الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : تَبَارَكَ : تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَة , كَمَا : 19918 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا أَبُو رَوْق , عَنِ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : تَبَارَكَ : تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَة . وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِل : تَقَدَّسَ رَبّنَا , فَقَوْله : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان } يَقُول : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , فَصْلًا بَعْد فَصْل وَسُورَة بَعْد سُورَة , عَلَى عَبْده مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِيَكُونَ مُحَمَّد لِجَمِيعِ الْجِنّ وَالْإِنْس الَّذِينَ بَعَثَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ دَاعِيًا إِلَيْهِ , نَذِيرًا : يَعْنِي مُنْذِرًا يُنْذِرهُمْ عِقَابه وَيُخَوِّفهُمْ عَذَابه , إِنْ لَمْ يُوَحِّدُوهُ وَلَمْ يُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة وَيَخْلَعُوا كُلّ مَا دُونه مِنَ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19919 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } قَالَ : النَّبِيّ النَّذِير . وَقَرَأَ : { وَإِنْ مِنْ أُمَّة إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِير } 35 24 وَقَرَأَ : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ } 26 208 قَالَ : رُسُل . قَالَ : الْمُنْذِرُونَ : الرُّسُل . قَالَ : وَكَانَ نَذِيرًا وَاحِدًا بَلَّغَ مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب , ذُو الْقَرْنَيْنِ , ثُمَّ بَلَغَ السَّدَّيْنِ , وَكَانَ نَذِيرًا , وَلَمْ أَسْمَع أَحَدًا يُحِقّ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا . { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } 6 19 قَالَ : مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن مِنَ الْخَلْق , فَرَسُول اللَّه نَذِيره . وَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } 7 158 وَقَالَ : لَمْ يُرْسِل اللَّه رَسُولًا إِلَى النَّاس عَامَّة إِلَّا نُوحًا , بَدَأَ بِهِ الْخَلْق , فَكَانَ رَسُول أَهْل الْأَرْض كُلّهمْ , وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَتَمَ بِهِ .
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان ... الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } فَ " الَّذِي " مِنْ نَعْت " الَّذِي " الْأُولَى , وَهُمَا جَمِيعًا فِي مَوْضِع رَفْع , الْأُولَى بِقَوْلِهِ " تَبَارَكَ " , وَالثَّانِيَة نَعْت لَهَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } الَّذِي لَهُ سُلْطَان السَّمَاوَات وَالْأَرْض يُنْفِذ فِي جَمِيعهَا أَمْره وَقَضَاءَهُ , وَيُمْضِي فِي كُلّهَا أَحْكَامه . يَقُول : فَحَقَّ عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يُطِيعهُ أَهْل مَمْلَكَته وَمَنْ فِي سُلْطَانه وَلَا يَعْصُوهُ , يَقُول : فَلَا تَعْصُوا نَذِيرِي إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَاتَّبِعُوهُ , وَاعْمَلُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنَ الْحَقّ .
يَقُول تَكْذِيبًا لِمَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَد وَقَالَ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه : مَا اتَّخَذَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده وَلَدًا , فَمَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ وَلَدًا فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى عَلَى رَبّه .
يَقُول تَكْذِيبًا لِمَنْ كَانَ يُضِيف الْأُلُوهَة إِلَى الْأَصْنَام وَيَعْبُدهَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب وَيَقُول فِي تَلْبِيَته " لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك , إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك , تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ " : كَذَبَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْل , مَا كَانَ لِلَّهِ شَرِيك فِي مُلْكه وَسُلْطَانه فَيُصْلَح أَنْ يُعْبَد مِنْ دُونه ! يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَفْرِدُوا أَيّهَا النَّاس لِرَبِّكُمْ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده مُحَمَّد نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُلُوهَة , وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة , دُون كُلّ مَا تَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام وَالْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالْإِنْس , فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ خَلْقه وَفِي مُلْكه , فَلَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لِلَّهِ الَّذِي هُوَ مَالِك جَمِيع ذَلِكَ .
وَقَوْله : { وَخَلَقَ كُلّ شَيْء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَخَلَقَ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى مُحَمَّد الْفُرْقَان كُلّ شَيْء , فَالْأَشْيَاء كُلّهَا خَلْقه وَمِلْكه , وَعَلَى الْمَمَالِيك طَاعَة مَالِكهمْ وَخِدْمَة سَيِّدهمْ دُون غَيْره . يَقُول : وَأَنَا خَالِقكُمْ وَمَالِككُمْ , فَأَخْلِصُوا لِي الْعِبَادَة دُون غَيْرِي .
وَقَوْله : { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } يَقُول : فَسَوَّى كُلّ مَا خَلَقَ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُح لَهُ , فَلَا خَلَل فِيهِ وَلَا تَفَاوُت .
يَقُول تَكْذِيبًا لِمَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَد وَقَالَ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه : مَا اتَّخَذَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده وَلَدًا , فَمَنْ أَضَافَ إِلَيْهِ وَلَدًا فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى عَلَى رَبّه .
يَقُول تَكْذِيبًا لِمَنْ كَانَ يُضِيف الْأُلُوهَة إِلَى الْأَصْنَام وَيَعْبُدهَا مِنْ دُون اللَّه مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب وَيَقُول فِي تَلْبِيَته " لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك , إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك , تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ " : كَذَبَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْل , مَا كَانَ لِلَّهِ شَرِيك فِي مُلْكه وَسُلْطَانه فَيُصْلَح أَنْ يُعْبَد مِنْ دُونه ! يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَفْرِدُوا أَيّهَا النَّاس لِرَبِّكُمْ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْده مُحَمَّد نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُلُوهَة , وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة , دُون كُلّ مَا تَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام وَالْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالْإِنْس , فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ خَلْقه وَفِي مُلْكه , فَلَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لِلَّهِ الَّذِي هُوَ مَالِك جَمِيع ذَلِكَ .
وَقَوْله : { وَخَلَقَ كُلّ شَيْء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَخَلَقَ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى مُحَمَّد الْفُرْقَان كُلّ شَيْء , فَالْأَشْيَاء كُلّهَا خَلْقه وَمِلْكه , وَعَلَى الْمَمَالِيك طَاعَة مَالِكهمْ وَخِدْمَة سَيِّدهمْ دُون غَيْره . يَقُول : وَأَنَا خَالِقكُمْ وَمَالِككُمْ , فَأَخْلِصُوا لِي الْعِبَادَة دُون غَيْرِي .
وَقَوْله : { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } يَقُول : فَسَوَّى كُلّ مَا خَلَقَ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُح لَهُ , فَلَا خَلَل فِيهِ وَلَا تَفَاوُت .
وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونه آلِهَة لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاة وَلَا نُشُورًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مُقْرِعًا مُشْرِكِي الْعَرَب بِعِبَادَتِهِمَا مَا دُونه مِنَ الْآلِهَة , وَمُعَجِّبًا أُولِي النُّهَى مِنْهُمْ , وَمُنَبِّههمْ عَلَى مَوْضِع خَطَأ فِعْلهمْ وَذَهَابهمْ عَنْ مَنْهَج الْحَقّ وَرُكُوبهمْ مِنْ سُبُل الضَّلَالَة مَا لَا يَرْكَبهُ إِلَّا كُلّ مَدْخُول الرَّأْي مَسْلُوب الْعَقْل : وَاتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ دُون الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَحْده , مِنْ غَيْر شَرِيك , الَّذِي خَلَقَ كُلّ شَيْء فَقَدَّرَهُ , { آلِهَة } يَعْنِي أَصْنَامًا بِأَيْدِيهِمْ يَعْبُدُونَهَا , لَا تَخْلُق شَيْئًا وَهِيَ تُخْلَق , وَلَا تَمْلِك لِأَنْفُسِهَا نَفْعًا تَجُرّهُ إِلَيْهَا وَلَا ضَرًّا تَدْفَعهُ عَنْهَا مِمَّنْ أَرَادَهَا بِضُرٍّ , وَلَا تَمْلِك إِمَاتَة حَيّ وَلَا إِحْيَاء مَيِّت وَلَا نَشْره مِنْ بَعْد مَمَاته , وَتَرَكُوا عِبَادَة خَالِق كُلّ شَيْء وَخَالِق آلِهَتهمْ وَمَالِك الضُّرّ وَالنَّفْع وَالَّذِي بِيَدِهِ الْمَوْت وَالْحَيَاة وَالنُّشُور . وَالنُّشُور : مَصْدَر نَشَرَ الْمَيِّت نُشُورًا , وَهُوَ أَنْ يُبْعَث وَيَحْيَا بَعْد الْمَوْت .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ فَقَدْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونه آلِهَة : مَا هَذَا الْقُرْآن الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّد { إِلَّا إِفْك } يَعْنِي : إِلَّا كَذِب وَبُهْتَان , { افْتَرَاهُ } اخْتَلَقَهُ وَتَخَرَّصَهُ بِقَوْلِهِ , { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا هَذَا الَّذِي يَجِيئنَا بِهِ الْيَهُود , فَذَلِكَ قَوْله : { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } يَقُول : وَأَعَانَ مُحَمَّدًا عَلَى هَذَا الْإِفْك الَّذِي افْتَرَاهُ يَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19920 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَأَعَانَهُ قَوْم آخَرُونَ } قَالَ : يَهُود . * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
وَقَوْله : { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَدْ أَتَى قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة , يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا : { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } ظُلْمًا , يَعْنِي بِالظُّلْمِ نِسْبَتهمْ كَلَام اللَّه وَتَنْزِيله إِلَى أَنَّهُ إِفْك افْتَرَاهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الظُّلْم : وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه فَكَانَ ظُلْم قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة الْقُرْآن بِقِيلِهِمْ هَذَا وَصْفهمْ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صِفَته . وَالزُّور : أَصْله تَحْسِين الْبَاطِل . فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَقَدْ أَتَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي قِيلهمْ { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } كَذِبًا مَحْضًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19921 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ; وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا } قَالَ : كَذِبًا .
وَقَوْله : { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَدْ أَتَى قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة , يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا : { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } ظُلْمًا , يَعْنِي بِالظُّلْمِ نِسْبَتهمْ كَلَام اللَّه وَتَنْزِيله إِلَى أَنَّهُ إِفْك افْتَرَاهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الظُّلْم : وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه فَكَانَ ظُلْم قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة الْقُرْآن بِقِيلِهِمْ هَذَا وَصْفهمْ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صِفَته . وَالزُّور : أَصْله تَحْسِين الْبَاطِل . فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَقَدْ أَتَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي قِيلهمْ { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ } كَذِبًا مَحْضًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19921 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ; وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا } قَالَ : كَذِبًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَة وَأَصِيلًا } . ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث , وَأَنَّهُ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَقَالُوا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19922 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا شَيْخ مِنْ أَهْل مِصْر , قَدِمَ مُنْذُ بِضْع وَأَرْبَعِينَ سَنَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ النَّضْر بْن الْحَارِث بْن كَلَدَة بْن عَلْقَمَة بْن عَبْد مَنَاف بْن عَبْد الدَّار بْن قُصَيّ مِنْ شَيَاطِين قُرَيْش , وَكَانَ يُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْصِب لَهُ الْعَدَاوَة , وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْحِيرَة , تَعَلَّمَ بِهَا أَحَادِيث مُلُوك فَارِس وَأَحَادِيث رُسْتُم وأسفنديار , فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا فَذَكَرَ بِاللَّهِ وَحَدَّثَ قَوْمه مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم مِنْ نِقْمَة اللَّه , خَلَفَهُ فِي مَجْلِسه إِذَا قَامَ , ثُمَّ يَقُول : أَنَا وَاللَّه يَا مَعْشَر قُرَيْش أَحْسَن حَدِيثًا مِنْهُ , فَهَلُمُّوا فَأَنَا أُحَدِّثكُمْ أَحْسَن مِنْ حَدِيثه ! ثُمَّ يُحَدِّثهُمْ عَنْ مُلُوك فَارِس وَرُسْتُم وأسفنديار , ثُمَّ يَقُول : مَا مُحَمَّد أَحْسَن حَدِيثًا مِنِّي ! قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي النَّضْر ثَمَانِي آيَات مِنَ الْقُرْآن , قَوْله : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتنَا قَالَ أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } 68 15 وَكُلّ مَا ذُكِرَ فِيهِ الْأَسَاطِير فِي الْقُرْآن . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد أَوْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ قَوْله : " فَأَنْزَلَ اللَّه فِي النَّضْر ثَمَانِي آيَات " , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنْ الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنِ ابْن عَبَّاس . 19923 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج : { أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } أَشْعَارهمْ وَكِهَانَتهمْ ; وَقَالَهَا النَّضْر بْن الْحَارِث . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الَّذِينَ قَالُوا لِهَذَا الْقُرْآن إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك افْتَرَاهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّد أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ , يَعْنُونَ أَحَادِيثهمْ الَّتِي كَانُوا يَسْطُرُونَهَا فِي كُتُبهمْ , اكْتَتَبَهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود . { فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ } يَعْنُونَ بِقَوْلِهِ : { فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ } فَهَذِهِ الْأَسَاطِير تُقْرَأ عَلَيْهِ , مِنْ قَوْلهمْ : أَمْلَيْت عَلَيْك الْكِتَاب وَأَمْلَلْت . { بُكْرَة وَأَصِيلًا } يَقُول : وَتُمْلَى عَلَيْهِ غَدْوَة وَعَشِيًّا .
قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ↓
وَقَوْله : { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك : مَا الْأَمْر كَمَا تَقُولُونَ مِنْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآن أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ وَأَنَّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ , بَلْ هُوَ الْحَقّ , أَنْزَلَهُ الرَّبّ الَّذِي يَعْلَم سِرّ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَمُحْصِي ذَلِكَ عَلَى خَلْقه , وَمُجَازِيهمْ بِمَا عَزَمَتْ عَلَيْهِ قُلُوبهمْ وَأَضْمَرُوهُ فِي نُفُوسهمْ .
يَقُول : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَصْفَح عَنْ خَلْقه وَيَرْحَمهُمْ , فَيَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ بِعَفْوِهِ , يَقُول : فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَته فِي خَلْقه , يُمْهِلكُمْ أَيّهَا الْقَائِلُونَ مَا قُلْتُمْ مِنَ الْإِفْك وَالْفَاعِلُونَ مَا فَعَلْتُمْ مِنَ الْكُفْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19924 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ : مَا يُسِرّ أَهْل الْأَرْض وَأَهْل السَّمَاء .
يَقُول : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَصْفَح عَنْ خَلْقه وَيَرْحَمهُمْ , فَيَتَفَضَّل عَلَيْهِمْ بِعَفْوِهِ , يَقُول : فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَته فِي خَلْقه , يُمْهِلكُمْ أَيّهَا الْقَائِلُونَ مَا قُلْتُمْ مِنَ الْإِفْك وَالْفَاعِلُونَ مَا فَعَلْتُمْ مِنَ الْكُفْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19924 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ : مَا يُسِرّ أَهْل الْأَرْض وَأَهْل السَّمَاء .
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَك فَيَكُون مَعَهُ نَذِيرًا } ذُكِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مُشْرِكُو قَوْمه قَالُوا لَهُ لَيْلَة اجْتِمَاع أَشْرَافهمْ بِظَهْرِ الْكَعْبَة , وَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء , وَسَأَلُوهُ الْآيَات . فَكَانَ فِيمَا كَلَّمُوهُ بِهِ حِينَئِذٍ , فِيمَا : 19925 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنِ ابْن عَبَّاس : أَنْ قَالُوا لَهُ : فَإِنْ لَمْ تَفْعَل لَنَا هَذَا - يَعْنِي مَا سَأَلُوهُ مِنْ تَسْيِير جِبَالهمْ عَنْهُمْ , وَإِحْيَاء آبَائِهِمْ , وَالْمَجِيء بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا , وَمَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي سُورَة بَنِي إِسْرَائِيل - فَخُذْ لِنَفْسِك , سَلْ رَبّك يَبْعَث مَعَك مَلَكًا يُصَدِّقك بِمَا تَقُول وَيُرَاجِعنَا عَنْك , وَسَلْهُ فَيَجْعَل لَك قُصُورًا وَجِنَانًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَب وَفِضَّة , تُغْنِيك عَمَّا نَرَاك تَبْتَغِي , فَإِنَّك تَقُوم بِالْأَسْوَاقِ وَتَلْتَمِس الْمَعَاش كَمَا نَلْتَمِسهُ , حَتَّى نَعْلَم فَضْلك وَمَنْزِلَتك مِنْ رَبّك إِنْ كُنْت رَسُولًا كَمَا تَزْعُم ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ! " فَأَنْزَلَ اللَّه فِي قَوْلهمْ : أَنْ خُذْ لِنَفْسِك مَا سَأَلُوهُ أَنْ يَأْخُذ لَهَا : أَنْ يَجْعَل لَهُ جِنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا , أَوْ يَبْعَث مَعَهُ مَلَكًا يُصَدِّقهُ بِمَا يَقُول وَيَرُدّ عَنْهُ مَنْ خَاصَمَهُ . { وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَك فَيَكُون مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة يَأْكُل مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ { مَا لِهَذَا الرَّسُول } يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي يَزْعُم أَنَّ اللَّه بَعَثَهُ إِلَيْنَا , { يَأْكُل الطَّعَام } كَمَا نَأْكُل , { وَيَمْشِي } فِي أَسْوَاقنَا كَمَا نَمْشِي . { لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } يَقُول : هَلَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ { مَلَك } إِنْ كَانَ صَادِقًا مِنَ السَّمَاء , { فَيَكُون مَعَهُ } مُنْذِرًا لِلنَّاسِ , مُصَدِّقًا لَهُ عَلَى مَا يَقُول , أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز مِنْ فِضَّة أَوْ ذَهَب فَلَا يَحْتَاج مَعَهُ إِلَى التَّصَرُّف فِي طَلَب الْمَعَاش , { أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة } يَقُول : أَوْ يَكُون لَهُ بُسْتَان { يَأْكُل مِنْهَا } . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { يَأْكُل } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : يَأْكُل مِنْهَا الرَّسُول . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " نَأْكُل مِنْهَا " بِالنُّونِ , بِمَعْنَى : نَأْكُل مِنْ الْجَنَّة . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ ; وَذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل بِأَنَّ مَسْأَلَة مَنْ سَأَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَل رَبّه هَذِهِ الْخِلَال لِنَفْسِهِ لَا لَهُمْ ; فَإِذْ كَانَتْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُولُوا لَهُ : سَلْ لِنَفْسِك ذَلِكَ لِنَأْكُل نَحْنُ . وَبَعْد , فَإِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } 25 10 دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَالُوا لَهُ : اطْلُبْ ذَلِكَ لِنَفْسِك , لِتَأْكُل أَنْتَ مِنْهُ , لَا نَحْنُ .
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا مَّسْحُورًا ↓
ذُكِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مُشْرِكُو قَوْمه قَالُوا لَهُ لَيْلَة اجْتِمَاع أَشْرَافهمْ بِظَهْرِ الْكَعْبَة , وَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء , وَسَأَلُوهُ الْآيَات . فَكَانَ فِيمَا كَلَّمُوهُ بِهِ حِينَئِذٍ , فِيمَا : 19925 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنِ ابْن عَبَّاس : أَنْ قَالُوا لَهُ : فَإِنْ لَمْ تَفْعَل لَنَا هَذَا - يَعْنِي مَا سَأَلُوهُ مِنْ تَسْيِير جِبَالهمْ عَنْهُمْ , وَإِحْيَاء آبَائِهِمْ , وَالْمَجِيء بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا , وَمَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي سُورَة بَنِي إِسْرَائِيل - فَخُذْ لِنَفْسِك , سَلْ رَبّك يَبْعَث مَعَك مَلَكًا يُصَدِّقك بِمَا تَقُول وَيُرَاجِعنَا عَنْك , وَسَلْهُ فَيَجْعَل لَك قُصُورًا وَجِنَانًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَب وَفِضَّة , تُغْنِيك عَمَّا نَرَاك تَبْتَغِي , فَإِنَّك تَقُوم بِالْأَسْوَاقِ وَتَلْتَمِس الْمَعَاش كَمَا نَلْتَمِسهُ , حَتَّى نَعْلَم فَضْلك وَمَنْزِلَتك مِنْ رَبّك إِنْ كُنْت رَسُولًا كَمَا تَزْعُم ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ! " فَأَنْزَلَ اللَّه فِي قَوْلهمْ : أَنْ خُذْ لِنَفْسِك مَا سَأَلُوهُ أَنْ يَأْخُذ لَهَا : أَنْ يَجْعَل لَهُ جِنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا , أَوْ يَبْعَث مَعَهُ مَلَكًا يُصَدِّقهُ بِمَا يَقُول وَيَرُدّ عَنْهُ مَنْ خَاصَمَهُ . { وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَك فَيَكُون مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة يَأْكُل مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ { مَا لِهَذَا الرَّسُول } يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي يَزْعُم أَنَّ اللَّه بَعَثَهُ إِلَيْنَا , { يَأْكُل الطَّعَام } كَمَا نَأْكُل , { وَيَمْشِي } فِي أَسْوَاقنَا كَمَا نَمْشِي . { لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } يَقُول : هَلَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ { مَلَك } إِنْ كَانَ صَادِقًا مِنَ السَّمَاء , { فَيَكُون مَعَهُ } مُنْذِرًا لِلنَّاسِ , مُصَدِّقًا لَهُ عَلَى مَا يَقُول , أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز مِنْ فِضَّة أَوْ ذَهَب فَلَا يَحْتَاج مَعَهُ إِلَى التَّصَرُّف فِي طَلَب الْمَعَاش , { أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة } يَقُول : أَوْ يَكُون لَهُ بُسْتَان { يَأْكُل مِنْهَا } . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { يَأْكُل } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : يَأْكُل مِنْهَا الرَّسُول . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " نَأْكُل مِنْهَا " بِالنُّونِ , بِمَعْنَى : نَأْكُل مِنْ الْجَنَّة . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ ; وَذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل بِأَنَّ مَسْأَلَة مَنْ سَأَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَل رَبّه هَذِهِ الْخِلَال لِنَفْسِهِ لَا لَهُمْ ; فَإِذْ كَانَتْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُولُوا لَهُ : سَلْ لِنَفْسِك ذَلِكَ لِنَأْكُل نَحْنُ . وَبَعْد , فَإِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } 25 10 دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَالُوا لَهُ : اطْلُبْ ذَلِكَ لِنَفْسِك , لِتَأْكُل أَنْتَ مِنْهُ , لَا نَحْنُ .
وَقَوْله : { وَقَالَ الظَّالِمُونَ } يَقُول : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُوله : { إِنْ تَتَّبِعُونَ } أَيّهَا الْقَوْم , بِاتِّبَاعِكُمْ مُحَمَّدًا { إِلَّا رَجُلًا } بِهِ سِحْر .
وَقَوْله : { وَقَالَ الظَّالِمُونَ } يَقُول : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُوله : { إِنْ تَتَّبِعُونَ } أَيّهَا الْقَوْم , بِاتِّبَاعِكُمْ مُحَمَّدًا { إِلَّا رَجُلًا } بِهِ سِحْر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْظُرْ يَا مُحَمَّد إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَبَّهُوا لَك الْأَشْبَاه بِقَوْلِهِمْ لَك : هُوَ مَسْحُور , فَضَلُّوا بِذَلِكَ عَنْ قَصْد السَّبِيل وَأَخْطَئُوا طَرِيق الْهُدَى وَالرَّشَاد { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ } يَقُول : فَلَا يَجِدُونَ { سَبِيلًا } إِلَى الْحَقّ , إِلَّا فِيمَا بَعَثْتُك بِهِ , وَمِنَ الْوَجْه الَّذِي ضَلُّوا عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19926 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } أَيْ الْتَمَسُوا الْهُدَى فِي غَيْر مَا بَعَثْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ فَضَلُّوا , فَلَنْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُصِيبُوا الْهُدَى فِي غَيْره . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 19927 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } قَالَ : مَخْرَجًا يُخْرِجهُمْ مِنَ الْأَمْثَال الَّتِي ضَرَبُوا لَك.
تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ↓
وَقَوْله : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَقَدَّسَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِ " ذَلِكَ " الَّتِي فِي قَوْله : { جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : خَيْرًا مِمَّا قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَك يَا مُحَمَّد , هَلَّا أُوتِيته وَأَنْتَ لِلَّهِ رَسُول ! ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ الَّذِي لَوْ شَاءَ جَعَلَ لَهُ مِنْ خَيْر مِمَّا قَالُوا , فَقَالَ : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 19928 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } خَيْرًا مِمَّا قَالُوا . 19929 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } قَالَ : مِمَّا قَالُوا وَتَمَنَّوْا لَك , فَيَجْعَل لَك مَكَان ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْمَشْي فِي الْأَسْوَاق وَالْتِمَاس الْمَعَاش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19930 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , فِيمَا يَرَى الطَّبَرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } مِنْ أَنْ تَمْشِي فِي الْأَسْوَاق وَتَلْتَمِس الْمَعَاش كَمَا يَلْتَمِسهُ النَّاس , { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة ; لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا اسْتَعْظَمُوا أَنْ لَا تَكُون لَهُ جَنَّة يَأْكُل مِنْهَا وَأَنْ لَا يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْز , وَاسْتَنْكَرُوا أَنْ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاق وَهُوَ لِلَّهِ رَسُول . فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِوَعْدِ اللَّه إِيَّاهُ أَنْ يَكُون وَعْدًا بِمَا هُوَ خَيْر مَا كَانَ عِنْد الْمُشْرِكِينَ عَظِيمًا , لَا مِمَّا كَانَ مُنْكَرًا عِنْدهمْ . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . بَسَاتِين تَجْرِي فِي أُصُول أَشْجَارهَا الْأَنْهَار . كَمَا : 19931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } قَالَ : حَوَائِط .
وَقَوْله : { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } يَعْنِي بِالْقُصُورِ : الْبُيُوت الْمَبْنِيَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19932 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : قَالَ أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } قَالَ : بُيُوتًا مَبْنِيَّة مَشِيدَة , كَانَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا . قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش تَرَى الْبَيْت مِنَ الْحِجَارَة قَصْرًا كَائِنًا مَا كَانَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } مَشِيدَة فِي الدُّنْيَا , كُلّ هَذَا قَالَتْهُ قُرَيْش . وَكَانَتْ قُرَيْش تَرَى الْبَيْت مِنْ حِجَارَة مَا كَانَ صَغِيرًا قَصْرًا . 19933 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ شِئْت أَنْ نُعْطِيك مِنْ خَزَائِن الْأَرْض وَمَفَاتِيحهَا مَا لَمْ يُعْطَ نَبِيّ قَبْلك وَلَا يُعْطَى مَنْ بَعْدك وَلَا يُنْقِص ذَلِكَ مِمَّا لَك عِنْد اللَّه تَعَالَى ؟ فَقَالَ : " اجْمَعُوهَا لِي فِي الْآخِرَة ! " فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } .
وَقَوْله : { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } يَعْنِي بِالْقُصُورِ : الْبُيُوت الْمَبْنِيَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19932 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : قَالَ أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } قَالَ : بُيُوتًا مَبْنِيَّة مَشِيدَة , كَانَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا . قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش تَرَى الْبَيْت مِنَ الْحِجَارَة قَصْرًا كَائِنًا مَا كَانَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } مَشِيدَة فِي الدُّنْيَا , كُلّ هَذَا قَالَتْهُ قُرَيْش . وَكَانَتْ قُرَيْش تَرَى الْبَيْت مِنْ حِجَارَة مَا كَانَ صَغِيرًا قَصْرًا . 19933 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ شِئْت أَنْ نُعْطِيك مِنْ خَزَائِن الْأَرْض وَمَفَاتِيحهَا مَا لَمْ يُعْطَ نَبِيّ قَبْلك وَلَا يُعْطَى مَنْ بَعْدك وَلَا يُنْقِص ذَلِكَ مِمَّا لَك عِنْد اللَّه تَعَالَى ؟ فَقَالَ : " اجْمَعُوهَا لِي فِي الْآخِرَة ! " فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَيَجْعَل لَك قُصُورًا } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ وَأَنْكَرُوا مَا جِئْتهمْ بِهِ يَا مُحَمَّد مِنْ الْحَقّ , مِنْ أَجْل أَنَّك تَأْكُل الطَّعَام وَتَمْشِي فِي الْأَسْوَاق , وَلَكِنْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِالْمُعَادِ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب , تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِالْقِيَامَةِ وَبَعْث اللَّه الْأَمْوَات أَحْيَاء لِحَشْرِ الْقِيَامَة .
{ وَأَعْتَدْنَا } يَقُول : وَأَعْدَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِبَعْثِ اللَّه الْأَمْوَات أَحْيَاء بَعْد فَنَائِهِمْ لِقِيَامِ السَّاعَة , نَارًا تُسَعَّر عَلَيْهِمْ وَتَتَّقِد.
{ وَأَعْتَدْنَا } يَقُول : وَأَعْدَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِبَعْثِ اللَّه الْأَمْوَات أَحْيَاء بَعْد فَنَائِهِمْ لِقِيَامِ السَّاعَة , نَارًا تُسَعَّر عَلَيْهِمْ وَتَتَّقِد.
يَقُول : إِذَا رَأَتْ هَذِهِ النَّار الَّتِي أَعْتَدْنَاهَا لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ أَشْخَاصهمْ مِنْ مَكَان بَعِيد , تَغَيَّظَتْ عَلَيْهِمْ ; وَذَلِكَ أَنْ تَغْلِي وَتَفُور . يُقَال : فُلَان تَغَيَّظَ عَلَى فُلَان , وَذَلِكَ إِذْ غَضِبَ عَلَيْهِ فَغَلَى صَدْره مِنَ الْغَضَب عَلَيْهِ وَتَبَيَّنَ فِي كَلَامه . وَزَفِيرًا , وَهُوَ صَوْتهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف قِيلَ : { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا } وَالتَّغَيُّظ : لَا يُسْمَع ؟ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَمِعُوا لَهَا صَوْت التَّغَيُّظ , مِنْ التَّلَهُّب وَالتَّوَقُّد . 19934 - حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا أَصْبَغ بْن زَيْد الْوَرَّاق , عَنْ خَالِد بْن كَثِير , عَنْ فُدَيْك , عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يَقُول عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْن عَيْنَيْ جَهَنَّم مَقْعَدًا " قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْن ؟ قَالَ : " أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْل اللَّه : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيد ؟ } ... " الْآيَة . 19935 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر فِي قَوْله : { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } قَالَ : أَخْبَرَنِي الْمَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : إِنَّ جَهَنَّم لَتَزْفِر زَفْرَة لَا يَبْقَى مَلَك وَلَا نَبِيّ إِلَّا خَرَّ تُرْعَد فَرَائِضه ; حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيم لَيَجْثُو عَلَى رُكْبَتَيْهِ , فَيَقُول : يَا رَبّ لَا أَسْأَلك الْيَوْم إِلَّا نَفْسِي ! . 19936 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : " إِنَّ الرَّجُل لَيُجَرّ إِلَى النَّار , فَتَنْزَوِي وَيَنْقَبِض بَعْضهَا إِلَى بَعْض , فَيَقُول لَهَا الرَّحْمَن مَا لَك ؟ فَتَقُول : إِنَّهُ لَيَسْتَجِير مِنِّي ! فَيَقُول : أَرْسِلُوا عَبْدِي ! وَإِنَّ الرَّجُل لَيُجَرّ إِلَى النَّار , فَيَقُول : يَا رَبّ مَا كَانَ هَذَا الظَّنّ بِك ! فَيَقُول : فَمَا كَانَ ظَنّك ؟ فَيَقُول : أَنْ تَسَعَنِي رَحْمَتك ! قَالَ : فَيَقُول أَرْسِلُوا عَبْدِي ! وَإِنَّ الرَّجُل لَيُجَرّ إِلَى النَّار فَتَشْهَق إِلَيْهِ النَّار شُهُوق الْبَغْلَة إِلَى الشَّعِير وَتَزْفِر زَفْرَة لَا يَبْقَى أَحَد إِلَّا خَافَ " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا أُلْقِيَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالسَّاعَةِ مِنَ النَّار مَكَانًا ضَيِّقًا , قَدْ قُرِنَتْ أَيْدِيهمْ إِلَى أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال ; { دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الثُّبُور , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْوَيْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19937 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس . فِي قَوْله : { وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } يَقُول : وَيْلًا . 19938 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا } يَقُول : لَا تَدْعُوا الْيَوْم وَيْلًا وَاحِدًا , وَادْعُوا وَيْلًا كَثِيرًا . وَقَالَ آخَرُونَ : الثُّبُور الْهَلَاك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19939 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا } الثُّبُور : الْهَلَاك . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالثُّبُور فِي كَلَام الْعَرَب أَصْله انْصِرَاف الرَّجُل عَنِ الشَّيْء , يُقَال مِنْهُ : مَا ثَبَرَك عَنْ هَذَا الْأَمْر ؟ أَيْ مَا صَرَفَك عَنْهُ . وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع دُعَاء هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِالنَّدَمِ عَلَى انْصِرَافهمْ عَنْ طَاعَة اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْإِيمَان بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَوْجَبُوا الْعُقُوبَة مِنْهُ , كَمَا يَقُول الْقَائِل : وَانَدَامَتَاه , وَاحَسْرَتَاهُ عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول فِي قَوْله : { دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } أَيْ هَلَكَة , وَيَقُول : هُوَ مَصْدَر مِنْ ثُبِرَ الرَّجُل : أَيْ أُهْلِكَ , وَيَسْتَشْهِد لِقِيلِهِ فِي ذَلِكَ بِبَيْتِ ابْن الزِّبَعْرَى : إِذْ أُجَارِي الشَّيْطَان فِي سَنَن الْغَ يّ وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُور
وَقَوْله : { لَا تَدْعُوا الْيَوْم } أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ نَدَمًا وَاحِدًا : أَيْ مَرَّة وَاحِدَة , وَلَكِنْ ادْعُوا ذَلِكَ كَثِيرًا . وَإِنَّمَا قِيلَ : { لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا } لِأَنَّ الثُّبُور مَصْدَر , وَالْمَصَادِر لَا تُجْمَع , وَإِنَّمَا تُوصَف بِامْتِدَادِ وَقْتهَا وَكَثْرَتهَا , كَمَا يُقَال : قَعَدَ قُعُودًا طَوِيلًا , وَأَكَلَ أَكْلًا كَثِيرًا . 19940 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَوَّل مَنْ يُكْسَى حُلَّة مِنْ النَّار إِبْلِيس , فَيَضَعهَا عَلَى حَاجِبَيْهِ , وَيَسْحَبهَا مِنْ خَلْفه , وَذُرِّيَّته مِنْ خَلْفه , وَهُوَ يَقُول : يَا ثُبُورَاه ! وَهُمْ يُنَادُونَ : يَا ثُبُورهمْ ! حَتَّى يَقِفُوا عَلَى النَّار , وَهُوَ يَقُول : يَا ثُبُورَاه ! وَهُمْ يُنَادُونَ : يَا ثُبُورهمْ ! فَيُقَال : { لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } " .
قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَذَلِكَ خَيْر أَمْ جَنَّة الْخُلْد الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالسَّاعَةِ : أَهَذِهِ النَّار الَّتِي وَصَفَ لَكُمْ رَبّكُمْ صِفَتهَا وَصِفَة أَهْلهَا خَيْر , أَمْ بُسْتَان الْخُلْد الَّذِي يَدُوم نَعِيمه وَلَا يَبِيد , الَّذِي وَعَدَ مَنِ اتَّقَاهُ فِي الدُّنْيَا بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ ؟
وَقَوْله : { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } يَقُول : لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ فِي جَنَّة الْخُلْد الَّتِي وَعَدَهُمُوهَا اللَّه , مَا يَشَاءُونَ مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُس وَتَلَذّ الْأَعْيُن .
{ خَالِدِينَ } فِيهَا , يَقُول : لَابِثِينَ فِيهَا مَاكِثِينَ أَبَدًا , لَا يَزُولُونَ عَنْهَا وَلَا يَزُول عَنْهُمْ نَعِيمهَا .
وَقَوْله : { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَسْئُولًا } وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُوا رَبّهمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حِين قَالُوا : { آتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك } 3 194 يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : كَانَ إِعْطَاء اللَّه الْمُؤْمِنِينَ جَنَّة الْخُلْد الَّتِي وَصَفَ صِفَتهَا فِي الْآخِرَة , وَعْدًا وَعَدَهُمْ اللَّه عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا وَمَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19941 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَفْعُولًا } قَالَ : فَسَأَلُوا الَّذِي وَعَدَهُمْ وَتَنَجَّزُوهُ . 19942 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَسْئُولًا } قَالَ : سَأَلُوهُ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا , طَلَبُوا ذَلِكَ فَأَعْطَاهُمْ وَعْدهمْ , إِذْ سَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيهِمْ فَأَعْطَاهُمْ , فَكَانَ ذَلِكَ وَعْدًا مَسْئُولًا , كَمَا وَقَّتَ أَرْزَاق الْعِبَاد فِي الْأَرْض قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمْ فَجَعَلَهَا أَقْوَاتًا لِلسَّائِلِينَ , وَقَّتَ ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَتهمْ . وَقَرَأَ : { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } . 41 10 وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُوَجِّه مَعْنَى قَوْله : { وَعْدًا مَسْئُولًا } إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ وَعْدًا وَاجِبًا , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسْئُول وَاجِب , وَإِنْ لَمْ يُسْأَل كَالدَّيْنِ , وَيَقُول : ذَلِكَ نَظِير قَوْل الْعَرَب : لَأُعْطِيَنَّك أَلْفًا وَعْدًا مَسْئُولًا , بِمَعْنَى وَاجِب لَك فَتَسْأَلهُ .
{ خَالِدِينَ } فِيهَا , يَقُول : لَابِثِينَ فِيهَا مَاكِثِينَ أَبَدًا , لَا يَزُولُونَ عَنْهَا وَلَا يَزُول عَنْهُمْ نَعِيمهَا .
وَقَوْله : { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَسْئُولًا } وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُوا رَبّهمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حِين قَالُوا : { آتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك } 3 194 يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : كَانَ إِعْطَاء اللَّه الْمُؤْمِنِينَ جَنَّة الْخُلْد الَّتِي وَصَفَ صِفَتهَا فِي الْآخِرَة , وَعْدًا وَعَدَهُمْ اللَّه عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا وَمَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19941 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَفْعُولًا } قَالَ : فَسَأَلُوا الَّذِي وَعَدَهُمْ وَتَنَجَّزُوهُ . 19942 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَانَ عَلَى رَبّك وَعْدًا مَسْئُولًا } قَالَ : سَأَلُوهُ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا , طَلَبُوا ذَلِكَ فَأَعْطَاهُمْ وَعْدهمْ , إِذْ سَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيهِمْ فَأَعْطَاهُمْ , فَكَانَ ذَلِكَ وَعْدًا مَسْئُولًا , كَمَا وَقَّتَ أَرْزَاق الْعِبَاد فِي الْأَرْض قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمْ فَجَعَلَهَا أَقْوَاتًا لِلسَّائِلِينَ , وَقَّتَ ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَتهمْ . وَقَرَأَ : { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } . 41 10 وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُوَجِّه مَعْنَى قَوْله : { وَعْدًا مَسْئُولًا } إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ وَعْدًا وَاجِبًا , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسْئُول وَاجِب , وَإِنْ لَمْ يُسْأَل كَالدَّيْنِ , وَيَقُول : ذَلِكَ نَظِير قَوْل الْعَرَب : لَأُعْطِيَنَّك أَلْفًا وَعْدًا مَسْئُولًا , بِمَعْنَى وَاجِب لَك فَتَسْأَلهُ .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم نَحْشُر هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالسَّاعَةِ الْعَابِدِينَ الْأَوْثَان وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنَ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ . كَمَا : 19943 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه } فَيَقُول : { أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ } قَالَ : عِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة . * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَر الْقَارِي وَعَبْد اللَّه بْن كَثِير : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه فَيَقُول } بِالْيَاءِ جَمِيعًا , بِمَعْنَى : وَيَوْم يَحْشُرهُمْ رَبّك , وَيَحْشُر مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون فَيَقُول . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " نَحْشُرهُمْ " بِالنُّونِ , " فَنَقُول " . وَكَذَلِكَ قَرَأَهُ نَافِع . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { فَيَقُول أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ } يَقُول : فَيَقُول اللَّه لِلَّذِينَ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه : أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ ؟ يَقُول : أَنْتُمْ أَزَلْتُمُوهُمْ عَنْ طَرِيق الْهُدَى وَدَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى الْغَيّ وَالضَّلَالَة حَتَّى تَاهُوا وَهَلَكُوا , أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل ؟ يَقُول : أَمْ عِبَادِي هُمْ الَّذِينَ ضَلُّوا سَبِيل الرُّشْد وَالْحَقّ وَسَلَكُوا الْعَطَب .
وَقَوْله : { فَيَقُول أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ } يَقُول : فَيَقُول اللَّه لِلَّذِينَ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه : أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ ؟ يَقُول : أَنْتُمْ أَزَلْتُمُوهُمْ عَنْ طَرِيق الْهُدَى وَدَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى الْغَيّ وَالضَّلَالَة حَتَّى تَاهُوا وَهَلَكُوا , أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل ؟ يَقُول : أَمْ عِبَادِي هُمْ الَّذِينَ ضَلُّوا سَبِيل الرُّشْد وَالْحَقّ وَسَلَكُوا الْعَطَب .
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا سُبْحَانك مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِنْ مَتَّعْتهمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْر وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه وَعِيسَى : تَنْزِيهًا لَك يَا رَبّنَا وَتَبْرِئَة مِمَّا أَضَافَ إِلَيْك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ , مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك مِنْ أَوْلِيَاء نُوَالِيهِمْ , أَنْتَ وَلِيّنَا مِنْ دُونهمْ , وَلَكِنْ مَتَّعْتهمْ بِالْمَالِ يَا رَبّنَا فِي الدُّنْيَا وَالصِّحَّة حَتَّى نَسُوا الذِّكْر وَكَانُوا قَوْمًا هَلْكَى قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الشَّقَاء وَالْخِذْلَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19944 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَكِنْ مَتَّعْتهمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْر وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } يَقُول : قَوْم قَدْ ذَهَبَتْ أَعْمَالهمْ وَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَال صَالِحَة . 19945 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } يَقُول : هَلْكَى . 19946 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } يَقُول : هَلْكَى . 19947 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ الْحَسَن : { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا خَيْر فِيهِمْ . 19948 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } قَالَ : يَقُول : لَيْسَ مِنْ الْخَيْر فِي شَيْء . الْبُور : الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْخَيْر شَيْء . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك مِنْ أَوْلِيَاء } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { نَتَّخِذ } بِفَتْحِ النُّون ; سِوَى الْحَسَن وَيَزِيد بْن الْقَعْقَاع , فَإِنَّهُمَا قَرَآهُ : " أَنْ نُتَّخَذ " بِضَمِّ النُّون . فَذَهَبَ الَّذِينَ فَتَحُوهَا إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي تَأْوِيله , مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَة وَعِيسَى وَمَنْ عَبَدَ مِنْ دُون اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الَّذِينَ تَبَرَّءُوا أَنْ يَكُون كَانَ لَهُمْ وَلِيّ غَيْر اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِضَمِّ النُّون , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّ الْمَعْبُودِينَ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا تَبَرَّءُوا إِلَى اللَّه أَنْ يَكُون كَانَ لَهُمْ أَنْ يُعْبَدُوا مِنْ دُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ إِذَا قِيلَ { أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } 5 116 { مَا قُلْت لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ } 5 117 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ النُّون , لِعِلَلٍ ثَلَاث : إِحْدَاهُنَّ إِجْمَاع مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . وَالثَّانِيَة : أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ نَظِير هَذِهِ الْقِصَّة فِي سُورَة سَبَأ , فَقَالَ : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُول لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانك أَنْتَ وَلِيّنَا مِنْ دُونهمْ } 34 40 : 41 فَأَخْبَرَ عَنْ الْمَلَائِكَة أَنَّهُمْ إِذَا سُئِلُوا عَنْ عِبَادَة مَنْ عَبَدَهُمْ تَبَرَّءُوا إِلَى اللَّه مِنْ وِلَايَتهمْ , فَقَالُوا لِرَبِّهِمْ : { أَنْتَ وَلِيّنَا مِنْ دُونهمْ } 34 41 فَذَلِكَ يُوَضِّح عَنْ صِحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك مِنْ أَوْلِيَاء } بِمَعْنَى : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذهُمْ مِنْ دُونك أَوْلِيَاء . وَالثَّالِثَة : أَنَّ الْعَرَب لَا تُدْخِل " مِنْ " هَذِهِ الَّتِي تَدْخُل فِي الْجَحْد إِلَّا فِي الْأَسْمَاء , وَلَا تُدْخِلهَا فِي الْأَخْبَار , لَا يَقُولُونَ : مَا رَأَيْت أَخَاك مِنْ رَجُل , وَإِنَّمَا يَقُولُونَ : مَا رَأَيْت مِنْ أَحَد , وَمَا عِنْدِي مِنْ رَجُل ; وَقَدْ دَخَلَتْ هَا هُنَا فِي الْأَوْلِيَاء وَهِيَ فِي مَوْضِع الْخَبَر , وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا " مِنْ " , كَانَ وَجْهًا حَسَنًا . وَأَمَّا الْبُور : فَمَصْدَر وَاحِد , وَجَمْع لِلْبَائِرِ , يُقَال : أَصْبَحَتْ مَنَازِلهمْ بُورًا : أَيْ خَالِيَة لَا شَيْء فِيهَا , وَمِنْهُ قَوْلهمْ : بَارَتْ السُّوق وَبَارَ الطَّعَام : إِذَا خَلَا مِنْ الطُّلَّاب وَالْمُشْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَالِب , فَصَارَ كَالشَّيْءِ الْهَالِك ; وَمِنْهُ قَوْل ابْن الزِّبَعْرَى : يَا رَسُول الْمَلِيك إِنَّ لِسَانِي رَاتِق مَا فَتَقْت إِذْ أَنَا بُور وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ بُور : مَصْدَر , كَالْعَدْلِ وَالزُّور وَالْقَطْع , لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَع وَلَا يُؤَنَّث . وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْبُورِ فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّ أَعْمَال هَؤُلَاءِ الْكُفَّار كَانَتْ بَاطِلَة لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ , كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ ابْن عَبَّاس .
فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَمَّا هُوَ قَائِل لِلْمُشْرِكِينَ عِنْد تَبَرِّي مَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُون اللَّه مِنْهُمْ : قَدْ كَذَّبُوكُمْ أَيّهَا الْكَافِرُونَ مَنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ أَضَلُّوكُمْ وَدَعَوْكُمْ إِلَى عِبَادَتهمْ { بِمَا تَقُولُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِكُمْ , يَقُول : كَذَّبُوكُمْ بِكَذِبِكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19949 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } يَقُول اللَّه لِلَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ عِيسَى وَعُزَيْرًا وَالْمَلَائِكَة , يُكَذِّبُونَ الْمُشْرِكِينَ . 19950 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } قَالَ : عِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة , يُكَذِّبُونَ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِمْ . وَكَانَ ابْن زَيْد يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , مَا : 19951 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنُونَ آمَنُوا بِهِ وَكَذَّبَ هَؤُلَاءِ . فَوَجَّهَ ابْن زَيْد تَأْوِيل قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } إِلَى : فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد مِنْ عِنْد اللَّه بِمَا تَقُولُونَ مِنَ الْحَقّ , وَهُوَ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ الَّذِينَ كَذَّبُوا الْكَافِرِينَ فِي زَعْمهمْ أَنَّهُمْ دَعَوْهُمْ إِلَى الضَّلَالَة وَأَمَرُوهُمْ بِهَا , عَلَى مَا قَالَهُ مُجَاهِد مِنَ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ , أَشْبَه وَأَوْلَى ; لِأَنَّهُ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ , وَالْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } بِالتَّاءِ , عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهِ . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَرَأَهُ : " فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا يَقُولُونَ " بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِقَوْلِهِمْ .
وَقَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } يَقُول : فَمَا يَسْتَطِيع هَؤُلَاءِ الْكُفَّار صَرْف عَذَاب اللَّه حِين نَزَلَ بِهِمْ عَنْ أَنْفُسهمْ , وَلَا نَصْرهَا مِنَ اللَّه حِين عَذَّبَهَا وَعَاقَبَهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19952 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : الْمُشْرِكُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : الْمُشْرِكُونَ . قَالَ ابْن جُرَيْج : لَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْف الْعَذَاب عَنْهُمْ , وَلَا نَصْر أَنْفُسهمْ . 19953 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : لَا يَسْتَطِيعُونَ يَصْرِفُونَ عَنْهُمُ الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ حِين كَذَّبُوا , وَلَا أَنْ يَنْتَصِرُوا . قَالَ : وَيُنَادِي مُنَادٍ يَوْم الْقِيَامَة حِين يَجْتَمِع الْخَلَائِق : مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ؟ قَالَ : مَنْ عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَنْصُر الْيَوْم مَنْ عَبَدَهُ , وَقَالَ الْعَابِدُونَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَنْصُرهُ الْيَوْم إِلَهه الَّذِي يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { بَلْ هُمُ الْيَوْم مُسْتَسْلِمُونَ } 37 26 وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْد فَكِيدُونِ } 77 39 وَرُوِيَ عَنِ ابْن مَسْعُود فِي ذَلِكَ مَا : 19954 - حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : هِيَ فِي حَرْف عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : " فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَك صَرْفًا " . فَإِنْ تَكُنْ هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْهُ صَحِيحَة , صَحَّ التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } وَيَصِير قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } خَبَرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا الْمُؤْمِنِينَ , وَيَكُون تَأْوِيل قَوْله حِينَئِذٍ : { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } فَمَا يَسْتَطِيع يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْكُفَّار لَك صَرْفًا عَنِ الْحَقّ الَّذِي هَدَاك اللَّه لَهُ , وَلَا نَصْر أَنْفُسهمْ , مِمَّا بِهِمْ مِنْ الْبَلَاء الَّذِي هُمْ فِيهِ , بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ - يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَظْلِم } وَمَنْ يُشْرِك بِاللَّهِ فَيَظْلِم نَفْسه - فَذَلِكَ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا , كَالَّذِي ذَكَرْنَا أَنْ نُذِيقهُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19955 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } قَالَ : يُشْرِك ; { نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . 19956 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } قَالَ : هُوَ الشِّرْك :
وَقَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } يَقُول : فَمَا يَسْتَطِيع هَؤُلَاءِ الْكُفَّار صَرْف عَذَاب اللَّه حِين نَزَلَ بِهِمْ عَنْ أَنْفُسهمْ , وَلَا نَصْرهَا مِنَ اللَّه حِين عَذَّبَهَا وَعَاقَبَهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19952 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : الْمُشْرِكُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : الْمُشْرِكُونَ . قَالَ ابْن جُرَيْج : لَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْف الْعَذَاب عَنْهُمْ , وَلَا نَصْر أَنْفُسهمْ . 19953 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } قَالَ : لَا يَسْتَطِيعُونَ يَصْرِفُونَ عَنْهُمُ الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ حِين كَذَّبُوا , وَلَا أَنْ يَنْتَصِرُوا . قَالَ : وَيُنَادِي مُنَادٍ يَوْم الْقِيَامَة حِين يَجْتَمِع الْخَلَائِق : مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ؟ قَالَ : مَنْ عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَنْصُر الْيَوْم مَنْ عَبَدَهُ , وَقَالَ الْعَابِدُونَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَنْصُرهُ الْيَوْم إِلَهه الَّذِي يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { بَلْ هُمُ الْيَوْم مُسْتَسْلِمُونَ } 37 26 وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْد فَكِيدُونِ } 77 39 وَرُوِيَ عَنِ ابْن مَسْعُود فِي ذَلِكَ مَا : 19954 - حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : هِيَ فِي حَرْف عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : " فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَك صَرْفًا " . فَإِنْ تَكُنْ هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْهُ صَحِيحَة , صَحَّ التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } وَيَصِير قَوْله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } خَبَرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا الْمُؤْمِنِينَ , وَيَكُون تَأْوِيل قَوْله حِينَئِذٍ : { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا } فَمَا يَسْتَطِيع يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْكُفَّار لَك صَرْفًا عَنِ الْحَقّ الَّذِي هَدَاك اللَّه لَهُ , وَلَا نَصْر أَنْفُسهمْ , مِمَّا بِهِمْ مِنْ الْبَلَاء الَّذِي هُمْ فِيهِ , بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ - يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَظْلِم } وَمَنْ يُشْرِك بِاللَّهِ فَيَظْلِم نَفْسه - فَذَلِكَ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا , كَالَّذِي ذَكَرْنَا أَنْ نُذِيقهُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19955 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } قَالَ : يُشْرِك ; { نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . 19956 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَمَنْ يَظْلِم مِنْكُمْ } قَالَ : هُوَ الشِّرْك :
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق } . وَهَذَا احْتِجَاج مِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ عَلَى مُشْرِكِي قَوْمه الَّذِينَ قَالُوا : { مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق } 25 7 وَجَوَاب لَهُمْ عَنْهُ , يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا أَنْكَرَ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق , مِنْ أَكْلك الطَّعَام وَمَشْيك فِي الْأَسْوَاق , وَأَنْتَ لِلَّهِ رَسُول ; فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّا مَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق كَالَّذِي تَأْكُل أَنْتَ وَتَمْشِي , فَلَيْسَ لَهُمْ عَلَيْك بِمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ حُجَّة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ " مَنْ " لَيْسَتْ فِي التِّلَاوَة , فَكَيْفَ قُلْت مَعْنَى الْكَلَام : إِلَّا مَنْ - إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام ؟ قِيلَ : قُلْنَا فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ : أَنَّ الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : " إِنَّهُمْ " , كِنَايَة أَسْمَاء لَمْ تُذْكَر , وَلَا بُدّ لَهَا مِنْ أَنْ تَعُود عَلَى مَنْ كُنِّيَ عَنْهُ بِهَا , وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْر " مَنْ " وَإِظْهَاره فِي الْكَلَام اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { مِنَ الْمُرْسَلِينَ } عَلَيْهِ , كَمَا اكْتُفِيَ فِي قَوْله : { وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَام مَعْلُوم } 37 164 مِنْ إِظْهَار " مَنْ " , وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا مِنَّا إِلَّا مَنْ لَهُ مَقَام مَعْلُوم , كَمَا قِيلَ : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا } 19 71 وَمَعْنَاهُ : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ هُوَ وَارِدهَا ; فَقَوْله : { إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام } صِلَة لِ " مَنْ " الْمَتْرُوك , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : مَا أَرْسَلْت إِلَيْك مِنَ النَّاس إِلَّا مَنْ إِنَّهُ لَيُبَلِّغك الرِّسَالَة , فَإِنَّهُ " لَيُبَلِّغك الرِّسَالَة " صِلَة لِ " مَنْ " .
وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَامْتَحَنَّا أَيّهَا النَّاس بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ , جَعَلْنَا هَذَا نَبِيًّا وَخَصَّصْنَاهُ بِالرِّسَالَةِ , وَهَذَا مَلِكًا وَخَصَّصْنَاهُ بِالدُّنْيَا , وَهَذَا فَقِيرًا وَحَرَمْنَاهُ الدُّنْيَا ; لِنَخْتَبِر الْفَقِير بِصَبْرِهِ عَلَى مَا حُرِمَ مِمَّا أُعْطِيه الْغَنِيّ , وَالْمَلِك بِصَبْرِهِ عَلَى مَا أُعْطِيه الرَّسُول مِنَ الْكَرَاهَة , وَكَيْف رَضِيَ كُلّ إِنْسَان مِنْهُمْ بِمَا أُعْطِيَ وَقُسِمَ لَهُ , وَطَاعَته رَبّه مَعَ مَا حُرِمَ مِمَّا أُعْطِيَ غَيْره . يَقُول : فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ لَمْ أُعْطِ مُحَمَّدًا الدُّنْيَا , وَجَعَلْته يَطْلُب الْمَعَاش فِي الْأَسْوَاق , وَلِأَبْتَلِيَكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَأَخْتَبِر طَاعَتكُمْ رَبّكُمْ وَإِجَابَتكُمْ رَسُوله إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ , بِغَيْرِ عَرَض مِنْ الدُّنْيَا تَرْجُونَهُ مِنْ مُحَمَّد أَنْ يُعْطِيكُمْ عَلَى اتِّبَاعكُمْ إِيَّاهُ ; لِأَنِّي لَوْ أَعْطَيْته الدُّنْيَا , لَسَارَعَ كَثِير مِنْكُمْ إِلَى اتِّبَاعه طَمَعًا فِي دُنْيَاهُ أَنْ يَنَال مِنْهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19957 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : ثني عَبْد الْقُدُّوس , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة } ... الْآيَة , يَقُول هَذَا الْأَعْمَى : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي بَصِيرًا مِثْل فُلَان , وَيَقُول هَذَا الْفَقِير : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي غَنِيًّا مِثْل فُلَان , وَيَقُول هَذَا السَّقِيم : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي صَحِيحًا مِثْل فُلَان . 19958 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة أَتَصْبِرُونَ } قَالَ : يُمْسِك عَنْ هَذَا وَيُوَسِّع عَلَى هَذَا , فَيَقُول : لَمْ يُعْطِنِي مِثْل مَا أَعْطَى فُلَانًا , وَيُبْتَلَى بِالْوَجَعِ كَذَلِكَ , فَيَقُول : لَمْ يَجْعَلنِي رَبِّي صَحِيحًا مِثْل فُلَان ; فِي أَشْبَاه ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاء , لِيَعْلَم مَنْ يَصْبِر مِمَّنْ يَجْزَع . 19959 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , فِيمَا يَرْوِي الطَّبَرِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق } ... 25 7 الْآيَة : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة أَتَصْبِرُونَ } أَيْ جَعَلْت بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ بَلَاء , لِتَصْبِرُوا عَلَى مَا تَسْمَعُونَ مِنْهُمْ , وَتَرَوْنَ مِنْ خِلَافهمْ , وَتَتَّبِعُوا الْهُدَى بِغَيْرِ أَنْ أُعْطِيهِمْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا ; وَلَوْ شِئْت أَنْ أَجْعَل الدُّنْيَا مَعَ رُسُلِي فَلَا يُخَالِفُونَ لَفَعَلْت , وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَبْتَلِي الْعِبَاد بِكُمْ وَأَبْتَلِيكُمْ بِهِمْ.
وَقَوْله : { وَكَانَ رَبّك بَصِيرًا } يَقُول : وَرَبّك يَا مُحَمَّد بَصِير بِمَنْ يَجْزَع وَمَنْ يَصْبِر عَلَى مَا امْتُحِنَ بِهِ مِنَ الْمِحَن . كَمَا : 19960 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { وَكَانَ رَبّك بَصِيرًا } إِنَّ رَبّك لَبَصِير بِمَنْ يَجْزَع وَمَنْ يَصْبِر .
وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَامْتَحَنَّا أَيّهَا النَّاس بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ , جَعَلْنَا هَذَا نَبِيًّا وَخَصَّصْنَاهُ بِالرِّسَالَةِ , وَهَذَا مَلِكًا وَخَصَّصْنَاهُ بِالدُّنْيَا , وَهَذَا فَقِيرًا وَحَرَمْنَاهُ الدُّنْيَا ; لِنَخْتَبِر الْفَقِير بِصَبْرِهِ عَلَى مَا حُرِمَ مِمَّا أُعْطِيه الْغَنِيّ , وَالْمَلِك بِصَبْرِهِ عَلَى مَا أُعْطِيه الرَّسُول مِنَ الْكَرَاهَة , وَكَيْف رَضِيَ كُلّ إِنْسَان مِنْهُمْ بِمَا أُعْطِيَ وَقُسِمَ لَهُ , وَطَاعَته رَبّه مَعَ مَا حُرِمَ مِمَّا أُعْطِيَ غَيْره . يَقُول : فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ لَمْ أُعْطِ مُحَمَّدًا الدُّنْيَا , وَجَعَلْته يَطْلُب الْمَعَاش فِي الْأَسْوَاق , وَلِأَبْتَلِيَكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَأَخْتَبِر طَاعَتكُمْ رَبّكُمْ وَإِجَابَتكُمْ رَسُوله إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ , بِغَيْرِ عَرَض مِنْ الدُّنْيَا تَرْجُونَهُ مِنْ مُحَمَّد أَنْ يُعْطِيكُمْ عَلَى اتِّبَاعكُمْ إِيَّاهُ ; لِأَنِّي لَوْ أَعْطَيْته الدُّنْيَا , لَسَارَعَ كَثِير مِنْكُمْ إِلَى اتِّبَاعه طَمَعًا فِي دُنْيَاهُ أَنْ يَنَال مِنْهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19957 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : ثني عَبْد الْقُدُّوس , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة } ... الْآيَة , يَقُول هَذَا الْأَعْمَى : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي بَصِيرًا مِثْل فُلَان , وَيَقُول هَذَا الْفَقِير : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي غَنِيًّا مِثْل فُلَان , وَيَقُول هَذَا السَّقِيم : لَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَنِي صَحِيحًا مِثْل فُلَان . 19958 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة أَتَصْبِرُونَ } قَالَ : يُمْسِك عَنْ هَذَا وَيُوَسِّع عَلَى هَذَا , فَيَقُول : لَمْ يُعْطِنِي مِثْل مَا أَعْطَى فُلَانًا , وَيُبْتَلَى بِالْوَجَعِ كَذَلِكَ , فَيَقُول : لَمْ يَجْعَلنِي رَبِّي صَحِيحًا مِثْل فُلَان ; فِي أَشْبَاه ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاء , لِيَعْلَم مَنْ يَصْبِر مِمَّنْ يَجْزَع . 19959 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , فِيمَا يَرْوِي الطَّبَرِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق } ... 25 7 الْآيَة : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة أَتَصْبِرُونَ } أَيْ جَعَلْت بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ بَلَاء , لِتَصْبِرُوا عَلَى مَا تَسْمَعُونَ مِنْهُمْ , وَتَرَوْنَ مِنْ خِلَافهمْ , وَتَتَّبِعُوا الْهُدَى بِغَيْرِ أَنْ أُعْطِيهِمْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا ; وَلَوْ شِئْت أَنْ أَجْعَل الدُّنْيَا مَعَ رُسُلِي فَلَا يُخَالِفُونَ لَفَعَلْت , وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَبْتَلِي الْعِبَاد بِكُمْ وَأَبْتَلِيكُمْ بِهِمْ.
وَقَوْله : { وَكَانَ رَبّك بَصِيرًا } يَقُول : وَرَبّك يَا مُحَمَّد بَصِير بِمَنْ يَجْزَع وَمَنْ يَصْبِر عَلَى مَا امْتُحِنَ بِهِ مِنَ الْمِحَن . كَمَا : 19960 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { وَكَانَ رَبّك بَصِيرًا } إِنَّ رَبّك لَبَصِير بِمَنْ يَجْزَع وَمَنْ يَصْبِر .
وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة أَوْ نَرَى رَبّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسهمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ لِقَاءَنَا , وَلَا يَخْشَوْنَ عِقَابنَا , هَلَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْنَا مَلَائِكَة , فَتُخْبِرنَا أَنَّ مُحَمَّدًا مُحِقّ فِيمَا يَقُول , وَأَنَّ مَا جَاءَنَا بِهِ صِدْق , أَوْ نَرَى رَبّنَا فَيُخْبِرنَا بِذَلِكَ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْهُمْ : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تَفْجُر لَنَا مِنَ الْأَرْض يَنْبُوعًا } 17 90 ثُمَّ قَالَ بَعْد : { أَوْ تَأْتِي بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا } 17 92 يَقُول اللَّه : لَقَدِ اسْتَكْبَرَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة فِي أَنْفُسهمْ , وَتَعَظَّمُوا , { وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } يَقُول : وَتَجَاوَزُوا فِي الِاسْتِكْبَار بِقِيلِهِمْ ذَلِكَ حَدّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19961 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ كُفَّار قُرَيْش : { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة } فَيُخْبِرُونَا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه { لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسهمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا } لِأَنَّ " عَتَا " مِنْ ذَوَات الْوَاو , فَأُخْرِجَ مَصْدَره عَلَى الْأَصْل بِالْوَاوِ . وَقِيلَ فِي سُورَة مَرْيَم : { وَقَدْ بَلَغْت مِنَ الْكِبَر عِتِيًّا } 19 8 وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ الْمَصَادِر فِي هَذَا الْوَجْه جَمْع الْأَسْمَاء كَقَوْلِهِمْ : قَعَدَ قُعُودًا , وَهُمْ قَوْم قُعُود , فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْعَاتِي يُجْمَع عِتِيًّا بِنَاء عَلَى الْوَاحِد , جُعِلَ مَصْدَره أَحْيَانًا مُوَافِقًا لِجَمْعِهِ , وَأَحْيَانَا مَرْدُودًا إِلَى أَصْله.
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَوْم يَرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة أَوْ نَرَى رَبّنَا } بِتَصْدِيقِ مُحَمَّد الْمَلَائِكَة , فَلَا بُشْرَى لَهُمْ يَوْمئِذٍ بِخَيْرٍ . { يَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } يَعْنِي أَنَّ الْمَلَائِكَة يَقُولُونَ لِلْمُجْرِمِينَ حِجْرًا مَحْجُورًا , حَرَامًا عَلَيْكُمُ الْيَوْم الْبُشْرَى أَنْ تَكُون لَكُمْ مِنَ اللَّه ; وَمِنَ الْحِجْر قَوْل الْمُتَلَمِّس : حَنَّتْ إِلَى نَخْلَة الْقُصْوَى فَقُلْت لَهَا حِجْر حَرَام أَلَا تِلْكَ الدَّهَارِيس وَمِنْهُ قَوْلهمْ : حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى فُلَان , وَحَجَرَ فُلَان عَلَى أَهْله ; وَمِنْهُ حِجْر الْكَعْبَة ; لِأَنَّهُ لَا يُدْخَل إِلَيْهِ فِي الطَّوَاف , وَإِنَّمَا يُطَاف مِنْ وَرَائِهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر . فَهَمَمْت أَنَا أَلْقَى إِلَيْهَا مَحْجَرًا فَلِمِثْلِهَا يُلْقَى إِلَيْهِ الْمَحْجَر أَيْ مِثْلهَا يُرْكَب مِنْهُ الْمَحْرَم . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُخْبَر عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } وَمَنْ قَائِلُوهُ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ قَائِلُو ذَلِكَ الْمَلَائِكَة لِلْمُجْرِمِينَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19962 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنِ الْأَجْلَح , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ قَوْل اللَّه : { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : تَقُول الْمَلَائِكَة : حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ تَكُون لَكُمُ الْبُشْرَى . 19963 - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ جَدِّي , عَنِ الْحَسَن , عَنْ قَتَادَة : { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : هِيَ كَلِمَة كَانَتِ الْعَرَب تَقُولهَا , كَانَ الرَّجُل إِذَا نَزَلَ بِهِ شِدَّة قَالَ : حِجْرًا , يَقُول : حَرَامًا مُحَرَّمًا . 19964 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } لَمَّا جَاءَتْ زَلَازِل السَّاعَة , فَكَانَ مِنْ زَلَازِلهَا أَنَّ السَّمَاء انْشَقَّتْ { فَهِيَ يَوْمئِذٍ وَاهِيَة وَالْمَلَك عَلَى أَرْجَائِهَا } 69 16 : 17 عَلَى شَفَة كُلّ شَيْء تَشَقَّق مِنَ السَّمَاء , فَذَلِكَ قَوْله : { يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ } يَعْنِي الْمَلَائِكَة تَقُول لِلْمُجْرِمِينَ : حَرَامًا مُحَرَّمًا أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ أَنْ تَكُون لَكُمُ الْبُشْرَى الْيَوْم حِين رَأَيْتُمُونَا . 19965 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ : عَوْذًا مُعَاذًا . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , وَزَادَ فِيهِ : الْمَلَائِكَة تَقُولهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ خَبَر مِنَ اللَّه عَنْ قِيلَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا عَايَنُوا الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19966 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قَالَ ابْن جُرَيْج : كَانَتِ الْعَرَب إِذَا كَرِهُوا شَيْئًا قَالُوا : حِجْرًا , فَقَالُوا حِين عَايَنُوا الْمَلَائِكَة . قَالَ ابْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : { حِجْرًا } عَوْذًا , يَسْتَعِيذُونَ مِنَ الْمَلَائِكَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ الْحِجْر هُوَ الْحَرَام , فَمَعْلُوم أَنَّ الْمَلَائِكَة هِيَ الَّتِي تُخْبِر أَهْل الْكُفْر أَنَّ الْبُشْرَى عَلَيْهِمْ حَرَام . وَأَمَّا الِاسْتِعَاذَة فَإِنَّهَا الِاسْتِجَارَة , وَلَيْسَتْ بِتَحْرِيمٍ . وَمَعْلُوم أَنَّ الْكُفَّار لَا يَقُولُونَ لِلْمَلَائِكَةِ حَرَام عَلَيْكُمْ , فَيُوَجَّه الْكَلَام إِلَى أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ قِيل الْمُجْرِمِينَ لِلْمَلَائِكَةِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَدِمْنَا } وَعَمَدْنَا إِلَى مَا عَمِلَ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ { مِنْ عَمَل } ; وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : وَقَدِمَ الْخَوَارِج الضُّلَّال إِلَى عِبَاد رَبّهمْ وَقَالُوا إِنَّ دِمَاءَكُمْ لَنَا حَلَال يَعْنِي بِقَوْلِهِ : قَدِمَ : عَمَدَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَقَدِمْنَا } قَالَ : عَمَدْنَا . 19968 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله وَقَوْله : { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا } يَقُول : فَجَعَلْنَاهُ بَاطِلًا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوهُ لِلَّهِ وَإِنَّمَا عَمِلُوهُ لِلشَّيْطَانِ . وَالْهَبَاء : هُوَ الَّذِي يُرَى كَهَيْئَةِ الْغُبَار إِذَا دَخَلَ ضَوْء الشَّمْس مِنْ كُوَّة يَحْسَبهُ النَّاظِر غُبَارًا لَيْسَ بِشَيْءٍ تَقْبِض عَلَيْهِ الْأَيْدِي وَلَا تَمَسّهُ , وَلَا يُرَى ذَلِكَ فِي الظِّلّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19969 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : الْغُبَار الَّذِي يَكُون فِي الشَّمْس . 19970 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : الشُّعَاع فِي كُوَّة أَحَدهمْ إِنْ ذَهَبَ يَقْبِض عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَطِعْ . 19971 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : شُعَاع الشَّمْس مِنَ الْكُوَّة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : مَا رَأَيْت شَيْئًا يَدْخُل الْبَيْت مِنَ الشَّمْس تَدْخُلهُ مِنَ الْكُوَّة , فَهُوَ الْهَبَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مَا تَسْفِيه الرِّيَاح مِنَ التُّرَاب , وَتَذْرُوهُ مِنْ حُطَام الْأَشْجَار , وَنَحْو ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19972 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : مَا تَسْفِي الرِّيح وَتَبُثّهُ . 19973 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : هُوَ مَا تَذْرُو الرِّيح مِنْ حُطَام هَذَا الشَّجَر . 19974 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن يَزِيد , فِي قَوْله : { هَبَاء مَنْثُورًا } قَالَ : الْهَبَاء : الْغُبَار . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْمَاء الْمُهْرَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19975 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { هَبَاء مَنْثُورًا } يُقَال : الْمَاء الْمُهْرَاق .
وَقَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَهْل الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة خَيْر مُسْتَقَرًّا , وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ مِنْ مَنَازِلهمْ فِي الْجَنَّة مِنْ مُسْتَقَرّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَفْتَخِرُونَ بِأَمْوَالِهِمْ , وَمَا أُوتُوا مِنْ عَرَض هَذِهِ الدُّنْيَا فِي الدُّنْيَا , وَأَحْسَن مِنْهُمْ فِيهَا مَقِيلًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَهَلْ فِي الْجَنَّة قَائِلَة , فَيُقَال { وَأَحْسَن مَقِيلًا } فِيهَا ؟ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَحْسَن فِيهَا قَرَارًا فِي أَوْقَات قَائِلَتهمْ فِي الدُّنْيَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ ذُكِرَ أَنَّ أَهْل الْجَنَّة لَا يَمُرّ فِيهِمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا قَدْر مِيقَات النَّهَار مِنْ أَوَّله إِلَى وَقْت الْقَائِلَة , حَتَّى يَسْكُنُوا مَسَاكِنهمْ فِي الْجَنَّة , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { وَأَحْسَن مَقِيلًا } . ذِكْر الرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ : 19976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ ابْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } يَقُول : قَالُوا فِي الْغُرَف فِي الْجَنَّة , وَكَانَ حِسَابهمْ أَنْ عُرِضُوا عَلَى رَبّهمْ عَرْضَة وَاحِدَة , وَذَلِكَ الْحِسَاب الْيَسِير , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِب إِلَى أَهْله مَسْرُورًا } 84 8 : 9 19977 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يُفْرَغ مِنْ حِسَاب النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي نِصْف النَّهَار , فَيُقِيل هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَهَؤُلَاءِ فِي النَّار . 19978 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } قَالَ : لَمْ يَنْتَصِف النَّهَار حَتَّى يَقْضِي اللَّه بَيْنهمْ , فَيُقِيل أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة وَأَهْل النَّار فِي النَّار . قَالَ : وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : { ثُمَّ إِنَّ مَقِيلهمْ لَإِلَى الْجَحِيم } . 19979 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ الْحِسَاب مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّله , وَقَالَ الْقَوْم حِين قَالُوا فِي مَنَازِلهمْ مِنَ الْجَنَّة , وَقَرَأَ { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } . 19980 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ سَعِيدًا الصَّوَّاف حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ : أَنَّ يَوْم الْقِيَامَة يَقْضِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُون كَمَا بَيْن الْعَصْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس , وَأَنَّهُمْ يَقِيلُونَ فِي رِيَاض الْجَنَّة حَتَّى يَفْرُغ مِنَ النَّاس , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا قُلْنَا : مَعْنَى ذَلِكَ : خَيْر مُسْتَقَرًّا فِي الْجَنَّة مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَمَّ بِقَوْلِهِ : { أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ خَيْر مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَن مَقِيلًا } جَمِيع أَحْوَال الْجَنَّة فِي الْآخِرَة أَنَّهَا خَيْر فِي الِاسْتِقْرَار فِيهَا , وَالْقَائِلَة مِنْ جَمِيع أَحْوَال أَهْل النَّار , وَلَمْ يَخُصّ بِذَلِكَ أَنَّهُ خَيْر مِنْ أَحْوَالهمْ فِي النَّار دُون الدُّنْيَا , وَلَا فِي الدُّنْيَا دُون الْآخِرَة , فَالْوَاجِب أَنْ يَعُمّ كَمَا عَمَّ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَيُقَال : أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة خَيْر مُسْتَقَرًّا فِي الْجَنَّة مِنْ أَهْل النَّار فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَأَحْسَن مِنْهُمْ مَقِيلًا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , صَحَّ فَسَاد قَوْل مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ تَفْضِيل أَهْل الْجَنَّة بِقَوْلِ اللَّه : { خَيْر مُسْتَقَرًّا } عَلَى غَيْر الْوَجْه الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام النَّاس بَيْنهمْ فِي قَوْلهمْ : هَذَا خَيْر مِنْ هَذَا , وَهَذَا أَحْسَن مِنْ هَذَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا } اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { تَشَقَّق } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز : " وَيَوْم تَشَّقَّق " بِتَشْدِيدِ الشِّين بِمَعْنَى : تَتَشَقَّق , فَأَدْغَمُوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الشِّين فَشَدَّدُوهَا , كَمَا قَالَ : { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } 37 8 وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { وَيَوْم تَشَقَّق } بِتَخْفِيفِ الشِّين وَالِاجْتِزَاء بِإِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء عَنِ الْغَمَام . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ غَمَام أَبْيَض مِثْل الْغَمَام الَّذِي ظَلَّلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , وَجُعِلَتِ الْبَاء , فِي قَوْله : { بِالْغَمَامِ } مَكَان " عَنْ " كَمَا تَقُول : رَمَيْت عَنِ الْقَوْس وَبِالْقَوْسِ , وَعَلَى الْقَوْس , بِمَعْنًى وَاحِد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19981 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ } قَالَ : هُوَ الَّذِي قَالَ : { فِي ظُلَل مِنَ الْغَمَام } 2 210 الَّذِي يَأْتِي اللَّه فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة , وَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ قَطُّ إِلَّا لِبَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ ابْن جُرَيْج : الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي اللَّه فِيهِ غَمَام زَعَمُوا فِي الْجَنَّة . 19982 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد الْجَلِيل , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : يَهْبِط اللَّه حِين يَهْبِط , وَبَيْنه وَبَيْن خَلْقه سَبْعُونَ حِجَابًا , مِنْهَا النُّور وَالظُّلْمَة وَالْمَاء , فَيُصَوِّت الْمَاء صَوْتًا تَنْخَلِع لَهُ الْقُلُوب . 19983 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنَ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة } يَقُول : وَالْمَلَائِكَة حَوْله . 19984 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , أَنَّهُ سَمِعَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إِنَّ هَذِهِ السَّمَاء إِذَا انْشَقَّتْ نَزَلَ مِنْهَا مِنَ الْمَلَائِكَة أَكْثَر مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس , وَهُوَ يَوْم التَّلَاق , يَوْم يَلْتَقِي أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض , فَيَقُول أَهْل الْأَرْض : جَاءَ رَبّنَا , فَيَقُولُونَ : لَمْ يَجِئْ وَهُوَ آتٍ , ثُمَّ تَتَشَقَّق السَّمَاء الثَّانِيَة , ثُمَّ سَمَاء سَمَاء عَلَى قَدْر ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيف إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة , فَيَنْزِل مِنْهَا مِنْ الْمَلَائِكَة أَكْثَر مِنْ جَمِيع مَنْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاوَات وَمِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس . قَالَ : فَتَنْزِل الْمَلَائِكَة الْكَرُوبِيُّونَ , ثُمَّ يَأْتِي رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي حَمَلَة الْعَرْش الثَّمَانِيَة بَيْن كَعْب كُلّ مَلَك وَرُكْبَته مَسِيرَة سَبْعِينَ سَنَة , وَبَيْن فَخِذه وَمَنْكِبه مَسِيرَة سَبْعِينَ سَنَة , قَالَ : وَكُلّ مَلَك مِنْهُمْ لَمْ يَتَأَمَّل وَجْه صَاحِبه , وَكُلّ مَلَك مِنْهُمْ وَاضِع رَأْسه بَيْن ثَدْيَيْهِ يَقُول : سُبْحَان الْمَلِك الْقُدُّوس , وَعَلَى رُءُوسهمْ شَيْء مَبْسُوط كَأَنَّهُ الْقَبَاء , وَالْعَرْش فَوْق ذَلِكَ , ثُمَّ وَقَفَ . 19985 - قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ هَارُون بْن وَثَّاب , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : حَمَلَة الْعَرْش ثَمَانِيَة , فَأَرْبَعَة مِنْهُمْ يَقُولُونَ : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك , لَك الْحَمْد عَلَى حِلْمك بَعْد عِلْمك , وَأَرْبَعَة يَقُولُونَ : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك , لَك الْحَمْد عَلَى عَفْوك بَعْد قُدْرَتك . 19986 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : إِذَا نَظَرَ أَهْل الْأَرْض إِلَى الْعَرْش يَهْبِط عَلَيْهِمْ , فَوْقهمْ شَخَصَتْ إِلَيْهِ أَبْصَارهمْ , وَرَجَفَتْ كُلَاهُمْ فِي أَجْوَافهمْ , قَالَ : وَطَارَتْ قُلُوبهمْ مِنْ مَقَرّهَا فِي صُدُورهمْ إِلَى حَنَاجِرهمْ . 19987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا } يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة حِين تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ , وَتَنْزِل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا . وَقَوْله : { وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا } يَقُول : وَنَزَلَ الْمَلَائِكَة إِلَى الْأَرْض تَنْزِيلًا
يَقُول : الْمُلْك الْحَقّ يَوْمئِذٍ خَالِص لِلرَّحْمَنِ دُون كُلّ مَنْ سِوَاهُ , وَبَطَلَتِ الْمَمَالِك يَوْمئِذٍ سِوَى مُلْكه , وَقَدْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مُلُوك , فَبَطَلَ الْمُلْك يَوْمئِذٍ سِوَى مُلْك الْجَبَّار .
يَقُول : وَكَانَ يَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ يَوْمًا عَلَى أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ عَسِيرًا , يَعْنِي صَعْبًا شَدِيدًا .
يَقُول : وَكَانَ يَوْم تَشَقَّق السَّمَاء بِالْغَمَامِ يَوْمًا عَلَى أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ عَسِيرًا , يَعْنِي صَعْبًا شَدِيدًا .
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم نَفْسه الْمُشْرِك بِرَبِّهِ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْب اللَّه وَأَوْبَقَ نَفْسه بِالْكُفْرِ بِهِ فِي طَاعَة خَلِيله الَّذِي صَدَّهُ عَنْ سَبِيل رَبّه , يَقُول : يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت فِي الدُّنْيَا مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا , يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه . وَقَوْله { يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ اتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { الظَّالِم } وَبِقَوْلِهِ : { فُلَانًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِالظَّالِمِ : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه , طَلَبًا مِنْهُ لِرِضَا أُبَيّ بْن خَلَف , وَقَالُوا : فُلَان هُوَ أُبَيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19988 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ أُبَيّ بْن خَلَف يَحْضُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَجَرَهُ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , فَنَزَلَ : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذَتْ مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } ... إِلَى قَوْله { خَذُولًا } قَالَ : الظَّالِم : عُقْبَة , وَفُلَانًا خَلِيلًا : أُبَيّ بْن خَلَف . 19989 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنِ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : كَانَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط خَلِيلًا لِأُمَيَّة بْن خَلَف , فَأَسْلَمَ عُقْبَة , فَقَالَ أُمَيَّة : وَجْهِي مِنْ وَجْهك حَرَام إِنْ تَابَعْت مُحَمَّدًا , فَكَفَرَ ; وَهُوَ الَّذِي قَالَ : { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } . 19990 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة وَعُثْمَان الْجَزَرِيّ , عَنْ مِقْسَم فِي قَوْله : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } قَالَ : اجْتَمَعَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَأُبَيّ بْن خَلَف , وَكَانَا خَلِيلَيْنِ , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : بَلَغَنِي أَنَّك أَتَيْت مُحَمَّدًا فَاسْتَمَعْت مِنْهُ , وَاللَّه لَا أَرْضَى عَنْك حَتَّى تَتْفُل فِي وَجْهه وَتُكَذِّبهُ , فَلَمْ يُسَلِّطهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ , فَقُتِلَ عُقْبَة يَوْم بَدْر صَبْرًا , وَأَمَّا أُبَيّ بْن خَلَف فَقَتَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يَوْم أُحُد فِي الْقِتَال , وَهُمَا اللَّذَانِ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } . 19991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ } ... إِلَى قَوْله : { فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : هُوَ أُبَيّ بْن خَلَف , كَانَ يَحْضُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَجَرَهُ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . 19992 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ } قَالَ : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط دَعَا مَجْلِسًا فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ , فَأَبَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُل , وَقَالَ : " وَلَا آكُل حَتَّى تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه " , فَقَالَ : مَا أَنْتَ بِآكِلٍ حَتَّى أَشْهَد ؟ قَالَ : " نَعَمْ " , قَالَ : أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , فَلَقِيَهُ أُمَيَّة بْن خَلَف فَقَالَ : صَبَوْت : فَقَالَ : إِنَّ أَخَاك عَلَى مَا تَعْلَم , وَلَكِنِّي صَنَعْت طَعَامًا فَأَبَى أَنْ يَأْكُل حَتَّى أَقُول ذَلِكَ , فَقُلْته , وَلَيْسَ مِنْ نَفْسِي . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِفُلَانٍ : الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19993 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : الشَّيْطَان . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم نَفْسه الْمُشْرِك بِرَبِّهِ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْب اللَّه وَأَوْبَقَ نَفْسه بِالْكُفْرِ بِهِ فِي طَاعَة خَلِيله الَّذِي صَدَّهُ عَنْ سَبِيل رَبّه , يَقُول : يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت فِي الدُّنْيَا مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا , يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه .
وَقَوْله { يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { الظَّالِم } وَبِقَوْلِهِ : { فُلَانًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِالظَّالِمِ : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط ; لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه , طَلَبًا مِنْهُ لِرِضَا أُبَيّ بْن خَلَف , وَقَالُوا : فُلَان هُوَ أُبَيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19988 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ أُبَيّ بْن خَلَف يَحْضُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَجَرَهُ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , فَنَزَلَ : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } ... إِلَى قَوْله { خَذُولًا } قَالَ : الظَّالِم : عُقْبَة , وَفُلَانًا خَلِيلًا : أُبَيّ بْن خَلَف . 19989 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنِ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : كَانَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط خَلِيلًا لِأُمَيَّة بْن خَلَف , فَأَسْلَمَ عُقْبَة , فَقَالَ أُمَيَّة : وَجْهِي مِنْ وَجْهك حَرَام إِنْ تَابَعْت مُحَمَّدًا , فَكَفَرَ ; وَهُوَ الَّذِي قَالَ : { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فُلَانًا خَلِيلًا } . 19990 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة وَعُثْمَان الْجَزَرِيّ , عَنْ مِقْسَم فِي قَوْله : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } قَالَ : اجْتَمَعَ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط وَأُبَيّ بْن خَلَف , وَكَانَا خَلِيلَيْنِ , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : بَلَغَنِي أَنَّك أَتَيْت مُحَمَّدًا فَاسْتَمَعْت مِنْهُ , وَاللَّه لَا أَرْضَى عَنْك حَتَّى تَتْفُل فِي وَجْهه وَتُكَذِّبهُ , فَلَمْ يُسَلِّطهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ , فَقُتِلَ عُقْبَة يَوْم بَدْر صَبْرًا . وَأَمَّا أُبَيّ بْن خَلَف فَقَتَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يَوْم أُحُد فِي الْقِتَال , وَهُمَا اللَّذَانِ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا } . 19991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ } ... إِلَى قَوْله : { فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : هُوَ أُبَيّ بْن خَلَف , كَانَ يَحْضُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَجَرَهُ عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . 19992 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ } قَالَ : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط دَعَا مَجْلِسًا فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ , فَأَبَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُل , وَقَالَ : " وَلَا آكُل حَتَّى تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه " , فَقَالَ : مَا أَنْتَ بِآكِلٍ حَتَّى أَشْهَد ؟ قَالَ : " نَعَمْ " , قَالَ : أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , فَلَقِيَهُ أُمَيَّة بْن خَلَف فَقَالَ : صَبَوْت : فَقَالَ : إِنَّ أَخَاك عَلَى مَا تَعْلَم , وَلَكِنِّي صَنَعْت طَعَامًا فَأَبَى أَنْ يَأْكُل حَتَّى أَقُول ذَلِكَ , فَقُلْته , وَلَيْسَ مِنْ نَفْسِي . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِفُلَانٍ : الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19993 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فُلَانًا خَلِيلًا } قَالَ : الشَّيْطَان . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
وَقَوْله { لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْر بَعْد إِذْ جَاءَنِي } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ هَذَا النَّادِم عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا , مِنْ مَعْصِيَة رَبّه فِي طَاعَة خَلِيله : لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الْإِيمَان بِالْقُرْآنِ , وَهُوَ الذِّكْر , بَعْد إِذْ جَاءَنِي مِنْ عِنْد اللَّه , فَصَدَّنِي عَنْهُ .
يَقُول اللَّه : { وَكَانَ الشَّيْطَان لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } يَقُول : مُسَلِّمًا لِمَا يَنْزِل بِهِ مِنْ الْبَلَاء غَيْر مُنْقِذه وَلَا مُنْجِيه .
يَقُول اللَّه : { وَكَانَ الشَّيْطَان لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } يَقُول : مُسَلِّمًا لِمَا يَنْزِل بِهِ مِنْ الْبَلَاء غَيْر مُنْقِذه وَلَا مُنْجِيه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الرَّسُول يَا رَبّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الرَّسُول يَوْم يَعَضّ الظَّالِم عَلَى يَدَيْهِ : يَا رَبّ إِنَّ قَوْمِي الَّذِينَ بَعَثْتنِي إِلَيْهِمْ لِأَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدك اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى اتِّخَاذهمُ الْقُرْآن مَهْجُورًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ اتِّخَاذهمْ ذَلِكَ هَجْرًا , قَوْلهمْ فِيهِ السَّيِّئ مِنَ الْقَوْل , وَزَعْمهمْ أَنَّهُ سِحْر , وَأَنَّهُ شِعْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19994 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا } قَالَ : يَهْجُرُونَ فِيهِ بِالْقَوْلِ , يَقُولُونَ : هُوَ سِحْر . 19995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَقَالَ الرَّسُول } ... الْآيَة : يَهْجُرُونَ فِيهِ بِالْقَوْلِ . قَالَ مُجَاهِد : وَقَوْله : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ } 23 67 قَالَ : مُسْتَكْبِرِينَ بِالْبَلَدِ سَامِرًا مَجَالِس تَهْجُرُونَ , قَالَ : بِالْقَوْلِ السَّيِّئ فِي الْقُرْآن غَيْر الْحَقّ . 19996 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ , ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا } قَالَ : قَالُوا فِيهِ غَيْر الْحَقّ ; أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَرِيض إِذَا هَذَى قَالَ غَيْر الْحَقّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الْخَبَر عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ هَجَرُوا الْقُرْآن وَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعُوا لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19997 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { وَقَالَ الرَّسُول يَا رَبّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا } لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْمَعُوهُ , وَإِنْ دُعُوا إِلَى اللَّه قَالُوا لَا . وَقَرَأَ : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } 6 26 قَالَ : يَنْهَوْنَ عَنْهُ , وَيَبْعُدُونَ عَنْهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ , وَذَلِكَ هَجْرهمْ إِيَّاهُ .