الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي تَأْوِيل قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { الم } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 184 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { الم } قَالَ : اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن 185 -حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم الْآمِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة مُوسَى بْن مَسْعُود قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : { الم } اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن 186 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُدَ , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج قَالَ : { الم } اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن. وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ فَوَاتِح يَفْتَح اللَّه بِهَا الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 187 - حَدَّثَنِي هَارُون بْن إِدْرِيس الْأَصَمّ الْكُوفِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { الم } فَوَاتِح يَفْتَح اللَّه بِهَا الْقُرْآن . حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { الم } فَوَاتِح . حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { الم } وَ { حم } وَ { المص } وَ { ص } فَوَاتِح افْتَتَحَ اللَّه بِهَا . حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْل حَدِيث هَارُون بْن إِدْرِيس . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اسْم لِلسُّورَةِ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 188 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ قَوْل اللَّه : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } وَ { الم تَنْزِيل } وَ { المر تِلْكَ } فَقَالَ : قَالَ أَبِي : إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاء السُّوَر . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اسْم اللَّه الْأَعْظَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 189 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت السُّدِّيّ عَنْ { حم } وَ { طسم } وَ { الم } فَقَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس : هُوَ اسْم اللَّه الْأَعْظَم . حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو النُّعْمَان , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 190 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنِ الشَّعْبِيّ قَالَ : فَوَاتِح السُّوَر مِنْ أَسْمَاء اللَّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 191 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن عُثْمَان بْن صَالِح السَّهْمِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ ابْن أَبِي طَلْحَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء اللَّه . 192 حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد الْحَذَّاء عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : { الم } قَسَم . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة مِنْ أَسْمَاء وَأَفْعَال , كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ لِمَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْحَرْف الْآخَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 193 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي شَرِيك , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنِ ابْن عَبَّاس : { الم } قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم . 194 - وَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُبَيْد قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَقْظَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ قَوْله : { الم } قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم . 195 -حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنِ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : { الم } قَالَ : أَمَّا : { الم } فَهُوَ حَرْف اشْتُقَّ مِنْ حُرُوف هِجَاء أَسْمَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ . 196 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَعْمَر , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن زِيَاد الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الم } وَ { حم } وَ { ن } قَالَ : اسْم مُقَطَّع . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف هِجَاء مَوْضُوع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 197 - حَدَّثَنَا عَنْ مَنْصُور ابْن أَبِي نُوَيْرَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْمُؤَدِّب , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : فَوَاتِح السُّوَر كُلّهَا { ق } وَ { ص } وَ { حم } وَ { طسم } وَ { الر } وَغَيْر ذَلِكَ هِجَاء مَوْضُوع . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف يَشْتَمِل كُلّ حَرْف مِنْهَا عَلَى مَعَانٍ شَتَّى مُخْتَلِفَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 198- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم الطَّبَرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { الم } قَالَ : هَذِهِ الْأَحْرُف مِنْ التِّسْعَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا , دَارَتْ فِيهَا الْأَلْسُن كُلّهَا , لَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ مِفْتَاح اسْم مِنْ أَسْمَائِهِ , وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ فِي آلَائِهِ وَبَلَائِهِ , وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ مُدَّة قَوْم وَآجَالهمْ . وَقَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم : " وَعَجِيب يَنْطِقُونَ فِي أَسْمَائِهِ , وَيَعِيشُونَ فِي رِزْقه , فَكَيْفَ يَكْفُرُونَ " ؟ قَالَ : الْأَلِف : مِفْتَاح اسْمه " اللَّه " , وَاللَّام : مِفْتَاح اسْمه " لَطِيف " , وَالْمِيم : مِفْتَاح اسْمه " مَجِيد " ; وَالْأَلِف : آلَاء اللَّه , وَاللَّام : لُطْفه , وَالْمِيم : مَجْده ; الْأَلِف : سَنَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ سَنَة , وَالْمِيم : أَرْبَعُونَ سَنَة. حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا حَكَّام عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ. وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف مِنْ حِسَاب الْجُمَّل , كَرِهْنَا ذِكْر الَّذِي حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ , إِذْ كَانَ الَّذِي رَوَاهُ مِمَّنْ لَا يُعْتَمَد عَلَى رِوَايَته وَنَقْله , وَقَدْ مَضَتْ الرِّوَايَة بِنَظِيرِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْل عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَقَالَ بَعْضهمْ : لِكُلِّ كِتَاب سِرّ , وَسِرّ الْقُرْآن فَوَاتِحه. وَأَمَّا أَهْل الْعَرَبِيَّة فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم اسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا فِي أَوَائِل السُّوَر عَنْ ذِكْر بِوَاقِيهَا الَّتِي هِيَ تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا , كَمَا اسْتَغْنَى الْمُخْبِر عَمَّنْ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ فِي حُرُوف الْمُعْجَم الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ بِذِكْرِ " أ ب ت ث " عَنْ ذِكْر بِوَاقِي حُرُوفهَا الَّتِي هِيَ تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ , قَالَ : وَلِذَلِكَ رَفَعَ { ذَلِكَ الْكِتَاب } لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : الْأَلِف وَاللَّام وَالْمِيم مِنَ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة { ذَلِكَ الْكِتَاب } الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك مَجْمُوعًا { لَا رَيْبَ فِيهِ ... } . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ " أ ب ت ث " قَدْ صَارَتْ كَالِاسْمِ فِي حُرُوف الْهِجَاء كَمَا صَارَتْ الْحَمْد اسْمًا لِفَاتِحَةِ الْكِتَاب . قِيلَ لَهُ : لَمَّا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِل : ابْنِي فِي " ط ظ " , وَكَانَ مَعْلُومًا بِقِيلِهِ ذَلِكَ لَوْ قَالَهُ أَنَّهُ يُرِيد الْخَبَرَ عَنِ ابْنه أَنَّهُ فِي الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة , عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ " أ ب ت ث " لَيْسَ لَهَا بِاسْمٍ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ آثَر فِي الذِّكْر مِنْ سَائِرهَا. قَالَ : وَإِنَّمَا خُولِفَ بَيْنَ ذِكْر حُرُوف الْمُعْجَم فِي فَوَاتِح السُّوَر , فَذُكِرَتْ فِي أَوَائِلهَا مُخْتَلِفَة , وَذِكْرهَا إِذَا ذُكِرَتْ بِأَوَائِلِهَا الَّتِي هِيَ " أ ب ت ث " مُؤْتَلِفَة لِيَفْصِلَ بَيْنَ الْخَبَر عَنْهَا , إِذَا أُرِيد بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا مُخْتَلِفًا الدَّلَالَة عَلَى الْكَلَام الْمُتَّصِل , وَإِذَا أُرِيد بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا مُؤْتَلِفًا الدَّلَالَة عَلَى الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة بِأَعْيَانِهَا . وَاسْتَشْهَدُوا - الْإِجَازَة قَوْل الْقَائِل : ابْنِي فِي " ط ظ " , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْخَبَر عَنْهُ أَنَّهُ فِي حُرُوف الْمُعْجَم , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيله فِي الْبَيَان يَقُوم مَقَام قَوْله : " ابْنِي فِي أ ب ت ث " بِرَجَزِ بَعْض الرُّجَّاز مِنْ بَنِي أَسَد : لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي حُطِّي وَفَنَكَتْ فِي كَذِب وَلَطّ أَخَذْت مِنْهَا بِقُرُونٍ شُمْط فَلَمْ يَزَلْ ضَرْبِي بِهَا وَمَعْطِي حَتَّى عَلَا الرَّأْس دَم يُغَطِّي فَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْخَبَر عَنِ الْمَرْأَة أَنَّهَا فِي " أَبِي جَاد " , فَأَقَامَ قَوْله : " لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي حُطِّي " مَقَام خَبَره عَنْهَا أَنَّهَا فِي " أَبِي جَاد " , إِذْ كَانَ ذَاكَ مِنْ قَوْله يَدُلّ سَامِعه عَلَى مَا يَدُلّهُ عَلَيْهِ قَوْله : لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي أَبِي جَاد . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ابْتُدِئَتْ بِذَلِكَ أَوَائِل السُّوَر لِيَفْتَح لِاسْتِمَاعِهِ أَسْمَاع الْمُشْرِكِينَ , إِذْ تَوَاصَوْا بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْقُرْآن , حَتَّى إِذَا اسْتَمَعُوا لَهُ تَلَا عَلَيْهِمْ الْمُؤَلَّف مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضهمْ : الْحُرُوف الَّتِي هِيَ فَوَاتِح السُّوَر حُرُوف يَسْتَفْتِح اللَّه بِهَا كَلَامه . فَإِنْ قِيلَ : هَلْ يَكُون مِنَ الْقُرْآن مَا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ؟ فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ افْتَتَحَ بِهَا لِيَعْلَم أَنَّ السُّورَة الَّتِي قَبْلهَا قَدْ انْقَضَتْ , وَأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي أُخْرَى , فَجَعَلَ هَذَا عَلَامَة انْقِطَاع مَا بَيْنهمَا , وَذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب يُنْشِد الرَّجُل مِنْهُمْ الشِّعْر فَيَقُول : بَلْ ......... وَبَلْدَة مَا الْإِنْس مِنْ آهَالهَا وَيَقُول : لَا بَلْ ... مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا و " بَلْ " لَيْسَتْ مِنَ الْبَيْت وَلَا تُعَدّ فِي وَزْنه , وَلَكِنْ يَقْطَع بِهَا كَلَامًا وَيَسْتَأْنِف الْآخَرَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلِّ قَوْل مِنَ الْأَقْوَال الَّتِي قَالَهَا الَّذِينَ وَصَفْنَا قَوْلهمْ فِي ذَلِكَ وَجْه مَعْرُوف . فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : { الم } اسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن , فَلِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنَّ : { الم } اسْم لِلْقُرْآنِ كَمَا الْفُرْقَان اسْم لَهُ . وَإِذَا كَانَ مَعْنَى قَائِل ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ تَأْوِيل قَوْله : { الم } ذَلِكَ الْكِتَاب عَلَى مَعْنَى الْقَسَم ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْقُرْآن هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ . وَالْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنَّهُ اسْم مِنْ أَسْمَاء السُّورَة الَّتِي تُعْرَف بِهِ كَمَا تُعْرَف سَائِر الْأَشْيَاء بِأَسْمَائِهَا الَّتِي هِيَ لَهَا أَمَارَات تُعْرَف بِهَا , فَيَفْهَم السَّامِع مِنَ الْقَائِل يَقُول : قَرَأْت الْيَوْمَ { المص } وَ { ن } أَيْ السُّورَة الَّتِي قَرَأَهَا مِنْ سُوَر الْقُرْآن , كَمَا يُفْهَم عَنْهُ إِذَا قَالَ : لَقِيت الْيَوْم عَمْرًا وَزَيْدًا , وَهُمَا بِزَيْدٍ وَعَمْرٍ وَعَارِفَانِ مَنْ الَّذِي لَقِيَ مِنْ النَّاس . وَإِنْ أَشْكَلَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى امْرِئٍ فَقَالَ : وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَنَظَائِر الم المر فِي الْقُرْآن جَمَاعَة مِنْ السُّوَر ؟ وَإِنَّمَا تَكُون الْأَسْمَاء أَمَارَات , إِذَا كَانَتْ مُمَيِّزَة بَيْنَ الْأَشْخَاص , فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ غَيْر مُمَيِّزَة فَلَيْسَتْ أَمَارَات . قِيلَ : إِنَّ الْأَسْمَاءَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ لِاشْتِرَاكِ كَثِير مِنْ النَّاس فِي الْوَاحِد مِنْهَا غَيْر مُمَيِّزَة إِلَّا بِمَعَانٍ أُخَرَ مَعَهَا مِنْ ضَمّ نِسْبَة الْمُسَمَّى بِهَا إِلَيْهَا أَوْ نَعْته أَوْ صِفَته بِمَا يُفَرِّق بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْره مِنْ أَشْكَالهَا , فَإِنَّهَا وُضِعَتْ ابْتِدَاء لِلتَّمْيِيزِ لَا شَكَّ ثُمَّ احْتِيجَ عِنْد الِاشْتِرَاك إِلَى الْمَعَانِي الْمُفَرِّقَة بَيْن الْمُسَمَّى بِهَا. فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي أَسْمَاء السُّوَر , جَعَلَ كُلّ اسْم -فِي قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة - أَمَارَة لِلْمُسَمَّى بِهِ مِنْ السُّوَر فَلَمَّا شَارَكَ الْمُسَمَّى بِهِ فِيهِ غَيْره مِنْ سُوَر الْقُرْآن احْتَاجَ الْمُخْبِر عَنْ سُورَة مِنْهَا أَنْ يَضُمّ إِلَى اسْمهَا الْمُسَمَّى بِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُفَرِّق بِهِ لِلسَّامِعِ بَيْن الْخَبَر عَنْهَا وَعَنْ غَيْرهَا مِنْ نَعْت وَصِفَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ , فَيَقُول الْمُخْبِر عَنْ نَفْسه إِنَّهُ تَلَا سُورَة الْبَقَرَة إِذَا سَمَّاهَا بِاسْمِهَا الَّذِي هُوَ { الم } قَرَأْت { الم } الْبَقَرَة , وَفِي آل عِمْرَان : قَرَأْت { الم } آل عِمْرَان , وَ { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } وَ { الم اللَّه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم } . كَمَا لَوْ أَرَادَ الْخَبَر عَنْ رَجُلَيْنِ اسْم كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَمْرو , غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا تَمِيمِيّ وَالْآخَر أَزْدِيّ , لَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَرَادَ إِخْبَاره عَنْهُمَا : لَقِيت عَمْرًا التَّمِيمِيّ وَعَمْرًا الْأَزْدِيّ , إِذْ كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرهمَا مِمَّنْ يُشَارِكهُمَا فِي أَسْمَائِهِمَا إِلَّا بِنِسْبَتِهِمَا كَذَلِكَ , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْل مَنْ تَأَوَّلَ فِي الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : ذَلِكَ فَوَاتِح يَفْتَتِح اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهَا كَلَامَهُ , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى نَحْو الْمَعْنَى الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ قَالَ : ذَلِكَ أَدِلَّة عَلَى انْقِضَاء سُورَة وَابْتِدَاء فِي أُخْرَى وَعَلَامَة لِانْقِطَاعِ مَا بَيْنهمَا , كَمَا جُعِلَتْ " بَلْ " فِي ابْتِدَاء قَصِيدَة دَلَالَة عَلَى ابْتِدَاء فِيهَا وَانْقِضَاء أُخْرَى قَبْلهَا كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ الْعَرَب إِذَا أَرَادُوا الِابْتِدَاءَ فِي إِنْشَاد قَصِيدَة , قَالُوا : بَلْ .... مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا وَ " بَلْ " لَيْسَتْ مِنْ الْبَيْت وَلَا دَاخِلَة فِي وَزْنِهِ , وَلَكِنْ لِيَدُلّ بِهِ عَلَى قَطْع كَلَام وَابْتِدَاء آخَر. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : ذَلِكَ حُرُوف مُقَطَّعَة بَعْضهَا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَبَعْضهَا مِنْ صِفَاته , وَلِكُلِّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْحَرْف الْآخَر , فَإِنَّهُمْ نَحَوْا بِتَأْوِيلِهِمْ ذَلِكَ نَحْو قَوْل الشَّاعِر : قُلْنَا لَهَا قِفِي لَنَا قَالَتْ قَاف لَا تَحْسِبِي أَنَّا نَسِينَا الْإِيجَاف يَعْنِي بِقَوْلِهِ : قَالَتْ قَاف : قَالَتْ قَدْ وَقَفْت , فَدَلَّتْ بِإِظْهَارِ الْقَاف مِنْ وَقَفْت عَلَى مُرَادهَا مِنْ تَمَام الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ " وَقَفْت " , فَصَرَفُوا قَوْله : { الم } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إِلَى نَحْو هَذَا الْمَعْنَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْأَلِف أَلِف " أَنَا " , وَاللَّام لَام " اللَّه " , وَالْمِيم مِيم " أَعْلَم " , وَكُلّ حَرْف مِنْهَا دَالّ عَلَى كَلِمَة تَامَّة . قَالُوا : فَجُمْلَة هَذِهِ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة إِذَا ظَهَرَ مَعَ كُلّ حَرْف مِنْهُنَّ تَمَام حُرُوف الْكَلِمَة " أَنَا " اللَّه أَعْلَم " . قَالُوا : وَكَذَلِكَ سَائِر جَمِيع مَا فِي أَوَائِل سُوَر الْقُرْآن مِنْ ذَلِكَ , فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَبِهَذَا التَّأْوِيل . قَالُوا : وَمُسْتَفِيض ظَاهِر فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يَنْقُص الْمُتَكَلِّم مِنْهُمْ مِنَ الْكَلِمَة الْأَحْرُف إِذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ دَلَالَة عَلَى مَا حُذِفَ مِنْهَا , وَيَزِيد فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَة مُلَبِّسَة مَعْنَاهَا عَلَى سَامِعهَا كَحَذْفِهِمْ فِي النَّقْص فِي التَّرْخِيم مِنْ " حَارِث " " الثَّاءَ " فَيَقُولُونَ : يَا حَارِ , وَمِنْ " مَالِك " " الْكَاف " فَيَقُولُونَ : يَا مَالِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَكَقَوْلِ رَاجِزهمْ مَا لِلظَّلِيمِ عَالَ كَيْفَ لَا يَا يَنْقَدّ عَنْهُ جِلْده إِذَا يَا كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُول : إِذَا يَفْعَل كَذَا وَكَذَا , فَاكْتَفَى بِالْيَاءِ مِنْ يَفْعَل . . وَكَمَا قَالَ آخَر مِنْهُمْ : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا يُرِيد فَشَرًّا . وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا يُرِيد إِلَّا أَنْ تَشَاء , فَاكْتَفَى بِالتَّاءِ وَالْفَاء فِي الْكَلِمَتَيْنِ جَمِيعًا مِنْ سَائِر حُرُوفهمَا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد الَّتِي يَطُول الْكِتَاب بِاسْتِيعَابِهِ . وَكَمَا : 199 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب وَابْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : لَمَّا مَاتَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة , قَالَ لِي عَبَدَة : إِنِّي لَا أَرَاهَا إِلَّا كَائِنَة فِتْنَة فَافْزَعْ مِنْ ضَيْعَتك وَالْحَقْ بِأَهْلِك ! قُلْت : فَمَا تَأْمُرنِي ؟ قَالَ : أَحَبّ إِلَيَّ لَك أَنْ تَا - قَالَ أَيُّوب وَابْن عَوْن بِيَدِهِ تَحْت خَدّه الْأَيْمَن يَصِف الِاضْطِجَاع - حَتَّى تَرَى أَمْرًا تَعْرِفهُ قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِ " تَا " تَضْطَجِع , فَاجْتَزَأَ بِالتَّاءِ مِنْ تَضْطَجِع. وَكَمَا قَالَ الْآخَر فِي الزِّيَادَة فِي الْكَلَام عَلَى النَّحْو الَّذِي وَصَفْت : أَقُول إِذْ خَرَّتْ عَلَى الْكَلْكَالِ يَا نَاقَتِي مَا جُلْت مِنْ مَجَال يُرِيد الْكَلْكَل . وَكَمَا قَالَ الْآخَر : إِنَّ شَكْلِي وَإِنَّ شَكْلَك شَتَّى فَالْزَمِي الْخُصّ , وَاخْفِضِي تَبْيَضِضِّي فَزَادَ ضَادًا وَلَيْسَتْ فِي الْكَلِمَة. قَالُوا : فَكَذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ تَمَام حُرُوف كُلّ كَلِمَة مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَات الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَتِمَّة حُرُوف { الم } وَنَظَائِرهَا , نَظِير مَا نَقَصَ مِنْ الْكَلَام الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنِ الْعَرَب فِي أَشْعَارهَا وَكَلَامهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : كُلّ حَرْف مِنْ { الم } وَنَظَائِرهَا دَالّ عَلَى مَعَانٍ شَتَّى نَحْو الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى مِثْل الَّذِي وَجَّهَهُ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ هُوَ بِتَأْوِيلِ : " أَنَا اللَّه أَعْلَم " فِي أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهُ بَعْض حُرُوف كَلِمَة تَامَّة اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَتِهِ عَلَى تَمَامه عَنْ ذِكْر تَمَامه , وَإِنْ كَانُوا لَهُ مُخَالِفِينَ فِي كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ , أَهُوَ مِنَ الْكَلِمَة الَّتِي ادَّعَى أَنَّهُ مِنْهَا قَائِلُو الْقَوْل الْأَوَّل أَمْ مِنْ غَيْرهَا ؟ فَقَالُوا : بَلْ الْأَلِف مِنْ { الم } مِنْ كَلِمَات شَتَّى هِيَ دَالَّة عَلَى مَعَانِي جَمِيع ذَلِكَ وَعَلَى تَمَامه . قَالُوا : وَإِنَّمَا أَفْرَدَ كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ وَقَصَرَ بِهِ عَنْ تَمَام حُرُوف الْكَلِمَة أَنَّ جَمِيع حُرُوف الْكَلِمَة لَوْ أُظْهِرَتْ لَمْ تَدُلّ الْكَلِمَة الَّتِي تُظْهِر بَعْضَ هَذِهِ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة بَعْض لَهَا , إِلَّا عَلَى مَعْنًى وَاحِد لَا عَلَى مَعْنَيَيْنِ وَأَكْثَر مِنْهُمَا . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ لَا دَلَالَة فِي ذَلِكَ لَوْ أَظْهَر جَمِيعهَا إِلَّا عَلَى مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ مَعْنَى وَاحِد , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَرَادَ الدَّلَالَةَ بِكُلِّ حَرْف مِنْهَا عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة لِشَيْءٍ وَاحِد , لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُفْرَد . الْحَرْف الدَّالّ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي , لِيَعْلَم الْمُخَاطَبُونَ بِهِ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقْصِد قَصْد مَعْنًى وَاحِد وَدَلَالَة عَلَى شَيْء وَاحِد بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ الدَّلَالَة [ بِهِ ] عَلَى أَشْيَاء كَثِيرَة . قَالُوا : فَالْأَلِف مِنْ { الم } مُقْتَضِيَة مَعَانِي كَثِيرَة , مِنْهَا : إِتْمَام اسْم الرَّبّ الَّذِي هُوَ اللَّه , وَتَمَام اسْم نَعْمَاء اللَّه الَّتِي هِيَ آلَاء اللَّه , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ سَنَة , إِذَا كَانَتْ الْأَلِف فِي حِسَاب الْجُمَّل وَاحِدًا . وَاللَّام مُقْتَضِيَة تَمَام اسْم اللَّه الَّذِي هُوَ لَطِيف , وَتَمَام اسْم فَضْله الَّذِي هُوَ لُطْف , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ ثَلَاثُونَ سَنَة . وَالْمِيم مُقْتَضِيَة تَمَام اسْم اللَّه الَّذِي هُوَ مَجِيد , وَتَمَام اسْم عَظَمَته الَّتِي هِيَ مَجْد , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ أَرْبَعُونَ سَنَة , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام فِي تَأْوِيل قَائِل الْقَوْل الْأَوَّل : أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ افْتَتَحَ كَلَامَهُ بِوَصْفِ نَفْسه بِأَنَّهُ الْعَالِم الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَجَعَلَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ مَنْهَجًا يَسْلُكُونَهُ فِي مُفْتَتَح خُطَبهمْ وَرَسَائِلهمْ وَمُهِمّ أُمُورهمْ , وَابْتِلَاء مِنْهُ لَهُمْ لِيَسْتَوْجِبُوا بِهِ عَظِيم الثَّوَاب فِي دَار الْجَزَاء , كَمَا افْتَتَحَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , وَ { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ } 6 1 وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ السُّوَر الَّتِي جَعَلَ مَفَاتِحهَا الْحَمْد لِنَفْسِهِ . وَكَمَا جَعَلَ مَفَاتِح بَعْضهَا تَعْظِيم نَفْسه وَإِجْلَالَهَا بِالتَّسْبِيحِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } 17 1 وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ سَائِر سُوَر الْقُرْآن الَّتِي جَعَلَ مَفَاتِحَ بَعْضهَا تَحْمِيدَ نَفْسه , وَمَفَاتِحَ بَعْضهَا تَمْجِيدهَا , وَمَفَاتِح بَعْضهَا تَعْظِيمهَا وَتَنْزِيههَا . فَكَذَلِكَ جَعَلَ مَفَاتِح السُّوَر الْأُخْرَى الَّتِي أَوَائِلهَا بَعْض حُرُوف الْمُعْجَم مَدَائِح نَفْسه أَحْيَانًا بِالْعِلْمِ , وَأَحْيَانًا بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَاف , وَأَحْيَانًا بِالْإِفْضَالِ وَالْإِحْسَان بِإِيجَازٍ وَاخْتِصَار , ثُمَّ اقْتِصَاص الْأُمُور بَعْد ذَلِكَ . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَجِب أَنْ يَكُونَ الْأَلِف وَاللَّام وَالْمِيم فِي أَمَاكِن الرَّفْع مَرْفُوعًا بَعْضهَا بِبَعْضٍ دُونَ قَوْله : { ذَلِكَ الْكِتَاب } وَيَكُون ذَلِكَ الْكِتَاب خَبَر مُبْتَدَأ مُنْقَطِعًا عَنْ مَعْنَى { الم } , وَكَذَلِكَ " ذَلِكَ " فِي تَأْوِيل قَوْل قَائِل هَذَا الْقَوْل الثَّانِي مَرْفُوع بَعْضه بِبَعْضٍ , وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْل قَائِل الْقَوْل الْأَوَّل . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : هُنَّ حُرُوف مِنْ حُرُوف حِسَاب الْجُمَّل دُونَ مَا خَالَفَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَا نَعْرِف لِلْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة مَعْنًى يُفْهَم سِوَى حِسَاب الْجُمَّل وَسِوَى تَهَجِّي قَوْل الْقَائِل : { الم } . وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ يُخَاطِب اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ عَنْهُ , فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ - وَكَانَ قَوْله : { الم } لَا يُعْقَل لَهَا وَجْه تُوَجَّهُ إِلَيْهِ إِلَّا أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا , فَبَطَلَ أَحَد وَجْهَيْهِ , وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا تَهَجِّي . { الم } -صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ حِسَاب الْجُمَّل ; لِأَنَّ قَوْل الْقَائِل : { الم } لَا يَجُوز أَنْ يَلِيَهُ مِنَ الْكَلَام ذَلِكَ الْكِتَاب لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَى الْكَلَام وَخُرُوجه عَنْ الْمَعْقُول إِذَا وَلِيَ { الم } ذَلِكَ الْكِتَاب. وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا : 200 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل . قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنِ ابْن عَبَّاس , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن رِئَاب , قَالَ : مَرَّ أَبُو يَاسِر بْن أَخْطَبَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ سُورَة الْبَقَرَة : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْبَ فِيهِ } فَأَتَى أَخَاهُ حُيَيّ بْن أَخْطَب فِي رِجَال مِنْ يَهُودَ فَقَالَ : تَعْلَمُونَ وَاللَّه لَقَدْ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } فَقَالُوا : أَنْتَ سَمِعْته ؟ قَالَ : نَعَمْ فَمَشَى حُيَيّ بْن أَخْطَبَ فِي أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ يَهُودَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَلَمْ يُذْكَر لَنَا أَنَّك تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْك : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : " بَلَى " فَقَالُوا : أَجَاءَك بِهَذَا جِبْرِيل مِنْ عِنْد اللَّه ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ! قَالُوا : لَقَدْ بَعَثَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْلَك أَنْبِيَاءَ مَا نَعْلَمهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ مَا مُدَّة مُلْكه وَمَا أَجَل أُمَّته غَيْرَك ! فَقَالَ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ : وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ , فَقَالَ لَهُمْ : الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة , قَالَ : فَقَالَ لَهُمْ : أَتَدْخُلُونَ فِي دِين نَبِيّ إِنَّمَا مُدَّة مُلْكه وَأَجَل أُمَّته إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة ؟ قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد هَلْ مَعَ هَذَا غَيْره ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ! قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : " المص " قَالَ : هَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل : الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , وَالصَّاد تِسْعُونَ , فَهَذِهِ مِائَة وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَة ; هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّد غَيْره ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ! قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : " الر " قَالَ : هَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالرَّاء مِائَتَانِ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سَنَة ; فَقَالَ : هَلْ مَعَ هَذَا غَيْره يَا مُحَمَّد ؟ قَالَ : " نَعَمْ المر " , قَالَ : فَهَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل : الْأَلِف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , وَالرَّاء مِائَتَانِ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَا سَنَة . ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ لَبَسَ عَلَيْنَا أَمْرك يَا مُحَمَّد , حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا ! ثُمَّ قَامُوا عَنْهُ , فَقَالَ أَبُو يَاسِر لِأَخِيهِ حُيَيّ بْن أَخْطَبَ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَار : مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلّه لِمُحَمَّدٍ : إِحْدَى وَسَبْعُونَ , وَإِحْدَى وَسِتُّونَ وَمِائَة , وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ , وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ , فَذَلِكَ سَبْعمِائَةِ سَنَة وَأَرْبَع وَثَلَاثُونَ , فَقَالُوا : لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْره . وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَات نَزَلَتْ فِيهِمْ : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات } . 3 7 فَقَالُوا : قَدْ صَرَّحَ هَذَا الْخَبَر بِصِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل وَفَسَاد مَا قَالَهُ مُخَالِفُونَا فِيهِ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل عِنْدِي فِي تَأْوِيل مَفَاتِح السُّوَر الَّتِي هِيَ حُرُوف الْمُعْجَم : أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَهَا حُرُوفًا مُقَطَّعَة وَلَمْ يَصِل بَعْضهَا بِبَعْضٍ فَيَجْعَلَهَا كَسَائِرِ الْكَلَام الْمُتَّصِل الْحُرُوف ; لِأَنَّهُ عَزَّ ذِكْره أَرَادَ بِلَفْظِهِ الدَّلَالَة بِكُلِّ حَرْف مِنْهُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة لَا عَلَى مَعْنًى وَاحِد , كَمَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس , وَإِنْ كَانَ الرَّبِيع قَدْ اقْتَصَرَ بِهِ عَلَى مَعَانٍ ثَلَاثَة دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا . وَالصَّوَاب فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ حَرْف مِنْهُ يَحْوِي مَا قَالَهُ الرَّبِيع وَمَا قَالَهُ سَائِر الْمُفَسِّرِينَ غَيْره فِيهِ , سِوَى مَا ذَكَرْت مِنَ الْقَوْل عَمَّنْ ذَكَرْت عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ كَانَ يُوَجِّه تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ حُرُوف هِجَاء اسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ فِي مَفَاتِح السُّوَر عَنْ ذِكْر تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم بِتَأْوِيلِ : أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوف , ذَلِكَ الْكِتَاب , مَجْمُوعَة لَا رَيْب فِيهِ , فَإِنَّهُ قَوْل خَطَأ فَاسِد لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَال جَمِيع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ مِنْ أَهْل التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل , فَكَفَى دَلَالَة عَلَى خَطَئِهِ شَهَادَة الْحُجَّة شَهَادَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ مَعَ إِبْطَال قَائِل ذَلِكَ قَوْله الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ , إِذْ صَارَ إِلَى الْبَيَان عَنْ رَفْع ذَلِكَ الْكِتَاب بِقَوْلِهِ مَرَّة إِنَّهُ مَرْفُوع كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَمَرَّة أُخْرَى أَنَّهُ مَرْفُوع بِالرَّاجِعِ مِنْ ذِكْره فِي قَوْله : { لَا رَيْبَ فِيهِ } وَمَرَّة بِقَوْلِهِ : { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } وَذَلِكَ تُرِكَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ إِنَّ { الم } رَافِعَة { ذَلِكَ الْكِتَاب } وَخُرُوج مِنَ الْقَوْل الَّذِي ادَّعَاهُ فِي تَأْوِيل { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } وَأَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ : هَذِهِ الْحُرُوف ذَلِكَ الْكِتَاب . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُونَ حَرْف وَاحِد شَامِلًا الدَّلَالَة عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة مُخْتَلِفَة ؟ قِيلَ : كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَة وَاحِدَة تَشْتَمِل عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة مُخْتَلِفَة كَقَوْلِهِمْ لِلْجَمَاعَةِ مِنْ النَّاس : أُمَّة , وَلِلْحِينِ مِنْ الزَّمَان : أُمَّة , وَلِلرَّجُلِ الْمُتَعَبِّد الْمُطِيع لِلَّهِ : أُمَّة , وَلِلدِّينِ وَالْمِلَّة : أُمَّة , وَكَقَوْلِهِمْ لِلْجَزَاءِ وَالْقِصَاص : دِين , وَلِلسُّلْطَانِ وَالطَّاعَة : دِين , وَلِلتَّذَلُّلِ : دِين , وَلِلْحِسَابِ : دِين ; فِي أَشْبَاه لِذَلِكَ كَثِيرَة يَطُول الْكِتَاب بِإِحْصَائِهَا مِمَّا يَكُون مِنَ الْكَلَام بِلَفْظٍ وَاحِد , وَهُوَ مُشْتَمِل عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة , وَكَذَلِكَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : " الم وَالمر " , وَ " المص " وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي هِيَ فَوَاتِح أَوَائِل السُّوَر , كُلّ حَرْف مِنْهَا دَالّ عَلَى مَعَانٍ شَتَّى , شَامِل جَمِيعهَا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَصِفَاته مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُمْ ; وَهُنَّ مَعَ ذَلِكَ فَوَاتِح السُّوَر كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَلَيْسَ كَوْن ذَلِكَ مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصِفَاته بِمَانِعِهَا أَنْ تَكُونَ لِلسُّوَرِ فَوَاتِح ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ افْتَتَحَ كَثِيرًا مِنْ سُوَر الْقُرْآن بِالْحَمْدِ لِنَفْسِهِ وَالثَّنَاء عَلَيْهَا , وَكَثِيرًا مِنْهَا بِتَمْجِيدِهَا وَتَعْظِيمهَا , فَغَيْر مُسْتَحِيل أَنْ يَبْتَدِئَ بَعْض ذَلِكَ بِالْقَسَمِ بِهَا , فَالَّتِي ابْتُدِئَ أَوَائِلهَا بِحُرُوفِ الْمُعْجَم أَحَد مَعَانِي أَوَائِلهَا أَنَّهُنَّ فَوَاتِح مَا افْتَتَحَ بِهِنَّ مِنْ سُوَر الْقُرْآن , وَهُنَّ مِمَّا أَقْسَمَ بِهِنَّ ; لِأَنَّ أَحَدَ مَعَانِيهنَّ أَنَّهُنَّ مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَصِفَاته عَلَى مَا قَدَّمْنَا الْبَيَانَ عَنْهَا , وَلَا شَكَّ فِي صِحَّة مَعْنَى الْقَسَم بِاللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاته , وَهُنَّ مِنْ حُرُوف حِسَاب الْجُمَّل , وَهُنَّ لِلسُّوَرِ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهِنَّ شِعَار وَأَسْمَاء . فَذَلِكَ يَحْوِي مَعَانِي جَمِيع مَا وَصَفْنَا مِمَّا بَيَّنَّا مِنْ وُجُوهه ; لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ الدَّلَالَةَ عَلَى مَعْنًى وَاحِد مِمَّا يَحْتَمِلهُ ذَلِكَ دُون سَائِر الْمَعَانِي غَيْره , لَأَبَانَ ذَلِكَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِبَانَة غَيْر مُشْكِلَة , إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ كِتَابه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِيُبَيِّن لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ , وَفِي تَرْكه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِبَانَة ذَلِكَ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ مِنْ وُجُوه تَأْوِيله الْبَعْض دُون الْبَعْض أَوْضَح الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهِ جَمِيع وُجُوهه الَّتِي هُوَ لَهَا مُحْتَمِل , إِذْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا فِي الْعَقْل وَجْه مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ تَأْوِيله وَمَعْنَاهُ كَمَا كَانَ غَيْر مُسْتَحِيل اجْتِمَاع الْمَعَانِي الْكَثِيرَة لِلْكَلِمَةِ الْوَاحِدَة بِاللَّفْظِ الْوَاحِد فِي كَلَام وَاحِد . وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ سُئِلَ الْفَرْق بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تَأْتِي بِلَفْظٍ وَاحِد مَعَ اشْتِمَالهَا عَلَى الْمَعَانِي الْكَثِيرَة الْمُخْتَلِفَة كَالْأُمَّةِ وَالدِّين وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال . فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَد ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله , وَكَذَلِكَ يُسْأَل كُلّ مَنْ تَأَوَّلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْه دُونَ الْأَوْجُه الْأُخَر الَّتِي وَصَفْنَا عَنِ الْبُرْهَان عَلَى دَعْوَاهُ مِنَ الْوَجْه الَّذِي يُحِبّ التَّسْلِيم لَهُ ثُمَّ يُعَارِض بِقَوْلِهِ يُخَالِفهُ فِي ذَلِكَ , وَيَسْأَل الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ : مِنْ أَصْل , أَوْ مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ أَصْل , فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدهمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله , وَأَمَّا الَّذِي زَعَمَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ نَظِير " بَلْ " فِي قَوْل الْمُنْشِد شِعْرًا : بَلْ ... مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة فِي الْكَلَام مَعْنَاهُ الطَّرْح ; فَإِنَّهُ أَخْطَأَ مِنْ وُجُوه شَتَّى : أَحَدهَا : أَنَّهُ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْعَرَبَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مِنْ لُغَتهَا وَغَيْر مَا هُوَ فِي لُغَة أَحَد مِنَ الْآدَمِيِّينَ , إِذْ كَانَتْ الْعَرَب وَإِنْ كَانَتْ قَدْ كَانَتْ تَفْتَتِح أَوَائِل إِنْشَادهَا مَا أَنْشَدَتْ مِنْ الشَّعْر ب " بَلْ " , فَإِنَّهُ مَعْلُوم مِنْهَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَبْتَدِئ شَيْئًا مِنَ الْكَلَام ب " الم " و " الر " و" المص " بِمَعْنَى ابْتِدَائِهَا ذَلِكَ ب " بَلْ " , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ ابْتِدَائِهَا , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ مِنَ الْقُرْآن بِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ لُغَاتهمْ وَيَسْتَعْمِلُونَ بَيْنَهُمْ مِنْ مَنْطِقهمْ فِي جَمِيع آيِهِ , فَلَا شَكَّ أَنَّ سَبِيلَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا أَوَائِل السُّوَر الَّتِي هُنَّ لَهَا فَوَاتِح سَبِيل سَائِر الْقُرْآن فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْدِل بِهَا عَنْ لُغَاتهمْ الَّتِي كَانُوا بِهَا عَارِفِينَ وَلَهَا بَيْنَهُمْ فِي مَنْطِقهمْ مُسْتَعْمِلِينَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سَبِيل لُغَاتهمْ وَمَنْطِقهمْ كَانَ خَارِجًا عَنْ مَعْنَى الْإِبَانَة الَّتِي وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهَا الْقُرْآن , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين عَلَى قَلْبك لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين }. 26 193 : 195 وَأَنَّى يَكُون مُبِينًا مَا لَا يَعْقِلهُ وَلَا يَفْقَههُ أَحَد مِنَ الْعَالَمِينَ فِي قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة , وَلَا يُعْرَف فِي مَنْطِق أَحَد مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فِي قَوْله ؟ وَفِي إِخْبَار اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَرَبِيّ مُبِين مَا يُكَذِّب هَذِهِ الْمَقَالَةَ , وَيُنْبِئُ عَنْهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا بِهِ عَالِمِينَ وَهُوَ لَهَا مُسْتَبِين , فَذَلِكَ أَحَد أَوْجُه خَطَئِهِ . وَالْوَجْه الثَّانِي مِنْ خَطَئِهِ فِي ذَلِكَ : إِضَافَته إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ خَاطَبَ عِبَادَهُ بِمَا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا مَعْنَى لَهُ مِنَ الْكَلَام الَّذِي سَوَاء الْخِطَاب بِهِ وَتَرْك الْخِطَاب بِهِ , وَذَلِكَ إِضَافَة الْعَبَث الَّذِي هُوَ مَنْفِيّ فِي قَوْل جَمِيع الْمُوَحِّدِينَ عَنِ اللَّه , إِلَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره. وَالْوَجْه الثَّالِث مِنْ خَطَئِهِ : أَنَّ " بَلْ " فِي كَلَام الْعَرَب مَفْهُوم تَأْوِيلهَا وَمَعْنَاهَا , وَأَنَّهَا تُدْخِلهَا فِي كَلَامهَا رُجُوعًا عَنْ كَلَام لَهَا قَدْ تَقَضَّى كَقَوْلِهِمْ : مَا جَاءَنِي أَخُوك بَلْ أَبُوك ; وَمَا رَأَيْت عَمْرًا بَلْ عَبْدَ اللَّه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَام , كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : وَلَأَشْرَبَنَّ ثَمَانِيًا وَثَمَانِيَا وَثَلَاث عَشْرَة وَاثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعَا وَمَضَى فِي كَلِمَته حَتَّى بَلَغَ قَوْله : بِالْجُلَّسَانِ وَطَيِّب أَرْدَانه بِالْوَنِّ يَضْرِب لِي يَكُرّ الْأُصْبُعَا ثُمَّ قَالَ : بَلْ عُدَّ هَذَا فِي قَرِيض غَيْره وَاذْكُرْ فَتًى سَمْح الْخَلِيقَة أَرْوَعَا فَكَأَنَّهُ قَالَ : دَعْ هَذَا وَخُذْ فِي قَرِيض غَيْره , فَ " بَلْ " إِنَّمَا يَأْتِي فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى هَذَا النَّحْو مِنَ الْكَلَام , فَأَمَّا إِفْسَاحًا لِكَلَامِهَا مُبْتَدَأ بِمَعْنَى التَّطْوِيل وَالْحَذْف مِنْ غَيْر أَنْ يَدُلّ عَلَى مَعْنًى , فَذَلِكَ مِمَّا لَا نَعْلَم أَحَدًا ادَّعَاهُ مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَة بِلِسَانِ الْعَرَب وَمَنْطِقهَا , سِوَى الَّذِي ذَكَرْت قَوْله , فَيَكُون ذَلِكَ أَصْلًا يُشْبِه بِهِ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي هِيَ فَوَاتِح سُوَر الْقُرْآن الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا لَوْ كَانَ لَهُ مُشْبِهَة , فَكَيْفَ وَهِيَ مِنْ الشَّبَه بِهِ بَعِيدَة ؟
وَقَوْله : { تِلْكَ آيَات الْكِتَاب الْحَكِيم } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَذِهِ آيَات الْكِتَاب الْحَكِيم بَيَانًا وَتَفْصِيلًا .
وَقَوْله { هُدًى وَرَحْمَةً } يَقُول : هَذِهِ آيَات الْكِتَاب بَيَانًا وَرَحْمَة مِنْ اللَّه , رَحِمَ بِهِ مَنْ اتَّبَعَهُ , وَعَمِلَ بِهِ مِنْ خَلْقه ; وَبِنَصْبِ الْهُدَى وَالرَّحْمَة عَلَى الْقَطْع مِنْ آيَات الْكِتَاب قَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر حَمْزَة , فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا عَلَى وَجْه الِاسْتِئْنَاف , إِذْ كَانَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْآيَة الَّتِي قَبْلَهَا بِأَنَّهُ ابْتِدَاء آيَة وَأَنَّهُ مَدْح , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ مِمَّا كَانَ مِنْ نُعُوت الْمَعَارِف , وَقَعَ مَوْقِع الْحَال إِذَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى مَدْح أَوْ ذَمّ , وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ صَوَاب عِنْدِي , وَإِنْ كُنْت إِلَى النَّصْب أَمِيل , لِكَثْرَةِ الْقُرَّاء بِهِ .
وَقَوْله : { لِلْمُحْسِنِينَ } وَهُمْ الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي الْعَمَل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي هَذَا الْقُرْآن , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْكِتَاب الْحَكِيم هُدًى وَرَحْمَة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا , فَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه
وَقَوْله : { لِلْمُحْسِنِينَ } وَهُمْ الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي الْعَمَل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي هَذَا الْقُرْآن , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْكِتَاب الْحَكِيم هُدًى وَرَحْمَة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا , فَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه
{ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } يَقُول : الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا
{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } مَنْ جَعَلَهَا اللَّه لَهُ الْمَفْرُوضَةَ فِي أَمْوَالهمْ
{ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } يَقُول : يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَهُمْ بِجَزَاءِ اللَّه وَثَوَابه لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَة يُوقِنُونَ.
{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } مَنْ جَعَلَهَا اللَّه لَهُ الْمَفْرُوضَةَ فِي أَمْوَالهمْ
{ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } يَقُول : يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَهُمْ بِجَزَاءِ اللَّه وَثَوَابه لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَة يُوقِنُونَ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ عَلَى بَيَان مِنْ رَبّهمْ وَنُور { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول : وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُنْجِحُونَ الْمُدْرِكُونَ مَا رَجَوْا وَأَمَلُوا مِنْ ثَوَاب رَبّهمْ يَوْم الْقِيَامَة.
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل , فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَنْ يَشْتَرِي الشِّرَاءَ الْمَعْرُوف بِالثَّمَنِ , وَرَوَوْا بِذَلِكَ خَبَرًا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهُوَ مَا : 21358 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ خَلَّاد الصَّفَّار , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر , عَنْ عَلِيّ بْن يَزِيد , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَحِلّ بَيْع الْمُغَنِّيَات , وَلَا شِرَاؤُهُنَّ , وَلَا التِّجَارَة فِيهِنَّ , وَلَا أَثْمَانهنَّ , وَفِيهِنَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } " . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ خَلَّاد الصَّفَّار , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر , عَنْ عَلِيّ بْن يَزِيد , عَنِ الْقَاسِم , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " أَكْل ثَمَنهنَّ حَرَام " وَقَالَ أَيْضًا : " وَفِيهِنَّ أَنْزَلَ اللَّه عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه } " . * حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن آدَم ابْن أَبِي إِيَاس الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَيَّان , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس الْكِلَابِيّ , عَنْ أَبِي الْمُهَلَّب , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر , عَنْ عَلِيّ بْن يَزِيد , عَنِ الْقَاسِم , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ . قَالَ : وثنا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ مَطْرَح بْن يَزِيد , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " لَا يَحِلّ تَعْلِيم الْمُغَنِّيَات , وَلَا بَيْعهنَّ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ , وَثَمَنهنَّ حَرَام , وَقَدْ نَزَلَ تَصْدِيق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } إِلَى آخِر الْآيَة " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : مَنْ يَخْتَار لَهْو الْحَدِيث وَيَسْتَحِبّهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21359 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه بِغَيْرِ عِلْم } وَاللَّه لَعَلَّهُ أَنْ لَا يُنْفِق فِيهِ مَالًا , وَلَكِنْ اشْتِرَاؤُهُ اسْتِحْبَابه , بِحَسْب الْمَرْء مِنَ الضَّلَالَة أَنْ يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِل عَلَى حَدِيث الْحَقّ , وَمَا يَضُرّ عَلَى مَا يَنْفَع . 21360 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد , قَالَ : ثنا ابْن شَوْذَب , عَنْ مَطَر , فِي قَوْل اللَّه { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : اشْتِرَاؤُهُ : اسْتِحْبَابه . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : الشِّرَاء , الَّذِي هُوَ بِالثَّمَنِ , وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَر مَعْنَيَيْهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث ؟ قِيلَ : يَشْتَرِي ذَات لَهْو الْحَدِيث , أَوْ ذَا لَهْو الْحَدِيث , فَيَكُون مُشْتَرِيًا لَهْو الْحَدِيث . وَأَمَّا الْحَدِيث , فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيل اخْتَلَفُوا فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْغِنَاء وَالِاسْتِمَاع لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21361 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَزِيد بْن يُونُس , عَنْ أَبِي صَخْر , عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة الْبَجَلِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ أَبِي الصَّهْبَاء الْبَكْرِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّه بْن مَسْعُود وَهُوَ يَسْأَل عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه بِغَيْرِ عِلْم } فَقَالَ عَبْد اللَّه : الْغِنَاء , وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ , يُرَدِّدهَا ثَلَاثَ مَرَّات . * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا صَفْوَان بْن عِيسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْد الْخَرَّاط , عَنْ عَمَّار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ أَبِي الصَّهْبَاء , أَنَّهُ سَأَلَ ابْن مَسْعُود , عَنْ قَوْل اللَّه { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : الْغِنَاء . 21362 -أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن عَابِس , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : الْغِنَاء . 21363 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : الْغِنَاء وَأَشْبَاهه . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , وَالْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : هُوَ الْغِنَاء وَنَحْوه. * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ عَمْرو ابْن أَبِي قَيْس , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنِ ابْن عَبَّاس , مِثْله. * حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَنْمَاطِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي لَيْلَى , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : هُوَ الْغِنَاء وَالِاسْتِمَاع لَهُ , يَعْنِي قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } 21364 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحِيم , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَابُوس ابْن أَبِي ظَبْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَابِر , فِي قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : هُوَ الْغِنَاء وَالِاسْتِمَاع لَهُ . 21365 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنِ ابْن أَبِي لَيْلَى , عَنِ الْحَكَم أَوْ مِقْسَم , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : شِرَاء الْمُغَنِّيَة . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص وَالْمُحَارِبِيّ , عَنْ لَيْث , عَنِ الْحَكَم , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْغِنَاء . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : بَاطِل الْحَدِيث : هُوَ الْغِنَاء وَنَحْوه . 21366 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ مُجَاهِد { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : الْغِنَاء. * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَعَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : الْغِنَاء. * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب عَنْ مُجَاهِد قَالَ : الْغِنَاء . * قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله. 21367 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : هُوَ الْغِنَاء , وَكُلّ لَعِب لَهْو . * حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَنْمَاطِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن حَفْص الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : الْغِنَاء وَالِاسْتِمَاع لَهُ وَكُلّ لَهْو . 21368 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَة بِالْمَالِ الْكَثِير , أَوْ اسْتِمَاع إِلَيْهِ , أَوْ إِلَى مِثْله مِنْ الْبَاطِل. * حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : هُوَ الْغِنَاء أَوْ الْغِنَاء مِنْهُ , أَوْ الِاسْتِمَاع لَهُ . 21369 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَثَّامُ بْن عَلِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل ابْن أَبِي خَالِد , عَنْ شُعَيْب بْن يَسَار , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : { لَهْو الْحَدِيث } : الْغِنَاء . 21370 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَ : ثنا عَثَّامٌ , عَنْ إِسْمَاعِيل ابْن أَبِي خَالِد , عَنْ شُعَيْب بْن يَسَار هَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة , عَنْ عُبَيْد مِثْله . * حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الزِّبْرِقَان النَّخَعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة وَعُبَيْد اللَّه , عَنْ أُسَامَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } قَالَ : الْغِنَاء . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الْغِنَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِاللَّهْوِ : الطَّبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21371 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَجَّاج الْأَعْوَر , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : اللَّهْو : الطَّبْل . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِلَهْوِ الْحَدِيث : الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21372 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث } يَعْنِي الشِّرْك . 21373 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّخِذهَا هُزُوًا } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْكُفْر , أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا } فَلَيْسَ هَكَذَا أَهْل الْإِسْلَام , قَالَ : وَنَاس يَقُولُونَ : هِيَ فِيكُمْ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , قَالَ : وَهُوَ الْحَدِيث الْبَاطِل الَّذِي كَانُوا يَلْغُونَ فِيهِ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : عَنَى بِهِ كُلّ مَا كَانَ مِنَ الْحَدِيث مُلْهِيًا عَنْ سَبِيل اللَّه , مِمَّا نَهَى اللَّه عَنْ اسْتِمَاعه أَوْ رَسُوله ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمّ بِقَوْلِهِ { لَهْو الْحَدِيث } وَلَمْ يُخَصِّص بَعْضًا دُونَ بَعْض , فَذَلِكَ عَلَى عُمُومه , حَتَّى يَأْتِيَ مَا يَدُلّ عَلَى خُصُوصه , وَالْغِنَاء وَالشِّرْك مِنْ ذَلِكَ .
وَقَوْله : { لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : لِيَصُدّ ذَلِكَ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ لَهْو الْحَدِيث عَنْ دِين اللَّه وَطَاعَته , وَمَا يُقَرِّب إِلَيْهِ مِنْ قِرَاءَة قُرْآن , وَذِكْر اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21374 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس { لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : سَبِيل اللَّه : قِرَاءَة الْقُرْآن , وَذِكْر اللَّه إِذَا ذَكَرَهُ , وَهُوَ رَجُل مِنْ قُرَيْش اشْتَرَى جَارِيَة مُغَنِّيَة .
وَقَوْله : { بِغَيْرِ عِلْم } يَقُول : فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ اشْتِرَائِهِ لَهْو الْحَدِيث , جَهْلًا مِنْهُ بِمَا لَهُ فِي الْعَاقِبَة عِنْدَ اللَّه مِنْ وِزْر ذَلِكَ وَإِثْمه .
وَقَوْله { وَيَتَّخِذهَا هُزُوًا } اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : " وَيَتَّخِذُهَا " رَفْعًا , عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْله : { يَشْتَرِي } كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ : وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث , وَيَتَّخِذُ آيَات اللَّه هُزُوًا , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { وَيَتَّخِذَهَا } نَصْبًا عَطْفًا عَلَى يَضِلَّ , بِمَعْنَى : لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيل اللَّه , وَلِيَتَّخِذَهَا هُزُوًا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ , فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَته , وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { وَيَتَّخِذَهَا } مِنْ ذِكْر سَبِيل اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21375 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا } قَالَ : سَبِيل اللَّه. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مِنْ ذِكْر آيَات الْكِتَاب . 21376 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : بِحَسْب الْمَرْء مِنْ الضَّلَالَة , أَنْ يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِل عَلَى حَدِيث الْحَقّ , وَمَا يَضُرّ عَلَى مَا يَنْفَع . { وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا } يَسْتَهْزِئ بِهَا وَيُكَذِّب بِهَا. مِنْ أَنْ يَكُونَا مِنْ ذِكْر سَبِيل اللَّه أَشْبَهَ عِنْدِي لِقُرْبِهِمَا مِنْهَا , وَإِنْ كَانَ الْقَوْل الْآخَر غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب , وَاتِّخَاذه ذَلِكَ هُزُوًا هُوَ اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِ .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب مُهِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه , لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَذَاب مُذِلّ مُخْزٍ فِي نَار جَهَنَّم .
وَقَوْله : { لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : لِيَصُدّ ذَلِكَ الَّذِي يَشْتَرِي مِنْ لَهْو الْحَدِيث عَنْ دِين اللَّه وَطَاعَته , وَمَا يُقَرِّب إِلَيْهِ مِنْ قِرَاءَة قُرْآن , وَذِكْر اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21374 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس { لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : سَبِيل اللَّه : قِرَاءَة الْقُرْآن , وَذِكْر اللَّه إِذَا ذَكَرَهُ , وَهُوَ رَجُل مِنْ قُرَيْش اشْتَرَى جَارِيَة مُغَنِّيَة .
وَقَوْله : { بِغَيْرِ عِلْم } يَقُول : فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ اشْتِرَائِهِ لَهْو الْحَدِيث , جَهْلًا مِنْهُ بِمَا لَهُ فِي الْعَاقِبَة عِنْدَ اللَّه مِنْ وِزْر ذَلِكَ وَإِثْمه .
وَقَوْله { وَيَتَّخِذهَا هُزُوًا } اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : " وَيَتَّخِذُهَا " رَفْعًا , عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْله : { يَشْتَرِي } كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ : وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث , وَيَتَّخِذُ آيَات اللَّه هُزُوًا , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { وَيَتَّخِذَهَا } نَصْبًا عَطْفًا عَلَى يَضِلَّ , بِمَعْنَى : لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيل اللَّه , وَلِيَتَّخِذَهَا هُزُوًا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ , فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَته , وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { وَيَتَّخِذَهَا } مِنْ ذِكْر سَبِيل اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21375 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا } قَالَ : سَبِيل اللَّه. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مِنْ ذِكْر آيَات الْكِتَاب . 21376 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : بِحَسْب الْمَرْء مِنْ الضَّلَالَة , أَنْ يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِل عَلَى حَدِيث الْحَقّ , وَمَا يَضُرّ عَلَى مَا يَنْفَع . { وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا } يَسْتَهْزِئ بِهَا وَيُكَذِّب بِهَا. مِنْ أَنْ يَكُونَا مِنْ ذِكْر سَبِيل اللَّه أَشْبَهَ عِنْدِي لِقُرْبِهِمَا مِنْهَا , وَإِنْ كَانَ الْقَوْل الْآخَر غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب , وَاتِّخَاذه ذَلِكَ هُزُوًا هُوَ اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِ .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب مُهِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه , لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَذَاب مُذِلّ مُخْزٍ فِي نَار جَهَنَّم .
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا تُتْلَى عَلَى هَذَا الَّذِي اشْتَرَى لَهْو الْحَدِيث لِلْإِضْلَالِ عَنْ سَبِيل اللَّه , آيَات كِتَاب اللَّه , فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ { وَلَّى مُسْتَكْبِرًا } يَقُول : أَدْبَرَ عَنْهَا , وَاسْتَكْبَرَ اسْتِكْبَارًا , وَأَعْرَضَ عَنْ سَمَاع الْحَقّ وَالْإِجَابَة عَنْهُ { كَأَنْ لَمْ يَسْمَعهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا } يَقُول : ثِقَلًا , فَلَا يُطِيق مِنْ أَجْله سَمَاعَهُ , كَمَا : 21377 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا } قَالَ : ثِقَلًا .
وَقَوْله { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَبَشِّرْ هَذَا الْمُعْرِض عَنْ آيَات اللَّه إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ اسْتِكْبَارًا بِعَذَابٍ لَهُ مِنْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة مُوجِع , وَذَلِكَ عَذَاب النَّار .
وَقَوْله { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَبَشِّرْ هَذَا الْمُعْرِض عَنْ آيَات اللَّه إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ اسْتِكْبَارًا بِعَذَابٍ لَهُ مِنْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة مُوجِع , وَذَلِكَ عَذَاب النَّار .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ جَنَّات النَّعِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بِاللَّهِ فَوَحَّدُوهُ , وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ وَاتَّبَعُوهُ { وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : فَأَطَاعُوا اللَّه , فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان رَسُوله , وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ { لَهُمْ جَنَّات النَّعِيم } يَقُول : لِهَؤُلَاءِ بَسَاتِين النَّعِيم
{ خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول : مَاكِثِينَ فِيهَا إِلَى غَيْر نِهَايَة { وَعْد اللَّه حَقًّا } يَقُول : وَعَدَهُمْ اللَّه وَعْدًا حَقًّا , لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا خُلْف لَهُ { وَهُوَ الْعَزِيز } يَقُول : وَهُوَ الشَّدِيد فِي انْتِقَامه مِنْ أَهْل الشِّرْك بِهِ , وَالصَّادِّينَ عَنْ سَبِيله , { الْحَكِيم } فِي تَدْبِير خَلْقه .
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خَلَقَ السَّمَاوَات بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ حِكْمَته أَنَّهُ { خَلَقَ السَّمَاوَات } السَّبْع { بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا } وَقَدْ ذَكَرْت فِيمَا مَضَى اخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله { بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا } وَبَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا , وَقَدْ : 21378 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن مُعَاذ , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْرٍ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس { بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا } قَالَ : لَعَلَّهَا بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا . 21379 - وَقَالَ : ثنا الْعَلَاء بْن عَبْد الْجَبَّار , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , عَنِ الْحَسَن بْن مُسْلِم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّهَا بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا . * قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَعَلَّهَا بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا . 21380- حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة فِي هَذَا الْحَرْف { خَلَقَ السَّمَاوَات بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا } قَالَ : تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عَمَد , وَهِيَ بِعَمَدٍ . 21381 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { خَلَقَ السَّمَاوَات بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا } قَالَ : قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : إِنَّهَا بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا , لَيْسَ لَهَا عَمَد . وَقَالَ ابْن عَبَّاس { بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا } قَالَ : لَهَا عَمَد لَا تَرَوْنَهَا .
وَقَوْله : { وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } يَقُول : وَجَعَلَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض رَوَاسِيَ , وَهِيَ ثَوَابِت الْجِبَال { أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } أَنْ لَا تَمِيدَ بِكُمْ . يَقُول : أَنْ لَا تَضْطَرِب بِكُمْ , وَلَا تَتَحَرَّك يَمْنَة وَلَا يَسْرَة , وَلَكِنْ تَسْتَقِرّ بِكُمْ , كَمَا : 21382 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ } : أَيْ جِبَالًا { أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } أَثْبَتَهَا بِالْجِبَالِ , وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَقَرَّتْ عَلَيْهَا خَلْقًا , وَذَلِكَ كَمَا قَالَ الرَّاجِز : وَالْمَهْر يَأْبَى أَنْ يَزَالَ مُلَهَّبًا بِمَعْنَى : لَا يَزَال.
وَقَوْله : { وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة } يَقُول : وَفَرَّقَ فِي الْأَرْض مِنْ كُلّ أَنْوَاع الدَّوَابّ . وَقِيلَ الدَّوَابّ اسْم لِكُلِّ مَا أَكَلَ وَشَرِبَ , وَهُوَ عِنْدِي لِكُلِّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْض .
وَقَوْله : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَطَرًا , فَأَنْبَتْنَا بِذَلِكَ الْمَطَرَ فِي الْأَرْض مِنْ كُلّ زَوْج , يَعْنِي : مِنْ كُلّ نَوْع مِنْ النَّبَات كَرِيم , وَهُوَ الْحَسَن النَّبْتَة , كَمَا : 21383 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } : أَيْ حَسَن .
وَقَوْله : { وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } يَقُول : وَجَعَلَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض رَوَاسِيَ , وَهِيَ ثَوَابِت الْجِبَال { أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } أَنْ لَا تَمِيدَ بِكُمْ . يَقُول : أَنْ لَا تَضْطَرِب بِكُمْ , وَلَا تَتَحَرَّك يَمْنَة وَلَا يَسْرَة , وَلَكِنْ تَسْتَقِرّ بِكُمْ , كَمَا : 21382 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ } : أَيْ جِبَالًا { أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } أَثْبَتَهَا بِالْجِبَالِ , وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَقَرَّتْ عَلَيْهَا خَلْقًا , وَذَلِكَ كَمَا قَالَ الرَّاجِز : وَالْمَهْر يَأْبَى أَنْ يَزَالَ مُلَهَّبًا بِمَعْنَى : لَا يَزَال.
وَقَوْله : { وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة } يَقُول : وَفَرَّقَ فِي الْأَرْض مِنْ كُلّ أَنْوَاع الدَّوَابّ . وَقِيلَ الدَّوَابّ اسْم لِكُلِّ مَا أَكَلَ وَشَرِبَ , وَهُوَ عِنْدِي لِكُلِّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْض .
وَقَوْله : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَطَرًا , فَأَنْبَتْنَا بِذَلِكَ الْمَطَرَ فِي الْأَرْض مِنْ كُلّ زَوْج , يَعْنِي : مِنْ كُلّ نَوْع مِنْ النَّبَات كَرِيم , وَهُوَ الْحَسَن النَّبْتَة , كَمَا : 21383 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } : أَيْ حَسَن .
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَذَا خَلْق اللَّه فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي أَعْدَدْت عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس أَنِّي خَلَقْته فِي هَذِهِ الْآيَة خَلْق اللَّه الَّذِي لَهُ أُلُوهَة كُلّ شَيْء , وَعِبَادَة كُلّ خَلْق , الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة لِغَيْرِهِ , وَلَا تَنْبَغِي لِشَيْءٍ سِوَاهُ , فَأَرُونِي أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ مَنْ دُونَهُ مِنَ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , أَيّ شَيْء خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونه مِنْ آلِهَتكُمْ وَأَصْنَامكُمْ , حَتَّى اسْتَحَقَّتْ عَلَيْكُمْ الْعِبَادَةَ فَعَبَدْتُمُوهَا مِنْ دُونه , كَمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ خَالِقكُمْ , وَخَالِق هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي عَدَدْتهَا عَلَيْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21384 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْلُهُ : { هَذَا خَلْق اللَّه } مَا ذُكِرَ مِنْ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَمَا بَثَّ مِنْ الدَّوَابّ , وَمَا أَنْبَتَ مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم , فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونه الْأَصْنَام الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونه .
وَقَوْله : { بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا عَبَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام مِنْ أَجْل أَنَّهَا تَخْلُق شَيْئًا , وَلَكِنَّهُمْ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَتهَا ضَلَالهمْ , وَذَهَابهمْ عَنْ سَبِيل الْحَقّ , فَهُمْ فِي ضَلَال. يَقُول : فَهُمْ فِي جَوْر عَنِ الْحَقّ , وَذَهَاب عَنْ الِاسْتِقَامَة { مُبِين } يَقُول : يَبِين لِمَنْ تَأَمَّلَهُ , وَنَظَرَ فِيهِ وَفَكَّرَ بِعَقْلٍ أَنَّهُ ضَلَال لَا هُدًى .
وَقَوْله : { بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا عَبَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام مِنْ أَجْل أَنَّهَا تَخْلُق شَيْئًا , وَلَكِنَّهُمْ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَتهَا ضَلَالهمْ , وَذَهَابهمْ عَنْ سَبِيل الْحَقّ , فَهُمْ فِي ضَلَال. يَقُول : فَهُمْ فِي جَوْر عَنِ الْحَقّ , وَذَهَاب عَنْ الِاسْتِقَامَة { مُبِين } يَقُول : يَبِين لِمَنْ تَأَمَّلَهُ , وَنَظَرَ فِيهِ وَفَكَّرَ بِعَقْلٍ أَنَّهُ ضَلَال لَا هُدًى .
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْفِقْهَ فِي الدِّين , وَالْعَقْل , وَالْإِصَابَةَ فِي الْقَوْل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21385 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } قَالَ : الْفِقْه وَالْعَقْل وَالْإِصَابَة فِي الْقَوْل مِنْ غَيْر نُبُوَّة . 21386 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } أَيْ الْفِقْهَ فِي الْإِسْلَام . قَالَ قَتَادَة : وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا , وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } قَالَ : الْحِكْمَة : الصَّوَاب , وَقَالَ غَيْر أَبِي بِشْر : الصَّوَاب فِي غَيْر النُّبُوَّة . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ : كَانَ لُقْمَان رَجُلًا صَالِحًا , وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا . 21387 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا حَكَّام , عَنْ سَعِيد الزُّبَيْدِيّ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ لُقْمَان الْحَكِيم عَبْدًا حَبَشِيًّا , غَلِيظ الشَّفَتَيْنِ , مُصَفَّح الْقَدَمَيْنِ , قَاضِيًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . * حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ لُقْمَان عَبْدًا أَسْوَد , عَظِيمَ الشَّفَتَيْنِ , مُشَقَّق الْقَدَمَيْنِ . 21388 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن بِلَال , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ : سَمِعْت سَعِيدَ بْن الْمُسَيِّب يَقُول : كَانَ لُقْمَان الْحَكِيم أَسْوَد مِنْ سُودَان مِصْر . 21389 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ لُقْمَان عَبْدًا حَبَشِيًّا . 21390 -حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبِي , قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن حَرْمَلَة , قَالَ : جَاءَ أَسْوَد إِلَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَسْأَل , فَقَالَ لَهُ سَعِيد : لَا تَحْزَن مِنْ أَجْل أَنَّك أَسْوَد , فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْر النَّاس ثَلَاثَة مِنْ السُّودَان : بِلَال , وَمَهْجَع مَوْلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب , وَلُقْمَان الْحَكِيم , كَانَ أَسْوَد نُوبِيًّا ذَا مَشَافِر . 21391 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ خَالِد الرَّبَعِيّ , قَالَ : كَانَ لُقْمَان عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا , فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ : اذْبَحْ لَنَا هَذِهِ الشَّاة , فَذَبَحَهَا. قَالَ : أَخِّرْ أَطْيَب مُضْغَتَيْنِ فِيهَا , فَأَخْرَجَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ قَالَ : اذْبَحْ لَنَا هَذِهِ الشَّاةَ , فَذَبَحَهَا , فَقَالَ : أَخْرِجْ أَخْبَث مُضْغَتَيْنِ فِيهَا , فَأَخْرَجَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ , فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ : أَمَرْتُك أَنْ تُخْرِجَ أَطْيَبَ مُضْغَتَيْنِ فِيهَا فَأَخْرَجْتهمَا , وَأَمَرْتُك أَنْ تُخْرِجَ أَخْبَثَ مُضْغَتَيْنِ فِيهَا فَأَخْرَجْتهمَا ! فَقَالَ لَهُ لُقْمَان : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْء أَطْيَب مِنْهُمَا إِذَا طَابَا , وَلَا أَخْبَث مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا . 21392 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , قَالَ : كَانَ لُقْمَان عَبْدًا أَسْوَد , غَلِيظَ الشَّفَتَيْنِ , مُصَفَّح الْقَدَمَيْنِ , فَأَتَاهُ رَجُل , وَهُوَ فِي مَجْلِس أُنَاس يُحَدِّثهُمْ , فَقَالَ لَهُ : أَلَسْت الَّذِي كُنْت تَرْعَى مَعِي الْغَنَمَ فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَمَا بَلَغَ بِك مَا أَرَى ؟ قَالَ : صِدْق الْحَدِيث , وَالصَّمْت عَمَّا لَا يَعْنِينِي . 21393 -حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } قَالَ : الْقُرْآنَ . 21394 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْحِكْمَة : الْأَمَانَة . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ نَبِيًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21395 -حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ لُقْمَان نَبِيًّا .
وَقَوْله : { أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ } : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ , أَنْ احْمَدْ اللَّه عَلَى مَا آتَاك مِنْ فَضْله ; وَجَعَلَ قَوْله { أَنِ اشْكُرْ } تَرْجَمَة عَنِ الْحِكْمَة ; لِأَنَّ مِنْ الْحِكْمَة الَّتِي كَانَ أُوتِيَهَا , كَانَ شُكْره اللَّه عَلَى مَا آتَاهُ .
وَقَوْله : { وَمَنْ يَشْكُر فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ } يَقُول : وَمَنْ يَشْكُر اللَّه عَلَى نِعَمه عِنْدَهُ فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ يُجْزِل لَهُ عَلَى شُكْره إِيَّاهُ الثَّوَابَ , وَيُنْقِذهُ بِهِ مِنَ الْهَلَكَة .
{ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ حَمِيد } يَقُول : وَمَنْ كَفَرَ نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْهِ , إِلَى نَفْسه أَسَاءَ ; لِأَنَّ اللَّهَ مُعَاقِبُهُ عَلَى كُفْرَانه إِيَّاهُ , وَاللَّه غَنِيّ عَنْ شُكْره إِيَّاهُ عَلَى نِعَمه , لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ شُكْرَهُ إِيَّاهُ لَا يَزِيد فِي سُلْطَانه , وَلَا يَنْقُص كُفْرَانه إِيَّاهُ مِنْ مُلْكه , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { حَمِيد } مَحْمُود عَلَى كُلّ حَال , لَهُ الْحَمْد عَلَى نِعَمه , كَفَرَ الْعَبْد نِعْمَتَهُ أَوْ شَكَرَهُ عَلَيْهَا ; وَهُوَ مَصْرُوف مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيلٍ .
وَقَوْله : { أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ } : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ , أَنْ احْمَدْ اللَّه عَلَى مَا آتَاك مِنْ فَضْله ; وَجَعَلَ قَوْله { أَنِ اشْكُرْ } تَرْجَمَة عَنِ الْحِكْمَة ; لِأَنَّ مِنْ الْحِكْمَة الَّتِي كَانَ أُوتِيَهَا , كَانَ شُكْره اللَّه عَلَى مَا آتَاهُ .
وَقَوْله : { وَمَنْ يَشْكُر فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ } يَقُول : وَمَنْ يَشْكُر اللَّه عَلَى نِعَمه عِنْدَهُ فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ يُجْزِل لَهُ عَلَى شُكْره إِيَّاهُ الثَّوَابَ , وَيُنْقِذهُ بِهِ مِنَ الْهَلَكَة .
{ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ حَمِيد } يَقُول : وَمَنْ كَفَرَ نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْهِ , إِلَى نَفْسه أَسَاءَ ; لِأَنَّ اللَّهَ مُعَاقِبُهُ عَلَى كُفْرَانه إِيَّاهُ , وَاللَّه غَنِيّ عَنْ شُكْره إِيَّاهُ عَلَى نِعَمه , لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ شُكْرَهُ إِيَّاهُ لَا يَزِيد فِي سُلْطَانه , وَلَا يَنْقُص كُفْرَانه إِيَّاهُ مِنْ مُلْكه , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { حَمِيد } مَحْمُود عَلَى كُلّ حَال , لَهُ الْحَمْد عَلَى نِعَمه , كَفَرَ الْعَبْد نِعْمَتَهُ أَوْ شَكَرَهُ عَلَيْهَا ; وَهُوَ مَصْرُوف مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيلٍ .
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظهُ يَا بُنَيّ لَا تُشْرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْم عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد { إِذْ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظهُ يَا بُنَيّ لَا تُشْرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْم عَظِيم } يَقُول : لَخَطَأ مِنْ الْقَوْل عَظِيم .
وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّه وَهْنًا عَلَى وَهْن } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَمَرْنَا الْإِنْسَانَ بِبِرِّ وَالِدَيْهِ { حَمَلَتْهُ أُمّه وَهْنًا عَلَى وَهْن } يَقُول : ضَعْفًا عَلَى ضَعْف , وَشِدَّة عَلَى شِدَّة ; وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر : فَلَنْ يَقُولُوا بِحَبْلٍ وَاهِن خَلَقٍ لَوْ كَانَ قَوْمك فِي أَسْبَابه هَلَكُوا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , غَيْر أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيّ بِذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ الْحَمْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21396 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّه وَهْنًا عَلَى وَهْن } يَقُول : شِدَّة بَعْد شِدَّة , وَخَلْقًا بَعْدَ خَلْق . 21397 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { وَهْنًا عَلَى وَهْن } يَقُول : ضَعْفًا عَلَى ضَعْف . 21398 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { حَمَلَتْهُ أُمّه وَهْنًا عَلَى وَهْن } أَيْ جَهْدًا عَلَى جَهْد . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ : وَهْن الْوَلَد وَضَعْفه عَلَى ضَعْف الْأُمّ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21399 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَهْنًا عَلَى وَهْن } قَالَ : وَهْن الْوَلَد عَلَى وَهْن الْوَالِدَة وَضَعْفهَا .
وَقَوْله : { وَفِصَاله فِي عَامَيْنِ } يَقُول : وَفِطَامه فِي انْقِضَاء عَامَيْنِ , وَقِيلَ : { وَفِصَاله فِي عَامَيْنِ } وَتَرَكَ ذِكْر وَانْقِضَاء " اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , كَمَا قِيلَ : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا } 12 82 يُرَاد بِهِ أَهْل الْقَرْيَة.
وَقَوْله : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك } يَقُول : وَعَهِدْنَا إِلَيْهِ أَنْ اشْكُرْ لِي عَلَى نِعَمِي عَلَيْك , وَلِوَالِدَيْك تَرْبِيَتهمَا إِيَّاكَ , وَعِلَاجَهُمَا فِيك مَا عَالَجَا مِنْ الْمَشَقَّة حَتَّى اسْتَحْكَمَ قُوَاك . وَقَوْله : { إِلَيَّ الْمَصِير } يَقُول : إِلَى اللَّه مَصِيرك أَيّهَا الْإِنْسَان , وَهُوَ سَائِلُك عَمَّا كَانَ مِنْ شُكْرك لَهُ عَلَى نِعَمه عَلَيْك , وَعَمَّا كَانَ مِنْ شُكْرك لِوَالِدَيْك , وَبِرّك بِهِمَا عَلَى مَا لَقِيَا مِنْك مِنَ الْعَنَاء وَالْمَشَقَّة فِي حَال طُفُولِيَّتك وَصِبَاك , وَمَا اصْطَنَعَا إِلَيْك فِي بِرّهمَا بِك , وَتَحَنُّنهمَا عَلَيْك . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْن سَعْد ابْن أَبِي وَقَّاص وَأُمّه. ذِكْر الرِّوَايَة الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ : 21400 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , قَالَ : حَلَفَتْ أُمّ سَعْد أَنْ لَا تَأْكُل وَلَا تَشْرَب , حَتَّى يَتَحَوَّلَ سَعْد عَنْ دِينه . قَالَ : فَأَبَى عَلَيْهَا , فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى غَشِيَ عَلَيْهَا . قَالَ : فَأَتَاهَا بَنُوهَا فَسَقَوْهَا . قَالَ : فَلَمَّا أَفَاقَتْ دَعَتْ اللَّهَ عَلَيْهِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } إِلَى قَوْله : { فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } 21401- حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر ; قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَتْ أُمّ سَعْد لِسَعْدٍ : أَلَيْسَ اللَّه قَدْ أَمَرَ بِالْبِرِّ , فَوَاللَّهِ لَا أَطْعَم طَعَامًا وَلَا أَشْرَب شَرَابًا حَتَّى أَمُوت أَوْ تَكْفُر ! قَالَ : فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا , ثُمَّ أَوْجَرُوهَا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } 21402 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , قَالَ : قَالَ سَعْد بْن مَالِك : نَزَلَتْ فِيَّ : { وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبهمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } قَالَ : لَمَّا أَسْلَمْت , حَلَفَتْ أُمِّي لَا تَأْكُل طَعَامًا وَلَا تَشْرَب شَرَابًا , قَالَ : فَنَاشَدْتهَا أَوَّل يَوْم , فَأَبَتْ وَصَبَرَتْ ; فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي نَاشَدْتهَا , فَأَبَتْ ; فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث نَاشَدْتهَا فَأَبَتْ , فَقُلْت : وَاللَّه لَوْ كَانَتْ لَك مِئَة نَفْس لَخَرَجَتْ قَبْل أَنْ أَدَعَ دِينِي هَذَا ; فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ , وَعَرَفَتْ أَنِّي لَسْت فَاعِلًا أَكَلَتْ. 21403 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُبَيْرَة يَقُول : قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي سَعْد ابْن أَبِي وَقَّاص { وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم فَلَا تُطِعْهُمَا } الْآيَة.
وَقَوْله : { وَفِصَاله فِي عَامَيْنِ } يَقُول : وَفِطَامه فِي انْقِضَاء عَامَيْنِ , وَقِيلَ : { وَفِصَاله فِي عَامَيْنِ } وَتَرَكَ ذِكْر وَانْقِضَاء " اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , كَمَا قِيلَ : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا } 12 82 يُرَاد بِهِ أَهْل الْقَرْيَة.
وَقَوْله : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك } يَقُول : وَعَهِدْنَا إِلَيْهِ أَنْ اشْكُرْ لِي عَلَى نِعَمِي عَلَيْك , وَلِوَالِدَيْك تَرْبِيَتهمَا إِيَّاكَ , وَعِلَاجَهُمَا فِيك مَا عَالَجَا مِنْ الْمَشَقَّة حَتَّى اسْتَحْكَمَ قُوَاك . وَقَوْله : { إِلَيَّ الْمَصِير } يَقُول : إِلَى اللَّه مَصِيرك أَيّهَا الْإِنْسَان , وَهُوَ سَائِلُك عَمَّا كَانَ مِنْ شُكْرك لَهُ عَلَى نِعَمه عَلَيْك , وَعَمَّا كَانَ مِنْ شُكْرك لِوَالِدَيْك , وَبِرّك بِهِمَا عَلَى مَا لَقِيَا مِنْك مِنَ الْعَنَاء وَالْمَشَقَّة فِي حَال طُفُولِيَّتك وَصِبَاك , وَمَا اصْطَنَعَا إِلَيْك فِي بِرّهمَا بِك , وَتَحَنُّنهمَا عَلَيْك . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْن سَعْد ابْن أَبِي وَقَّاص وَأُمّه. ذِكْر الرِّوَايَة الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ : 21400 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , قَالَ : حَلَفَتْ أُمّ سَعْد أَنْ لَا تَأْكُل وَلَا تَشْرَب , حَتَّى يَتَحَوَّلَ سَعْد عَنْ دِينه . قَالَ : فَأَبَى عَلَيْهَا , فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى غَشِيَ عَلَيْهَا . قَالَ : فَأَتَاهَا بَنُوهَا فَسَقَوْهَا . قَالَ : فَلَمَّا أَفَاقَتْ دَعَتْ اللَّهَ عَلَيْهِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } إِلَى قَوْله : { فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } 21401- حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر ; قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَتْ أُمّ سَعْد لِسَعْدٍ : أَلَيْسَ اللَّه قَدْ أَمَرَ بِالْبِرِّ , فَوَاللَّهِ لَا أَطْعَم طَعَامًا وَلَا أَشْرَب شَرَابًا حَتَّى أَمُوت أَوْ تَكْفُر ! قَالَ : فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا , ثُمَّ أَوْجَرُوهَا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } 21402 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , قَالَ : قَالَ سَعْد بْن مَالِك : نَزَلَتْ فِيَّ : { وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبهمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } قَالَ : لَمَّا أَسْلَمْت , حَلَفَتْ أُمِّي لَا تَأْكُل طَعَامًا وَلَا تَشْرَب شَرَابًا , قَالَ : فَنَاشَدْتهَا أَوَّل يَوْم , فَأَبَتْ وَصَبَرَتْ ; فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي نَاشَدْتهَا , فَأَبَتْ ; فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث نَاشَدْتهَا فَأَبَتْ , فَقُلْت : وَاللَّه لَوْ كَانَتْ لَك مِئَة نَفْس لَخَرَجَتْ قَبْل أَنْ أَدَعَ دِينِي هَذَا ; فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ , وَعَرَفَتْ أَنِّي لَسْت فَاعِلًا أَكَلَتْ. 21403 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُبَيْرَة يَقُول : قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي سَعْد ابْن أَبِي وَقَّاص { وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم فَلَا تُطِعْهُمَا } الْآيَة.
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبهمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ جَاهَدَك أَيّهَا الْإِنْسَان وَالِدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي فِي عِبَادَتك إِيَّايَ مَعِي غَيْرِي مِمَّا لَا تَعْلَم أَنَّهُ لِي شَرِيك , وَلَا شَرِيك لَهُ تَعَالَى ذِكْره عُلُوًّا كَبِيرًا , فَلَا تُطِعْهُمَا فِيمَا أَرَادَاك عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك بِي , { وَصَاحِبهمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } يَقُول : وَصَاحِبهمَا فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ لَهُمَا فِيمَا لَا تَبِعَة عَلَيْك فِيهِ فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ رَبّك وَلَا إِثْم .
وَقَوْله : { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } يَقُول : وَاسْلُكْ طَرِيقَ مَنْ تَابَ مِنْ شِرْكه , وَرَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام , وَاتَّبَعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21404 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } : أَيْ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيَّ .
وَقَوْله : { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعكُمْ فَأُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فَإِنَّ إِلَيَّ مَصِيركُمْ وَمُعَادكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ فَأُخْبِركُمْ بِجَمِيعِ مَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ , ثُمَّ أُجَازِيكُمْ عَلَى أَعْمَالكُمْ , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : مَا وَجْه اعْتِرَاض هَذَا الْكَلَام بَيْن الْخَبَر عَنْ وَصِيَّة لُقْمَان ابْنَهُ ؟ قِيلَ ذَلِكَ أَيْضًا , وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ وَصِيَّته عِبَاده بِهِ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْصَى بِهِ لُقْمَان ابْنه , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظهُ يَا بُنَيّ لَا تُشْرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم } وَلَا تُطِعْ فِي الشِّرْك بِهِ وَالِدَيْك { وَصَاحِبهمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } فَإِنَّ اللَّهَ وَصَّى بِهِمَا , فَاسْتُؤْنِفَ الْكَلَام عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْ اللَّه , وَفِيهِ هَذَا الْمَعْنَى , فَذَلِكَ وَجْه اعْتِرَاض ذَلِكَ بَيْن الْخَبَر عَنْ وَصِيَّته .
وَقَوْله : { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } يَقُول : وَاسْلُكْ طَرِيقَ مَنْ تَابَ مِنْ شِرْكه , وَرَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام , وَاتَّبَعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21404 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } : أَيْ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيَّ .
وَقَوْله : { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعكُمْ فَأُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فَإِنَّ إِلَيَّ مَصِيركُمْ وَمُعَادكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ فَأُخْبِركُمْ بِجَمِيعِ مَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ , ثُمَّ أُجَازِيكُمْ عَلَى أَعْمَالكُمْ , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : مَا وَجْه اعْتِرَاض هَذَا الْكَلَام بَيْن الْخَبَر عَنْ وَصِيَّة لُقْمَان ابْنَهُ ؟ قِيلَ ذَلِكَ أَيْضًا , وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ وَصِيَّته عِبَاده بِهِ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْصَى بِهِ لُقْمَان ابْنه , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظهُ يَا بُنَيّ لَا تُشْرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم } وَلَا تُطِعْ فِي الشِّرْك بِهِ وَالِدَيْك { وَصَاحِبهمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } فَإِنَّ اللَّهَ وَصَّى بِهِمَا , فَاسْتُؤْنِفَ الْكَلَام عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْ اللَّه , وَفِيهِ هَذَا الْمَعْنَى , فَذَلِكَ وَجْه اعْتِرَاض ذَلِكَ بَيْن الْخَبَر عَنْ وَصِيَّته .
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بُنَيّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل فَتَكُنْ فِي صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَاوَات أَوْ فِي الْأَرْض يَأْتِ بِهَا اللَّه } اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى الْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَيْنِ فِي قَوْله { إِنَّهَا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : ذَلِكَ كِنَايَة عَنِ الْمَعْصِيَة وَالْخَطِيئَة . وَمَعْنَى الْكَلَام عِنْدَهُ : يَا بُنَيّ إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل , أَوْ إِنَّ الْخَطِيئَةَ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : وَهَذِهِ الْهَاء عِمَاد . وَقَالَ : أَنَّثَ تَكُ ; لِأَنَّهُ يُرَاد بِهَا الْحَبَّة , فَذَهَبَ بِالتَّأْنِيثِ إِلَيْهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَتَشْرَق بِالْقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْته كَمَا شَرِقَتْ صَدْر الْقَنَاة مِنْ الدَّم وَقَالَ صَاحِب هَذِهِ الْمَقَالَة : يَجُوز نَصْب الْمِثْقَال وَرَفْعه ; قَالَ : فَمَنْ رَفَعَ رَفَعَهُ بِتَكُ , وَاحْتَمَلَتْ النَّكِرَة أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِعْل فِي كَانَ وَلَيْسَ وَأَخَوَاتهَا , وَمَنْ نَصَبَ جَعَلَ فِي تَكُنْ اسْمًا مُضْمَرًا مَجْهُولًا مِثْل الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله { إِنَّهَا إِنْ تَكُ } : وَمِثْله قَوْله : { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَار } 22 46 قَالَ : وَلَوْ كَانَ إِنْ يَكُ مِثْقَال حَبَّة كَانَ صَوَابًا , وَجَازَ فِيهِ الْوَجْهَانِ , وَأَمَّا صَاحِب الْمَقَالَة الْأُولَى , فَإِنْ نَصَبَ مِثْقَالَ فِي قَوْله , عَلَى أَنَّهُ خَبَر , وَتَمَام كَانَ , وَقَالَ : رَفَعَ بَعْضهمْ فَجَعَلَهَا كَانَ الَّتِي لَا تَحْتَاج إِلَى خَبَر . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي , الْقَوْل الثَّانِي : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَعِد عِبَادَهُ أَنْ يُوفِيَهُمْ جَزَاء سَيِّئَاتهمْ دُون جَزَاء حَسَنَاتهمْ , فَيُقَال : إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل يَأْتِ اللَّه بِهَا , بَلْ وَعَدَ كِلَا الْعَامِلَيْنِ أَنْ يُوفِيَهُ جَزَاء أَعْمَالهمَا , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَتْ الْهَاء فِي قَوْله { إِنَّهَا } بِأَنْ تَكُونَ عِمَادًا أَشْبَهَ مِنْهَا بِأَنْ تَكُونَ كِنَايَة عَنِ الْخَطِيئَة وَالْمَعْصِيَة. وَأَمَّا النَّصْب فِي الْمِثْقَال , فَعَلَى أَنَّ فِي " تَكُ " مَجْهُولًا , وَالرَّفْع فِيهِ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُضْمَر , كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنْ تَكُ فِي مَوْضِع مِثْقَال حَبَّة ; لِأَنَّ النَّكِرَات تُضْمَر أَخْبَارهَا , ثُمَّ يُتَرْجَم عَنِ الْمَكَان الَّذِي فِيهِ مِثْقَال الْحَبَّة . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { مِثْقَال حَبَّة } : زِنَة حَبَّة , فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : إِنَّ الْأَمْرَ إِنْ تَكُ زِنَة حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ عَمِلَتْهُ , فَتَكُنْ فِي صَخْرَة , أَوْ فِي السَّمَاوَات , أَوْ فِي الْأَرْض , يَأْتِ بِهَا اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , حَتَّى يُوفِيَك جَزَاءَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21405- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا بُنَيّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل } مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله { فَتَكُنْ فِي صَخْرَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا الصَّخْرَة الَّتِي عَلَيْهَا الْأَرْض ; وَذَلِكَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْن عَبَّاس وَغَيْره , وَقَالُوا : هِيَ صَخْرَة خَضْرَاء. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21406 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , قَالَ : الصَّخْرَة خَضْرَاء عَلَى ظَهْر حُوت. 21407 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك عَنْ أَبِي صَالِح , عَنِ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَلَقَ اللَّه الْأَرْض عَلَى حُوت , وَالْحُوت هُوَ النُّون الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن { ن وَالْقَلَم وَمَا يَسْطُرُونَ } 68 1 وَالْحُوت فِي الْمَاء , وَالْمَاء عَلَى ظَهْر صَفَاة , وَالصَّفَاة عَلَى ظَهْر مَلَك , وَالْمَلَك عَلَى صَخْرَة , وَالصَّخْرَة فِي الرِّيح , وَهِيَ الصَّخْرَة الَّتِي ذَكَرَ لُقْمَان لَيْسَتْ فِي السَّمَاء , وَلَا فِي الْأَرْض . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهَا الْجِبَال , قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : فَتَكُنْ فِي جَبَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21408 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { فَتَكُنْ فِي صَخْرَة } : أَيْ جَبَل. وَقَوْله : { يَأْتِ بِهَا اللَّه } كَانَ بَعْضهمْ يُوَجِّه مَعْنَاهُ إِلَى يَعْلَمهُ اللَّه , وَلَا أَعْرِف يَأْتِي بِهِ , بِمَعْنَى يَعْلَمهُ , إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِل ذَلِكَ أَرَادَ أَنَّ لُقْمَان , إِنَّمَا وَصَفَ اللَّه بِذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَم أَمَاكِنَهُ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَكَان شَيْء مِنْهُ فَيَكُون وَجْهًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21409 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَيَحْيَى , قَالَا : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك { فَتَكُنْ فِي صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَاوَات أَوْ فِي الْأَرْض يَأْتِ بِهَا اللَّه } قَالَ : يَعْلَمهَا اللَّه . *- حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , مِثْله .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيف خَبِير } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ لَطِيف بِاسْتِخْرَاجِ الْحَبَّة مِنْ مَوْضِعهَا حَيْثُ كَانَتْ خَبِير بِمَوْضِعِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21410- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّ اللَّهَ لَطِيف خَبِير } : أَيْ لَطِيف بِاسْتِخْرَاجِهَا خَبِير بِمُسْتَقَرَّهَا.
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيف خَبِير } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ لَطِيف بِاسْتِخْرَاجِ الْحَبَّة مِنْ مَوْضِعهَا حَيْثُ كَانَتْ خَبِير بِمَوْضِعِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21410- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّ اللَّهَ لَطِيف خَبِير } : أَيْ لَطِيف بِاسْتِخْرَاجِهَا خَبِير بِمُسْتَقَرَّهَا.
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بُنَيّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل لُقْمَان لِابْنِهِ { يَا بُنَيّ أَقِمِ الصَّلَاةَ } بِحُدُودِهَا { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ } يَقُول : وَأْمُرْ النَّاس بِطَاعَةِ اللَّه , وَاتِّبَاع أَمْره { وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر } يَقُول : وَانْهَ النَّاس عَنْ مَعَاصِي اللَّه وَمُوَاقَعَة مَحَارِمه { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك } يَقُول : وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك مِنَ النَّاس فِي ذَات اللَّه إِذَا أَنْتَ أَمَرْتهمْ بِالْمَعْرُوفِ , وَنَهَيْتهمْ عَنِ الْمُنْكَر , وَلَا يَصُدُّنَّك عَنْ ذَلِكَ مَا نَالَك مِنْهُمْ { إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } يَقُول : إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ اللَّه بِهِ مِنَ الْأُمُور عَزْمًا مِنْهُ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21411 - حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { يَا بُنَيّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك } قَالَ : اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك مِنَ الْأَذَى فِي ذَلِكَ { إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا عَزَمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُور , يَقُول : مِمَّا أَمَرَ اللَّه بِهِ مِنَ الْأُمُور .
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ↓
الْقَوْل فِي . تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا تُصَعِّر } فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ : { وَلَا تُصَعِّر } عَلَى مِثَال تُفَعِّل , وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة : " وَلَا تُصَاعِر " عَلَى مِثَال تُفَاعِل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ . وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَا تُعْرِض بِوَجْهِك عَمَّنْ كَلَّمْته تَكَبُّرًا وَاسْتِحْقَارًا لِمَنْ تُكَلِّمهُ ; وَأَصْل الصَّعَر دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فِي أَعْنَاقهَا أَوْ رُءُوسهَا حَتَّى تَلِفَتْ أَعْنَاقهَا عَنْ رُءُوسهَا , فَيُشَبَّه بِهِ الرَّجُل الْمُتَكَبِّر عَلَى النَّاس , وَمِنْهُ قَوْل عَمْرو بْن حُنَيٍّ التَّغْلِبِيّ : وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّار صَعَّرَ خَدَّهُ أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْله فَتَقَوَّمَا وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21412 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس { وَلَا تُصَعِّر خَدّك لِلنَّاسِ } يَقُول : وَلَا تَتَكَبَّرْ فَتُحَقِّر عِبَادَ اللَّه , وَتُعْرِض عَنْهُمْ بِوَجْهِك إِذَا كَلَّمُوك . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ } يَقُول : لَا تُعْرِض بِوَجْهِك عَنْ النَّاس تَكَبُّرًا . 21413 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَلَا تُصَعِّر } قَالَ : الصُّدُود وَالْإِعْرَاض بِالْوَجْهِ عَنْ النَّاس . 21414 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد ابْن أَبِي الزَّرْقَاء , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ يَزِيد فِي هَذِهِ الْآيَة { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ } قَالَ : إِذَا كَلَّمَك الْإِنْسَان لَوَيْت وَجْهَك , وَأَعْرَضْت عَنْهُ مَحْقَرَة لَهُ . 21415 -حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا خَالِد بْن حَيَّان الرَّقِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن مَيْمُون بْن مِهْرَان , قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُكَلِّم الرَّجُل فَيَلْوِي وَجْهَهُ . 21416 -حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , قَالَ : ثنا أَبُو مَكِين , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ } قَالَ : لَا تُعْرِض بِوَجْهِك . 21417 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عِيد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ } يَقُول : لَا تُعْرِض عَنْ النَّاس , يَقُول : أَقْبِلْ عَلَى النَّاس بِوَجْهِك وَحُسْن خُلُقِك. 21418 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ } قَالَ : تَصْعِير الْخَدّ : التَّجَبُّر وَالتَّكَبُّر عَلَى النَّاس وَمَحْقَرَتهمْ . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي مَكِين , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الْإِعْرَاض . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَعَر , لَا عَلَى وَجْه التَّكَبُّر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21419 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ } قَالَ : الرَّجُل يَكُون بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْإِحْنَة , فَيَرَاهُ فَيُعْرِض عَنْهُ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ إِحْنَة فَيُعْرِض عَنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ التَّشْدِيق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21420 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : هُوَ التَّشْدِيق. * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : هُوَ التَّشْدِيق أَوْ التَّشَدُّق " الطَّبَرِيّ يَشُكّ " . * حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن طَلْحَة , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله .
وَقَوْله { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا } يَقُول : وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مُخْتَالًا . كَمَا : 21421 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , يَقُول فِي قَوْله { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا } يَقُول : بِالْخُيَلَاءِ . 21422 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } قَالَ : نَهَاهُ عَنْ التَّكَبُّر .
وَقَوْله { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبّ كُلَّ مُخْتَال } مُتَكَبِّر ذِي فَخْر . كَمَا : 21423 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { كُلّ مُخْتَال فَخُور } قَالَ : مُتَكَبِّر . وَقَوْله : فَخُور : قَالَ : يُعَدِّد مَا أَعْطَى اللَّه , وَهُوَ لَا يَشْكُر اللَّه .
وَقَوْله { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا } يَقُول : وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مُخْتَالًا . كَمَا : 21421 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , يَقُول فِي قَوْله { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا } يَقُول : بِالْخُيَلَاءِ . 21422 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَلَا تُصَعِّر خَدَّك لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } قَالَ : نَهَاهُ عَنْ التَّكَبُّر .
وَقَوْله { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبّ كُلَّ مُخْتَال } مُتَكَبِّر ذِي فَخْر . كَمَا : 21423 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { كُلّ مُخْتَال فَخُور } قَالَ : مُتَكَبِّر . وَقَوْله : فَخُور : قَالَ : يُعَدِّد مَا أَعْطَى اللَّه , وَهُوَ لَا يَشْكُر اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاقْصِدْ فِي مَشْيك } يَقُول : وَتَوَاضَعْ فِي مَشْيك إِذَا مَشَيْت , وَلَا تَسْتَكْبِر , وَلَا تَسْتَعْجِل , وَلَكِنْ اتَّئِدْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , غَيْر أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَمَرَهُ بِالتَّوَاضُعِ فِي مَشْيه , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَمَرَهُ بِتَرْكِ السُّرْعَة فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ : أَمَرَهُ بِالتَّوَاضُعِ فِي مَشْيه : 21424 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد { وَاقْصِدْ فِي مَشْيك } قَالَ : التَّوَاضُع . 21425 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاقْصِدْ فِي مَشْيك } قَالَ : نَهَاهُ عَنِ الْخُيَلَاء. ذِكْر مَنْ قَالَ : نَهَاهُ عَنْ السُّرْعَة . 21426 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُقْبَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , فِي قَوْله : { وَاقْصِدْ فِي مَشْيك } قَالَ : مِنْ السُّرْعَة.
قَوْله : { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتك } يَقُول : وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتك , فَاجْعَلْهُ قَصْدًا إِذَا تَكَلَّمْت , كَمَا : 21427 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتك } قَالَ : أَمَرَهُ بِالِاقْتِصَادِ فِي صَوْته. 21428 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتك } قَالَ : اخْفِضْ مِنْ صَوْتك .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21429 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة وَأَبَانَ بْن تَغْلِب , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات } قَالَ : إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَات { لَصَوْت الْحَمِير } 21430 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير } أَيْ أَقْبَح الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير , أَوَّله زَفِير , وَآخِره شَهِيق ; أَمَرَهُ بِالِاقْتِصَادِ فِي صَوْته . 21431 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقُول : { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات } صَوْت الْحَمِير . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ أَشَرّ الْأَصْوَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21432 - حُدِّثْت عَنْ يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَكَم بْن عُتَيْبَة { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات } قَالَ : أَشَرّ الْأَصْوَات . قَالَ جَابِر : وَقَالَ الْحَسَن بْن مُسْلِم : أَشَدّ الْأَصْوَات . 21433 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير } قَالَ : لَوْ كَانَ رَفْع الصَّوْت هُوَ خَيْرًا مَا جَعَلَهُ لِلْحَمِيرِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : إِنَّ أَقْبَحَ أَوْ أَشَرّ الْأَصْوَات , وَذَلِكَ نَظِير قَوْلهمْ , إِذَا رَأَوْا وَجْهًا قَبِيحًا , أَوْ مَنْظَرًا شَنِيعًا : مَا أَنْكَرَ وَجْه فُلَان , وَمَا أَنْكَرَ مَنْظَره . وَأَمَّا قَوْله : { لَصَوْت الْحَمِير } فَأُضِيف الصَّوْت وَهُوَ وَاحِد إِلَى الْحَمِير وَهِيَ جَمَاعَة , فَإِنَّ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ إِنْ شِئْت , قُلْت : الصَّوْت بِمَعْنَى الْجَمْع , كَمَا قِيلَ { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } 2 20 وَإِنْ شِئْت قُلْت : مَعْنَى الْحَمِير : مَعْنَى الْوَاحِد ; لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع يُؤَدِّي عَمَّا يُؤَدِّي عَنْهُ الْجَمْع .
قَوْله : { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتك } يَقُول : وَاخْفِضْ مِنْ صَوْتك , فَاجْعَلْهُ قَصْدًا إِذَا تَكَلَّمْت , كَمَا : 21427 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتك } قَالَ : أَمَرَهُ بِالِاقْتِصَادِ فِي صَوْته. 21428 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتك } قَالَ : اخْفِضْ مِنْ صَوْتك .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21429 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة وَأَبَانَ بْن تَغْلِب , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات } قَالَ : إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَات { لَصَوْت الْحَمِير } 21430 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير } أَيْ أَقْبَح الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير , أَوَّله زَفِير , وَآخِره شَهِيق ; أَمَرَهُ بِالِاقْتِصَادِ فِي صَوْته . 21431 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقُول : { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات } صَوْت الْحَمِير . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ أَشَرّ الْأَصْوَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21432 - حُدِّثْت عَنْ يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَكَم بْن عُتَيْبَة { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات } قَالَ : أَشَرّ الْأَصْوَات . قَالَ جَابِر : وَقَالَ الْحَسَن بْن مُسْلِم : أَشَدّ الْأَصْوَات . 21433 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات لَصَوْت الْحَمِير } قَالَ : لَوْ كَانَ رَفْع الصَّوْت هُوَ خَيْرًا مَا جَعَلَهُ لِلْحَمِيرِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : إِنَّ أَقْبَحَ أَوْ أَشَرّ الْأَصْوَات , وَذَلِكَ نَظِير قَوْلهمْ , إِذَا رَأَوْا وَجْهًا قَبِيحًا , أَوْ مَنْظَرًا شَنِيعًا : مَا أَنْكَرَ وَجْه فُلَان , وَمَا أَنْكَرَ مَنْظَره . وَأَمَّا قَوْله : { لَصَوْت الْحَمِير } فَأُضِيف الصَّوْت وَهُوَ وَاحِد إِلَى الْحَمِير وَهِيَ جَمَاعَة , فَإِنَّ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ إِنْ شِئْت , قُلْت : الصَّوْت بِمَعْنَى الْجَمْع , كَمَا قِيلَ { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } 2 20 وَإِنْ شِئْت قُلْت : مَعْنَى الْحَمِير : مَعْنَى الْوَاحِد ; لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع يُؤَدِّي عَمَّا يُؤَدِّي عَنْهُ الْجَمْع .
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَة وَبَاطِنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَوْا } أَيّهَا النَّاس { أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَات } مِنْ شَمْس وَقَمَر وَنَجْم وَسَحَاب { وَمَا فِي الْأَرْض } مِنْ دَابَّة وَشَجَر وَمَاء وَبَحْر وَفُلْك وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِع , يَجْرِي ذَلِكَ كُلّه لِمَنَافِعِكُمْ وَمَصَالِحكُمْ لِغِذَائِكُمْ وَأَقْوَاتكُمْ وَأَرْزَاقكُمْ وَمَلَاذّكُمْ , تَتَمَتَّعُونَ بِبَعْضِ ذَلِكَ كُلّه , وَتَنْتَفِعُونَ بِجَمِيعِهِ , { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّة الْكُوفِيِّينَ : " وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً " عَلَى الْوَاحِدَة , وَوَجَّهُوا مَعْنَاهَا إِلَى أَنَّهُ الْإِسْلَام , أَوْ إِلَى أَنَّهَا شَهَادَة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { نِعَمَهُ } عَلَى الْجِمَاع , وَوَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ , إِلَى أَنَّهَا النِّعَم الَّتِي سَخَّرَهَا اللَّه لِلْعِبَادِ مِمَّا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَاسْتَشْهَدُوا لِصِحَّةِ قِرَاءَتهمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ } 16 121 قَالُوا : فَهَذَا جَمْع النِّعَم. وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ النِّعْمَةَ قَدْ تَكُون بِمَعْنَى الْوَاحِدَة , وَمَعْنَى الْجِمَاع , وَقَدْ يَدْخُل فِي الْجِمَاع الْوَاحِدَة , وَقَدْ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّه لَا تُحْصُوهَا } 14 34 فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ نِعْمَة وَاحِدَة , وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَرَ : وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ , فَجَمَعَهَا , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ ذَلِكَ فَمُصِيب . ذِكْر بَعْض مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى التَّوْحِيد , وَفَسَّرَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ قَارِئِيهِ أَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَهُ : 21434 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثني مَسْتُور الْهُنَائِيّ , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَهَا : " وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " وَفَسَّرَهَا الْإِسْلَام. * حُدِّثْت عَنِ الْفَرَّاء قَالَ : ثني شَرِيك بْن عَبْد اللَّه , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَ : " نِعْمَة " وَاحِدَة. قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ نِعَمه , لَكَانَتْ نِعْمَة دُون نِعْمَة , أَوْ نِعْمَة فَوْق نِعْمَة - الشَّكّ مِنَ الْفَرَّاء . 21435 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : قَرَأَ مُجَاهِد : " وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . * حَدَّثَنِي الْعَبَّاس ابْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي بُكَيْر , عَنْ شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد " وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَته ظَاهِرَة وَبَاطِنَة " قَالَ : كَانَ يَقُول : هِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه. * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَته ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . 21436 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عِيسَى , عَنْ قَيْس , عَنِ ابْن عَبَّاس " نِعْمَة ظَاهِرَة وَبَاطِنَة " قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَوْله : { ظَاهِرَة } يَقُول : ظَاهِرَة عَلَى الْأَلْسُن قَوْلًا , وَعَلَى الْأَبْدَان وَجَوَارِح الْجَسَد عَمَلًا . وَقَوْله : { وَبَاطِنَة } يَقُول : وَبَاطِنَة فِي الْقُلُوب اعْتِقَادًا وَمَعْرِفَة.
وَقَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَلَا هُدًى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنَ النَّاس مَنْ يُخَاصِم فِي تَوْحِيد اللَّه , وَإِخْلَاص الطَّاعَة وَالْعِبَادَة لَهُ بِغَيْرِ عِلْم عِنْده بِمَا يُخَاصِم , { وَلَا هُدًى } يَقُول : وَلَا بَيَان يُبَيِّن بِهِ صِحَّة مَا يَقُول { وَلَا كِتَاب مُنِير } يَقُول : وَلَا بِتَنْزِيلٍ مِنَ اللَّه جَاءَ بِمَا يَدَّعِي , يُبَيِّن حَقِّيَّةَ دَعْوَاهُ , كَمَا : 21437 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمِنَ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَلَا هُدًى وَلَا كِتَاب مُنِير } لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللَّه بُرْهَان وَلَا كِتَاب .
وَقَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَلَا هُدًى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنَ النَّاس مَنْ يُخَاصِم فِي تَوْحِيد اللَّه , وَإِخْلَاص الطَّاعَة وَالْعِبَادَة لَهُ بِغَيْرِ عِلْم عِنْده بِمَا يُخَاصِم , { وَلَا هُدًى } يَقُول : وَلَا بَيَان يُبَيِّن بِهِ صِحَّة مَا يَقُول { وَلَا كِتَاب مُنِير } يَقُول : وَلَا بِتَنْزِيلٍ مِنَ اللَّه جَاءَ بِمَا يَدَّعِي , يُبَيِّن حَقِّيَّةَ دَعْوَاهُ , كَمَا : 21437 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمِنَ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَلَا هُدًى وَلَا كِتَاب مُنِير } لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللَّه بُرْهَان وَلَا كِتَاب .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي تَوْحِيد اللَّه جَهْلًا مِنْهُمْ بِعَظَمَةِ اللَّه : اتَّبِعُوا أَيّهَا الْقَوْم مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله , وَصَدِّقُوا بِهِ , فَإِنَّهُ يُفَرِّق بَيْن الْمُحِقّ مِنَّا وَالْمُبْطِل , وَيَفْصِل بَيْن الضَّالّ وَالْمُهْتَدِي , فَقَالُوا : بَلْ نَتَّبِع مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا مِنَ الْأَدْيَان , فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْل حَقّ .
قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره { أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَان يَدْعُوهُمْ } بِتَزْيِينِهِ لَهُمْ سُوء أَعْمَالهمْ , وَاتِّبَاعهمْ إِيَّاهُ عَلَى ضَلَالَتهمْ , وَكُفْرهمْ بِاللَّهِ وَتَرْكهمْ اتِّبَاع مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَابه عَلَى نَبِيّه { إِلَى عَذَاب السَّعِير } يَعْنِي : عَذَاب النَّار الَّتِي تَتَسَعَّر وَتَلْتَهِب .
قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره { أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَان يَدْعُوهُمْ } بِتَزْيِينِهِ لَهُمْ سُوء أَعْمَالهمْ , وَاتِّبَاعهمْ إِيَّاهُ عَلَى ضَلَالَتهمْ , وَكُفْرهمْ بِاللَّهِ وَتَرْكهمْ اتِّبَاع مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَابه عَلَى نَبِيّه { إِلَى عَذَاب السَّعِير } يَعْنِي : عَذَاب النَّار الَّتِي تَتَسَعَّر وَتَلْتَهِب .
وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُسْلِم وَجْهَهُ إِلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسِن فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُعَبِّد وَجْهَهُ مُتَذَلِّلًا بِالْعُبُودَةِ , مُقِرًّا لَهُ بِالْأُلُوهَةِ { وَهُوَ مُحْسِن } يَقُول : وَهُوَ مُطِيع لِلَّهِ فِي أَمْره وَنَهْيه { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } يَقُول : فَقَدْ تَمَسَّك بِالطَّرَفِ الْأَوْثَق الَّذِي لَا يَخَاف انْقِطَاعه مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ; وَهَذَا مَثَل ; إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَمَسَّكَ مِنْ رِضَا اللَّه بِإِسْلَامِهِ وَجْهه إِلَيْهِ وَهُوَ مُحْسِن , مَا لَا يَخَاف مَعَهُ عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21438 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي السَّوْدَاء , عَنْ جَعْفَر ابْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس { وَمَنْ يُسْلِم وَجْهَهُ إِلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسِن فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه.
وَقَوْله { وَإِلَى اللَّه عَاقِبَة الْأُمُور } يَقُول : وَإِلَى اللَّه مَرْجِع عَاقِبَة كُلّ أَمْر خَيْره وَشَرّه , وَهُوَ الْمُسَائِل أَهْلَهُ عَنْهُ , وَمُجَازِيهمْ عَلَيْهِ.
وَقَوْله { وَإِلَى اللَّه عَاقِبَة الْأُمُور } يَقُول : وَإِلَى اللَّه مَرْجِع عَاقِبَة كُلّ أَمْر خَيْره وَشَرّه , وَهُوَ الْمُسَائِل أَهْلَهُ عَنْهُ , وَمُجَازِيهمْ عَلَيْهِ.
وَمَن كَفَرَ فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنك كُفْره إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ فَنُنَبِّئهُمْ بِمَا عَمِلُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ فَلَا يَحْزُنك كُفْره , وَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسْرَة , فَإِنَّ مَرْجِعهمْ وَمَصِيرهمْ يَوْم الْقِيَامَة إِلَيْنَا , وَنَحْنُ نُخْبِرهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ الْخَبِيثَة الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ نُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا جَزَاءَهُمْ .
{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْم بِمَا تُكِنّهُ صُدُورهمْ مِنَ الْكُفْر بِاللَّهِ , وَإِيثَار طَاعَة الشَّيْطَان .
{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْم بِمَا تُكِنّهُ صُدُورهمْ مِنَ الْكُفْر بِاللَّهِ , وَإِيثَار طَاعَة الشَّيْطَان .
وَقَوْله : { نُمَتِّعهُمْ قَلِيلًا } يَقُول : نُمْهِلهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَهْلًا قَلِيلًا يَتَمَتَّعُونَ فِيهَا
{ ثُمَّ نَضْطَرّهُمْ إِلَى عَذَاب غَلِيظ } يَقُول : ثُمَّ نُورِدهُمْ عَلَى كُرْه مِنْهُمْ عَذَابًا غَلِيظًا , وَذَلِكَ عَذَاب النَّار , نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْهَا , وَمِنْ عَمَل يُقَرِّب مِنْهَا.
{ ثُمَّ نَضْطَرّهُمْ إِلَى عَذَاب غَلِيظ } يَقُول : ثُمَّ نُورِدهُمْ عَلَى كُرْه مِنْهُمْ عَذَابًا غَلِيظًا , وَذَلِكَ عَذَاب النَّار , نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْهَا , وَمِنْ عَمَل يُقَرِّب مِنْهَا.
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلِ الْحَمْد لِلَّهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ سَأَلْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمك { مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلِ الْحَمْد لِلَّهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد , فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ , فَقُلْ لَهُمْ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ , لَا لِمَنْ لَا يَخْلُق شَيْئًا وَهُمْ يَخْلُقُونَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : بَلْ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ مَنْ الَّذِي لَهُ الْحَمْد , وَأَيْنَ مَوْضِع الشُّكْر .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : بَلْ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ مَنْ الَّذِي لَهُ الْحَمْد , وَأَيْنَ مَوْضِع الشُّكْر .
وَقَوْله : { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِلَّهِ كُلّ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْ شَيْء مُلْكًا كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْء مِنْ وَثَن وَصَنَم وَغَيْر ذَلِكَ , مِمَّا يُعْبَد أَوْ لَا يُعْبَد
{ إِنَّ اللَّه هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيد } يَقُول : إِنَّ اللَّه هُوَ الْغَنِيّ عَنْ عِبَاده هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْهُمْ وَمِنْ جَمِيع خَلْقه ; لِأَنَّهُمْ مُلْكه وَلَهُ , وَبِهِمْ الْحَاجَة إِلَيْهِ . { الْحَمِيد } يَعْنِي الْمَحْمُود عَلَى نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى خَلْقه .
{ إِنَّ اللَّه هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيد } يَقُول : إِنَّ اللَّه هُوَ الْغَنِيّ عَنْ عِبَاده هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْهُمْ وَمِنْ جَمِيع خَلْقه ; لِأَنَّهُمْ مُلْكه وَلَهُ , وَبِهِمْ الْحَاجَة إِلَيْهِ . { الْحَمِيد } يَعْنِي الْمَحْمُود عَلَى نِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى خَلْقه .
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ أَنَّ شَجَر الْأَرْض كُلّهَا بُرِيَتْ أَقْلَامًا { وَالْبَحْر يَمُدّهُ } يَقُول : وَالْبَحْر لَهُ مِدَاد , وَالْهَاء فِي قَوْله { يَمُدّهُ } عَائِدَة عَلَى الْبَحْر . وَقَوْله { مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه } وَفِي هَذَا الْكَلَام مَحْذُوف اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهِ مِنْهُ , وَهُوَ يَكْتُب كَلَام اللَّه بِتِلْكَ الْأَقْلَام وَبِذَلِكَ الْمِدَاد , لَتَكَسَّرَتْ تِلْكَ الْأَقْلَام , وَلَنَفَذَ ذَلِكَ الْمِدَاد , وَلَمْ تَنْفَد كَلِمَات اللَّه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21439 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام } قَالَ : لَوْ جُعِلَ شَجَر الْأَرْض أَقْلَامًا , وَجُعِلَ الْبُحُور مِدَادًا , وَقَالَ اللَّه : إِنَّ مِنْ أَمْرِي كَذَا , وَمِنْ أَمْرِي كَذَا , لَنَفِدَ مَاء الْبُحُور , وَتَكَسَّرَتْ الْأَقْلَام . 21440 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم , قَالَ : ثنا عَمْرو , فِي قَوْله { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام } قَالَ : لَوْ بُرِيَتْ أَقْلَامًا وَالْبَحْر مِدَادًا , فَكَتَبَ بِتِلْكَ الْأَقْلَام مِنْهُ { مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه } وَلَوْ مَدّه سَبْعَة أَبْحُر . 21441 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه } قَالَ : قَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّمَا هَذَا كَلَام يُوشِك أَنْ يَنْفَدَ , قَالَ : لَوْ كَانَ شَجَر الْبَرّ أَقْلَامًا , وَمَعَ الْبَحْر سَبْعَة أَبْحُر مَا كَانَ لِتَنْفَدَ عَجَائِب رَبِّي وَحِكْمَته وَخَلْقه وَعِلْمه . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَب مُجَادَلَة كَانَتْ مِنَ الْيَهُود لَهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21442 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّ أَحْبَار يَهُود قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ : يَا مُحَمَّد أَرَأَيْت قَوْله { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } 17 85 إِيَّانَا تُرِيد أَمْ قَوْمك ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَلَّا " , فَقَالُوا : أَلَسْت تَتْلُو فِيمَا جَاءَك : أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا تِبْيَان كُلّ شَيْء ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهَا فِي عِلْم اللَّه قَلِيل وَعِنْدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكْفِيكُمْ " , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ : { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه } : أَيْ أَنَّ التَّوْرَاةَ فِي هَذَا مِنْ عِلْم اللَّه قَلِيل. 21443 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُدُ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : سَأَلَ أَهْل الْكِتَاب رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّوح , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَيَسْأَلُونَك عَنِ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } 17 85 فَقَالُوا : تَزْعُم أَنَّا لَمْ نُؤْتَ مِنَ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا , وَقَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ , وَهِيَ الْحِكْمَة { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } قَالَ : فَنَزَلَتْ { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَات اللَّه } قَالَ : مَا أُوتِيتُمْ مِنْ عِلْم فَنَجَّاكُمْ اللَّه بِهِ مِنْ النَّار وَأَدْخَلَكُمْ الْجَنَّةَ , فَهُوَ كَثِير طَيِّب , وَهُوَ فِي عِلْم اللَّه قَلِيل . 21444 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ بِمَكَّة { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } يَعْنِي الْيَهُود ; فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة , أَتَاهُ أَحْبَار يَهُود , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَلَمْ يَبْلُغنَا أَنَّك تَقُول { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْم إِلَّا قَلِيلًا } أَفَتَعْنِينَا أَمْ قَوْمك ؟ قَالَ : وَكُلًّا قَدْ عَنَيْت " , قَالُوا : فَإِنَّك تَتْلُو : أَنَّا قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاة , وَفِيهَا تِبْيَان كُلّ شَيْء , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هِيَ فِي عِلْم اللَّه قَلِيل , وَقَدْ أَتَاكُمْ اللَّه مَا إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ انْتَفَعْتُمْ " , فَأَنْزَلَ اللَّه { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر } إِلَى قَوْله { إِنَّ اللَّهَ سَمِيع بَصِير } وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالْبَحْرُ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء , وَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْبَصْرَة نَصْبًا , عَطْفًا بِهِ عَلَى " مَا " فِي قَوْله : { وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْض } وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب عِنْدِي .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ عَزِيز حَكِيم } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ ذُو عِزَّة فِي انْتِقَامه مِمَّنْ أَشْرَكَ بِهِ , وَادَّعَى مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ عَزِيز حَكِيم } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ ذُو عِزَّة فِي انْتِقَامه مِمَّنْ أَشْرَكَ بِهِ , وَادَّعَى مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا خَلْقكُمْ وَلَا بَعْثكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا خَلْقكُمْ أَيّهَا النَّاس وَلَا بَعْثكُمْ عَلَى اللَّه إِلَّا كَخَلْقِ نَفْس وَاحِدَة وَبَعْثهَا , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَمْتَنِع مِنْهُ شَيْء شَاءَهُ { إِنَّمَا أَمْره إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } فَسَوَاء خَلْق وَاحِد وَبَعْثه , وَخَلْق الْجَمِيع وَبَعْثهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21445 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { كَنَفْسٍ وَاحِدَة } يَقُول : كُنْ فَيَكُون , لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِير. 21446 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { مَا خَلْقكُمْ وَلَا بَعْثكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة } قَالَ : يَقُول : إِنَّمَا خَلْق اللَّه النَّاس كُلّهمْ وَبَعْثهمْ كَخَلْقِ نَفْس وَاحِدَة وَبَعْثهَا , وَإِنَّمَا صَلَحَ أَنْ يُقَال : إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة , وَالْمَعْنَى : إِلَّا كَخَلْقِ نَفْس وَاحِدَة ; لِأَنَّ الْمَحْذُوف فِعْل يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله { وَمَا خَلْقكُمْ وَلَا بَعْثكُمْ } وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْمَصَادِر , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { تَدُور أَعْيُنهمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت } 33 19 وَالْمَعْنَى : كَدَوَرَانِ عَيْن الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت , فَلَمْ يَذْكُر الدَّوَرَان وَالْعَيْن لَمَّا وُصِفَتْ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ سَمِيع بَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ سَمِيع لِمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَيَفْتَرُونَهُ عَلَى رَبّهمْ , مِنْ ادِّعَائِهِمْ لَهُ الشُّرَكَاء وَالْأَنْدَاد وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ كَلَامهمْ وَكَلَام غَيْرهمْ , بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَهُ وَغَيْرهمْ مِنَ الْأَعْمَال , وَهُوَ مُجَازِيهمْ عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَهُمْ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ سَمِيع بَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ سَمِيع لِمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَيَفْتَرُونَهُ عَلَى رَبّهمْ , مِنْ ادِّعَائِهِمْ لَهُ الشُّرَكَاء وَالْأَنْدَاد وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ كَلَامهمْ وَكَلَام غَيْرهمْ , بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَهُ وَغَيْرهمْ مِنَ الْأَعْمَال , وَهُوَ مُجَازِيهمْ عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَهُمْ .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِج اللَّيْلَ فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ } يَا مُحَمَّد بِعَيْنِك { أَنَّ اللَّهَ يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار } يَقُول : يَزِيد مِنْ نُقْصَان سَاعَات اللَّيْل فِي سَاعَات النَّهَار { وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل } يَقُول : يَزِيد مَا نَقَصَ مِنْ سَاعَات النَّهَار فِي سَاعَات اللَّيْل . كَمَا : 21447 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادة , قَوْله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِج اللَّيْلَ فِي النَّهَار } نُقْصَان اللَّيْل فِي زِيَاده النَّهَار { وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل } نُقْصَان النَّهَار فِي زِيَادَة اللَّيْل .
وَقَوْله : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر لِمَصَالِح خَلْقه وَمَنَافِعهمْ , { كُلّ يَجْرِي } يَقُول : كُلّ ذَلِكَ يَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى وَقْت مَعْلُوم , وَأَجَل مَحْدُود إِذَا بَلَغَهُ , كُوِّرَتْ الشَّمْس وَالْقَمَر. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21448 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول : لِذَلِكَ كُلّه وَقْت , وَحَدّ مَعْلُوم , لَا يُجَاوِزهُ وَلَا يَعْدُوهُ .
وَقَوْله : { وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير } يَقُول : وَإِنَّ اللَّهَ بِأَعْمَالِكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ ذُو خِبْرَة , وَعِلْم , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ , وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَام خِطَابًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمَعْنِيّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره , نَبَّهَ بِقَوْلِهِ : { أَنَّ اللَّهَ يُولِج اللَّيْلَ فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل } عَلَى مَوْضِع حُجَّته مِنْ جَهْل عَظَمَته , وَأَشْرَكَ فِي عِبَادَته مَعَهُ غَيْره , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونه الْبَاطِل }
وَقَوْله : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر لِمَصَالِح خَلْقه وَمَنَافِعهمْ , { كُلّ يَجْرِي } يَقُول : كُلّ ذَلِكَ يَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى وَقْت مَعْلُوم , وَأَجَل مَحْدُود إِذَا بَلَغَهُ , كُوِّرَتْ الشَّمْس وَالْقَمَر. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21448 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول : لِذَلِكَ كُلّه وَقْت , وَحَدّ مَعْلُوم , لَا يُجَاوِزهُ وَلَا يَعْدُوهُ .
وَقَوْله : { وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير } يَقُول : وَإِنَّ اللَّهَ بِأَعْمَالِكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ ذُو خِبْرَة , وَعِلْم , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ , وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَام خِطَابًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمَعْنِيّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره , نَبَّهَ بِقَوْلِهِ : { أَنَّ اللَّهَ يُولِج اللَّيْلَ فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَارَ فِي اللَّيْل } عَلَى مَوْضِع حُجَّته مِنْ جَهْل عَظَمَته , وَأَشْرَكَ فِي عِبَادَته مَعَهُ غَيْره , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونه الْبَاطِل }
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُك يَا مُحَمَّد أَنَّ اللَّه فَعَلَهُ مِنْ إِيلَاجه اللَّيْلَ فِي النَّهَار , وَالنَّهَار فِي اللَّيْل , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ عَظِيم قُدْرَته , إِنَّمَا فَعَلَهُ بِأَنَّهُ اللَّه حَقًّا , دُون مَا يَدْعُوهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ , وَأَنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى فِعْل ذَلِكَ سِوَاهُ , وَلَا تَصْلُح الْأُلُوهَة إِلَّا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ .
وَقَوْله . { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونه الْبَاطِل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَبِأَنَّ الَّذِي يَعْبُد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه الْبَاطِل الَّذِي يَضْمَحِلّ , فَيَبِيد وَيَفْنَى
{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَبِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيّ , يَقُول : ذُو الْعُلُوّ عَلَى كُلّ شَيْء , وَكُلّ مَا دُونَهُ فَلَهُ مُتَذَلِّل مُنْقَاد , الْكَبِير الَّذِي كُلّ شَيْء دُونَهُ , فَلَهُ مُتَصَاغِر .
وَقَوْله . { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونه الْبَاطِل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَبِأَنَّ الَّذِي يَعْبُد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه الْبَاطِل الَّذِي يَضْمَحِلّ , فَيَبِيد وَيَفْنَى
{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَبِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيّ , يَقُول : ذُو الْعُلُوّ عَلَى كُلّ شَيْء , وَكُلّ مَا دُونَهُ فَلَهُ مُتَذَلِّل مُنْقَاد , الْكَبِير الَّذِي كُلّ شَيْء دُونَهُ , فَلَهُ مُتَصَاغِر .