الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا النَّاس احْذَرُوا عِقَاب رَبّكُمْ بِطَاعَتِهِ , فَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ , فَإِنَّ عِقَابه لِمَنْ عَاقَبَهُ يَوْم الْقِيَامَة شَدِيد .
ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَوْل أَشْرَاط ذَلِكَ الْيَوْم وَبُدُوّهُ , فَقَالَ : { إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } . اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وَقْت كَوْن الزَّلْزَلَة الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالشِّدَّةِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ كَائِنَة فِي الدُّنْيَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18827 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , فِي قَوْله : { إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } قَالَ : قَبْل السَّاعَة . 18828 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَامِر : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } قَالَ : هَذَا فِي الدُّنْيَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة . 18829 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج فِي قَوْله : { إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة } فَقَالَ : زَلْزَلَتهَا : أَشْرَاطهَا ... الْآيَات { يَوْم تَرَوْنَهَا تَذْهَل كُلّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَع كُلّ ذَات حَمْل حَمْلهَا وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَامِر : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } قَالَ : هَذَا فِي الدُّنْيَا مِنْ آيَات السَّاعَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ خَبَر , فِي إِسْنَاده نَظَر وَذَلِكَ مَا : 18830 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع الْمَدَنِيّ , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ رَجُل مِنَ الْأَنْصَار , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ رَجُل مِنَ الْأَنْصَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض , خَلَقَ الصُّور فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيل , فَهُوَ وَاضِعه عَلَى فِيهِ , شَاخِص بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْش , يَنْتَظِر مَتَى يُؤْمَر . " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا الصُّور ؟ قَالَ : " قَرْن " . قَالَ : وَكَيْفَ هُوَ ؟ قَالَ : " قَرْن عَظِيم يُنْفَخ فِيهِ ثَلَاث نَفَخَات , الْأُولَى : نَفْخَة الْفَزَع , وَالثَّانِيَة : نَفْخَة الصَّعْق , وَالثَّالِثَة : نَفْخَة الْقِيَام لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يَأْمُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى , فَيَقُول : انْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع ! فَيَفْزَع أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , وَيَأْمُرهُ اللَّه فَيُدِيمهَا وَيُطَوِّلهَا , فَلَا يَفْتُر , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { مَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } 38 15 : 16 فَيُسَيِّر اللَّه الْجِبَال فَتَكُون سَرَابًا , وَتُرَجّ الْأَرْض بِأَهْلِهَا رَجًّا , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة تَتْبَعهَا الرَّادِفَة قُلُوب يَوْمئِذٍ وَاجِفَة } , 79 6 : 8 فَتَكُون الْأَرْض كَالسَّفِينَةِ الْمُوبِقَة فِي الْبَحْر تَضْرِبهَا الْأَمْوَاج تُكْفَأ بِأَهْلِهَا , أَوْ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّق بِالْعَرْشِ تُرَجِّحهُ الْأَرْوَاح فَتَمِيد النَّاس عَلَى ظَهْرهَا ; فَتَذْهَل الْمَرَاضِع , وَتَضَع الْحَوَامِل , وَتَشِيب الْوِلْدَان , وَتَطِير الشَّيَاطِين هَارِبَة حَتَّى تَأْتِي الْأَقْطَار ; فَتَلَقَّاهَا الْمَلَائِكَة فَتَضْرِب وُجُوههَا , فَتَرْجِع وَيُوَلِّي النَّاس مُدْبِرِينَ يُنَادِي بَعْضهمْ بَعْضًا , وَهُوَ الَّذِي يَقُول اللَّه : { يَوْم التَّنَادِ يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّه مِنْ عَاصِم وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } 40 32 : 33 فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ , إِذَا تَصَدَّعَتِ الْأَرْض مِنْ قُطْر إِلَى قُطْر , فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا , وَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْب مَا اللَّه أَعْلَم بِهِ , ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى السَّمَاء فَإِذَا هِيَ كَالْمُهْلِ , ثُمَّ خُسِفَ شَمْسهَا وَخُسِفَ قَمَرهَا وَانْتَثَرَتْ نُجُومهَا , ثُمَّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالْأَمْوَات لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَمَنِ اسْتَثْنَى اللَّه حِين يَقُول : { فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه } ؟ 27 87 قَالَ : " أُولَئِكَ الشُّهَدَاء , وَإِنَّمَا يَصِل الْفَزَع إِلَى الْأَحْيَاء , أُولَئِكَ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ , وَقَاهُمْ اللَّه فَزَع ذَلِكَ الْيَوْم وَآمَنَهُمْ . وَهُوَ عَذَاب اللَّه يَبْعَثهُ عَلَى شِرَار خَلْقه , وَهُوَ الَّذِي يَقُول : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } ... إِلَى قَوْله : { وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد } " . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَلْقَمَة وَالشَّعْبِيّ وَمَنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ قَوْل , لَوْلَا مَجِيء الصِّحَاح مِنَ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِهِ , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَم بِمَعَانِي وَحْي اللَّه وَتَنْزِيله . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَنْهُ . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا : 18831 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ قَتَادَة , عَنْ صَاحِب لَهُ حَدَّثَهُ , عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن , قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض مَغَازِيه وَقَدْ فَاوَتَ السَّيْر بِأَصْحَابِهِ , إِذْ نَادَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } " . قَالَ : فَحَثُّوا الْمَطِيّ , حَتَّى كَانُوا حَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " هَلْ تَدْرُونَ أَيّ يَوْم ذَلِكَ ؟ " قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . قَالَ : " ذَلِكَ يَوْم يُنَادَى آدَم , يُنَادِيه رَبّه : ابْعَثْ بَعْث النَّار , مِنْ كُلّ أَلْف تِسْع مِائَة وَتِسْعَة وَتِسْعِينَ إِلَى النَّار ! " قَالَ : فَأَبْلَسَ الْقَوْم , فَمَا وَضَحَ مِنْهُمْ ضَاحِك , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا , فَإِنَّ مَعَكُمْ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي قَوْم إِلَّا كَثَرَتَاهُ , فَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي آدَم , وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي إِبْلِيس وَيَأْجُوج وَمَأْجُوج " . قَالَ : " أَبْشِرُوا , مَا أَنْتُمْ فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْب الْبَعِير , أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي جَنَاح الدَّابَّة " . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا هِشَام بْن أَبِي عَبْد اللَّه , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثنا أَبِي ; وَحَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ هِشَام جَمِيعًا , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْعَلَاء بْن زِيَاد عَنْ عِمْرَان , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . 18832 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَفَلَ مِنْ غَزْوَة الْعُسْرَة , وَمَعَهُ أَصْحَابه , بَعْد مَا شَارَفَ الْمَدِينَة , قَرَأَ : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم يَوْم تَرَوْنَهَا } . .. الْآيَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم ذَاكُمْ " ؟ قِيلَ : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ زَادَ : " وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولَانِ إِلَّا كَانَ بَيْنهمَا فَتْرَة مِنَ الْجَاهِلِيَّة , فَهُمْ أَهْل النَّار وَإِنَّكُمْ بَيْن ظَهْرَانِيّ خَلِيقَتَيْنِ لَا يُعَادّهُمَا أَحَد مِنْ أَهْل الْأَرْض إِلَّا كَثَرُوهُمْ , وَهُمْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَهُمْ أَهْل النَّار , وَتَكْمُل الْعِدَّة مِنَ الْمُنَافِقِينَ " . 18833 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُقَال لِآدَم : أَخْرِجْ بَعْث النَّار , قَالَ : فَيَقُول : وَمَا بَعْث النَّار ؟ فَيَقُول : مِنْ كُلّ أَلْف تِسْع مِائَة وَتِسْعَة وَتِسْعِينَ , فَعِنْد ذَلِكَ يَشِيب الصَّغِير , وَتَضَع الْحَامِل حَمْلهَا , وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى , وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد " . قَالَ : قُلْنَا فَأَيْنَ النَّاجِي يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " أَبْشِرُوا ! فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ وَأَلْفًا مِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج " , ثُمَّ قَالَ : " إِنِّي لَأَطْمَع أَنْ تَكُونُوا رُبُع أَهْل الْجَنَّة ! " فَكَبَّرْنَا وَحَمِدْنَا اللَّه , ثُمَّ قَالَ : " إِنِّي لَأَطْمَع أَنْ تَكُونُوا ثُلُث أَهْل الْجَنَّة ! " فَكَبَّرْنَا وَحَمِدْنَا اللَّه , ثُمَّ قَالَ : " إِنِّي لَأَطْمَع أَنْ تَكُونُوا نِصْف أَهْل الْجَنَّة ; إِنَّمَا مَثَلكُمْ فِي النَّاس كَمَثَلِ الشَّعْرَة الْبَيْضَاء فِي الثَّوْر الْأَسْوَد , أَوْ كَمَثَلِ الشَّعْرَة السَّوْدَاء فِي الثَّوْر الْأَبْيَض " . * - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُول اللَّه لِآدَم يَوْم الْقِيَامَة " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * -حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَشْر , قَالَ : " يَقُول اللَّه يَوْم الْقِيَامَة يَا آدَم فَيَقُول ! لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك وَالْخَيْر بَيْن يَدَيْك فَيَقُول : ابْعَثْ بَعْثًا إِلَى النَّار ! " . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 18834 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس قَالَ : نَزَلَتْ { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } ... حَتَّى إِلَى : { عَذَاب اللَّه شَدِيد } ... الْآيَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِير , فَرَجَّعَ بِهَا صَوْته , حَتَّى ثَابَ إِلَيْهِ أَصْحَابه , فَقَالَ : " أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم هَذَا ؟ هَذَا يَوْم يَقُول اللَّه لِآدَم : يَا آدَم قُمْ فَابْعَثْ بَعْث النَّار مِنْ كُلّ أَلْف تِسْع مِائَة وَتِسْعَة وَتِسْعِينَ ! " فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْب الْبَعِير , أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاع الدَّابَّة , وَإِنَّ مَعَكُمْ لِخَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي شَيْء قَطُّ إِلَّا كَثَرَتَاهُ : يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَمَنْ هَلَكَ مِنْ كَفَرَة الْجِنّ وَالْإِنْس " . 18835 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : دَخَلْت عَلَى ابْن مَسْعُود بَيْت الْمَال , فَقَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُع أَهْل الْجَنَّة ؟ " قُلْنَا نَعَمْ , قَالَ : " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُث أَهْل الْجَنَّة ؟ " قُلْنَا : نَعَمْ قَالَ : " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْر أَهْل الْجَنَّة , وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ ; إِنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُسْلِمَة , وَإِنَّ قِلَّة الْمُسْلِمِينَ فِي الْكُفَّار يَوْم الْقِيَامَة كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاء فِي الثَّوْر الْأَبْيَض , أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاء فِي الثَّوْر الْأَسْوَد " . 18836 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } قَالَ : هَذَا يَوْم الْقِيَامَة . وَالزَّلْزَلَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : زَلْزَلْت بِفُلَانٍ الْأَرْض أُزَلْزِلهَا زَلْزَلَة وَزِلْزَالًا , بِكَسْرِ الزَّاي مِنَ الزِّلْزَال , كَمَا قَالَ اللَّه : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْض زِلْزَالهَا } 99 1 وَكَذَلِكَ الْمَصْدَر مِنْ كُلّ سَلِيم مِنَ الْأَفْعَال إِذَا جَاءَتْ عَلَى فِعْلَال فَبِكَسْرِ أَوَّله , مِثْل وَسْوَسَ وَسْوَسَة وَوِسْوَاسًا , فَإِذَا كَانَ اسْمًا كَانَ يُفْتَح أَوَّله الزَّلْزَال وَالْوَسْوَاس , وَهُوَ مَا وَسْوَسَ إِلَى الْإِنْسَان , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : يَعْرِف الْجَاهِل الْمُضَلَّل أَنَّ الدَّ هْر فِيهِ النَّكْرَاء وَالزَّلْزَال
ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَوْل أَشْرَاط ذَلِكَ الْيَوْم وَبُدُوّهُ , فَقَالَ : { إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } . اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وَقْت كَوْن الزَّلْزَلَة الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالشِّدَّةِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ كَائِنَة فِي الدُّنْيَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18827 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , فِي قَوْله : { إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } قَالَ : قَبْل السَّاعَة . 18828 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَامِر : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } قَالَ : هَذَا فِي الدُّنْيَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة . 18829 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج فِي قَوْله : { إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة } فَقَالَ : زَلْزَلَتهَا : أَشْرَاطهَا ... الْآيَات { يَوْم تَرَوْنَهَا تَذْهَل كُلّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَع كُلّ ذَات حَمْل حَمْلهَا وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَامِر : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } قَالَ : هَذَا فِي الدُّنْيَا مِنْ آيَات السَّاعَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ خَبَر , فِي إِسْنَاده نَظَر وَذَلِكَ مَا : 18830 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع الْمَدَنِيّ , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ رَجُل مِنَ الْأَنْصَار , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ رَجُل مِنَ الْأَنْصَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض , خَلَقَ الصُّور فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيل , فَهُوَ وَاضِعه عَلَى فِيهِ , شَاخِص بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْش , يَنْتَظِر مَتَى يُؤْمَر . " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا الصُّور ؟ قَالَ : " قَرْن " . قَالَ : وَكَيْفَ هُوَ ؟ قَالَ : " قَرْن عَظِيم يُنْفَخ فِيهِ ثَلَاث نَفَخَات , الْأُولَى : نَفْخَة الْفَزَع , وَالثَّانِيَة : نَفْخَة الصَّعْق , وَالثَّالِثَة : نَفْخَة الْقِيَام لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يَأْمُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى , فَيَقُول : انْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع ! فَيَفْزَع أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , وَيَأْمُرهُ اللَّه فَيُدِيمهَا وَيُطَوِّلهَا , فَلَا يَفْتُر , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { مَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } 38 15 : 16 فَيُسَيِّر اللَّه الْجِبَال فَتَكُون سَرَابًا , وَتُرَجّ الْأَرْض بِأَهْلِهَا رَجًّا , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة تَتْبَعهَا الرَّادِفَة قُلُوب يَوْمئِذٍ وَاجِفَة } , 79 6 : 8 فَتَكُون الْأَرْض كَالسَّفِينَةِ الْمُوبِقَة فِي الْبَحْر تَضْرِبهَا الْأَمْوَاج تُكْفَأ بِأَهْلِهَا , أَوْ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّق بِالْعَرْشِ تُرَجِّحهُ الْأَرْوَاح فَتَمِيد النَّاس عَلَى ظَهْرهَا ; فَتَذْهَل الْمَرَاضِع , وَتَضَع الْحَوَامِل , وَتَشِيب الْوِلْدَان , وَتَطِير الشَّيَاطِين هَارِبَة حَتَّى تَأْتِي الْأَقْطَار ; فَتَلَقَّاهَا الْمَلَائِكَة فَتَضْرِب وُجُوههَا , فَتَرْجِع وَيُوَلِّي النَّاس مُدْبِرِينَ يُنَادِي بَعْضهمْ بَعْضًا , وَهُوَ الَّذِي يَقُول اللَّه : { يَوْم التَّنَادِ يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّه مِنْ عَاصِم وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } 40 32 : 33 فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ , إِذَا تَصَدَّعَتِ الْأَرْض مِنْ قُطْر إِلَى قُطْر , فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا , وَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْب مَا اللَّه أَعْلَم بِهِ , ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى السَّمَاء فَإِذَا هِيَ كَالْمُهْلِ , ثُمَّ خُسِفَ شَمْسهَا وَخُسِفَ قَمَرهَا وَانْتَثَرَتْ نُجُومهَا , ثُمَّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالْأَمْوَات لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَمَنِ اسْتَثْنَى اللَّه حِين يَقُول : { فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه } ؟ 27 87 قَالَ : " أُولَئِكَ الشُّهَدَاء , وَإِنَّمَا يَصِل الْفَزَع إِلَى الْأَحْيَاء , أُولَئِكَ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ , وَقَاهُمْ اللَّه فَزَع ذَلِكَ الْيَوْم وَآمَنَهُمْ . وَهُوَ عَذَاب اللَّه يَبْعَثهُ عَلَى شِرَار خَلْقه , وَهُوَ الَّذِي يَقُول : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } ... إِلَى قَوْله : { وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد } " . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَلْقَمَة وَالشَّعْبِيّ وَمَنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ قَوْل , لَوْلَا مَجِيء الصِّحَاح مِنَ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِهِ , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَم بِمَعَانِي وَحْي اللَّه وَتَنْزِيله . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَنْهُ . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا : 18831 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ قَتَادَة , عَنْ صَاحِب لَهُ حَدَّثَهُ , عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن , قَالَ : بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض مَغَازِيه وَقَدْ فَاوَتَ السَّيْر بِأَصْحَابِهِ , إِذْ نَادَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } " . قَالَ : فَحَثُّوا الْمَطِيّ , حَتَّى كَانُوا حَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " هَلْ تَدْرُونَ أَيّ يَوْم ذَلِكَ ؟ " قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . قَالَ : " ذَلِكَ يَوْم يُنَادَى آدَم , يُنَادِيه رَبّه : ابْعَثْ بَعْث النَّار , مِنْ كُلّ أَلْف تِسْع مِائَة وَتِسْعَة وَتِسْعِينَ إِلَى النَّار ! " قَالَ : فَأَبْلَسَ الْقَوْم , فَمَا وَضَحَ مِنْهُمْ ضَاحِك , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا , فَإِنَّ مَعَكُمْ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي قَوْم إِلَّا كَثَرَتَاهُ , فَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي آدَم , وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي إِبْلِيس وَيَأْجُوج وَمَأْجُوج " . قَالَ : " أَبْشِرُوا , مَا أَنْتُمْ فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْب الْبَعِير , أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي جَنَاح الدَّابَّة " . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا هِشَام بْن أَبِي عَبْد اللَّه , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثنا أَبِي ; وَحَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ هِشَام جَمِيعًا , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْعَلَاء بْن زِيَاد عَنْ عِمْرَان , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . 18832 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَفَلَ مِنْ غَزْوَة الْعُسْرَة , وَمَعَهُ أَصْحَابه , بَعْد مَا شَارَفَ الْمَدِينَة , قَرَأَ : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم يَوْم تَرَوْنَهَا } . .. الْآيَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم ذَاكُمْ " ؟ قِيلَ : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ زَادَ : " وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولَانِ إِلَّا كَانَ بَيْنهمَا فَتْرَة مِنَ الْجَاهِلِيَّة , فَهُمْ أَهْل النَّار وَإِنَّكُمْ بَيْن ظَهْرَانِيّ خَلِيقَتَيْنِ لَا يُعَادّهُمَا أَحَد مِنْ أَهْل الْأَرْض إِلَّا كَثَرُوهُمْ , وَهُمْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَهُمْ أَهْل النَّار , وَتَكْمُل الْعِدَّة مِنَ الْمُنَافِقِينَ " . 18833 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُقَال لِآدَم : أَخْرِجْ بَعْث النَّار , قَالَ : فَيَقُول : وَمَا بَعْث النَّار ؟ فَيَقُول : مِنْ كُلّ أَلْف تِسْع مِائَة وَتِسْعَة وَتِسْعِينَ , فَعِنْد ذَلِكَ يَشِيب الصَّغِير , وَتَضَع الْحَامِل حَمْلهَا , وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى , وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد " . قَالَ : قُلْنَا فَأَيْنَ النَّاجِي يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " أَبْشِرُوا ! فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ وَأَلْفًا مِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج " , ثُمَّ قَالَ : " إِنِّي لَأَطْمَع أَنْ تَكُونُوا رُبُع أَهْل الْجَنَّة ! " فَكَبَّرْنَا وَحَمِدْنَا اللَّه , ثُمَّ قَالَ : " إِنِّي لَأَطْمَع أَنْ تَكُونُوا ثُلُث أَهْل الْجَنَّة ! " فَكَبَّرْنَا وَحَمِدْنَا اللَّه , ثُمَّ قَالَ : " إِنِّي لَأَطْمَع أَنْ تَكُونُوا نِصْف أَهْل الْجَنَّة ; إِنَّمَا مَثَلكُمْ فِي النَّاس كَمَثَلِ الشَّعْرَة الْبَيْضَاء فِي الثَّوْر الْأَسْوَد , أَوْ كَمَثَلِ الشَّعْرَة السَّوْدَاء فِي الثَّوْر الْأَبْيَض " . * - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُول اللَّه لِآدَم يَوْم الْقِيَامَة " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * -حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَشْر , قَالَ : " يَقُول اللَّه يَوْم الْقِيَامَة يَا آدَم فَيَقُول ! لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك وَالْخَيْر بَيْن يَدَيْك فَيَقُول : ابْعَثْ بَعْثًا إِلَى النَّار ! " . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 18834 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس قَالَ : نَزَلَتْ { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } ... حَتَّى إِلَى : { عَذَاب اللَّه شَدِيد } ... الْآيَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسِير , فَرَجَّعَ بِهَا صَوْته , حَتَّى ثَابَ إِلَيْهِ أَصْحَابه , فَقَالَ : " أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْم هَذَا ؟ هَذَا يَوْم يَقُول اللَّه لِآدَم : يَا آدَم قُمْ فَابْعَثْ بَعْث النَّار مِنْ كُلّ أَلْف تِسْع مِائَة وَتِسْعَة وَتِسْعِينَ ! " فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْب الْبَعِير , أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاع الدَّابَّة , وَإِنَّ مَعَكُمْ لِخَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي شَيْء قَطُّ إِلَّا كَثَرَتَاهُ : يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَمَنْ هَلَكَ مِنْ كَفَرَة الْجِنّ وَالْإِنْس " . 18835 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : دَخَلْت عَلَى ابْن مَسْعُود بَيْت الْمَال , فَقَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُع أَهْل الْجَنَّة ؟ " قُلْنَا نَعَمْ , قَالَ : " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُث أَهْل الْجَنَّة ؟ " قُلْنَا : نَعَمْ قَالَ : " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْر أَهْل الْجَنَّة , وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ ; إِنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُسْلِمَة , وَإِنَّ قِلَّة الْمُسْلِمِينَ فِي الْكُفَّار يَوْم الْقِيَامَة كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاء فِي الثَّوْر الْأَبْيَض , أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاء فِي الثَّوْر الْأَسْوَد " . 18836 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم } قَالَ : هَذَا يَوْم الْقِيَامَة . وَالزَّلْزَلَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : زَلْزَلْت بِفُلَانٍ الْأَرْض أُزَلْزِلهَا زَلْزَلَة وَزِلْزَالًا , بِكَسْرِ الزَّاي مِنَ الزِّلْزَال , كَمَا قَالَ اللَّه : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْض زِلْزَالهَا } 99 1 وَكَذَلِكَ الْمَصْدَر مِنْ كُلّ سَلِيم مِنَ الْأَفْعَال إِذَا جَاءَتْ عَلَى فِعْلَال فَبِكَسْرِ أَوَّله , مِثْل وَسْوَسَ وَسْوَسَة وَوِسْوَاسًا , فَإِذَا كَانَ اسْمًا كَانَ يُفْتَح أَوَّله الزَّلْزَال وَالْوَسْوَاس , وَهُوَ مَا وَسْوَسَ إِلَى الْإِنْسَان , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : يَعْرِف الْجَاهِل الْمُضَلَّل أَنَّ الدَّ هْر فِيهِ النَّكْرَاء وَالزَّلْزَال
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ↓
وَقَوْله تَعَالَى : { يَوْم تَرَوْنَهَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَوْم تَرَوْنَ أَيّهَا النَّاس زَلْزَلَة السَّاعَة تَذْهَل مِنْ عِظَمهَا كُلّ مُرْضِعَة مَوْلُود عَمَّا أَرْضَعَتْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَذْهَل } تَنْسَى وَتَتْرُك مِنْ شِدَّة كَرْبهَا , يُقَال : ذَهَلْت عَنْ كَذَا أَذْهَلَ عَنْهُ ذُهُولًا وَذَهِلْت أَيْضًا , وَهِيَ قَلِيلَة , وَالْفَصِيح : الْفَتْح فِي الْهَاء , فَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَل فَالْهَاء مَفْتُوحَة فِي اللُّغَتَيْنِ , لَمْ يُسْمَع غَيْر ذَلِكَ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : صَحَا قَلْبه يَا عَزَّ أَوْ كَادَ يَذْهَل فَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ أَنَّ الْهَوْل أَنْسَاهُ وَسَلَاهُ , قُلْت : أَذْهَلَهُ هَذَا الْأَمْر عَنْ كَذَا يُذْهِلهُ إِذْهَالًا . وَفِي إِثْبَات الْهَاء فِي قَوْله : { كُلّ مُرْضِعَة } اخْتِلَاف بَيْن أَهْل الْعَرَبِيَّة وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ يَقُول : إِذَا أُثْبِتَتِ الْهَاء فِي الْمُرْضِعَة فَإِنَّمَا يُرَاد أُمّ الصَّبِيّ الْمُرْضِع , وَإِذَا أُسْقِطَتْ فَإِنَّهُ يُرَاد الْمَرْأَة الَّتِي مَعَهَا صَبِيّ تُرْضِعهُ ; لِأَنَّهُ أُرِيدَ الْفِعْل بِهَا . قَالُوا : وَلَوْ أُرِيدَ بِهَا الصِّفَة فِيمَا يُرَى لَقَالَ مُرْضِع . قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلّ مُفْعِل أَوْ فَاعِل يَكُون لِلْأُنْثَى وَلَا يَكُون لِلذَّكَرِ , فَهُوَ بِغَيْرِ هَاء , نَحْو : مُقْرِب , وَمُوقِر , وَمُشْدِن , وَحَامِل , وَحَائِض . قَالَ أَبُو جَعْفَر . وَهَذَا الْقَوْل عِنْدِي أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْعَرَب مِنْ شَأْنهَا إِسْقَاط هَاء التَّأْنِيث مِنْ كُلّ فَاعِل وَمُفْعِل إِذَا وَصَفُوا الْمُؤَنَّث بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُذَكَّرِ فِيهِ حَظّ , فَإِذَا أَرَادُوا الْخَبَر عَنْهَا أَنَّهَا سَتَفْعَلُهُ وَلَمْ تَفْعَلهُ , أَثْبَتُوا هَاء التَّأْنِيث لِيُفَرِّقُوا بَيْن الصِّفَة وَالْفِعْل . مِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى فِيمَا هُوَ وَاقِع وَلَمْ يَكُنْ وَقَعَ قَبْل : أَيَا جَارَتَا بِينِي فَإِنَّك طَالِقه كَذَاك أُمُور النَّاس غَادٍ وَطَارِقه وَأَمَّا فِيمَا هُوَ صِفَة , نَحْو قَوْل امْرِئِ الْقَيْس : فَمِثْلك حُبْلَى قَدْ طَرَقْت وَمُرْضِع فَأَلْهَيْتهَا عَنْ ذِي ثَمَائِم مُحْوِل وَرُبَّمَا أَثْبَتُوا الْهَاء فِي الْحَالَتَيْنِ وَرُبَّمَا أَسْقَطُوهُمَا فِيهِمَا ; غَيْر أَنَّ الْفَصِيح مِنْ كَلَامهمْ مَا وَصَفْت . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : يَوْم تَرَوْنَ أَيّهَا النَّاس زَلْزَلَة السَّاعَة , تَنْسَى وَتَتْرُك كُلّ وَالِدَة مَوْلُود تُرْضِع وَلَدهَا عَمَّا أَرْضَعَتْ . كَمَا : 18837 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَوْم تَرَوْنَهَا تَذْهَل كُلّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ } قَالَ : تَتْرُك وَلَدهَا لِلْكَرْبِ الَّذِي نَزَلَ بِهَا . 18838 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنِ الْحَسَن : { تَذْهَل كُلّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ } قَالَ : ذَهِلَتْ عَنْ أَوْلَادهَا بِغَيْرِ فِطَام . { وَتَضَع كُلّ ذَات حَمْل حَمْلهَا } قَالَ : أَلْقَتِ الْحَوَامِل مَا فِي بُطُونهَا لِغَيْرِ تَمَام . { وَتَضَع كُلّ ذَات حَمْل حَمْلهَا } يَقُول : وَتُسْقِط كُلّ حَامِل مِنْ شِدَّة كَرْب ذَلِكَ حَمْلهَا .
وَقَوْله : { وَتَرَى النَّاس سُكَارَى } قَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار { وَتَرَى النَّاس سُكَارَى } عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ , كَأَنَّهُ قَالَ : وَتَرَى يَا مُحَمَّد النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير : " وَتُرَى النَّاس " بِضَمِّ التَّاء وَنَصْب " النَّاس " , مِنْ قَوْل الْقَائِل : أُرِيت تُرَى , الَّتِي تَطْلُب الِاسْم وَالْفِعْل , كَظَنَّ وَأَخَوَاتهَا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سُكَارَى } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : { سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " وَتَرَى النَّاس سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى " . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَتَرَى النَّاس يَا مُحَمَّد مِنْ عَظِيم مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْكَرْب وَشِدَّته سُكَارَى مِنَ الْفَزَع وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنْ شُرْب الْخَمْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18839 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنِ الْحَسَن : { وَتَرَى النَّاس سُكَارَى } مِنَ الْخَوْف , { وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } مِنَ الشَّرَاب . 18840 - قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } قَالَ : مَا هُمْ بِسُكَارَى مِنَ الشَّرَاب ; { وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد } . 18841 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } قَالَ : مَا شَرِبُوا خَمْرًا .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنَّهُمْ صَارُوا سُكَارَى مِنْ خَوْف عَذَاب اللَّه عِنْد مُعَايَنَتهمْ مَا عَايَنُوا مِنْ كَرْب ذَلِكَ وَعَظِيم هَوْله , مَعَ عِلْمهمْ بِشِدَّةِ عَذَاب اللَّه .
وَقَوْله : { وَتَرَى النَّاس سُكَارَى } قَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار { وَتَرَى النَّاس سُكَارَى } عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلْوَاحِدِ , كَأَنَّهُ قَالَ : وَتَرَى يَا مُحَمَّد النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير : " وَتُرَى النَّاس " بِضَمِّ التَّاء وَنَصْب " النَّاس " , مِنْ قَوْل الْقَائِل : أُرِيت تُرَى , الَّتِي تَطْلُب الِاسْم وَالْفِعْل , كَظَنَّ وَأَخَوَاتهَا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سُكَارَى } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : { سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " وَتَرَى النَّاس سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى " . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَتَرَى النَّاس يَا مُحَمَّد مِنْ عَظِيم مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْكَرْب وَشِدَّته سُكَارَى مِنَ الْفَزَع وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنْ شُرْب الْخَمْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18839 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنِ الْحَسَن : { وَتَرَى النَّاس سُكَارَى } مِنَ الْخَوْف , { وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } مِنَ الشَّرَاب . 18840 - قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } قَالَ : مَا هُمْ بِسُكَارَى مِنَ الشَّرَاب ; { وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد } . 18841 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } قَالَ : مَا شَرِبُوا خَمْرًا .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنَّهُمْ صَارُوا سُكَارَى مِنْ خَوْف عَذَاب اللَّه عِنْد مُعَايَنَتهمْ مَا عَايَنُوا مِنْ كَرْب ذَلِكَ وَعَظِيم هَوْله , مَعَ عِلْمهمْ بِشِدَّةِ عَذَاب اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّبِع كُلّ شَيْطَان مَرِيد } ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة : نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث . 18842 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم } قَالَ : النَّضْر بْن الْحَارِث . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم } مَنْ يُخَاصِم فِي اللَّه , فَيَزْعُم أَنَّ اللَّه غَيْر قَادِر عَلَى إِحْيَاء مَنْ قَدْ بَلِيَ وَصَارَ تُرَابًا , بِغَيْرِ عِلْم يَعْلَمهُ , بَلْ بِجَهْلٍ مِنْهُ بِمَا يَقُول . { وَيَتَّبِع } فِي قِيله ذَلِكَ وَجِدَاله فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم { كُلّ شَيْطَان مَرِيد } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَان ; فَمَعْنَى : " كُتِبَ " هَاهُنَا قُضِيَ , وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله " عَلَيْهِ " مِنْ ذِكْر الشَّيْطَان . كَمَا : 18843 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ } قَالَ : كُتِبَ عَلَى الشَّيْطَان , أَنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ الشَّيْطَان مِنْ خَلْق اللَّه . 18844 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ } قَالَ : الشَّيْطَان اتَّبَعَهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ; { أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ } , قَالَ : اتَّبَعَهُ .
وَقَوْله : { فَأَنَّهُ يُضِلّهُ } يَقُول : فَإِنَّ الشَّيْطَان يُضِلّهُ , يَعْنِي : يُضِلّ مَنْ تَوَلَّاهُ . وَالْهَاء الَّتِي فِي " يُضِلّهُ " عَائِدَة عَلَى " مَنْ " الَّتِي فِي قَوْله : { مَنْ تَوَلَّاهُ } وَتَأْوِيل الْكَلَام : قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَان أَنَّهُ يُضِلّ أَتْبَاعه وَلَا يَهْدِيهِمْ إِلَى الْحَقّ.
وَقَوْله : { وَيَهْدِيه إِلَى عَذَاب السَّعِير } يَقُول : وَيَسُوق مَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى عَذَاب جَهَنَّم الْمُوقَدَة ; وَسِيَاقه إِيَّاهُ إِلَيْهِ بِدُعَائِهِ إِلَى طَاعَته وَمَعْصِيَة الرَّحْمَن , فَذَلِكَ هِدَايَته مَنْ تَبِعَهُ إِلَى عَذَاب جَهَنَّم .
وَقَوْله : { فَأَنَّهُ يُضِلّهُ } يَقُول : فَإِنَّ الشَّيْطَان يُضِلّهُ , يَعْنِي : يُضِلّ مَنْ تَوَلَّاهُ . وَالْهَاء الَّتِي فِي " يُضِلّهُ " عَائِدَة عَلَى " مَنْ " الَّتِي فِي قَوْله : { مَنْ تَوَلَّاهُ } وَتَأْوِيل الْكَلَام : قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَان أَنَّهُ يُضِلّ أَتْبَاعه وَلَا يَهْدِيهِمْ إِلَى الْحَقّ.
وَقَوْله : { وَيَهْدِيه إِلَى عَذَاب السَّعِير } يَقُول : وَيَسُوق مَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى عَذَاب جَهَنَّم الْمُوقَدَة ; وَسِيَاقه إِيَّاهُ إِلَيْهِ بِدُعَائِهِ إِلَى طَاعَته وَمَعْصِيَة الرَّحْمَن , فَذَلِكَ هِدَايَته مَنْ تَبِعَهُ إِلَى عَذَاب جَهَنَّم .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب مِنَ الْبَعْث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِنْ مُضْغَة } وَهَذَا احْتِجَاج مِنَ اللَّه عَلَى الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ مِنَ النَّاس أَنَّهُ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم , اتِّبَاعًا مِنْهُ لِلشَّيْطَانِ الْمَرِيد وَتَنْبِيه لَهُ عَلَى مَوْضِع خَطَأ قِيله وَإِنْكَاره مَا أَنْكَرَ مِنْ قُدْرَة رَبّه . قَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكّ مِنْ قُدْرَتنَا عَلَى بَعْثكُمْ مِنْ قُبُوركُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ وَبِلَاكُمْ اسْتِعْظَامًا مِنْكُمْ لِذَلِكَ , فَإِنَّ فِي ابْتِدَائِنَا خَلْق أَبِيكُمْ آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تُرَاب ثُمَّ إِنْشَائِنَاكُمْ مِنْ نُطْفَة آدَم ثُمَّ تَصْرِيفِنَاكُمْ أَحْوَالًا حَالًا بَعْد حَال , مِنْ نُطْفَة إِلَى عَلَقَة , ثُمَّ مِنْ عَلَقَة إِلَى مُضْغَة , لَكُمْ مُعْتَبَرًا وَمُتَّعَظًا تَعْتَبِرُونَ بِهِ , فَتَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَغَيْر مُتَعَذَّر عَلَيْهِ إِعَادَتكُمْ بَعْد فَنَائِكُمْ كَمَا كُنْتُمْ أَحْيَاء قَبْل الْفَنَاء .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مِنْ صِفَة النُّطْفَة . قَالَ : وَمَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة قَالُوا : فَأَمَّا الْمُخَلَّقَة فَمَا كَانَ خَلْقًا سَوِيًّا وَأَمَّا غَيْر مُخَلَّقَة فَمَا دَفَعَتْهُ الْأَرْحَام مِنَ النُّطَف وَأَلْقَتْهُ قَبْل أَنْ يَكُون خَلْقًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18845 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عَامِر , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَة فِي الرَّحِم , بَعَثَ اللَّه مَلَكًا فَقَالَ : يَا رَبّ مُخَلَّقَة أَوْ غَيْر مُخَلَّقَة ؟ فَإِنْ قَالَ : غَيْر مُخَلَّقَة , مَجَّتْهَا الْأَرْحَام دَمًا , وَإِنْ قَالَ : مُخَلَّقَة , قَالَ : يَا رَبّ فَمَا صِفَة هَذِهِ النُّطْفَة أَذَكَر أَمْ أُنْثَى ؟ مَا رِزْقهَا مَا أَجَلهَا ؟ أَشَقِيّ أَوْ سَعِيد ؟ قَالَ : فَيُقَال لَهُ : انْطَلِقْ إِلَى أُمّ الْكِتَاب فَاسْتَنْسِخْ مِنْهُ صِفَة هَذِهِ النُّطْفَة ! قَالَ : فَيَنْطَلِق الْمَلَك فَيَنْسَخهَا فَلَا تَزَال مَعَهُ حَتَّى يَأْتِي عَلَى آخِر صِفَتهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تَامَّة وَغَيْر تَامَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18846 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْل اللَّه : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } قَالَ : تَامَّة وَغَيْر تَامَّة . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ قَتَادَة : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } فَذَكَرَ مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ الْمُضْغَة مُصَوَّرَة إِنْسَانًا وَغَيْر مُصَوَّرَة , فَإِذَا صُوِّرَتْ فَهِيَ مُخَلَّقَة وَإِذَا لَمْ تُصَوَّر فَهِيَ غَيْر مُخَلَّقَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18847 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { مُخَلَّقَة } قَالَ : السِّقْط , مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } قَالَ : السِّقْط , مَخْلُوق وَغَيْر مَخْلُوق . * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 18848 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر أَنَّهُ قَالَ فِي النُّطْفَة وَالْمُضْغَة إِذَا نُكِّسَتْ فِي الْخَلْق الرَّابِع كَانَتْ نَسَمَة مُخَلَّقَة , وَإِذَا قَذَفَتْهَا قَبْل ذَلِكَ فَهِيَ غَيْر مُخَلَّقَة . 18849 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } قَالَ : السِّقْط . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : الْمُخَلَّقَة الْمُصَوَّرَة خَلْقًا تَامًّا , وَغَيْر مُخَلَّقَة : السِّقْط قَبْل تَمَام خَلْقه ; لِأَنَّ الْمُخَلَّقَة وَغَيْر الْمُخَلَّقَة مِنْ نَعْت الْمُضْغَة وَالنُّطْفَة بَعْد مَصِيرهَا مُضْغَة , لَمْ يَبْقَ لَهَا حَتَّى تَصِير خَلْقًا سَوِيًّا إِلَّا التَّصْوِير ; وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } خَلْقًا سَوِيًّا , وَغَيْر مُخَلَّقَة بِأَنْ تُلْقِيه الْأُمّ مُضْغَة وَلَا تُصَوَّر وَلَا يُنْفَخ فِيهَا الرُّوح.
وَقَوْله : { لِنُبَيِّن لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : جَعَلْنَا الْمُضْغَة مِنْهَا الْمُخَلَّقَة التَّامَّة وَمِنْهَا السِّقْط غَيْر التَّامّ , لِنُبَيِّن لَكُمْ قُدْرَتنَا عَلَى مَا نَشَاء وَنُعَرِّفكُمْ ابْتِدَاءَنَا خَلْقكُمْ .
وَقَوْله : { وَنُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ كُنَّا كَتَبْنَا لَهُ بَقَاء وَحَيَاة إِلَى أَمَد وَغَايَة , فَإِنَّا نُقِرّهُ فِي رَحِم أُمّه إِلَى وَقْته الَّذِي جَعَلْنَا لَهُ أَنْ يَمْكُث فِي رَحِمهَا فَلَا تُسْقِطهُ وَلَا يَخْرُج مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغ أَجَله , فَإِذَا بَلَغَ وَقْت خُرُوجه مِنْ رَحِمهَا أَذِنَّا لَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا , فَيَخْرُج . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18850 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَنُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء إِلَى أَجَل مُسَمًّى } قَالَ : التَّمَام . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18851 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَنُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء إِلَى أَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الْأَجَل الْمُسَمَّى : إِقَامَته فِي الرَّحِم حَتَّى يَخْرُج .
وَقَوْله : { ثُمَّ نُخْرِجكُمْ طِفْلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ نُخْرِجكُمْ مِنْ أَرْحَام أُمَّهَاتكُمْ إِذَا بَلَغْتُمْ الْأَجَل الَّذِي قَدَّرْته لِخُرُوجِكُمْ مِنْهَا طِفْلًا صِغَارًا وَوَحَّدَ " الطِّفْل " , وَهُوَ صِفَة لِلْجَمِيعِ , لِأَنَّهُ مَصْدَر مِثْل عَدْل وَزُور .
وَقَوْله : { ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدّكُمْ } يَقُول : ثُمَّ لِتَبْلُغُوا كَمَال عُقُولكُمْ وَنِهَايَة قُوَاكُمْ بِعُمْرِكُمْ . وَقَدْ ذَكَرْت اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْأَشُدّ , وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِيهِ عِنْدنَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر لِكَيْلَا يَعْلَم مِنْ بَعْد عِلْم شَيْئًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس مَنْ يُتَوَفَّى قَبْل أَنْ يَبْلُغ أَشُدّه فَيَمُوت , وَمِنْكُمْ مَنْ يُنْسَأ فِي أَجَله فَيُعَمَّر حَتَّى يَهْرَم فَيُرَدّ مِنْ بَعْد انْتِهَاء شَبَابه وَبُلُوغه غَايَة أَشُدّهُ إِلَى أَرْذَل عُمُره , وَذَلِكَ الْهَرَم , حَتَّى يَعُود كَهَيْئَتِهِ فِي حَال صِبَاهُ لَا يَعْقِل مِنْ بَعْد عَقْله الْأَوَّل شَيْئًا . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر بَعْد بُلُوغه أَشُدّهُ { لِكَيْلَا يَعْلَم مِنْ بَعْد عِلْم } كَانَ يَعْلَمهُ { شَيْئًا } .
وَقَوْله : { وَتَرَى الْأَرْض هَامِدَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَرَى الْأَرْض يَا مُحَمَّد يَابِسَة دَارِسَة الْآثَار مِنَ النَّبَات وَالزَّرْع . وَأَصْل الْهُمُود : الدُّرُوس وَالدُّثُور , وَيُقَال مِنْهُ : هَمَدَتِ الْأَرْض تَهْمُد هُمُودًا ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : قَالَتْ قُتَيْلَة مَا لِجِسْمِك شَاحِبًا وَأَرَى ثِيَابك بَالِيَات هُمَّدَا وَالْهُمَّد : جَمْع هَامِد , كَمَا الرُّكَّع جَمْع رَاكِع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18852 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَتَرَى الْأَرْض هَامِدَة } قَالَ : لَا نَبَات فِيهَا .
وَقَوْله : { فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا نَحْنُ أَنْزَلْنَا عَلَى هَذِهِ الْأَرْض الْهَامِدَة الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا الْمَطَر مِنَ السَّمَاء { اهْتَزَّتْ } يَقُول : تَحَرَّكَتْ بِالنَّبَاتِ , { وَرَبَتْ } يَقُول : وَأَضْعَفَتْ النَّبَات بِمَجِيءِ الْغَيْث . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18853 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } قَالَ : عُرِفَ الْغَيْث فِي رَبْوهَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } قَالَ : حَسُنَتْ , وَعُرِفَ الْغَيْث فِي رَبْوهَا . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ . وَيُوَجَّه الْمَعْنَى إِلَى الزَّرْع , وَإِنْ كَانَ الْكَلَام مَخْرَجه عَلَى الْخَبَر عَنِ الْأَرْض , وَقَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَرَبَتْ } بِمَعْنَى : الرَّبْو , الَّذِي هُوَ النَّمَاء وَالزِّيَادَة . وَكَانَ أَبُو جَعْفَر الْقَارِي يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَرَبَأَتْ " بِالْهَمْزِ . 18854 - حُدِّثْت عَنِ الْفَرَّاء , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه التَّمِيمِيّ عَنْهُ . وَذَلِكَ غَلَط , لِأَنَّهُ لَا وَجْه لِلرَّبِّ هَاهُنَا , وَإِنَّمَا يُقَال رَبَأَ بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى : حَرَسَ مِنَ الرَّبِيئَة , وَلَا مَعْنَى لِلْحِرَاسَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالصَّحِيح مِنَ الْقِرَاءَة مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار.
وَقَوْله : { وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنْبَتَتْ هَذِهِ الْأَرْض الْهَامِدَة بِذَلِكَ الْغَيْث مِنْ كُلّ نَوْع بَهِيج . يَعْنِي بِالْبَهِيجِ : الْبَهَج , وَهُوَ الْحُسْن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18855 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج } قَالَ : حَسَن . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مِنْ صِفَة النُّطْفَة . قَالَ : وَمَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة قَالُوا : فَأَمَّا الْمُخَلَّقَة فَمَا كَانَ خَلْقًا سَوِيًّا وَأَمَّا غَيْر مُخَلَّقَة فَمَا دَفَعَتْهُ الْأَرْحَام مِنَ النُّطَف وَأَلْقَتْهُ قَبْل أَنْ يَكُون خَلْقًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18845 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عَامِر , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَة فِي الرَّحِم , بَعَثَ اللَّه مَلَكًا فَقَالَ : يَا رَبّ مُخَلَّقَة أَوْ غَيْر مُخَلَّقَة ؟ فَإِنْ قَالَ : غَيْر مُخَلَّقَة , مَجَّتْهَا الْأَرْحَام دَمًا , وَإِنْ قَالَ : مُخَلَّقَة , قَالَ : يَا رَبّ فَمَا صِفَة هَذِهِ النُّطْفَة أَذَكَر أَمْ أُنْثَى ؟ مَا رِزْقهَا مَا أَجَلهَا ؟ أَشَقِيّ أَوْ سَعِيد ؟ قَالَ : فَيُقَال لَهُ : انْطَلِقْ إِلَى أُمّ الْكِتَاب فَاسْتَنْسِخْ مِنْهُ صِفَة هَذِهِ النُّطْفَة ! قَالَ : فَيَنْطَلِق الْمَلَك فَيَنْسَخهَا فَلَا تَزَال مَعَهُ حَتَّى يَأْتِي عَلَى آخِر صِفَتهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تَامَّة وَغَيْر تَامَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18846 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْل اللَّه : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } قَالَ : تَامَّة وَغَيْر تَامَّة . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ قَتَادَة : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } فَذَكَرَ مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ الْمُضْغَة مُصَوَّرَة إِنْسَانًا وَغَيْر مُصَوَّرَة , فَإِذَا صُوِّرَتْ فَهِيَ مُخَلَّقَة وَإِذَا لَمْ تُصَوَّر فَهِيَ غَيْر مُخَلَّقَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18847 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { مُخَلَّقَة } قَالَ : السِّقْط , مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } قَالَ : السِّقْط , مَخْلُوق وَغَيْر مَخْلُوق . * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 18848 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر أَنَّهُ قَالَ فِي النُّطْفَة وَالْمُضْغَة إِذَا نُكِّسَتْ فِي الْخَلْق الرَّابِع كَانَتْ نَسَمَة مُخَلَّقَة , وَإِذَا قَذَفَتْهَا قَبْل ذَلِكَ فَهِيَ غَيْر مُخَلَّقَة . 18849 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } قَالَ : السِّقْط . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : الْمُخَلَّقَة الْمُصَوَّرَة خَلْقًا تَامًّا , وَغَيْر مُخَلَّقَة : السِّقْط قَبْل تَمَام خَلْقه ; لِأَنَّ الْمُخَلَّقَة وَغَيْر الْمُخَلَّقَة مِنْ نَعْت الْمُضْغَة وَالنُّطْفَة بَعْد مَصِيرهَا مُضْغَة , لَمْ يَبْقَ لَهَا حَتَّى تَصِير خَلْقًا سَوِيًّا إِلَّا التَّصْوِير ; وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : { مُخَلَّقَة وَغَيْر مُخَلَّقَة } خَلْقًا سَوِيًّا , وَغَيْر مُخَلَّقَة بِأَنْ تُلْقِيه الْأُمّ مُضْغَة وَلَا تُصَوَّر وَلَا يُنْفَخ فِيهَا الرُّوح.
وَقَوْله : { لِنُبَيِّن لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : جَعَلْنَا الْمُضْغَة مِنْهَا الْمُخَلَّقَة التَّامَّة وَمِنْهَا السِّقْط غَيْر التَّامّ , لِنُبَيِّن لَكُمْ قُدْرَتنَا عَلَى مَا نَشَاء وَنُعَرِّفكُمْ ابْتِدَاءَنَا خَلْقكُمْ .
وَقَوْله : { وَنُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ كُنَّا كَتَبْنَا لَهُ بَقَاء وَحَيَاة إِلَى أَمَد وَغَايَة , فَإِنَّا نُقِرّهُ فِي رَحِم أُمّه إِلَى وَقْته الَّذِي جَعَلْنَا لَهُ أَنْ يَمْكُث فِي رَحِمهَا فَلَا تُسْقِطهُ وَلَا يَخْرُج مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغ أَجَله , فَإِذَا بَلَغَ وَقْت خُرُوجه مِنْ رَحِمهَا أَذِنَّا لَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا , فَيَخْرُج . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18850 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَنُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء إِلَى أَجَل مُسَمًّى } قَالَ : التَّمَام . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18851 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَنُقِرّ فِي الْأَرْحَام مَا نَشَاء إِلَى أَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الْأَجَل الْمُسَمَّى : إِقَامَته فِي الرَّحِم حَتَّى يَخْرُج .
وَقَوْله : { ثُمَّ نُخْرِجكُمْ طِفْلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ نُخْرِجكُمْ مِنْ أَرْحَام أُمَّهَاتكُمْ إِذَا بَلَغْتُمْ الْأَجَل الَّذِي قَدَّرْته لِخُرُوجِكُمْ مِنْهَا طِفْلًا صِغَارًا وَوَحَّدَ " الطِّفْل " , وَهُوَ صِفَة لِلْجَمِيعِ , لِأَنَّهُ مَصْدَر مِثْل عَدْل وَزُور .
وَقَوْله : { ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدّكُمْ } يَقُول : ثُمَّ لِتَبْلُغُوا كَمَال عُقُولكُمْ وَنِهَايَة قُوَاكُمْ بِعُمْرِكُمْ . وَقَدْ ذَكَرْت اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْأَشُدّ , وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِيهِ عِنْدنَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر لِكَيْلَا يَعْلَم مِنْ بَعْد عِلْم شَيْئًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس مَنْ يُتَوَفَّى قَبْل أَنْ يَبْلُغ أَشُدّه فَيَمُوت , وَمِنْكُمْ مَنْ يُنْسَأ فِي أَجَله فَيُعَمَّر حَتَّى يَهْرَم فَيُرَدّ مِنْ بَعْد انْتِهَاء شَبَابه وَبُلُوغه غَايَة أَشُدّهُ إِلَى أَرْذَل عُمُره , وَذَلِكَ الْهَرَم , حَتَّى يَعُود كَهَيْئَتِهِ فِي حَال صِبَاهُ لَا يَعْقِل مِنْ بَعْد عَقْله الْأَوَّل شَيْئًا . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إِلَى أَرْذَل الْعُمُر بَعْد بُلُوغه أَشُدّهُ { لِكَيْلَا يَعْلَم مِنْ بَعْد عِلْم } كَانَ يَعْلَمهُ { شَيْئًا } .
وَقَوْله : { وَتَرَى الْأَرْض هَامِدَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَرَى الْأَرْض يَا مُحَمَّد يَابِسَة دَارِسَة الْآثَار مِنَ النَّبَات وَالزَّرْع . وَأَصْل الْهُمُود : الدُّرُوس وَالدُّثُور , وَيُقَال مِنْهُ : هَمَدَتِ الْأَرْض تَهْمُد هُمُودًا ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : قَالَتْ قُتَيْلَة مَا لِجِسْمِك شَاحِبًا وَأَرَى ثِيَابك بَالِيَات هُمَّدَا وَالْهُمَّد : جَمْع هَامِد , كَمَا الرُّكَّع جَمْع رَاكِع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18852 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَتَرَى الْأَرْض هَامِدَة } قَالَ : لَا نَبَات فِيهَا .
وَقَوْله : { فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا نَحْنُ أَنْزَلْنَا عَلَى هَذِهِ الْأَرْض الْهَامِدَة الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا الْمَطَر مِنَ السَّمَاء { اهْتَزَّتْ } يَقُول : تَحَرَّكَتْ بِالنَّبَاتِ , { وَرَبَتْ } يَقُول : وَأَضْعَفَتْ النَّبَات بِمَجِيءِ الْغَيْث . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18853 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } قَالَ : عُرِفَ الْغَيْث فِي رَبْوهَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } قَالَ : حَسُنَتْ , وَعُرِفَ الْغَيْث فِي رَبْوهَا . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ . وَيُوَجَّه الْمَعْنَى إِلَى الزَّرْع , وَإِنْ كَانَ الْكَلَام مَخْرَجه عَلَى الْخَبَر عَنِ الْأَرْض , وَقَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَرَبَتْ } بِمَعْنَى : الرَّبْو , الَّذِي هُوَ النَّمَاء وَالزِّيَادَة . وَكَانَ أَبُو جَعْفَر الْقَارِي يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَرَبَأَتْ " بِالْهَمْزِ . 18854 - حُدِّثْت عَنِ الْفَرَّاء , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه التَّمِيمِيّ عَنْهُ . وَذَلِكَ غَلَط , لِأَنَّهُ لَا وَجْه لِلرَّبِّ هَاهُنَا , وَإِنَّمَا يُقَال رَبَأَ بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى : حَرَسَ مِنَ الرَّبِيئَة , وَلَا مَعْنَى لِلْحِرَاسَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالصَّحِيح مِنَ الْقِرَاءَة مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار.
وَقَوْله : { وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنْبَتَتْ هَذِهِ الْأَرْض الْهَامِدَة بِذَلِكَ الْغَيْث مِنْ كُلّ نَوْع بَهِيج . يَعْنِي بِالْبَهِيجِ : الْبَهَج , وَهُوَ الْحُسْن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18855 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج } قَالَ : حَسَن . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : ذَلِكَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ بَدْئِنَا خَلْقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ , وَوَصْفنَا أَحْوَالكُمْ قَبْل الْمِيلَاد وَبَعْده , طِفْلًا , وَكَهْلًا , وَشَيْخًا هَرِمًا وَتَنْبِيهِنَاكُمْ عَلَى فِعْلنَا بِالْأَرْضِ الْهَامِدَة بِمَا نُنْزِل عَلَيْهَا مِنَ الْغَيْث ; لِتُؤْمِنُوا وَتُصَدِّقُوا بِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ اللَّه الَّذِي هُوَ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ , وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنَ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام بَاطِل لِأَنَّهَا لَا تَقْدِر عَلَى فِعْل شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَتَعْلَمُوا أَنَّ الْقُدْرَة الَّتِي جَعَلَ بِهَا هَذِهِ الْأَشْيَاء الْعَجِيبَة لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهَا أَنْ يُحْيِي بِهَا الْمَوْتَى بَعْد فَنَائِهَا وَدُرُوسهَا فِي التُّرَاب , وَأَنَّ فَاعِل ذَلِكَ عَلَى كُلّ مَا أَرَادَ وَشَاءَ مِنْ شَيْء قَادِر لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَلِتُوقِنُوا بِذَلِكَ أَنَّ السَّاعَة الَّتِي وَعَدْتُكُمْ أَنْ أَبْعَث فِيهَا الْمَوْتَى مِنْ قُبُورهمْ جَائِيَة لَا مَحَالَة .
{ لَا رَيْب فِيهَا } يَقُول : لَا شَكّ فِي مَجِيئِهَا وَحُدُوثهَا , { وَأَنَّ اللَّه يَبْعَث مَنْ فِي الْقُبُور } حِينَئِذٍ مَنْ فِيهَا مِنَ الْأَمْوَات أَحْيَاء إِلَى مَوْقِف الْحِسَاب , فَلَا تَشُكُّوا فِي ذَلِكَ وَلَا تَمْتَرُوا فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم وَلَا هُدًى وَلَا كِتَاب مُنِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنَ النَّاس مَنْ يُخَاصِم فِي تَوْحِيد اللَّه وَإِفْرَاده بِالْأُلُوهَةِ بِغَيْرِ عِلْم مِنْهُ بِمَا يُخَاصِم بِهِ . { وَلَا هُدًى } يَقُول : وَبِغَيْرِ بَيَان مَعَهُ لِمَا يَقُول وَلَا بُرْهَان . { وَلَا كِتَاب مُنِير } يَقُول : وَبِغَيْرِ كِتَاب مِنَ اللَّه أَتَاهُ لِصِحَّةِ مَا يَقُول . { مُنِير } يَقُول يُنِير عَنْ حُجَّته , وَإِنَّمَا يَقُول مَا يَقُول مِنَ الْجَهْل ظَنًّا مِنْهُ وَحِسْبَانًا . وَذَكَرَ أَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة وَالَّتِي بَعْدهَا النَّضْر بْن الْحَارِث مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار .
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثَانِيَ عِطْفه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُجَادِل هَذَا الَّذِي يُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم { ثَانِيَ عِطْفه } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله وُصِفَ بِأَنَّهُ يُثْنِي عِطْفه وَمَا الْمُرَاد مِنْ وَصْفه إِيَّاهُ بِذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : وَصَفَهُ بِذَلِكَ لِتَكَبُّرِهِ وَتَبَخْتُره . وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَب أَنَّهَا تَقُول : جَاءَنِي فُلَان ثَانِيَ عِطْفه : إِذَا جَاءَ مُتَبَخْتِرًا مِنَ الْكِبْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18856 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { ثَانِيَ عِطْفه } يَقُول : مُسْتَكْبِرًا فِي نَفْسه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَاوٍ رَقَبَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18857 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { ثَانِيَ عِطْفه } قَالَ : رَقَبَته . * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18858 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { ثَانِيَ عِطْفه } قَالَ : لَاوٍ عُنُقه . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْرِض عَمَّا يُدْعَى إِلَيْهِ فَلَا يَسْمَع لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18859 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { ثَانِيَ عِطْفه } يَقُول : يُعْرِض عَنْ ذِكْرِي . 18860 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { ثَانِيَ عِطْفه عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : لَاوِيًا رَأْسه , مُعْرِضًا مُوَلِّيًا , لَا يُرِيد أَنْ يَسْمَع مَا قِيلَ لَهُ . وَقَرَأَ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُول اللَّه لَوَّوْا رُءُوسهمْ وَرَأَيْتهمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } 63 5 { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا } . 31 7 18861 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { ثَانِيَ عِطْفه } قَالَ : يُعْرِض عَنِ الْحَقّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة مُتَقَارِبَات الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ ذَا اسْتِكْبَار فَمِنْ شَأْنه الْإِعْرَاض عَمَّا هُوَ مُسْتَكْبِر عَنْهُ وَلَّى عُنُقه عَنْهُ وَالْإِعْرَاض . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه وَصَفَ هَذَا الْمُخَاصِم فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم أَنَّهُ مِنْ كِبْره إِذَا دُعِيَ إِلَى اللَّه أَعْرَضَ عَنْ دَاعِيه لَوَى عُنُقه عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَع مَا يُقَال لَهُ اسْتِكْبَارًا .
وَقَوْله : { لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُجَادِل هَذَا الْمُشْرِك فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم مُعْرِضًا عَنِ الْحَقّ اسْتِكْبَارًا , لِيَصُدّ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ عَنْ دِينهمْ الَّذِي هَدَاهُمْ لَهُ وَيَسْتَزِلّهُمْ عَنْهُ .
{ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْي } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لِهَذَا الْمُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم فِي الدُّنْيَا خِزْي ; وَهُوَ الْقَتْل وَالذُّلّ وَالْمَهَانَة بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ , فَقَتَلَهُ اللَّه بِأَيْدِيهِمْ يَوْم بَدْر . كَمَا : 18862 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : { فِي الدُّنْيَا خِزْي } قَالَ : قُتِلَ يَوْم بَدْر .
وَقَوْله : { وَنُذِيقهُ يَوْم الْقِيَامَة عَذَاب الْحَرِيق } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنُحَرِّقهُ يَوْم الْقِيَامَة بِالنَّارِ.
وَقَوْله : { لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُجَادِل هَذَا الْمُشْرِك فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم مُعْرِضًا عَنِ الْحَقّ اسْتِكْبَارًا , لِيَصُدّ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ عَنْ دِينهمْ الَّذِي هَدَاهُمْ لَهُ وَيَسْتَزِلّهُمْ عَنْهُ .
{ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْي } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لِهَذَا الْمُجَادِل فِي اللَّه بِغَيْرِ عِلْم فِي الدُّنْيَا خِزْي ; وَهُوَ الْقَتْل وَالذُّلّ وَالْمَهَانَة بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ , فَقَتَلَهُ اللَّه بِأَيْدِيهِمْ يَوْم بَدْر . كَمَا : 18862 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : { فِي الدُّنْيَا خِزْي } قَالَ : قُتِلَ يَوْم بَدْر .
وَقَوْله : { وَنُذِيقهُ يَوْم الْقِيَامَة عَذَاب الْحَرِيق } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنُحَرِّقهُ يَوْم الْقِيَامَة بِالنَّارِ.
وَقَوْله : { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاك } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيُقَال لَهُ إِذَا أُذِيقَ عَذَاب النَّار يَوْم الْقِيَامَة : هَذَا الْعَذَاب الَّذِي نُذِيقكَهُ الْيَوْم بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاك فِي الدُّنْيَا مِنَ الذُّنُوب وَالْآثَام وَاكْتَسَبْته فِيهَا مِنَ الْإِجْرَام.
{ وَأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } يَقُول : وَفَعَلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَيُعَاقِب بَعْض عَبِيده عَلَى جُرْم وَهُوَ يَغْفِر مِثْله مِنْ آخَر غَيْره , أَوْ يَحْمِل ذَنْب مُذْنِب عَلَى غَيْر مُذْنِب فَيُعَاقِبهُ بِهِ وَيَعْفُو عَنْ صَاحِب الذَّنْب ; وَلَكِنَّهُ لَا يُعَاقِب أَحَدًا إِلَّا عَلَى جُرْمه وَلَا يُعَذِّب أَحَدًا عَلَى ذَنْب يَغْفِر مِثْله لِآخَر إِلَّا بِسَبَبٍ اسْتَحَقَّ بِهِ مِنْهُ مَغْفِرَته .
{ وَأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } يَقُول : وَفَعَلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَيُعَاقِب بَعْض عَبِيده عَلَى جُرْم وَهُوَ يَغْفِر مِثْله مِنْ آخَر غَيْره , أَوْ يَحْمِل ذَنْب مُذْنِب عَلَى غَيْر مُذْنِب فَيُعَاقِبهُ بِهِ وَيَعْفُو عَنْ صَاحِب الذَّنْب ; وَلَكِنَّهُ لَا يُعَاقِب أَحَدًا إِلَّا عَلَى جُرْمه وَلَا يُعَذِّب أَحَدًا عَلَى ذَنْب يَغْفِر مِثْله لِآخَر إِلَّا بِسَبَبٍ اسْتَحَقَّ بِهِ مِنْهُ مَغْفِرَته .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة انْقَلَبَ عَلَى وَجْهه } يَعْنِي جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف } أَعْرَابًا كَانُوا يَقْدَمُونَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُهَاجِرِينَ مِنْ بَادِيَتهمْ , فَإِنْ نَالُوا رَخَاء مِنْ عَيْش بَعْد الْهِجْرَة وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام أَقَامُوا عَلَى الْإِسْلَام , وَإِلَّا ارْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابهمْ ; فَقَالَ اللَّه : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه } عَلَى شَكّ , { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر اطْمَأَنَّ بِهِ } وَهُوَ السَّعَة مِنَ الْعَيْش وَمَا يُشْبِههُ مِنْ أَسْبَاب الدُّنْيَا { اطْمَأَنَّ بِهِ } يَقُول : اسْتَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ . { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة } وَهُوَ الضِّيق بِالْعَيْشِ وَمَا يُشْبِههُ مِنْ أَسْبَاب الدُّنْيَا { انْقَلَبَ عَلَى وَجْهه } يَقُول : ارْتَدَّ فَانْقَلَبَ عَلَى وَجْهه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْر بِاللَّهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18863 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف } ... إِلَى قَوْله : { انْقَلَبَ عَلَى وَجْهه } قَالَ : الْفِتْنَة الْبَلَاء , كَانَ أَحَدهمْ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَة وَهِيَ أَرْض وَبِيئَة , فَإِنْ صَحَّ بِهَا جِسْمه وَنَتَجَتْ فَرَسه مُهْرًا حَسَنًا وَوَلَدَتْ امْرَأَته غُلَامًا رَضِيَ بِهِ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَقَالَ : مَا أَصَبْت مُنْذُ كُنْت عَلَى دِينِي هَذَا إِلَّا خَيْرًا وَإِنْ أَصَابَهُ وَجَع الْمَدِينَة وَوَلَدَتْ امْرَأَته جَارِيَة وَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ الصَّدَقَة , أَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ : وَاللَّه مَا أَصَبْت مُنْذُ كُنْت عَلَى دِينك هَذَا إِلَّا شَرًّا ! وَذَلِكَ الْفِتْنَة . 18864 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف } قَالَ : عَلَى شَكّ . 18865 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { عَلَى حَرْف } قَالَ : عَلَى شَكّ . { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر } رَخَاء وَعَافِيَة { اطْمَأَنَّ بِهِ } اسْتَقَرَّ . { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة } عَذَاب وَمُصِيبَة { انْقَلَبَ } ارْتَدَّ { عَلَى وَجْهه } كَافِرًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . قَالَ ابْن جُرَيْج : كَانَ نَاس مِنْ قَبَائِل الْعَرَب وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ أَهْل الْقُرَى يَقُولُونَ : نَأْتِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ صَادَفْنَا خَيْرًا مِنْ مَعِيشَة الرِّزْق ثَبَتْنَا مَعَهُ , وَإِلَّا لَحِقْنَا بِأَهْلِنَا . 18866 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف } قَالَ : شَكّ . { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر } يَقُول : أُكْثِرَ مَاله وَكَثُرَتْ مَاشِيَته اطْمَأَنَّ وَقَالَ : لَمْ يُصِبْنِي فِي دِينِي هَذَا مُنْذُ دَخَلْته إِلَّا خَيْر { وَإِنْ أَصَابَته فِتْنَة } يَقُول : وَإِنْ ذَهَبَ مَاله , وَذَهَبَتْ مَاشِيَته { انْقَلَبَ عَلَى وَجْهه خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , نَحْوه . 18867 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف } الْآيَة , كَانَ نَاس مِنْ قَبَائِل الْعَرَب وَمِنْ حَوْل الْمَدِينَة مِنَ الْقُرَى كَانُوا يَقُولُونَ : نَأْتِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَنْظُر فِي شَأْنه , فَإِنْ صَادَفْنَا خَيْرًا ثَبَتْنَا مَعَهُ , وَإِلَّا لَحِقْنَا بِمَنَازِلِنَا وَأَهْلِينَا . وَكَانُوا يَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ عَلَى دِينك ! فَإِنْ أَصَابُوا مَعِيشَة وَنَتَجُوا خَيْلهمْ وَوَلَدَتْ نِسَاؤُهُمْ الْغِلْمَان , اطْمَأَنُّوا وَقَالُوا : هَذَا دِين صِدْق ! وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ الرِّزْق وَأُزْلِقَتْ خُيُولهمْ وَوَلَدَتْ نِسَاؤُهُمْ الْبَنَات , قَالُوا : هَذَا دِين سُوء ! فَانْقَلَبُوا عَلَى وُجُوههمْ . 18868 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمِنَ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة انْقَلَبَ عَلَى وَجْهه خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } قَالَ : هَذَا الْمُنَافِق , إِنْ صَلُحَتْ لَهُ دُنْيَاهُ أَقَامَ عَلَى الْعِبَادَة , وَإِنْ فَسَدَتْ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَتَغَيَّرَتْ انْقَلَبَ , وَلَا يُقِيم عَلَى الْعِبَادَة إِلَّا لِمَا صَلُحَ مِنْ دُنْيَاهُ , وَإِذَا أَصَابَتْهُ شِدَّة أَوْ فِتْنَة أَوْ اخْتِبَار أَوْ ضِيق , تَرَكَ دِينه وَرَجَعَ إِلَى الْكُفْر .
وَقَوْله : { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } يَقُولهُ : غَبَنَ هَذَا الَّذِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَته دُنْيَاهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَظْفَر بِحَاجَتِهِ مِنْهَا بِمَا كَانَ مِنْ عِبَادَته اللَّه عَلَى الشَّكّ , وَوَضَعَ فِي تِجَارَته فَلَمْ يَرْبَح { وَالْآخِرَة } يَقُول : وَخَسِرَ الْآخِرَة , فَإِنَّهُ مُعَذَّب فِيهَا بِنَارِ اللَّه الْمُوقَدَة . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار جَمِيعًا غَيْر حُمَيْد الْأَعْرَج : { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } عَلَى وَجْه الْمُضِيّ , وَقَرَأَهُ حُمَيْد الْأَعْرَج : " خَاسِرًا " نَصْبًا عَلَى الْحَال عَلَى مِثَال فَاعِل .
وَقَوْله : { ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَان الْمُبِين } يَقُول : وَخَسَارَته الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هِيَ الْخُسْرَان يَعْنِي الْهَلَاك . { الْمُبِين } يَقُول : يَبِين لِمَنْ فَكَّرَ فِيهِ وَتَدَبَّرَهُ أَنَّهُ قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
وَقَوْله : { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } يَقُولهُ : غَبَنَ هَذَا الَّذِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَته دُنْيَاهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَظْفَر بِحَاجَتِهِ مِنْهَا بِمَا كَانَ مِنْ عِبَادَته اللَّه عَلَى الشَّكّ , وَوَضَعَ فِي تِجَارَته فَلَمْ يَرْبَح { وَالْآخِرَة } يَقُول : وَخَسِرَ الْآخِرَة , فَإِنَّهُ مُعَذَّب فِيهَا بِنَارِ اللَّه الْمُوقَدَة . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار جَمِيعًا غَيْر حُمَيْد الْأَعْرَج : { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } عَلَى وَجْه الْمُضِيّ , وَقَرَأَهُ حُمَيْد الْأَعْرَج : " خَاسِرًا " نَصْبًا عَلَى الْحَال عَلَى مِثَال فَاعِل .
وَقَوْله : { ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَان الْمُبِين } يَقُول : وَخَسَارَته الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هِيَ الْخُسْرَان يَعْنِي الْهَلَاك . { الْمُبِين } يَقُول : يَبِين لِمَنْ فَكَّرَ فِيهِ وَتَدَبَّرَهُ أَنَّهُ قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَدْعُو مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَضُرّهُ وَمَا لَا يَنْفَعهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ أَصَابَتْ هَذَا الَّذِي يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف فِتْنَة , ارْتَدَّ عَنْ دِين اللَّه , يَدْعُو مِنْ دُون اللَّه آلِهَة لَا تَضُرّهُ إِنْ لَمْ يَعْبُدهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا تَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة إِنْ عَبَدَهَا . 18869 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَدْعُو مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَضُرّهُ وَمَا لَا يَنْفَعهُ } يَكْفُر بَعْد إِيمَانه ; { ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد } .
يَقُول : ارْتِدَاده ذَلِكَ دَاعِيًا مِنْ دُون اللَّه هَذِهِ الْآلِهَة هُوَ الْأَخْذ عَلَى غَيْر اسْتِقَامَة وَالذَّهَاب عَنْ دِين اللَّه ذَهَابًا بَعِيدًا .
يَقُول : ارْتِدَاده ذَلِكَ دَاعِيًا مِنْ دُون اللَّه هَذِهِ الْآلِهَة هُوَ الْأَخْذ عَلَى غَيْر اسْتِقَامَة وَالذَّهَاب عَنْ دِين اللَّه ذَهَابًا بَعِيدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَدْعُوا لَمَنْ ضَرّه أَقْرَب مِنْ نَفْعه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَدْعُو هَذَا الْمُنْقَلِب عَلَى وَجْهه مِنْ أَنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة آلِهَة لَضَرّهَا فِي الْآخِرَة لَهُ , أَقْرَب وَأَسْرَع إِلَيْهِ مِنْ نَفْعهَا . وَذُكِرَ أَنَّ ابْن مَسْعُود كَانَ يَقْرَؤُهُ : " يَدْعُو مَنْ ضَرّه أَقْرَب مِنْ نَفْعه " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَوْضِع " مَنْ " , فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : مَوْضِعه نَصْب بِ " يَدْعُو " , وَيَقُول : مَعْنَاهُ : يَدْعُو لَآلِهَة ضَرّهَا أَقْرَب مِنْ نَفْعهَا , وَيَقُول : هُوَ شَاذّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَد فِي الْكَلَام : يَدْعُو لَزَيْدًا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : اللَّام مِنْ صِلَة " مَا " بَعْد " مَنْ " , كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : يَدْعُو مَنْ لَضَرّه أَقْرَب مِنْ نَفْعه . وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَب سَمَاعًا مِنْهَا : عِنْدِي لَمَا غَيْره خَيْر مِنْهُ , بِمَعْنَى : عِنْدِي مَا لَغَيْره خَيْر مِنْهُ ; وَأَعْطَيْتُك لَمَا غَيْره خَيْر مِنْهُ , بِمَعْنَى : مَا لَغَيْره خَيْر مِنْهُ . وَقَالَ : جَائِز فِي كُلّ مَا لَمْ يَتَبَيَّن فِيهِ الْإِعْرَاب الِاعْتِرَاض بِاللَّامِ دُون الِاسْم . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِكَ : هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد يَدْعُو ; فَيَكُون " يَدْعُو " صِلَة " الضَّلَال الْبَعِيد " , وَتُضْمَر فِي " يَدْعُو " الْهَاء ثُمَّ تَسْتَأْنِف الْكَلَام بِاللَّامِ , فَتَقُول لَمَنْ ضَرّه أَقْرَب مِنْ نَفْعه : لَبِئْسَ الْمَوْلَى ; كَقَوْلِك فِي الْكَلَام فِي مَذْهَب الْجَزَاء : لَمَا فَعَلْت لَهُوَ خَيْر لَك . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالْهَاءِ فِي قَوْله " ضَرّه " ; لِأَنَّ " مَنْ " إِذَا كَانَتْ جَزَاء فَإِنَّمَا يُعْرِبهَا مَا بَعْدهَا , وَاللَّام الثَّانِيَة فِي " لَبِئْسَ الْمَوْلَى " جَوَاب اللَّام الْأُولَى . وَهَذَا الْقَوْل الْآخَر عَلَى مَذْهَب الْعَرَبِيَّة أَصَحّ , وَالْأَوَّل إِلَى مَذْهَب أَهْل التَّأْوِيل أَقْرَب .
وَقَوْله : { لَبِئْسَ الْمَوْلَى } يَقُول : لَبِئْسَ ابْن الْعَمّ هَذَا الَّذِي يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف . { وَلَبِئْسَ الْعَشِير } يَقُول : وَلَبِئْسَ الْخَلِيط الْمُعَاشِر وَالصَّاحِب , هُوَ , كَمَا : 18870 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَبِئْسَ الْعَشِير } قَالَ : الْعَشِير : هُوَ الْمُعَاشِر الصَّاحِب . وَقَدْ قِيلَ : عُنِيَ بِالْمَوْلَى فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْوَلِيّ النَّاصِر . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِير } الْوَثَن . 18871 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه " : { وَلَبِئْسَ الْعَشِير } قَالَ : الْوَثَن .
وَقَوْله : { لَبِئْسَ الْمَوْلَى } يَقُول : لَبِئْسَ ابْن الْعَمّ هَذَا الَّذِي يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف . { وَلَبِئْسَ الْعَشِير } يَقُول : وَلَبِئْسَ الْخَلِيط الْمُعَاشِر وَالصَّاحِب , هُوَ , كَمَا : 18870 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَبِئْسَ الْعَشِير } قَالَ : الْعَشِير : هُوَ الْمُعَاشِر الصَّاحِب . وَقَدْ قِيلَ : عُنِيَ بِالْمَوْلَى فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْوَلِيّ النَّاصِر . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِير } الْوَثَن . 18871 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه " : { وَلَبِئْسَ الْعَشِير } قَالَ : الْوَثَن .
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه فِي الدُّنْيَا , وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ فِيهَا { جَنَّات } يَعْنِي بَسَاتِين , { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول : تَجْرِي الْأَنْهَار مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا .
فَيُعْطِي مَا شَاءَ مِنْ كَرَامَته أَهْل طَاعَته وَمَا شَاءَ مِنَ الْهَوَان أَهْل مَعْصِيَته .
فَيُعْطِي مَا شَاءَ مِنْ كَرَامَته أَهْل طَاعَته وَمَا شَاءَ مِنَ الْهَوَان أَهْل مَعْصِيَته .
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده مَا يَغِيظ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْله : { أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه } . فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَتَأْوِيله عَلَى قَوْل بَعْض قَائِلِي ذَلِكَ : مَنْ كَانَ مِنَ النَّاس يَحْسَب أَنْ لَنْ يَنْصُر اللَّه مُحَمَّدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , فَلْيَمْدُدْ بِحَبْلٍ - وَهُوَ السَّبَب - إِلَى السَّمَاء : يَعْنِي سَمَاء الْبَيْت , وَهُوَ سَقْفه , ثُمَّ لْيَقْطَعْ السَّبَب بَعْد الِاخْتِنَاق بِهِ , فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ اخْتِنَاقه ذَلِكَ وَقَطْعه السَّبَب بَعْد الِاخْتِنَاق مَا يَغِيظ ; يَقُول : هَلْ يُذْهِبَنَّ ذَلِكَ مَا يَجِد فِي صَدْره مِنَ الْغَيْظ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18872 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني خَالِد بْن قَيْس , عَنْ قَتَادَة : مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُر اللَّه نَبِيّه وَلَا دِينه وَلَا كِتَابه , { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } يَقُول : بِحَبْلٍ إِلَى سَمَاء الْبَيْت فَلْيَخْتَنِقْ بِهِ , { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده مَا يَغِيظ } . * -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } قَالَ : مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُر اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } يَقُول : بِحَبْلٍ إِلَى سَمَاء الْبَيْت , { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } يَقُول : ثُمَّ لْيَخْتَنِقْ ثُمَّ لْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده مَا يَغِيظ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ مَنْ قَالَ الْهَاء فِي " يَنْصُرهُ " مِنْ ذِكْر اسْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّمَاء الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِع هِيَ السَّمَاء الْمَعْرُوفَة . قَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام , مَا : 18873 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده مَا يَغِيظ } قَالَ : مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُر اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكَابِد هَذَا الْأَمْر لِيَقْطَعهُ عَنْهُ وَمِنْهُ , فَلْيَقْطَعْ ذَلِكَ مِنْ أَصْله مِنْ حَيْثُ يَأْتِيه , فَإِنَّ أَصْله فِي السَّمَاء , فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء , ثُمَّ لْيَقْطَعْ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْي الَّذِي يَأْتِيه مِنَ اللَّه , فَإِنَّهُ لَا يُكَايِدهُ حَتَّى يَقْطَع أَصْله عَنْهُ , فَكَايَدَ ذَلِكَ حَتَّى قَطَعَ أَصْله عَنْهُ . { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده مَا يَغِيظ } مَا دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَغَاظَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ نُصْرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا يُنْزِل عَلَيْهِ . وَقَالَ آخَرُونَ مَنْ قَالَ " الْهَاء " الَّتِي فِي قَوْله : " يَنْصُرهُ " مِنْ ذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; مَعْنَى النَّصْر هَا هُنَا الرِّزْق . فَعَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ تَأْوِيل الْكَلَام : مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَرْزُق اللَّه مُحَمَّدًا فِي الدُّنْيَا , وَلَنْ يُعْطِيه . وَذَكَرُوا سَمَاعًا مِنَ الْعَرَب : مَنْ يَنْصُرنِي نَصَرَهُ اللَّه , بِمَعْنَى : مَنْ يُعْطِنِي أَعْطَاهُ اللَّه . وَحَكَوْا أَيْضًا سَمَاعًا مِنْهُمْ : نَصَرَ الْمَطَر أَرْض كَذَا : إِذَا جَادَهَا وَأَحْيَاهَا . وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِبَيْتِ الْفَقْعَسِيّ : وَإِنَّك لَا تُعْطِي امْرَأً فَوْق حَظّه وَلَا تَمْلِك الشِّقّ الَّذِي الْغَيْث نَاصِره ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18874 - حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنِ التَّمِيمِيّ , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : أَرَأَيْت قَوْله : { مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده مَا يَغِيظ } ؟ قَالَ : مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُر اللَّه مُحَمَّدًا , فَلْيَرْبِطْ حَبْلًا فِي سَقْف ثُمَّ لْيَخْتَنِقْ بِهِ حَتَّى يَمُوت . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنِ التَّمِيمِيّ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس , عَنْ قَوْله : { مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه } قَالَ : أَنْ لَنْ يَرْزُقهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء } وَالسَّبَب : الْحَبْل , وَالسَّمَاء : سَقْف الْبَيْت ; فَلْيُعَلِّقْ حَبْلًا فِي سَمَاء الْبَيْت ثُمَّ لْيَخْتَنِقْ ; { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده } هَذَا الَّذِي صَنَعَ مَا يَجِد مِنَ الْغَيْظ . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو بْن مُطَرِّف , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم , عَنِ ابْن عَبَّاس , مِثْله . 18875 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنِ التَّمِيمِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء } قَالَ : سَمَاء الْبَيْت . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت التَّمِيمِيّ , يَقُول : سَأَلْت ابْن عَبَّاس , فَذَكَرَ مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } ... إِلَى قَوْله : { مَا يَغِيظ } قَالَ : السَّمَاء الَّتِي أَمَرَ اللَّه أَنْ يَمُدّ إِلَيْهَا بِسَبَبِ سَقْف الْبَيْت أَمَرَ أَنْ يَمُدّ إِلَيْهِ بِحَبْلٍ فَيَخْتَنِق بِهِ , قَالَ : فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده مَا يَغِيظ إِذَا اخْتَنَقَ إِنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَنْصُرهُ اللَّه ! وَقَالَ آخَرُونَ : الْهَاء فِي " يَنْصُرهُ " مِنْ ذِكْر " مَنْ " . وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَرْزُقهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى سَمَاء الْبَيْت ثُمَّ لْيَخْتَنِقْ , فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ فِعْله ذَلِكَ مَا يَغِيظ , أَنَّهُ لَا يُرْزَق ! ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18876 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه { أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه } قَالَ : يَرْزُقهُ اللَّه . { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } قَالَ : بِحَبْلٍ { إِلَى السَّمَاء } سَمَاء مَا فَوْقك . { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } لِيَخْتَنِق , هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده ذَلِكَ خَنْقه أَنْ لَا يُرْزَق . 18877 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه } يَرْزُقهُ اللَّه . { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء } قَالَ : بِحَبْلٍ إِلَى السَّمَاء . قَالَ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { إِلَى السَّمَاء } إِلَى سَمَاء الْبَيْت . قَالَ ابْن جُرَيْج : وَقَالَ مُجَاهِد : { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } قَالَ : لِيَخْتَنِق , وَذَلِكَ كَيْده { مَا يَغِيظ } قَالَ : ذَلِكَ خَنْقه أَنْ لَا يَرْزُقهُ اللَّه . 18878 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } يَعْنِي : بِحَبْلٍ . { إِلَى السَّمَاء } يَعْنِي : سَمَاء الْبَيْت . 18879 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاء , قَالَ : سُئِلَ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء } قَالَ : سَمَاء الْبَيْت . { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } قَالَ : يَخْتَنِق . وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : الْهَاء مِنْ ذِكْر نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينه ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَكَرَ قَوْمًا يَعْبُدُونَهُ عَلَى حَرْف وَأَنَّهُمْ يَطْمَئِنُّونَ بِالدِّينِ إِنْ أَصَابُوا خَيْرًا فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ وَأَنَّهُمْ يَرْتَدُّونَ عَنْ دِينهمْ لِشِدَّةٍ تُصِيبهُمْ فِيهَا , ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَة ; فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا أَتْبَعَهُ إِيَّاهَا تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى ارْتِدَادهمْ عَنِ الدِّين أَوْ عَلَى شَكّهمْ فِيهِ نِفَاقهمْ , اسْتِبْطَاء مِنْهُمْ السَّعَة فِي الْعَيْش أَوْ السُّبُوغ فِي الرِّزْق . وَإِذَا كَانَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون ذَلِكَ عَقِيب الْخَبَر عَنْ نِفَاقهمْ , فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : مَنْ كَانَ يَحْسَب أَنْ لَنْ يَرْزُق اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته فِي الدُّنْيَا فَيُوَسِّع عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْله فِيهَا , وَيَرْزُقهُمْ فِي الْآخِرَة مِنْ سَنِيّ عَطَايَاهُ وَكَرَامَته , اسْتِبْطَاء مِنْهُ فِعْل اللَّه ذَلِكَ بِهِ وَبِهِمْ , فَلْيَمْدُدْ بِحَبْلٍ إِلَى سَمَاء فَوْقه : إِمَّا سَقْف بَيْت , أَوْ غَيْره مِمَّا يُعَلَّق بِهِ السَّبَب مِنْ فَوْقه , ثُمَّ يَخْتَنِق إِذَا اغْتَاظَ مِنْ بَعْض مَا قَضَى اللَّه فَاسْتَعْجَلَ انْكِشَاف ذَلِكَ عَنْهُ , فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده اخْتِنَاقه كَذَلِكَ مَا يَغِيظ ؟ فَإِنْ لَمْ يُذْهِب ذَلِكَ غَيْظه , حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِالْفَرَجِ مِنْ عِنْده فَيُذْهِبهُ , فَكَذَلِكَ اسْتِعْجَاله نَصْر اللَّه مُحَمَّدًا وَدِينه لَنْ يُؤَخِّر مَا قَضَى اللَّه لَهُ مِنْ ذَلِكَ عَنْ مِيقَاته وَلَا يُعَجِّل قَبْل حِينه . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَسَد وَغَطَفَان , تَبَاطَئُوا عَنِ الْإِسْلَام , وَقَالُوا : نَخَاف أَنْ لَا يُنْصَر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْقَطِع الَّذِي بَيْننَا وَبَيْن حُلَفَائِنَا مِنَ الْيَهُود فَلَا يَمِيرُونَنَا وَلَا يَرْوُونَنَا ! فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ : مَنِ اسْتَعْجَلَ مِنَ اللَّه نَصْر مُحَمَّد , فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء فَلْيَخْتَنِقْ فَلْيَنْظُرْ اسْتِعْجَاله بِذَلِكَ فِي نَفْسه هَلْ هُوَ مُذْهِب غَيْظه ؟ فَكَذَلِكَ اسْتِعْجَاله مِنَ اللَّه نَصْر مُحَمَّد غَيْر مُقَدِّم نَصْره قَبْل حِينه . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { مَا يَغِيظ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة هِيَ بِمَعْنَى " الَّذِي " , وَقَالَ : مَعْنَى الْكَلَام : هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده الَّذِي يَغِيظهُ . قَالَ : وَحُذِفَتِ الْهَاء لِأَنَّهَا صِلَة " الَّذِي " ; لِأَنَّهُ إِذَا صَارَا جَمِيعًا اسْمًا وَاحِدًا كَانَ الْحَذْف أَخَفّ . وَقَالَ غَيْره : بَلْ هُوَ مَصْدَر لَا حَاجَة بِهِ إِلَى الْهَاء , هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده غَيْظه .
وَقَوْله : { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَات بَيِّنَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَمَا بَيَّنْت لَكُمْ حُجَجِي عَلَى مَنْ جَحَدَ قُدْرَتِي عَلَى إِحْيَاء مَنْ مَاتَ مِنَ الْخَلْق بَعْد فَنَائِهِ فَأَوْضَحْتهَا أَيّهَا النَّاس , كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقُرْآن آيَات بَيِّنَات , يَعْنِي دَلَالَات وَاضِحَات , يَهْدِينَ مَنْ أَرَادَ اللَّه هِدَايَته إِلَى الْحَقّ.
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِأَنَّ اللَّه يُوَفِّق الصَّوَاب وَلِسَبِيلِ الْحَقّ مَنْ أَرَادَ , أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن آيَات بَيِّنَات ; وَ " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب .
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِأَنَّ اللَّه يُوَفِّق الصَّوَاب وَلِسَبِيلِ الْحَقّ مَنْ أَرَادَ , أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن آيَات بَيِّنَات ; وَ " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّه يَفْصِل بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الْفَصْل بَيْن هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّه عَلَى حَرْف , وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ فَعَبَدُوا الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَالَّذِينَ هَادُوا , وَهُمُ الْيَهُود وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس الَّذِي عَظَّمُوا النِّيرَان وَخَدَمُوهَا , وَبَيْن الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُله إِلَى اللَّه , وَسَيَفْصِلُ بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة بِعَدْلٍ مِنَ الْقَضَاء وَفَصْله بَيْنهمْ إِدْخَاله النَّار الْأَحْزَاب كُلّهمْ وَالْجَنَّة الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ ; فَذَلِكَ هُوَ الْفَصْل مِنَ اللَّه بَيْنهمْ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ , مَا : 18880 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } قَالَ : الصَّابِئُونَ : قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة , وَيُصَلُّونَ لِلْقِبْلَةِ , وَيَقْرَءُونَ الزَّبُور . وَالْمَجُوس : يَعْبُدُونَ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنِّيرَان . وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا : يَعْبُدُونَ الْأَوْثَان . وَالْأَدْيَان سِتَّة : خَمْسَة لِلشَّيْطَانِ , وَوَاحِد لِلرَّحْمَنِ . وَأُدْخِلَتْ " إِنَّ " فِي خَبَر " إِنَّ " الْأُولَى لِمَا ذَكَرْت مِنَ الْمَعْنَى , وَأَنَّ الْكَلَام بِمَعْنَى الْجَزَاء , كَأَنَّهُ قِيلَ : مَنْ كَانَ عَلَى دِين مِنْ هَذِهِ الْأَدْيَان ; فَفَصْل مَا بَيْنه وَبَيْن مَنْ خَالَفَهُ عَلَى اللَّه . وَالْعَرَب تُدْخِل أَحْيَانًا فِي خَبَر " إِنَّ " " إِنَّ " إِذَا كَانَ خَبَر الِاسْم الْأَوَّل فِي اسْم مُضَاف إِلَى ذِكْره , فَتَقُول : إِنَّ عَبْد اللَّه إِنَّ الْخَيْر عِنْده لَكَثِير , كَمَا قَالَ الشَّاعِر . إِنَّ الْخَلِيفَة إِنَّ اللَّه سَرْبَلَهُ سِرْبَال مُلْك بِهِ تُرْجَى الْخَوَاتِيم وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : مَنْ قَالَ هَذَا لَمْ يَقُلْ : إِنَّك إِنَّك قَائِم , وَلَا إِنَّ إِيَّاكَ إِنَّهُ قَائِم ; لِأَنَّ الِاسْمَيْنِ قَدِ اخْتَلَفَا , فَحَسُنَ رَفْض الْأَوَّل , وَجُعِلَ الثَّانِي كَأَنَّهُ هُوَ الْمُبْتَدَأ , فَحَسُنَ لِلِاخْتِلَافِ وَقَبُحَ لِلِاتِّفَاقِ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مِنْ أَعْمَال هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا شَهِيد لَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْء مِنْ ذَلِكَ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مِنْ أَعْمَال هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا شَهِيد لَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْء مِنْ ذَلِكَ .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يَسْجُد لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم وَالْجِبَال وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد بِقَلْبِك , فَتَعْلَم أَنَّ اللَّه يَسْجُد لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات مِنَ الْمَلَائِكَة , وَمَنْ فِي الْأَرْض مِنَ الْخَلْق مِنَ الْجِنّ وَغَيْرهمْ , وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم فِي السَّمَاء , وَالْجِبَال , وَالشَّجَر , وَالدَّوَابّ فِي الْأَرْض ; وَسُجُود ذَلِكَ ظِلَاله حِين تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمْس وَحِين تَزُول إِذَا تَحَوَّلَ ظِلّ كُلّ شَيْء ; فَهُوَ سُجُوده . كَمَا : 18881 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يَسْجُد لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم وَالْجِبَال وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ } قَالَ : ظِلَال هَذَا كُلّه . وَأَمَّا سُجُود الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم , فَإِنَّهُ كَمَا : 18882 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَا : ثنا عَوْف , قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْعَالِيَة الرَّيَاحِيّ يَقُول : مَا فِي السَّمَاء نَجْم وَلَا شَمْس وَلَا قَمَر إِلَّا يَقَع لِلَّهِ سَاجِدًا حِين يَغِيب , ثُمَّ لَا يَنْصَرِف حَتَّى يُؤْذَن لَهُ فَيَأْخُذ ذَات الْيَمِين وَزَادَ مُحَمَّد : حَتَّى يَرْجِع إِلَى مَطْلَعه .
وَقَوْله : { وَكَثِير مِنَ النَّاس } يَقُول : وَيَسْجُد كَثِير مِنْ بَنِي آدَم , وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ . كَمَا : 18883 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَكَثِير مِنَ النَّاس } قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ .
وَقَوْله : { وَكَثِير حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَثِير مِنْ بَنِي آدَم حَقَّ عَلَيْهِ عَذَاب اللَّه فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ بِهِ , وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَسْجُد لِلَّهِ ظِلّه . كَمَا : 18884 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَكَثِير حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } وَهُوَ يَسْجُد مَعَ ظِلّه . فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد , وَقَعَ قَوْله : { وَكَثِير حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْله : { وَكَثِير مِنَ النَّاس } وَيَكُون دَاخِلًا فِي عِدَاد مَنْ وَصَفَهُ اللَّه بِالسُّجُودِ لَهُ , وَيَكُون قَوْله : { حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } مِنْ صِلَة " كَثِير " , وَلَوْ كَانَ " الْكَثِير " الثَّانِي مَنْ لَمْ يَدْخُل فِي عِدَاد مَنْ وُصِفَ بِالسُّجُودِ كَانَ مَرْفُوعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْره فِي قَوْله : { حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَكَثِير أَبَى السُّجُود ; لِأَنَّ قَوْله : { حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } يَدُلّ عَلَى مَعْصِيَة اللَّه وَإِبَائِهِ السُّجُود , فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ الْعَذَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُهِنِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُهِنْهُ اللَّه مِنْ خَلْقه فَيُشْقِهِ , { فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم } بِالسَّعَادَةِ يُسْعِدهُ بِهَا ; لِأَنَّ الْأُمُور كُلّهَا بِيَدِ اللَّه , يُوَفِّق مَنْ يَشَاء لِطَاعَتِهِ وَيَخْذُل مَنْ يَشَاء , وَيُشْقِي مَنْ أَرَادَ وَيُسْعِد مَنْ أَحَبَّ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه يَفْعَل فِي خَلْقه مَا يَشَاء مِنْ إِهَانَة مَنْ أَرَادَ إِهَانَته وَإِكْرَام مَنْ أَرَادَ كَرَامَته ; لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقه وَالْأَمْر أَمْره . { لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ } . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَرَأَهُ : " فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم " بِمَعْنَى : فَمَا لَهُ مِنْ إِكْرَام , وَذَلِكَ قِرَاءَة لَا أَسْتَجِيز الْقِرَاءَة بِهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَى خِلَافه.
وَقَوْله : { وَكَثِير مِنَ النَّاس } يَقُول : وَيَسْجُد كَثِير مِنْ بَنِي آدَم , وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ . كَمَا : 18883 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَكَثِير مِنَ النَّاس } قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ .
وَقَوْله : { وَكَثِير حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَثِير مِنْ بَنِي آدَم حَقَّ عَلَيْهِ عَذَاب اللَّه فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ بِهِ , وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَسْجُد لِلَّهِ ظِلّه . كَمَا : 18884 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَكَثِير حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } وَهُوَ يَسْجُد مَعَ ظِلّه . فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد , وَقَعَ قَوْله : { وَكَثِير حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْله : { وَكَثِير مِنَ النَّاس } وَيَكُون دَاخِلًا فِي عِدَاد مَنْ وَصَفَهُ اللَّه بِالسُّجُودِ لَهُ , وَيَكُون قَوْله : { حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } مِنْ صِلَة " كَثِير " , وَلَوْ كَانَ " الْكَثِير " الثَّانِي مَنْ لَمْ يَدْخُل فِي عِدَاد مَنْ وُصِفَ بِالسُّجُودِ كَانَ مَرْفُوعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْره فِي قَوْله : { حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَكَثِير أَبَى السُّجُود ; لِأَنَّ قَوْله : { حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } يَدُلّ عَلَى مَعْصِيَة اللَّه وَإِبَائِهِ السُّجُود , فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ الْعَذَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُهِنِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُهِنْهُ اللَّه مِنْ خَلْقه فَيُشْقِهِ , { فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم } بِالسَّعَادَةِ يُسْعِدهُ بِهَا ; لِأَنَّ الْأُمُور كُلّهَا بِيَدِ اللَّه , يُوَفِّق مَنْ يَشَاء لِطَاعَتِهِ وَيَخْذُل مَنْ يَشَاء , وَيُشْقِي مَنْ أَرَادَ وَيُسْعِد مَنْ أَحَبَّ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه يَفْعَل فِي خَلْقه مَا يَشَاء مِنْ إِهَانَة مَنْ أَرَادَ إِهَانَته وَإِكْرَام مَنْ أَرَادَ كَرَامَته ; لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقه وَالْأَمْر أَمْره . { لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ } . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَرَأَهُ : " فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم " بِمَعْنَى : فَمَا لَهُ مِنْ إِكْرَام , وَذَلِكَ قِرَاءَة لَا أَسْتَجِيز الْقِرَاءَة بِهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَى خِلَافه.
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهَذَيْنِ الْخَصْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَحَد الْفَرِيقَيْنِ : أَهْل الْإِيمَان , وَالْفَرِيق الْآخَر : عَبَدَة الْأَوْثَان مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْم بَدْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18885 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِم عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ قَيْس بْن عُبَادَة قَالَ : سَمِعْت أَبَا ذَرّ يُقْسِم قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْم بَدْر : حَمْزَة وَعَلِيّ وَعُبَيْدَة بْن الْحَارِث , وَعُتْبَة وَشَيْبَة ابْنَيْ رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة . قَالَ : وَقَالَ عَلِيّ : إِنِّي لَأَوَّل أَوْ مِنْ أَوَّل - مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ يَوْم الْقِيَامَة بَيْن يَدَيِ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد , قَالَ : سَمِعْت أَبَا ذَرّ يُقْسِم بِاللَّهِ قَسَمًا لَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي سِتَّة مِنْ قُرَيْش : حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعُبَيْدَة بْن الْحَارِث رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , وَعُتْبَة بْن رَبِيعَة وَشَيْبَة بْن رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } . . . إِلَى آخِر الْآيَة : { إِنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } . إِلَى آخِر الْآيَة . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد , قَالَ : سَمِعْت أَبَا ذَرّ يُقْسِم , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 18886 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُحَبَّب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْم بَدْر : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } . 18887 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَات : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } فِي الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْم بَدْر : حَمْزَة وَعَلِيّ وَعُبَيْدَة بْن الْحَارِث , وَعُتْبَة بْن رَبِيعَة وَشَيْبَة بْن رَبِيعَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة . إِلَى قَوْله : { وَهُدُوا إِلَى صِرَاط الْحَمِيد } . 18888 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد , قَالَ : وَاللَّه لَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } فِي الَّذِينَ خَرَجَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض يَوْم بَدْر : حَمْزَة وَعَلِيّ وَعُبَيْدَة رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ , وَشَيْبَة وَعُتْبَة وَالْوَلِيد بْن عُتْبَة . وَقَالَ آخَرُونَ مَنْ قَالَ أَحَد الْفَرِيقَيْنِ فَرِيق الْإِيمَان : بَلِ الْفَرِيق الْآخَر أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18889 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب , قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ : نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ , وَأَقْدَم مِنْكُمْ كِتَابًا , وَنَبِيّنَا قَبْل نَبِيّكُمْ . وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ : نَحْنُ أَحَقّ بِاللَّهِ , آمَنَّا بِمُحَمَّدٍ , وَآمَنَّا بِنَبِيِّكُمْ وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَاب , فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كِتَابنَا وَنَبِيّنَا , ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُ وَكَفَرْتُمْ بِهِ حَسَدًا , وَكَانَ ذَلِكَ خُصُومَتهمْ فِي رَبّهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ الْفَرِيق الْآخَر الْكُفَّار كُلّهمْ مِنْ أَيّ مِلَّة كَانُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18890 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء بْن أَبِي رِيَاح وَأَبِي قَزَعَة , عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : هُمُ الْكَافِرُونَ وَالْمُؤْمِنُونَ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ . 18891 - قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : مَثَل الْكَافِر وَالْمُؤْمِن ; قَالَ ابْن جُرَيْج : خُصُومَتهمْ الَّتِي اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ , خُصُومَتهمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْل كُلّ دِين , يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْ غَيْرهمْ . 18892 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : كَانَ عَاصِم وَالْكَلْبِيّ يَقُولَانِ جَمِيعًا فِي : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } قَالَ : أَهْل الشِّرْك وَالْإِسْلَام حِين اخْتَصَمُوا أَيّهمْ أَفْضَل , قَالَ : جَعَلَ الشِّرْك مِلَّة . 18893 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى . وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } قَالَ : مَثَل الْمُؤْمِن وَالْكَافِر اخْتِصَامهمَا فِي الْبَعْث . وَقَالَ آخَرُونَ : الْخَصْمَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة : الْجَنَّة وَالنَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18894 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهمْ } قَالَ : هُمَا الْجَنَّة وَالنَّار اخْتَصَمَتَا , فَقَالَتْ النَّار : خَلَقَنِي اللَّه لِعُقُوبَتِهِ ! وَقَالَتِ الْجَنَّة : خَلَقَنِي اللَّه لِرَحْمَتِهِ ! فَقَدْ قَصَّ اللَّه عَلَيْك مِنْ خَبَرهمَا مَا تَسْمَع . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ وَأَشْبَههَا بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالْخَصْمَيْنِ جَمِيع الْكُفَّار مِنْ أَيّ أَصْنَاف الْكُفْر كَانُوا وَجَمِيع الْمُؤْمِنِينَ . وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره ذَكَرَ قَبْل ذَلِكَ صِنْفَيْنِ مِنْ خَلْقه : أَحَدهمَا أَهْل طَاعَة لَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ , وَالْآخَر : أَهْل مَعْصِيَة لَهُ , قَدْ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب , فَقَالَ : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يَسْجُد لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر } ثُمَّ قَالَ : { وَكَثِير مِنَ النَّاس وَكَثِير حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب } , ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ صِفَة الصِّنْفَيْنِ كِلَيْهِمَا وَمَا هُوَ فَاعِل بِهِمَا , فَقَالَ : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار } وَقَالَ اللَّه : { إِنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } ; فَكَانَ بَيِّنًا بِذَلِكَ أَنَّ مَا بَيْن ذَلِكَ خَبَر عَنْهُمَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرّ فِي قَوْله : إِنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْم بَدْر ؟ قِيلَ : ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه كَمَا رُوِيَ عَنْهُ ; وَلَكِنَّ الْآيَة قَدْ تَنْزِل بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَاب , ثُمَّ تَكُون عَامَّة فِي كُلّ مَا كَانَ نَظِير ذَلِكَ السَّبَب . وَهَذِهِ مِنْ تِلْكَ , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ تَبَارَزُوا إِنَّمَا كَانَ أَحَد الْفَرِيقَيْنِ أَهْل شِرْك وَكُفْر بِاللَّهِ , وَالْآخَر أَهْل إِيمَان بِاللَّهِ وَطَاعَة لَهُ , فَكُلّ كَافِر فِي حُكْم فَرِيق الشِّرْك مِنْهُمَا فِي أَنَّهُ لِأَهْلِ الْإِيمَان خَصْم , وَكَذَلِكَ كُلّ مُؤْمِن فِي حُكْم فَرِيق الْإِيمَان مِنْهُمَا فِي أَنَّهُ لِأَهْلِ الشِّرْك خَصْم . فَتَأْوِيل الْكَلَام : هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي دِين رَبّهمْ , وَاخْتِصَامهمْ فِي ذَلِكَ مُعَادَاة كُلّ فَرِيق مِنْهُمَا الْفَرِيق الْآخَر وَمُحَارَبَته إِيَّاهُ عَلَى دِينه .
وَقَوْله : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَمَّا الْكَافِر بِاللَّهِ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُقَطَّع لَهُ قَمِيص مِنْ نُحَاس مِنْ نَار . كَمَا : 18895 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار } قَالَ : الْكَافِر قُطِّعَتْ لَهُ ثِيَاب مِنْ نَار , وَالْمُؤْمِن يُدْخِلهُ اللَّه جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار . 18896 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار } قَالَ : ثِيَاب مِنْ نُحَاس , وَلَيْسَ شَيْء مِنَ الْآنِيَة أَحْمَى وَأَشَدّ حَرًّا مِنْهُ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْكُفَّار قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار , وَالْمُؤْمِن يَدْخُل جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار .
وَقَوْله : { يُصَبّ مِنْ فَوْق رُءُوسهمُ الْحَمِيم } يَقُول : يُصَبّ عَلَى رُءُوسهمْ مَاء مُغْلًى . كَمَا : 18897 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سَعِيد بْن زَيْد , عَنْ أَبِي السَّمْح , عَنِ ابْن حُجَيْرَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِنَّ الْحَمِيم لَيُصَبّ عَلَى رُءُوسهمْ , فَيَنْفُذ الْجُمْجُمَة حَتَّى يَخْلُص إِلَى جَوْفه , فَيَسْلُت مَا فِي جَوْفه حَتَّى يَبْلُغ قَدَمَيْهِ , وَهِيَ الصَّهْر , ثُمَّ يُعَاد كَمَا كَانَ " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَعْمُر بْن بِشْر , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد بْن زَيْد , عَنْ أَبِي السَّمْح , عَنِ ابْن حُجَيْرَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " فَيَنْفُذ الْجُمْجُمَة حَتَّى يَخْلُص إِلَى جَوْفه فَيَسْلُت مَا فِي جَوْفه " . وَكَانَ بَعْضهمْ يَزْعُم أَنَّ قَوْله : { وَلَهُمْ مَقَامِع مِنْ حَدِيد } مِنَ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , وَيَقُول : وَجْه الْكَلَام : فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار , وَلَهُمْ مَقَامِع مِنْ حَدِيد يُصَبّ مِنْ فَوْق رُءُوسهمُ الْحَمِيم ; وَيَقُول : إِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمَلَك يَضْرِبهُ بِالْمِقْمَع مِنَ الْحَدِيد حَتَّى يَثْقُب رَأْسه , ثُمَّ يُصَبّ فِيهِ الْحَمِيم الَّذِي انْتَهَى حَرّه فَيَقْطَع بَطْنه . وَالْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَا , يَدُلّ عَلَى خِلَاف مَا قَالَ هَذَا الْقَائِل ; وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الْحَمِيم إِذَا صُبَّ عَلَى رُءُوسهمْ نَفَذَ الْجُمْجُمَة حَتَّى يَخْلُص إِلَى أَجْوَافهمْ , وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل , وَلَوْ كَانَتِ الْمَقَامِع قَدْ تَثْقُب رُءُوسهمْ قَبْل صَبّ الْحَمِيم عَلَيْهَا , لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْحَمِيم يَنْفُذ الْجُمْجُمَة " مَعْنًى ; وَلَكِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَالَ هَذَا الْقَائِل .
وَقَوْله : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَمَّا الْكَافِر بِاللَّهِ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُقَطَّع لَهُ قَمِيص مِنْ نُحَاس مِنْ نَار . كَمَا : 18895 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار } قَالَ : الْكَافِر قُطِّعَتْ لَهُ ثِيَاب مِنْ نَار , وَالْمُؤْمِن يُدْخِلهُ اللَّه جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار . 18896 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار } قَالَ : ثِيَاب مِنْ نُحَاس , وَلَيْسَ شَيْء مِنَ الْآنِيَة أَحْمَى وَأَشَدّ حَرًّا مِنْهُ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْكُفَّار قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار , وَالْمُؤْمِن يَدْخُل جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار .
وَقَوْله : { يُصَبّ مِنْ فَوْق رُءُوسهمُ الْحَمِيم } يَقُول : يُصَبّ عَلَى رُءُوسهمْ مَاء مُغْلًى . كَمَا : 18897 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سَعِيد بْن زَيْد , عَنْ أَبِي السَّمْح , عَنِ ابْن حُجَيْرَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِنَّ الْحَمِيم لَيُصَبّ عَلَى رُءُوسهمْ , فَيَنْفُذ الْجُمْجُمَة حَتَّى يَخْلُص إِلَى جَوْفه , فَيَسْلُت مَا فِي جَوْفه حَتَّى يَبْلُغ قَدَمَيْهِ , وَهِيَ الصَّهْر , ثُمَّ يُعَاد كَمَا كَانَ " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَعْمُر بْن بِشْر , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد بْن زَيْد , عَنْ أَبِي السَّمْح , عَنِ ابْن حُجَيْرَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " فَيَنْفُذ الْجُمْجُمَة حَتَّى يَخْلُص إِلَى جَوْفه فَيَسْلُت مَا فِي جَوْفه " . وَكَانَ بَعْضهمْ يَزْعُم أَنَّ قَوْله : { وَلَهُمْ مَقَامِع مِنْ حَدِيد } مِنَ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , وَيَقُول : وَجْه الْكَلَام : فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار , وَلَهُمْ مَقَامِع مِنْ حَدِيد يُصَبّ مِنْ فَوْق رُءُوسهمُ الْحَمِيم ; وَيَقُول : إِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمَلَك يَضْرِبهُ بِالْمِقْمَع مِنَ الْحَدِيد حَتَّى يَثْقُب رَأْسه , ثُمَّ يُصَبّ فِيهِ الْحَمِيم الَّذِي انْتَهَى حَرّه فَيَقْطَع بَطْنه . وَالْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَا , يَدُلّ عَلَى خِلَاف مَا قَالَ هَذَا الْقَائِل ; وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الْحَمِيم إِذَا صُبَّ عَلَى رُءُوسهمْ نَفَذَ الْجُمْجُمَة حَتَّى يَخْلُص إِلَى أَجْوَافهمْ , وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل , وَلَوْ كَانَتِ الْمَقَامِع قَدْ تَثْقُب رُءُوسهمْ قَبْل صَبّ الْحَمِيم عَلَيْهَا , لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْحَمِيم يَنْفُذ الْجُمْجُمَة " مَعْنًى ; وَلَكِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَالَ هَذَا الْقَائِل .
وَقَوْله : { يُصْهَر بِهِ مَا فِي بُطُونهمْ وَالْجُلُود } يَقُول : يُذَاب بِالْحَمِيمِ الَّذِي يُصَبّ مِنْ فَوْق رُءُوسهمْ مَا فِي بُطُونهمْ مِنَ الشُّحُوم , وَتُشْوَى جُلُودهمْ مِنْهُ فَتَتَسَاقَط . وَالصَّهْر : هُوَ الْإِذَابَة , يُقَال مِنْهُ : صَهَرْت الْأَلْيَة بِالنَّارِ : إِذَا أَذَبْتهَا أَصْهَرهَا صَهْرًا ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر . تَرْوِي لَقًى أُلْقِيَ فِي صَفْصَف تَصْهَرهُ الشَّمْس وَلَا يَنْصَهِر وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : شَكَّ السَّفَافِيد الشِّوَاء الْمُصْطَهَر وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18898 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { يُصْهَر بِهِ } قَالَ : يُذَاب إِذَابَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ ابْن جُرَيْج { يُصْهَر بِهِ } قَالَ : مَا قُطِعَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَاب . 18899 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { يُصْهَر بِهِ مَا فِي بُطُونهمْ } قَالَ : يُذَاب بِهِ مَا فِي بُطُونهمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 18900 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَاب مِنْ نَار } . . . إِلَى قَوْله : { يُصْهَر بِهِ مَا فِي بُطُونهمْ وَالْجُلُود } يَقُول : يُسْقَوْنَ مَا إِذَا دَخَلَ بُطُونهمْ أَذَابَهَا وَالْجُلُود مَعَ الْبُطُون . 18901 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر وَهَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : -قَالَ هَارُون : إِذَا عَام أَهْل النَّار وَقَالَ جَعْفَر - : إِذَا جَاعَ أَهْل النَّار اسْتَغَاثُوا بِشَجَرَةِ الزَّقُّوم , فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا , فَاخْتُلِسَتْ جُلُود وُجُوههمْ , فَلَوْ أَنَّ مَارًّا مَرَّ بِهِمْ يَعْرِفهُمْ يَعْرِف جُلُود وُجُوههمْ فِيهَا , ثُمَّ يُصَبّ عَلَيْهِمُ الْعَطَش , فَيَسْتَغِيثُوا , فَيُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ , وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرّه , فَإِذَا أَدْنَوْهُ مِنْ أَفْوَاههمْ انْشَوَى مِنْ حَرّه لُحُوم وُجُوههمْ الَّتِي قَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا الْجُلُود وَ { يُصْهَر بِهِ مَا فِي بُطُونهمْ } يَعْنِي أَمْعَاءَهُمْ , وَتَسَّاقَط جُلُودهمْ , ثُمَّ يُضْرَبُونَ بِمَقَامِع مِنْ حَدِيد , فَيَسْقُط كُلّ عُضْو عَلَى حَاله , يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور .
وَقَوْله : { وَلَهُمْ مَقَامِع مِنْ حَدِيد } تَضْرِب رُءُوسهمْ بِهَا الْخَزَنَة إِذَا أَرَادُوا الْخُرُوج مِنَ النَّار حَتَّى تُرْجِعهُمْ إِلَيْهَا .
كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ↓
وَقَوْله : { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا } يَقُول : كُلَّمَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ الْخُرُوج مِنَ النَّار مِمَّا نَالَهُمْ مِنَ الْغَمّ وَالْكَرْب , رُدُّوا إِلَيْهَا . كَمَا : 18902 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي ظَبْيَان , قَالَ : النَّار سَوْدَاء مُظْلِمَة لَا يُضِيء لَهَبهَا وَلَا جَمْرهَا , ثُمَّ قَرَأَ : { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا } وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ الْخُرُوج مِنَ النَّار حِين تَجِيش جَهَنَّم فَتُلْقِي مَنْ فِيهَا إِلَى أَعْلَى أَبْوَابهَا , فَيُرِيدُونَ الْخُرُوج فَتُعِيدهُمْ الْخُزَّان فِيهَا بِالْمَقَامِعِ , وَيَقُولُونَ لَهُمْ إِذَا ضَرَبُوهُمْ بِالْمَقَامِعِ : { ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } .
وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } وَيُقَال لَهُمْ ذُوقُوا عَذَاب النَّار , وَقِيلَ عَذَاب الْحَرِيق وَالْمَعْنَى : الْمُحْرِق , كَمَا قِيلَ : الْعَذَاب الْأَلِيم , بِمَعْنَى : الْمُؤْلِم .
وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } وَيُقَال لَهُمْ ذُوقُوا عَذَاب النَّار , وَقِيلَ عَذَاب الْحَرِيق وَالْمَعْنَى : الْمُحْرِق , كَمَا قِيلَ : الْعَذَاب الْأَلِيم , بِمَعْنَى : الْمُؤْلِم .
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِر مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله فَأَطَاعُوهُمَا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ صَالِح الْأَعْمَال , فَإِنَّ اللَّه يُدْخِلهُمْ جَنَّات عَدْن تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , فَيُحَلِّيهِمْ فِيهَا مِنْ أَسَاوِر مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤًا . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلُؤْلُؤًا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة نَصْبًا مَعَ الَّتِي فِي الْمَلَائِكَة , بِمَعْنَى : يُحَلَّوْنَ فِيهَا أَسَاوِر مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤًا , عَطْفًا بِاللُّؤْلُؤِ عَلَى مَوْضِع الْأَسَاوِر ; لِأَنَّ الْأَسَاوِر وَإِنْ كَانَتْ مَخْفُوضَة مِنْ أَجْل دُخُول " مِنْ " فِيهَا , فَإِنَّهَا بِمَعْنَى النَّصْب ; قَالُوا : وَهِيَ تُعَدّ فِي خَطّ الْمُصْحَف بِالْأَلِفِ , فَذَلِكَ دَلِيل عَلَى صِحَّة الْقِرَاءَة بِالنَّصْبِ فِيهِ . وَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق وَالْمِصْرَيْنِ : " وَلُؤْلُؤ " خَفْضًا عَطْفًا عَلَى إِعْرَاب الْأَسَاوِر الظَّاهِر . وَاخْتَلَفَ الَّذِي قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي وَجْه إِثْبَات الْأَلِف فِيهِ , فَكَانَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْهُ يَقُول : أُثْبِتَتْ فِيهِ كَمَا أُثْبِتَتْ فِي " قَالُوا " وَ " كَالُوا " . وَكَانَ الْكِسَائِيّ يَقُول : أَثْبَتُوهَا فِيهِ لِلْهَمْزَةِ ; لِأَنَّ الْهَمْزَة حَرْف مِنَ الْحُرُوف . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى صَحِيحَتَا الْمَخْرَج فِي الْعَرَبِيَّة ; فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { وَلِبَاسهمْ فِيهَا حَرِير } يَقُول : وَلُبُوسهمْ الَّتِي تَلِي أَبْشَارهمْ فِيهَا ثِيَاب حَرِير .
وَقَوْله : { وَلِبَاسهمْ فِيهَا حَرِير } يَقُول : وَلُبُوسهمْ الَّتِي تَلِي أَبْشَارهمْ فِيهَا ثِيَاب حَرِير .
قَوْله : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّب مِنَ الْقَوْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهَدَاهُمْ رَبّهمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . كَمَا : 18903 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّب مِنَ الْقَوْل } قَالَ : هُدُوا إِلَى الْكَلَام الطَّيِّب : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَاللَّه أَكْبَر , وَالْحَمْد لِلَّهِ ; قَالَ اللَّه : { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ } . 35 10 18904 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّب مِنَ الْقَوْل } قَالَ : أُلْهِمُوا .
وَقَوْله : { وَهُدُوا إِلَى صِرَاط الْحَمِيد } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَهَدَاهُمْ رَبّهمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى طَرِيق الرَّبّ الْحَمِيد , وَطَرِيقه : دِينه دِين الْإِسْلَام الَّذِي شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْلُكُوهُ ; وَالْحَمِيد : فَعِيل , صُرِفَ مِنْ مَفْعُول إِلَيْهِ , وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ مَحْمُود عِنْد أَوْلِيَائِهِ مِنْ خَلْقه , ثُمَّ صُرِفَ مِنْ مَحْمُود إِلَى حَمِيد .
وَقَوْله : { وَهُدُوا إِلَى صِرَاط الْحَمِيد } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَهَدَاهُمْ رَبّهمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى طَرِيق الرَّبّ الْحَمِيد , وَطَرِيقه : دِينه دِين الْإِسْلَام الَّذِي شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْلُكُوهُ ; وَالْحَمِيد : فَعِيل , صُرِفَ مِنْ مَفْعُول إِلَيْهِ , وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ مَحْمُود عِنْد أَوْلِيَائِهِ مِنْ خَلْقه , ثُمَّ صُرِفَ مِنْ مَحْمُود إِلَى حَمِيد .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَالْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه وَكَذَّبُوا رُسُله وَأَنْكَرُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : وَيَمْنَعُونَ النَّاس عَنْ دِين اللَّه أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ , وَعَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِلنَّاسِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ كَافَّة لَمْ يُخَصِّص مِنْهَا بَعْضًا دُون بَعْض ; { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } يَقُول : مُعْتَدِل فِي الْوَاجِب عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيم حُرْمَة الْمَسْجِد الْحَرَام , وَقَضَاء نُسُكه بِهِ , وَالنُّزُول فِيهِ حَيْثُ شَاءَ الْعَاكِف فِيهِ , وَهُوَ الْمُقِيم بِهِ ; وَالْبَادِ : وَهُوَ الْمُنْتَاب إِلَيْهِ مِنْ غَيْره . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ - وَهُوَ الْمُقِيم فِيهِ -وَالْبَادِ , فِي أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدهمَا بِأَحَقّ بِالْمَنْزِلِ فِيهِ مِنَ الْآخَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18905 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنِ ابْن سَابِط , قَالَ : كَانَ الْحُجَّاج إِذَا قَدِمُوا مَكَّة لَمْ يَكُنْ أَحَد مِنْ أَهْل مَكَّة بِأَحَقّ بِمَنْزِلِهِ مِنْهُمْ , وَكَانَ الرَّجُل إِذَا وَجَدَ سَعَة نَزَلَ , فَفَشَا فِيهِمْ السَّرَق , وَكُلّ إِنْسَان يَسْرِق مِنْ نَاحِيَته , فَاصْطَنَعَ رَجُل بَابًا , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَر : أَتَّخَذْت بَابًا مِنْ حُجَّاج بَيْت اللَّه ؟ فَقَالَ : لَا , إِنَّمَا جَعَلْته لِيُحْرِز مَتَاعهمْ . وَهُوَ قَوْله : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } قَالَ : الْبَادِ فِيهِ كَالْمُقِيمِ , لَيْسَ أَحَد أَحَقّ بِمَنْزِلِهِ مِنْ أَحَد إِلَّا أَنْ يَكُون أَحَد سَبَقَ إِلَى مَنْزِل . 18906 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : أَعْتَكِف بِمَكَّة ؟ قَالَ : أَنْتَ عَاكِف . وَقَرَأَ : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } . 18907 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام عَنْ عَنْبَسَة , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } الْعَاكِف : أَهْله , وَالْبَادِ : الْمُنْتَاب فِي الْمَنْزِل سَوَاء . 18908 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } يَقُول : يَنْزِل أَهْل مَكَّة وَغَيْرهمْ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام . 18909 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } قَالَ : الْعَاكِف فِيهِ : الْمُقِيم بِمَكَّة ; وَالْبَادِ : الَّذِي يَأْتِيه هُمْ فِيهِ سَوَاء فِي الْبُيُوت . 18910 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } سَوَاء فِيهِ أَهْله وَغَيْر أَهْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 18911 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } قَالَ : أَهْل مَكَّة وَغَيْرهمْ فِي الْمَنَازِل سَوَاء . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18912 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ } قَالَ : السَّاكِن , { وَالْبَادِ } الْجَانِب ; سَوَاء حَقّ اللَّه عَلَيْهِمَا فِيهِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ } قَالَ : السَّاكِن { وَالْبَادِ } الْجَانِب . 18913 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ } قَالَا : مِنْ أَهْله , { وَالْبَادِ } الَّذِي يَأْتُونَهُ مِنْ غَيْر أَهْله هُمَا فِي حُرْمَته سَوَاء . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَكَرَ فِي أَوَّل الْآيَة صَدّ مَنْ كَفَرَ بِهِ مَنْ أَرَادَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَضَاء نُسُكه فِي الْحَرَم عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام , فَقَالَ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَالْمَسْجِد الْحَرَام } ثُمَّ ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَة الْمَسْجِد الْحَرَام , فَقَالَ : { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ لِلنَّاسِ كُلّهمْ , فَالْكَافِرُونَ بِهِ يَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ عَنْهُ , ثُمَّ قَالَ : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ } فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ خَبَره عَنِ اسْتِوَاء الْعَاكِف فِيهِ وَالْبَادِ , إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ابْتَدَأَ اللَّه الْخَبَر عَنِ الْكُفَّار أَنَّهُمْ صَدُّوا عَنْهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ ; وَذَلِكَ لَا شَكّ طَوَافهمْ وَقَضَاء مَنَاسِكهمْ بِهِ وَالْمُقَام , لَا الْخَبَر عَنْ مِلْكهمْ إِيَّاهُ وَغَيْر مِلْكهمْ , وَقِيلَ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } فَعَطَفَ بِ " يَصُدُّونَ " وَهُوَ مُسْتَقْبَل عَلَى " كَفَرُوا " وَهُوَ مَاضٍ ; لِأَنَّ الصَّدّ بِمَعْنَى الصِّفَة لَهُمْ وَالدَّوَام . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَام , لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِلَفْظِ الِاسْم أَوْ الِاسْتِقْبَال , وَلَا يَكُون بِلَفْظِ الْمَاضِي . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; فَمَعْنَى الْكَلَام : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ صِفَتهمْ الصَّدّ عَنْ سَبِيل اللَّه , وَذَلِكَ نَظِير قَوْل اللَّه : { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبهمْ بِذِكْرِ اللَّه } . 13 28 وَأَمَّا قَوْله : { سَوَاء الْعَاكِف فِيهِ } فَإِنَّ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَى رَفْع " سَوَاء " بِ " الْعَاكِف " , وَ " الْعَاكِف " بِهِ , وَإِعْمَال " جَعَلْنَاهُ " فِي الْهَاء الْمُتَّصِلَة بِهِ , وَاللَّام الَّتِي فِي قَوْله " لِلنَّاسِ " , ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلَام بِ " سَوَاء " وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب بِ " سَوَاء " إِذَا جَاءَتْ بَعْد حَرْف قَدْ تَمَّ الْكَلَام بِهِ , فَتَقُول : مَرَرْت بِرَجُلٍ سَوَاء عِنْده الْخَيْر وَالشَّرّ , وَقَدْ يَجُوز فِي ذَلِكَ الْخَفْض , وَإِنَّمَا يُخْتَار الرَّفْع فِي ذَلِكَ لِأَنَّ " سَوَاء " فِي مَذْهَب وَاحِد عِنْدهمْ , فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا : مَرَرْت بِرَجُلٍ وَاحِد عِنْده الْخَيْر وَالشَّرّ . وَأَمَّا مَنْ خَفَضَهُ فَإِنَّهُ يُوَجِّههُ إِلَى مُعْتَدِل عِنْده الْخَيْر وَالشَّرّ , وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي سَوَاء فَاسْتَأْنَفَ بِهِ وَرَفَعَ لَمْ يَقُلْهُ فِي " مُعْتَدِل " , لِأَنَّ " مُعْتَدِل " فِعْل مُصَرِّح , وَسَوَاء مَصْدَر فَإِخْرَاجهمْ إِيَّاهُ إِلَى الْفِعْل كَإِخْرَاجِهِمْ حَسْب فِي قَوْلهمْ : مَرَرْت بِرَجُلٍ حَسْبك مِنْ رَجُل إِلَى الْفِعْل . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَهُ : { سَوَاء } نَصْبًا عَلَى إِعْمَال " جَعَلْنَاهُ " فِيهِ , وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْه فِي الْعَرَبِيَّة , فَقِرَاءَة لَا أَسْتَجِيز الْقِرَاءَة بِهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَى خِلَافه .
وَقَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم , وَهُوَ أَنْ يَمِيل فِي الْبَيْت الْحَرَام بِظُلْمٍ . وَأُدْخِلَتِ الْبَاء فِي قَوْله " بِإِلْحَادٍ " وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا قُلْت , كَمَا أُدْخِلَتْ فِي قَوْله : { تَنْبُت بِالدُّهْنِ } 23 20 وَالْمَعْنَى : تَنْبُت الدُّهْن , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : بِوَادِ يَمَان يُنْبِت الشَّثّ صَدْره وَأَسْفَله بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ وَالْمَعْنَى : وَأَسْفَله يُنْبِت الْمَرْخ وَالشَّبَهَان ; وَكَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالنَا أَرْمَاحنَا بَيْن الْمَرَاجِل وَالصَّرِيج الْأَجْرَد بِمَعْنَى : ضَمِنَتْ رِزْق عِيَالنَا أَرْمَاحنَا ; فِي قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ . وَأَمَّا بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول : أُدْخِلَتِ الْيَاء فِيهِ ; لِأَنَّ تَأْوِيله : وَمَنْ يُرِدْ بِأَنْ يُلْحِد فِيهِ بِظُلْمٍ , وَكَانَ يَقُول : دُخُول الْبَاء فِي " أَنَّ " أَسْهَل مِنْهُ فِي " إِلْحَاد " وَمَا أَشْبَهَهُ ; لِأَنَّ " أَنَّ " تُضْمَر الْخَوَافِض مَعَهَا كَثِيرًا وَتَكُون كَالشَّرْطِ , فَاحْتَمَلَتْ دُخُول الْخَافِض وَخُرُوجه ; لِأَنَّ الْإِعْرَاب لَا يَتَبَيَّن فِيهَا , وَقَالَ فِي الْمَصَادِر : يَتَبَيَّن الرَّفْع وَالْخَفْض فِيهَا , قَالَ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْجَرَّاح : فَلَمَّا رَجَتْ بِالشُّرْبِ هَزَّ لَهَا الْعَصَا شَحِيح لَهُ عِنْد الْأَدَاء نَهِيم وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْس : أَلَا هَلْ أَتَاهَا وَالْحَوَادِث جَمَّة بِأَنَّ امْرَأَ الْقَيْس بْن تَمْلِك بَيْقَرَا قَالَ : فَأَدْخَلَ الْبَاء عَلَى " أَنَّ " وَهِيَ فِي مَوْضِع رَفْع كَمَا أَدْخَلَهَا عَلَى " إِلْحَاد " وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب . قَالَ : وَقَدْ أَدْخَلُوا الْبَاء عَلَى مَا إِذَا أَرَادُوا بِهَا الْمَصْدَر , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَلَمْ يَأْتِيك وَالْأَنْبَاء تَنْمِي بِمَا لَاقَتْ لَبُون بَنِي زِيَاد وَقَالَ : وَهُوَ فِي " مَا " أَقَلّ مِنْهُ فِي " أَنَّ " ; لِأَنَّ " أَنَّ " أَقَلّ شَبَهًا بِالْأَسْمَاءِ مِنْ " مَا " . قَالَ : وَسَمِعْت أَعْرَابِيًّا مِنْ رَبِيعَة , وَسَأَلْته عَنْ شَيْء , فَقَالَ : أَرْجُو بِذَاكَ ; يُرِيد أَرْجُو ذَاكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الظُّلْم الَّذِي مَنْ أَرَادَ الْإِلْحَاد بِهِ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أَذَاقَهُ اللَّه مِنَ الْعَذَاب الْأَلِيم , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ هُوَ الشِّرْك بِاللَّهِ وَعِبَادَة غَيْره بِهِ ; أَيْ بِالْبَيْتِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18914 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } يَقُول : بِشِرْكٍ . 18915 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } هُوَ أَنْ يَعْبُد فِيهِ غَيْر اللَّه . 18916 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قَالَ : هُوَ الشِّرْك , مَنْ أَشْرَكَ فِي بَيْت اللَّه عَذَّبَهُ اللَّه . 18917 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اسْتِحْلَال الْحَرَام فِيهِ أَوْ رُكُوبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18918 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي أَنْ تَسْتَحِلّ مِنَ الْحَرَام مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْك مِنْ لِسَان أَوْ قَتْل , فَتَظْلِم مَنْ لَا يَظْلِمك وَتَقْتُل مَنْ لَا يَقْتُلك ; فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ لَهُ عَذَاب أَلِيم . 18919 - حَدَّثَنِي بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قَالَ : يَعْمَل فِيهِ عَمَلًا سَيِّئًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ; مِثْله . 18920 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَنَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ قَالَا : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ سُفْيَان عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : مَا مِنْ رَجُل يَهُمّ بِسَيِّئَةٍ فَتُكْتَب عَلَيْهِ , وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِعَدَن أَبْيَن هَمَّ أَنْ يَقْتُل رَجُلًا بِهَذَا الْبَيْت , لَأَذَاقَهُ اللَّه مِنَ الْعَذَاب الْأَلِيم . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ مُجَاهِد , قَالَ يَزِيد , قَالَ لَنَا شُعْبَة , رَفَعَهُ , وَأَنَا لَا أَرْفَعهُ لَك -فِي قَوْل اللَّه : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } قَالَ : " لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِسَيِّئَةٍ وَهُوَ بِعَدَن أَبْيَن , لَأَذَاقَهُ اللَّه عَذَابًا أَلِيمًا " . 18921 - حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قَالَ : إِنَّ الرَّجُل لَيَهُمّ بِالْخَطِيئَةِ بِمَكَّة وَهُوَ فِي بَلَد آخَر وَلَمْ يَعْمَلهَا , فَتُكْتَب عَلَيْهِ . 18922 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } قَالَ : الْإِلْحَاد : الظُّلْم فِي الْحَرَم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ الظُّلْم : اسْتِحْلَال الْحَرَم مُتَعَمِّدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18923 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قَالَ : الَّذِي يُرِيد اسْتِحْلَاله مُتَعَمِّدًا , وَيُقَال الشِّرْك . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ احْتِكَار الطَّعَام بِمَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18924 - حَدَّثَنِي هَارُون بْن إِدْرِيس الْأَصَمّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ أَشْعَث , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } قَالَ : هُمُ الْمُحْتَكِرُونَ الطَّعَام بِمَكَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ كُلّ مَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنَ الْفِعْل , حَتَّى قَوْل الْقَائِل : لَا وَاللَّه , وَبَلَى وَاللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18925 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : كَانَ لَهُ فُسْطَاطَانِ : أَحَدهمَا فِي الْحِلّ , وَالْآخَر فِي الْحَرَم , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاتِب أَهْله عَاتَبَهُمْ فِي الْحِلّ , فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ مِنَ الْإِلْحَاد فِيهِ أَنْ يَقُول الرَّجُل : كَلَّا وَاللَّه , وَبَلَى وَاللَّه . 18926 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ أَبِي رِبْعِيّ , عَنِ الْأَعْمَش , قَالَ : كَانَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : لَا وَاللَّه وَبَلَى وَاللَّه مِنَ الْإِلْحَاد فِيهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس , مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِالظُّلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِع كُلّ مَعْصِيَة لِلَّهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } وَلَمْ يُخَصَّص بِهِ ظُلْم دُون ظُلْم فِي خَبَر وَلَا عَقْل , فَهُوَ عَلَى عُمُومه . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَمَنْ يُرِدْ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِأَنْ يَمِيل بِظُلْمٍ , فَيَعْصِي اللَّه فِيهِ , نُذِقْهُ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ عَذَاب مُوجِع لَهُ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَمَنْ يَرِد فِيهِ " بِفَتْحِ الْيَاء بِمَعْنَى : وَمَنْ يَرِدهُ بِإِلْحَادٍ مِنْ وَرَدْت الْمَكَان أَرِدهُ , وَذَلِكَ قِرَاءَة لَا تَجُوز الْقِرَاءَة عِنْدِي بِهَا لِخِلَافِهَا مَا عَلَيْهِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء مُجْمِعَة مَعَ بَعْدهَا مِنْ فَصِيح كَلَام الْعَرَب , وَذَلِكَ أَنَّ " يَرِد " فِعْل وَاقِع , يُقَال مِنْهُ : هُوَ يَرِد مَكَان كَذَا أَوْ بَلْدَة كَذَا غَدًا , وَلَا يُقَال : يَرِد فِي مَكَان كَذَا . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب أَنَّ طَيِّئًا تَقُول : رَغِبْت فِيك , تُرِيد : رَغِبْت بِك , وَذُكِرَ أَنَّ بَعْضهمْ أَنْشَدَهُ بَيْتًا : وَأَرْغَب فِيهَا عَنْ لَقِيط وَرَهْطه وَلَكِنَّنِي عَنْ سِنْبِسٍ لَسْت أَرْغَب بِمَعْنَى : وَأَرْغَب بِهَا . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا كَمَا ذَكَرْنَا , فَإِنَّهُ يَجُوز فِي الْكَلَام , فَأَمَّا الْقِرَاءَة بِهِ غَيْر جَائِزَة لِمَا وَصَفْت .
وَقَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم , وَهُوَ أَنْ يَمِيل فِي الْبَيْت الْحَرَام بِظُلْمٍ . وَأُدْخِلَتِ الْبَاء فِي قَوْله " بِإِلْحَادٍ " وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا قُلْت , كَمَا أُدْخِلَتْ فِي قَوْله : { تَنْبُت بِالدُّهْنِ } 23 20 وَالْمَعْنَى : تَنْبُت الدُّهْن , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : بِوَادِ يَمَان يُنْبِت الشَّثّ صَدْره وَأَسْفَله بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ وَالْمَعْنَى : وَأَسْفَله يُنْبِت الْمَرْخ وَالشَّبَهَان ; وَكَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالنَا أَرْمَاحنَا بَيْن الْمَرَاجِل وَالصَّرِيج الْأَجْرَد بِمَعْنَى : ضَمِنَتْ رِزْق عِيَالنَا أَرْمَاحنَا ; فِي قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ . وَأَمَّا بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول : أُدْخِلَتِ الْيَاء فِيهِ ; لِأَنَّ تَأْوِيله : وَمَنْ يُرِدْ بِأَنْ يُلْحِد فِيهِ بِظُلْمٍ , وَكَانَ يَقُول : دُخُول الْبَاء فِي " أَنَّ " أَسْهَل مِنْهُ فِي " إِلْحَاد " وَمَا أَشْبَهَهُ ; لِأَنَّ " أَنَّ " تُضْمَر الْخَوَافِض مَعَهَا كَثِيرًا وَتَكُون كَالشَّرْطِ , فَاحْتَمَلَتْ دُخُول الْخَافِض وَخُرُوجه ; لِأَنَّ الْإِعْرَاب لَا يَتَبَيَّن فِيهَا , وَقَالَ فِي الْمَصَادِر : يَتَبَيَّن الرَّفْع وَالْخَفْض فِيهَا , قَالَ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْجَرَّاح : فَلَمَّا رَجَتْ بِالشُّرْبِ هَزَّ لَهَا الْعَصَا شَحِيح لَهُ عِنْد الْأَدَاء نَهِيم وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْس : أَلَا هَلْ أَتَاهَا وَالْحَوَادِث جَمَّة بِأَنَّ امْرَأَ الْقَيْس بْن تَمْلِك بَيْقَرَا قَالَ : فَأَدْخَلَ الْبَاء عَلَى " أَنَّ " وَهِيَ فِي مَوْضِع رَفْع كَمَا أَدْخَلَهَا عَلَى " إِلْحَاد " وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب . قَالَ : وَقَدْ أَدْخَلُوا الْبَاء عَلَى مَا إِذَا أَرَادُوا بِهَا الْمَصْدَر , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَلَمْ يَأْتِيك وَالْأَنْبَاء تَنْمِي بِمَا لَاقَتْ لَبُون بَنِي زِيَاد وَقَالَ : وَهُوَ فِي " مَا " أَقَلّ مِنْهُ فِي " أَنَّ " ; لِأَنَّ " أَنَّ " أَقَلّ شَبَهًا بِالْأَسْمَاءِ مِنْ " مَا " . قَالَ : وَسَمِعْت أَعْرَابِيًّا مِنْ رَبِيعَة , وَسَأَلْته عَنْ شَيْء , فَقَالَ : أَرْجُو بِذَاكَ ; يُرِيد أَرْجُو ذَاكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الظُّلْم الَّذِي مَنْ أَرَادَ الْإِلْحَاد بِهِ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أَذَاقَهُ اللَّه مِنَ الْعَذَاب الْأَلِيم , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ هُوَ الشِّرْك بِاللَّهِ وَعِبَادَة غَيْره بِهِ ; أَيْ بِالْبَيْتِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18914 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } يَقُول : بِشِرْكٍ . 18915 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } هُوَ أَنْ يَعْبُد فِيهِ غَيْر اللَّه . 18916 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قَالَ : هُوَ الشِّرْك , مَنْ أَشْرَكَ فِي بَيْت اللَّه عَذَّبَهُ اللَّه . 18917 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اسْتِحْلَال الْحَرَام فِيهِ أَوْ رُكُوبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18918 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي أَنْ تَسْتَحِلّ مِنَ الْحَرَام مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْك مِنْ لِسَان أَوْ قَتْل , فَتَظْلِم مَنْ لَا يَظْلِمك وَتَقْتُل مَنْ لَا يَقْتُلك ; فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ لَهُ عَذَاب أَلِيم . 18919 - حَدَّثَنِي بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قَالَ : يَعْمَل فِيهِ عَمَلًا سَيِّئًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ; مِثْله . 18920 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَنَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ قَالَا : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ سُفْيَان عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : مَا مِنْ رَجُل يَهُمّ بِسَيِّئَةٍ فَتُكْتَب عَلَيْهِ , وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِعَدَن أَبْيَن هَمَّ أَنْ يَقْتُل رَجُلًا بِهَذَا الْبَيْت , لَأَذَاقَهُ اللَّه مِنَ الْعَذَاب الْأَلِيم . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ مُجَاهِد , قَالَ يَزِيد , قَالَ لَنَا شُعْبَة , رَفَعَهُ , وَأَنَا لَا أَرْفَعهُ لَك -فِي قَوْل اللَّه : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } قَالَ : " لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِسَيِّئَةٍ وَهُوَ بِعَدَن أَبْيَن , لَأَذَاقَهُ اللَّه عَذَابًا أَلِيمًا " . 18921 - حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قَالَ : إِنَّ الرَّجُل لَيَهُمّ بِالْخَطِيئَةِ بِمَكَّة وَهُوَ فِي بَلَد آخَر وَلَمْ يَعْمَلهَا , فَتُكْتَب عَلَيْهِ . 18922 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } قَالَ : الْإِلْحَاد : الظُّلْم فِي الْحَرَم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ الظُّلْم : اسْتِحْلَال الْحَرَم مُتَعَمِّدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18923 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قَالَ : الَّذِي يُرِيد اسْتِحْلَاله مُتَعَمِّدًا , وَيُقَال الشِّرْك . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ احْتِكَار الطَّعَام بِمَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18924 - حَدَّثَنِي هَارُون بْن إِدْرِيس الْأَصَمّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ أَشْعَث , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت فِي قَوْله : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم } قَالَ : هُمُ الْمُحْتَكِرُونَ الطَّعَام بِمَكَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ كُلّ مَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنَ الْفِعْل , حَتَّى قَوْل الْقَائِل : لَا وَاللَّه , وَبَلَى وَاللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18925 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : كَانَ لَهُ فُسْطَاطَانِ : أَحَدهمَا فِي الْحِلّ , وَالْآخَر فِي الْحَرَم , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاتِب أَهْله عَاتَبَهُمْ فِي الْحِلّ , فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ مِنَ الْإِلْحَاد فِيهِ أَنْ يَقُول الرَّجُل : كَلَّا وَاللَّه , وَبَلَى وَاللَّه . 18926 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ أَبِي رِبْعِيّ , عَنِ الْأَعْمَش , قَالَ : كَانَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : لَا وَاللَّه وَبَلَى وَاللَّه مِنَ الْإِلْحَاد فِيهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس , مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِالظُّلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِع كُلّ مَعْصِيَة لِلَّهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } وَلَمْ يُخَصَّص بِهِ ظُلْم دُون ظُلْم فِي خَبَر وَلَا عَقْل , فَهُوَ عَلَى عُمُومه . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَمَنْ يُرِدْ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِأَنْ يَمِيل بِظُلْمٍ , فَيَعْصِي اللَّه فِيهِ , نُذِقْهُ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ عَذَاب مُوجِع لَهُ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَمَنْ يَرِد فِيهِ " بِفَتْحِ الْيَاء بِمَعْنَى : وَمَنْ يَرِدهُ بِإِلْحَادٍ مِنْ وَرَدْت الْمَكَان أَرِدهُ , وَذَلِكَ قِرَاءَة لَا تَجُوز الْقِرَاءَة عِنْدِي بِهَا لِخِلَافِهَا مَا عَلَيْهِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء مُجْمِعَة مَعَ بَعْدهَا مِنْ فَصِيح كَلَام الْعَرَب , وَذَلِكَ أَنَّ " يَرِد " فِعْل وَاقِع , يُقَال مِنْهُ : هُوَ يَرِد مَكَان كَذَا أَوْ بَلْدَة كَذَا غَدًا , وَلَا يُقَال : يَرِد فِي مَكَان كَذَا . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب أَنَّ طَيِّئًا تَقُول : رَغِبْت فِيك , تُرِيد : رَغِبْت بِك , وَذُكِرَ أَنَّ بَعْضهمْ أَنْشَدَهُ بَيْتًا : وَأَرْغَب فِيهَا عَنْ لَقِيط وَرَهْطه وَلَكِنَّنِي عَنْ سِنْبِسٍ لَسْت أَرْغَب بِمَعْنَى : وَأَرْغَب بِهَا . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا كَمَا ذَكَرْنَا , فَإِنَّهُ يَجُوز فِي الْكَلَام , فَأَمَّا الْقِرَاءَة بِهِ غَيْر جَائِزَة لِمَا وَصَفْت .
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت أَنْ لَا تُشْرِك بِي شَيْئًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُعْلِمه عَظِيم مَا رَكِبَ مِنْ قَوْمه قُرَيْش خَاصَّة دُون غَيْرهمْ مِنْ سَائِر خَلْقه بِعِبَادَتِهِمْ فِي حَرَمه , وَالْبَيْت الَّذِي أَمَرَ إِبْرَاهِيم خَلِيله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَائِهِ وَتَطْهِيره مِنَ الْآفَات وَالرِّيَب وَالشِّرْك : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ ابْتَدَأْنَا هَذَا الْبَيْت الَّذِي يَعْبُد قَوْمك فِيهِ غَيْرِي , إِذْ بَوَّأْنَا لِخَلِيلِنَا إِبْرَاهِيم , يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " بَوَّأْنَا " : وَطَّأْنَا لَهُ مَكَان الْبَيْت . كَمَا : 18927 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت } قَالَ : وَضَعَ اللَّه الْبَيْت مَعَ آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَهْبَطَ آدَم إِلَى الْأَرْض ; وَكَانَ مَهْبِطه بِأَرْضِ الْهِنْد , وَكَانَ رَأْسه فِي السَّمَاء وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْض , فَكَانَتِ الْمَلَائِكَة تَهَابهُ فَنَقَصَ إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا , وَأَنَّ آدَم لَمَّا فَقَدَ أَصْوَات الْمَلَائِكَة وَتَسْبِيحهمْ , شَكَا ذَلِكَ إِلَى اللَّه , فَقَالَ اللَّه : يَا آدَم إِنِّي قَدْ أَهْبَطْت لَك بَيْتًا يُطَاف بِهِ كَمَا يُطَاف حَوْل عَرْشِي , وَيُصَلَّى عِنْده كَمَا يُصَلَّى حَوْل عَرْشِي , فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ ! فَخَرَجَ إِلَيْهِ , وَمَدَّ لَهُ فِي خَطْوه , فَكَانَ بَيْن كُلّ خُطْوَتَيْنِ مَفَازَة , فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْمَفَاوِز عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَتَى آدَم الْبَيْت , فَطَافَ بِهِ وَمَنْ بَعْده مِنَ الْأَنْبِيَاء . 18928 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا عَهِدَ اللَّه إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ , انْطَلَقَ إِبْرَاهِيم حَتَّى أَتَى مَكَّة , فَقَامَ هُوَ وَإِسْمَاعِيل , وَأَخَذَا الْمَعَاوِل , لَا يَدْرِيَانِ أَيْنَ الْبَيْت , فَبَعَثَ اللَّه رِيحًا يُقَال لَهَا رِيح الْخَجُوج , لَهَا جَنَاحَانِ وَرَأْس فِي صُورَة حَيَّة , فَكَنَسَتْ لَهُمَا مَا حَوْل الْكَعْبَة عَنْ أَسَاس الْبَيْت الْأَوَّل , وَاتَّبَعَاهَا بِالْمَعَاوِلِ يَحْفِرَانِ , حَتَّى وَضَعَا الْأَسَاس ; فَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت } . وَيَعْنِي بِالْبَيْتِ : الْكَعْبَة , { أَنْ لَا تُشْرِك بِي شَيْئًا } فِي عِبَادَتك إِيَّايَ .
الَّذِي بَنَيْته مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان . كَمَا : 18929 -حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ سُفْيَان عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَطَهِّرْ بَيْتِي } قَالَ : مِنَ الشِّرْك . 18930 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : مِنَ الْآفَات وَالرِّيَب . 18931 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { طَهِّرَا بَيْتِي } قَالَ : مِنَ الشِّرْك وَعِبَادَة الْأَوْثَان.
وَقَوْله : { لِلطَّائِفِينَ } يَعْنِي لِلطَّائِفِينَ بِهِ .
بِمَعْنَى الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ قِيَام فِي صَلَاتهمْ . كَمَا : 18932 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ } قَالَ : الْقَائِمُونَ فِي الصَّلَاة . 18933 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَالْقَائِمِينَ } قَالَ : الْقَائِمُونَ الْمُصَلُّونَ . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 18934 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّع السُّجُود } قَالَ : الْقَائِم وَالرَّاكِع وَالسَّاجِد هُوَ الْمُصَلِّي , وَالطَّائِف هُوَ الَّذِي يَطُوف بِهِ .
وَقَوْله : { وَالرُّكَّع السُّجُود } يَقُول : وَالرُّكَّع السُّجُود فِي صَلَاتهمْ حَوْل الْبَيْت .
الَّذِي بَنَيْته مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان . كَمَا : 18929 -حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ سُفْيَان عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَطَهِّرْ بَيْتِي } قَالَ : مِنَ الشِّرْك . 18930 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : مِنَ الْآفَات وَالرِّيَب . 18931 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { طَهِّرَا بَيْتِي } قَالَ : مِنَ الشِّرْك وَعِبَادَة الْأَوْثَان.
وَقَوْله : { لِلطَّائِفِينَ } يَعْنِي لِلطَّائِفِينَ بِهِ .
بِمَعْنَى الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ قِيَام فِي صَلَاتهمْ . كَمَا : 18932 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ } قَالَ : الْقَائِمُونَ فِي الصَّلَاة . 18933 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَالْقَائِمِينَ } قَالَ : الْقَائِمُونَ الْمُصَلُّونَ . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 18934 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّع السُّجُود } قَالَ : الْقَائِم وَالرَّاكِع وَالسَّاجِد هُوَ الْمُصَلِّي , وَالطَّائِف هُوَ الَّذِي يَطُوف بِهِ .
وَقَوْله : { وَالرُّكَّع السُّجُود } يَقُول : وَالرُّكَّع السُّجُود فِي صَلَاتهمْ حَوْل الْبَيْت .
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : عَهِدْنَا إِلَيْهِ أَيْضًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ ; يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَذِّنْ } أَعْلِمْ وَنَادِ فِي النَّاس أَنْ حُجُّوا أَيّهَا النَّاس بَيْت اللَّه الْحَرَام . وَذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ لَمَّا أَمَرَهُ اللَّه بِالتَّأْذِينِ بِالْحَجِّ , قَامَ عَلَى مَقَامه فَنَادَى : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ فَحُجُّوا بَيْته الْعَتِيق . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صِفَة تَأْذِين إِبْرَاهِيم بِذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ : نَادَى بِذَلِكَ , كَمَا : 18935 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم مِنْ بِنَاء الْبَيْت قِيلَ لَهُ : { أَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ } قَالَ : رَبّ وَمَا يَبْلُغ صَوْتِي ؟ قَالَ : أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغ ! فَنَادَى إِبْرَاهِيم : أَيّهَا النَّاس كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق فَحُجُّوا ! قَالَ : فَسَمِعَهُ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , أَفَلَا تَرَى النَّاس يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْض يُلَبُّونَ ؟ 18936 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل بْن غَزْوَان الضَّبِّيّ , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا بَنَى إِبْرَاهِيم الْبَيْت أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ , أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ ! قَالَ : فَقَالَ إِبْرَاهِيم . أَلَا إِنَّ رَبّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا , وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ , فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ مِنْ شَيْء مِنْ حَجَر وَشَجَر وَأَكَمَة أَوْ تُرَاب أَوْ شَيْء : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ! * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا ابْن وَاقِد , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس : قَوْله : { وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ } قَالَ : قَامَ إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه عَلَى الْحِجْر , فَنَادَى : يَا أَيّهَا النَّاس كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ , فَأَسْمَعَ مَنْ فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَأَرْحَام النِّسَاء , فَأَجَابَهُ مَنْ آمَنَ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنْ يَحُجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ! 18937 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ يَأْتُوك رِجَالًا } قَالَ : وَقَرَتْ فِي قَلْب كُلّ ذَكَر وَأُنْثَى . 18938 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم مِنْ بِنَاء الْبَيْت , أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ , أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ ! قَالَ : فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاس : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ رَبّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ ! فَلَمْ يَسْمَعهُ يَوْمئِذٍ مِنْ إِنْس , وَلَا جِنّ , وَلَا شَجَر , وَلَا أَكَمَة , وَلَا تُرَاب , وَلَا جَبَل , وَلَا مَاء , وَلَا شَيْء إِلَّا قَالَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ! 18939 - قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَامَ إِبْرَاهِيم عَلَى الْمَقَام حِين أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّن فِي النَّاس بِالْحَجِّ . * - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ } قَالَ : قَامَ إِبْرَاهِيم عَلَى مَقَامه , فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس أَجِيبُوا رَبّكُمْ ! فَقَالُوا : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ! فَمَنْ حَجَّ الْيَوْم فَهُوَ مَنْ أَجَابَ إِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ . 18940 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة بْن خَالِد الْمَخْزُومِيّ , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ بِنَاء الْبَيْت , قَامَ عَلَى الْمَقَام , فَنَادَى نِدَاء سَمِعَهُ أَهْل الْأَرْض : إِنَّ رَبّكُمْ قَدْ بَنَى لَكُمْ بَيْتًا فَحُجُّوهُ ! قَالَ دَاوُد : فَأَرْجُو مَنْ حَجَّ الْيَوْم مِنْ إِجَابَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . 18941 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ أَبِي عَاصِم الْغَنَوِيّ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَتْ التَّلْبِيَة ؟ قُلْت : وَكَيْفَ كَانَتْ التَّلْبِيَة ؟ قَالَ : إِنَّ إِبْرَاهِيم لَمَّا أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّن فِي النَّاس بِالْحَجِّ , خَفَضَتْ لَهُ الْجِبَال رُءُوسَهَا , وَرُفِعَتِ الْقُرَى , فَأَذَّنَ فِي النَّاس . 18942 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ } قَالَ إِبْرَاهِيم : كَيْفَ أَقُول يَا رَبّ ؟ قَالَ : قُلْ : يَا أَيّهَا النَّاس اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ ! قَالَ : وَقَرَتْ فِي قَلْب كُلّ مُؤْمِن . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ , مَا : 18943 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قِيلَ لِإِبْرَاهِيم : أَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ ! قَالَ : يَا رَبّ كَيْفَ أَقُول ؟ قَالَ : قُلْ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ! قَالَ : فَكَانَتْ أَوَّل التَّلْبِيَة . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : عَنَى بِالنَّاسِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : أَهْل الْقِبْلَة . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 18944 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ } يَعْنِي بِالنَّاسِ : أَهْل الْقِبْلَة , أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ قَالَ : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّة مُبَارَكًا } ... 3 96 إِلَى قَوْله : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } 3 97 يَقُول : وَمَنْ دَخَلَهُ مِنَ النَّاس الَّذِينَ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّن فِيهِمْ , وَكُتِبَ عَلَيْهِمْ الْحَجّ , فَإِنَّهُ آمِن , فَعَظِّمُوا حُرُمَات اللَّه تَعَالَى , فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب .
يَقُول : فَإِنَّ النَّاس يَأْتُونَ الْبَيْت الَّذِي تَأْمُرهُمْ بِحَجِّهِ مُشَاة عَلَى أَرْجُلهمْ , وَأَمَّا قَوْله : { يَأْتُوك رِجَالًا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِيهِ نَحْو قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18945 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { يَأْتُوك رِجَالًا } قَالَ : مُشَاة . 18946 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنِ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : مَا آسَى عَلَى شَيْء فَاتَنِي إِلَّا أَنْ لَا أَكُون حَجَجْت مَاشِيًا , سَمِعْت اللَّه يَقُول : { يَأْتُوك رِجَالًا } . 18947 -قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : حَجَّ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل مَاشِيَيْنِ . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ ابْن عَبَّاس : { يَأْتُوك رِجَالًا } قَالَ : عَلَى أَرْجُلهمْ .
يَقُول : وَرُكْبَانًا عَلَى كُلّ ضَامِر , وَهِيَ الْإِبِل الْمَهَازِيل . وَأَمَّا قَوْله : { وَعَلَى كُلّ ضَامِر } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِيهِ نَحْو قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18948 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَعَلَى كُلّ ضَامِر } قَالَ : الْإِبِل . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { وَعَلَى كُلّ ضَامِر } قَالَ : الْإِبِل . 18949 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عُمَر بْن ذَرّ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : كَانُوا لَا يَرْكَبُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلّ ضَامِر } قَالَ : فَأَمَرَهُمْ بِالزَّادِ , وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الرُّكُوب وَالْمَتْجَر .
يَقُول : تَأْتِي هَذِهِ الضَّوَامِر مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ; يَقُول : مِنْ كُلّ طَرِيق وَمَكَان وَمَسْلَك بَعِيد . وَقِيلَ : " يَأْتِينَ " , فَجَمَعَ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِكُلِّ ضَامِر : النُّوق . وَمَعْنَى الْكُلّ : الْجَمْع , فَلِذَلِكَ قِيلَ : " يَأْتِينَ " . وَقَدْ زَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ قَلِيل فِي كَلَام الْعَرَب : مَرَرْت عَلَى كُلّ رَجُل قَائِمِينَ ; قَالَ : وَهُوَ صَوَاب , وَقَوْل اللَّه : { وَعَلَى كُلّ ضَامِر يَأْتِينَ } يُنْبِئ عَنْ صِحَّة جَوَازه . وَأَمَّا قَوْله : { يَأْتِينَ مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِيهِ نَحْو قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18950 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق } يَعْنِي : مِنْ مَكَان بَعِيد . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق } قَالَ : بَعِيد . 18951 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَجّ عَمِيق } قَالَ : مَكَان بَعِيد . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة مِثْله .
يَقُول : فَإِنَّ النَّاس يَأْتُونَ الْبَيْت الَّذِي تَأْمُرهُمْ بِحَجِّهِ مُشَاة عَلَى أَرْجُلهمْ , وَأَمَّا قَوْله : { يَأْتُوك رِجَالًا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِيهِ نَحْو قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18945 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { يَأْتُوك رِجَالًا } قَالَ : مُشَاة . 18946 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنِ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : مَا آسَى عَلَى شَيْء فَاتَنِي إِلَّا أَنْ لَا أَكُون حَجَجْت مَاشِيًا , سَمِعْت اللَّه يَقُول : { يَأْتُوك رِجَالًا } . 18947 -قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : حَجَّ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل مَاشِيَيْنِ . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ ابْن عَبَّاس : { يَأْتُوك رِجَالًا } قَالَ : عَلَى أَرْجُلهمْ .
يَقُول : وَرُكْبَانًا عَلَى كُلّ ضَامِر , وَهِيَ الْإِبِل الْمَهَازِيل . وَأَمَّا قَوْله : { وَعَلَى كُلّ ضَامِر } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِيهِ نَحْو قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18948 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَعَلَى كُلّ ضَامِر } قَالَ : الْإِبِل . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { وَعَلَى كُلّ ضَامِر } قَالَ : الْإِبِل . 18949 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عُمَر بْن ذَرّ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : كَانُوا لَا يَرْكَبُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلّ ضَامِر } قَالَ : فَأَمَرَهُمْ بِالزَّادِ , وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الرُّكُوب وَالْمَتْجَر .
يَقُول : تَأْتِي هَذِهِ الضَّوَامِر مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق ; يَقُول : مِنْ كُلّ طَرِيق وَمَكَان وَمَسْلَك بَعِيد . وَقِيلَ : " يَأْتِينَ " , فَجَمَعَ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِكُلِّ ضَامِر : النُّوق . وَمَعْنَى الْكُلّ : الْجَمْع , فَلِذَلِكَ قِيلَ : " يَأْتِينَ " . وَقَدْ زَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ قَلِيل فِي كَلَام الْعَرَب : مَرَرْت عَلَى كُلّ رَجُل قَائِمِينَ ; قَالَ : وَهُوَ صَوَاب , وَقَوْل اللَّه : { وَعَلَى كُلّ ضَامِر يَأْتِينَ } يُنْبِئ عَنْ صِحَّة جَوَازه . وَأَمَّا قَوْله : { يَأْتِينَ مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِيهِ نَحْو قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18950 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق } يَعْنِي : مِنْ مَكَان بَعِيد . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيق } قَالَ : بَعِيد . 18951 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَجّ عَمِيق } قَالَ : مَكَان بَعِيد . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة مِثْله .
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ↓
وَقَوْله : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْمَنَافِع الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ التِّجَارَة وَمَنَافِع الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18952 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثنا عَمْرو عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنِ ابْن عَبَّاس : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ } قَالَ : هِيَ الْأَسْوَاق . 18953 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر بْن الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : تِجَارَة . 18954 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة , عَنْ أَبِي رَزِين , فِي قَوْله : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ } قَالَ : أَسْوَاقهمْ . 18955 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ وَاقِد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ } قَالَ : التِّجَارَة . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق عَنْ سُفْيَان , عَنْ وَاقِد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ وَاقِد , عَنْ سَعِيد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا سِنَان , عَنْ عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود , عَنْ أَبِي رَزِين : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ } قَالَ : الْأَسْوَاق . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْأَجْر فِي الْآخِرَة , وَالتِّجَارَة فِي الدُّنْيَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18956 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , وَسِوَار بْن عَبْد اللَّه , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ } قَالَ : التِّجَارَة , وَمَا يُرْضِي اللَّه مِنْ أَمْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ } قَالَ : الْأَجْر فِي الْآخِرَة , وَالتِّجَارَة فِي الدُّنْيَا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْعَفْو وَالْمَغْفِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18957 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ } قَالَ : الْعَفْو . 18958 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ : مَغْفِرَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : لِيَشْهَدُوا مَنَافِع لَهُمْ مِنَ الْعَمَل الَّذِي يُرْضِي اللَّه وَالتِّجَارَة ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَمَّ لَهُمْ مَنَافِع جَمِيع مَا يَشْهَد لَهُ الْمَوْسِم وَيَأْتِي لَهُ مَكَّة أَيَّام الْمَوْسِم مِنْ مَنَافِع الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعهمْ بِخَبَرٍ وَلَا عَقْل , فَذَلِكَ عَلَى الْعُمُوم فِي الْمَنَافِع الَّتِي وُصِفَتْ .
وَقَوْله : { وَيَذْكُرُوا اسْم اللَّه فِي أَيَّام مَعْلُومَات عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَيْ يَذْكُرُوا اسْم اللَّه عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْهَدَايَا وَالْبُدْن الَّتِي أَهْدَوْهَا مِنَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم , { فِي أَيَّام مَعْلُومَات } وَهُنَّ أَيَّام التَّشْرِيق فِي قَوْل بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . وَفِي قَوْل بَعْضهمْ أَيَّام الْعَشْر . وَفِي قَوْل بَعْضهمْ : يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق . وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ , وَبَيَّنَّا الْأَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهَا فِي سُورَة الْبَقَرَة , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع ; غَيْر أَنِّي أَذْكُر بَعْض ذَلِكَ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِع . 18959 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَيَذْكُرُوا اسْم اللَّه فِي أَيَّام مَعْلُومَات } يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق . 18960 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : { أَيَّامًا مَعْلُومَات } يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق , { عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } يَعْنِي الْبُدْن . 18961 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فِي أَيَّام مَعْلُومَات } قَالَ : أَيَّام الْعَشْر , وَالْمَعْدُودَات : أَيَّام التَّشْرِيق .
وَقَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا } يَقُول : كُلُوا مِنْ بَهَائِم الْأَنْعَام الَّتِي ذَكَرْتُمْ اسْم اللَّه عَلَيْهَا أَيّهَا النَّاس هُنَالِكَ . وَهَذَا الْأَمْر مِنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْر إِبَاحَة لَا أَمْر إِيجَاب ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع الْحُجَّة أَنَّ ذَابِح هَدْيه أَوْ بَدَنَته هُنَالِكَ , إِنْ لَمْ يَأْكُل مِنْ هَدْيه أَوْ بَدَنَته , أَنَّهُ لَمْ يُضَيِّع لَهُ فَرْضًا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر وَاجِب . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل الْعِلْم : 18962 - حَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِس الْفَقِير } قَالَ : كَانَ لَا يَرَى الْأَكْل مِنْهَا وَاجِبًا . 18963 -حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ : هِيَ رُخْصَة : إِنْ شَاءَ أَكَلَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُل , وَهِيَ كَقَوْلِهِ : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } 5 2 { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض } 62 10 يَعْنِي قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِع وَالْمُعْتَرّ } . 22 36 18964 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا } قَالَ : هِيَ رُخْصَة , فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُل . 18965 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا } قَالَ : هِيَ رُخْصَة , فَإِنْ شَاءَ أَكَلَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُل . 18966 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا } قَالَ : إِنَّمَا هِيَ رُخْصَة .
وَقَوْله : { وَأَطْعِمُوا الْبَائِس الْفَقِير } يَقُول : وَأَطْعِمُوا مِمَّا تَذْبَحُونَ أَوْ تَنْحَرُونَ هُنَالِكَ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام مِنْ هَدْيكُمْ وَبُدْنكُمْ الْبَائِس , وَهُوَ الَّذِي بِهِ ضُرّ الْجُوع وَالزَّمَانَة وَالْحَاجَة , وَالْفَقِير : الَّذِي لَا شَيْء لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18967 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِس الْفَقِير } يَعْنِي : الزَّمِن الْفَقِير . 18968 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { الْبَائِس الْفَقِير } الَّذِي يَمُدّ إِلَيْك يَدَيْهِ . 18969 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الْبَائِس الْفَقِير } قَالَ : هُوَ الْقَانِع . 18970 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَر بْن عَطَاء , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الْبَائِس : الْمُضْطَرّ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْس , وَالْفَقِير : الْمُتَعَفِّف . * - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الْبَائِس } الَّذِي يَبْسُط يَدَيْهِ .
وَقَوْله : { وَيَذْكُرُوا اسْم اللَّه فِي أَيَّام مَعْلُومَات عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَيْ يَذْكُرُوا اسْم اللَّه عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْهَدَايَا وَالْبُدْن الَّتِي أَهْدَوْهَا مِنَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم , { فِي أَيَّام مَعْلُومَات } وَهُنَّ أَيَّام التَّشْرِيق فِي قَوْل بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . وَفِي قَوْل بَعْضهمْ أَيَّام الْعَشْر . وَفِي قَوْل بَعْضهمْ : يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق . وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ , وَبَيَّنَّا الْأَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهَا فِي سُورَة الْبَقَرَة , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع ; غَيْر أَنِّي أَذْكُر بَعْض ذَلِكَ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِع . 18959 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَيَذْكُرُوا اسْم اللَّه فِي أَيَّام مَعْلُومَات } يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق . 18960 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : { أَيَّامًا مَعْلُومَات } يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق , { عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } يَعْنِي الْبُدْن . 18961 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فِي أَيَّام مَعْلُومَات } قَالَ : أَيَّام الْعَشْر , وَالْمَعْدُودَات : أَيَّام التَّشْرِيق .
وَقَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا } يَقُول : كُلُوا مِنْ بَهَائِم الْأَنْعَام الَّتِي ذَكَرْتُمْ اسْم اللَّه عَلَيْهَا أَيّهَا النَّاس هُنَالِكَ . وَهَذَا الْأَمْر مِنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْر إِبَاحَة لَا أَمْر إِيجَاب ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع الْحُجَّة أَنَّ ذَابِح هَدْيه أَوْ بَدَنَته هُنَالِكَ , إِنْ لَمْ يَأْكُل مِنْ هَدْيه أَوْ بَدَنَته , أَنَّهُ لَمْ يُضَيِّع لَهُ فَرْضًا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر وَاجِب . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل الْعِلْم : 18962 - حَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِس الْفَقِير } قَالَ : كَانَ لَا يَرَى الْأَكْل مِنْهَا وَاجِبًا . 18963 -حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ : هِيَ رُخْصَة : إِنْ شَاءَ أَكَلَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُل , وَهِيَ كَقَوْلِهِ : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } 5 2 { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض } 62 10 يَعْنِي قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِع وَالْمُعْتَرّ } . 22 36 18964 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا } قَالَ : هِيَ رُخْصَة , فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُل . 18965 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا } قَالَ : هِيَ رُخْصَة , فَإِنْ شَاءَ أَكَلَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُل . 18966 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا } قَالَ : إِنَّمَا هِيَ رُخْصَة .
وَقَوْله : { وَأَطْعِمُوا الْبَائِس الْفَقِير } يَقُول : وَأَطْعِمُوا مِمَّا تَذْبَحُونَ أَوْ تَنْحَرُونَ هُنَالِكَ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام مِنْ هَدْيكُمْ وَبُدْنكُمْ الْبَائِس , وَهُوَ الَّذِي بِهِ ضُرّ الْجُوع وَالزَّمَانَة وَالْحَاجَة , وَالْفَقِير : الَّذِي لَا شَيْء لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18967 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِس الْفَقِير } يَعْنِي : الزَّمِن الْفَقِير . 18968 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { الْبَائِس الْفَقِير } الَّذِي يَمُدّ إِلَيْك يَدَيْهِ . 18969 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الْبَائِس الْفَقِير } قَالَ : هُوَ الْقَانِع . 18970 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَر بْن عَطَاء , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الْبَائِس : الْمُضْطَرّ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْس , وَالْفَقِير : الْمُتَعَفِّف . * - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الْبَائِس } الَّذِي يَبْسُط يَدَيْهِ .
وَقَوْله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } يَقُول : تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ لْيَقْضُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِك حَجّهمْ : مِنْ حَلْق شَعْر , وَأَخْذ شَارِب , وَرَمْي جَمْرَة , وَطَوَاف بِالْبَيْتِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18971 - حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثني يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَشْعَث بْن سِوَار , عَنْ نَافِع , عَنِ ابْن عُمَر , أَنَّهُ قَالَ : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } قَالَ : مَا هُمْ عَلَيْهِ فِي الْحَجّ . 18972 -حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثني الْأَشْعَث , عَنْ نَافِع , عَنِ ابْن عُمَر , قَالَ : التَّفَث : الْمَنَاسِك كُلّهَا . 18973 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَالَ , فِي قَوْله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } قَالَ : التَّفَث : حَلْق الرَّأْس , وَأَخْذ مِنَ الشَّارِبَيْنِ , وَنَتْف الْإِبْط , وَحَلْق الْعَانَة , وَقَصّ الْأَظْفَار , وَالْأَخْذ مِنَ الْعَارِضَيْنِ , وَرَمْي الْجِمَار , وَالْمَوْقِف بِعَرَفَة وَالْمُزْدَلِفَة . 18974 - حَدَّثَنَا حُمَيْد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : التَّفَث : الشَّعْر وَالظُّفْر . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . 18975 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } رَمْي الْجِمَار , وَذَبْح الذَّبِيحَة , وَأَخْذ مِنَ الشَّارِبَيْنِ وَاللِّحْيَة وَالْأَظْفَار , وَالطَّوَاف بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة . 18976 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } قَالَ : هُوَ حَلْق الرَّأْس . وَذَكَرَ أَشْيَاء مِنَ الْحَجّ قَالَ شُعْبَة : لَا أَحْفَظهَا . * - قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18977 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } قَالَ : حَلْق الرَّأْس , وَحَلْق الْعَانَة , وَقَصّ الْأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب , وَرَمْي الْجِمَار , وَقَصّ اللِّحْيَة . 18978 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثه : وَقَصّ اللِّحْيَة . 18979 -حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَل ابْن جُرَيْج , عَنْ قَوْله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } قَالَ : الْأَخْذ مِنَ اللِّحْيَة , وَمِنَ الشَّارِب , وَتَقْلِيم الْأَظْفَار , وَنَتْف الْإِبِط , وَحَلْق الْعَانَة , وَرَمْي الْجِمَار . 18980 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْصُور , عَنِ الْحَسَن , وَأَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك أَنَّهُمَا قَالَا : حَلْق الرَّأْس . 18981 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } يَعْنِي : حَلْق الرَّأْس . 18982 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : التَّفَث : حَلْق الرَّأْس , وَتَقْلِيم الظُّفْر . 18983 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } يَقُول : نُسُكهمْ . 18984 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } قَالَ : التَّفَث : حَرَمهمْ . 18985 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ } قَالَ : يَعْنِي بِالتَّفَثِ : وَضْع إِحْرَامهمْ ; مِنْ حَلْق الرَّأْس , وَلُبْس الثِّيَاب , وَقَصّ الْأَظْفَار وَنَحْو ذَلِكَ . 18986 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , قَالَ : التَّفَث : حَلْق الشَّعْر , وَقَصّ الْأَظْفَار وَالْأَخْذ مِنَ الشَّارِب , وَحَلْق الْعَانَة , وَأَمْر الْحَجّ كُلّه .
وَقَوْله : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } يَقُول : وَلْيُوفُوا اللَّه بِمَا نَذَرُوا مِنْ هَدْي وَبَدَنَة وَغَيْر ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18987 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } نَحْر مَا نَذَرُوا مِنَ الْبُدْن . 18988 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } نَذْر الْحَجّ وَالْهَدْي , وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَان مِنْ شَيْء يَكُون فِي الْحَجّ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } قَالَ : نَذْر الْحَجّ وَالْهَدْي , وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه مِنْ شَيْء يَكُون فِي الْحَجّ .
وَقَوْله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } يَقُول : وَلْيَطَّوَّفُوا بِبَيْتِ اللَّه الْحَرَام . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { الْعَتِيق } فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : قِيلَ ذَلِكَ لِبَيْتِ اللَّه الْحَرَام ; لِأَنَّ اللَّه أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَة أَنْ يَصِلُوا إِلَى تَخْرِيبه وَهَدْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18989 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , أَنَّ ابْن الزُّبَيْر , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْت الْعَتِيق ; لِأَنَّ اللَّه أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنِ ابْن الزُّبَيْر , مِثْله . 18990 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْعَتِيق ; لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَة . 18991 - قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الْبَيْت الْعَتِيق } قَالَ : أَعْتَقَهُ اللَّه مِنَ الْجَبَابِرَة , يَعْنِي الْكَعْبَة . وَقَالَ آخَرُونَ : قِيلَ لَهُ عَتِيق لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكهُ أَحَد مِنَ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18992 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقِدَمِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18993 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { الْبَيْت الْعَتِيق } قَالَ : الْعَتِيق : الْقَدِيم ; لِأَنَّهُ قَدِيم , كَمَا يُقَال : السَّيْف الْعَتِيق ; لِأَنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ بَنَاهُ آدَم , وَهُوَ أَوَّل مَنْ بَنَاهُ , ثُمَّ بَوَّأَ اللَّه مَوْضِعه لِإِبْرَاهِيم بَعْد الْغَرَق , فَبَنَاهُ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فِي قَوْله : { الْبَيْت الْعَتِيق } وَجْه صَحِيح , غَيْر أَنَّ الَّذِي قَالَهُ ابْن زَيْد أَغْلَب مَعَانِيه عَلَيْهِ فِي الظَّاهِر . غَيْر أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْن الزُّبَيْر أَوْلَى بِالصِّحَّةِ , إِنْ كَانَ مَا : 18994 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَهْل الْبُخَارِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : أَخْبَرَنِي اللَّيْث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد بْن مُسَافِر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن عُرْوَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّ اللَّه أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَة فَلَمْ يَظْهَر عَلَيْهِ قَطُّ جَبَّار " . صَحِيحًا 18995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ الزُّهْرِيّ : بَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّ اللَّه أَعْتَقَهُ " ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . وَعُنِيَ بِالطَّوَافِ الَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَاجّ بَيْته الْعَتِيق بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَة طَوَاف الْإِفَاضَة الَّذِي يُطَاف بِهِ بَعْد التَّعْرِيف , إِمَّا يَوْم النَّحْر وَإِمَّا بَعْده , لَا خِلَاف بَيْن أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18996 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن سَعِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَشْعَث , عَنِ الْحَسَن : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : طَوَاف الزِّيَارَة . 18997 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : ثنا الْأَشْعَث , أَنَّ الْحَسَن قَالَ فِي قَوْله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : الطَّوَاف الْوَاجِب . 18998 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } يَعْنِي : زِيَارَة الْبَيْت . 18999 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حَجَّاج وَعَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : طَوَاف يَوْم النَّحْر . 19000 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَأَلْت زُهَيْرًا عَنْ قَوْل اللَّه : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : طَوَاف الْوَدَاع . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة هَذِهِ الْحُرُوف , فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة " ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ وَلْيَطَّوَّفُوا " بِتَسْكِينِ اللَّام فِي كُلّ ذَلِكَ طَلَب التَّخْفِيف , كَمَا فَعَلُوا فِي " هُوَ " إِذَا كَانَتْ قَبْله وَاو , فَقَالُوا { وَهْوَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } 57 6 فَسَكَّنُوا الْهَاء , وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي لَام الْأَمْر إِذَا كَانَ قَبْلهَا حَرْف مِنْ حُرُوف النَّسَق كَالْوَاوِ وَالْفَاء وَثُمَّ وَكَذَلِكَ قَرَأَتْ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْبَصْرَة , غَيْر أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء كَانَ يَكْسِر اللَّام مِنْ قَوْله : " ثُمَّ لِيَقْضُوا " خَاصَّة مِنْ أَجْل أَنَّ الْوُقُوف عَلَى " ثُمَّ " دُون " لِيَقْضُوا " حَسَن , وَغَيْر جَائِز الْوُقُوف عَلَى الْوَاو وَالْفَاء . وَهَذَا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ أَبُو عَمْرو لِقِرَاءَتِهِ عِلَّة حَسَنَة مِنْ جِهَة الْقِيَاس , غَيْر أَنَّ أَكْثَر الْقُرَّاء عَلَى تَسْكِينهَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنَّ التَّسْكِين فِي لَام " لْيَقْضُوا " وَالْكَسْر قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ سَائِرَتَانِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب , غَيْر أَنَّ الْكَسْر فِيهَا خَاصَّة أَقْيَس , لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي عَمْرو مِنَ الْعِلَّة ; لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ : { وَهْوَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } 57 6 فَهُوَ بِتَسْكِينِ الْهَاء مَعَ الْوَاو وَالْفَاء , وَيُحَرِّكهَا فِي قَوْله : { ثُمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة مِنَ الْمُحْضَرِينَ } 28 61 فَذَلِكَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَل فِي قَوْله : " ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثهمْ " فَيُحَرِّك اللَّام إِلَى الْكَسْر مَعَ " ثُمَّ " وَإِنْ سَكَّنَهَا فِي قَوْله : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ تَحْرِيكهَا مَعَ " ثُمَّ " وَالْوَاو , وَهِيَ لُغَة مَشْهُورَة , غَيْر أَنَّ أَكْثَر الْقُرَّاء مَعَ الْوَاو وَالْفَاء عَلَى تَسْكِينهَا , وَهِيَ أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَب وَأَفْصَحهَا , فَالْقِرَاءَة بِهَا أَعْجَب إِلَيَّ مِنْ كَسْرهَا .
وَقَوْله : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } يَقُول : وَلْيُوفُوا اللَّه بِمَا نَذَرُوا مِنْ هَدْي وَبَدَنَة وَغَيْر ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18987 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } نَحْر مَا نَذَرُوا مِنَ الْبُدْن . 18988 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } نَذْر الْحَجّ وَالْهَدْي , وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَان مِنْ شَيْء يَكُون فِي الْحَجّ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } قَالَ : نَذْر الْحَجّ وَالْهَدْي , وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه مِنْ شَيْء يَكُون فِي الْحَجّ .
وَقَوْله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } يَقُول : وَلْيَطَّوَّفُوا بِبَيْتِ اللَّه الْحَرَام . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { الْعَتِيق } فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : قِيلَ ذَلِكَ لِبَيْتِ اللَّه الْحَرَام ; لِأَنَّ اللَّه أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَة أَنْ يَصِلُوا إِلَى تَخْرِيبه وَهَدْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18989 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , أَنَّ ابْن الزُّبَيْر , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْت الْعَتِيق ; لِأَنَّ اللَّه أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنِ ابْن الزُّبَيْر , مِثْله . 18990 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْعَتِيق ; لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَة . 18991 - قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الْبَيْت الْعَتِيق } قَالَ : أَعْتَقَهُ اللَّه مِنَ الْجَبَابِرَة , يَعْنِي الْكَعْبَة . وَقَالَ آخَرُونَ : قِيلَ لَهُ عَتِيق لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكهُ أَحَد مِنَ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18992 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقِدَمِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18993 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { الْبَيْت الْعَتِيق } قَالَ : الْعَتِيق : الْقَدِيم ; لِأَنَّهُ قَدِيم , كَمَا يُقَال : السَّيْف الْعَتِيق ; لِأَنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ بَنَاهُ آدَم , وَهُوَ أَوَّل مَنْ بَنَاهُ , ثُمَّ بَوَّأَ اللَّه مَوْضِعه لِإِبْرَاهِيم بَعْد الْغَرَق , فَبَنَاهُ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فِي قَوْله : { الْبَيْت الْعَتِيق } وَجْه صَحِيح , غَيْر أَنَّ الَّذِي قَالَهُ ابْن زَيْد أَغْلَب مَعَانِيه عَلَيْهِ فِي الظَّاهِر . غَيْر أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْن الزُّبَيْر أَوْلَى بِالصِّحَّةِ , إِنْ كَانَ مَا : 18994 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَهْل الْبُخَارِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : أَخْبَرَنِي اللَّيْث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد بْن مُسَافِر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن عُرْوَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّ اللَّه أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَة فَلَمْ يَظْهَر عَلَيْهِ قَطُّ جَبَّار " . صَحِيحًا 18995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ الزُّهْرِيّ : بَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّ اللَّه أَعْتَقَهُ " ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . وَعُنِيَ بِالطَّوَافِ الَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَاجّ بَيْته الْعَتِيق بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَة طَوَاف الْإِفَاضَة الَّذِي يُطَاف بِهِ بَعْد التَّعْرِيف , إِمَّا يَوْم النَّحْر وَإِمَّا بَعْده , لَا خِلَاف بَيْن أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18996 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن سَعِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَشْعَث , عَنِ الْحَسَن : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : طَوَاف الزِّيَارَة . 18997 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : ثنا الْأَشْعَث , أَنَّ الْحَسَن قَالَ فِي قَوْله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : الطَّوَاف الْوَاجِب . 18998 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } يَعْنِي : زِيَارَة الْبَيْت . 18999 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حَجَّاج وَعَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : طَوَاف يَوْم النَّحْر . 19000 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَأَلْت زُهَيْرًا عَنْ قَوْل اللَّه : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } قَالَ : طَوَاف الْوَدَاع . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة هَذِهِ الْحُرُوف , فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة " ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثهمْ وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ وَلْيَطَّوَّفُوا " بِتَسْكِينِ اللَّام فِي كُلّ ذَلِكَ طَلَب التَّخْفِيف , كَمَا فَعَلُوا فِي " هُوَ " إِذَا كَانَتْ قَبْله وَاو , فَقَالُوا { وَهْوَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } 57 6 فَسَكَّنُوا الْهَاء , وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي لَام الْأَمْر إِذَا كَانَ قَبْلهَا حَرْف مِنْ حُرُوف النَّسَق كَالْوَاوِ وَالْفَاء وَثُمَّ وَكَذَلِكَ قَرَأَتْ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْبَصْرَة , غَيْر أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء كَانَ يَكْسِر اللَّام مِنْ قَوْله : " ثُمَّ لِيَقْضُوا " خَاصَّة مِنْ أَجْل أَنَّ الْوُقُوف عَلَى " ثُمَّ " دُون " لِيَقْضُوا " حَسَن , وَغَيْر جَائِز الْوُقُوف عَلَى الْوَاو وَالْفَاء . وَهَذَا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ أَبُو عَمْرو لِقِرَاءَتِهِ عِلَّة حَسَنَة مِنْ جِهَة الْقِيَاس , غَيْر أَنَّ أَكْثَر الْقُرَّاء عَلَى تَسْكِينهَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنَّ التَّسْكِين فِي لَام " لْيَقْضُوا " وَالْكَسْر قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ سَائِرَتَانِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب , غَيْر أَنَّ الْكَسْر فِيهَا خَاصَّة أَقْيَس , لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي عَمْرو مِنَ الْعِلَّة ; لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ : { وَهْوَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } 57 6 فَهُوَ بِتَسْكِينِ الْهَاء مَعَ الْوَاو وَالْفَاء , وَيُحَرِّكهَا فِي قَوْله : { ثُمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة مِنَ الْمُحْضَرِينَ } 28 61 فَذَلِكَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَل فِي قَوْله : " ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثهمْ " فَيُحَرِّك اللَّام إِلَى الْكَسْر مَعَ " ثُمَّ " وَإِنْ سَكَّنَهَا فِي قَوْله : { وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ } . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ تَحْرِيكهَا مَعَ " ثُمَّ " وَالْوَاو , وَهِيَ لُغَة مَشْهُورَة , غَيْر أَنَّ أَكْثَر الْقُرَّاء مَعَ الْوَاو وَالْفَاء عَلَى تَسْكِينهَا , وَهِيَ أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَب وَأَفْصَحهَا , فَالْقِرَاءَة بِهَا أَعْجَب إِلَيَّ مِنْ كَسْرهَا .
ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّم حُرُمَات اللَّه فَهُوَ خَيْر لَهُ عِنْد رَبّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ { ذَلِكَ } هَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنْ قَضَاء التَّفَث وَالْوَفَاء بِالنُّذُورِ وَالطَّوَاف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق , هُوَ الْفَرْض الْوَاجِب عَلَيْكُمْ يَا أَيّهَا النَّاس فِي حَجّكُمْ . { وَمَنْ يُعَظِّم حُرُمَات اللَّه فَهُوَ خَيْر لَهُ عِنْد رَبّه } يَقُول : وَمَنْ يَجْتَنِب مَا أَمَرَهُ اللَّه بِاجْتِنَابِهِ فِي حَال إِحْرَامه تَعْظِيمًا مِنْهُ لِحُدُودِ اللَّه أَنْ يُوَاقِعهَا وَحَرَّمَهُ أَنْ يَسْتَحِلّهَا , فَهُوَ خَيْر لَهُ عِنْد رَبّه فِي الْآخِرَة . كَمَا : 19001 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّم حُرُمَات اللَّه } قَالَ : الْحُرْمَة : مَكَّة وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة , وَمَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيه كُلّهَا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19002 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُعَظِّم حُرُمَات اللَّه } قَالَ : الْحُرُمَات : الْمَشْعَر الْحَرَام , وَالْبَيْت الْحَرَام , وَالْمَسْجِد الْحَرَام , وَالْبَلَد الْحَرَام ; هَؤُلَاءِ الْحُرُمَات .
وَقَوْله : {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَحَلَّ اللَّه لَكُمْ أَيّهَا النَّاس الْأَنْعَام أَنْ تَأْكُلُوهَا إِذَا ذَكَّيْتُمُوهَا , فَلَمْ يُحَرِّم عَلَيْكُمْ مِنْهَا بَحِيرَة , وَلَا سَائِبَة , وَلَا وَصِيلَة , وَلَا حَامًا , وَلَا مَا جَعَلْتُمُوهُ مِنْهَا لِآلِهَتِكُمْ . { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يَقُول : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي كِتَاب اللَّه , وَذَلِكَ : الْمَيْتَة , وَالدَّم , وَلَحْم الْخِنْزِير , وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , وَالْمُنْخَنِقَة , وَالْمَوْقُوذَة , وَالْمُتَرَدِّيَة , وَالنَّطِيحَة , وَمَا أَكَلَ السَّبُع , وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب ; فَإِنَّ ذَلِكَ كُلّه رِجْس . كَمَا : 19003 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قَالَ : إِلَّا الْمَيْتَة , وَمَا لَمْ يُذْكَر اسْم اللَّه عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله .
وَقَوْله : {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان } يَقُول : فَاتَّقُوا عِبَادَة الْأَوْثَان , وَطَاعَة الشَّيْطَان فِي عِبَادَتهَا فَإِنَّهَا رِجْس . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19004 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاجْتَنِبُوا طَاعَة الشَّيْطَان فِي عِبَادَة الْأَوْثَان . 19005 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج فِي قَوْله : { الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان } قَالَ : عِبَادَة الْأَوْثَان .
وَقَوْله : { وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا قَوْل الْكَذِب وَالْفِرْيَة عَلَى اللَّه بِقَوْلِكُمْ فِي الْآلِهَة : { مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } 39 3 وَقَوْلكُمْ لِلْمَلَائِكَةِ : هِيَ بَنَات اللَّه , وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ الْقَوْل , فَإِنَّ ذَلِكَ كَذِب وَزُور وَشِرْك بِاللَّهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19006 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { قَوْل الزُّور } قَالَ : الْكَذِب . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 19007 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْر مُشْرِكِينَ بِهِ } يَعْنِي : الِافْتِرَاء عَلَى اللَّه وَالتَّكْذِيب . 19008 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ وَائِل بْن رَبِيعَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : تُعْدَل شَهَادَة الزُّور بِالشِّرْكِ , وَقَرَأَ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } . 19009 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَاصِم , عَنْ وَائِل بْن رَبِيعَة , قَالَ : عُدِلَتْ شَهَادَة الزُّور الشِّرْك , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } . 19010 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ خُرَيْم بْن فَاتِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُدِلَتْ شَهَادَة الزُّور بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ " ثُمَّ قَرَأَ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } . 19011 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ , عَنْ فَاتِك بْن فَضَالَة , عَنْ أَيْمَن بْن خُرَيْم , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ : " أَيّهَا النَّاس عُدِلَتْ شَهَادَة الزُّور بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ " مَرَّتَيْنِ . ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ : اجْتَنِبُوا أَنْ تُرْجَسُوا أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس مِنَ الْأَوْثَان بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَهَلْ مِنَ الْأَوْثَان مَا لَيْسَ بِرِجْسٍ حَتَّى قِيلَ : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْهَا ؟ قِيلَ : كُلّهَا رِجْس , وَلَيْسَ الْمَعْنَى مَا ذَهَبْت إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس الَّذِي يَكُون مِنَ الْأَوْثَان أَيْ عِبَادَتهَا , فَالَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس } مِنْهَا اتِّقَاء عِبَادَتهَا , وَتِلْكَ الْعِبَادَة هِيَ الرِّجْس , عَلَى مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْله قَبْل .
وَقَوْله : {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَحَلَّ اللَّه لَكُمْ أَيّهَا النَّاس الْأَنْعَام أَنْ تَأْكُلُوهَا إِذَا ذَكَّيْتُمُوهَا , فَلَمْ يُحَرِّم عَلَيْكُمْ مِنْهَا بَحِيرَة , وَلَا سَائِبَة , وَلَا وَصِيلَة , وَلَا حَامًا , وَلَا مَا جَعَلْتُمُوهُ مِنْهَا لِآلِهَتِكُمْ . { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يَقُول : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي كِتَاب اللَّه , وَذَلِكَ : الْمَيْتَة , وَالدَّم , وَلَحْم الْخِنْزِير , وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , وَالْمُنْخَنِقَة , وَالْمَوْقُوذَة , وَالْمُتَرَدِّيَة , وَالنَّطِيحَة , وَمَا أَكَلَ السَّبُع , وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب ; فَإِنَّ ذَلِكَ كُلّه رِجْس . كَمَا : 19003 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قَالَ : إِلَّا الْمَيْتَة , وَمَا لَمْ يُذْكَر اسْم اللَّه عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله .
وَقَوْله : {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان } يَقُول : فَاتَّقُوا عِبَادَة الْأَوْثَان , وَطَاعَة الشَّيْطَان فِي عِبَادَتهَا فَإِنَّهَا رِجْس . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19004 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاجْتَنِبُوا طَاعَة الشَّيْطَان فِي عِبَادَة الْأَوْثَان . 19005 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج فِي قَوْله : { الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان } قَالَ : عِبَادَة الْأَوْثَان .
وَقَوْله : { وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا قَوْل الْكَذِب وَالْفِرْيَة عَلَى اللَّه بِقَوْلِكُمْ فِي الْآلِهَة : { مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } 39 3 وَقَوْلكُمْ لِلْمَلَائِكَةِ : هِيَ بَنَات اللَّه , وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ الْقَوْل , فَإِنَّ ذَلِكَ كَذِب وَزُور وَشِرْك بِاللَّهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19006 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { قَوْل الزُّور } قَالَ : الْكَذِب . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 19007 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْر مُشْرِكِينَ بِهِ } يَعْنِي : الِافْتِرَاء عَلَى اللَّه وَالتَّكْذِيب . 19008 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ وَائِل بْن رَبِيعَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : تُعْدَل شَهَادَة الزُّور بِالشِّرْكِ , وَقَرَأَ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } . 19009 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَاصِم , عَنْ وَائِل بْن رَبِيعَة , قَالَ : عُدِلَتْ شَهَادَة الزُّور الشِّرْك , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } . 19010 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ خُرَيْم بْن فَاتِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُدِلَتْ شَهَادَة الزُّور بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ " ثُمَّ قَرَأَ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } . 19011 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ , عَنْ فَاتِك بْن فَضَالَة , عَنْ أَيْمَن بْن خُرَيْم , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ : " أَيّهَا النَّاس عُدِلَتْ شَهَادَة الزُّور بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ " مَرَّتَيْنِ . ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنَ الْأَوْثَان وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّور } . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ : اجْتَنِبُوا أَنْ تُرْجَسُوا أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس مِنَ الْأَوْثَان بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَهَلْ مِنَ الْأَوْثَان مَا لَيْسَ بِرِجْسٍ حَتَّى قِيلَ : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْهَا ؟ قِيلَ : كُلّهَا رِجْس , وَلَيْسَ الْمَعْنَى مَا ذَهَبْت إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس الَّذِي يَكُون مِنَ الْأَوْثَان أَيْ عِبَادَتهَا , فَالَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس } مِنْهَا اتِّقَاء عِبَادَتهَا , وَتِلْكَ الْعِبَادَة هِيَ الرِّجْس , عَلَى مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْله قَبْل .