الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي تَأْوِيل قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { الم } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 184 -حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { الم } قَالَ : اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن 185 - حَدَّثني الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم الْآمُلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة مُوسَى بْن مَسْعُود قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : { الم } اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن 186 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : { الم } اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ فَوَاتِح يَفْتَح اللَّه بِهَا الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 187 - حَدَّثني هَارُون بْن إِدْرِيس الْأَصَمّ الْكُوفِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { الم } فَوَاتِح يَفْتَح اللَّه بِهَا الْقُرْآن . حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { الم } فَوَاتِح . حَدَّثني الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { الم } و { حم } و { المص } و { ص } فَوَاتِح اِفْتَتَحَ اللَّه بِهَا . حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْل حَدِيث هَارُون بْن إِدْرِيس . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم لِلسُّورَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 188 - حَدَّثني يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم , عَنْ قَوْل اللَّه : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } و { الم تَنْزِيل } و { المر تِلْكَ } فَقَالَ : قَالَ أَبِي : إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاء السُّوَر. وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 189 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت السُّدِّيّ عَنْ { حم } و { طسم } و { الم } فَقَالَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثني أَبُو النُّعْمَان , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه فَذَكَرَ نَحْوه. 190 - حَدَّثني الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : فَوَاتِح السُّوَر مِنْ أَسْمَاء اللَّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 191 - حَدَّثني يَحْيَى بْن عُثْمَان بْن صَالِح السَّهْمِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء اللَّه . 192 حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد الْحَذَّاء عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : { الم } قَسَم . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حُرُوف مُقَطَّعَة مِنْ أَسْمَاء وَأَفْعَال , كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ لِمَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْحَرْف الْآخَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 193 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي شَرِيك , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { الم } قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم . 194 - وَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُبَيْد قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَقْظَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ قَوْله : { الم } قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم . 195 -حَدَّثني مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الم } قَالَ : أَمَّا : { الم } فَهُوَ حَرْف اُشْتُقَّ مِنْ حُرُوف هِجَاء أَسْمَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ . 196 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَعْمَر , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن زِيَاد الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الم } و { حم } و { ن } قَالَ : اِسْم مُقَطَّع . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف هِجَاء مَوْضُوع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 197 - حَدَّثَنَا عَنْ مَنْصُور بْن أَبِي نُوَيْرَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْمُؤَدِّب , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : فَوَاتِح السُّوَر كُلّهَا { ق } و { ص } و { حم } و { طسم } و { الر } وَغَيْر ذَلِكَ هِجَاء مَوْضُوع . وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف يَشْتَمِل كُلّ حَرْف مِنْهَا عَلَى مَعَانٍ شَتَّى مُخْتَلِفَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 198 - حَدَّثني الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم الطَّبَرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَجَّاج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ قَالَ : حَدَّثني أَبِي , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { الم } قَالَ : هَذِهِ الْأَحْرُف مِنْ التِّسْعَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا , دَارَتْ فِيهَا الْأَلْسُن كُلّهَا , لَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ مِفْتَاح اِسْم مِنْ أَسْمَائِهِ , وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ فِي آلَائِهِ وَبَلَائِهِ , وَلَيْسَ مِنْهَا حَرْف إِلَّا وَهُوَ مُدَّة قَوْم وَآجَالهمْ . وَقَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم : " وَعَجِيب يَنْطِقُونَ فِي أَسْمَائِهِ , وَيَعِيشُونَ فِي رِزْقه , فَكَيْفَ يَكْفُرُونَ " ؟ قَالَ : الْأَلِف : مِفْتَاح اِسْمه " اللَّه " , وَاللَّام : مِفْتَاح اِسْمه " لَطِيف " , وَالْمِيم : مِفْتَاح اِسْمه " مَجِيد " ; وَالْأَلِف : آلَاء اللَّه , وَاللَّام : لُطْفه , وَالْمِيم : مَجْده ; الْأَلِف : سَنَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ سَنَة , وَالْمِيم : أَرْبَعُونَ سَنَة. حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا حَكَّام عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ. وَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف مِنْ حِسَاب الْجُمَّل , كَرِهْنَا ذِكْر الَّذِي حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ , إِذْ كَانَ الَّذِي رَوَاهُ مِمَّنْ لَا يُعْتَمَد عَلَى رِوَايَته وَنَقْله , وَقَدْ مَضَتْ الرِّوَايَة بِنَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَقَالَ بَعْضهمْ : لِكُلِّ كِتَاب سِرّ , وَسِرّ الْقُرْآن فَوَاتِحه. وَأَمَّا أَهْل الْعَرَبِيَّة فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ حُرُوف مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا فِي أَوَائِل السُّوَر عَنْ ذِكْر بِوَاقِيهَا الَّتِي هِيَ تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا , كَمَا اِسْتَغْنَى الْمُخْبِر عَمَّنْ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ فِي حُرُوف الْمُعْجَم الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ بِذِكْرِ " أ ب ت ث " عَنْ ذِكْر بِوَاقِي حُرُوفهَا الَّتِي هِيَ تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ , قَالَ : وَلِذَلِكَ رُفِعَ { ذَلِكَ الْكِتَاب } لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : الْأَلِف وَاللَّام وَالْمِيم مِنْ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة { ذَلِكَ الْكِتَاب } الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك مَجْمُوعًا { لَا رَيْب فِيهِ } . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ " أ ب ت ث " قَدْ صَارَتْ كَالِاسْمِ فِي حُرُوف الْهِجَاء كَمَا صَارَتْ الْحَمْد اِسْمًا لِفَاتِحَةِ الْكِتَاب . قِيلَ لَهُ : لَمَّا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَقُول الْقَائِل : اِبْنِي فِي " ط ظ " , وَكَانَ مَعْلُومًا بِقِيلِهِ ذَلِكَ لَوْ قَالَهُ أَنَّهُ يُرِيد الْخَبَر عَنْ اِبْنه أَنَّهُ فِي الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة , عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ " أ ب ت ث " لَيْسَ لَهَا بِاسْمٍ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ آثَر فِي الذِّكْر مِنْ سَائِرهَا. قَالَ : وَإِنَّمَا خُولِفَ بَيْن ذِكْر حُرُوف الْمُعْجَم فِي فَوَاتِح السُّوَر , فَذُكِرَتْ فِي أَوَائِلهَا مُخْتَلِفَة , وَذِكْرهَا إِذَا ذُكِرَتْ بِأَوَائِلِهَا الَّتِي هِيَ " أ ب ت ث " مُؤْتَلِفَة لِيُفْصَل بَيْن الْخَبَر عَنْهَا , إِذَا أُرِيدَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا مُخْتَلِفًا الدَّلَالَة عَلَى الْكَلَام الْمُتَّصِل , وَإِذَا أُرِيدَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا مُؤْتَلِفًا الدَّلَالَة عَلَى الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة بِأَعْيَانِهَا . وَاسْتَشْهَدُوا - الْإِجَازَة قَوْل الْقَائِل : اِبْنِي فِي " ط ظ " , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ الْخَبَر عَنْهُ أَنَّهُ فِي حُرُوف الْمُعْجَم , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِيله فِي الْبَيَان يَقُوم مَقَام قَوْله : " اِبْنِي فِي أ ب ت ث " بِرَجَزِ بَعْض الرُّجَّاز مِنْ بَنِي أَسَد : لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي حُطِّي وَفَنَكَتْ فِي كَذِب وَلَطِّ أَخَذْت مِنْهَا بِقُرُونٍ شُمْطِ فَلَمْ يَزَلْ ضَرْبِي بِهَا وَمَعْطِي حَتَّى عَلَا الرَّأْس دَم يُغَطِّي فَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْخَبَر عَنْ الْمَرْأَة أَنَّهَا فِي " أبي جاد " , فَأَقَامَ قَوْله : " لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي حُطِّي " مَقَام خَبَره عَنْهَا أَنَّهَا فِي " أبي جاد " , إِذْ كَانَ ذَاكَ مِنْ قَوْله يَدُلّ سَامِعه عَلَى مَا يَدُلّهُ عَلَيْهِ قَوْله : لَمَّا رَأَيْت أَمْرهَا فِي أبي جاد . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اُبْتُدِئَتْ بِذَلِكَ أَوَائِل السُّوَر لِيَفْتَح لِاسْتِمَاعِهِ أَسْمَاع الْمُشْرِكِينَ , إِذْ تَوَاصَوْا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقُرْآن , حَتَّى إِذَا اِسْتَمَعُوا لَهُ تُلِيَ عَلَيْهِمْ الْمُؤَلَّف مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضهمْ : الْحُرُوف الَّتِي هِيَ فَوَاتِح السُّوَر حُرُوف يَسْتَفْتِح اللَّه بِهَا كَلَامه . فَإِنْ قِيلَ : هَلْ يَكُون مِنْ الْقُرْآن مَا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى ؟ فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ اِفْتَتَحَ بِهَا لِيُعْلَم أَنَّ السُّورَة الَّتِي قَبْلهَا قَدْ اِنْقَضَتْ , وَأَنَّهُ قَدْ أُخِذَ فِي أُخْرَى , فَجُعِلَ هَذَا عَلَامَة اِنْقِطَاع مَا بَيْنهمَا , وَذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب يُنْشِد الرَّجُل مِنْهُمْ الشِّعْر فَيَقُول : بَلْ وَبَلْدَة مَا الْإِنْس مِنْ آهَالهَا وَيَقُول : لَا بَلْ مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا و " بَلْ " لَيْسَتْ مِنْ الْبَيْت وَلَا تُعَدّ فِي وَزْنه , وَلَكِنْ يَقْطَع بِهَا كَلَامًا وَيَسْتَأْنِف الْآخَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلِّ قَوْل مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي قَالَهَا الَّذِينَ وَصَفْنَا قَوْلهمْ فِي ذَلِكَ وَجْه مَعْرُوف . فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : { الم } اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن , فَلِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنَّ : { الم } اِسْم لِلْقُرْآنِ كَمَا الْفُرْقَان اِسْم لَهُ . وَإِذَا كَانَ مَعْنَى قَائِل ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ تَأْوِيل قَوْله : { الم } ذَلِكَ الْكِتَاب عَلَى مَعْنَى الْقَسَم ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْقُرْآن هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ . وَالْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء السُّورَة الَّتِي تُعْرَف بِهِ كَمَا تُعْرَف سَائِر الْأَشْيَاء بِأَسْمَائِهَا الَّتِي هِيَ لَهَا أَمَارَات تُعْرَف بِهَا , فَيَفْهَم السَّامِع مَنْ الْقَائِل يَقُول : قَرَأْت الْيَوْم { المص } و { ن } أَيْ السُّورَة الَّتِي قَرَأَهَا مِنْ سُوَر الْقُرْآن , كَمَا يُفْهَم عَنْهُ إِذَا قَالَ : لَقِيت الْيَوْم عَمْرًا وَزَيْدًا , وَهُمَا بِزَيْدٍ وَعُمَر وَعَارِفَانِ مَنْ الَّذِي لَقِيَ مِنْ النَّاس . وَإِنْ أَشْكَلَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى اِمْرِئٍ فَقَالَ : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ وَنَظَائِر الم المر فِي الْقُرْآن جَمَاعَة مِنْ السُّوَر ؟ وَإِنَّمَا تَكُون الْأَسْمَاء أَمَارَات , إِذَا كَانَتْ مُمَيَّزَة بَيْن الْأَشْخَاص , فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ غَيْر مُمَيَّزَة فَلَيْسَتْ أَمَارَات . قِيلَ : إِنَّ الْأَسْمَاء وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ لِاشْتِرَاكِ كَثِير مِنْ النَّاس فِي الْوَاحِد مِنْهَا غَيْر مُمَيَّزَة إِلَّا بِمَعَانٍ أُخَر مَعَهَا مِنْ ضَمّ نِسْبَة الْمُسَمَّى بِهَا إِلَيْهَا أَوْ نَعْته أَوْ صِفَته بِمَا يُفَرَّق بَيْنه وَبَيْن غَيْره مِنْ أَشْكَالهَا , فَإِنَّهَا وُضِعَتْ اِبْتِدَاء لِلتَّمْيِيزِ لَا شَكّ ثُمَّ اُحْتِيجَ عِنْد الِاشْتِرَاك إِلَى الْمَعَانِي الْمُفَرَّقَة بَيْن الْمُسَمَّى بِهَا. فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي أَسْمَاء السُّوَر , جُعِلَ كُلّ اِسْم - فِي قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة - أَمَارَة لِلْمُسَمَّى بِهِ مِنْ السُّوَر فَلَمَّا شَارَكَ الْمُسَمَّى بِهِ فِيهِ غَيْره مِنْ سُوَر الْقُرْآن اِحْتَاجَ الْمُخْبِر عَنْ سُورَة مِنْهَا أَنْ يَضُمّ إِلَى اِسْمهَا الْمُسَمَّى بِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُفَرَّق بِهِ لِلسَّامِعِ بَيْن الْخَبَر عَنْهَا وَعَنْ غَيْرهَا مِنْ نَعْت وَصِفَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ , فَيَقُول الْمُخْبِر عَنْ نَفْسه إِنَّهُ تَلَا سُورَة الْبَقَرَة إِذَا سَمَّاهَا بِاسْمِهَا الَّذِي هُوَ { الم } قَرَأْت { الم } الْبَقَرَة , وَفِي آل عِمْرَان : قَرَأْت { الم } آل عِمْرَان , و { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } و { الم اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم }. كَمَا لَوْ أَرَادَ الْخَبَر عَنْ رَجُلَيْنِ اِسْم كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَمْرو , غَيْر أَنَّ أَحَدهمَا تَمِيمِيّ وَالْآخَر أَزْدِيّ , لَلَزِمَهُ أَنْ يَقُول لِمَنْ أَرَادَ إِخْبَاره عَنْهُمَا : لَقِيت عَمْرًا التَّمِيمِيّ وَعَمْرًا الْأَزْدِيّ , إِذْ كَانَ لَا فَرْق بَيْنهمَا وَبَيْن غَيْرهمَا مِمَّنْ يُشَارِكهُمَا فِي أَسْمَائِهِمَا إِلَّا بِنِسْبَتِهِمَا كَذَلِكَ , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْل مَنْ تَأَوَّلَ فِي الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة أَنَّهَا أَسْمَاء لِلسُّوَرِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : ذَلِكَ فَوَاتِح يَفْتَتِح اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهَا كَلَامه , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى نَحْو الْمَعْنَى الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ قَالَ : ذَلِكَ أَدِلَّة عَلَى اِنْقِضَاء سُورَة وَابْتِدَاء فِي أُخْرَى وَعَلَامَة لِانْقِطَاعِ مَا بَيْنهمَا , كَمَا جُعِلَتْ " بَلْ " فِي اِبْتِدَاء قَصِيدَة دَلَالَة عَلَى اِبْتِدَاء فِيهَا وَانْقِضَاء أُخْرَى قَبْلهَا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْعَرَب إِذَا أَرَادُوا الِابْتِدَاء فِي إِنْشَاد قَصِيد ة , قَالُوا : بَلْ مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا و " بَلْ " لَيْسَتْ مِنْ الْبَيْت وَلَا دَاخِلَة فِي وَزْنه , وَلَكِنْ لِيَدُلّ بِهِ عَلَى قَطْع كَلَام وَابْتِدَاء آخَر . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : ذَلِكَ حُرُوف مُقَطَّعَة بَعْضهَا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَبَعْضهَا مِنْ صِفَاته , وَلِكُلِّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْحَرْف الْآخَر . فَإِنَّهُمْ نَحَوْا بِتَأْوِيلِهِمْ ذَلِكَ نَحْو قَوْل الشَّاعِر : قُلْنَا لَهَا قِفِي لَنَا قَالَتْ قَاف لَا تَحْسِبِي أَنَّا نَسِينَا الْإِيجَاف يَعْنِي بِقَوْلِهِ : قَالَتْ قَاف : قَالَتْ قَدْ وَقَفْت . فَدَلَّتْ بِإِظْهَارِ الْقَاف مِنْ وَوَقَفْت عَلَى مُرَادهَا مِنْ تَمَام الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ " وَقَفْت " , فَصَرَفُوا قَوْله : { الم } وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ إِلَى نَحْو هَذَا الْمَعْنَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْأَلِف أَلِف " أَنَا " , وَاللَّام لَام " اللَّه " , وَالْمِيم مِيم " أَعْلَم " , وَكُلّ حَرْف مِنْهَا دَالّ عَلَى كَلِمَة تَامَّة . قَالُوا : فَجُمْلَة هَذِهِ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة إِذَا ظَهَرَ مَعَ كُلّ حَرْف مِنْهُنَّ تَمَام حُرُوف الْكَلِمَة " أَنَا " اللَّه أَعْلَم ". قَالُوا : وَكَذَلِكَ سَائِر جَمِيع مَا فِي أَوَائِل سُوَر الْقُرْآن مِنْ ذَلِكَ , فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَبِهَذَا التَّأْوِيل . قَالُوا : وَمُسْتَفِيض ظَاهِر فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُنْقِص الْمُتَكَلِّم مِنْهُمْ مِنْ الْكَلِمَة الْأَحْرُف إِذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ دَلَالَة عَلَى مَا حُذِفَ مِنْهَا , وَيَزِيد فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَة مُلَبِّسَة مَعْنَاهَا عَلَى سَامِعهَا كَحَذْفِهِمْ فِي النَّقْص فِي التَّرْخِيم مِنْ " حَارِث " " الثَّاء " فَيَقُولُونَ : يَا حَارِ , وَمِنْ " مَالِك " " الْكَاف " فَيَقُولُونَ : يَا مَالِ , وَأَمَّا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَكَقَوْلِ رَاجِزهمْ مَا لِلظَّلِيمِ عَالَ كَيْفَ لَا يَا يَنْقَدّ عَنْهُ جِلْده إِذَا يَا كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُول : إِذَا يَفْعَل كَذَا وَكَذَا , فَاكْتَفَى بِالْيَاءِ مِنْ وَيَفْعَل , وَكَمَا قَالَ آخَر مِنْهُمْ : بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا يُرِيد فَشَرًّا . وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا يُرِيد إِلَّا أَنْ تَشَاء . فَاكْتَفَى بِالتَّاءِ وَالْفَاء فِي الْكَلِمَتَيْنِ جَمِيعًا مِنْ سَائِر حُرُوفهمَا , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد الَّتِي يَطُول الْكِتَاب بِاسْتِيعَابِهِ . وَكَمَا : 199 - حَدَّثني يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب وَابْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : لَمَّا مَاتَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة , قَالَ لِي عَبْدَة : إِنِّي لَا أُرَاهَا إِلَّا كَائِنَة فِتْنَة فَافْزَعْ مِنْ ضَيْعَتك وَالْحَقْ بِأَهْلِك ! قُلْت : فَمَا تَأْمُرنِي ؟ قَالَ : أَحَبّ إِلَيَّ لَك أَنْ تَا - قَالَ أَيُّوب وَابْن عَوْن بِيَدِهِ تَحْت خَدّه الْأَيْمَن يَصِف الِاضْطِجَاع - حَتَّى تَرَى أَمْرًا تَعْرِفهُ قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي ب " تَا " تَضْطَجِع , فَاجْتَزَأَ بِالتَّاءِ مِنْ تَضْطَجِع. وَكَمَا قَالَ الْآخَر فِي الزِّيَادَة فِي الْكَلَام عَلَى النَّحْو الَّذِي وَصَفْت : أَقُول إِذْ خَرَّتْ عَلَى الْكَلْكَال يَا نَاقَتِي مَا جُلْت مِنْ مَجَال يُرِيد الْكَلْكَل . وَكَمَا قَالَ الْآخَر : إِنَّ شَكْلِي وَإِنَّ شَكْلك شَتَّى فَالْزَمِي الْخُصّ , وَاخْفِضِي تَبْيَضِضِّي فَزَادَ ضَادًا وَلَيْسَتْ فِي الْكَلِمَة. قَالُوا : فَكَذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ تَمَام حُرُوف كُلّ كَلِمَة مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَات الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَتِمَّة حُرُوف { الم } وَنَظَائِرهَا , نَظِير مَا نَقَصَ مِنْ الْكَلَام الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ الْعَرَب فِي أَشْعَارهَا وَكَلَامهَا . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : كُلّ حَرْف مِنْ { الم } وَنَظَائِرهَا دَالّ عَلَى مَعَانٍ شَتَّى نَحْو الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى مِثْل الَّذِي وَجَّهَهُ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ هُوَ بِتَأْوِيلِ : " أَنَا اللَّه أَعْلَم " فِي أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهُ بَعْض حُرُوف كَلِمَة تَامَّة اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَتِهِ عَلَى تَمَامه عَنْ ذِكْر تَمَامه , وَإِنْ كَانُوا لَهُ مُخَالِفِينَ فِي كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ , أَهُوَ مِنْ الْكَلِمَة الَّتِي اِدَّعَى أَنَّهُ مِنْهَا قَائِلُو الْقَوْل الْأَوَّل أَمْ مِنْ غَيْرهَا ؟ فَقَالُوا : بَلْ الْأَلِف مِنْ { الم } مِنْ كَلِمَات شَتَّى هِيَ دَالَّة عَلَى مَعَانِي جَمِيع ذَلِكَ وَعَلَى تَمَامه . قَالُوا : وَإِنَّمَا أَفْرَدَ كُلّ حَرْف مِنْ ذَلِكَ وَقَصَّرَ بِهِ عَنْ تَمَام حُرُوف الْكَلِمَة أَنَّ جَمِيع حُرُوف الْكَلِمَة لَوْ أُظْهِرَتْ لَمْ تَدُلّ الْكَلِمَة الَّتِي تَظْهَر بَعْض هَذِهِ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة بَعْض لَهَا , إِلَّا عَلَى مَعْنًى وَاحِد لَا عَلَى مَعْنَيَيْنِ وَأَكْثَر مِنْهُمَا . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ لَا دَلَالَة فِي ذَلِكَ لَوْ أُظْهِرَ جَمِيعهَا إِلَّا عَلَى مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ مَعْنًى وَاحِد , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَرَادَ الدَّلَالَة بِكُلِّ حَرْف مِنْهَا عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة لِشَيْءٍ وَاحِد , لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُفْرَد . الْحَرْف الدَّالّ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي , لِيَعْلَم الْمُخَاطَبُونَ بِهِ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقْصِد قَصْد مَعْنًى وَاحِد وَدَلَالَة عَلَى شَيْء وَاحِد بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ الدَّلَالَة [ بِهِ ] عَلَى أَشْيَاء كَثِيرَة . قَالُوا : فَالْأَلِف مِنْ { الم } مُقْتَضِيَة مَعَانِي كَثِيرَة , مِنْهَا : إِتْمَام اِسْم الرَّبّ الَّذِي هُوَ اللَّه , وَتَمَام اِسْم نَعْمَاء اللَّه الَّتِي هِيَ آلَاء اللَّه , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ سَنَة , إِذَا كَانَتْ الْأَلِف فِي حِسَاب الْجُمَّل وَاحِدًا . وَاللَّام مُقْتَضِيَة تَمَام اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ لَطِيف , وَتَمَام اِسْم فَضْله الَّذِي هُوَ لُطْف , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ ثَلَاثُونَ سَنَة . وَالْمِيم مُقْتَضِيَة تَمَام اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ مَجِيد , وَتَمَام اِسْم عَظَمَته الَّتِي هِيَ مَجْد , وَالدَّلَالَة عَلَى أَجَل قَوْم أَنَّهُ أَرْبَعُونَ سَنَة . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام فِي تَأْوِيل قَائِل الْقَوْل الْأَوَّل : أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ اِفْتَتَحَ كَلَامه بِوَصْفِ نَفْسه بِأَنَّهُ الْعَالِم الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَجَعَلَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ مَنْهَجًا يَسْلُكُونَهُ فِي مُفْتَتَح خُطَبهمْ وَرَسَائِلهمْ وَمُهِمّ أُمُورهمْ , وَابْتِلَاء مِنْهُ لَهُمْ لِيَسْتَوْجِبُوا بِهِ عَظِيم الثَّوَاب فِي دَار الْجَزَاء , كَمَا اِفْتَتَحَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , و { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض } 6 1 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ السُّوَر الَّتِي جَعَلَ مَفَاتِحهَا الْحَمْد لِنَفْسِهِ . وَكَمَا جَعَلَ مَفَاتِح بَعْضهَا تَعْظِيم نَفْسه وَإِجْلَالهَا بِالتَّسْبِيحِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } 17 1 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ سَائِر سُوَر الْقُرْآن الَّتِي جَعَلَ مَفَاتِح بَعْضهَا تَحْمِيد نَفْسه , وَمَفَاتِح بَعْضهَا تَمْجِيدهَا , وَمَفَاتِح بَعْضهَا تَعْظِيمهَا وَتَنْزِيههَا . فَكَذَلِكَ جَعَلَ مَفَاتِح السُّوَر الْأُخْرَى الَّتِي أَوَائِلهَا بَعْض حُرُوف الْمُعْجَم مَدَائِح نَفْسه أَحْيَانًا بِالْعِلْمِ , وَأَحْيَانًا بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَاف , وَأَحْيَانًا بِالْإِفْضَالِ وَالْإِحْسَان بِإِيجَازٍ وَاخْتِصَار , ثُمَّ اِقْتِصَاص الْأُمُور بَعْد ذَلِكَ . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَجِب أَنْ يَكُون الْأَلِف وَاللَّام وَالْمِيم فِي أَمَاكِن الرَّفْع مَرْفُوعًا بَعْضهَا بِبَعْضٍ دُون قَوْله : { ذَلِكَ الْكِتَاب } وَيَكُون ذَلِكَ الْكِتَاب خَبَر مُبْتَدَأ مُنْقَطِعًا عَنْ مَعْنَى { الم } , وَكَذَلِكَ " ذَلِكَ " فِي تَأْوِيل قَوْل قَائِل هَذَا الْقَوْل الثَّانِي مَرْفُوع بَعْضه بِبَعْضٍ , وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْل قَائِل الْقَوْل الْأَوَّل . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : هُنَّ حُرُوف مِنْ حُرُوف حِسَاب الْجُمَّل دُون مَا خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَا نَعْرِف لِلْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة مَعْنًى يُفْهَم سِوَى حِسَاب الْجُمَّل وَسِوَى تَهَجِّي قَوْل الْقَائِل : { الم } . وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ يُخَاطِب اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده إِلَّا بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ عَنْهُ . فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ - وَكَانَ قَوْله : { الم } لَا يُعْقَل لَهَا وَجْه تُوَجَّه إِلَيْهِ إِلَّا أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا , فَبَطَلَ أَحَد وَجْهَيْهِ , وَهُوَ أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهَا تَهَجِّي . { الم } - صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ حِسَاب الْجُمَّل ; لِأَنَّ قَوْل الْقَائِل : { الم } لَا يَجُوز أَنْ يَلِيَهُ مِنْ الْكَلَام ذَلِكَ الْكِتَاب لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَى الْكَلَام وَخُرُوجه عَنْ الْمَعْقُول إِذَا وَلِيَ { الم } ذَلِكَ الْكِتَاب . وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا : 200 -حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل . قَالَ : حَدَّثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : حَدَّثني الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن رِئَاب , قَالَ : مَرَّ أَبُو يَاسِر بْن أَخْطَب بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَة سُورَة الْبَقَرَة : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ } فَأَتَى أَخَاهُ حُيَيّ بْن أَخْطَب فِي رِجَال مِنْ يَهُود فَقَالَ : تَعْلَمُونَ وَاَللَّه لَقَدْ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } فَقَالُوا : أَنْتَ سَمِعْته ؟ قَالَ : نَعَمْ فَمَشَى حُيَيّ بْن أَخْطَب فِي أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ يَهُود إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَلَمْ يُذْكَر لَنَا أَنَّك تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْك : { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : " بَلَى " فَقَالُوا : أَجَاءَك بِهَذَا جِبْرِيل مِنْ عِنْد اللَّه ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ! قَالُوا : لَقَدْ بَعَثَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْلك أَنْبِيَاء مَا نَعْلَمهُ بَيْن لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ مَا مُدَّة مُلْكه وَمَا أَجَل أُمَّته غَيْرك ! فَقَالَ حُيَيّ بْن أَخْطَب : وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ , فَقَالَ لَهُمْ : الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة , قَالَ : فَقَالَ لَهُمْ : أَتَدْخُلُونَ فِي دِين نَبِيّ إِنَّمَا مُدَّة مُلْكه وَأَجَل أُمَّته إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة ؟ قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد هَلْ مَعَ هَذَا غَيْره ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ! قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : " المص " قَالَ : هَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل : الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , وَالصَّاد تِسْعُونَ. فَهَذِهِ مِائَة وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَة ; هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّد غَيْره ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ! قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : " الر " قَالَ : هَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِدَة , وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالرَّاء مِائَتَانِ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سَنَة ; فَقَالَ : هَلْ مَعَ هَذَا غَيْره يَا مُحَمَّد ؟ قَالَ : " نَعَمْ المر " , قَالَ : فَهَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل : الْأَلِف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ , وَالْمِيم أَرْبَعُونَ , وَالرَّاء مِائَتَانِ , فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَا سَنَة . ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ لُبِّسَ عَلَيْنَا أَمْرك يَا مُحَمَّد , حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا ! ثُمَّ قَامُوا عَنْهُ , فَقَالَ أَبُو يَاسِر لِأَخِيهِ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَار : مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلّه لِمُحَمَّدٍ : إِحْدَى وَسَبْعُونَ , وَإِحْدَى وَسِتُّونَ وَمِائَة , وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ , وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ , فَذَلِكَ سَبْعمِائَةِ سَنَة وَأَرْبَع وَثَلَاثُونَ , فَقَالُوا : لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْره . وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَات نَزَلَتْ فِيهِمْ : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات } . 3 7 فَقَالُوا : قَدْ صَرَّحَ هَذَا الْخَبَر بِصِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل وَفَسَاد مَا قَالَهُ مُخَالِفُونَا فِيهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي تَأْوِيل مَفَاتِح السُّوَر الَّتِي هِيَ حُرُوف الْمُعْجَم : أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَهَا حُرُوفًا مُقَطَّعَة وَلَمْ يَصِل بَعْضهَا بِبَعْضٍ فَيَجْعَلهَا كَسَائِرِ الْكَلَام الْمُتَّصِل الْحُرُوف ; لِأَنَّهُ عَزَّ ذِكْره أَرَادَ بِلَفْظِهِ الدَّلَالَة بِكُلِّ حَرْف مِنْهُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة لَا عَلَى مَعْنًى وَاحِد , كَمَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس , وَإِنْ كَانَ الرَّبِيع قَدْ اِقْتَصَرَ بِهِ عَلَى مَعَانٍ ثَلَاثَة دُون مَا زَادَ عَلَيْهَا . وَالصَّوَاب فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهُ يَحْوِي مَا قَالَهُ الرَّبِيع وَمَا قَالَهُ سَائِر الْمُفَسِّرِينَ غَيْره فِيهِ , سِوَى مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَوْل عَمَّنْ ذَكَرْت عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ كَانَ يُوَجِّه تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ حُرُوف هِجَاء اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ فِي مَفَاتِح السُّوَر عَنْ ذِكْر تَتِمَّة الثَّمَانِيَة وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم بِتَأْوِيلِ : إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوف , ذَلِكَ الْكِتَاب , مَجْمُوعَة لَا رَيْب فِيهِ , فَإِنَّهُ قَوْل خَطَأ فَاسِد لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَال جَمِيع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْخَالِفِينَ مِنْ أَهْل التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل , فَكَفَى دَلَالَة عَلَى خَطَئِهِ شَهَادَة الْحُجَّة شَهَادَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِالْخَطَإ مَعَ إِبْطَال قَائِل ذَلِكَ قَوْله الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ , إِذْ صَارَ إِلَى الْبَيَان عَنْ رَفْع ذَلِكَ الْكِتَاب بِقَوْلِهِ مَرَّة إِنَّهُ مَرْفُوع كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَمَرَّة أُخْرَى أَنَّهُ مَرْفُوع بِالرَّاجِعِ مِنْ ذِكْره فِي قَوْله : { لَا رَيْب فِيهِ } وَمَرَّة بِقَوْلِهِ : { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } وَذَلِكَ تُرِكَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ إِنَّ { الم } رَافِعَة { ذَلِكَ الْكِتَاب } وَخُرُوج مِنْ الْقَوْل الَّذِي اِدَّعَاهُ فِي تَأْوِيل { الم ذَلِكَ الْكِتَاب } وَأَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : هَذِهِ الْحُرُوف ذَلِكَ الْكِتَاب . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون حَرْف وَاحِد شَامِلًا الدَّلَالَة عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة مُخْتَلِفَة ؟ قِيلَ : كَمَا جَازَ أَنْ تَكُون كَلِمَة وَاحِدَة تَشْتَمِل عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة مُخْتَلِفَة كَقَوْلِهِمْ لِلْجَمَاعَةِ مِنْ النَّاس : أُمَّة , وَلِلْحِينِ مِنْ الزَّمَان : أُمَّة , وَلِلرَّجُلِ الْمُتَعَبِّد الْمُطِيع لِلَّهِ : أُمَّة , وَلِلدِّينِ وَالْمِلَّة : أُمَّة . وَكَقَوْلِهِمْ لِلْجَزَاءِ وَالْقِصَاص : دِين , وَلِلسُّلْطَانِ وَالطَّاعَة : دِين , وَلِلتَّذَلُّلِ : دِين , وَلِلْحِسَابِ : دِين ; فِي أَشْبَاه لِذَلِكَ كَثِيرَة يَطُول الْكِتَاب بِإِحْصَائِهَا مِمَّا يَكُون مِنْ الْكَلَام بِلَفْظٍ وَاحِد , وَهُوَ مُشْتَمِل عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَة . وَكَذَلِكَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : " الم وَالمر " و " المص " وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي هِيَ فَوَاتِح أَوَائِل السُّوَر , كُلّ حَرْف مِنْهَا دَالّ عَلَى مَعَانٍ شَتَّى , شَامِل جَمِيعهَا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَصِفَاته مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُمْ ; وَهُنَّ مَعَ ذَلِكَ فَوَاتِح السُّوَر كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ . وَلَيْسَ كَوْن ذَلِكَ مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصِفَاته بِمَانِعِهَا أَنْ تَكُون لِلسُّوَرِ فَوَاتِح ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ اِفْتَتَحَ كَثِيرًا مِنْ سُوَر الْقُرْآن بِالْحَمْدِ لِنَفْسِهِ وَالثَّنَاء عَلَيْهَا , وَكَثِيرًا مِنْهَا بِتَمْجِيدِهَا وَتَعْظِيمهَا , فَغَيْر مُسْتَحِيل أَنْ يَبْتَدِئ بَعْض ذَلِكَ بِالْقَسَمِ بِهَا . فَاَلَّتِي اُبْتُدِئَ أَوَائِلهَا بِحُرُوفِ الْمُعْجَم أَحَد مَعَانِي أَوَائِلهَا أَنَّهُنَّ فَوَاتِح مَا اِفْتَتَحَ بِهِنَّ مِنْ سُوَر الْقُرْآن , وَهُنَّ مِمَّا أَقْسَمَ بِهِنَّ ; لِأَنَّ أَحَد مَعَانِيهنَّ أَنَّهُنَّ مِنْ حُرُوف أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَصِفَاته عَلَى مَا قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْهَا , وَلَا شَكّ فِي صِحَّة مَعْنَى الْقَسَم بِاَللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاته , وَهُنَّ مِنْ حُرُوف حِسَاب الْجُمَّل , وَهُنَّ لِلسُّوَرِ الَّتِي اُفْتُتِحَتْ بِهِنَّ شِعَار وَأَسْمَاء . فَذَلِكَ يَحْوِي مَعَانِيَ جَمِيع مَا وَصَفْنَا مِمَّا بَيَّنَّا مِنْ وُجُوهه , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ الدَّلَالَة عَلَى مَعْنًى وَاحِد مِمَّا يَحْتَمِلهُ ذَلِكَ دُون سَائِر الْمَعَانِي غَيْره , لَأَبَانَ ذَلِكَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِبَانَة غَيْر مُشْكِلَة , إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ كِتَابه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَيِّن لَهُمْ مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ . وَفِي تَرْكه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِبَانَة ذَلِكَ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ مِنْ وُجُوه تَأْوِيله الْبَعْض دُون الْبَعْض أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهِ جَمِيع وُجُوهه الَّتِي هُوَ لَهَا مُحْتَمِل , إِذْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا فِي الْعَقْل وَجْه مِنْهَا أَنْ يَكُون مِنْ تَأْوِيله وَمَعْنَاهُ كَمَا كَانَ غَيْر مُسْتَحِيل اِجْتِمَاع الْمَعَانِي الْكَثِيرَة لِلْكَلِمَةِ الْوَاحِدَة بِاللَّفْظِ الْوَاحِد فِي كَلَام وَاحِد . وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ سُئِلَ الْفَرْق بَيْن ذَلِكَ وَبَيْن سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تَأْتِي بِلَفْظٍ وَاحِد مَعَ اِشْتِمَالهَا عَلَى الْمَعَانِي الْكَثِيرَة الْمُخْتَلِفَة كَالْأُمَّةِ وَالدِّين وَمَا أَشْبه ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال . فَلَنْ يَقُول فِي أَحَد ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْأُخَر مِثْله . وَكَذَلِكَ يُسْأَل كُلّ مَنْ تَأَوَّلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْه دُون الْأَوْجُه الْأُخَر الَّتِي وَصَفْنَا عَنْ الْبُرْهَان عَلَى دَعْوَاهُ مِنْ الْوَجْه الَّذِي يُحِبّ التَّسْلِيم لَهُ ثُمَّ يُعَارَض بِقَوْلِهِ يُخَالِفهُ فِي ذَلِكَ , وَيُسْأَل الْفَرْق بَيْنه وَبَيْنه : مِنْ أَصْل , أَوْ مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ أَصْل , فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْأُخَر مِثْله . وَأَمَّا الَّذِي زَعَمَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ نَظِير " بَلْ " فِي قَوْل الْمُنْشِد شِعْرًا : بَلْ مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة فِي الْكَلَام مَعْنَاهُ الطَّرْح ; فَإِنَّهُ أَخْطَأَ مِنْ وُجُوه شَتَّى : أَحَدهَا : أَنَّهُ وَصَفَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْعَرَب بِغَيْرِ مَا هُوَ مِنْ لُغَتهَا وَغَيْر مَا هُوَ فِي لُغَة أَحَد مِنْ الْآدَمِيِّينَ , إِذْ كَانَتْ الْعَرَب وَإِنْ كَانَتْ قَدْ كَانَتْ تَفْتَتِح أَوَائِل إِنْشَادهَا مَا أَنْشَدَتْ مِنْ الشِّعْر ب " بَلْ " , فَإِنَّهُ مَعْلُوم مِنْهَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَبْتَدِئ شَيْئًا مِنْ الْكَلَام ب " الم " و " الر " و " المص " بِمَعْنَى اِبْتِدَائِهَا ذَلِكَ ب " بَلْ " . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ اِبْتِدَائِهَا , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ مِنْ الْقُرْآن بِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ لُغَاتهمْ وَيَسْتَعْمِلُونَ بَيْنهمْ مِنْ مَنْطِقهمْ فِي جَمِيع آيِهِ , فَلَا شَكّ أَنَّ سَبِيل مَا وَصَفْنَا مِنْ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي اُفْتُتِحَتْ بِهَا أَوَائِل السُّوَر الَّتِي هُنَّ لَهَا فَوَاتِح سَبِيل سَائِر الْقُرْآن فِي أَنَّهُ لَمْ يُعْدَل بِهَا عَنْ لُغَاتهمْ الَّتِي كَانُوا بِهَا عَارِفِينَ وَلَهَا بَيْنهمْ فِي مَنْطِقهمْ مُسْتَعْمِلِينَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سَبِيل لُغَاتهمْ وَمَنْطِقهمْ كَانَ خَارِجًا عَنْ مَعْنَى الْإِبَانَة الَّتِي وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهَا الْقُرْآن , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين عَلَى قَلْبك لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين }. 26 193 : 195 وَأَنَّى يَكُون مُبِينًا مَا لَا يَعْقِلهُ وَلَا يَفْقَههُ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ فِي قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة , وَلَا يُعْرَف فِي مَنْطِق أَحَد مِنْ الْمَخْلُوقِينَ فِي قَوْله ؟ وَفِي إِخْبَار اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَرَبِيّ مُبِين مَا يُكَذِّب هَذِهِ الْمَقَالَة , وَيُنْبِئ عَنْهُ أَنَّ الْعَرَب كَانُوا بِهِ عَالِمِينَ وَهُوَ لَهَا مُسْتَبِين . فَذَلِكَ أَحَد أَوْجُه خَطَئِهِ . وَالْوَجْه الثَّانِي مِنْ خَطَئِهِ فِي ذَلِكَ : إِضَافَته إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ خَاطَبَ عِبَاده بِمَا لَا فَائِدَة لَهُمْ فِيهِ وَلَا مَعْنًى لَهُ مِنْ الْكَلَام الَّذِي سَوَاء الْخِطَاب بِهِ وَتَرْك الْخِطَاب بِهِ , وَذَلِكَ إِضَافَة الْعَبَث الَّذِي هُوَ مَنْفِيّ فِي قَوْل جَمِيع الْمُوَحِّدِينَ عَنْ اللَّه , إِلَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَالْوَجْه الثَّالِث مِنْ خَطَئِهِ : أَنَّ " بَلْ " فِي كَلَام الْعَرَب مَفْهُوم تَأْوِيلهَا وَمَعْنَاهَا , وَأَنَّهَا تَدْخُلهَا فِي كَلَامهَا رُجُوعًا عَنْ كَلَام لَهَا قَدْ تَقَضَّى كَقَوْلِهِمْ : مَا جَاءَنِي أَخُوك بَلْ أَبُوك ; وَمَا رَأَيْت عَمْرًا بَلْ عَبْد اللَّه , وَمَا أَشْبه ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام , كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : وَلَأَشْرَبَن ثَمَانِيًا وَثَمَانِيًا وَثَلَاث عَشْرَة وَاثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعَا وَمَضَى فِي كَلِمَته حَتَّى بَلَغَ قَوْله : بِالْجُلَّسَانِ وَطَيِّب أَرْدَانُهُ بِالْوَنِّ يَضْرِب لِي يَكُرّ الْأُصْبُعَا ثُمَّ قَالَ : بَلْ عُدَّ هَذَا فِي قَرِيض غَيْره وَاذْكُرْ فَتًى سَمْح الْخَلِيقَة أَرْوَعَا فَكَأَنَّهُ قَالَ : دَعْ هَذَا وَخُذْ فِي قَرِيض غَيْره . ف " بَلْ " إِنَّمَا يَأْتِي فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى هَذَا النَّحْو مِنْ الْكَلَام . فَأَمَّا إِفْسَاحًا لِكَلَامِهَا مُبْتَدَأ بِمَعْنَى التَّطْوِيل وَالْحَذْف مِنْ غَيْر أَنْ يَدُلّ عَلَى مَعْنًى , فَذَلِكَ مِمَّا لَا نَعْلَم أَحَدًا اِدَّعَاهُ مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَة بِلِسَانِ الْعَرَب وَمَنْطِقهَا , سِوَى الَّذِي ذَكَرْت قَوْله , فَيَكُون ذَلِكَ أَصْلًا يُشْبِه بِهِ حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي هِيَ فَوَاتِح سُوَر الْقُرْآن الَّتِي اُفْتُتِحَتْ بِهَا لَوْ كَانَ لَهُ مُشْبِهَة , فَكَيْفَ وَهِيَ مِنْ الشَّبَه بِهِ بَعِيدَة ؟
وَأَمَّا قَوْله : { أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : أَظَنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا يَا مُحَمَّد مِنْ أَصْحَابك مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ , أَنْ نَتْرُكهُمْ بِغَيْرِ اِخْتِبَار , وَلَا اِبْتِلَاء اِمْتِحَان , بِأَنْ قَالُوا : آمَنَّا بِك يَا مُحَمَّد , فَصَدَّقْنَاك فِيمَا جِئْتنَا بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , كَلَّا لَنَخْتَبِرهُمْ , لِيَتَبَيَّن الصَّادِق مِنْهُمْ مِنْ الْكَاذِب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21078 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه { آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } قَالَ : يُبْتَلَوْنَ فِي أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ. * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 21079 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } أَيْ لَا يُبْتَلَوْنَ . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُؤَمَّل , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } قَالَ : لَا يُبْتَلَوْنَ . فَإِنَّ الْأُولَى مَنْصُوبَة بِحَسِبَ , وَالثَّانِيَة مَنْصُوبَة فِي قَوْل بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة , بِتَعَلُّقِ يُتْرَكُوا بِهَا , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قَوْله { أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا } لِأَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ; فَلَمَّا حُذِفَتْ اللَّام الْخَافِضَة مِنْ لِأَنْ , نَصَبَتْ عَلَى مَا ذَكَرْت . وَأَمَّا عَلَى قَوْل غَيْره فَهِيَ فِي مَوْضِع خَفْض بِإِضْمَارِ الْخَافِض , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تَقُول : تَرَكْت فُلَانًا أَنْ يَذْهَب , فَتَدْخُل أَنْ فِي الْكَلَام , وَإِنَّمَا تَقُول : تَرَكْته يَذْهَب , وَإِنَّمَا أُدْخِلَتْ أَنْ هَاهُنَا لِاكْتِفَاءِ الْكَلَام بِقَوْلِهِ { أَنْ يُتْرَكُوا } إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ : أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ , مِنْ أَجْل أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا , فَكَانَ قَوْله : { أَنْ يُتْرَكُوا } مُكْتَفِيَة بِوُقُوعِهَا عَلَى النَّاس , دُون أَخْبَارهمْ . وَإِنْ جُعِلَتْ " أَنْ " فِي قَوْله { أَنْ يَقُولُوا } مَنْصُوبَة بِنِيَّةِ تَكْرِير أَحَسِبَ , كَانَ جَائِزًا , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا : أَحَسِبُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ .
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ فَلَيَعْلَمَن اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَن الْكَاذِبِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ اِخْتَبَرْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم , مِمَّنْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلنَا , فَقَالُوا مِثْل مَا قَالَتْهُ أُمَّتك يَا مُحَمَّد بِأَعْدَائِهِمْ , وَتَمْكِيننَا إِيَّاهُمْ مِنْ أَذَاهُمْ , كَمُوسَى إِذَا أَرْسَلْنَاهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل , فَابْتَلَيْنَاهُمْ بِفِرْعَوْن وَمَلَئِهِمْ , وَكَعِيسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل , فَابْتَلَيْنَا مَنْ اِتَّبَعَهُ بِمَنْ تَوَلَّى عَنْهُ , فَكَذَلِكَ اِبْتَلَيْنَا أَتْبَاعك بِمُخَالِفِيك مِنْ أَعْدَائِك { فَلَيَعْلَمَن اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا } مِنْهُمْ فِي قِيلهمْ آمَنَّا { وَلَيَعْلَمَن الْكَاذِبِينَ } مِنْهُمْ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ , وَاَللَّه عَالِم بِذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْل الِاخْتِبَار , وَفِي حَال الِاخْتِبَار , وَبَعْد الِاخْتِبَار , وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَيَظْهَرَن اللَّه صِدْق الصَّادِق مِنْهُمْ فِي قِيله آمَنَّا بِاَللَّهِ مِنْ كَذِب الْكَاذِب مِنْهُمْ بِابْتِلَائِهِ إِيَّاهُ بِعَدُوِّهِ , لِيَعْلَم صِدْقه مِنْ كَذِبه أَوْلِيَاؤُهُ , عَلَى نَحْو مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَذَّبَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَفَتَنَ بَعْضهمْ , وَصَبَرَ بَعْضهمْ عَلَى أَذَاهُمْ حَتَّى أَتَاهُمْ اللَّه بِفَرَجٍ مِنْ عِنْده . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 21080 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : نَزَلَتْ , يَعْنِي هَذِهِ الْآيَة { الم . أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا } إِلَى قَوْله { وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } فِي عَمَّار بْن يَاسِر , إِذْ كَانَ يُعَذَّب فِي اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل قَوْم كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَام بِمَكَّة , وَتَخَلَّفُوا عَنْ الْهِجْرَة , وَالْفِتْنَة الَّتِي فُتِنَ بِهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم عَلَى مَقَالَة هَؤُلَاءِ , هِيَ الْهِجْرَة الَّتِي اُمْتُحِنُوا بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21081 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ مَطَر , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ , يَعْنِي { الم . أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا } الْآيَتَيْنِ فِي أُنَاس كَانُوا بِمَكَّة أَقَرُّوا بِالْإِسْلَامِ , فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَصْحَاب مُحَمَّد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَة : إِنَّهُ لَا يَقْبَل مِنْكُمْ إِقْرَارًا بِالْإِسْلَامِ حَتَّى تُهَاجِرُوا , فَخَرَجُوا عَامِدِينَ إِلَى الْمَدِينَة , فَاتَّبَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَرَدُّوهُمْ , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة , فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ : إِنَّهُ قَدْ نَزَلَتْ فِيكُمْ آيَة كَذَا وَكَذَا , فَقَالُوا : نَخْرُج , فَإِنْ اِتَّبَعَنَا أَحَدٌ قَاتَلْنَاهُ ; قَالَ : فَخَرَجُوا فَاتَّبَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ ثَمَّ , فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ , وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا , فَأَنْزَلَهُ اللَّه فِيهِمْ : { ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْد مَا فُتِنُوا , ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحِيم } 16 110 21082 -حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { وَلَقَدْ فَتَنَّا } قَالَ : اِبْتَلَيْنَا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُؤَمَّل , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ مُجَاهِد { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } قَالَ : اِبْتَلَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 21083 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } أَيْ اِبْتَلَيْنَا.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات أَنْ يَسْبِقُونَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْره , وَهُمْ الْمَعْنِيُّونَ بِقَوْلِهِ { الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات أَنْ يَسْبِقُونَا } يَقُول : أَنْ يُعْجِزُونَا فَيَفُوتُونَا بِأَنْفُسِهِمْ , فَلَا نَقْدِر عَلَيْهِمْ فَنَنْتَقِم مِنْهُمْ لِشِرْكِهِمْ بِاَللَّهِ ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21084 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات } أَيْ الشِّرْك أَنْ يَسْبِقُونَا . 21085 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { أَنْ يَسْبِقُونَا } أَنْ يُعْجِزُونَا .
وَقَوْله : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سَاءَ حُكْمهمْ الَّذِي يَحْكُمُونَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات يَسْبِقُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ.
وَقَوْله : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سَاءَ حُكْمهمْ الَّذِي يَحْكُمُونَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات يَسْبِقُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّه فَإِنَّ أَجَل اللَّه لَآتٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه يَوْم لِقَائِهِ , وَيَطْمَع فِي ثَوَابه , فَإِنَّ أَجَل اللَّه الَّذِي أَجَّلَه لِبَعْثِ خَلْقه لِلْجَزَاءِ وَالْعِقَاب لَآتٍ قَرِيبًا .
{ وَهُوَ السَّمِيع } يَقُول : وَاَللَّه الَّذِي يَرْجُو هَذَا الرَّاجِي بِلِقَائِهِ ثَوَابه , السَّمِيع لِقَوْلِهِ : آمَنَّا بِاَللَّهِ , { الْعَلِيم } بِصِدْقِ قِيله إِنَّهُ قَدْ آمَنَ مِنْ كَذِبه فِيهِ .
{ وَهُوَ السَّمِيع } يَقُول : وَاَللَّه الَّذِي يَرْجُو هَذَا الرَّاجِي بِلِقَائِهِ ثَوَابه , السَّمِيع لِقَوْلِهِ : آمَنَّا بِاَللَّهِ , { الْعَلِيم } بِصِدْقِ قِيله إِنَّهُ قَدْ آمَنَ مِنْ كَذِبه فِيهِ .
وَقَوْله : { وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِد لِنَفْسِهِ } يَقُول : وَمَنْ يُجَاهِد عَدُوّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّمَا يُجَاهِد لِنَفْسِهِ , لِأَنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ اِبْتِغَاء الثَّوَاب مِنْ اللَّه عَلَى جِهَاده , وَالْهَرَب مِنْ الْعِقَاب , فَلَيْسَ بِاَللَّهِ إِلَى فِعْله ذَلِكَ حَاجَة , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ جَمِيع خَلْقه , لَهُ الْمُلْك وَالْخَلْق وَالْأَمْر .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَأُكَفِّرَن عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ وَلَأَجْزِيَنهمْ أَحْسَن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَصَحَّ إِيمَانهمْ عِنْد اِبْتِلَاء اللَّه إِيَّاهُمْ وَفِتْنَته لَهُمْ , وَلَمْ يَرْتَدُّوا عَنْ أَدْيَانهمْ بِأَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ { وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَأُكَفِّرَن عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُمْ فِي شِرْكهمْ { وَلَأَجْزِيَنهمْ أَحْسَن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول : وَلَأُثِيبَنهُمْ عَلَى صَالِحَات أَعْمَالهمْ فِي إِسْلَامهمْ , أَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي حَال شِرْكهمْ مَعَ تَكْفِيرنَا سَيِّئَات أَعْمَالهمْ .
وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْلِه تَعَالَى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ } فِيمَا أَنْزَلْنَا إِلَى رَسُولنَا { بِوَالِدَيْهِ } أَنْ يَفْعَل بِهِمَا { حُسْنًا } . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه نَصْب الْحُسْن , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : نُصِبَ ذَلِكَ عَلَى نِيَّة تَكْرِير وَصَّيْنَا . وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ , وَوَصَّيْنَاهُ حُسْنًا . وَقَالَ : قَدْ يَقُول الرَّجُل وَصِيَّته خَيْرًا : أَيْ بِخَيْرٍ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَعْنَى ذَلِكَ : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان أَنْ يَفْعَل حُسْنًا , وَلَكِنَّ الْعَرَب تُسْقِط مِنْ الْكَلَام بَعْضه إِذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ الدَّلَالَة عَلَى مَا سَقَطَ , وَتُعْمِل مَا بَقِيَ فِيمَا كَانَ يَعْمَل فِيهِ الْمَحْذُوف , فَنُصِبَ قَوْله { حُسْنًا } وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى مَا وَصَفْت وَصَّيْنَا , لِأَنَّهُ قَدْ نَابَ عَنْ السَّاقِط , وَأُنْشِدَ فِي ذَلِكَ : عَجِبْت مِنْ دَهْمَاء إِذْ تَشْكُونَا وَمِنْ أَبِي دَهْمَاء إِذْ يُوصِينَا خَيْرًا بِهَا كَأَنَّنَا جَافَوْنَا وَقَالَ : مَعْنَى قَوْله : يُوصِينَا خَيْرًا : أَنْ نَفْعَل بِهَا خَيْرًا , فَاكْتَفَى بِيُوصِينَا مِنْهُ , وَقَالَ : ذَلِكَ نَحْو قَوْله { فَطَفِقَ مَسْحًا } 38 33 أَيْ يَمْسَح مَسْحًا .
وَقَوْله : { وَإِنْ جَاهَدَاك لِتُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم فَلَا تُطِعْهُمَا } يَقُول : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان , فَقُلْنَا لَهُ : إِنْ جَاهَدَاك وَالِدَاك لِتُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم أَنَّهُ لَيْسَ لِي شَرِيك , فَلَا تُطِعْهُمَا فَتُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم اِبْتِغَاء مَرْضَاتهمَا , وَلَكِنْ خَالِفْهُمَا فِي ذَلِكَ .
{ إِلَيَّ مَرْجِعكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِلَيَّ مَعَادكُمْ وَمَصِيركُمْ يَوْم الْقِيَامَة { فَأُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول : فَأُخْبِركُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ صَالِح الْأَعْمَال وَسَيِّئَاتهَا , ثُمَّ أُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا الْمُحْسِن بِالْإِحْسَانِ , وَالْمُسِيء بِمَا هُوَ أَهْله. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21086 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } إِلَى قَوْله { فَأُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص لَمَّا هَاجَرَ , قَالَتْ أُمّه : وَاَللَّه لَا يُظِلّنِي بَيْت حَتَّى يَرْجِع , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْسِن إِلَيْهِمَا , وَلَا يُطِيعهُمَا فِي الشِّرْك .
وَقَوْله : { وَإِنْ جَاهَدَاك لِتُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم فَلَا تُطِعْهُمَا } يَقُول : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان , فَقُلْنَا لَهُ : إِنْ جَاهَدَاك وَالِدَاك لِتُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم أَنَّهُ لَيْسَ لِي شَرِيك , فَلَا تُطِعْهُمَا فَتُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم اِبْتِغَاء مَرْضَاتهمَا , وَلَكِنْ خَالِفْهُمَا فِي ذَلِكَ .
{ إِلَيَّ مَرْجِعكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِلَيَّ مَعَادكُمْ وَمَصِيركُمْ يَوْم الْقِيَامَة { فَأُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول : فَأُخْبِركُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ صَالِح الْأَعْمَال وَسَيِّئَاتهَا , ثُمَّ أُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا الْمُحْسِن بِالْإِحْسَانِ , وَالْمُسِيء بِمَا هُوَ أَهْله. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21086 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } إِلَى قَوْله { فَأُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص لَمَّا هَاجَرَ , قَالَتْ أُمّه : وَاَللَّه لَا يُظِلّنِي بَيْت حَتَّى يَرْجِع , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْسِن إِلَيْهِمَا , وَلَا يُطِيعهُمَا فِي الشِّرْك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَأُدْخِلَنهُمْ فِي الصَّالِحِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } بِاَللَّهِ وَرَسُوله { وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } مِنْ الْأَعْمَال , وَذَلِكَ أَنْ يُؤَدُّوا فَرَائِض اللَّه , وَيَجْتَنِبُوا مَحَارِمه { لَأُدْخِلَنهُمْ فِي الصَّالِحِينَ } فِي مَدْخَل الصَّالِحِينَ , وَذَلِكَ الْجَنَّة .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه وَلَئِنْ جَاءَ نَصْر مِنْ رَبّك لَيَقُولُن إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَم بِمَا فِي صُدُور الْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول : أَقْرَرْنَا بِاَللَّهِ فَوَحَّدْنَاهُ , فَإِذَا آذَاهُ الْمُشْرِكُونَ فِي إِقْرَاره بِاَللَّهِ , جَعَلَ فِتْنَة النَّاس إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا , كَعَذَابِ اللَّه فِي الْآخِرَة , فَارْتَدَّ عَنْ إِيمَانه بِاَللَّهِ , رَاجِعًا عَلَى الْكُفْر بِهِ { وَلَئِنْ جَاءَ نَصْر مِنْ رَبّك } يَا مُحَمَّد أَهْل الْإِيمَان بِهِ { لَيَقُولُن } هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدُّونَ عَنْ إِيمَانهمْ , الْجَاعِلُونَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه : { إِنَّا كُنَّا } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ { مَعَكُمْ } نَنْصُركُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ , كَذِبًا وَإِفْكًا . يَقُول اللَّه : { أَوَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَم } أَيّهَا الْقَوْم مِنْ كُلّ أَحَد { بِمَا فِي صُدُور الْعَالَمِينَ } جَمِيع خَلْقه , الْقَائِلِينَ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَغَيْرهمْ , فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه اِرْتَدَّ عَنْ دِين اللَّه فَكَيْفَ يُخَادِع مَنْ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة , وَلَا يَسْتَتِر عَنْهُ سِرٌّ وَلَا عَلَانِيَة. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : حَدَّثني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ , فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه } قَالَ : فِتْنَته أَنْ يَرْتَدّ عَنْ دِين اللَّه إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه . 21088 -حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه } إِلَى قَوْله { وَلَيَعْلَمَن الْمُنَافِقِينَ } قَالَ : أُنَاس يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ , فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاء مِنْ اللَّه أَوْ مُصِيبَة فِي أَنْفُسهمْ اُفْتُتِنُوا , فَجَعَلُوا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّه فِي الْآخِرَة . 21089 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ } الْآيَة , نَزَلَتْ فِي نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّة كَانُوا يُؤْمِنُونَ , فَإِذَا أُوذُوا وَأَصَابَهُمْ بَلَاء مِنْ الْمُشْرِكِينَ , رَجَعُوا إِلَى الْكُفْر مَخَافَة مَنْ يُؤْذِيهِمْ , وَجَعَلُوا أَذَى النَّاس فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّه . 21090 -حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه { فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه } قَالَ : هُوَ الْمُنَافِق إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه رَجَعَ عَنْ الدِّين وَكَفَرَ , وَجَعَلَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ أَهْل الْإِيمَان كَانُوا بِمَكَّة , فَخَرَجُوا مُهَاجِرِينَ , فَأُدْرِكُوا وَأُخِذُوا فَأُعْطُوا الْمُشْرِكِينَ لَمَّا نَالَهُمْ أَذَاهُمْ مَا أَرَادُوا مِنْهُمْ . ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 21091 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن شَرِيك , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ قَوْم مِنْ أَهْل مَكَّة أَسْلَمُوا , وَكَانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِإِسْلَامِهِمْ , فَأَخْرَجَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , يَوْم بَدْر مَعَهُمْ , فَأُصِيبَ بَعْضهمْ وَقُتِلَ بَعْض , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : كَانَ أَصْحَابنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ , وَأُكْرِهُوا , فَاسْتَغْفِرُوا لَهُمْ , فَنَزَلَتْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } 4 97 إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : فَكُتِبَ إِلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْآيَة أَنْ لَا عُذْر لَهُمْ , فَخَرَجُوا , فَلَحِقَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَأَعْطَوْهُمْ الْفِتْنَة , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ , فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَة النَّاس كَعَذَابِ اللَّه } إِلَى آخِر الْآيَة , فَكَتَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ , فَخَرَجُوا وَأَيِسُوا مِنْ كُلّ خَيْر , ثُمَّ نَزَلَتْ فِيهِمْ : { ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْد مَا فُتِنُوا , ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا , إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحِيم } 16 110 فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ : إِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا , فَخَرَجُوا , فَأَدْرَكَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَقَاتَلُوهُمْ , حَتَّى نَجَا مَنْ نَجَا , وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ. 21092 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ , فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه } إِلَى قَوْله { وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } قَالَ : هَذِهِ الْآيَات أُنْزِلَتْ فِي الْقَوْم الَّذِينَ رَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَكَّة , وَهَذِهِ الْآيَات الْعَشْر مَدَنِيَّة إِلَى هَهُنَا وَسَائِرهَا مَكِّيّ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه أَوْلِيَاء اللَّه , وَحِزْبه أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ مِنْكُمْ أَيّهَا الْقَوْم , وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ مِنْكُمْ حَتَّى يُمَيِّزُوا كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ مِنْ الْفَرِيق الْآخَر , بِإِظْهَارِ اللَّه ذَلِكَ مِنْكُمْ بِالْمِحَنِ وَالِابْتِلَاء وَالِاخْتِبَار وَبِمُسَارَعَةِ الْمُسَارِع مِنْكُمْ إِلَى الْهِجْرَة مِنْ دَار الشِّرْك إِلَى دَار الْإِسْلَام , وَتَثَاقُل الْمُتَثَاقِل مِنْكُمْ عَنْهَا.
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ مِنْ قُرَيْش لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ مِنْهُمْ : { اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا } يَقُول : قَالُوا : كُونُوا عَلَى مِثْل مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْذِيب بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات وَجُحُود الثَّوَاب وَالْعِقَاب عَلَى الْأَعْمَال { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } يَقُول : قَالُوا فَإِنَّكُمْ إِنْ اِتَّبَعْتُمْ سَبِيلنَا فِي ذَلِكَ , فَبُعِثْتُمْ مِنْ بَعْد الْمَمَات , وَجُوزِيتُمْ عَلَى الْأَعْمَال , فَإِنَّا نَتَحَمَّل آثَام خَطَايَاكُمْ حِينَئِذٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21093 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } قَالَ : قَوْل كُفَّار قُرَيْش بِمَكَّة لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ , يَقُول : قَالُوا : لَا نُبْعَث نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ , فَاتَّبِعُونَا إِنْ كَانَ عَلَيْكُمْ شَيْء فَهُوَ عَلَيْنَا. 21094 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } هُمْ الْقَادَة مِنْ الْكُفَّار , قَالُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْ الْأَتْبَاع : اُتْرُكُوا دِين مُحَمَّد وَاتَّبِعُوا دِيننَا , وَهَذَا أَعْنِي قَوْله { اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَج الْأَمْر , فَإِنَّ فِيهِ تَأْوِيل الْجَزَاء , وَمَعْنَاهُ مَا قُلْت : إِنْ اِتَّبَعْتُمْ سَبِيلنَا حَمَلْنَا خَطَايَاكُمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فُقْت اُدْعِي وَأَدْعُ فَإِنَّ أَنْدَى لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ يُرِيد : اُدْعِي وَلْأَدْعُ , وَمَعْنَاهُ : إِنْ دَعَوْت دَعَوْت .
وَقَوْله : { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْء إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } وَهَذَا تَكْذِيب مِنْ اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ الْقَاتِلِينَ لِلَّذِينَ آمَنُوا { اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَكَذَبُوا فِي قِيلهمْ ذَلِكَ لَهُمْ , مَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ آثَام خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْء , إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِيمَا قَالُوا لَهُمْ وَوَعَدُوهُمْ , مِنْ حَمْل خَطَايَاهُمْ إِنْ هُمْ اِتَّبَعُوهُمْ.
وَقَوْله : { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْء إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } وَهَذَا تَكْذِيب مِنْ اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ الْقَاتِلِينَ لِلَّذِينَ آمَنُوا { اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَكَذَبُوا فِي قِيلهمْ ذَلِكَ لَهُمْ , مَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ آثَام خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْء , إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِيمَا قَالُوا لَهُمْ وَوَعَدُوهُمْ , مِنْ حَمْل خَطَايَاهُمْ إِنْ هُمْ اِتَّبَعُوهُمْ.
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْم الْقِيَامَة عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَيَحْمِلُنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ الْقَائِلُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ أَوْزَار أَنْفُسهمْ وَآثَامهَا , وَأَوْزَار مَنْ أَضَلُّوا وَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه مَعَ أَوْزَارهمْ , وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْم الْقِيَامَة عَمَّا كَانُوا يَكْذِبُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِوَعْدِهِمْ إِيَّاهُمْ الْأَبَاطِيل , وَقِيلهمْ لَهُمْ : اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ فَيَفْتَرُونَ الْكَذِب بِذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21095 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ } أَيْ أَوْزَارهمْ { وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ } يَقُول أَوْزَار مَنْ أَضَلُّوا . 21096 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ , وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ } . وَقَرَأَ قَوْله : { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارهمْ كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة , وَمِنْ أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } 16 25 قَالَ : فَهَذَا قَوْله { وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ }
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا } وَهَذَا وَعِيد مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش , الْقَائِلِينَ لِلَّذِينَ آمَنُوا : اِتَّبِعُوا سَبِيلنَا , وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ , يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنَنك يَا مُحَمَّد مَا تَلْقَى مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْتَ وَأَصْحَابك مِنْ الْأَذَى , فَإِنِّي وَإِنْ أَمْلَيْت لَهُمْ فَأَطَلْت إِمْلَاءَهُمْ , فَإِنَّ مَصِير أَمْرهمْ إِلَى الْبَوَار , وَمَصِير أَمْرك وَأَمْر أَصْحَابك إِلَى الْعُلُوّ وَالظَّفَر بِهِمْ , وَالنَّجَاة مِمَّا يَحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعِقَاب , كَفِعْلِنَا ذَلِكَ بِنُوحٍ , إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى قَوْمه , فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيد , وَفِرَاق الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ مِنْ دُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى اللَّه مِنْ الْإِقْبَال إِلَيْهِ , وَقَبُول مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ النَّصِيحَة مِنْ عِنْد اللَّه إِلَّا فِرَارًا. وَذُكِرَ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى قَوْمه وَهُوَ اِبْن ثَلَاث مِائَة وَخَمْسِينَ سَنَة , كَمَا : 21097 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثَنَا نُوح بْن قَيْس , قَالَ : ثَنَا عَوْن بْن أَبِي شَدَّاد , قَالَ : إِنَّ اللَّه أَرْسَلَ نُوحًا إِلَى قَوْمه وَهُوَ اِبْن خَمْسِينَ وَثَلَاث مِائَة سَنَة فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا , ثُمَّ عَاشَ , بَعْد ذَلِكَ خَمْسِينَ وَثَلَاث مِائَة سَنَة
{ فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَان } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَهْلَكَهُمْ الْمَاء الْكَثِير , وَكُلّ مَاء كَثِير فَاش طَامٍ , فَهُوَ عِنْد الْعَرَب طُوفَان , سَيْلًا كَانَ أَوْ غَيْره , وَكَذَلِكَ الْمَوْت إِذَا كَانَ فَاشِيًا كَثِيرًا , فَهُوَ أَيْضًا عِنْدهمْ طُوفَان ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : أَفْنَاهُمْ طُوفَان مَوْت جَارِف وَبِنَحْوِ قَوْلنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21098 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَان } قَالَ : هُوَ الْمَاء الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ. 21099 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : الطُّوفَان : الْغَرَق. وَقَوْله : { وَهُمْ ظَالِمُونَ } يَقُول : وَهُمْ ظَالِمُونَ أَنْفُسهمْ بِكُفْرِهِمْ .
{ فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَان } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَهْلَكَهُمْ الْمَاء الْكَثِير , وَكُلّ مَاء كَثِير فَاش طَامٍ , فَهُوَ عِنْد الْعَرَب طُوفَان , سَيْلًا كَانَ أَوْ غَيْره , وَكَذَلِكَ الْمَوْت إِذَا كَانَ فَاشِيًا كَثِيرًا , فَهُوَ أَيْضًا عِنْدهمْ طُوفَان ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : أَفْنَاهُمْ طُوفَان مَوْت جَارِف وَبِنَحْوِ قَوْلنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21098 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَان } قَالَ : هُوَ الْمَاء الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ. 21099 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : الطُّوفَان : الْغَرَق. وَقَوْله : { وَهُمْ ظَالِمُونَ } يَقُول : وَهُمْ ظَالِمُونَ أَنْفُسهمْ بِكُفْرِهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَاب السَّفِينَة وَجَعَلْنَاهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْجَيْنَا نُوحًا وَأَصْحَاب سَفِينَته , وَهُمْ الَّذِينَ حَمَلَهُمْ فِي سَفِينَته مِنْ وَلَده وَأَزْوَاجهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل , وَذَكَرْنَا الرِّوَايَات فِيهِ , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { وَجَعَلْنَاهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ } يَقُول : وَجَعَلْنَا السَّفِينَة الَّتِي أَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابه فِيهَا عِبْرَة وَعِظَة لِلْعَالَمِينَ , وَحُجَّة عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21100 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة , قَوْله { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَاب السَّفِينَة } الْآيَة . قَالَ : أَبْقَاهَا اللَّه آيَة لِلنَّاسِ بِأَعْلَى الْجُودِيّ . وَلَوْ قِيلَ : مَعْنَى : { وَجَعَلْنَاهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ } وَجَعَلْنَا عُقُوبَتنَا إِيَّاهُمْ آيَة لِلْعَالَمِينَ , وَجَعَلَ الْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله { وَجَعَلْنَاهَا } كِنَايَة عَنْ الْعُقُوبَة أَوْ السَّخَط , وَنَحْو ذَلِكَ , إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْله { فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَان وَهُمْ ظَالِمُونَ } كَانَ وَجْهًا مِنْ التَّأْوِيل.
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اُعْبُدُوا اللَّه وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا مُحَمَّد إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ : اُعْبُدُوا اللَّه أَيّهَا الْقَوْم دُون غَيْره مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , فَإِنَّهُ لَا إِلَه لَكُمْ غَيْره , { وَاتَّقُوهُ } يَقُول : وَاتَّقُوا سَخَطه بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه { ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } مَا هُوَ خَيْر لَكُمْ مِمَّا هُوَ شَرّ لَكُمْ .
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل خَلِيله إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : إِنَّمَا تَعْبُدُونَ أَيّهَا الْقَوْم مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا , يَعْنِي مُثُلًا . كَمَا : 21101 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا } أَصْنَامًا .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21102 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } يَقُول : تَصْنَعُونَ كَذِبًا . وَقَالَ آخَرُونَ : وَتَقُولُونَ كَذِبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21103 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } يَقُول : وَتَقُولُونَ إِفْكًا. 21104 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } يَقُول : تَقُولُونَ كَذِبًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَتَنْحِتُونَ إِفْكًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21105 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } قَالَ : تَنْحِتُونَ تُصَوِّرُونَ إِفْكًا . 21106 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } أَيْ تَصْنَعُونَ أَصْنَامًا . 21107 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } الْأَوْثَان الَّتِي يَنْحِتُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَلْق فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا , وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا . وَإِنَّمَا فِي قَوْله { إِفْكًا } مَرْدُود عَلَى إِنَّمَا , كَقَوْلِ الْقَائِل : إِنَّمَا تَفْعَلُونَ كَذَا , وَإِنَّمَا تَفْعَلُونَ كَذَا. وَقَرَأَ جَمِيع قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } بِتَخْفِيفِ الْخَاء مِنْ قَوْله : { وَتَخْلُقُونَ } وَضَمّ اللَّام : مِنْ الْخَلْق . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ أَنَّهُ قَرَأَ : { وَتُخَلِّقُونَ إِفْكًا } بِفَتْحِ الْخَاء وَتَشْدِيد اللَّام مِنْ التَّخْلِيق. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ أَوْثَانكُمْ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا , لَا تَقْدِر أَنْ تَرْزُقكُمْ شَيْئًا
{ فَابْتَغُوا عِنْد اللَّه الرِّزْق } يَقُول : فَالْتَمِسُوا عِنْد اللَّه الرِّزْق لَا مِنْ عِنْد أَوْثَانكُمْ , تُدْرِكُوا مَا تَبْتَغُونَ مِنْ ذَلِكَ { وَعَبَدُوهُ } يَقُول : وَذَلُّوا لَهُ { وَشَكَرُوا لَهُ } عَلَى رِزْقه إِيَّاكُمْ , وَنِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ . يُقَال : شَكَرْته وَشَكَرْت لَهُ , ( وَالثَّانِيَة ) أُفْصِح مَنْ شَكَرْته .
وَقَوْله : { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول : إِلَى اللَّه تُرَدُّونَ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَيَسْأَلكُمْ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتكُمْ غَيْره وَأَنْتُمْ عِبَاده وَخَلْقه , وَفِي نِعَمه تَتَقَلَّبُونَ , وَرِزْقه تَأْكُلُونَ.
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21102 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } يَقُول : تَصْنَعُونَ كَذِبًا . وَقَالَ آخَرُونَ : وَتَقُولُونَ كَذِبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21103 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } يَقُول : وَتَقُولُونَ إِفْكًا. 21104 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } يَقُول : تَقُولُونَ كَذِبًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَتَنْحِتُونَ إِفْكًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21105 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } قَالَ : تَنْحِتُونَ تُصَوِّرُونَ إِفْكًا . 21106 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } أَيْ تَصْنَعُونَ أَصْنَامًا . 21107 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } الْأَوْثَان الَّتِي يَنْحِتُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَلْق فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا , وَتَصْنَعُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا . وَإِنَّمَا فِي قَوْله { إِفْكًا } مَرْدُود عَلَى إِنَّمَا , كَقَوْلِ الْقَائِل : إِنَّمَا تَفْعَلُونَ كَذَا , وَإِنَّمَا تَفْعَلُونَ كَذَا. وَقَرَأَ جَمِيع قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } بِتَخْفِيفِ الْخَاء مِنْ قَوْله : { وَتَخْلُقُونَ } وَضَمّ اللَّام : مِنْ الْخَلْق . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ أَنَّهُ قَرَأَ : { وَتُخَلِّقُونَ إِفْكًا } بِفَتْحِ الْخَاء وَتَشْدِيد اللَّام مِنْ التَّخْلِيق. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ أَوْثَانكُمْ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا , لَا تَقْدِر أَنْ تَرْزُقكُمْ شَيْئًا
{ فَابْتَغُوا عِنْد اللَّه الرِّزْق } يَقُول : فَالْتَمِسُوا عِنْد اللَّه الرِّزْق لَا مِنْ عِنْد أَوْثَانكُمْ , تُدْرِكُوا مَا تَبْتَغُونَ مِنْ ذَلِكَ { وَعَبَدُوهُ } يَقُول : وَذَلُّوا لَهُ { وَشَكَرُوا لَهُ } عَلَى رِزْقه إِيَّاكُمْ , وَنِعَمه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ . يُقَال : شَكَرْته وَشَكَرْت لَهُ , ( وَالثَّانِيَة ) أُفْصِح مَنْ شَكَرْته .
وَقَوْله : { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول : إِلَى اللَّه تُرَدُّونَ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَيَسْأَلكُمْ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتكُمْ غَيْره وَأَنْتُمْ عِبَاده وَخَلْقه , وَفِي نِعَمه تَتَقَلَّبُونَ , وَرِزْقه تَأْكُلُونَ.
وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَم مِنْ قَبْلكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ تُكَذِّبُوا أَيّهَا النَّاس رَسُولنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَة رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ , وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَوْثَان , فَقَدْ كَذَّبَتْ جَمَاعَات مِنْ قَبْلكُمْ رُسُلهَا فِيمَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ الرُّسُل مِنْ الْحَقّ , فَحَلَّ بِهَا مِنْ اللَّه سَخَطه , وَنَزَلَ بِهَا مِنْهُ عَاجِل عُقُوبَته , فَسَبِيلكُمْ سَبِيلهَا فِيمَا هُوَ نَازِل بِكُمْ بِتَكْذِيبِكُمْ إِيَّاهُ .
{ وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبِين } يَقُول : وَمَا عَلَى مُحَمَّد إِلَّا أَنْ يُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه رِسَالَته , وَيُؤَدِّي إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَهُ بِأَدَائِهِ إِلَيْكُمْ رَبّه . وَيَعْنِي بِالْبَلَاغِ الْمُبِين : الَّذِي يُبَيِّن لِمَنْ سَمِعَهُ مَا يُرَاد بِهِ , وَيُفْهَم بِهِ مَا يَعْنِي بِهِ .
{ وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبِين } يَقُول : وَمَا عَلَى مُحَمَّد إِلَّا أَنْ يُبَلِّغكُمْ عَنْ اللَّه رِسَالَته , وَيُؤَدِّي إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَهُ بِأَدَائِهِ إِلَيْكُمْ رَبّه . وَيَعْنِي بِالْبَلَاغِ الْمُبِين : الَّذِي يُبَيِّن لِمَنْ سَمِعَهُ مَا يُرَاد بِهِ , وَيُفْهَم بِهِ مَا يَعْنِي بِهِ .
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئ اللَّه الْخَلْق ثُمَّ يُعِيدهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يَسْتَأْنِف اللَّه خَلْق الْأَشْيَاء طِفْلًا صَغِيرًا , ثُمَّ غُلَامًا يَافِعًا , ثُمَّ رَجُلًا مُجْتَمِعًا , ثُمَّ كَهْلًا . يُقَال مِنْهُ : أَبْدَأَ وَأَعَادَ , وَبَدَأَ وَعَادَ , لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَوْله : { ثُمَّ يُعِيدهُ } يَقُول : ثُمَّ هُوَ يُعِيدهُ مِنْ بَعْد فَنَائِهِ وَبِلَاهُ , كَمَا بَدَأَهُ أَوَّل مَرَّة خَلْقًا جَدِيدًا , لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21108 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئ اللَّه الْخَلْق ثُمَّ يُعِيدهُ } : بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت .
{ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِير } سَهْل كَمَا كَانَ يَسِيرًا عَلَيْهِ إِبْدَاؤُهُ .
{ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِير } سَهْل كَمَا كَانَ يَسِيرًا عَلَيْهِ إِبْدَاؤُهُ .
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
وَقَوْله { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْمُنْكَرِينَ لِلْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , الْجَاحِدِينَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب : سِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ اللَّه الْأَشْيَاء وَكَيْفَ أَنْشَأَهَا وَأَحْدَثَهَا ; وَكَمَا أَوْجَدَهَا وَأَحْدَثهَا اِبْتِدَاء , فَلَمْ يَتَعَذَّر عَلَيْهِ إِحْدَاثهَا مُبْدِئًا , فَكَذَلِكَ لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ إِنْشَاؤُهَا مُعِيدًا { ثُمَّ اللَّه يُنْشِئ النَّشْأَة الْآخِرَة } يَقُول : ثُمَّ اللَّه يُبْدِئ تِلْكَ الْبَدْأَة الْآخِرَة بَعْد الْفَنَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21109 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق } خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض { ثُمَّ اللَّه يُنْشِئ النَّشْأَة الْآخِرَة } : أَيْ الْبَعْث بَعْد الْمَوْت. 21110 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ اللَّه يُنْشِئ النَّشْأَة الْآخِرَة } قَالَ : هِيَ الْحَيَاة بَعْد الْمَوْت , وَهُوَ النُّشُور.
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه عَلَى إِنْشَاء جَمِيع خَلْقه بَعْد إِفْنَائِهِ كَهَيْئَتِهِ قَبْل فَنَائِهِ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَشَاء فِعْله قَادِر لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه عَلَى إِنْشَاء جَمِيع خَلْقه بَعْد إِفْنَائِهِ كَهَيْئَتِهِ قَبْل فَنَائِهِ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَشَاء فِعْله قَادِر لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُعَذِّب مَنْ يَشَاء وَيَرْحَم مَنْ يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ اللَّه يُنْشِئ النَّشْأَة الْآخِرَة خَلْقه مِنْ بَعْد فَنَائِهِمْ , فَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ عَلَى مَا أَسْلَفَ مِنْ جُرْمه فِي أَيَّام حَيَاته , وَيَرْحَم مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ مِمَّنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
{ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } يَقُول : وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَتُرَدُّونَ.
{ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } يَقُول : وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَتُرَدُّونَ.
وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ↓
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء } فَإِنَّ اِبْن زَيْد قَالَ فِي ذَلِكَ مَا : 21111 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء } قَالَ : لَا يُعْجِزهُ أَهْل الْأَرَضِينَ فِي الْأَرَضِينَ وَلَا أَهْل السَّمَاوَات فِي السَّمَاوَات إِنْ عَصَوْهُ , وَقَرَأَ : { مِثْقَال ذَرَّة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض , وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر إِلَّا فِي كِتَاب مُبِين } 10 61 وَقَالَ فِي ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة : وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ مَنْ فِي الْأَرْض وَلَا مَنْ فِي السَّمَاء مُعْجِزِينَ قَالَ : وَهُوَ مِنْ غَامِض الْعَرَبِيَّة لِلضَّمِيرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَر فِي الثَّانِي . قَالَ : وَمِثْله قَوْل حَسَّان بْن ثَابِت : أَمَّنْ يَهْجُو رَسُول اللَّه مِنْكُمْ وَيَمْدَحهُ وَيَنْصُرهُ سَوَاء ؟ أَرَادَ : وَمَنْ يَنْصُرهُ وَيَمْدَحهُ , فَأَضْمَرَ " مَنْ " . قَالَ : وَقَدْ يَقَع فِي وَهْم السَّامِع أَنَّ النَّصْر وَالْمَدْح لِمَنْ هَذِهِ الظَّاهِرَة ; وَمِثْله فِي الْكَلَام : أَكْرَم مَنْ أَتَاك وَأَتَى أَبَاك , وَأَكْرَم مَنْ أَتَاك وَلَمْ يَأْتِ زَيْدًا . تُرِيد : وَمَنْ لَمْ يَأْتِ زَيْدًا , فَيَكْتَفِي بِاخْتِلَافِ الْأَفْعَال مِنْ إِعَادَة مَنْ , كَأَنَّهُ قَالَ : أَمَّنْ يَهْجُو , وَمَنْ يَمْدَحهُ , وَمَنْ يَنْصُرهُ . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِب بِالنَّهَارِ } 13 10 وَهَذَا الْقَوْل أَصَحّ عِنْدِي فِي الْمَعْنَى مِنْ الْقَوْل الْآخَر , وَلَوْ قَالَ قَائِل : مَعْنَاهُ : وَلَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض , وَلَا أَنْتُمْ لَوْ كُنْتُمْ فِي السَّمَاء بِمُعْجِزِينَ كَانَ مَذْهَبًا .
وَقَوْله : { وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِير } يَقُول : وَمَا كَانَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ يَلِي أُمُوركُمْ , وَلَا نَصِير يَنْصُركُمْ مِنْ اللَّه إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا وَلَا يَمْنَعكُمْ مِنْهُ إِنْ أَحَلَّ بِكُمْ عُقُوبَته.
وَقَوْله : { وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِير } يَقُول : وَمَا كَانَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ يَلِي أُمُوركُمْ , وَلَا نَصِير يَنْصُركُمْ مِنْ اللَّه إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا وَلَا يَمْنَعكُمْ مِنْهُ إِنْ أَحَلَّ بِكُمْ عُقُوبَته.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا حُجَج اللَّه , وَأَنْكَرُوا أَدِلَّته , وَجَحَدُوا لِقَاءَهُ وَالْوُرُود عَلَيْهِ , يَوْم تَقُوم السَّاعَة { أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي فِي الْآخِرَة لِمَا عَايَنُوا مَا أُعِدّ لَهُمْ مِنْ الْعَذَاب , وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب مُوجِع . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ اُعْتُرِضَ بِهَذِهِ الْآيَات مِنْ قَوْله { وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَم مِنْ قَبْلكُمْ } إِلَى قَوْله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وَتُرِكَ ضَمِير قَوْله { فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه } وَهُوَ مِنْ قِصَّة إِبْرَاهِيم . وَقَوْله { إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه } إِلَى قَوْله { فَابْتَغُوا عِنْد اللَّه الرِّزْق وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . قِيلَ : فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ الْخَبَر عَنْ أَمْر نُوح وَإِبْرَاهِيم وَقَوْمهمَا , وَسَائِر مَنْ ذَكَرَ اللَّه مِنْ الرُّسُل وَالْأُمَم فِي هَذِهِ السُّورَة وَغَيْرهَا , إِنَّمَا هُوَ تَذْكِير مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِهِ الَّذِينَ يَبْتَدِئ بِذِكْرِهِمْ قَبْل الِاعْتِرَاض بِالْخَبَرِ , وَتَحْذِير مِنْهُ لَهُمْ أَنْ يَحِلّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ , فَكَأَنَّهُ قِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِع : فَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ , فَكَذَّبْتُمْ أَنْتُمْ مَعْشَر قُرَيْش رَسُولكُمْ مُحَمَّدًا , كَمَا كَذَّبَ أُولَئِكَ إِبْرَاهِيم , ثُمَّ جُعِلَ مَكَان : فَكَذَّبْتُمْ : وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَم مِنْ قَبْلكُمْ , إِذْ كَانَ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى الْخَبَر عَنْ تَكْذِيبهمْ رَسُولهمْ , ثُمَّ عَادَ إِلَى الْخَبَر عَنْ إِبْرَاهِيم وَقَوْمه , وَتَتْمِيم قِصَّته وَقِصَّتهمْ بِقَوْلِهِ { فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه }
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوا فَأَنْجَاهُ اللَّه مِنْ النَّار إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمْ يَكُنْ جَوَاب قَوْم إِبْرَاهِيم لَهُ إِذْ قَالَ لَهُمْ : اُعْبُدُوا اللَّه وَاتَّقُوهُ , ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ , إِلَّا أَنْ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ بِالنَّارِ , فَفَعَلُوا , فَأَرَادُوا إِحْرَاقه بِالنَّارِ , فَأَضْرَمُوا لَهُ النَّار , فَأَلْقَوْهُ فِيهَا , فَأَنْجَاهُ اللَّه مِنْهَا , وَلَمْ يُسَلِّطهَا عَلَيْهِ , بَلْ جَعَلَهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا . كَمَا : 21112 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْم إِبْرَاهِيم { إِلَّا أَنْ قَالُوا اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ , فَأَنْجَاهُ اللَّه مِنْ النَّار } قَالَ : قَالَ كَعْب : مَا حَرَقَتْ مِنْهُ إِلَّا وِثَاقه { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي إِنْجَائِنَا لِإِبْرَاهِيم مِنْ النَّار , وَقَدْ أُلْقِيَ فِيهَا وَهِيَ تُسَعَّر , وَتَصْيِيرهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا , لَأَدِلَّة وَحُجَجًا لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِالْأَدِلَّةِ وَالْحُجَج إِذَا عَايَنُوا وَرَأَوْا .
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : { وَقَالَ } إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : يَا قَوْم { إِنَّمَا اِتَّخَذْت مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مَوَدَّة بَيْنكُمْ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالشَّأْم وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : " مَوَدَّة " بِنَصْبِ مَوَدَّة بِغَيْرِ إِضَافَة بَيْنكُمْ بِنَصْبِهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : { مَوَدَّة بَيْنكُمْ } بِنَصْبِ الْمَوَدَّة وَإِضَافَتهَا إِلَى قَوْله { بَيْنكُمْ } وَخَفْض بَيْنكُمْ . وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا قَوْله : { مَوَدَّة } نَصْبًا وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إِلَى : إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ , فَجَعَلُوا إِنَّمَا حَرْفًا وَاحِدًا , وَأَوْقَعُوا قَوْله { اِتَّخَذْتُمْ } عَلَى الْأَوْثَان , فَنَصَبُوهَا بِمَعْنَى : اِتَّخَذْتُمُوهَا مَوَدَّة بَيْنكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , تَتَحَابُّونَ عَلَى عِبَادَتهَا , وَتَتَوَادُّونَ عَلَى خِدْمَتهَا , فَتَتَوَاصَلُونَ عَلَيْهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل مَكَّة وَالْبَصْرَة : " مَوَدَّة بَيْنكُمْ " بِرَفْعِ الْمَوَدَّة وَإِضَافَتهَا إِلَى الْبَيْن , وَخَفْض الْبَيْن. وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ , جَعَلُوا " إِنَّ مَا " حَرْفَيْنِ , بِتَأْوِيلِ : إِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا إِنَّمَا هُوَ مَوَدَّتكُمْ لِلدُّنْيَا , فَرَفَعُوا مَوَدَّة عَلَى خَبَر إِنَّ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُونُوا عَلَى قِرَاءَتهمْ ذَلِكَ رَفْعًا بِقَوْلِهِ " إِنَّمَا " أَنْ تَكُون حَرْفًا وَاحِدًا , وَيَكُون الْخَبَر مُتَنَاهِيًا عِنْد قَوْله { إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا } ثُمَّ يَبْتَدِئ الْخَبَر فَيُقَال : مَا مَوَدَّتكُمْ تِلْكَ الْأَوْثَان بِنَافِعَتِكُمْ , إِنَّمَا مَوَدَّة بَيْنكُمْ فِي حَيَاتكُمْ الدُّنْيَا , ثُمَّ هِيَ مُنْقَطِعَة , وَإِذَا أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى كَانَتْ الْمَوَدَّة مَرْفُوعَة بِالصِّفَةِ بِقَوْلِهِ { فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا بِرَفْعِ الْمَوَدَّة , رَفْعهَا عَلَى ضَمِير هِيَ . وَهَذِهِ الْقِرَاءَات الثَّلَاث مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , لِأَنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْأَوْثَان آلِهَة يَعْبُدُونَهَا , اِتَّخَذُوهَا مَوَدَّة بَيْنهمْ , وَكَانَتْ لَهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا مَوَدَّة , ثُمَّ هِيَ عَنْهُمْ مُنْقَطِعَة , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِتَقَارُبِ مَعَانِي ذَلِكَ , وَشُهْرَة الْقِرَاءَة بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار .
وَقَوْله : { ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ , وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة أَيّهَا الْمُتَوَادُّونَ عَلَى عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَالْمُتَوَاصِلُونَ عَلَى خِدْمَاتهَا عِنْد وُرُودكُمْ عَلَى رَبّكُمْ , وَمُعَايَنَتكُمْ مَا أَعَدَّ اللَّه لَكُمْ عَلَى التَّوَاصُل , وَالتَّوَادّ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَلَم الْعَذَاب { يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ } يَقُول : يَتَبَرَّأ بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض , وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21113 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَقَالَ إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ , وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا } قَالَ : صَارَتْ كُلّ خُلَّة فِي الدُّنْيَا عَدَاوَة عَلَى أَهْلهَا يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا خُلَّة الْمُتَّقِينَ .
وَقَوْله : { وَمَأْوَاكُمْ النَّار } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَصِير جَمِيعكُمْ أَيّهَا الْعَابِدُونَ الْأَوْثَان وَمَا تَعْبُدُونَ النَّار
{ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } يَقُول : وَمَا لَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم الْمُتَّخِذُو الْآلِهَة , مِنْ دُون اللَّه مَوَدَّة بَيْنكُمْ مِنْ أَنْصَار يَنْصُرُونَكُمْ مِنْ اللَّه حِين يُصْلِيكُمْ نَار جَهَنَّم , فَيُنْقِذُونَكُمْ مِنْ عَذَابه .
وَقَوْله : { ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ , وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة أَيّهَا الْمُتَوَادُّونَ عَلَى عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَالْمُتَوَاصِلُونَ عَلَى خِدْمَاتهَا عِنْد وُرُودكُمْ عَلَى رَبّكُمْ , وَمُعَايَنَتكُمْ مَا أَعَدَّ اللَّه لَكُمْ عَلَى التَّوَاصُل , وَالتَّوَادّ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَلَم الْعَذَاب { يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ } يَقُول : يَتَبَرَّأ بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض , وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21113 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَقَالَ إِنَّمَا اِتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا مَوَدَّة بَيْنكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ , وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا } قَالَ : صَارَتْ كُلّ خُلَّة فِي الدُّنْيَا عَدَاوَة عَلَى أَهْلهَا يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا خُلَّة الْمُتَّقِينَ .
وَقَوْله : { وَمَأْوَاكُمْ النَّار } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَصِير جَمِيعكُمْ أَيّهَا الْعَابِدُونَ الْأَوْثَان وَمَا تَعْبُدُونَ النَّار
{ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } يَقُول : وَمَا لَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم الْمُتَّخِذُو الْآلِهَة , مِنْ دُون اللَّه مَوَدَّة بَيْنكُمْ مِنْ أَنْصَار يَنْصُرُونَكُمْ مِنْ اللَّه حِين يُصْلِيكُمْ نَار جَهَنَّم , فَيُنْقِذُونَكُمْ مِنْ عَذَابه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَآمَنَ لَهُ لُوط وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَصَدَّقَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّه لُوطٌ { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي } يَقُول : وَقَالَ إِبْرَاهِيم : إِنِّي مُهَاجِر دَار قَوْمِي إِلَى رَبِّي إِلَى الشَّام. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21114 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَآمَنَ لَهُ لُوط } قَالَ : صَدَّقَ لُوط { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي } قَالَ : هُوَ إِبْرَاهِيم . 21115 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَآمَنَ لَهُ لُوط } أَيْ فَصَدَّقَهُ لُوط { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي } قَالَ : هَاجَرَا جَمِيعًا مِنْ كُوثَى , وَهِيَ مِنْ سَوَاد الْكُوفَة إِلَى الشَّام . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَة بَعْد هِجْرَة , يَنْحَاز أَهْل الْأَرْض إِلَى مُهَاجَر إِبْرَاهِيم , وَيَبْقَى فِي الْأَرْض شِرَار أَهْلهَا , حَتَّى تَلْفِظهُمْ وَتَقْذَرهُمْ وَتَحْشُرهُمْ النَّار مَعَ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير ". 21116 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَآمَنَ لَهُ لُوط } قَالَ : صَدَّقَهُ لُوط , صَدَّقَ إِبْرَاهِيم قَالَ : أَرَأَيْت الْمُؤْمِنِينَ , أَلَيْسَ آمَنُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ بِهِ ؟ قَالَ : فَالْإِيمَان : التَّصْدِيق . وَفِي قَوْله : { إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي } قَالَ : كَانَتْ هِجْرَته إِلَى الشَّام . وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي حَدِيث الذِّئْب الَّذِي كَلَّمَ الرَّجُل , فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَآمَنْت لَهُ أَنَا وَأَبُو بَكْر وَعُمَر , وَلَيْسَ أَبُو بَكْر وَلَا عُمَر مَعَهُ " يَعْنِي آمَنْت لَهُ : صَدَّقْته . 21117 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله { فَآمَنَ لَهُ لُوط وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي } قَالَ : إِلَى حَرَّان , ثُمَّ أُمِرَ بَعْد بِالشَّأْمِ الَّذِي هَاجَرَ إِبْرَاهِيم , وَهُوَ أَوَّل مَنْ هَاجَرَ يَقُول : { فَآمَنَ لَهُ لُوط وَقَالَ إِبْرَاهِيم إِنِّي مُهَاجِر } الْآيَة . 21118 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { فَآمَنَ لَهُ لُوط وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي } إِبْرَاهِيم الْقَائِل : إِنِّي مُهَاجِر إِلَى رَبِّي .
وَقَوْله : { إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } يَقُول : إِنَّ رَبِّي هُوَ الْعَزِيز الَّذِي لَا يَذِلّ مَنْ نَصَرَهُ , وَلَكِنَّهُ يَمْنَعهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ , وَإِلَيْهِ هِجْرَته , الْحَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه , وَتَصْرِيفه إِيَّاهُمْ فِيمَا صَرَفَهُمْ فِيهِ .
وَقَوْله : { إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } يَقُول : إِنَّ رَبِّي هُوَ الْعَزِيز الَّذِي لَا يَذِلّ مَنْ نَصَرَهُ , وَلَكِنَّهُ يَمْنَعهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ , وَإِلَيْهِ هِجْرَته , الْحَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه , وَتَصْرِيفه إِيَّاهُمْ فِيمَا صَرَفَهُمْ فِيهِ .
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَرَزَقْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِسْحَاق وَلَدًا , وَيَعْقُوب مِنْ بَعْده وَلَد وَلَد . كَمَا : 21119 -حَدَّثني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب } قَالَ : هُمَا وَلَدَا إِبْرَاهِيم .
وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّته النُّبُوَّة وَالْكِتَاب } بِمَعْنَى الْجَمْع , يُرَاد بِهِ الْكُتُب , وَلَكِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَج قَوْلهمْ : كَثُرَ الدِّرْهَم وَالدِّينَار عِنْد فُلَان .
وَقَوْله : { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعْطَيْنَاهُ ثَوَاب بَلَائِهِ فِينَا فِي الدُّنْيَا { وَإِنَّهُ } مَعَ ذَلِكَ { فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ } فَلَهُ هُنَاكَ أَيْضًا جَزَاء الصَّالِحِينَ , غَيْر مُنْتَقَص حَظّه بِمَا أُعْطَى فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَجْر عَلَى بَلَائِهِ فِي اللَّه , عَمَّا لَهُ عِنْده فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَجْر الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَنَّهُ آتَاهُ إِبْرَاهِيم فِي الدُّنْيَا هُوَ الثَّنَاء الْحَسَن , وَالْوَلَد الصَّالِح. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21120 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } قَالَ : الثَّنَاء . 21121 - حَدَّثني أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث قَالَ : أَرْسَلَ مُجَاهِد رَجُلًا يُقَال لَهُ قَاسِم إِلَى عِكْرِمَة يَسْأَلهُ عَنْ قَوْله { وَآتَيْنَا أَجْره فِي الدُّنْيَا . وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ } قَالَ : قَالَ أَجْره فِي الدُّنْيَا أَنَّ كُلّ مِلَّة تَتَوَلَّاهُ , وَهُوَ عِنْد اللَّه مِنْ الصَّالِحِينَ , قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى مُجَاهِد فَقَالَ : أَصَابَ . 21122 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ مَنْدَل , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } قَالَ : الْوَلَد الصَّالِح وَالثَّنَاء. * حَدَّثني عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } يَقُول : الذِّكْر الْحَسَن . 21123 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } قَالَ : عَافِيَة وَعَمَلًا صَالِحًا , وَثَنَاء حَسَنًا , فَلَسْت بِلَاقٍ أَحَدًا مِنْ الْمِلَل إِلَّا يَرَى إِبْرَاهِيم وَيَتَوَلَّاهُ { وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ }
وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّته النُّبُوَّة وَالْكِتَاب } بِمَعْنَى الْجَمْع , يُرَاد بِهِ الْكُتُب , وَلَكِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَج قَوْلهمْ : كَثُرَ الدِّرْهَم وَالدِّينَار عِنْد فُلَان .
وَقَوْله : { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعْطَيْنَاهُ ثَوَاب بَلَائِهِ فِينَا فِي الدُّنْيَا { وَإِنَّهُ } مَعَ ذَلِكَ { فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ } فَلَهُ هُنَاكَ أَيْضًا جَزَاء الصَّالِحِينَ , غَيْر مُنْتَقَص حَظّه بِمَا أُعْطَى فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَجْر عَلَى بَلَائِهِ فِي اللَّه , عَمَّا لَهُ عِنْده فِي الْآخِرَة . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَجْر الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَنَّهُ آتَاهُ إِبْرَاهِيم فِي الدُّنْيَا هُوَ الثَّنَاء الْحَسَن , وَالْوَلَد الصَّالِح. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21120 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } قَالَ : الثَّنَاء . 21121 - حَدَّثني أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث قَالَ : أَرْسَلَ مُجَاهِد رَجُلًا يُقَال لَهُ قَاسِم إِلَى عِكْرِمَة يَسْأَلهُ عَنْ قَوْله { وَآتَيْنَا أَجْره فِي الدُّنْيَا . وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ } قَالَ : قَالَ أَجْره فِي الدُّنْيَا أَنَّ كُلّ مِلَّة تَتَوَلَّاهُ , وَهُوَ عِنْد اللَّه مِنْ الصَّالِحِينَ , قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى مُجَاهِد فَقَالَ : أَصَابَ . 21122 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ مَنْدَل , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } قَالَ : الْوَلَد الصَّالِح وَالثَّنَاء. * حَدَّثني عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } يَقُول : الذِّكْر الْحَسَن . 21123 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَآتَيْنَاهُ أَجْره فِي الدُّنْيَا } قَالَ : عَافِيَة وَعَمَلًا صَالِحًا , وَثَنَاء حَسَنًا , فَلَسْت بِلَاقٍ أَحَدًا مِنْ الْمِلَل إِلَّا يَرَى إِبْرَاهِيم وَيَتَوَلَّاهُ { وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ }
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ : إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الذُّكْرَان { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا } يَعْنِي بِالْفَاحِشَةِ الَّتِي كَانُوا يَأْتُونَهَا , وَهِيَ إِتْيَان الذُّكْرَان { مِنْ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21124 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن خَالِد بْن خِدَاش وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثَنَا إِسْمَاعِيل ابْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , فِي قَوْله { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : مَا نَزَا ذَكَر عَلَى ذَكَر حَتَّى كَانَ قَوْم لُوط .
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال وَتَقْطَعُونَ السَّبِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل لُوط لِقَوْمِهِ { أَئِنَّكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { لَتَأْتُونَ الرِّجَال } فِي أَدْبَارهمْ { وَتَقْطَعُونَ السَّبِيل } يَقُول : وَتَقْطَعُونَ الْمُسَافِرِينَ عَلَيْكُمْ بِفِعْلِكُمْ الْخَبِيث , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِمَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسَافِرِينَ , مَنْ وَرَدَ بِلَادهمْ مِنْ الْغُرَبَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21125 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَتَقْطَعُونَ السَّبِيل } قَالَ : السَّبِيل : الطَّرِيق . الْمُسَافِر إِذَا مَرَّ بِهِمْ , وَهُوَ اِبْن السَّبِيل قَطَعُوا بِهِ , وَعَمِلُوا بِهِ ذَلِكَ الْعَمَل الْخَبِيث .
وَقَوْله : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُنْكَر الَّذِي عَنَاهُ اللَّه , الَّذِي كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم يَأْتُونَهُ فِي نَادِيهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21126 - حَدَّثني عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , قَالَ : ثَنَا رَوْح بْن عُطَيْفَة الثَّقَفِيّ , عَنْ عَمْرو بْن مُصْعَب , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ عَائِشَة , فِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : الضُّرَاط . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْذِفُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21127 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع قَالَا : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ حَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أُمّ هَانِئ , قَالَتْ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : " كَانُوا يَخْذِفُونَ أَهْل الطَّرِيق وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ " فَهُوَ الْمُنْكَر الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَ. 21128 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثَنَا أَسَد , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله. * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثَنَا سُلَيْم بْن أَخْضَر , قَالَ : ثَنَا أَبُو يُونُس الْقُشَيْرِيّ , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ أَبِي صَالِح مَوْلَى أُمّ هَانِئ , أَنَّ أُمّ هَانِئ سُئِلَتْ عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } فَقَالَتْ : سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " كَانُوا يَخْذِفُونَ أَهْل الطَّرِيق , وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ". 21129 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا عُمَر بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول فِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانُوا يُؤْذُونَ أَهْل الطَّرِيق يَخْذِفُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ عُمَر بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة قَالَ : الْخَذْف . 21130 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانَ كُلّ مَنْ مَرَّ بِهِمْ خَذَفُوهُ فَهُوَ الْمُنْكَر . * حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثَنَا أَسَد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد بْن زَيْد , قَالَ : ثَنَا حَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَة , قَالَ : ثَنَا سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ بَاذَام , عَنْ أَبِي صَالِح مَوْلَى أُمّ هَانِئ , عَنْ أُمّ هَانِئ , قَالَتْ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : " كَانُوا يَجْلِسُونَ بِالطَّرِيقِ , فَيَخْذِفُونَ أَبْنَاء السَّبِيل , وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ". وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ إِتْيَانهمْ الْفَاحِشَة فِي مَجَالِسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21131 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ يَأْتِي بَعْضهمْ بَعْضًا فِي مَجَالِسهمْ , يَعْنِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } * حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثَنَا ثَابِت بْن مُحَمَّد اللَّيْثِيّ , قَالَ : ثَنَا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانَ يُجَامِع بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الْمَجَالِس . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانَ يَأْتِي بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الْمَجَالِس . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانُوا يُجَامِعُونَ الرِّجَال فِي مَجَالِسهمْ . * حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : الْمَجَالِس , وَالْمُنْكَر : إِتْيَانهمْ الرِّجَال . 21132 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانُوا يَأْتُونَ الْفَاحِشَة فِي نَادِيهمْ. 21133 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : نَادِيهمْ : الْمَجَالِس , وَالْمُنْكَر : عَمَلهمْ الْخَبِيث الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ , كَانُوا يَعْتَرِضُونَ بِالرَّاكِبِ فَيَأْخُذُونَهُ وَيَرْكَبُونَهُ . وَقَرَأَ { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } 27 54 وَقَرَأَ { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ } 21134 - حَدَّثني عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } يَقُول : فِي مَجَالِسكُمْ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَتَخْذِفُونَ فِي مَجَالِسكُمْ الْمَارَّة بِكُمْ , وَتَسْخَرُونَ مِنْهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْله : { فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا اِئْتِنَا بِعَذَابِ اللَّه إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمْ يَكُنْ جَوَاب قَوْم لُوط إِذْ نَهَاهُمْ عَمَّا يَكْرَههُ اللَّه مِنْ إِتْيَان الْفَوَاحِش الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه إِلَّا قِيلهمْ : اِئْتِنَا بِعَذَابِ اللَّه الَّذِي تَعِدنَا , إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا تَقُول , وَالْمُنْجِزِينَ لِمَا تَعِد .
وَقَوْله : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُنْكَر الَّذِي عَنَاهُ اللَّه , الَّذِي كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم يَأْتُونَهُ فِي نَادِيهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21126 - حَدَّثني عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , قَالَ : ثَنَا رَوْح بْن عُطَيْفَة الثَّقَفِيّ , عَنْ عَمْرو بْن مُصْعَب , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ عَائِشَة , فِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : الضُّرَاط . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْذِفُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21127 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع قَالَا : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ حَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أُمّ هَانِئ , قَالَتْ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : " كَانُوا يَخْذِفُونَ أَهْل الطَّرِيق وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ " فَهُوَ الْمُنْكَر الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَ. 21128 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثَنَا أَسَد , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله. * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثَنَا سُلَيْم بْن أَخْضَر , قَالَ : ثَنَا أَبُو يُونُس الْقُشَيْرِيّ , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ أَبِي صَالِح مَوْلَى أُمّ هَانِئ , أَنَّ أُمّ هَانِئ سُئِلَتْ عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } فَقَالَتْ : سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " كَانُوا يَخْذِفُونَ أَهْل الطَّرِيق , وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ". 21129 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا عُمَر بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول فِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانُوا يُؤْذُونَ أَهْل الطَّرِيق يَخْذِفُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ عُمَر بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة قَالَ : الْخَذْف . 21130 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانَ كُلّ مَنْ مَرَّ بِهِمْ خَذَفُوهُ فَهُوَ الْمُنْكَر . * حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثَنَا أَسَد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد بْن زَيْد , قَالَ : ثَنَا حَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَة , قَالَ : ثَنَا سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ بَاذَام , عَنْ أَبِي صَالِح مَوْلَى أُمّ هَانِئ , عَنْ أُمّ هَانِئ , قَالَتْ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : " كَانُوا يَجْلِسُونَ بِالطَّرِيقِ , فَيَخْذِفُونَ أَبْنَاء السَّبِيل , وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ". وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ إِتْيَانهمْ الْفَاحِشَة فِي مَجَالِسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21131 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ يَأْتِي بَعْضهمْ بَعْضًا فِي مَجَالِسهمْ , يَعْنِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } * حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثَنَا ثَابِت بْن مُحَمَّد اللَّيْثِيّ , قَالَ : ثَنَا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانَ يُجَامِع بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الْمَجَالِس . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانَ يَأْتِي بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الْمَجَالِس . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانُوا يُجَامِعُونَ الرِّجَال فِي مَجَالِسهمْ . * حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : الْمَجَالِس , وَالْمُنْكَر : إِتْيَانهمْ الرِّجَال . 21132 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : كَانُوا يَأْتُونَ الْفَاحِشَة فِي نَادِيهمْ. 21133 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } قَالَ : نَادِيهمْ : الْمَجَالِس , وَالْمُنْكَر : عَمَلهمْ الْخَبِيث الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ , كَانُوا يَعْتَرِضُونَ بِالرَّاكِبِ فَيَأْخُذُونَهُ وَيَرْكَبُونَهُ . وَقَرَأَ { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } 27 54 وَقَرَأَ { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ } 21134 - حَدَّثني عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَر } يَقُول : فِي مَجَالِسكُمْ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَتَخْذِفُونَ فِي مَجَالِسكُمْ الْمَارَّة بِكُمْ , وَتَسْخَرُونَ مِنْهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْله : { فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا اِئْتِنَا بِعَذَابِ اللَّه إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمْ يَكُنْ جَوَاب قَوْم لُوط إِذْ نَهَاهُمْ عَمَّا يَكْرَههُ اللَّه مِنْ إِتْيَان الْفَوَاحِش الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه إِلَّا قِيلهمْ : اِئْتِنَا بِعَذَابِ اللَّه الَّذِي تَعِدنَا , إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا تَقُول , وَالْمُنْجِزِينَ لِمَا تَعِد .
لَمْ يَتَعَرَّض الْمُصَنِّف لَهَا بِالتَّفْسِيرِ