شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , بَلْ لَا يَقْدِر عَلَى دَفْع الضَّرَر عَنْ نَفْسه , وَلَا عَنْ أُمّه , وَلَا اِجْتِلَاب نَفْع إِلَيْهَا , إِلَّا بِإِذْنِي .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول عَزَّ ذِكْره : اللَّه الْمَعْبُود هُوَ الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , وَالْمَالِك كُلّ شَيْء , الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَغْلِبهُ شَيْء طَلَبَهُ , الْمُقْتَدِر عَلَى هَلَاك الْمَسِيح وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا , لَا الْعَاجِز الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى مَنْع نَفْسه مِنْ ضُرّ نَزَلَ بِهِ مِنْ اللَّه وَلَا مَنْع أُمّه مِنْ الْهَلَاك .
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قَوْم مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا الْقَوْل . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس تَسْمِيَة الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ مِنْ الْيَهُود . 9060 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْمَان بْن أَضَاءٍ وَبَحْرِيّ بْن عَمْرو , وَشَأْس بْن عَدِيّ , فَكَلَّمُوهُ , فَكَلَّمَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَته , فَقَالُوا : مَا تُخَوِّفنَا يَا مُحَمَّد , نَحْنُ وَاَللَّه أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ ! كَقَوْلِ النَّصَارَى , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِيهِمْ : { وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ } إِلَى آخِر الْآيَة . وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9061 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ } أَمَّا أَبْنَاء اللَّه فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَى إِسْرَائِيل أَنَّ وَلَدًا مِنْ وَلَدك أُدْخِلهُمْ النَّار فَيَكُونُونَ فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى تُطَهِّرهُمْ وَتَأْكُل خَطَايَاهُمْ , ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : أَنْ أَخْرِجُوا كُلّ مَخْتُون مِنْ وَلَد إِسْرَائِيل , فَأُخْرِجهُمْ . فَذَلِكَ قَوْله : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات } وَأَمَّا النَّصَارَى , فَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ قَالَ لِلْمَسِيحِ : اِبْن اللَّه . وَالْعَرَب قَدْ تُخْرِج الْخَبَر إِذَا اِفْتَخَرَتْ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , وَإِنْ كَانَ مَا اِفْتَخَرَتْ بِهِ مِنْ فِعْل وَاحِد مِنْهُمْ , فَتَقُول : نَحْنُ الْأَجْوَاد الْكِرَام , وَإِنَّمَا الْجَوَاد فِيهِمْ وَاحِد مِنْهُمْ وَغَيْر الْمُتَكَلِّم الْفَاعِل ذَلِكَ , كَمَا قَالَ جَرِير : نَدَسْنَا أَبَا مَنْدُوسَة الْقَيْن بِالْقَنَا وَمَا رَدَم مِنْ جَار بَيْبَة نَاقِع فَقَالَ : " نَدَسْنَا " , وَإِنَّمَا النَّادِس : رَجُل مِنْ قَوْم جَرِير غَيْره , فَأَخْرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمَاعَة هُوَ أَحَدهمْ . فَكَذَا أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ النَّصَارَى أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْه إِنْ شَاءَ اللَّه . وَقَوْله : { وَأَحِبَّاؤُهُ } وَهُوَ جَمْع حَبِيب ,
يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْكَذَبَة الْمُفْتَرِينَ عَلَى رَبّهمْ { فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ رَبّكُمْ } ؟ يَقُول : فَلِأَيِّ شَيْء يُعَذِّبكُمْ رَبّكُمْ بِذُنُوبِكُمْ إِنْ كَانَ الْأَمْر كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ , فَإِنَّ الْحَبِيب لَا يُعَذِّب حَبِيبه , وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُ مُعَذِّبكُمْ . وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالَتْ : إِنَّ اللَّه مُعَذِّبنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَد الْأَيَّام الَّتِي عَبَدْنَا فِيهَا الْعِجْل , ثُمَّ يُخْرِجنَا جَمِيعًا مِنْهَا ; فَقَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ؟ يُعْلِمهُمْ عَزَّ ذِكْره أَنَّهُمْ أَهْل فِرْيَة وَكَذِب عَلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ أَنْتُمْ بَشَر مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ بَلْ أَنْتُمْ بَشَر مِمَّنْ خَلَقَ , يَقُول : خَلْق مِنْ بَنِي آدَم , خَلَقَكُمْ اللَّه مِثْل سَائِر بَنِي آدَم , إِنْ أَحْسَنْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِحْسَانِكُمْ كَمَا سَائِر بَنِي آدَم مَجْزِيُّونَ بِإِحْسَانِهِمْ , وَإِنْ أَسَأْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِسَاءَتِكُمْ كَمَا غَيْركُمْ مَجْزِيّ بِهَا , لَيْسَ لَكُمْ عِنْد اللَّه إِلَّا مَا لِغَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقه , فَإِنَّهُ يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ ذُنُوبه , فَيَصْفَح عَنْهُ بِفَضْلِهِ , وَيَسْتُرهَا عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ , فَلَا يُعَاقِبهُ بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَغْفِرَة فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } يَقُول : وَيَعْدِل عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , فَيُعَاقِبهُ عَلَى ذُنُوبه , وَيَفْضَحهُ بِهَا عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , فَلَا يَسْتُرهَا عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعِيد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , الْمُتَّكِلِينَ عَلَى مَنَازِل سَلَفهمْ الْخِيَار عِنْد اللَّه , الَّذِينَ فَضَّلَهُمْ اللَّه بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ , وَاجْتِنَابهمْ مَعْصِيَته , لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى رِضَاهُ , وَاصْطِبَارهمْ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِيهِ . يَقُول لَهُمْ : لَا تَغْتَرُّوا بِمَكَانِ أُولَئِكَ مِنِّي , وَمَنَازِلهمْ عِنْدِي , فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا مِنِّي بِالطَّاعَةِ لِي , وَإِيثَار رِضَايَ عَلَى مَحَابّهمْ , لَا بِالْأَمَانِيِّ , فَجِدُّوا فِي طَاعَتِي , وَانْتَهُوا إِلَى أَمْرِي , وَانْزَجِرُوا عَمَّا نَهَيْتهمْ عَنْهُ , فَإِنِّي إِنَّمَا أَغْفِر ذُنُوب مَنْ أَشَاء أَنْ أَغْفِر ذُنُوبه مِنْ أَهْل طَاعَتِي , وَأُعَذِّب مَنْ أَشَاء تَعْذِيبه مِنْ أَهْل مَعْصِيَتِي , لَا لِمَنْ قَرَّبْت زُلْفَة آبَائِهِ مِنِّي , وَهُوَ لِي عَدُوّ وَلِأَمْرِي وَنَهْيِي مُخَالِف . وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9062 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : { يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } يَقُول : يَهْدِي مِنْكُمْ مَنْ يَشَاء فِي الدُّنْيَا فَيَغْفِر لَهُ , وَيُمِيت مَنْ يَشَاء مِنْكُمْ عَلَى كُفْره فَيُعَذِّبهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير } يَقُول : لِلَّهِ تَدْبِير مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , وَتَصْرِيفه , وَبِيَدِهِ أَمْره , وَلَهُ مُلْكه , يُصَرِّفهُ كَيْفَ يَشَاء وَيُدَبِّرهُ كَيْفَ أَحَبَّهُ , لَا شَرِيك لَهُ فِي شَيْء مِنْهُ وَلَا لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ مُلْك , فَاعْلَمُوا أَيّهَا الْقَائِلُونَ : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , أَنَّهُ إِنْ عَذَّبَكُمْ بِذُنُوبِكُمْ , لَمْ يَكُنْ لَكُمْ مِنْهُ مَانِع وَلَا لَكُمْ عَنْهُ دَافِع ; لِأَنَّهُ لَا نَسَب بَيْن أَحَد وَبَيْنه فَيُحَابِيه لِسَبَبِ ذَلِكَ , وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْء , وَمَرْجِعه فَاتَّقُوا أَيّهَا الْمُفْتَرُونَ عِقَابه إِيَّاكُمْ عَلَى ذُنُوبكُمْ بَعْد مَرْجِعكُمْ إِلَيْهِ , وَلَا تَغْتَرُّوا بِالْأَمَانِيِّ وَفَضَائِل الْآبَاء وَالْأَسْلَاف .
يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْكَذَبَة الْمُفْتَرِينَ عَلَى رَبّهمْ { فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ رَبّكُمْ } ؟ يَقُول : فَلِأَيِّ شَيْء يُعَذِّبكُمْ رَبّكُمْ بِذُنُوبِكُمْ إِنْ كَانَ الْأَمْر كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ , فَإِنَّ الْحَبِيب لَا يُعَذِّب حَبِيبه , وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُ مُعَذِّبكُمْ . وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالَتْ : إِنَّ اللَّه مُعَذِّبنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَد الْأَيَّام الَّتِي عَبَدْنَا فِيهَا الْعِجْل , ثُمَّ يُخْرِجنَا جَمِيعًا مِنْهَا ; فَقَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ؟ يُعْلِمهُمْ عَزَّ ذِكْره أَنَّهُمْ أَهْل فِرْيَة وَكَذِب عَلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ أَنْتُمْ بَشَر مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ بَلْ أَنْتُمْ بَشَر مِمَّنْ خَلَقَ , يَقُول : خَلْق مِنْ بَنِي آدَم , خَلَقَكُمْ اللَّه مِثْل سَائِر بَنِي آدَم , إِنْ أَحْسَنْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِحْسَانِكُمْ كَمَا سَائِر بَنِي آدَم مَجْزِيُّونَ بِإِحْسَانِهِمْ , وَإِنْ أَسَأْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِسَاءَتِكُمْ كَمَا غَيْركُمْ مَجْزِيّ بِهَا , لَيْسَ لَكُمْ عِنْد اللَّه إِلَّا مَا لِغَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقه , فَإِنَّهُ يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ ذُنُوبه , فَيَصْفَح عَنْهُ بِفَضْلِهِ , وَيَسْتُرهَا عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ , فَلَا يُعَاقِبهُ بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَغْفِرَة فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } يَقُول : وَيَعْدِل عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , فَيُعَاقِبهُ عَلَى ذُنُوبه , وَيَفْضَحهُ بِهَا عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , فَلَا يَسْتُرهَا عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعِيد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , الْمُتَّكِلِينَ عَلَى مَنَازِل سَلَفهمْ الْخِيَار عِنْد اللَّه , الَّذِينَ فَضَّلَهُمْ اللَّه بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ , وَاجْتِنَابهمْ مَعْصِيَته , لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى رِضَاهُ , وَاصْطِبَارهمْ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِيهِ . يَقُول لَهُمْ : لَا تَغْتَرُّوا بِمَكَانِ أُولَئِكَ مِنِّي , وَمَنَازِلهمْ عِنْدِي , فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا مِنِّي بِالطَّاعَةِ لِي , وَإِيثَار رِضَايَ عَلَى مَحَابّهمْ , لَا بِالْأَمَانِيِّ , فَجِدُّوا فِي طَاعَتِي , وَانْتَهُوا إِلَى أَمْرِي , وَانْزَجِرُوا عَمَّا نَهَيْتهمْ عَنْهُ , فَإِنِّي إِنَّمَا أَغْفِر ذُنُوب مَنْ أَشَاء أَنْ أَغْفِر ذُنُوبه مِنْ أَهْل طَاعَتِي , وَأُعَذِّب مَنْ أَشَاء تَعْذِيبه مِنْ أَهْل مَعْصِيَتِي , لَا لِمَنْ قَرَّبْت زُلْفَة آبَائِهِ مِنِّي , وَهُوَ لِي عَدُوّ وَلِأَمْرِي وَنَهْيِي مُخَالِف . وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9062 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : { يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } يَقُول : يَهْدِي مِنْكُمْ مَنْ يَشَاء فِي الدُّنْيَا فَيَغْفِر لَهُ , وَيُمِيت مَنْ يَشَاء مِنْكُمْ عَلَى كُفْره فَيُعَذِّبهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير } يَقُول : لِلَّهِ تَدْبِير مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , وَتَصْرِيفه , وَبِيَدِهِ أَمْره , وَلَهُ مُلْكه , يُصَرِّفهُ كَيْفَ يَشَاء وَيُدَبِّرهُ كَيْفَ أَحَبَّهُ , لَا شَرِيك لَهُ فِي شَيْء مِنْهُ وَلَا لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ مُلْك , فَاعْلَمُوا أَيّهَا الْقَائِلُونَ : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , أَنَّهُ إِنْ عَذَّبَكُمْ بِذُنُوبِكُمْ , لَمْ يَكُنْ لَكُمْ مِنْهُ مَانِع وَلَا لَكُمْ عَنْهُ دَافِع ; لِأَنَّهُ لَا نَسَب بَيْن أَحَد وَبَيْنه فَيُحَابِيه لِسَبَبِ ذَلِكَ , وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْء , وَمَرْجِعه فَاتَّقُوا أَيّهَا الْمُفْتَرُونَ عِقَابه إِيَّاكُمْ عَلَى ذُنُوبكُمْ بَعْد مَرْجِعكُمْ إِلَيْهِ , وَلَا تَغْتَرُّوا بِالْأَمَانِيِّ وَفَضَائِل الْآبَاء وَالْأَسْلَاف .
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَهْل الْكِتَاب } الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْ بَعْضهمْ فِيمَا ذُكِرَ لَمَّا دَعَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , قَالُوا : مَا بَعَثَ اللَّه مِنْ نَبِيّ بَعْد مُوسَى , وَلَا أَنْزَلَ بَعْد التَّوْرَاة كِتَابًا . 9063 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ مُعَاذ بْن جَبَل وَسَعْد بْن عُبَادَة وَعُقْبَة بْن وَهْب لِلْيَهُودِ : يَا مَعْشَر الْيَهُود , اِتَّقُوا اللَّه , فَوَاَللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه , لَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْل مَبْعَثه , وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ . فَقَالَ رَابِع بْن حَرْمَلَة وَوَهْب بْن يَهُوذَا : مَا قُلْنَا هَذَا لَكُمْ وَمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَاب بَعْد مُوسَى , وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْده . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمَا : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِير وَنَذِير وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا } قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولنَا , { يُبَيِّنُ لَكُمْ } يَقُول : يُعَرِّفكُمْ الْحَقّ , وَيُوَضِّح لَكُمْ أَعْلَام الْهُدَى , وَيُرْشِدكُمْ إِلَى دِين اللَّه الْمُرْتَضَى . كَمَا : 9064 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , جَاءَ بِالْفُرْقَانِ الَّذِي فَرَّقَ اللَّه بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , فِيهِ بَيَان اللَّه وَنُوره وَهُدَاهُ , وَعِصْمَة لِمَنْ أَخَذَ بِهِ .
يَقُول : عَلَى اِنْقِطَاع مِنْ الرُّسُل . وَالْفَتْرَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الِانْقِطَاع , يَقُول : قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ الْحَقّ وَالْهُدَى عَلَى اِنْقِطَاع مِنْ الرُّسُل . وَالْفَتْرَة : الْفَعْلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَتَرَ هَذَا الْأَمْر يَفْتُر فُتُورًا , وَذَلِكَ إِذَا هَدَأَ وَسَكَنَ , وَكَذَلِكَ الْفَتْرَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَاهَا : السُّكُون , يُرَاد بِهِ سُكُون مَجِيء الرُّسُل , وَذَلِكَ اِنْقِطَاعهَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَدْر مُدَّة تِلْكَ الْفَتْرَة , فَاخْتَلَفَ فِي الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ عَنْ قَتَادَة . فَرَوَى مَعْمَر عَنْهُ , مَا : 9065 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَ بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ خَمْسمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَة . وَرَوَى سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْهُ , مَا : 9066 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَتْ الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ سِتّمِائَةِ سَنَة , أَوْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ اللَّه أَعْلَم . 9067 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَصْحَابه , قَوْله : { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَ بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ خَمْسمِائَةِ سَنَة وَأَرْبَعُونَ سَنَة . قَالَ مَعْمَر : قَالَ قَتَادَة : خَمْسمِائَةِ سَنَة وَسِتُّونَ سَنَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 9068 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَتْ الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة وَبِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَة .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير } أَنْ لَا تَقُولُوا , وَكَيْ لَا تَقُولُوا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } بِمَعْنَى : أَنْ لَا تَضِلُّوا , وَكَيْ لَا تَضِلُّوا . فَمَعْنَى الْكَلَام : قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل , كَيْ لَا تَقُولُوا : مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير . يُعْلِمهُمْ عَزَّ ذِكْره أَنَّهُ قَدْ قَطَعَ عُذْرهمْ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبْلَغَ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّة . وَيَعْنِي بِالْبَشِيرِ : الْمُبَشِّر مَنْ أَطَاعَ اللَّه وَآمَنَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَعَمِلَ بِمَا آتَاهُ مِنْ عِنْد اللَّه بِعَظِيمِ ثَوَابه فِي آخِرَته , وَبِالنَّذِيرِ الْمُنْذِر مَنْ عَصَاهُ وَكَذَّبَ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلَ بِغَيْرِ مَا أَتَاهُ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ أَمْره وَنَهْيه بِمَا لَا قِبَل لَهُ بِهِ مِنْ أَلِيم عِقَابه فِي مَعَاده وَشَدِيد عَذَابه فِي قِيَامَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِير وَنَذِير وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتهمْ : قَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكُمْ , وَاحْتَجَجْنَا عَلَيْكُمْ بِرَسُولِنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ , وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ , لِيُبَيِّن لَكُمْ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْر دِينكُمْ , كَيْلَا تَقُولُوا لَمْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدك رَسُول يُبَيِّن لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة , فَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ عِنْدِي رَسُول , يُبَشِّر مَنْ آمَنَ بِي وَعَمِلَ بِمَا أَمَرْته , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَيْته عَنْهُ , وَيُنْذِر مَنْ عَصَانِي وَخَالَفَ أَمْرِي , وَأَنَا الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , أَقْدِر عَلَى عِقَاب مَنْ عَصَانِي وَثَوَاب مَنْ أَطَاعَنِي , فَاتَّقُوا عِقَابِي عَلَى مَعْصِيَتكُمْ إِيَّايَ وَتَكْذِيبكُمْ رَسُولِي , وَاطْلُبُوا ثَوَابِي عَلَى طَاعَتكُمْ إِيَّايَ , وَتَصْدِيقكُمْ بَشِيرِي وَنَذِيرِي , فَإِنِّي أَنَا الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ وَلَا يَفُوتهُ شَيْء طَلَبَهُ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا } قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولنَا , { يُبَيِّنُ لَكُمْ } يَقُول : يُعَرِّفكُمْ الْحَقّ , وَيُوَضِّح لَكُمْ أَعْلَام الْهُدَى , وَيُرْشِدكُمْ إِلَى دِين اللَّه الْمُرْتَضَى . كَمَا : 9064 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , جَاءَ بِالْفُرْقَانِ الَّذِي فَرَّقَ اللَّه بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , فِيهِ بَيَان اللَّه وَنُوره وَهُدَاهُ , وَعِصْمَة لِمَنْ أَخَذَ بِهِ .
يَقُول : عَلَى اِنْقِطَاع مِنْ الرُّسُل . وَالْفَتْرَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الِانْقِطَاع , يَقُول : قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ الْحَقّ وَالْهُدَى عَلَى اِنْقِطَاع مِنْ الرُّسُل . وَالْفَتْرَة : الْفَعْلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَتَرَ هَذَا الْأَمْر يَفْتُر فُتُورًا , وَذَلِكَ إِذَا هَدَأَ وَسَكَنَ , وَكَذَلِكَ الْفَتْرَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَاهَا : السُّكُون , يُرَاد بِهِ سُكُون مَجِيء الرُّسُل , وَذَلِكَ اِنْقِطَاعهَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَدْر مُدَّة تِلْكَ الْفَتْرَة , فَاخْتَلَفَ فِي الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ عَنْ قَتَادَة . فَرَوَى مَعْمَر عَنْهُ , مَا : 9065 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَ بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ خَمْسمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَة . وَرَوَى سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْهُ , مَا : 9066 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَتْ الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ سِتّمِائَةِ سَنَة , أَوْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ اللَّه أَعْلَم . 9067 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَصْحَابه , قَوْله : { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَ بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ خَمْسمِائَةِ سَنَة وَأَرْبَعُونَ سَنَة . قَالَ مَعْمَر : قَالَ قَتَادَة : خَمْسمِائَةِ سَنَة وَسِتُّونَ سَنَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 9068 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَتْ الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة وَبِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَة .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير } أَنْ لَا تَقُولُوا , وَكَيْ لَا تَقُولُوا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } بِمَعْنَى : أَنْ لَا تَضِلُّوا , وَكَيْ لَا تَضِلُّوا . فَمَعْنَى الْكَلَام : قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل , كَيْ لَا تَقُولُوا : مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير . يُعْلِمهُمْ عَزَّ ذِكْره أَنَّهُ قَدْ قَطَعَ عُذْرهمْ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبْلَغَ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّة . وَيَعْنِي بِالْبَشِيرِ : الْمُبَشِّر مَنْ أَطَاعَ اللَّه وَآمَنَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَعَمِلَ بِمَا آتَاهُ مِنْ عِنْد اللَّه بِعَظِيمِ ثَوَابه فِي آخِرَته , وَبِالنَّذِيرِ الْمُنْذِر مَنْ عَصَاهُ وَكَذَّبَ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلَ بِغَيْرِ مَا أَتَاهُ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ أَمْره وَنَهْيه بِمَا لَا قِبَل لَهُ بِهِ مِنْ أَلِيم عِقَابه فِي مَعَاده وَشَدِيد عَذَابه فِي قِيَامَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِير وَنَذِير وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتهمْ : قَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكُمْ , وَاحْتَجَجْنَا عَلَيْكُمْ بِرَسُولِنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ , وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ , لِيُبَيِّن لَكُمْ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْر دِينكُمْ , كَيْلَا تَقُولُوا لَمْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدك رَسُول يُبَيِّن لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة , فَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ عِنْدِي رَسُول , يُبَشِّر مَنْ آمَنَ بِي وَعَمِلَ بِمَا أَمَرْته , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَيْته عَنْهُ , وَيُنْذِر مَنْ عَصَانِي وَخَالَفَ أَمْرِي , وَأَنَا الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , أَقْدِر عَلَى عِقَاب مَنْ عَصَانِي وَثَوَاب مَنْ أَطَاعَنِي , فَاتَّقُوا عِقَابِي عَلَى مَعْصِيَتكُمْ إِيَّايَ وَتَكْذِيبكُمْ رَسُولِي , وَاطْلُبُوا ثَوَابِي عَلَى طَاعَتكُمْ إِيَّايَ , وَتَصْدِيقكُمْ بَشِيرِي وَنَذِيرِي , فَإِنِّي أَنَا الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ وَلَا يَفُوتهُ شَيْء طَلَبَهُ .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } وَهَذَا أَيْضًا مِنْ اللَّه تَعْرِيف لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيم بِتَمَادِي هَؤُلَاءِ الْيَهُود فِي الْغَيّ وَبُعْدهمْ عَنْ الْحَقّ وَسُوء اِخْتِيَارهمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَشِدَّة خِلَافهمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَبُطْء إِنَابَتهمْ إِلَى الرَّشَاد , مَعَ كَثْرَة نِعَمِ اللَّه عِنْدهمْ وَتَتَابُع أَيَادِيه وَآلَائِهِ عَلَيْهِ , مُسَلِّيًا بِذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلّ بِهِ مِنْ عِلَاجهمْ وَيَنْزِل بِهِ مِنْ مُقَاسَاتهمْ فِي ذَات اللَّه . يَقُول اللَّه لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَأْسَ عَلَى مَا أَصَابَك مِنْهُمْ , فَإِنَّ الذَّهَاب عَنْ اللَّه وَالْبُعْد مِنْ الْحَقّ وَمَا فِيهِ لَهُمْ الْحَظّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مِنْ عَادَاتهمْ وَعَادَات أَسْلَافهمْ وَأَوَائِلهمْ , وَتَعَزَّ بِمَا لَاقَى مِنْهُمْ أَخُوك مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ مُوسَى لَهُمْ : { يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } يَقُول : اُذْكُرُوا أَيَادِي اللَّه عِنْدكُمْ وَآلَاءَهُ قِبَلكُمْ . كَمَا : 9069 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة : { اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } قَالَ : أَيَادِيَ اللَّه عِنْدكُمْ وَأَيَّامه . 9070 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } يَقُول : عَافِيَة اللَّه . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا مَا قُلْنَا ; لِأَنَّ اللَّه لَمْ يُخَصِّص مِنْ النِّعَم شَيْئًا , بَلْ عَمَّ ذَلِكَ يَذْكُر النِّعَم , فَذَلِكَ عَلَى الْعَافِيَة وَغَيْرهَا , إِذْ كَانَتْ الْعَافِيَة أَحَد مَعَانِي النِّعَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , أَنَّ مُوسَى ذَكَّرَ قَوْمه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِأَيَّامِ اللَّه عِنْدهمْ وَبِآلَائِهِ قِبَلهمْ , فَحَرَّضَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى اِتِّبَاع أَمْر اللَّه فِي قِتَال الْجَبَّارِينَ , فَقَالَ لَهُمْ : اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ أَنْ فَضَّلَكُمْ بِأَنْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء يَأْتُونَكُمْ بِوَحْيِهِ وَيُخْبِرُونَكُمْ بِآيَاتِهِ الْغَيْب , وَلَمْ يُعْطِ ذَلِكَ غَيْركُمْ فِي زَمَانكُمْ هَذَا . فَقِيلَ إِنَّ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مُوسَى أَنَّهُمْ جُعِلُوا فِيهِمْ هُمْ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى , إِذْ صَارَ إِلَى الْجَبَل وَهُمْ السَّبْعُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } سَخَّرَ لَكُمْ مِنْ غَيْركُمْ خَدَمًا يَخْدُمُونَكُمْ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مُوسَى ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَان أَحَد سِوَاهُمْ يَخْدُمهُ أَحَد مِنْ بَنِي آدَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9071 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهُمْ أَوَّل مَنْ سُخِّرَ لَهُمْ الْخَدَم مِنْ بَنِي آدَم وَمُلِّكُوا . وَقَالَ آخَرُونَ : كُلّ مَنْ مَلَكَ بَيْتًا وَخَادِمًا وَامْرَأَة , فَهُوَ مَلِك كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9072 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو هَانِئ , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيّ يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص وَسَأَلَهُ رَجُل , فَقَالَ : أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : أَلَكَ اِمْرَأَة تَأْوِي إِلَيْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : أَلَكَ مَسْكَن تَسْكُنهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَأَنْتَ مِنْ الْأَغْنِيَاء . فَقَالَ : إِنَّ لِي خَادِمًا . قَالَ : فَأَنْتَ مِنْ الْمُلُوك . 9073 - حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بَكَّار , قَالَ : ثنا أَبُو ضَمْرَة أَنَس بْن عِيَاض , قَالَ : سَمِعْت زَيْد بْن أَسْلَمَ , يَقُول : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } فَلَا أَعْلَم إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَ لَهُ بَيْت وَخَادِم فَهُوَ مَلِك " 9074 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْعَلَاء بْن عَبْد الْجَبَّار , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } فَقَالَ : وَهَلْ الْمُلْك إِلَّا مَرْكَب وَخَادِم وَدَار . فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة : إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْلِكُونَ الدُّور وَالْخَدَم , وَلَهُمْ نِسَاء وَأَزْوَاج . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9075 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : أَرَاهُ عَنْ الْحَكَم : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ بَيْت وَامْرَأَة وَخَادِم , عُدَّ مَلِكًا . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان . ح , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْخَادِم . قَالَ سُفْيَان : أَوْ اِثْنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَة . 9076 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الْبَيْت وَالْخَادِم . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم أَوْ غَيْره , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالْبَيْت . 9077 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّنَافِسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج بْن تَمِيم , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كَانَ الرَّجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذَا كَانَتْ لَهُ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّار يُسَمَّى مَلِكًا . 9078 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : مَلَّكهمْ الْخَدَم . قَالَ قَتَادَة : كَانُوا أَوَّل مَنْ مَلَكَ الْخَدَم . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَنْفُسهمْ وَأَهْلَيهِمْ وَأَمْوَالهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9079 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } يَمْلِك الرَّجُل مِنْكُمْ نَفْسه وَأَهْله وَمَاله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } اُخْتُلِفَ فِيمَنْ عُنُوا بِهَذَا الْخِطَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9080 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك وَسَعِيد بْن جُبَيْر : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَا : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ قَوْم مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُمْ قَوْم مُوسَى . 9082 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : هُمْ بَيْن ظَهْرَانِيهِ يَوْمَئِذٍ . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي الَّذِي آتَاهُمْ اللَّه مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9083 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } يَعْنِي أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان , الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الدَّار وَالْخَادِم وَالزَّوْجَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9084 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بِشْر بْن السَّرِيّ , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : الرَّجُل يَكُون لَهُ الدَّار وَالْخَادِم وَالزَّوْجَة . 9085 - حَدَّثَنِي الْحَارِث . قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ , خِطَاب لِبَنِي إِسْرَائِيل , حَيْثُ جَاءَ فِي سِيَاق قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } وَمَعْطُوفًا عَلَيْهِ . وَلَا دَلَالَة فِي الْكَلَام تَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } مَصْرُوف عَنْ خِطَاب الَّذِينَ اُبْتُدِئَ بِخِطَابِهِمْ فِي أَوَّل الْآيَة . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَنْ يَكُون خِطَابًا لَهُمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَال : هُوَ مَصْرُوف عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } لَا يَجُوز أَنْ يَكُون خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ كَانَتْ أُمَّة مُحَمَّد قَدْ أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَة اللَّه نَبِيّهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُحَمَّدًا , مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا غَيْرهمْ , وَهُمْ مِنْ الْعَالَمِينَ ; فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } خِطَاب مِنْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِهِ يَوْمئِذٍ , وَعَنَى بِذَلِكَ عَالِمِي زَمَانه لَا عَالِمِي كُلّ زَمَان , وَلَمْ يَكُنْ أُوتِيَ فِي ذَلِكَ الزَّمَان مِنْ نِعَم اللَّه وَكَرَامَته مَا أُوتِيَ قَوْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ , فَخَرَجَ الْكَلَام مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لَا عَلَى جَمِيع كُلّ زَمَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , أَنَّ مُوسَى ذَكَّرَ قَوْمه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِأَيَّامِ اللَّه عِنْدهمْ وَبِآلَائِهِ قِبَلهمْ , فَحَرَّضَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى اِتِّبَاع أَمْر اللَّه فِي قِتَال الْجَبَّارِينَ , فَقَالَ لَهُمْ : اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ أَنْ فَضَّلَكُمْ بِأَنْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء يَأْتُونَكُمْ بِوَحْيِهِ وَيُخْبِرُونَكُمْ بِآيَاتِهِ الْغَيْب , وَلَمْ يُعْطِ ذَلِكَ غَيْركُمْ فِي زَمَانكُمْ هَذَا . فَقِيلَ إِنَّ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مُوسَى أَنَّهُمْ جُعِلُوا فِيهِمْ هُمْ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى , إِذْ صَارَ إِلَى الْجَبَل وَهُمْ السَّبْعُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } سَخَّرَ لَكُمْ مِنْ غَيْركُمْ خَدَمًا يَخْدُمُونَكُمْ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مُوسَى ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَان أَحَد سِوَاهُمْ يَخْدُمهُ أَحَد مِنْ بَنِي آدَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9071 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهُمْ أَوَّل مَنْ سُخِّرَ لَهُمْ الْخَدَم مِنْ بَنِي آدَم وَمُلِّكُوا . وَقَالَ آخَرُونَ : كُلّ مَنْ مَلَكَ بَيْتًا وَخَادِمًا وَامْرَأَة , فَهُوَ مَلِك كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9072 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو هَانِئ , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيّ يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص وَسَأَلَهُ رَجُل , فَقَالَ : أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : أَلَكَ اِمْرَأَة تَأْوِي إِلَيْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : أَلَكَ مَسْكَن تَسْكُنهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَأَنْتَ مِنْ الْأَغْنِيَاء . فَقَالَ : إِنَّ لِي خَادِمًا . قَالَ : فَأَنْتَ مِنْ الْمُلُوك . 9073 - حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بَكَّار , قَالَ : ثنا أَبُو ضَمْرَة أَنَس بْن عِيَاض , قَالَ : سَمِعْت زَيْد بْن أَسْلَمَ , يَقُول : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } فَلَا أَعْلَم إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَ لَهُ بَيْت وَخَادِم فَهُوَ مَلِك " 9074 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْعَلَاء بْن عَبْد الْجَبَّار , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } فَقَالَ : وَهَلْ الْمُلْك إِلَّا مَرْكَب وَخَادِم وَدَار . فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة : إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْلِكُونَ الدُّور وَالْخَدَم , وَلَهُمْ نِسَاء وَأَزْوَاج . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9075 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : أَرَاهُ عَنْ الْحَكَم : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ بَيْت وَامْرَأَة وَخَادِم , عُدَّ مَلِكًا . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان . ح , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْخَادِم . قَالَ سُفْيَان : أَوْ اِثْنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَة . 9076 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الْبَيْت وَالْخَادِم . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم أَوْ غَيْره , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالْبَيْت . 9077 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّنَافِسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج بْن تَمِيم , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كَانَ الرَّجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذَا كَانَتْ لَهُ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّار يُسَمَّى مَلِكًا . 9078 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : مَلَّكهمْ الْخَدَم . قَالَ قَتَادَة : كَانُوا أَوَّل مَنْ مَلَكَ الْخَدَم . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَنْفُسهمْ وَأَهْلَيهِمْ وَأَمْوَالهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9079 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } يَمْلِك الرَّجُل مِنْكُمْ نَفْسه وَأَهْله وَمَاله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } اُخْتُلِفَ فِيمَنْ عُنُوا بِهَذَا الْخِطَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9080 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك وَسَعِيد بْن جُبَيْر : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَا : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ قَوْم مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُمْ قَوْم مُوسَى . 9082 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : هُمْ بَيْن ظَهْرَانِيهِ يَوْمَئِذٍ . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي الَّذِي آتَاهُمْ اللَّه مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9083 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } يَعْنِي أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان , الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الدَّار وَالْخَادِم وَالزَّوْجَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9084 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بِشْر بْن السَّرِيّ , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : الرَّجُل يَكُون لَهُ الدَّار وَالْخَادِم وَالزَّوْجَة . 9085 - حَدَّثَنِي الْحَارِث . قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ , خِطَاب لِبَنِي إِسْرَائِيل , حَيْثُ جَاءَ فِي سِيَاق قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } وَمَعْطُوفًا عَلَيْهِ . وَلَا دَلَالَة فِي الْكَلَام تَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } مَصْرُوف عَنْ خِطَاب الَّذِينَ اُبْتُدِئَ بِخِطَابِهِمْ فِي أَوَّل الْآيَة . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَنْ يَكُون خِطَابًا لَهُمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَال : هُوَ مَصْرُوف عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } لَا يَجُوز أَنْ يَكُون خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ كَانَتْ أُمَّة مُحَمَّد قَدْ أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَة اللَّه نَبِيّهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُحَمَّدًا , مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا غَيْرهمْ , وَهُمْ مِنْ الْعَالَمِينَ ; فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } خِطَاب مِنْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِهِ يَوْمئِذٍ , وَعَنَى بِذَلِكَ عَالِمِي زَمَانه لَا عَالِمِي كُلّ زَمَان , وَلَمْ يَكُنْ أُوتِيَ فِي ذَلِكَ الزَّمَان مِنْ نِعَم اللَّه وَكَرَامَته مَا أُوتِيَ قَوْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ , فَخَرَجَ الْكَلَام مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لَا عَلَى جَمِيع كُلّ زَمَان .
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قَوْل مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَأَمْره إِيَّاهُمْ عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهُ , يَأْمُرهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْأَرْض الَّتِي عَنَاهَا بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : الطُّور وَمَا حَوْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9086 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْأَرْض الْمُقَدَّسَة : الطُّور وَمَا حَوْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9087 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } قَالَ : الطُّور وَمَا حَوْله . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الشَّام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9088 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } قَالَ : هِيَ الشَّام . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أَرْض أَرِيحَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9089 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : أَرِيحَاء . 9090 - حَدَّثَنِي يُوسُف بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : هِيَ أَرِيحَاء . 9091 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هِيَ أَرِيحَاء . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة : دِمَشْق وَفِلَسْطِين وَبَعْض الْأُرْدُن . وَعَنَى بِقَوْلِهِ { الْمُقَدَّسَة } الْمُطَهَّرَة الْمُبَارَكَة . كَمَا : 9092 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } قَالَ : الْمُبَارَكَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِمِثْلِهِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , أَنْ يُقَال : هِيَ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , كَمَا قَالَ نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . لِأَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ بِأَنَّهَا أَرْض دُون أَرْض , لَا تُدْرَك حَقِيقَة صِحَّته إِلَّا بِالْخَبَرِ , وَلَا خَبَر بِذَلِكَ يَجُوز قَطْع الشَّهَادَة بِهِ , غَيْر أَنَّهَا لَنْ تَخْرُج مِنْ أَنْ تَكُون مِنْ الْأَرْض الَّتِي بَيْن الْفُرَات وَعَرِيش مِصْر لِإِجْمَاعِ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل وَالسِّيَر وَالْعُلَمَاء بِالْأَخْبَارِ عَلَى ذَلِكَ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي أَثْبَتَ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَنَّهَا لَكُمْ مَسَاكِن , وَمَنَازِل دُون الْجَبَابِرَة الَّتِي فِيهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قَالَ : { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِقَوْلِهِ : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ } ؟ فَكَيْفَ يَكُون مُثْبَتًا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَنَّهَا مَسَاكِن لَهُمْ , وَمُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ سُكْنَاهَا ؟ قِيلَ : إِنَّهَا كُتِبَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل دَارًا وَمَسَاكِن , وَقَدْ سَكَنُوهَا وَنَزَلُوهَا , وَصَارَتْ لَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ . وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } يَعْنِي بِهَا : كَتَبَهَا اللَّه لِبَنِي إِسْرَائِيل - وَكَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ مُوسَى بِدُخُولِهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل - وَلَمْ يَعْنِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره كَتَبَهَا لِلَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِهَا بِأَعْيَانِهِمْ , وَلَوْ قَالَ قَائِل : قَدْ كَانَتْ مَكْتُوبَة لِبَعْضِهِمْ , وَلِخَاصٍّ مِنْهُمْ , فَأَخْرَجَ الْكَلَام عَلَى الْعُمُوم وَالْمُرَاد مِنْهُ الْخَاصّ , إِذْ كَانَ يُوشَع وَكَالِب قَدْ دَخَلَا , وَكَانَا مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْقَوْل , كَانَ أَيْضًا وَجْهًا صَحِيحًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 9093 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي وَهَبَ اللَّه لَكُمْ . وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول : مَعْنَى " كَتَبَ " فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى " أَمَرَ " . 9094 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي أَمَرَكُمْ اللَّه بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قِيل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ أَمَرَهُمْ عَنْ أَمْر اللَّه عَزَّ ذِكْره إِيَّاهُ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : اِمْضُوا أَيّهَا الْقَوْم لِأَمْرِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ دُخُول الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , { وَلَا تَرْتَدُّوا } يَقُول : لَا تَرْجِعُوا الْقَهْقَرَى مُرْتَدِّينَ { عَلَى أَدْبَاركُمْ } يَعْنِي : إِلَى وَرَائِكُمْ , وَلَكِنْ اِمْضُوا قُدُمًا لِأَمْرِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ الدُّخُول عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ أَمَرَكُمْ اللَّه بِقِتَالِهِمْ وَالْهُجُوم عَلَيْهِمْ فِي أَرْضهمْ , وَأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَتَبَهَا لَكُمْ مَسْكَنًا وَقَرَارًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ وَجْه قِيل مُوسَى لِقَوْمِهِ إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ؟ أَوَيَسْتَوْجِبُ الْخَسَارَة مَنْ لَمْ يَدْخُل أَرْضًا جُعِلَتْ لَهُ ؟ قِيلَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره كَانَ أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ دُخُولهَا , فَاسْتَوْجَبَ الْقَوْم الْخَسَارَة بِتَرْكِهِمْ إِذًا فَرْضَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا تَضْيِيع فَرْض الْجِهَاد الَّذِي كَانَ اللَّه فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ . وَالثَّانِي : خِلَافهمْ أَمْر اللَّه فِي تَرْكهمْ دُخُول الْأَرْض , وَقَوْلهمْ لِنَبِيِّهِمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لَهُمْ " اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة " : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } كَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9095 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } أُمِرُوا بِهَا كَمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَنَّكُمْ تَنْصَرِفُوا خَائِبِينَ هَكَذَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَسَارَة فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَة عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَاب قَوْم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , أَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ إِجَابَة إِلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَاعْتَلُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ فِي الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي تَأْمُرنَا بِدُخُولِهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ لَا طَاقَة لَنَا بِحَرْبِهِمْ وَلَا قُوَّة لَنَا بِهِمْ . وَسَمَّوْهُمْ جَبَّارِينَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِشِدَّةِ بَطْشهمْ وَعَظِيم خَلْقهمْ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا قَدْ قَهَرُوا سَائِر الْأُمَم غَيْرهمْ . وَأَصْل الْجَبَّار : الْمُصْلِح أَمْر نَفْسه وَأَمْر غَيْره , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلّ مَنْ اِجْتَرَّ نَفْعًا إِلَى نَفْسه بِحَقٍّ أَوْ بَاطِل طَلَبَ الْإِصْلَاح لَهَا حَتَّى قِيلَ لِلْمُتَعَدِّي إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ بَغْيًا عَلَى النَّاس وَقَهْرًا لَهُمْ وَعُتُوًّا عَلَى رَبّه : جَبَّار , وَإِنَّمَا هُوَ فَعَّال مِنْ قَوْلهمْ : جَبَرَ فُلَان هَذَا الْكَسْر إِذَا أَصْلَحَهُ وَلَأَمَهُ , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرْ وَعَوَّرَ الرَّحْمَنُ مَنْ وَلَّى الْعَوَر يُرِيد : قَدْ أَصْلَحَ الدِّين الْإِلَه فَصَلُحَ وَمِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْجَبَّار ; لِأَنَّهُ الْمُصْلِح أَمْر عِبَاده الْقَاهِر لَهُمْ بِقُدْرَتِهِ . وَمِمَّا ذَكَرْته مِنْ عِظَم خَلْقهمْ مَا : 9096 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي قِصَّة ذَكَرَهَا مِنْ أَمْر مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل , قَالَ : ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَاء , وَهِيَ أَرْض بَيْت الْمَقْدِس , فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ , بَعَثَ مُوسَى اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ جَمِيع أَسْبَاط بَنِي إِسْرَائِيل , فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَّارِينَ , فَلَقِيَهُمْ رَجُل مِنْ الْجَبَّارِينَ , يُقَال لَهُ : عُوج , فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَر فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَته , وَعَلَى رَأْسه حُزْمَة حَطَب , وَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى اِمْرَأَته , فَقَالَ : اُنْظُرِي لِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا ! فَطَرَحَهُمْ بَيْن يَدَيْهَا , فَقَالَ : أَلَا أَطْحَنهُمْ بِرِجْلِي ؟ فَقَالَتْ اِمْرَأَته : لَا , بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمهمْ بِمَا رَأَوْا , فَفَعَلَ ذَلِكَ . 9097 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد , قَالَ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَدْخُل مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , قَالَ : فَسَارَ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة , وَهِيَ أَرِيحَاء . فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ اِثْنَيْ عَشَر عَيْنًا , مِنْ كُلّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْنًا , لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْقَوْم . قَالَ : فَدَخَلُوا الْمَدِينَة , فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ هَيْئَتهمْ وَجُثَثهمْ وَعِظَمهمْ , فَدَخَلُوا حَائِطًا لِبَعْضِهِمْ , فَجَاءَ صَاحِب الْحَائِط لِيَجْتَنِيَ الثِّمَار مِنْ حَائِطه , فَجَعَلَ يَجْتَنِي الثِّمَار وَيَنْظُر إِلَى آثَارهمْ وَتَتَبَّعَهُمْ , فَكُلَّمَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَخَذَهُ , فَجَعَلَهُ فِي كُمّه مَعَ الْفَاكِهَة . وَذَهَبَ إِلَى مَلِكهمْ فَنَثَرَهُمْ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ الْمَلِك : قَدْ رَأَيْتُمْ شَأْننَا وَأَمْرنَا , اِذْهَبُوا فَأَخْبِرُوا صَاحِبكُمْ ! قَالَ : فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرهمْ . 9098 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَام وَخَلْق لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ . 9099 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِقَوْمِهِ : إِنِّي سَأَبْعَثُ رِجَالًا يَأْتُونَنِي بِخَبَرِهِمْ ! وَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا , فَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا , فَقَالَ : سِيرُوا إِلَيْهِمْ وَحَدِّثُونِي حَدِيثهمْ وَمَا أَمْرهمْ ! وَلَا تَخَافُوا إِنَّ اللَّه مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمْ الصَّلَاة , وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة , وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِهِ , وَعَزَّرْتُمُوهُمْ , وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا . ثُمَّ إِنَّ الْقَوْم سَارُوا حَتَّى هَجَمُوا عَلَيْهِمْ , فَرَأَوْا أَقْوَامًا لَهُمْ أَجْسَامًا عَجَب , عِظَمًا وَقُوَّة , وَأَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ أَبْصَرَهُمْ أَحَد الْجَبَّارِينَ , وَهُمْ لَا يَأْلُونَ أَنْ يُخْفُوا أَنْفُسهمْ حِين رَأَوْا الْعَجَب , فَأَخَذَ ذَلِكَ الْجَبَّار مِنْهُمْ رِجَالًا , فَأَتَى رَئِيسهمْ , فَأَلْقَاهُمْ قُدَّامه , فَعَجِبُوا وَضَحِكُوا مِنْهُمْ , فَقَالَ قَائِل مِنْهُمْ : إِنَّ هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا غَزْوكُمْ , وَأَنَّهُ لَوْلَا مَا دَفَعَ اللَّه عَنْهُمْ لَقُتِلُوا . وَإِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَحَدَّثُوهُ الْعَجَب . 9100 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ , فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُل فِي كُمّ أَحَدهمْ اِثْنَانِ مِنْهُمْ , يُلْقُونَهُمْ إِلْقَاء , وَلَا يَحْمِل عُنْقُود عِنَبهمْ إِلَّا خَمْسَة أَنْفُس بَيْنهمْ فِي خَشَبَة , وَيَدْخُل فِي شَطْر الرُّمَّانَة إِذَا نُزِعَ حَبّهَا خَمْسَة نَفْس أَوْ أَرْبَعَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 9101 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْوَزِير بْن قَيْس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } قَالَ : سَفَلَة لَا خَلَاق لَهُمْ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي أَثْبَتَ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَنَّهَا لَكُمْ مَسَاكِن , وَمَنَازِل دُون الْجَبَابِرَة الَّتِي فِيهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قَالَ : { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِقَوْلِهِ : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ } ؟ فَكَيْفَ يَكُون مُثْبَتًا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَنَّهَا مَسَاكِن لَهُمْ , وَمُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ سُكْنَاهَا ؟ قِيلَ : إِنَّهَا كُتِبَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل دَارًا وَمَسَاكِن , وَقَدْ سَكَنُوهَا وَنَزَلُوهَا , وَصَارَتْ لَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ . وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } يَعْنِي بِهَا : كَتَبَهَا اللَّه لِبَنِي إِسْرَائِيل - وَكَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ مُوسَى بِدُخُولِهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل - وَلَمْ يَعْنِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره كَتَبَهَا لِلَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِهَا بِأَعْيَانِهِمْ , وَلَوْ قَالَ قَائِل : قَدْ كَانَتْ مَكْتُوبَة لِبَعْضِهِمْ , وَلِخَاصٍّ مِنْهُمْ , فَأَخْرَجَ الْكَلَام عَلَى الْعُمُوم وَالْمُرَاد مِنْهُ الْخَاصّ , إِذْ كَانَ يُوشَع وَكَالِب قَدْ دَخَلَا , وَكَانَا مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْقَوْل , كَانَ أَيْضًا وَجْهًا صَحِيحًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 9093 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي وَهَبَ اللَّه لَكُمْ . وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول : مَعْنَى " كَتَبَ " فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى " أَمَرَ " . 9094 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي أَمَرَكُمْ اللَّه بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قِيل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ أَمَرَهُمْ عَنْ أَمْر اللَّه عَزَّ ذِكْره إِيَّاهُ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : اِمْضُوا أَيّهَا الْقَوْم لِأَمْرِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ دُخُول الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , { وَلَا تَرْتَدُّوا } يَقُول : لَا تَرْجِعُوا الْقَهْقَرَى مُرْتَدِّينَ { عَلَى أَدْبَاركُمْ } يَعْنِي : إِلَى وَرَائِكُمْ , وَلَكِنْ اِمْضُوا قُدُمًا لِأَمْرِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ الدُّخُول عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ أَمَرَكُمْ اللَّه بِقِتَالِهِمْ وَالْهُجُوم عَلَيْهِمْ فِي أَرْضهمْ , وَأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَتَبَهَا لَكُمْ مَسْكَنًا وَقَرَارًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ وَجْه قِيل مُوسَى لِقَوْمِهِ إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ؟ أَوَيَسْتَوْجِبُ الْخَسَارَة مَنْ لَمْ يَدْخُل أَرْضًا جُعِلَتْ لَهُ ؟ قِيلَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره كَانَ أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ دُخُولهَا , فَاسْتَوْجَبَ الْقَوْم الْخَسَارَة بِتَرْكِهِمْ إِذًا فَرْضَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا تَضْيِيع فَرْض الْجِهَاد الَّذِي كَانَ اللَّه فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ . وَالثَّانِي : خِلَافهمْ أَمْر اللَّه فِي تَرْكهمْ دُخُول الْأَرْض , وَقَوْلهمْ لِنَبِيِّهِمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لَهُمْ " اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة " : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } كَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9095 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } أُمِرُوا بِهَا كَمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَنَّكُمْ تَنْصَرِفُوا خَائِبِينَ هَكَذَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَسَارَة فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَة عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَاب قَوْم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , أَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ إِجَابَة إِلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَاعْتَلُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ فِي الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي تَأْمُرنَا بِدُخُولِهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ لَا طَاقَة لَنَا بِحَرْبِهِمْ وَلَا قُوَّة لَنَا بِهِمْ . وَسَمَّوْهُمْ جَبَّارِينَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِشِدَّةِ بَطْشهمْ وَعَظِيم خَلْقهمْ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا قَدْ قَهَرُوا سَائِر الْأُمَم غَيْرهمْ . وَأَصْل الْجَبَّار : الْمُصْلِح أَمْر نَفْسه وَأَمْر غَيْره , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلّ مَنْ اِجْتَرَّ نَفْعًا إِلَى نَفْسه بِحَقٍّ أَوْ بَاطِل طَلَبَ الْإِصْلَاح لَهَا حَتَّى قِيلَ لِلْمُتَعَدِّي إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ بَغْيًا عَلَى النَّاس وَقَهْرًا لَهُمْ وَعُتُوًّا عَلَى رَبّه : جَبَّار , وَإِنَّمَا هُوَ فَعَّال مِنْ قَوْلهمْ : جَبَرَ فُلَان هَذَا الْكَسْر إِذَا أَصْلَحَهُ وَلَأَمَهُ , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرْ وَعَوَّرَ الرَّحْمَنُ مَنْ وَلَّى الْعَوَر يُرِيد : قَدْ أَصْلَحَ الدِّين الْإِلَه فَصَلُحَ وَمِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْجَبَّار ; لِأَنَّهُ الْمُصْلِح أَمْر عِبَاده الْقَاهِر لَهُمْ بِقُدْرَتِهِ . وَمِمَّا ذَكَرْته مِنْ عِظَم خَلْقهمْ مَا : 9096 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي قِصَّة ذَكَرَهَا مِنْ أَمْر مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل , قَالَ : ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَاء , وَهِيَ أَرْض بَيْت الْمَقْدِس , فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ , بَعَثَ مُوسَى اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ جَمِيع أَسْبَاط بَنِي إِسْرَائِيل , فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَّارِينَ , فَلَقِيَهُمْ رَجُل مِنْ الْجَبَّارِينَ , يُقَال لَهُ : عُوج , فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَر فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَته , وَعَلَى رَأْسه حُزْمَة حَطَب , وَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى اِمْرَأَته , فَقَالَ : اُنْظُرِي لِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا ! فَطَرَحَهُمْ بَيْن يَدَيْهَا , فَقَالَ : أَلَا أَطْحَنهُمْ بِرِجْلِي ؟ فَقَالَتْ اِمْرَأَته : لَا , بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمهمْ بِمَا رَأَوْا , فَفَعَلَ ذَلِكَ . 9097 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد , قَالَ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَدْخُل مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , قَالَ : فَسَارَ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة , وَهِيَ أَرِيحَاء . فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ اِثْنَيْ عَشَر عَيْنًا , مِنْ كُلّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْنًا , لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْقَوْم . قَالَ : فَدَخَلُوا الْمَدِينَة , فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ هَيْئَتهمْ وَجُثَثهمْ وَعِظَمهمْ , فَدَخَلُوا حَائِطًا لِبَعْضِهِمْ , فَجَاءَ صَاحِب الْحَائِط لِيَجْتَنِيَ الثِّمَار مِنْ حَائِطه , فَجَعَلَ يَجْتَنِي الثِّمَار وَيَنْظُر إِلَى آثَارهمْ وَتَتَبَّعَهُمْ , فَكُلَّمَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَخَذَهُ , فَجَعَلَهُ فِي كُمّه مَعَ الْفَاكِهَة . وَذَهَبَ إِلَى مَلِكهمْ فَنَثَرَهُمْ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ الْمَلِك : قَدْ رَأَيْتُمْ شَأْننَا وَأَمْرنَا , اِذْهَبُوا فَأَخْبِرُوا صَاحِبكُمْ ! قَالَ : فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرهمْ . 9098 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَام وَخَلْق لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ . 9099 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِقَوْمِهِ : إِنِّي سَأَبْعَثُ رِجَالًا يَأْتُونَنِي بِخَبَرِهِمْ ! وَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا , فَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا , فَقَالَ : سِيرُوا إِلَيْهِمْ وَحَدِّثُونِي حَدِيثهمْ وَمَا أَمْرهمْ ! وَلَا تَخَافُوا إِنَّ اللَّه مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمْ الصَّلَاة , وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة , وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِهِ , وَعَزَّرْتُمُوهُمْ , وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا . ثُمَّ إِنَّ الْقَوْم سَارُوا حَتَّى هَجَمُوا عَلَيْهِمْ , فَرَأَوْا أَقْوَامًا لَهُمْ أَجْسَامًا عَجَب , عِظَمًا وَقُوَّة , وَأَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ أَبْصَرَهُمْ أَحَد الْجَبَّارِينَ , وَهُمْ لَا يَأْلُونَ أَنْ يُخْفُوا أَنْفُسهمْ حِين رَأَوْا الْعَجَب , فَأَخَذَ ذَلِكَ الْجَبَّار مِنْهُمْ رِجَالًا , فَأَتَى رَئِيسهمْ , فَأَلْقَاهُمْ قُدَّامه , فَعَجِبُوا وَضَحِكُوا مِنْهُمْ , فَقَالَ قَائِل مِنْهُمْ : إِنَّ هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا غَزْوكُمْ , وَأَنَّهُ لَوْلَا مَا دَفَعَ اللَّه عَنْهُمْ لَقُتِلُوا . وَإِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَحَدَّثُوهُ الْعَجَب . 9100 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ , فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُل فِي كُمّ أَحَدهمْ اِثْنَانِ مِنْهُمْ , يُلْقُونَهُمْ إِلْقَاء , وَلَا يَحْمِل عُنْقُود عِنَبهمْ إِلَّا خَمْسَة أَنْفُس بَيْنهمْ فِي خَشَبَة , وَيَدْخُل فِي شَطْر الرُّمَّانَة إِذَا نُزِعَ حَبّهَا خَمْسَة نَفْس أَوْ أَرْبَعَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 9101 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْوَزِير بْن قَيْس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } قَالَ : سَفَلَة لَا خَلَاق لَهُمْ .
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قَوْل قَوْم مُوسَى لِمُوسَى جَوَابًا لِقَوْلِهِ لَهُمْ : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } فَقَالُوا : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا } يَعْنُونَ : مِنْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الْجَبَّارُونَ الَّذِينَ فِيهَا , جُبْنًا مِنْهُمْ وَجَزَعًا مِنْ قِتَالهمْ . وَقَالُوا لَهُ : إِنْ يَخْرُج مِنْهَا هَؤُلَاءِ الْجَبَّارُونَ دَخَلْنَاهَا , وَإِلَّا فَإِنَّا لَا نُطِيق دُخُولهَا وَهُمْ فِيهَا ; لِأَنَّهُ لَا طَاقَة لَنَا بِهِمْ وَلَا يَد . 9102 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , أَنَّ كَالِب بْن يوفنا , أَسْكَتَ الشَّعْب عَنْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّا سَنَعْلُو الْأَرْض وَنَرِثهَا , وَإِنَّ لَنَا بِهِمْ قُوَّة . وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ , فَقَالُوا : لَا نَسْتَطِيع أَنْ نَصِل إِلَى ذَلِكَ الشَّعْب مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَجْرَأ مِنَّا . ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْجَوَاسِيس أَخْبَرُوا بَنِي إِسْرَائِيل الْخَبَر , وَقَالُوا : إِنَّا مَرَرْنَا فِي أَرْض وَأَحْسَسْنَاهَا , فَإِذَا هِيَ تَأْكُل سَاكِنهَا , وَرَأَيْنَا رِجَالهَا جِسَامًا , وَرَأَيْنَا الْجَبَابِرَة بَنِي الْجَبَابِرَة , وَكُنَّا فِي أَعْيُنهمْ مِثْل الْجَرَاد . فَأَرْجَفَتْ الْجَمَاعَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَرَفَعُوا أَصْوَاتهمْ بِالْبُكَاءِ . فَبَكَى الشَّعْب تِلْكَ اللَّيْلَة , وَوَسْوَسُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُون , فَقَالُوا لَهُمَا : يَا لَيْتَنَا مُتْنَا فِي أَرْض مِصْر , وَلَيْتَنَا نَمُوت فِي هَذِهِ الْبَرِيَّة وَلَمْ يُدْخِلنَا اللَّه هَذِهِ الْأَرْض لِنَقَع فِي الْحَرْب , فَتَكُون نِسَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَأَثْقَالنَا غَنِيمَة , وَلَوْ كُنَّا قُعُودًا فِي أَرْض مِصْر , كَانَ خَيْرًا لَنَا وَجَعَلَ الرَّجُل يَقُول لِأَصْحَابِهِ : تَعَالَوْا نَجْعَل عَلَيْنَا رَأْسًا وَنَنْصَرِف إِلَى مِصْر .
قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحَيْنِ مِنْ قَوْم مُوسَى : يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب بْن يوفنا , أَنَّهُمَا وَفَّيَا لِمُوسَى بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِمَا مِنْ تَرْك إِعْلَام قَوْمه بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة عَلَى الْجَبَابِرَة مِنْ الْكَنْعَانِيِّينَ , بِمَا رَأَيَا وَعَايَنَا مِنْ شِدَّة بَطْش الْجَبَابِرَة وَعِظَم خَلْقهمْ , وَوَصَفَهُمَا اللَّه بِأَنَّهُمَا مِمَّنْ يَخَاف اللَّه وَيُرَاقِبهُ فِي أَمْره وَنَهْيه ; كَمَا : 9103 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان . ح , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان . ح , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } قَالَ : كَالِب بْن يوفنا وَيُوشَع بْن نُون . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } قَالَ : يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب بْن يوفنا , وَهُمَا مِنْ النُّقَبَاء . 9104 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : فَرَجَعَ النُّقَبَاء كُلّهمْ يَنْهَى سِبْطه عَنْ قِتَالهمْ , إِلَّا يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب بْن يوفنا , يَأْمُرَانِ الْأَسْبَاط بِقِتَالِ الْجَبَّارِينَ وَمُجَاهَدَتهمْ , فَعَصَوْهُمَا , وَأَطَاعُوا الْآخَرِينَ , فَهُمَا الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْل حَدِيث اِبْن بَشَّار , عَنْ اِبْن مَهْدِيّ , إِلَّا أَنَّ اِبْن حُمَيْد قَالَ فِي حَدِيثه : هُمَا مِنْ الِاثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا . 9105 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد , قَالَ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : فَرَجَعُوا - يَعْنِي النُّقَبَاء الِاثْنَيْ عَشَر - إِلَى مُوسَى , فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرهمْ , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : اُكْتُمُوا شَأْنهمْ وَلَا تُخْبِرُوا بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعَسْكَرَة ! فَإِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمُوهُمْ بِهَذَا الْخَبَر فَشِلُوا وَلَمْ يَدْخُلُوا الْمَدِينَة . قَالَ : فَذَهَبَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ , فَأَخْبَرَ قَرِيبه وَابْن عَمّه , إِلَّا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يُوشَع بْن نُون وَكِلَاب بْن يوفنا , فَإِنَّهُمَا كَتَمَا وَلَمْ يُخْبِرَا بِهِ أَحَدًا , وَهُمَا اللَّذَانِ قَالَ اللَّه : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } إِلَى قَوْله : { وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } . 9106 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } وَهُمَا اللَّذَانِ كَتَمَاهُمْ : يُوشَع بْن نُون فَتَى مُوسَى , وَكَالُوب بْن يوفنة خَتَن مُوسَى . 9107 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } كَالُوب وَيُوشَع بْن نُون فَتَى مُوسَى . 9108 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل : يُوشَع بْن نُون , : وَكَالُوب بْن يوفنة . 9109 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ : يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب . 9110 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : أَنَّ مُوسَى قَالَ لِلنُّقَبَاءِ لَمَّا رَجَعُوا فَحَدَّثُوهُ الْعَجَب : لَا تُحَدِّثُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ , إِنَّ اللَّه سَيَفْتَحُهَا لَكُمْ وَيُظْهِركُمْ عَلَيْهَا مِنْ بَعْد مَا رَأَيْتُمْ وَإِنَّ الْقَوْم أَفْشَوْا الْحَدِيث فِي بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا : كَانَ أَحَدهمَا فِيمَا سَمِعْنَا يُوشَع بْن نُون وَهُوَ فَتَى مُوسَى , وَالْآخَر كَالِب , فَقَالَا : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ } قَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ " يَخَافُونَ " , عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ آنِفًا , أَنَّهُمَا يُوشَع بْن نُون وَكَالِب مِنْ قَوْم مُوسَى , مِمَّنْ يَخَاف اللَّه , وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمَا بِالتَّوْفِيقِ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي بَعْض الْقِرَاءَة : " قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّه أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا " . 9111 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . ح , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } فِي بَعْض الْحُرُوف : " يَخَافُونَ اللَّه أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا " . وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يُوشَع , وَكَالِب . وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يُخَافُونَ " بِضَمِّ الْيَاء " أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا " . 9112 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب , وَلَا نَعْلَمهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا بِضَمِّ الْيَاء مِنْ : " يُخَافُونَ " . وَكَأَنَّ سَعِيدًا ذَهَبَ فِي قِرَاءَته هَذِهِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لِبَنِي إِسْرَائِيل : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ , كَانَا مِنْ رَهْط الْجَبَابِرَة , وَكَانَا أَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى , فَهُمَا مِنْ أَوْلَاد الْجَبَابِرَة , الَّذِينَ يَخَافهُمْ بَنُو إِسْرَائِيل وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي الدِّين مُخَالِفِينَ . وَقَدْ حُكِيَ نَحْو هَذَا التَّأْوِيل عَنْ اِبْن عَبَّاس . 9113 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } قَالَ : هِيَ مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , لَمَّا نَزَلَ بِهَا مُوسَى وَقَوْمه , بَعَثَ مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا , وَهُمْ النُّقَبَاء الَّذِينَ ذَكَرَ نَعْتهمْ لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِهِمْ . فَسَارُوا , فَلَقِيَهُمْ رَجُل مِنْ الْجَبَّارِينَ , فَجَعَلَهُمْ فِي كِسَائِهِ , فَحَمَلَهُمْ حَتَّى أَتَى بِهِمْ الْمَدِينَة , وَنَادَى فِي قَوْمه , فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ , فَقَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : نَحْنُ قَوْم مُوسَى , بَعَثَنَا إِلَيْكُمْ لِنَأْتِيَهُ بِخَبَرِكُمْ , فَأَعْطَوْهُمْ حَبَّة مِنْ عِنَب بِوِقْرِ الرَّجُل , فَقَالُوا لَهُمْ : اِذْهَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَوْمه , فَقُولُوا لَهُمْ : اُقْدُرُوا قَدْر فَاكِهَتهمْ ! فَلَمَّا أَتَوْهُمْ , قَالُوا لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } وَكَانَا مِنْ أَهْل الْمَدِينَة أَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى وَهَارُون , فَقَالَا لِمُوسَى : { اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّه فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة وَهَذَا التَّأْوِيل لَمْ يَكْتُم مِنْ الِاثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا أَحَدًا مَا أَمَرَهُمْ مُوسَى بِكِتْمَانِهِ بَنِي إِسْرَائِيل مِمَّا رَأَوْا وَعَايَنُوا مِنْ عِظَم أَجْسَام الْجَبَابِرَة وَشِدَّة بَطْشهمْ وَعَجِيب أُمُورهمْ , بَلْ أَفْشَوْا ذَلِكَ كُلّه . وَإِنَّمَا الْقَائِل لِلْقَوْمِ وَلِمُوسَى : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب , رَجُلَانِ مِنْ أَوْلَاد الَّذِينَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيل يَخَافُونَهُمْ وَيَرْهَبُونَ الدُّخُول عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَبَابِرَة , كَانَ أَسْلَمَا وَتَبِعَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } لِإِجْمَاعِ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهَا , وَأَنَّ مَا اِسْتَفَاضَتْ بِهِ الْقِرَاءَة عَنْهُمْ فَحُجَّة لَا يَجُوز خِلَافهَا , وَمَا اِنْفَرَدَ بِهِ الْوَاحِد فَجَائِز فِيهِ الْخَطَأ وَالسَّهْو . ثُمَّ فِي إِجْمَاع الْحُجَّة فِي تَأْوِيلهَا عَلَى أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَاب مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَأَنَّهُمَا يُوشَع وَكِلَاب , مَا أَغْنَى عَنْ الِاسْتِشْهَاد عَلَى صِحَّة الْقِرَاءَة بِفَتْحِ الْيَاء فِي ذَلِكَ وَفَسَاد غَيْره , وَهُوَ التَّأْوِيل الصَّحِيح عِنْدنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاعهَا عَلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْله : { أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِطَاعَةِ اللَّه فِي طَاعَة نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَانْتِهَائِهِمْ إِلَى أَمْره , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُمَا عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ إِفْشَاء مَا عَايَنَا مِنْ عَجِيب أَمْر الْجَبَّارِينَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِي حَذَّرَ عَنْهُ أَصْحَابهمَا الْآخَرِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمَا مِنْ النُّقَبَاء . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا بِالْخَوْفِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9114 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا خَلَف بْن تَمِيم , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن الْقَاسِم , عَنْ سَهْل بْن عَلِيّ , قَوْله : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } قَالَ : أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا بِالْخَوْفِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , كَانَ الضَّحَّاك يَقُول وَجَمَاعَة غَيْره . 9115 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } بِالْهُدَى فَهَدَاهُمَا , فَكَانَا عَلَى دِين مُوسَى , وَكَانَا فِي مَدِينَة الْجَبَّارِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قَوْل الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّه لِبَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَبُنُوا وَخَافُوا مِنْ الدُّخُول عَلَى الْجَبَّارِينَ لَمَّا سَمِعُوا خَبَرهمْ , وَأَخْبَرَهُمْ النُّقَبَاء الَّذِينَ أَفْشَوْا مَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرهمْ فِيهِمْ , وَقَالُوا : إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا , فَقَالَا لَهُمْ : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَيّهَا الْقَوْم بَاب مَدِينَتهمْ , فَإِنَّ اللَّه مَعَكُمْ وَهُوَ نَاصِركُمْ , وَإِنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ الْبَاب غَلَبْتُمُوهُمْ . كَمَا : 9116 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل , قَالَ : لَمَّا هَمَّ بَنُو إِسْرَائِيل بِالِانْصِرَافِ إِلَى مِصْر حِين أَخْبَرَهُمْ النُّقَبَاء بِمَا أَخْبَرُوهُمْ مِنْ أَمْر الْجَبَابِرَة , خَرَّ مُوسَى وَهَارُون عَلَى وُجُوههمَا سُجُودًا قُدَّام جَمَاعَة بَنِي إِسْرَائِيل , وَخَرَقَ يُوشَع بْن نُون وَكَالِب بْن يوفنا ثِيَابهمَا , وَكَانَا مِنْ جَوَاسِيس الْأَرْض , وَقَالَا لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيل : إِنَّ الْأَرْض مَرَرْنَا بِهَا وَجَسَسْنَاهَا صَالِحَة رَضِيَهَا رَبّنَا لَنَا فَوَهَبَهَا لَنَا , وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُفِيض لَبَنًا وَعَسَلًا , وَلَكِنْ اِفْعَلُوا وَاحِدَة , لَا تَعْصُوا اللَّه , وَلَا تَخْشَوْا الشَّعْب الَّذِينَ بِهَا , فَإِنَّهُمْ جُبَنَاء , مَدْفُوعُونَ فِي أَيْدِينَا , إِنْ حَارَبْنَاهُمْ ذَهَبَتْ مِنْهُمْ , وَإِنَّ اللَّه مَعَنَا فَلَا تَخْشَوْهُمْ . فَأَرَادَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَرْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ . 9117 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَعَثُوا اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا , مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا , عُيُونًا لَهُمْ , وَلِيَأْتُوهُمْ بِأَخْبَارِ الْقَوْم . فَأَمَّا عَشَرَة فَجَبَّنُوا قَوْمهمْ وَكَرَّهُوا إِلَيْهِمْ الدُّخُول عَلَيْهِمْ . وَأَمَّا الرَّجُلَانِ فَأَمَرَا قَوْمهمَا أَنْ يَدْخُلُوهَا , وَأَنْ يَتَّبِعُوا أَمْر اللَّه , وَرَغَّبَا فِي ذَلِكَ , وَأَخْبَرَا قَوْمهمَا أَنَّهُمْ غَالِبُونَ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ . 9118 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { عَلَيْهِمْ الْبَاب } قَرْيَة الْجَبَّارِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى اللَّه فَتَوَكَّلُوا } وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , عَنْ قَوْل الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّه أَنَّهُمَا قَالَا لِقَوْمِ مُوسَى يُشَجِّعَانِهِمْ بِذَلِكَ , وَيُرَغِّبَانِهِمْ فِي الْمُضِيّ لِأَمْرِ اللَّه بِالدُّخُولِ عَلَى الْجَبَّارِينَ فِي مَدِينَتهمْ : تَوَكَّلُوا أَيّهَا الْقَوْم عَلَى اللَّه فِي دُخُولكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَقُولَانِ لَهُمْ : ثِقُوا بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ مَعَكُمْ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ مِنْ جِهَاد عَدُوّكُمْ .
وَعَنَيَا بِقَوْلِهِمَا { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيمَا أَنْبَأَكُمْ عَنْ رَبّكُمْ مِنْ النُّصْرَة وَالظَّفَر عَلَيْهِمْ , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ إِخْبَاره عَنْ رَبّه , وَمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ رَبّكُمْ قَادِر عَلَى الْوَفَاء لَكُمْ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنْ تَمْكِينكُمْ فِي بِلَاد عَدُوّه وَعَدُوّكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قَوْل الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّه لِبَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَبُنُوا وَخَافُوا مِنْ الدُّخُول عَلَى الْجَبَّارِينَ لَمَّا سَمِعُوا خَبَرهمْ , وَأَخْبَرَهُمْ النُّقَبَاء الَّذِينَ أَفْشَوْا مَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرهمْ فِيهِمْ , وَقَالُوا : إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا , فَقَالَا لَهُمْ : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَيّهَا الْقَوْم بَاب مَدِينَتهمْ , فَإِنَّ اللَّه مَعَكُمْ وَهُوَ نَاصِركُمْ , وَإِنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ الْبَاب غَلَبْتُمُوهُمْ . كَمَا : 9116 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل , قَالَ : لَمَّا هَمَّ بَنُو إِسْرَائِيل بِالِانْصِرَافِ إِلَى مِصْر حِين أَخْبَرَهُمْ النُّقَبَاء بِمَا أَخْبَرُوهُمْ مِنْ أَمْر الْجَبَابِرَة , خَرَّ مُوسَى وَهَارُون عَلَى وُجُوههمَا سُجُودًا قُدَّام جَمَاعَة بَنِي إِسْرَائِيل , وَخَرَقَ يُوشَع بْن نُون وَكَالِب بْن يوفنا ثِيَابهمَا , وَكَانَا مِنْ جَوَاسِيس الْأَرْض , وَقَالَا لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيل : إِنَّ الْأَرْض مَرَرْنَا بِهَا وَجَسَسْنَاهَا صَالِحَة رَضِيَهَا رَبّنَا لَنَا فَوَهَبَهَا لَنَا , وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُفِيض لَبَنًا وَعَسَلًا , وَلَكِنْ اِفْعَلُوا وَاحِدَة , لَا تَعْصُوا اللَّه , وَلَا تَخْشَوْا الشَّعْب الَّذِينَ بِهَا , فَإِنَّهُمْ جُبَنَاء , مَدْفُوعُونَ فِي أَيْدِينَا , إِنْ حَارَبْنَاهُمْ ذَهَبَتْ مِنْهُمْ , وَإِنَّ اللَّه مَعَنَا فَلَا تَخْشَوْهُمْ . فَأَرَادَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَرْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ . 9117 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَعَثُوا اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا , مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا , عُيُونًا لَهُمْ , وَلِيَأْتُوهُمْ بِأَخْبَارِ الْقَوْم . فَأَمَّا عَشَرَة فَجَبَّنُوا قَوْمهمْ وَكَرَّهُوا إِلَيْهِمْ الدُّخُول عَلَيْهِمْ . وَأَمَّا الرَّجُلَانِ فَأَمَرَا قَوْمهمَا أَنْ يَدْخُلُوهَا , وَأَنْ يَتَّبِعُوا أَمْر اللَّه , وَرَغَّبَا فِي ذَلِكَ , وَأَخْبَرَا قَوْمهمَا أَنَّهُمْ غَالِبُونَ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ . 9118 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { عَلَيْهِمْ الْبَاب } قَرْيَة الْجَبَّارِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى اللَّه فَتَوَكَّلُوا } وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , عَنْ قَوْل الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّه أَنَّهُمَا قَالَا لِقَوْمِ مُوسَى يُشَجِّعَانِهِمْ بِذَلِكَ , وَيُرَغِّبَانِهِمْ فِي الْمُضِيّ لِأَمْرِ اللَّه بِالدُّخُولِ عَلَى الْجَبَّارِينَ فِي مَدِينَتهمْ : تَوَكَّلُوا أَيّهَا الْقَوْم عَلَى اللَّه فِي دُخُولكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَقُولَانِ لَهُمْ : ثِقُوا بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ مَعَكُمْ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ مِنْ جِهَاد عَدُوّكُمْ .
وَعَنَيَا بِقَوْلِهِمَا { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيمَا أَنْبَأَكُمْ عَنْ رَبّكُمْ مِنْ النُّصْرَة وَالظَّفَر عَلَيْهِمْ , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ إِخْبَاره عَنْ رَبّه , وَمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ رَبّكُمْ قَادِر عَلَى الْوَفَاء لَكُمْ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنْ تَمْكِينكُمْ فِي بِلَاد عَدُوّه وَعَدُوّكُمْ .
قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلًا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره عَنْ قَوْل الْمَلَإِ مِنْ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى , إِذْ رَغِبُوا فِي جِهَاد عَدُوّهُمْ , وَوُعِدُوا نَصْر اللَّه إِيَّاهُمْ , إِنْ هُمْ نَاهَضُوهُمْ , وَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ بَاب مَدِينَتهمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا } يَعْنُونَ : إِنَّا لَنْ نَدْخُل مَدِينَتهمْ أَبَدًا . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا } مِنْ ذِكْر الْمَدِينَة . وَيَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ : { أَبَدًا } أَيَّام حَيَاتنَا مَا دَامُوا فِيهَا , يَعْنِي : مَا كَانَ الْجَبَّارُونَ مُقِيمِينَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَة الَّتِي كَتَبَهَا اللَّه لَهُمْ وَأُمِرُوا بِدُخُولِهَا . { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } لَا نَجِيء مَعَك يَا مُوسَى إِنْ ذَهَبْت إِلَيْهِمْ لِقِتَالِهِمْ , وَلَكِنْ نَتْرُكك تَذْهَب أَنْتَ وَحْدك وَرَبّك فَتُقَاتِلَانِهِمْ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول فِي ذَلِكَ : لَيْسَ مَعْنَى الْكَلَام : اِذْهَبْ أَنْتَ وَلْيَذْهَبْ مَعَك رَبّك فَقَاتِلَا , وَلَكِنْ مَعْنَاهُ : اِذْهَبْ أَنْتَ يَا مُوسَى , وَلْيُعِنْك رَبّك , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه لَا يَجُوز عَلَيْهِ الذَّهَاب . وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ يَحْتَاج إِلَى طَلَب الْمَخْرَج لَهُ لَوْ كَانَ الْخَبَر عَنْ قَوْم مُؤْمِنِينَ , فَأَمَّا قَوْم أَهْل خِلَاف عَلَى اللَّه عَزَّ ذِكْره وَرَسُوله , فَلَا وَجْه لِطَلَبِ الْمَخْرَج لِكَلَامِهِمْ فِيمَا قَالُوا فِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا يُشْبِه كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْمِقْدَاد أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَاف مَا قَالَ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى . 9119 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُخَارِق , عَنْ طَارِق : أَنَّ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا لَا نَقُول كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } وَلَكِنْ نَقُول : اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا , إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ 9120 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة , حِين صَدَّ الْمُشْرِكُونَ الْهَدْي وَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن مَنَاسِكهمْ : " إِنِّي ذَاهِب بِالْهَدْيِ فَنَاحِرُهُ عِنْد الْبَيْت " . فَقَالَ لَهُ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد : أَمَّا وَاَللَّه لَا نَكُون كَالْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ , وَلَكِنْ : اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ ! فَلَمَّا سَمِعَهَا أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك بْن مُزَاحِم وَجَمَاعَة غَيْرهمَا يَقُولُونَ : إِنَّمَا قَالُوا هَذَا الْقَوْل لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين تَبَيَّنَ لَهُمْ أَمْر الْجَبَّارِينَ وَشِدَّة بَطْشهمْ . 9121 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : أَمَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة مَعَ نَبِيّهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة قَالَ لَهُمْ مُوسَى : اُدْخُلُوهَا ! فَأَبَوْا وَجَبُنُوا , وَبَعَثُوا اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ . فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا , فَجَاءُوا بِحَبَّةِ فَاكِهَة مِنْ فَاكِهَتهمْ بِوِقْرِ الرَّجُل , فَقَالُوا : قَدِّرُوا قُوَّة قَوْم وَبَأْسهمْ هَذِهِ فَاكِهَتهمْ ! فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } . 9122 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه .
قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبّ إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قِيلَ قَوْم مُوسَى حِين قَالَ لَهُ قَوْمه مَا قَالُوا مِنْ قَوْلهمْ : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } أَنَّهُ قَالَ عِنْد ذَلِكَ , وَغَضِبَ مِنْ قِيلهمْ لَهُمْ دَاعِيًا : يَا رَبّ { إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } يَعْنِي بِذَلِكَ : لَا أَقْدِر عَلَى أَحَد أَنْ أَحْمِلهُ عَلَى مَا أُحِبّ وَأُرِيد مِنْ طَاعَتك وَاتِّبَاع أَمْرك وَنَهْيك , إِلَّا عَلَى نَفْسِي وَعَلَى أَخِي . مِنْ قَوْل الْقَائِل : مَا أَمْلِك مِنْ الْأَمْر شَيْئًا إِلَّا كَذَا وَكَذَا , بِمَعْنَى : لَا أَقْدِر عَلَى شَيْء غَيْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } اِفْصِلْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ بِقَضَاءٍ مِنْك تَقْضِيه فِينَا وَفِيهِمْ فَتُبْعِدهُمْ مِنَّا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَرَقْت بَيْن هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ , بِمَعْنَى : فَصَلْت بَيْنهمَا ; مِنْ قَوْل الرَّاجِز : يَا رَبّ فَافْرُقْ بَيْنه وَبَيْنِي أَشَدّ مَا فَرَقْت بَيْن اِثْنَيْنِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9123 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَقُول : اِقْضِ بَيْنِي وَبَيْنهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } . يَقُول : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْنهمْ . 9124 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : غَضِبَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ لَهُ الْقَوْم : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } , فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ : { رَبّ إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } وَكَانَتْ عَجَلَة مِنْ مُوسَى عَجِلهَا . 9125 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَقُول : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْنهمْ , وَافْتَحْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ , كُلّ هَذَا مِنْ قَوْل الرَّجُل : اِقْضِ بَيْننَا , فَقَضَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنه وَبَيْنهمْ أَنْ سَمَّاهُمْ فَاسْقِينَ . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { الْفَاسِقِينَ } الْخَارِجِينَ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِهِ , إِلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ وَبِهِ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفِسْق : الْخُرُوج مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء , فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } اِفْصِلْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ بِقَضَاءٍ مِنْك تَقْضِيه فِينَا وَفِيهِمْ فَتُبْعِدهُمْ مِنَّا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَرَقْت بَيْن هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ , بِمَعْنَى : فَصَلْت بَيْنهمَا ; مِنْ قَوْل الرَّاجِز : يَا رَبّ فَافْرُقْ بَيْنه وَبَيْنِي أَشَدّ مَا فَرَقْت بَيْن اِثْنَيْنِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9123 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَقُول : اِقْضِ بَيْنِي وَبَيْنهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } . يَقُول : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْنهمْ . 9124 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : غَضِبَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ لَهُ الْقَوْم : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } , فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ : { رَبّ إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } وَكَانَتْ عَجَلَة مِنْ مُوسَى عَجِلهَا . 9125 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَقُول : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْنهمْ , وَافْتَحْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ , كُلّ هَذَا مِنْ قَوْل الرَّجُل : اِقْضِ بَيْننَا , فَقَضَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنه وَبَيْنهمْ أَنْ سَمَّاهُمْ فَاسْقِينَ . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { الْفَاسِقِينَ } الْخَارِجِينَ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِهِ , إِلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ وَبِهِ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفِسْق : الْخُرُوج مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء , فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي النَّاصِب لِلْأَرْبَعِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : النَّاصِب لَهُ قَوْله : { مُحَرَّمَة } وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ عَصَوْهُ وَخَالَفُوا أَمْره مِنْ قَوْم مُوسَى وَأَبَوْا حَرْب الْجَبَّارِينَ , دُخُول مَدِينَتهمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ , وَأُسْكِنُوهَا , وَأَهْلَكَ الْجَبَّارِينَ بَعْد حَرْب مِنْهُمْ لَهُمْ , بَعْد أَنْ قُضِيَتْ الْأَرْبَعُونَ سَنَة , وَخَرَجُوا مِنْ التِّيه . 9126 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُمْ الْقَوْم مَا قَالُوا وَدَعَا مُوسَى عَلَيْهِمْ , أَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : { إِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } وَهُمْ يَوْمئِذٍ فِيمَا ذُكِرَ سِتّمِائَةِ أَلْف مُقَاتِل فَجَعَلَهُمْ فَاسْقِينَ بِمَا عَصَوْا , فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَة فِي فَرَاسِخ سِتَّة , أَوْ دُون ذَلِكَ , يَسِيرُونَ كُلّ يَوْم جَادِّينَ لِكَيْ يَخْرُجُوا مِنْهَا , حَتَّى يُمْسُوا وَيَنْزِلُوا , فَإِذَا هُمْ فِي الدَّار الَّتِي مِنْهَا اِرْتَحَلُوا . وَإِنَّهُمْ اِشْتَكَوْا إِلَى مُوسَى مَا فَعَلَ بِهِمْ , فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَأُعْطُوا مِنْ الْكِسْوَة مَا هِيَ قَائِمَة لَهُمْ , يَنْشَأ النَّاشِئ فَتَكُون مَعَهُ عَلَى هَيْئَته . وَسَأَلَ مُوسَى رَبّه أَنْ يَسْقِيهِمْ , فَأَتَى بِحَجَرِ الطُّور , وَهُوَ حَجَر أَبْيَض , إِذَا مَا نَزَلَ الْقَوْم ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَخْرُج مِنْهُ اِثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْن , قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس مَشْرَبهمْ . حَتَّى إِذَا خَلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَة , وَكَانَتْ عَذَابًا بِمَا اِعْتَدَوْا وَعَصَوْا , أَوْحَى إِلَى مُوسَى أَنْ مُرْهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , فَإِنَّ اللَّه قَدْ كَفَاهُمْ عَدُوّهُمْ , وَقُلْ لَهُمْ إِذَا أَتَوْا الْمَسْجِد أَنْ يَأْتُوا الْبَاب وَيَسْجُدُوا إِذَا دَخَلُوا , وَيَقُولُوا حِطَّة . وَإِنَّمَا قَوْلهمْ حِطَّة , أَنْ يَحُطّ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ . فَأَبَى عَامَّة الْقَوْم , وَعَصَوْا , وَسَجَدُوا عَلَى خَدّهمْ , وَقَالُوا حِنْطَة , فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } إِلَى : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ النَّاصِب لِلْأَرْبَعِينَ : { يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : قَالَ : فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَبَدًا يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض أَرْبَعِينَ سَنَة . قَالُوا : وَلَمْ يَدْخُل مَدِينَة الْجَبَّارِينَ أَحَد مِمَّنْ قَالَ : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ . قَالُوا : وَإِنَّمَا دَخَلَهَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْم : يُوشَع وَكِلَاب اللَّذَانِ قَالَا لَهُمْ : { اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } وَأَوْلَاد الَّذِينَ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ دُخُولهَا , فَتَيَّهَهُمْ اللَّه فَلَمْ يَدْخُلهَا مِنْهُمْ أَحَد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9127 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ } قَالَ : أَبَدًا . 9128 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْل اللَّه : { يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } قَالَ : أَرْبَعِينَ سَنَة . 9129 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَارُون النَّحْوِيّ , قَالَ : ثني الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيت , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } قَالَ : التَّحْرِيم لَا مُنْتَهَى لَهُ . 9130 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : غَضِبَ مُوسَى عَلَى قَوْمه , فَدَعَا عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { رَبّ إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } الْآيَة , فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } فَلَمَّا ضَرَبَ عَلَيْهِمْ التِّيه , نَدِمَ مُوسَى , وَأَتَاهُ قَوْمه الَّذِينَ كَانُوا يُطِيعُونَهُ , فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعْت بِنَا يَا مُوسَى ؟ فَمَكَثُوا فِي التِّيه ; فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ التِّيه , رُفِعَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَأَكَلُوا مِنْ الْبُقُول . وَالْتَقَى مُوسَى وعوج , فَوَثَبَ مُوسَى فِي السَّمَاء عَشَرَة أَذْرُع , وَكَانَتْ عَصَاهُ عَشَرَة أَذْرُع , وَكَانَ طُوله عَشَرَة أَذْرُع , فَأَصَابَ كَعْب عوج فَقَتَلَهُ . وَلَمْ يَبْقَ أَحَد مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَدْخُل قَرْيَة الْجَبَّارِينَ مَعَ مُوسَى إِلَّا مَاتَ , وَلَمْ يَشْهَد الْفَتْح . ثُمَّ إِنَّ اللَّه لَمَّا اِنْقَضَتْ الْأَرْبَعُونَ سَنَة بَعَثَ يُوشَع بْن نُون نَبِيًّا , فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيّ , وَأَنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِل الْجَبَّارِينَ , فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ , فَهَزَمَ الْجَبَّارِينَ , وَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِمْ يُقَاتِلُونَهُمْ , فَكَانَتْ الْعِصَابَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَجْتَمِعُونَ عَلَى عُنُق الرَّجُل يَضْرِبُونَهَا لَا يَقْطَعُونَهَا . 9131 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا دَعَا مُوسَى , قَالَ اللَّه : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } قَالَ : فَدَخَلُوا التِّيه , فَكُلّ مَنْ دَخَلَ التِّيه مِمَّنْ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ سَنَة مَاتَ فِي التِّيه . قَالَ : فَمَاتَ مُوسَى فِي التِّيه , وَمَاتَ هَارُون قَبْله . قَالَ : فَلَبِثُوا فِي تِيههمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , فَنَاهَضَ يُوشَع بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , فَافْتَتَحَ يُوشَع الْمَدِينَة . 9132 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة } حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْقُرَى , وَكَانُوا لَا يَهْبِطُونَ قَرْيَة , وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ , إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ الْأَطْوَاء أَرْبَعِينَ سَنَة . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَة , وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُل بَيْت الْمَقْدِس مِنْهُمْ إِلَّا أَبْنَاؤُهُمْ وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ قَالَا مَا قَالَا . 9133 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل , قَالَ : لَمَّا فَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيل مَا فَعَلَتْ , مِنْ مَعْصِيَتهمْ نَبِيّهمْ , وَهَمّهمْ بِكَالِب وَيُوشَع , إِذْ أَمَرَاهُمْ بِدُخُولِ مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , وَقَالَا لَهُمْ مَا قَالَا , ظَهَرَتْ عَظَمَة اللَّه بِالْغَمَامِ عَلَى نَار فِيهِ الرَّمْز عَلَى كُلّ بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُوسَى : إِلَى مَتَى يَعْصِينِي هَذَا الشَّعْب وَإِلَى مَتَى لَا يُصَدِّقُونَ بِالْآيَاتِ كُلّهَا الَّتِي وَضَعْت بَيْنهمْ ؟ أَضْرِبهُمْ بِالْمَوْتِ فَأُهْلِكهُمْ , وَأَجْعَل لَك شَعْبًا أَشَدّ مِنْهُمْ . فَقَالَ مُوسَى يَسْمَع أَهْل الْمِصْر الَّذِينَ أَخْرَجْت هَذَا الشَّعْب بِقُوَّتِك مِنْ بَيْنهمْ , وَيَقُول سَاكِنُو هَذِهِ الْبِلَاد الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا إِنَّك أَنْتَ اللَّه فِي هَذَا الشَّعْب , فَلَوْ أَنَّك قَتَلْت هَذَا الشَّعْب كُلّهمْ كَرَجُلٍ وَاحِد , لَقَالَتْ الْأُمَم الَّذِينَ سَمِعُوا بِاسْمِك : إِنَّمَا قَتَلَ هَذَا الشَّعْب مِنْ أَجْل لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُدْخِلهُمْ الْأَرْض الَّتِي خَلَقَ لَهُمْ , فَقَتَلَهُمْ فِي الْبَرِّيَّة , وَلَكِنْ لِتَرْتَفِع أَيَادِيك , وَيَعْظُم جَزَاؤُك يَا رَبّ كَمَا كُنْت تَكَلَّمْت وَقُلْت لَهُمْ , فَإِنَّهُ طَوِيلٌ صَبْرُك , كَثِيرَةٌ نِعَمُك , وَأَنْتَ تَغْفِرُ الذُّنُوبَ فَلَا تُوبِقُ , وَإِنَّك تَحْفَظُ الْآبَاءَ عَلَى الْأَبْنَاء وَأَبْنَاءَ الْأَبْنَاء إِلَى ثَلَاثَة أَجْيَال وَأَرْبَعَة , فَاغْفِرْ أَيْ رَبّ آثَام هَذَا الشَّعْب , بِكَثْرَةِ نِعَمك , كَمَا غَفَرْت لَهُمْ مُنْذُ أَخْرَجْتهمْ مِنْ أَرْض مِصْر إِلَى الْآن ! فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ غَفَرْت لَهُمْ بِكَلِمَتِك , وَلَكِنْ قَدْ أَتَى أَنِّي أَنَا اللَّه , وَقَدْ مَلَأَتْ الْأَرْض مَحْمَدَتِي كُلّهَا , أَلَا يَرَى الْقَوْم الَّذِينَ قَدْ رَأَوْا مَحْمَدَتِي وَآيَاتِي الَّتِي فَعَلْت فِي أَرْض مِصْر وَفِي الْقِفَار , سَأَلُونِي عَشْر مَرَّات وَلَمْ يُطِيعُونِي , لَا يَرَوْنَ الْأَرْض الَّتِي خَلَقْت لِآبَائِهِمْ , وَلَا يَرَاهَا مَنْ أَغْضَبَنِي ; فَأَمَّا عَبْدِي كَالِب الَّذِي كَانَ رُوحه مَعِي وَاتَّبَعَ هَوَايَ , فَإِنِّي مُدْخِلُهُ الْأَرْض الَّتِي دَخَلَهَا , وَيَرَاهَا خَلْفه . وَكَانَ الْعَمَالِيق وَالْكَنْعَانِيُّونَ جُلُوسًا فِي الْجِبَال , ثُمَّ غَدَوْا فَارْتَحَلُوا فِي الْقِفَار فِي طَرِيق يَحْرُسُونَ , وَكَلَّمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى وَهَارُون , وَقَالَ لَهُمَا : إِلَى مَتَى تُوَسْوِس عَلَيَّ هَذِهِ الْجَمَاعَة جَمَاعَة السُّوء ؟ قَدْ سَمِعْت وَسْوَسَة بَنِي إِسْرَائِيل . وَقَالَ : لَأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا قُلْت لَكُمْ , وَلَتُلْقَيَنَّ جِيَفكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَار , وَحِسَابكُمْ مِنْ بَنِي عِشْرِينَ سَنَة فَمَا فَوْق ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ عَلَيَّ , فَلَا تَدْخُلُوا الْأَرْض الَّتِي دَفَعْت إِلَيْهَا , وَلَا يَنْزِل فِيهَا أَحَد مِنْكُمْ غَيْر كَالِب بْن يوفنا وَيُوشَع بْن نُون , وَتَكُون أَثْقَالكُمْ كَمَا كُنْتُمْ الْغَنِيمَة . وَأَمَّا بَنُوكُمْ الْيَوْم الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمُوا مَا بَيْن الْخَيْر وَالشَّرّ , فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْأَرْض , وَإِنِّي بِهِمْ عَارِف لَهُمْ الْأَرْض الَّتِي أَرَدْت لَهُمْ وَتَسْقُط جِيَفكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَار , وَتَتِيهُونَ فِي هَذِهِ الْقِفَار عَلَى حِسَاب الْأَيَّام الَّتِي جَسَسْتُمْ الْأَرْض أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَكَان كُلّ يَوْم سَنَة وَتُقْتَلُونَ بِخَطَايَاكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , وَتَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ : قَدْ أَتَى أنِّي أَنَا اللَّه فَاعِل بِهَذِهِ الْجَمَاعَة , جَمَاعَة بَنِي إِسْرَائِيل , الَّذِينَ وُعِدُوا بِأَنْ يَتِيهُوا فِي الْقِفَار , فِيهَا يَمُوتُونَ ! فَأَمَّا الرَّهْط الَّذِينَ كَانَ مُوسَى بَعَثَهُمْ يَتَجَسَّسُونَ الْأَرْض , ثُمَّ حَرَّشُوا الْجَمَاعَة , فَأَفْشَوْا فِيهِمْ خَبَر الشَّرّ , فَمَاتُوا كُلّهمْ بَغْتَة , وَعَاشَ يُوشَع وَكَالِب بْن يوفنا مِنْ الرَّهْط الَّذِينَ اِنْطَلَقُوا يَتَحَسَّسُونَ الْأَرْض . فَلَمَّا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا الْكَلَام كُلّه لِبَنِي إِسْرَائِيل , حَزِنَ الشَّعْب حُزْنًا شَدِيدًا , وَغَدَوْا فَارْتَفَعُوا عَلَى رَأْس الْجَبَل , وَقَالُوا : نَرْتَقِي الْأَرْض الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ أَجْل أَنَّا قَدْ أَخْطَأْنَا . فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : لِمَ تَعْتَدُونَ فِي كَلَام اللَّه مِنْ أَجْل ذَلِكَ , لَا يَصْلُح لَكُمْ عَمَل , وَلَا تَصْعَدُوا مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه لَيْسَ مَعَكُمْ , فَالْآن تَنْكَسِرُونَ مِنْ قُدَّام أَعْدَائِكُمْ مِنْ أَجْل الْعَمَالِقَة وَالْكَنْعَانِيِّينَ أَمَامكُمْ , فَلَا تَقَعُوا فِي الْحَرْب مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى اللَّه فَلَمْ يَكُنْ اللَّه مَعَكُمْ ! فَأَخَذُوا يَرْقُونَ فِي الْجَبَل , وَلَمْ يَبْرَح التَّابُوت الَّذِي فِيهِ مَوَاثِيق اللَّه جَلَّ ذِكْره وَمُوسَى مِنْ الْمَحَلَّة ; يَعْنِي مِنْ الْحِكْمَة , حَتَّى هَبَطَ الْعَمَالِيق وَالْكَنْعَانِيُّونَ فِي ذَلِكَ الْحَائِط , فَحَرَّقُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ . فَتَيَّهَهُمْ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِي التِّيه أَرْبَعِينَ سَنَة بِالْمَعْصِيَةِ , حَتَّى هَلَكَ مَنْ كَانَ اِسْتَوْجَبَ الْمَعْصِيَة مِنْ اللَّه فِي ذَلِكَ . قَالَ : فَلَمَّا شَبَّ النَّوَاشِئ مِنْ ذَرَارِيّهمْ , وَهَلَكَ آبَاؤُهُمْ , وَانْقَضَتْ الْأَرْبَعُونَ سَنَة الَّتِي تَتَيَّهُوا فِيهَا وَسَارَ بِهِمْ مُوسَى وَمَعَهُ يُوشَع بْن نُون وَكَالِب بْن يوفنا , وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَلَى مَرْيَم اِبْنَة عِمْرَان أُخْت مُوسَى وَهَارُون , وَكَانَ لَهُمَا صِهْرًا ; قَدِمَ يُوشَع بْن نُون إِلَى أَرِيحَاء فِي بَنِي إِسْرَائِيل , فَدَخَلَهَا بِهِمْ , وَقَتَلَ الْجَبَابِرَة الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا , ثُمَّ دَخَلَهَا مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيل , فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يُقِيم , ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّه إِلَيْهِ لَا يَعْلَم قَبْره أَحَد مِنْ الْخَلَائِق . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْأَرْبَعِينَ مَنْصُوبَة بِالتَّحْرِيمِ , وَإِنَّ قَوْله : { مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة } مَعْنِيّ بِهِ جَمِيع قَوْم مُوسَى لَا بَعْض دُون بَعْض مِنْهُمْ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَمَّ بِذَلِكَ الْقَوْم , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض . وَقَدْ وَفَّى اللَّه بِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ الْعُقُوبَة , فَتَيَّهَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , وَحَرَّمَ عَلَى جَمِيعهمْ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَة الَّتِي مَكَثُوا فِيهَا تَائِهِينَ دُخُول الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , فَلَمْ يَدْخُلهَا مِنْهُمْ أَحَد , لَا صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا صَالِح وَلَا طَالِح , حَتَّى اِنْقَضَتْ السُّنُونَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فِيهَا دُخُولهَا . ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَذَرَارِيّهمْ بِدُخُولِهَا مَعَ نَبِيّ اللَّه مُوسَى , وَالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا . وَافْتَتَحَ قَرْيَة الْجَبَّارِينَ إِنْ شَاءَ اللَّه نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مُقَدِّمَته يُوشَع , وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ أَهْل الْعِلْم بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ عوج بْن عنق قَتَلَهُ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَوْ كَانَ قَتْله إِيَّاهُ قَبْل مَصِيره فِي التِّيه وَهُوَ مِنْ أَعْظَم الْجَبَّارِينَ خَلْقًا لَمْ تَكُنْ بَنُو إِسْرَائِيل تَجْزَع مِنْ الْجَبَّارِينَ الْجَزَع الَّذِي ظَهَرَ مِنْهَا , وَلَكِنْ ذَلِكَ كَانَ إِنْ شَاءَ اللَّه بَعْد فَنَاء الْأُمَّة الَّتِي جَزِعَتْ وَعَصَتْ رَبّهَا وَأَبَتْ الدُّخُول عَلَى الْجَبَّارِينَ مَدِينَتهمْ . وَبَعْد : فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ بلعم بْن باعوراء كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ الْجَبَّارِينَ بِالدُّعَاءِ عَلَى مُوسَى ; وَمُحَال أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ وَقَوْم مُوسَى مُمْتَنِعُونَ مِنْ حَرْبهمْ وَجِهَادهمْ ; لِأَنَّ الْمَعُونَة إِنَّمَا يَحْتَاج إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَطْلُوبًا , فَأَمَّا وَلَا طَالِب فَلَا وَجْه لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا . 9134 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ نَوْف , قَالَ : كَانَ سَرِير عوج ثَمَانمِائَةِ ذِرَاع , وَكَانَ طُول مُوسَى عَشَرَة أَذْرُع وَعَصَاهُ عَشَرَة أَذْرُع وَوَثَبَ فِي السَّمَاء عَشَرَة أَذْرُع , فَضَرَبَ عوجا فَأَصَابَ كَعْبه , فَسَقَطَ مَيِّتًا , فَكَانَ جِسْرًا لِلنَّاسِ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ . 9135 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ عَصَا مُوسَى عَشَرَة أَذْرُع وَوَثْبَته عَشَرَة أَذْرُع وَطُوله عَشَرَة أَذْرُع , فَوَثَبَ فَأَصَابَ كَعْب عوج فَقَتَلَهُ , فَكَانَ جِسْرًا لِأَهْلِ النِّيل سَنَة . وَمَعْنَى : { يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } يَحَارُونَ فِيهَا وَيَضِلُّونَ , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ الضَّالّ عَنْ سَبِيل الْحَقّ تَائِهٌ . وَكَانَ تِيههمْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصْبِحُونَ أَرْبَعِينَ سَنَة كُلّ سَنَة يَوْم جَادِّينَ فِي قَدْر سِتَّة فَرَاسِخ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ , فَيُمْسُونَ فِي الْمَوْضِع الَّذِي اِبْتَدَءُوا السَّيْر مِنْهُ . 9136 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع . 9137 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيل أَرْبَعِينَ سَنَة , يُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسَوْا , وَيُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبَحُوا فِي تِيههمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَلَا تَأْسَ } فَلَا تَحْزَن , يُقَال مِنْهُ : أَسِيَ فُلَان عَلَى كَذَا يَأْسَى أَسًى , وَقَدْ أَسَيْت مِنْ كَذَا : أَيْ حَزِنْت , وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقِيس : وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيُّهُمْ يَقُولُونَ لَا تَهْلِك أَسًى وَتَجَمَّل يَعْنِي : لَا تَهْلِك حُزْنًا . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9138 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَا تَأْسَ } يَقُول : فَلَا تَحْزَن . 9139 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } قَالَ : لَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمْ التِّيه , نَدِمَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } لَا تَحْزَن عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ سَمَّيْتهمْ فَاسْقِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَلَا تَأْسَ } فَلَا تَحْزَن , يُقَال مِنْهُ : أَسِيَ فُلَان عَلَى كَذَا يَأْسَى أَسًى , وَقَدْ أَسَيْت مِنْ كَذَا : أَيْ حَزِنْت , وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقِيس : وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيُّهُمْ يَقُولُونَ لَا تَهْلِك أَسًى وَتَجَمَّل يَعْنِي : لَا تَهْلِك حُزْنًا . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9138 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَا تَأْسَ } يَقُول : فَلَا تَحْزَن . 9139 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } قَالَ : لَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمْ التِّيه , نَدِمَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } لَا تَحْزَن عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ سَمَّيْتهمْ فَاسْقِينَ .
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاتْلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيهمْ إِلَيْكُمْ , عَلَيْك وَعَلَى أَصْحَابك مَعَك , وَعَرِّفْهُمْ مَكْرُوه عَاقِبَة الظُّلْم وَالْمَكْر , وَسُوء مَغَبَّة الْجَوْر وَنَقْضِ الْعَهْد , وَمَا جَزَاء النَّاكِث وَثَوَاب الْوَافِي , خَبَر اِبْنَيْ آدَم هَابِيل وَقَابِيل , وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْر الْمُطِيع مِنْهُمَا رَبّه الْوَافِي بِعَهْدِهِ , وَمَا إِلَيْهِ صَارَ أَمْر الْعَاصِي مِنْهُمَا رَبّه الْجَائِر النَّاقِض عَهْده ; فَلْتُعَرِّفْ بِذَلِكَ الْيَهُود وَخَامَة غِبّ غَدْرهمْ , وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ بَيْنك وَبَيْنهمْ , وَهَمّهمْ بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْط أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك . فَإِنَّ لَك وَلَهُمْ فِي حُسْن ثَوَابِي وَعِظَم جَزَائِي عَلَى الْوَفَاء بِالْعَهْدِ الَّذِي جَازَيْت الْمَقْتُول الْوَافِي بِعَهْدِهِ مِنْ اِبْنَيْ آدَم , وَعَاقَبْت بِهِ الْقَاتِل النَّاكِث عَهْده ; عَزَاء جَمِيلًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي سَبَب تَقْرِيب اِبْنَيْ آدَم الْقُرْبَان , وَسَبَب قَبُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا تَقَبَّلَ مِنْهُ , وَمَنْ اللَّذَانِ قَرَّبَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ عَنْ أَمْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ إِيَّاهُمَا بِتَقْرِيبِهِ . وَكَانَ سَبَب الْقَبُول أَنَّ الْمُتَقَبَّل مِنْهُ قَرَّبَ خَيْر مَاله وَقَرَّبَ الْآخَر شَرّ مَاله , وَكَانَ الْمُقَرِّبَانِ اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ أَحَدهمَا : هَابِيل , وَالْآخِر قَابِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9140 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ هِشَام بْن سَعِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ اِبْنَيْ آدَم لَمَّا أُمِرَا بِالْقُرْبَانِ , كَانَ أَحَدهمَا صَاحِب غَنَم , وَكَانَ أُنْتِجَ لَهُ حَمَل فِي غَنَمه , فَأَحَبَّهُ حَتَّى كَانَ يُؤْثِرهُ بِاللَّيْلِ , وَكَانَ يَحْمِلهُ عَلَى ظَهْره مِنْ حُبّه , حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ مَال أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ . فَلَمَّا أُمِرَ بِالْقُرْبَانِ , قَرَّبَهُ لِلَّهِ فَقَبِلَهُ اللَّه مِنْهُ , فَمَا زَالَ يَرْتَع فِي الْجَنَّة حَتَّى فَدَى بِهِ اِبْن إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9141 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : إِنَّ اِبْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر , كَانَ أَحَدهمَا صَاحِب حَرْث , وَالْآخَر صَاحِب غَنَم , وَأَنَّهُمَا أُمِرَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا ; وَإِنَّ صَاحِب الْغَنَم قَرَّبَ أَكْرَم غَنَمه وَأَسْمَنهَا وَأَحْسَنهَا طَيِّبَة بِهَا نَفْسه , وَإِنَّ صَاحِب الْحَرْث قَرَّبَ شَرّ حَرْثه الْكَوْزَن وَالزُّوَان غَيْر طَيِّبَة بِهَا نَفْسه ; وَإِنَّ اللَّه تَقَبَّلَ قُرْبَان صَاحِب الْغَنَم وَلَمْ يَتَقَبَّل قُرْبَان صَاحِب الْحَرْث . وَكَانَ مِنْ قِصَّتهمَا مَا قَصَّ اللَّه فِي كِتَابه , وَقَالَ : أَيْم اللَّه إِنْ كَانَ الْمَقْتُول لَأَشَدّ الرَّجُلَيْنِ , وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّج أَنْ يَبْسُط يَده إِلَى أَخِيهِ ! وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرهمَا عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهُمَا بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9142 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ مِنْ شَأْنهمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِين فَيُتَصَدَّق عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَان يُقَرِّبهُ الرَّجُل . فَبَيْنَا اِبْنَا آدَم قَاعِدَانِ , إِذْ قَالَا : لَوْ قَرَّبْنَا قُرْبَانًا ! وَكَانَ الرَّجُل إِذَا قَرَّبَ قُرْبَانًا فَرَضِيَهُ اللَّه أَرْسَلَ إِلَيْهِ نَارًا فَأَكَلَتْهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَضِيَهُ اللَّه خَبَتْ النَّار . فَقَرَّبَا قُرْبَانًا , وَكَانَ أَحَدهمَا رَاعِيًا , وَكَانَ الْآخَر حَرَّاثًا , وَإِنَّ صَاحِب الْغَنَم قَرَّبَ خَيْر غَنَمه وَأَسْمَنهَا وَقَرَّبَ الْآخَر أَبْغَض زَرْعه , فَجَاءَتْ النَّار , فَنَزَلَتْ بَيْنهمَا , فَأَكَلَتْ الشَّاة وَتَرَكَتْ الزَّرْع . وَإِنَّ اِبْن آدَم قَالَ لِأَخِيهِ : أَتَمْشِي فِي النَّاس وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّك قَرَّبْت قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْك وَرُدَّ عَلَيَّ ؟ فَلَا وَاَللَّه , لَا تَنْظُر النَّاس إِلَيَّ وَإِلَيْك وَأَنْتَ خَيْر مِنِّي ! فَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : مَا ذَنْبِي , إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ . 9143 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } قَالَ : اِبْنَا آدَم هَابِيل وَقَابِيل لِصُلْبِ آدَم , فَقَرَّبَ أَحَدهمَا شَاة وَقَرَّبَ الْآخَر بَقْلًا , فَقُبِلَ مِنْ صَاحِب الشَّاة , فَقَتَلَهُ صَاحِبه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9144 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } قَالَ : هَابِيل وَقَابِيل , فَقَرَّبَ هَابِيل عَنَاقًا مِنْ أَحْسَن غَنَمه , وَقَرَّبَ قَابِيل زَرْعًا مِنْ زَرْعه . قَالَ : فَأَكَلَتْ النَّار الْعَنَاق , وَلَمْ تَأْكُل الزَّرْع , فَ { قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . 9145 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا رَجُل سَمِعَ مُجَاهِدًا فِي قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } قَالَ : هُوَ هَابِيل وَقَابِيل لِصُلْبِ آدَم , قَرَّبَا قُرْبَانًا , قَرَّبَ أَحَدهمَا شَاة مِنْ غَنَمه وَقَرَّبَ الْآخَر بَقْلًا , فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِب الشَّاة , فَقَالَ لَهُ صَاحِبِهِ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَقَتَلَهُ , فَعَقَلَ اللَّه إِحْدَى رِجْلَيْهِ بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَجَعَلَ وَجْهه إِلَى الشَّمْس حَيْثُمَا دَارَتْ عَلَيْهِ حَظِيرَة مِنْ ثَلْج فِي الشِّتَاء وَعَلَيْهِ فِي الصَّيْف حَظِيرَة مِنْ نَار , وَمَعَهُ سَبْعَة أَمْلَاك كُلَّمَا ذَهَبَ مَلَك جَاءَ الْآخَر . 9146 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر } قَالَ : قَرَّبَ هَذَا كَبْشًا وَقَرَّبَ هَذَا صُبْرَة مِنْ طَعَام ; فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا . قَالَ : تُقُبِّلَ مِنْ صَاحِب الشَّاة وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر . 9147 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر } كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي آدَم , فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر . 9148 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ } قَالَ : كَانَ أَحَدهمَا اِسْمه قَابِيل وَالْآخَر هَابِيل ; أَحَدهمَا صَاحِب غَنَم , وَالْآخَر صَاحِب زَرْع , فَقَرَّبَ هَذَا مِنْ أَمْثَل غَنَمه حَمَلًا , وَقَرَّبَ هَذَا مِنْ أَرْدَإِ زَرْعه . قَالَ : فَنَزَلَتْ النَّار , فَأَكَلَتْ الْحَمَل , فَقَالَ لِأَخِيهِ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! 9149 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل : أَنَّ آدَم أَمَرَ اِبْنه قَابِيل أَنْ يَنْكِح أُخْته تَوْأَمَة هَابِيل , وَأَمَرَ هَابِيل أَنْ يَنْكِح أُخْته تَوْأَمَة قَابِيل . فَسَلَّمَ لِذَلِكَ هَابِيل وَرَضِيَ , وَأَبَى قَابِيل ذَلِكَ وَكَرِهَهُ , تَكَرُّمًا عَنْ أُخْت هَابِيل , وَرَغِبَ بِأُخْتِهِ عَنْ هَابِيل , وَقَالَ : نَحْنُ وِلَادَة الْجَنَّة وَهُمَا مِنْ وِلَادَة الْأَرْض , وَأَنَا أَحَقّ بِأُخْتِي وَيَقُول بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل : كَانَتْ أُخْت قَابِيل مِنْ أَحْسَن النَّاس , فَضَنَّ بِهَا عَلَى أَخِيهِ وَأَرَادَهَا لِنَفْسِهِ , فَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا بُنَيَّ إِنَّهَا لَا تَحِلّ لَك ! فَأَبَى قَابِيل أَنْ يَقْبَل ذَلِكَ مِنْ قَوْل أَبِيهِ , فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا بُنَيّ فَقَرِّبْ قُرْبَانًا , وَيُقَرِّب أَخُوك هَابِيل قُرْبَانًا , فَأَيُّكُمَا قَبِلَ اللَّه قُرْبَانه فَهُوَ أَحَقّ بِهَا . وَكَانَ قَابِيل عَلَى بَذْر الْأَرْض , وَكَانَ هَابِيل عَلَى رِعَايَة الْمَاشِيَة , فَقَرَّبَ قَابِيل قَمْحًا وَقَرَّبَ هَابِيل أَبْكَارًا مِنْ أَبْكَار غَنَمه - وَبَعْضهمْ يَقُول : قَرَّبَ بَقَرَة - فَأَرْسَلَ اللَّه نَارًا بَيْضَاء , فَأَكَلَتْ قُرْبَان هَابِيل وَتَرَكَتْ قُرْبَان قَابِيل , وَبِذَلِكَ كَانَ يَقْبَل الْقُرْبَان إِذَا قَبِلَهُ . 9150 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِيمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ لَا يُولَد لِآدَم مَوْلُود إِلَّا وُلِدَ مَعَهُ جَارِيَة , فَكَانَ يُزَوِّج غُلَام هَذَا الْبَطْن جَارِيَة هَذَا الْبَطْن الْآخَر , وَيُزَوِّج جَارِيَة هَذَا الْبَطْن غُلَام هَذَا الْبَطْن الْآخَر . حَتَّى وُلِدَ لَهُ اِبْنَانِ يُقَال لَهُمَا : قَابِيل , وَهَابِيل , وَكَانَ قَابِيل صَاحِب زَرْع , وَكَانَ هَابِيل صَاحِب ضَرْع . وَكَانَ قَابِيل أَكْبَرهمَا , وَكَانَ لَهُ أُخْت أَحْسَن مِنْ أُخْت هَابِيل . وَإِنَّ هَابِيل طَلَبَ أَنْ يَنْكِح أُخْت قَابِيل , فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ : هِيَ أُخْتِي وُلِدَتْ مَعِي , وَهِيَ أَحْسَن مِنْ أُخْتك , وَأَنَا أَحَقّ أَنْ أَتَزَوَّجهَا . فَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُزَوِّجهَا هَابِيل فَأَبَى . وَإِنَّهُمَا قَرَّبَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّه أَيّهمَا أَحَقّ بِالْجَارِيَةِ , وَكَانَ آدَم يَوْمئِذٍ قَدْ غَابَ عَنْهُمَا إِلَى مَكَّة يَنْظُر إِلَيْهَا , قَالَ اللَّه لِآدَم : يَا آدَم , هَلْ تَعْلَم أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ لَا ! قَالَ : فَإِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّة فَأْتِهِ ! فَقَالَ آدَم لِلسَّمَاءِ : اِحْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ , فَأَبَتْ . وَقَالَ لِلْأَرْضِ فَأَبَتْ , وَقَالَ لِلْجِبَالِ فَأَبَتْ , وَقَالَ لِقَابِيل , فَقَالَ : نَعَمْ تَذْهَب وَتَرْجِع وَتَجِد أَهْلك كَمَا يَسُرّك . فَلَمَّا اِنْطَلَقَ آدَم قَرَّبَا قُرْبَانًا , وَكَانَ قَابِيل يَفْخَر عَلَيْهِ , فَقَالَ : أَنَا أَحَقّ بِهَا مِنْك , هِيَ أُخْتِي , وَأَنَا أَكْبَر مِنْك , وَأَنَا وَصِيّ وَالِدِي . فَلَمَّا قَرَّبَا , قَرَّبَ هَابِيل جَذَعَة سَمِينَة , وَقَرَّبَ قَابِيل حُزْمَة سُنْبُل , فَوَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَة عَظِيمَة فَفَرَكَهَا فَأَكَلَهَا . فَنَزَلَتْ النَّار فَأَكَلَتْ قُرْبَان هَابِيل , وَتَرَكَتْ قُرْبَان قَابِيل , فَغَضِبَ وَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لَا تَنْكِح أُخْتِي ! فَقَالَ هَابِيل { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . 9151 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا هَابِيل وَقَابِيل . فَأَمَّا هَابِيل فَكَانَ صَاحِب مَاشِيَة , فَعَمَدَ إِلَى خَيْر مَاشِيَته , فَتَقَرَّبَ بِهَا , فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ نَار فَأَكَلَتْهُ . وَكَانَ الْقُرْبَان إِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ نَار فَأَكَلَتْهُ , وَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِمْ أَكَلَتْهُ الطَّيْر وَالسِّبَاع . وَأَمَّا قَابِيل فَكَانَ صَاحِب زَرْع , فَعَمَدَ إِلَى أَرْدَإِ زَرْعه , فَتَقَرَّبَ بِهِ , فَلَمْ تَنْزِل عَلَيْهِ النَّار , فَحَسَدَ أَخَاهُ عِنْد ذَلِكَ فَقَالَ : { لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ } قَالَ : هُمَا قَابِيل وَهَابِيل . قَالَ : كَانَ أَحَدهمَا صَاحِب زَرْع وَالْآخَر صَاحِب مَاشِيَة , فَجَاءَ أَحَدهمَا بِخَيْرِ مَاله وَجَاءَ الْآخَر بِشَرِّ مَاله , فَجَاءَتْ النَّار , فَأَكَلَتْ قُرْبَان أَحَدهمَا وَهُوَ هَابِيل , وَتَرَكَتْ قُرْبَان الْآخَر , فَحَسَدَهُ فَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } قَالَ : قَرَّبَ هَذَا زَرْعًا وَذَا عَنَاقًا , فَتَرَكَتْ النَّارُ الزَّرْعَ وَأَكَلَتْ الْعَنَاق . وَقَالَ آخَرُونَ : اللَّذَانِ قَرَّبَا قُرْبَانًا وَقَصَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَصَصهمَا فِي هَذِهِ الْآيَة , رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَا مِنْ وَلَد آدَم لِصُلْبِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9152 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : . كَانَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ فِي الْقُرْآن , اللَّذَانِ قَالَ اللَّه : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ } مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونَا اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَان فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ آدَم أَوَّل مَنْ مَاتَ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , أَنَّ اللَّذَيْنِ قَرَّبَا الْقُرْبَان كَانَ اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , لَا مِنْ ذُرِّيَّته مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِب عِبَاده بِمَا لَا يُفِيدهُمْ بِهِ فَائِدَة , وَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا عَالِمِينَ أَنَّ تَقْرِيب الْقُرْبَان لِلَّهِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي وَلَد آدَم دُون الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وَسَائِر الْخَلْق غَيْرهمْ . فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا ذَلِكَ عِنْدهمْ , فَمَعْقُول أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنِيًّا بِابْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي كِتَابه اِبْنَاهُ لِصُلْبِهِ , لَمْ يُفِدْهُمْ بِذِكْرِهِ جَلَّ جَلَاله إِيَّاهُمَا فَائِدَة لَمْ تَكُنْ عِنْدهمْ . وَإِذَا كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يُخَاطِبهُمْ خِطَابًا لَا يُفِيدهُمْ بِهِ مَعْنًى , فَمَعْلُوم أَنَّهُ عَنَى اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , لَا اِبْنَيْ بَنِيهِ الَّذِينَ بَعُدَ مِنْهُ نَسَبهمْ مَعَ إِجْمَاع أَهْل الْأَخْبَار وَالسِّيَر وَالْعِلْم بِالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ وَفِي عَهْد آدَم وَزَمَانه , وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا . وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِمَّنْ نَصَّ عَنْهُ الْقَوْل بِذَلِكَ , وَسَنَذْكُرُ كَثِيرًا مِمَّنْ لَمْ يَذْكُر إِنْ شَاءَ اللَّه . 9153 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : ثنا حُسَام بْن مِصَكّ , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : لَمَّا قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ , مَكَثَ آدَم مِائَة سَنَة حَزِينًا لَا يَضْحَك , ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ : حَيَّاك اللَّه وَبَيَّاك ! فَقَالَ : بَيَّاك : أَضْحَكَك . 9154 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ غِيَاث بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ : لَمَّا قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ , بَكَى آدَم فَقَالَ : تَغَيَّرَتْ الْبِلَاد وَمَنْ عَلَيْهَا فَلَوْن الْأَرْض مُغْبَرّ قَبِيح تَغَيَّرَ كُلّ ذِي لَوْن وَطَعْم وَقَلَّ بَشَاشَة الْوَجْه الْمَلِيح فَأُجِيبَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام : أَبَا هَابِيل قَدْ قُتِلَا جَمِيعًا وَصَارَ الْحَيّ كَالْمَيْتِ الذَّبِيح وَجَاءَ بِشَرَّةٍ قَدْ كَانَ مِنْهَا عَلَى خَوْف فَجَاءَ بِهَا يَصِيح وَأَمَّا الْقَوْل فِي تَقْرِيبهمَا مَا قَرَّبَا , فَإِنَّ الصَّوَاب فِيهِ مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَخْبَرَ عِبَاده عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَدْ قَرَّبَا , وَلَمْ يُخْبِر أَنَّ تَقْرِيبهمَا مَا قَرَّبَا كَانَ عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهُمَا بِهِ وَلَا عَنْ غَيْر أَمْره . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ , وَجَائِز أَنْ يَكُون عَنْ غَيْر أَمْره . غَيْر أَنَّهُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ فَلَمْ يُقَرِّبَا ذَلِكَ إِلَّا طَلَب قُرْبَة إِلَى اللَّه إِنْ شَاءَ اللَّه .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : قَالَ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّل مِنْهُ قُرْبَانه لِلَّذِي تُقُبِّلَ مِنْهُ قُرْبَانه : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَتَرَكَ ذِكْر الْمُتَقَبَّل قُرْبَانه وَالْمَرْدُود عَلَيْهِ قُرْبَانه , اِسْتِغْنَاء بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرهمَا عَنْ إِعَادَته , وَكَذَلِكَ تَرَكَ ذِكْر الْمُتَقَبَّل قُرْبَانه مَعَ قَوْله : { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس : 9155 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ } فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : مَا ذَنْبِي { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . 9156 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } قَالَ : يَقُول : إِنَّك لَوْ اِتَّقَيْت اللَّه فِي قُرْبَانك تُقُبِّلَ مِنْك , جِئْت بِقُرْبَانٍ مَغْشُوش بِأَشَرّ مَا عِنْدك , وَجِئْت أَنَا بِقُرْبَانٍ طَيِّب بِخَيْرِ مَا عِنْدِي ; قَالَ : وَكَانَ قَالَ : يَتَقَبَّل اللَّه مِنْك وَلَا يَتَقَبَّل مِنِّي .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ الْمُتَّقِينَ } مِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا اللَّه وَخَافُوهُ بِأَدَاءِ مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَته . وَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : الْمُتَّقُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِع الَّذِينَ اِتَّقَوْا الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9157 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْك . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْقُرْبَان فِيمَا مَضَى , وَأَنَّهُ الْفُعْلَان مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَرَّبَ , كَمَا الْفُرْقَان : الْفُعْلَان مِنْ فَرَّقَ , وَالْعُدْوَان مِنْ عَدَا . وَكَانَتْ قَرَابِينُ الْأُمَم الْمَاضِيَة قَبْل أُمَّتنَا كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَات فِينَا , غَيْر أَنَّ قَرَابِينهمْ كَانَ يُعْلَم الْمُتَقَبَّل مِنْهَا وَغَيْر الْمُتَقَبَّل فِيمَا ذُكِرَ بِأَكْلِ النَّار مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا وَتَرْك النَّار مَا لَمْ يُتَقَبَّل مِنْهَا . وَالْقُرْبَان فِي أُمَّتنَا : الْأَعْمَال الصَّالِحَة : مِنْ الصَّلَاة , وَالصِّيَام , وَالصَّدَقَة عَلَى أَهْل الْمَسْكَنَة , وَأَدَاء الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , وَلَا سَبِيل لَهَا إِلَى الْعِلْم فِي عَاجِل بِالْمُتَقَبَّلِ مِنْهَا وَالْمَرْدُود . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَامِر بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , أَنَّهُ حِين حَضَرَتْهُ الْوَفَاة بَكَى , فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيك , فَقَدْ كُنْت وَكُنْت ؟ فَقَالَ : يُبْكِينِي أَنِّي أَسْمَع اللَّه يَقُول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } 9158 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عُمَر الْمُقَدِّمِيّ , قَالَ : ثني سَعِيد بْن عَامِر , عَنْ هَمَّام , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ عَامِر . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : قُرْبَان الْمُتَّقِينَ : الصَّلَاة . 9159 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ عِمْرَان بْن سُلَيْم , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , قَالَ : كَانَ قُرْبَان الْمُتَّقِينَ : الصَّلَاة .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : قَالَ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّل مِنْهُ قُرْبَانه لِلَّذِي تُقُبِّلَ مِنْهُ قُرْبَانه : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَتَرَكَ ذِكْر الْمُتَقَبَّل قُرْبَانه وَالْمَرْدُود عَلَيْهِ قُرْبَانه , اِسْتِغْنَاء بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرهمَا عَنْ إِعَادَته , وَكَذَلِكَ تَرَكَ ذِكْر الْمُتَقَبَّل قُرْبَانه مَعَ قَوْله : { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس : 9155 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ } فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : مَا ذَنْبِي { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . 9156 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } قَالَ : يَقُول : إِنَّك لَوْ اِتَّقَيْت اللَّه فِي قُرْبَانك تُقُبِّلَ مِنْك , جِئْت بِقُرْبَانٍ مَغْشُوش بِأَشَرّ مَا عِنْدك , وَجِئْت أَنَا بِقُرْبَانٍ طَيِّب بِخَيْرِ مَا عِنْدِي ; قَالَ : وَكَانَ قَالَ : يَتَقَبَّل اللَّه مِنْك وَلَا يَتَقَبَّل مِنِّي .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ الْمُتَّقِينَ } مِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا اللَّه وَخَافُوهُ بِأَدَاءِ مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَته . وَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : الْمُتَّقُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِع الَّذِينَ اِتَّقَوْا الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9157 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْك . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْقُرْبَان فِيمَا مَضَى , وَأَنَّهُ الْفُعْلَان مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَرَّبَ , كَمَا الْفُرْقَان : الْفُعْلَان مِنْ فَرَّقَ , وَالْعُدْوَان مِنْ عَدَا . وَكَانَتْ قَرَابِينُ الْأُمَم الْمَاضِيَة قَبْل أُمَّتنَا كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَات فِينَا , غَيْر أَنَّ قَرَابِينهمْ كَانَ يُعْلَم الْمُتَقَبَّل مِنْهَا وَغَيْر الْمُتَقَبَّل فِيمَا ذُكِرَ بِأَكْلِ النَّار مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا وَتَرْك النَّار مَا لَمْ يُتَقَبَّل مِنْهَا . وَالْقُرْبَان فِي أُمَّتنَا : الْأَعْمَال الصَّالِحَة : مِنْ الصَّلَاة , وَالصِّيَام , وَالصَّدَقَة عَلَى أَهْل الْمَسْكَنَة , وَأَدَاء الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , وَلَا سَبِيل لَهَا إِلَى الْعِلْم فِي عَاجِل بِالْمُتَقَبَّلِ مِنْهَا وَالْمَرْدُود . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَامِر بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , أَنَّهُ حِين حَضَرَتْهُ الْوَفَاة بَكَى , فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيك , فَقَدْ كُنْت وَكُنْت ؟ فَقَالَ : يُبْكِينِي أَنِّي أَسْمَع اللَّه يَقُول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } 9158 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عُمَر الْمُقَدِّمِيّ , قَالَ : ثني سَعِيد بْن عَامِر , عَنْ هَمَّام , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ عَامِر . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : قُرْبَان الْمُتَّقِينَ : الصَّلَاة . 9159 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ عِمْرَان بْن سُلَيْم , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , قَالَ : كَانَ قُرْبَان الْمُتَّقِينَ : الصَّلَاة .
لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك لِأَقْتُلك } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْمَقْتُول مِنْ اِبْنَيْ آدَم أَنَّهُ قَالَ لِأَخِيهِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَخُوهُ الْقَاتِل لَأَقْتُلَنَّكَ : وَاَللَّه { لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك } يَقُول : مَدَدْت إِلَيَّ يَدك { لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك } يَقُول : مَا أَنَا بِمَادٍّ يَدِي إِلَيْك { لِأَقْتُلك } وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَالَ الْمَقْتُول ذَلِكَ لِأَخِيهِ وَلَمْ يُمَانِعهُ مَا فَعَلَ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَالَ ذَلِكَ إِعْلَامًا مِنْهُ لِأَخِيهِ الْقَاتِل أَنَّهُ لَا يَسْتَحِلّ قَتْله وَلَا بَسْط يَده إِلَيْهِ بِمَا لَمْ يَأْذَن اللَّه بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9160 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّهُ قَالَ : وَاَيْم اللَّه إِنْ كَانَ الْمَقْتُول لَأَشَدّ الرَّجُلَيْنِ , وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّج أَنْ يَبْسُط إِلَى أَخِيهِ . 9161 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك } لَا أَنَا بِمُنْتَصِرٍ , وَلَأُمْسِكَنَّ يَدِي عَنْك . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَمْنَعهُ مِمَّا أَرَادَ مِنْ قَتْله , وَقَالَ مَا قَالَ لَهُ مِمَّا قَصَّ اللَّه فِي كِتَابه . إِلَّا أَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَمْتَنِع مَنْ أُرِيدَ قَتْله مِمَّنْ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9162 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا رَجُل , سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك لِأَقْتُلك } قَالَ مُجَاهِد : كَانَ كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ : إِذَا أَرَادَ الرَّجُل أَنْ يَقْتُل رَجُلًا تَرَكَهُ وَلَا يَمْتَنِع مِنْهُ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَانَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ قَتْل نَفْس بِغَيْرِ نَفْس ظُلْمًا , وَأَنَّ الْمَقْتُول قَالَ لِأَخِيهِ : مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك إِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك ; لِأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ مِنْ قَتْل أَخِيهِ مِثْل الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَى أَخِيهِ الْقَاتِل مِنْ قَتْله . فَأَمَّا الِامْتِنَاع مِنْ قَتْله حِين أَرَادَ قَتْله , فَلَا دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْقَاتِل حِين أَرَادَ قَتْله وَعَزَمَ عَلَيْهِ كَانَ الْمَقْتُول عَالِمًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ عَازِم مِنْهُ وَمُحَاوِل مِنْ قَتْله , فَتَرَكَ دَفْعه عَنْ نَفْسه ; بَلْ قَدْ ذَكَرَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَة , اِغْتَالَهُ وَهُوَ نَائِم , فَشَدَخَ رَأْسه بِصَخْرَةٍ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَرْكِ مَنْع أَخِيهِ مِنْ قَتْله , لَمْ يَكُنْ جَائِزًا اِدِّعَاء مَا لَيْسَ فِي الْآيَة إِلَّا بِبُرْهَانٍ يَجِب تَسْلِيمه .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { إِنِّي أَخَاف اللَّه } فَإِنِّي أَخَاف اللَّه فِي بَسْط يَدِي إِلَيْك إِنْ بَسَطْتهَا لِقَتْلِك . { رَبّ الْعَالَمِينَ } يَعْنِي : مَالِك الْخَلَائِق كُلّهَا أَنْ يُعَاقِبنِي عَلَى بَسْط يَدِي إِلَيْك .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { إِنِّي أَخَاف اللَّه } فَإِنِّي أَخَاف اللَّه فِي بَسْط يَدِي إِلَيْك إِنْ بَسَطْتهَا لِقَتْلِك . { رَبّ الْعَالَمِينَ } يَعْنِي : مَالِك الْخَلَائِق كُلّهَا أَنْ يُعَاقِبنِي عَلَى بَسْط يَدِي إِلَيْك .
إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمك } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي مِنْ قَتْلِك إِيَّايَ وَإِثْمك فِي مَعْصِيَتك اللَّه بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِيك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9163 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي حَدِيثه عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول : إِثْم قَتْلِي إِلَى إِثْمك الَّذِي فِي عُنُقك { فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار } 9164 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول بِقَتْلِك إِيَّايَ , وَإِثْمك قَبْل ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } قَالَ : بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمك . 9165 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول : إِنِّي أُرِيد أَنْ يَكُون عَلَيْك خَطِيئَتك وَدَمِي , تَبُوء بِهِمَا جَمِيعًا . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِقَتْلِك إِيَّايَ . { وَإِثْمك } قَالَ : بِمَا كَانَ مِنْك قَبْل ذَلِكَ . 9166 - حُدِّثْتُ عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْم , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } قَالَ : أَمَّا إِثْمك , فَهُوَ الْإِثْم الَّذِي عَمِلَ قَبْل قَتْل النَّفْس , يَعْنِي أَخَاهُ . وَأَمَّا إِثْمه : فَقَتْله أَخَاهُ . وَكَأَنَّ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة وَجَّهُوا تَأْوِيل قَوْله : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } أَيْ إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِ قَتْلِي , فَحَذَفَ الْقَتْل وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْإِثْم , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِخَطِيئَتِي فَتَتَحَمَّل وِزْرهَا وَإِثْمك فِي قَتْلِك إِيَّايَ . وَهَذَا قَوْل وَجَدْته عَنْ مُجَاهِد , وَأَخْشَى أَنْ يَكُون غَلَطًا ; لِأَنَّ الصَّحِيح مِنْ الرِّوَايَة عَنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9167 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَكُون عَلَيْك خَطِيئَتِي وَدَمِي , فَتَبُوء بِهِمَا جَمِيعًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ تَأْوِيله : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَنْصَرِف بِخَطِيئَتِك فِي قَتْلك إِيَّايَ , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي } وَأَمَّا مَعْنَى { وَإِثْمك } فَهُوَ إِثْمه بِغَيْرِ قَتْله , وَذَلِكَ مَعْصِيَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَعْمَال سِوَاهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ كُلّ عَامِل فَجَزَاء عَمَله لَهُ أَوْ عَلَيْهِ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمه فِي خَلْقه فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون آثَام الْمَقْتُول مَأْخُوذًا بِهَا الْقَاتِل وَإِنَّمَا يُؤْخَذ الْقَاتِل بِإِثْمِهِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّم وَسَائِر آثَام مَعَاصِيه الَّتِي اِرْتَكَبَهَا بِنَفْسِهِ دُون مَا رَكِبَهُ قَتِيله . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ قَتْل الْمَقْتُول مِنْ بَنِي آدَم كَانَ مَعْصِيَة لِلَّهِ مِنْ الْقَاتِل ؟ قِيلَ : بَلَى , وَأَعْظِمْ بِهَا مَعْصِيَة ! فَإِنْ قَالَ : فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْصِيَة , فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُرِيد ذَلِكَ مِنْهُ الْمَقْتُول وَيَقُول : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي } وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِ قَتْلِي ؟ فَمَعْنَاهُ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِ قَتْلِي إِنْ قَتَلْتَنِي لِأَنِّي لَا أَقْتُلك , فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَنِي فَإِنِّي مُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِ مَعْصِيَتك اللَّه فِي قَتْلك إِيَّايَ . وَهُوَ إِذَا قَتَلَهُ , فَهُوَ لَا مَحَالَة بَاءَ بِهِ فِي حُكْم اللَّه , فَإِرَادَته ذَلِكَ غَيْر مُوجِبَة لَهُ الدُّخُول فِي الْخَطَأ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ } يَقُول : فَتَكُون بِقَتْلِك إِيَّايَ مِنْ سُكَّان الْجَحِيم , وَوُقُود النَّار الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا . { وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَالنَّار ثَوَاب التَّارِكِينَ طَرِيق الْحَقّ الزَّائِلِينَ عَنْ قَصْد السَّبِيل , الْمُتَعَدِّينَ مَا جَعَلَ لَهُمْ إِلَى مَا لَمْ يَجْعَل لَهُمْ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَانَ أَمَرَ وَنَهَى آدَم بَعْد أَنْ أَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْض , وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ , وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَالَ الْمَقْتُول لِلْقَائِلِ : فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار بِقَتْلِك إِيَّايَ , وَلَا أَخْبَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ . فَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : عُلِّقَتْ إِحْدَى رِجْلَيْ الْقَاتِل بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذهَا مِنْ يَوْمئِذٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَوَجْهه فِي الشَّمْس حَيْثُمَا دَارَتْ دَار , عَلَيْهِ فِي الصَّيْف حَظِيرَة مِنْ نَار وَعَلَيْهِ فِي الشِّتَاء حَظِيرَة مِنْ ثَلْج . 9168 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد ذَلِكَ . قَالَ : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : إِنَّا لَنَجِد اِبْن آدَم الْقَاتِل يُقَاسِم أَهْل النَّار قِسْمَة صَحِيحَة الْعَذَاب , عَلَيْهِ شَطْر عَذَابهمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو خَبَر . 9169 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا جَرِير وَأَبُو مُعَاوِيَة ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , وَوَكِيع جَمِيعًا , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ نَفْس تُقْتَل ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى اِبْن آدَم الْأَوَّل كِفْل مِنْهَا , ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل " * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي ( ح ) , وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوه . 9170 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر . عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ , قَالَ : مَا مِنْ مَقْتُول يُقْتَل ظُلْمًا , إِلَّا كَانَ عَلَى اِبْن آدَم الْأَوَّل وَالشَّيْطَان كِفْل مِنْهُ . 9171 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ حَكِيم بْن حَكِيم , أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ أَشْقَى النَّاس رَجُلًا لِابْنِ آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ , مَا سُفِكَ دَم فِي الْأَرْض مُنْذُ قَتَلَ أَخَاهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا لَحِقَ بِهِ مِنْهُ شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل . وَبِهَذَا الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ الْحَسَن فِي اِبْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ , ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّهُمَا لَيْسَا بِابْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , وَلَكِنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَأَنَّ الْقَوْل الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ , أَنَّ أَوَّل مَنْ مَاتَ آدَم , وَأَنَّ الْقُرْبَان الَّذِي كَانَتْ النَّار تَأْكُلهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي بَنِي إِسْرَائِيل خَطَأ ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ هَذَا الْقَاتِل الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ . أَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل , وَقَدْ كَانَ لَا شَكَّ الْقَتْل قَبْل إِسْرَائِيل , فَكَيْفَ قَبْل ذُرِّيَّته ! وَخَطَأ مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال : أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل هُوَ قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ اِبْن آدَم لِصُلْبِهِ ; لِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل , فَأَوْجَبَ اللَّه لَهُ مِنْ الْعُقُوبَة مَا رُوِّينَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ } يَقُول : فَتَكُون بِقَتْلِك إِيَّايَ مِنْ سُكَّان الْجَحِيم , وَوُقُود النَّار الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا . { وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَالنَّار ثَوَاب التَّارِكِينَ طَرِيق الْحَقّ الزَّائِلِينَ عَنْ قَصْد السَّبِيل , الْمُتَعَدِّينَ مَا جَعَلَ لَهُمْ إِلَى مَا لَمْ يَجْعَل لَهُمْ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَانَ أَمَرَ وَنَهَى آدَم بَعْد أَنْ أَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْض , وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ , وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَالَ الْمَقْتُول لِلْقَائِلِ : فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار بِقَتْلِك إِيَّايَ , وَلَا أَخْبَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ . فَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : عُلِّقَتْ إِحْدَى رِجْلَيْ الْقَاتِل بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذهَا مِنْ يَوْمئِذٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَوَجْهه فِي الشَّمْس حَيْثُمَا دَارَتْ دَار , عَلَيْهِ فِي الصَّيْف حَظِيرَة مِنْ نَار وَعَلَيْهِ فِي الشِّتَاء حَظِيرَة مِنْ ثَلْج . 9168 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد ذَلِكَ . قَالَ : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : إِنَّا لَنَجِد اِبْن آدَم الْقَاتِل يُقَاسِم أَهْل النَّار قِسْمَة صَحِيحَة الْعَذَاب , عَلَيْهِ شَطْر عَذَابهمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو خَبَر . 9169 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا جَرِير وَأَبُو مُعَاوِيَة ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , وَوَكِيع جَمِيعًا , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ نَفْس تُقْتَل ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى اِبْن آدَم الْأَوَّل كِفْل مِنْهَا , ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل " * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي ( ح ) , وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوه . 9170 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر . عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ , قَالَ : مَا مِنْ مَقْتُول يُقْتَل ظُلْمًا , إِلَّا كَانَ عَلَى اِبْن آدَم الْأَوَّل وَالشَّيْطَان كِفْل مِنْهُ . 9171 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ حَكِيم بْن حَكِيم , أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ أَشْقَى النَّاس رَجُلًا لِابْنِ آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ , مَا سُفِكَ دَم فِي الْأَرْض مُنْذُ قَتَلَ أَخَاهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا لَحِقَ بِهِ مِنْهُ شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل . وَبِهَذَا الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ الْحَسَن فِي اِبْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ , ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّهُمَا لَيْسَا بِابْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , وَلَكِنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَأَنَّ الْقَوْل الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ , أَنَّ أَوَّل مَنْ مَاتَ آدَم , وَأَنَّ الْقُرْبَان الَّذِي كَانَتْ النَّار تَأْكُلهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي بَنِي إِسْرَائِيل خَطَأ ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ هَذَا الْقَاتِل الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ . أَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل , وَقَدْ كَانَ لَا شَكَّ الْقَتْل قَبْل إِسْرَائِيل , فَكَيْفَ قَبْل ذُرِّيَّته ! وَخَطَأ مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال : أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل هُوَ قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ اِبْن آدَم لِصُلْبِهِ ; لِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل , فَأَوْجَبَ اللَّه لَهُ مِنْ الْعُقُوبَة مَا رُوِّينَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ فَقَتَلَهُ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { فَطَوَّعَتْ } فَأَقَامَتْهُ وَسَاعَدَتْهُ عَلَيْهِ . وَهُوَ " فَعَّلَتْ " مِنْ الطَّوْع , مِنْ قَوْل الْقَائِل : طَاعَنِي هَذَا الْأَمْر : إِذَا اِنْقَادَ لَهُ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَشَجَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9172 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ وَمُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه } قَالَ : شَجَّعَتْ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه } قَالَ : فَشَجَّعَتْهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ } قَالَ : شَجَّعَتْهُ عَلَى قَتْل أَخِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : زَيَّنَتْ لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9173 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه } قَالَ : زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ , فَقَتَلَهُ .
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي صِفَة قَتْله إِيَّاهُ كَيْفَ كَانَتْ , وَالسَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَتَلَهُ . فَقَالَ بَعْضهمْ : وَجَدَهُ نَائِمًا فَشَدَخَ رَأْسه بِصَخْرَةٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9174 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه . وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ } فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلهُ , فَرَاغَ الْغُلَام مِنْهُ فِي رُءُوس الْجِبَال . وَأَتَاهُ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّام وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَل وَهُوَ نَائِم , فَرَفَعَ صَخْرَة فَشَدَخَ بِهَا رَأْسه , فَمَاتَ , فَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ . وَقَالَ بَعْضهمْ , مَا : 9175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَشْعَث السِّجِسْتَانِيّ يَقُول : سَمِعْت اِبْن جُرَيْج قَالَ : اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ صَاحِبه لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَقْتُلهُ , فَتَمَثَّلَ إِبْلِيس لَهُ فِي هَيْئَة طَيْر , فَأَخَذَ طَيْرًا فَقَصَعَ رَأْسه , ثُمَّ وَضَعَهُ بَيْن حَجَرَيْنِ فَشَدَخَ رَأْسه , فَعَلَّمَهُ الْقَتْل . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَتَلَهُ حَيْثُ يَرْعَى الْغَنَم , فَأَتَى فَجَعَلَ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقْتُلهُ , فَلَوَى بِرَقَبَتِهِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ . فَنَزَلَ إِبْلِيس , وَأَخَذَ دَابَّة أَوْ طَيْرًا , فَوَضَعَ رَأْسه عَلَى حَجَر , ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا آخَر فَرَضَخَ بِهِ رَأْسه , وَابْن آدَم الْقَاتِل يَنْظُر , فَأَخَذَ أَخَاهُ , فَوَضَعَ رَأْسه عَلَى حَجَر وَأَخَذَ حَجَرًا آخَر فَرَضَخَ بِهِ رَأْسه . 9176 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا رَجُل سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول , فَذَكَرَ نَحْوه . 9177 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا أَكَلَتْ النَّار قُرْبَان اِبْن آدَم الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانه , قَالَ الْآخَر لِأَخِيهِ : أَتَمْشِي فِي النَّاس وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّك قَرَّبْت قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْك وَرُدَّ عَلَيَّ ؟ وَاَللَّه لَا تَنْظُر النَّاس إِلَيَّ وَإِلَيْك وَأَنْتَ خَيْر مِنِّي ! فَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : مَا ذَنْبِي { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } ؟ فَخَوَّفَهُ بِالنَّارِ , فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَنْزَجِر , فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ , فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ . 9178 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , قَالَ : أَقْبَلْت مَعَ سَعِيد بْن جُبَيْر أَرْمِي الْجَمْرَة وَهُوَ مُتَقَنِّع مُتَوَكِّئ عَلَى يَدَيَّ , حَتَّى إِذَا وَازَيْنَا بِمَنْزِلِ سَمُرَة الصَّرَّاف , وَقَفَ يُحَدِّثنِي عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَهَى أَنْ يَنْكِح الْمَرْأَة أَخُوهَا تَوْأَمهَا وَيَنْكِحهَا غَيْره مِنْ إِخْوَتهَا , وَكَانَ يُولَد فِي كُلّ بَطْن رَجُل وَامْرَأَة , فَوُلِدَتْ اِمْرَأَة وَسِيمَة , وَوُلِدَتْ اِمْرَأَة دَمِيمَة قَبِيحَة , فَقَالَ أَخُو الدَّمِيمَة : أَنْكِحْنِي أُخْتك وَأُنْكِحك أُخْتِي ! قَالَ : لَا , أَنَا أَحَقّ بِأُخْتِي . فَقَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِب الْكَبْش , وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ صَاحِب الزَّرْع , فَقَتَلَهُ . فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْكَبْش مَحْبُوسًا عِنْد اللَّه حَتَّى أَخْرَجَهُ فِي فَدَاء إِسْحَاق , فَذَبَحَهُ عَلَى هَذَا الصَّفَا فِي ثَبِيِر عِنْد مَنْزِل سَمُرَة الصَّرَّاف , وَهُوَ عَلَى يَمِينك حِين تَرْمِي الْجِمَار . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّة . قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ بَنُو آدَم عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَى أَرْبَعَة آبَاء , فَنَكَحَ اِبْنَة عَمّه , وَذَهَبَ نِكَاح الْأَخَوَات . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْقَاتِل أَنَّهُ قَتَلَ أَخَاهُ , وَلَا خَبَر عِنْدنَا يَقْطَع الْعُذْر بِصِفَةِ قَتْله إِيَّاهُ . وَجَائِز أَنْ يَكُون عَلَى نَحْو مَا قَدْ ذَكَرَ السُّدِّيّ فِي خَبَره , وَجَائِر أَنْ يَكُون كَانَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِد , وَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ , غَيْر أَنَّ الْقَتْل قَدْ كَانَ لَا شَكّ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ } فَإِنَّ تَأْوِيله : فَأَصْبَحَ الْقَاتِل أَخَاهُ مِنْ اِبْنَيْ آدَم مِنْ حِزْب الْخَاسِرِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ بَاعُوا آخِرَتهمْ بِدُنْيَاهُمْ بِإِيثَارِهِمْ إِيَّاهَا عَلَيْهَا فَوُكِسُوا فِي بَيْعهمْ وَغُبِنُوا فِيهِ , وَخَابُوا فِي صَفْقَتهمْ .
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي صِفَة قَتْله إِيَّاهُ كَيْفَ كَانَتْ , وَالسَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَتَلَهُ . فَقَالَ بَعْضهمْ : وَجَدَهُ نَائِمًا فَشَدَخَ رَأْسه بِصَخْرَةٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9174 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه . وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ } فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلهُ , فَرَاغَ الْغُلَام مِنْهُ فِي رُءُوس الْجِبَال . وَأَتَاهُ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّام وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَل وَهُوَ نَائِم , فَرَفَعَ صَخْرَة فَشَدَخَ بِهَا رَأْسه , فَمَاتَ , فَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ . وَقَالَ بَعْضهمْ , مَا : 9175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَشْعَث السِّجِسْتَانِيّ يَقُول : سَمِعْت اِبْن جُرَيْج قَالَ : اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ صَاحِبه لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَقْتُلهُ , فَتَمَثَّلَ إِبْلِيس لَهُ فِي هَيْئَة طَيْر , فَأَخَذَ طَيْرًا فَقَصَعَ رَأْسه , ثُمَّ وَضَعَهُ بَيْن حَجَرَيْنِ فَشَدَخَ رَأْسه , فَعَلَّمَهُ الْقَتْل . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَتَلَهُ حَيْثُ يَرْعَى الْغَنَم , فَأَتَى فَجَعَلَ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقْتُلهُ , فَلَوَى بِرَقَبَتِهِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ . فَنَزَلَ إِبْلِيس , وَأَخَذَ دَابَّة أَوْ طَيْرًا , فَوَضَعَ رَأْسه عَلَى حَجَر , ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا آخَر فَرَضَخَ بِهِ رَأْسه , وَابْن آدَم الْقَاتِل يَنْظُر , فَأَخَذَ أَخَاهُ , فَوَضَعَ رَأْسه عَلَى حَجَر وَأَخَذَ حَجَرًا آخَر فَرَضَخَ بِهِ رَأْسه . 9176 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا رَجُل سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول , فَذَكَرَ نَحْوه . 9177 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا أَكَلَتْ النَّار قُرْبَان اِبْن آدَم الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانه , قَالَ الْآخَر لِأَخِيهِ : أَتَمْشِي فِي النَّاس وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّك قَرَّبْت قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْك وَرُدَّ عَلَيَّ ؟ وَاَللَّه لَا تَنْظُر النَّاس إِلَيَّ وَإِلَيْك وَأَنْتَ خَيْر مِنِّي ! فَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : مَا ذَنْبِي { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } ؟ فَخَوَّفَهُ بِالنَّارِ , فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَنْزَجِر , فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ , فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ . 9178 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , قَالَ : أَقْبَلْت مَعَ سَعِيد بْن جُبَيْر أَرْمِي الْجَمْرَة وَهُوَ مُتَقَنِّع مُتَوَكِّئ عَلَى يَدَيَّ , حَتَّى إِذَا وَازَيْنَا بِمَنْزِلِ سَمُرَة الصَّرَّاف , وَقَفَ يُحَدِّثنِي عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَهَى أَنْ يَنْكِح الْمَرْأَة أَخُوهَا تَوْأَمهَا وَيَنْكِحهَا غَيْره مِنْ إِخْوَتهَا , وَكَانَ يُولَد فِي كُلّ بَطْن رَجُل وَامْرَأَة , فَوُلِدَتْ اِمْرَأَة وَسِيمَة , وَوُلِدَتْ اِمْرَأَة دَمِيمَة قَبِيحَة , فَقَالَ أَخُو الدَّمِيمَة : أَنْكِحْنِي أُخْتك وَأُنْكِحك أُخْتِي ! قَالَ : لَا , أَنَا أَحَقّ بِأُخْتِي . فَقَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِب الْكَبْش , وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ صَاحِب الزَّرْع , فَقَتَلَهُ . فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْكَبْش مَحْبُوسًا عِنْد اللَّه حَتَّى أَخْرَجَهُ فِي فَدَاء إِسْحَاق , فَذَبَحَهُ عَلَى هَذَا الصَّفَا فِي ثَبِيِر عِنْد مَنْزِل سَمُرَة الصَّرَّاف , وَهُوَ عَلَى يَمِينك حِين تَرْمِي الْجِمَار . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّة . قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ بَنُو آدَم عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَى أَرْبَعَة آبَاء , فَنَكَحَ اِبْنَة عَمّه , وَذَهَبَ نِكَاح الْأَخَوَات . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْقَاتِل أَنَّهُ قَتَلَ أَخَاهُ , وَلَا خَبَر عِنْدنَا يَقْطَع الْعُذْر بِصِفَةِ قَتْله إِيَّاهُ . وَجَائِز أَنْ يَكُون عَلَى نَحْو مَا قَدْ ذَكَرَ السُّدِّيّ فِي خَبَره , وَجَائِر أَنْ يَكُون كَانَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِد , وَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ , غَيْر أَنَّ الْقَتْل قَدْ كَانَ لَا شَكّ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ } فَإِنَّ تَأْوِيله : فَأَصْبَحَ الْقَاتِل أَخَاهُ مِنْ اِبْنَيْ آدَم مِنْ حِزْب الْخَاسِرِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ بَاعُوا آخِرَتهمْ بِدُنْيَاهُمْ بِإِيثَارِهِمْ إِيَّاهَا عَلَيْهَا فَوُكِسُوا فِي بَيْعهمْ وَغُبِنُوا فِيهِ , وَخَابُوا فِي صَفْقَتهمْ .