قَالَ أَبُو جَعْفَر : اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله أَنَا اللَّه أَرَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13588 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن دَاوُد بْن مَيْمُون الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { الر } أَنَا اللَّه أَرَى. 13589 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { الر } قَالَ : أَنَا اللَّه أَرَى . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ حُرُوف مِنْ اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ الرَّحْمَن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13590 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَة , قَالَ : ثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : " الر , وَ حم , وَ نون " حُرُوف الرَّحْمَن مُقَطَّعَة . 13591 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا عِيسَى بْن عُبَيْد عَنْ الْحُسَيْن بْن عُثْمَان , قَالَ : ذَكَرَ سَالِم بْن عَبْد اللَّه : " الر , وَ حم وَ نون " فَقَالَ : اِسْم الرَّحْمَن مُقَطَّع . ثُمَّ قَالَ : الرَّحْمَن . 13592 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبِي حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا مَنْدَل , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : " الر , وَ حم , وَ نُون " هُوَ اِسْم الرَّحْمَن . 13593 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد بْن عَمْرو الْكَلْبِيّ , عَنْ أَبِي عَوَانَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ عَامِر أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ : " الر , وَ حم , وَ ص " قَالَ : هِيَ أَسْمَاء اللَّه مُقَطَّعَة بِالْهِجَاءِ , فَإِذَا وَصَلْتهَا كَانَتْ اِسْمًا مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13594 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { الر } اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف النَّاس وَمَا إِلَيْهِ ذَهَبَ كُلّ قَائِل فِي الَّذِي قَالَ فِيهِ , وَمَا الصَّوَاب لَدَيْنَا مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِي نَظِيره , وَذَلِكَ فِي أَوَّل سُورَة الْبَقَرَة , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِع الْقَدْر الَّذِي ذَكَرْنَا لِمُخَالَفَةِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله فِي هَذَا قَوْل فِي { الم } فَأَمَّا الَّذِينَ وَفَّقُوا بَيْن مَعَانِي جَمِيع ذَلِكَ , فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ هُنَاكَ مُكْتَفِيًا عَنْ الْإِعَادَة هَهُنَا .
وَقَوْله : { كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته } يَعْنِي : هَذَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الْقُرْآن . وَرَفَعَ قَوْله : " كِتَاب " بِنِيَّةِ : هَذَا كِتَاب . فَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْله : { الر } مُرَاد بِهِ سَائِر حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآن , وَجُعِلَتْ هَذِهِ الْحُرُوف دَلَالَة عَلَى جَمِيعهَا , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : هَذِهِ الْحُرُوف كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته , فَإِنَّ الْكِتَاب عَلَى قَوْله يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِقَوْلِهِ : { الر } وَأَمَّا قَوْله : { أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : أُحْكِمَتْ آيَاته بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي , ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّد الثَّقَفِيّ , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : أُحْكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي , وَفُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن مُحَمَّد الْجُرْجَانِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ الْحَسَن : { الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته } قَالَ : أُحْكِمَتْ فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَفُصِّلَتْ بِالْوَعِيدِ - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن : { الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته } قَالَ : بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي { ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن قَوْل خِلَاف هَذَا . وَذَلِكَ مَا : - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : وَحَدَّثَنَا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن : { أُحْكِمَتْ } بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب { ثُمَّ فُصِّلَتْ } بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُحْكِمَتْ آيَاته مِنْ الْبَاطِل , ثُمَّ فُصِّلَتْ , فَبَيَّنَ مِنْهَا الْحَلَال وَالْحَرَام ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13863 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير } أَحْكَمَهَا اللَّه مِنْ الْبَاطِل ثُمَّ فَصَّلَهَا بِعِلْمِهِ , فَبَيَّنَ حَلَاله وَحَرَامه وَطَاعَته وَمَعْصِيَته 13864 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : أَحْكَمَهَا اللَّه مِنْ الْبَاطِل , ثُمَّ فَصَّلَهَا : بَيَّنَهَا وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَحْكَمَ اللَّه آيَاته مِنْ الدَّخْل وَالْخَلَل وَالْبَاطِل , ثُمَّ فَصَّلَهَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي . وَذَلِكَ أَنَّ إِحْكَام الشَّيْء إِصْلَاحه وَإِتْقَانه , وَإِحْكَام آيَات الْقُرْآن إِحْكَامهَا مِنْ خَلَل يَكُون فِيهَا أَوْ بَاطِل يَقْدِر ذُو زَيْغ أَنْ يَطْعَن فِيهَا مِنْ قِبَله . وَأَمَّا تَفْصِيل آيَاته فَإِنَّهُ تَمْيِيز بَعْضهَا مِنْ بَعْض بِالْبَيَانِ عَمَّا فِيهَا مِنْ حَلَال وَحَرَام وَأَمْر وَنَهْي . وَكَانَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ يُفَسِّر قَوْله : { فُصِّلَتْ } بِمَعْنَى : فُسِّرَتْ , وَذَلِكَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ مِنْ الْقَوْل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13865 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : فُسِّرَتْ * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فُصِّلَتْ } قَالَ : فُسِّرَتْ - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : فُسِّرَتْ * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * وَقَالَ قَتَادَة : مَعْنَاهُ : بُيِّنَتْ , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ قَبْل , وَهُوَ شَبِيه الْمَعْنَى بِقَوْلِ مُجَاهِد .
وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : حَكِيم بِتَدْبِيرِ الْأَشْيَاء وَتَقْدِيرهَا , خَبِير بِمَا يَئُول إِلَيْهِ عَوَاقِبهَا . 13866 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير } يَقُول : مِنْ عِنْد حَكِيم خَبِير
وَقَوْله : { كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته } يَعْنِي : هَذَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الْقُرْآن . وَرَفَعَ قَوْله : " كِتَاب " بِنِيَّةِ : هَذَا كِتَاب . فَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْله : { الر } مُرَاد بِهِ سَائِر حُرُوف الْمُعْجَم الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآن , وَجُعِلَتْ هَذِهِ الْحُرُوف دَلَالَة عَلَى جَمِيعهَا , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : هَذِهِ الْحُرُوف كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته , فَإِنَّ الْكِتَاب عَلَى قَوْله يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِقَوْلِهِ : { الر } وَأَمَّا قَوْله : { أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : أُحْكِمَتْ آيَاته بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي , ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّد الثَّقَفِيّ , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : أُحْكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي , وَفُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن مُحَمَّد الْجُرْجَانِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ الْحَسَن : { الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته } قَالَ : أُحْكِمَتْ فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَفُصِّلَتْ بِالْوَعِيدِ - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن : { الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته } قَالَ : بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي { ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن قَوْل خِلَاف هَذَا . وَذَلِكَ مَا : - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : وَحَدَّثَنَا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن : { أُحْكِمَتْ } بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب { ثُمَّ فُصِّلَتْ } بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُحْكِمَتْ آيَاته مِنْ الْبَاطِل , ثُمَّ فُصِّلَتْ , فَبَيَّنَ مِنْهَا الْحَلَال وَالْحَرَام ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13863 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الر كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير } أَحْكَمَهَا اللَّه مِنْ الْبَاطِل ثُمَّ فَصَّلَهَا بِعِلْمِهِ , فَبَيَّنَ حَلَاله وَحَرَامه وَطَاعَته وَمَعْصِيَته 13864 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أُحْكِمَتْ آيَاته ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : أَحْكَمَهَا اللَّه مِنْ الْبَاطِل , ثُمَّ فَصَّلَهَا : بَيَّنَهَا وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَحْكَمَ اللَّه آيَاته مِنْ الدَّخْل وَالْخَلَل وَالْبَاطِل , ثُمَّ فَصَّلَهَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي . وَذَلِكَ أَنَّ إِحْكَام الشَّيْء إِصْلَاحه وَإِتْقَانه , وَإِحْكَام آيَات الْقُرْآن إِحْكَامهَا مِنْ خَلَل يَكُون فِيهَا أَوْ بَاطِل يَقْدِر ذُو زَيْغ أَنْ يَطْعَن فِيهَا مِنْ قِبَله . وَأَمَّا تَفْصِيل آيَاته فَإِنَّهُ تَمْيِيز بَعْضهَا مِنْ بَعْض بِالْبَيَانِ عَمَّا فِيهَا مِنْ حَلَال وَحَرَام وَأَمْر وَنَهْي . وَكَانَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ يُفَسِّر قَوْله : { فُصِّلَتْ } بِمَعْنَى : فُسِّرَتْ , وَذَلِكَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ مِنْ الْقَوْل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13865 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : فُسِّرَتْ * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فُصِّلَتْ } قَالَ : فُسِّرَتْ - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ فُصِّلَتْ } قَالَ : فُسِّرَتْ * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * وَقَالَ قَتَادَة : مَعْنَاهُ : بُيِّنَتْ , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ قَبْل , وَهُوَ شَبِيه الْمَعْنَى بِقَوْلِ مُجَاهِد .
وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : حَكِيم بِتَدْبِيرِ الْأَشْيَاء وَتَقْدِيرهَا , خَبِير بِمَا يَئُول إِلَيْهِ عَوَاقِبهَا . 13866 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير } يَقُول : مِنْ عِنْد حَكِيم خَبِير
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير وَبَشِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ فُصِّلَتْ بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَتَخْلَعُوا الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلنَّاسِ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْ عِنْد اللَّه نَذِير يُنْذِركُمْ عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه وَعِبَادَة الْأَصْنَام , وَبَشِير يُبَشِّركُمْ بِالْجَزِيلِ مِنْ الثَّوَاب عَلَى طَاعَته وَإِخْلَاص , الْعِبَادَة وَالْأُلُوهَة لَهُ .
وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ فُصِّلَتْ آيَاته بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه وَبِأَنْ اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ } وَأَنْ اِعْمَلُوا أَيّهَا النَّاس مِنْ الْأَعْمَال مَا يُرْضِي رَبّكُمْ عَنْكُمْ , فَيَسْتُر عَلَيْكُمْ عَظِيم ذُنُوبكُمْ الَّتِي رَكِبْتُمُوهَا بِعِبَادَتِكُمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَإِشْرَاككُمْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد فِي عِبَادَته .
وَقَوْله : { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } يَقُول : ثُمَّ اِرْجِعُوا إِلَى رَبّكُمْ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لَهُ دُون مَا سِوَاهُ مِنْ سَائِر مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونه بَعْد خَلْعكُمْ الْأَنْدَاد وَبَرَاءَتكُمْ مِنْ عِبَادَتهَا . وَلِذَلِكَ قِيلَ : { وَأَنْ اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } وَلَمْ يَقُلْ : وَتُوبُوا إِلَيْهِ ; لِأَنَّ التَّوْبَة مَعْنَاهَا الرُّجُوع إِلَى الْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَالِاسْتِغْفَار : اِسْتِغْفَار مِنْ الشِّرْك الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ , وَالْعَمَل لِلَّهِ لَا يَكُون عَمَلًا لَهُ إِلَّا بَعْد تَرْك الشِّرْك بِهِ , فَأَمَّا الشِّرْك فَإِنَّ عَمَله لَا يَكُون إِلَّا لِلشَّيْطَانِ , فَلِذَلِكَ أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ بَعْد الِاسْتِغْفَار مِنْ الشِّرْك , لِأَنَّ أَهْل الشِّرْك كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُطِيعُونَ اللَّه بِكَثِيرٍ مِنْ أَفْعَالهمْ وَهُمْ عَلَى شِرْكهمْ مُقِيمُونَ .
وَقَوْله : { يُمَتِّعكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات : اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ , فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَسَطَ عَلَيْكُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَرَزَقَكُمْ مِنْ زِينَتهَا , وَأَنْسَأَ لَكُمْ فِي آجَالهمْ إِلَى الْوَقْت الَّذِي قَضَى فِيهِ عَلَيْكُمْ الْمَوْت . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13867 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يُمَتِّعكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَل مُسَمًّى } فَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْمَتَاع فَخُذُوهُ بِطَاعَةِ اللَّه وَمَعْرِفَة حَقّه , فَإِنَّ اللَّه مُنْعِم بِحُبِّ الشَّاكِرِينَ وَأَهْل الشُّكْر فِي مَزِيد مِنْ اللَّه , وَذَلِكَ قَضَاؤُهُ الَّذِي قَضَى . وَقَوْله : { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَعْنِي الْمَوْت 13868 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الْمَوْت 13869 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } وَهُوَ الْمَوْت * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الْمَوْت
وَأَمَّا قَوْله : { وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْل فَضْله } فَإِنَّهُ يَعْنِي : يُثِيب كُلّ مَنْ تَفَضَّلَ بِفَضْلِ مَاله أَوْ قُوته أَوْ مَعْرُوفه عَلَى غَيْره مُحْتَسِبًا مُرِيدًا بِهِ وَجْه اللَّه , أَجْزَلَ ثَوَابه وَفَضْله فِي الْآخِرَة . كَمَا : 13870 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْل فَضْله } قَالَ : مَا اِحْتَسَبَ بِهِ مِنْ مَاله , أَوْ عَمِلَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْله , أَوْ كَلِمَة , أَوْ مَا تَطَوَّعَ بِهِ مِنْ أَمْره كُلّه - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . قَالَ : وَحَدَّثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : أَوْ عَمِلَ بِيَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ وَكَلَامه , وَمَا تَطَوَّلَ بِهِ مِنْ أَمْره كُلّه - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ أَمْره كُلّه 13871 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْل فَضْله } أَيْ فِي الْآخِرَة وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 13872 - حَدَّثَنَا بِهِ عَنْ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْل فَضْله } قَالَ : مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَة , وَمَنْ عَمِلَ حَسَنَة كُتِبَتْ لَهُ عَشْر حَسَنَات . فَإِنْ عُوقِبَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا بَقِيَتْ لَهُ عَشْر حَسَنَات , وَإِنْ لَمْ يُعَاقَب بِهَا فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنْ الْحَسَنَات الْعَشْر وَاحِدَة وَبَقِيَتْ لَهُ تِسْع حَسَنَات . ثُمَّ يَقُول : هَلَكَ مَنْ غَلَبَ آحَاده أَعْشَاره
وَقَوْله : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ أَعْرَضُوا عَمَّا دَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لِلَّهِ وَتَرْك عِبَادَة الْآلِهَة وَامْتَنَعُوا مِنْ الِاسْتِغْفَار لِلَّهِ وَالتَّوْبَة إِلَيْهِ فَأَدْبَرُوا مُوَلِّينَ عَنْ ذَلِكَ , فَإِنِّي أَيّهَا الْقَوْم أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير شَأْنه عَظِيم هَوْله , وَذَلِكَ { يَوْم تُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير } وَلَكِنَّهُ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَهُ قَوْله , وَالْعَرَب إِذَا قَدَّمَتْ قَبْل الْكَلَام قَوْلًا خَاطَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْخَبَر عَنْ الْغَائِب ثُمَّ رَجَعَتْ بَعْد إِلَى الْخِطَاب , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَقَوْله : { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } يَقُول : ثُمَّ اِرْجِعُوا إِلَى رَبّكُمْ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لَهُ دُون مَا سِوَاهُ مِنْ سَائِر مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونه بَعْد خَلْعكُمْ الْأَنْدَاد وَبَرَاءَتكُمْ مِنْ عِبَادَتهَا . وَلِذَلِكَ قِيلَ : { وَأَنْ اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } وَلَمْ يَقُلْ : وَتُوبُوا إِلَيْهِ ; لِأَنَّ التَّوْبَة مَعْنَاهَا الرُّجُوع إِلَى الْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَالِاسْتِغْفَار : اِسْتِغْفَار مِنْ الشِّرْك الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ , وَالْعَمَل لِلَّهِ لَا يَكُون عَمَلًا لَهُ إِلَّا بَعْد تَرْك الشِّرْك بِهِ , فَأَمَّا الشِّرْك فَإِنَّ عَمَله لَا يَكُون إِلَّا لِلشَّيْطَانِ , فَلِذَلِكَ أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ بَعْد الِاسْتِغْفَار مِنْ الشِّرْك , لِأَنَّ أَهْل الشِّرْك كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُطِيعُونَ اللَّه بِكَثِيرٍ مِنْ أَفْعَالهمْ وَهُمْ عَلَى شِرْكهمْ مُقِيمُونَ .
وَقَوْله : { يُمَتِّعكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات : اِسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ , فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَسَطَ عَلَيْكُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَرَزَقَكُمْ مِنْ زِينَتهَا , وَأَنْسَأَ لَكُمْ فِي آجَالهمْ إِلَى الْوَقْت الَّذِي قَضَى فِيهِ عَلَيْكُمْ الْمَوْت . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13867 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يُمَتِّعكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَل مُسَمًّى } فَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْمَتَاع فَخُذُوهُ بِطَاعَةِ اللَّه وَمَعْرِفَة حَقّه , فَإِنَّ اللَّه مُنْعِم بِحُبِّ الشَّاكِرِينَ وَأَهْل الشُّكْر فِي مَزِيد مِنْ اللَّه , وَذَلِكَ قَضَاؤُهُ الَّذِي قَضَى . وَقَوْله : { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَعْنِي الْمَوْت 13868 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الْمَوْت 13869 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } وَهُوَ الْمَوْت * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } قَالَ : الْمَوْت
وَأَمَّا قَوْله : { وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْل فَضْله } فَإِنَّهُ يَعْنِي : يُثِيب كُلّ مَنْ تَفَضَّلَ بِفَضْلِ مَاله أَوْ قُوته أَوْ مَعْرُوفه عَلَى غَيْره مُحْتَسِبًا مُرِيدًا بِهِ وَجْه اللَّه , أَجْزَلَ ثَوَابه وَفَضْله فِي الْآخِرَة . كَمَا : 13870 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْل فَضْله } قَالَ : مَا اِحْتَسَبَ بِهِ مِنْ مَاله , أَوْ عَمِلَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْله , أَوْ كَلِمَة , أَوْ مَا تَطَوَّعَ بِهِ مِنْ أَمْره كُلّه - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . قَالَ : وَحَدَّثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : أَوْ عَمِلَ بِيَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ وَكَلَامه , وَمَا تَطَوَّلَ بِهِ مِنْ أَمْره كُلّه - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ أَمْره كُلّه 13871 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْل فَضْله } أَيْ فِي الْآخِرَة وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 13872 - حَدَّثَنَا بِهِ عَنْ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْل فَضْله } قَالَ : مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَة , وَمَنْ عَمِلَ حَسَنَة كُتِبَتْ لَهُ عَشْر حَسَنَات . فَإِنْ عُوقِبَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا بَقِيَتْ لَهُ عَشْر حَسَنَات , وَإِنْ لَمْ يُعَاقَب بِهَا فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنْ الْحَسَنَات الْعَشْر وَاحِدَة وَبَقِيَتْ لَهُ تِسْع حَسَنَات . ثُمَّ يَقُول : هَلَكَ مَنْ غَلَبَ آحَاده أَعْشَاره
وَقَوْله : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ أَعْرَضُوا عَمَّا دَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لِلَّهِ وَتَرْك عِبَادَة الْآلِهَة وَامْتَنَعُوا مِنْ الِاسْتِغْفَار لِلَّهِ وَالتَّوْبَة إِلَيْهِ فَأَدْبَرُوا مُوَلِّينَ عَنْ ذَلِكَ , فَإِنِّي أَيّهَا الْقَوْم أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير شَأْنه عَظِيم هَوْله , وَذَلِكَ { يَوْم تُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير } وَلَكِنَّهُ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَهُ قَوْله , وَالْعَرَب إِذَا قَدَّمَتْ قَبْل الْكَلَام قَوْلًا خَاطَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْخَبَر عَنْ الْغَائِب ثُمَّ رَجَعَتْ بَعْد إِلَى الْخِطَاب , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره إِلَى اللَّه أَيّهَا الْقَوْم مَا بِكُمْ وَمَصِيركُمْ , فَاحْذَرُوا عِقَابه إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ التَّوْبَة إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَتكُمْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام , فَإِنَّهُ مُخَلِّدكُمْ نَار جَهَنَّم إِنْ هَلَكْتُمْ عَلَى شِرْككُمْ قَبْل التَّوْبَة إِلَيْهِ . { وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول : وَهُوَ عَلَى إِحْيَائِكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ , وَعِقَابكُمْ عَلَى إِشْرَاككُمْ بِهِ الْأَوْثَان وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَرَادَ بِكُمْ وَبِغَيْرِكُمْ قَادِر .
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْأَمْصَار : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ } عَلَى تَقْدِير يَفْعَلُونَ مِنْ " ثَنَيْت " , وَالصُّدُور مَنْصُوبَة . وَاخْتَلَفَتْ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ كَانَ مِنْ فِعْل بَعْض الْمُنَافِقِينَ كَانَ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَطَّى وَجْهه وَثَنَى ظَهْره ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13873 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد فِي قَوْله : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } قَالَ : كَانَ أَحَدهمْ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِثَوْبِهِ عَلَى وَجْهه وَثَنَى ظَهْره . - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ . قَوْله : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } قَالَ : مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا مَرُّوا بِهِ ثَنَى أَحَدهمْ صَدْره وَيُطَأْطِئ رَأْسه , فَقَالَ اللَّه : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ } الْآيَة . - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد يَقُول , فِي قَوْله : { يَثْنُونَ صُدُورهمْ } قَالَ : كَانَ أَحَدهمْ إِذَا مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَنَى صَدْره , وَتَغَشَّى بِثَوْبِهِ كَيْ لَا يَرَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَظَنًّا أَنَّ اللَّه يَخْفَى عَلَيْهِ مَا تُضْمِرهُ صُدُورهمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13874 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَثْنُونَ صُدُورهمْ } قَالَ : شَكًّا وَامْتِرَاء فِي الْحَقّ , لِيَسْتَخْفُوا مِنْ اللَّه إِنْ اِسْتَطَاعُوا - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَثْنُونَ صُدُورهمْ } شَكًّا وَامْتِرَاء فِي الْحَقّ . { لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } قَالَ : مِنْ اللَّه إِنْ اِسْتَطَاعُوا 13875 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَثْنُونَ صُدُورهمْ } قَالَ : تَضِيق شَكًّا * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَثْنُونَ صُدُورهمْ } قَالَ : تَضِيق شَكًّا وَامْتِرَاء فِي الْحَقّ , قَالَهُ : { لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } قَالَ : مِنْ اللَّه إِنْ اِسْتَطَاعُوا * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 13876 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا هَوْذَة , قَالَ : ثَنَا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } قَالَ : مِنْ جَهَالَتهمْ بِهِ , قَالَ اللَّه : { أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } فِي ظُلْمَة اللَّيْل فِي أَجْوَف بُيُوتهمْ , { يَعْلَم } تِلْكَ السَّاعَة { مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } 13877 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين . { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } قَالَ : كَانَ أَحَدهمْ يَحْنِي ظَهْره وَيَسْتَغْشِي بِثَوْبِهِ وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَسْمَعُوا كَلَام اللَّه تَعَالَى ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13878 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة - { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ } 000 الْآيَة , قَالَ : كَانُوا يَحْنُونَ صُدُورهمْ لِكَيْلَا يَسْمَعُوا كِتَاب اللَّه , قَالَ تَعَالَى : { أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } وَذَلِكَ أَخْفَى مَا يَكُون اِبْن آدَم إِذَا حَنَى صَدْره وَاسْتَغْشَى بِثَوْبِهِ وَأَضْمَرَ هَمّهُ فِي نَفْسه , فَإِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } قَالَ : أَخْفَى مَا يَكُون الْإِنْسَان إِذَا أَسَرَّ فِي نَفْسه شَيْئًا وَتَغَطَّى بِثَوْبِهِ , فَذَلِكَ أَخْفَى مَا يَكُون , وَاَللَّه يَطَّلِع عَلَى مَا فِي نُفُوسهمْ , وَاَللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا هَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُضْمِرُونَ لَهُ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء وَيُبْدُونَ لَهُ الْمَحَبَّة وَالْمَوَدَّة , وَأَنَّهُمْ مَعَهُ وَعَلَى دِينه . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَا إِنَّهُمْ يَطْوُونَ صُدُورهمْ عَلَى الْكُفْر لِيَسْتَخْفُوا مِنْ اللَّه , ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَرَائِرهمْ وَعَلَانِيَتهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِذَا نَاجَى بَعْضهمْ بَعْضًا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13879 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } قَالَ : هَذَا حِين يُنَاجِي بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقَرَأَ : { أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } الْآيَة وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : وَأَلَا إِنَّهُمْ تَثْنُونِي صُدُورهمْ " عَلَى مِثَال : تَحْلَوْلِي التَّمْرَة : تَفْعَوْعِل . 13880 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ " أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنُونِي صُدُورهمْ " قَالَ : كَانُوا لَا يَأْتُونَ النِّسَاء وَلَا الْغَائِط إِلَّا وَقَدْ تَغَشَّوْا بِثِيَابِهِمْ كَرَاهَة أَنْ يُفْضُوا بِفُرُوجِهِمْ إِلَى السَّمَاء 13881 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن جَعْفَر يَقُول : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقْرَؤُهَا : " أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنُونِي صُدُورهمْ " قَالَ : سَأَلْته عَنْهَا , فَقَالَ : كَانَ نَاس يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاء , وَأَنْ يُصِيبُوا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاء وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَوْل آخَر , وَهُوَ مَا : 13882 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : أُخْبِرْت عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّ اِبْن عَبَّاس , قَرَأَ " أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنُونِي صُدُورهمْ " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : تَثْنُونِي صُدُورهمْ : الشَّكّ فِي اللَّه وَعَمَل السَّيِّئَات . { يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } يَسْتَكْبِر , أَوْ يَسْتَكِنّ مِنْ اللَّه وَاَللَّه يَرَاهُ , { يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَ : " أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنُونِي صُدُورهمْ " قَالَ عِكْرِمَة : تَثْنُونِي صُدُورهمْ , قَالَ : الشَّكّ فِي اللَّه وَعَمَل السَّيِّئَات , فَيَسْتَغْشِي ثِيَابه وَيَسْتَكِنّ مِنْ اللَّه , وَاَللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهُوَ : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ } عَلَى مِثَال " يَفْعَلُونَ " , وَالصُّدُور نُصِبَ بِمَعْنَى : يَحْنُونَ صُدُورهمْ وَيُكَنُّونَهَا . كَمَا : 13883 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَثْنُونَ صُدُورهمْ } يَقُول : يُكَنُّونَ 13884 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ } يَقُول : يَكْتُمُونَ مَا فِي قُلُوبهمْ . { أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ يَعْلَم } مَا عَمِلُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار 13885 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورهمْ } يَقُول : تَثْنُونِي صُدُورهمْ وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ الضَّحَّاك عَلَى مَذْهَب قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس , إِلَّا أَنَّ الَّذِي حَدَّثَنَا هَكَذَا ذَكَرَ الْقِرَاءَة فِي الرِّوَايَة . فَإِذَا كَانَتْ الْقِرَاءَة الَّتِي ذَكَرْنَا أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . فَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ , تَأْوِيل مَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِاَللَّهِ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا تُضْمِرهُ نُفُوسهمْ أَوْ تَنَاجَوْهُ بَيْنهمْ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ , لِأَنَّ قَوْله : { لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ } بِمَعْنَى : لِيَسْتَخْفُوا مِنْ اللَّه , وَأَنَّ الْهَاء فِي قَوْله : { مِنْهُ } عَائِدَة عَلَى اِسْم اللَّه , وَلَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ ذِكْر قَبْل , فَيَجْعَل مِنْ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْ اللَّه . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتْ بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر اللَّه أَوْلَى . وَإِذَا صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُمْ لَمْ يُحَدِّثُوا أَنْفُسهمْ أَنَّهُمْ يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّه إِلَّا بِجَهْلِهِمْ بِهِ , فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سِرّ أُمُورهمْ وَعَلَانِيَتهَا عَلَى أَيّ حَال كَانُوا تَغَشَّوْا بِالثِّيَابِ أَوْ أَظْهَرُوا بِالْبَرَازِ , فَقَالَ : { أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } يَعْنِي : يَتَغَشَّوْنَ ثِيَابهمْ يَتَغَطَّوْنَهَا وَيَلْبَسُونَ , يُقَال مِنْهُ : اِسْتَغْشَى ثَوْبه وَتَغَشَّاهُ , قَالَ اللَّه : { وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابهمْ } 71 7 وَقَالَتْ الْخَنْسَاء : أَرْعَى النُّجُوم وَمَا كُلِّفْتُ رِعْيَتهَا وَتَارَة أَتَغَشَّى فَضْل أَطْمَارِي
{ يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَعْلَم مَا يُسِرّ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة بِرَبِّهِمْ , الظَّانُّونَ أَنَّ اللَّه يَخْفَى عَلَيْهِ مَا أَضْمَرَتْهُ صُدُورهمْ إِذَا حَنَوْهَا عَلَى مَا فِيهَا وَثَنَوْهُ , وَمَا تَنَاجَوْهُ بَيْنهمْ فَأَخْفَوْهُ { وَمَا يُعْلِنُونَ } سَوَاء عِنْده سَرَائِر عِبَاده وَعَلَانِيَتهمْ { إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه ذُو عِلْم بِكُلِّ مَا أَخْفَتْهُ صُدُور خَلْقه مِنْ إِيمَان وَكُفْر وَحَقّ وَبَاطِل وَخَيْر وَشَرّ , وَمَا تَسْتَجِنَّهُ مِمَّا لَمْ يَجْنِهِ بَعْد . كَمَا : 13886 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } يَقُول : يُغَطُّونَ رُءُوسهمْ قَالَ أَبُو جَعْفَر , فَاحْذَرُوا أَنْ يَطَّلِع عَلَيْكُمْ رَبّكُمْ وَأَنْتُمْ مُضْمِرُونَ فِي صُدُوركُمْ الشَّكّ فِي شَيْء مِنْ تَوْحِيده أَوْ أَمْره أَوْ نَهْيه , أَوْ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ الْإِيمَان بِهِ وَالتَّصْدِيق , فَتَهْلَكُوا بِاعْتِقَادِكُمْ ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم
{ يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَعْلَم مَا يُسِرّ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة بِرَبِّهِمْ , الظَّانُّونَ أَنَّ اللَّه يَخْفَى عَلَيْهِ مَا أَضْمَرَتْهُ صُدُورهمْ إِذَا حَنَوْهَا عَلَى مَا فِيهَا وَثَنَوْهُ , وَمَا تَنَاجَوْهُ بَيْنهمْ فَأَخْفَوْهُ { وَمَا يُعْلِنُونَ } سَوَاء عِنْده سَرَائِر عِبَاده وَعَلَانِيَتهمْ { إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه ذُو عِلْم بِكُلِّ مَا أَخْفَتْهُ صُدُور خَلْقه مِنْ إِيمَان وَكُفْر وَحَقّ وَبَاطِل وَخَيْر وَشَرّ , وَمَا تَسْتَجِنَّهُ مِمَّا لَمْ يَجْنِهِ بَعْد . كَمَا : 13886 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ } يَقُول : يُغَطُّونَ رُءُوسهمْ قَالَ أَبُو جَعْفَر , فَاحْذَرُوا أَنْ يَطَّلِع عَلَيْكُمْ رَبّكُمْ وَأَنْتُمْ مُضْمِرُونَ فِي صُدُوركُمْ الشَّكّ فِي شَيْء مِنْ تَوْحِيده أَوْ أَمْره أَوْ نَهْيه , أَوْ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ الْإِيمَان بِهِ وَالتَّصْدِيق , فَتَهْلَكُوا بِاعْتِقَادِكُمْ ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ↓
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { كُلّ فِي كِتَاب مُبِين } عَدَد كُلّ دَابَّة , وَمَبْلَغ أَرْزَاقهَا وَقَدْر قَرَارهَا فِي مُسْتَقَرّهَا , وَمُدَّة لُبْثهَا فِي مُسْتَوْدَعهَا , كُلّ ذَلِكَ فِي كِتَاب عِنْد اللَّه مُثْبَت مَكْتُوب مُبَيَّن , يُبَيِّن لِمَنْ قَرَأَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُثْبَت مَكْتُوب قَبْل أَنْ يَخْلُقهَا وَيُوجِدهَا . وَهَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ كَانُوا يَثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الْأَشْيَاء كُلّهَا , وَأَثْبَتَهَا فِي كِتَاب عِنْده قَبْل أَنْ يَخْلُقهَا وَيُوجِدهَا , يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْل أَنْ يُوجِدهُمْ , فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ نُفُوسهمْ إِذَا ثَنَوْا بِهِ صُدُورهمْ وَاسْتَغْشَوْا عَلَيْهِ ثِيَابهمْ ؟
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } وَمَا تَدِبّ دَابَّة فِي الْأَرْض . وَالدَّابَّة : الْفَاعِلَة مِنْ دَبَّ فَهُوَ يَدِبّ , وَهُوَ دَابّ , وَهِيَ دَابَّة . { إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } يَقُول : إِلَّا وَمِنْ اللَّه رِزْقهَا الَّذِي يَصِل إِلَيْهَا هُوَ بِهِ مُتَكَفِّل , وَذَلِكَ قُوتهَا وَغِذَاؤُهَا وَمَا بِهِ عَيْشهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13887 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } قَالَ : مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْق فَمِنْ اللَّه , وَرُبَّمَا لَمْ يَرْزُقهَا حَتَّى تَمُوت جُوعًا , وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ رِزْق فَمِنْ اللَّه 13888 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } قَالَ : كُلّ دَابَّة 13889 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } يَعْنِي : كُلّ دَابَّة وَالنَّاس مِنْهُمْ وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَزْعُم أَنَّ كُلّ مَاشٍ فَهُوَ دَابَّة , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَمَا دَابَّة فِي الْأَرْض , وَأَنَّ " مِنْ " زَائِدَة .
وَقَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا } حَيْثُ تَسْتَقِرّ فِيهِ , وَذَلِكَ مَأْوَاهَا الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا { وَمُسْتَوْدَعهَا } الْمَوْضِع الَّذِي يُودَعهَا , إِمَّا بِمَوْتِهَا فِيهِ أَوْ دَفْنهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13890 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن التَّيْمِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { مُسْتَقَرّهَا } حَيْثُ تَأْوِي , { وَمُسْتَوْدَعهَا } حَيْثُ تَمُوت حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا } يَقُول , حَيْثُ تَأْوِي , { وَمُسْتَوْدَعهَا } يَقُول , إِذَا مَاتَتْ حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } قَالَ , الْمُسْتَقَرّ : حَيْثُ تَأْوِي , وَالْمُسْتَوْدَع , حَيْثُ تَمُوت وَقَالَ آخَرُونَ : { مُسْتَقَرّهَا } فِي الرَّحِم , { وَمُسْتَوْدَعهَا } فِي الصُّلْب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13891 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا } فِي الرَّحِم , { وَمُسْتَوْدَعهَا } فِي الصُّلْب , مِثْل الَّتِي فِي الْأَنْعَام 13892 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } فَالْمُسْتَقَرّ : مَا كَانَ فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : مَا كَانَ فِي الصُّلْب 13893 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا } يَقُول : فِي الرَّحِم , { وَمُسْتَوْدَعهَا } فِي الصُّلْب وَقَالَ : آخَرُونَ : الْمُسْتَقَرّ : فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : حَيْثُ تَمُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13894 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي وَيَعْلَى بْن فُضَيْل , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } قَالَ : مُسْتَقَرّهَا : الْأَرْحَام , وَمُسْتَوْدَعهَا : الْأَرْض الَّتِي تَمُوت فِيهَا قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } الْمُسْتَقَرّ : الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع . الْمَكَان الَّذِي تَمُوت فِيهِ وَقَالَ آخَرُونَ { مُسْتَقَرّهَا } أَيَّام حَيَاتهَا { وَمُسْتَوْدَعهَا } حَيْثُ تَمُوت فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13895 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } قَالَ : مُسْتَقَرّهَا : أَيَّام حَيَاتهَا , وَمُسْتَوْدَعهَا : حَيْثُ تَمُوت وَمِنْ حَيْثُ تُبْعَث وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ فِيهِ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَا رُزِقَتْ الدَّوَابّ مِنْ رِزْق فَمِنْهُ , فَأَوْلَى أَنْ يَتْبَع ذَلِكَ أَنْ يَعْلَم مَثْوَاهَا وَمُسْتَقَرّهَا دُون الْخَبَر عَنْ عِلْمه بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَصْلَاب وَالْأَرْحَام .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } وَمَا تَدِبّ دَابَّة فِي الْأَرْض . وَالدَّابَّة : الْفَاعِلَة مِنْ دَبَّ فَهُوَ يَدِبّ , وَهُوَ دَابّ , وَهِيَ دَابَّة . { إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } يَقُول : إِلَّا وَمِنْ اللَّه رِزْقهَا الَّذِي يَصِل إِلَيْهَا هُوَ بِهِ مُتَكَفِّل , وَذَلِكَ قُوتهَا وَغِذَاؤُهَا وَمَا بِهِ عَيْشهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13887 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } قَالَ : مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْق فَمِنْ اللَّه , وَرُبَّمَا لَمْ يَرْزُقهَا حَتَّى تَمُوت جُوعًا , وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ رِزْق فَمِنْ اللَّه 13888 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } قَالَ : كُلّ دَابَّة 13889 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا } يَعْنِي : كُلّ دَابَّة وَالنَّاس مِنْهُمْ وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَزْعُم أَنَّ كُلّ مَاشٍ فَهُوَ دَابَّة , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَمَا دَابَّة فِي الْأَرْض , وَأَنَّ " مِنْ " زَائِدَة .
وَقَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا } حَيْثُ تَسْتَقِرّ فِيهِ , وَذَلِكَ مَأْوَاهَا الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا { وَمُسْتَوْدَعهَا } الْمَوْضِع الَّذِي يُودَعهَا , إِمَّا بِمَوْتِهَا فِيهِ أَوْ دَفْنهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13890 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن التَّيْمِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { مُسْتَقَرّهَا } حَيْثُ تَأْوِي , { وَمُسْتَوْدَعهَا } حَيْثُ تَمُوت حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا } يَقُول , حَيْثُ تَأْوِي , { وَمُسْتَوْدَعهَا } يَقُول , إِذَا مَاتَتْ حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } قَالَ , الْمُسْتَقَرّ : حَيْثُ تَأْوِي , وَالْمُسْتَوْدَع , حَيْثُ تَمُوت وَقَالَ آخَرُونَ : { مُسْتَقَرّهَا } فِي الرَّحِم , { وَمُسْتَوْدَعهَا } فِي الصُّلْب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13891 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا } فِي الرَّحِم , { وَمُسْتَوْدَعهَا } فِي الصُّلْب , مِثْل الَّتِي فِي الْأَنْعَام 13892 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } فَالْمُسْتَقَرّ : مَا كَانَ فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : مَا كَانَ فِي الصُّلْب 13893 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا } يَقُول : فِي الرَّحِم , { وَمُسْتَوْدَعهَا } فِي الصُّلْب وَقَالَ : آخَرُونَ : الْمُسْتَقَرّ : فِي الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع : حَيْثُ تَمُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13894 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي وَيَعْلَى بْن فُضَيْل , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } قَالَ : مُسْتَقَرّهَا : الْأَرْحَام , وَمُسْتَوْدَعهَا : الْأَرْض الَّتِي تَمُوت فِيهَا قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } الْمُسْتَقَرّ : الرَّحِم , وَالْمُسْتَوْدَع . الْمَكَان الَّذِي تَمُوت فِيهِ وَقَالَ آخَرُونَ { مُسْتَقَرّهَا } أَيَّام حَيَاتهَا { وَمُسْتَوْدَعهَا } حَيْثُ تَمُوت فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13895 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَوْله : { وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا } قَالَ : مُسْتَقَرّهَا : أَيَّام حَيَاتهَا , وَمُسْتَوْدَعهَا : حَيْثُ تَمُوت وَمِنْ حَيْثُ تُبْعَث وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ فِيهِ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَا رُزِقَتْ الدَّوَابّ مِنْ رِزْق فَمِنْهُ , فَأَوْلَى أَنْ يَتْبَع ذَلِكَ أَنْ يَعْلَم مَثْوَاهَا وَمُسْتَقَرّهَا دُون الْخَبَر عَنْ عِلْمه بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَصْلَاب وَالْأَرْحَام .
وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي إِلَيْهِ مَرْجِعكُمْ أَيّهَا النَّاس جَمِيعًا { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام } يَقُول : أَفَيَعْجِز مَنْ خَلَقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْر شَيْء أَنْ يُعِيدكُمْ أَحْيَاء بَعْد أَنْ يُمِيتكُمْ ؟ وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ فِي الْأَيَّام السِّتَّة , فَاجْتُزِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِع بِذِكْرِ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْ ذِكْر خَلْق مَا فِيهِنَّ . 13896 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ . أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة , عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع , مَوْلَى أُمّ سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي , فَقَالَ " خَلَقَ اللَّه التُّرْبَة يَوْم السَّبْت , وَخَلَقَ الْجِبَال فِيهَا يَوْم الْأَحَد , وَخَلَقَ الشَّجَر فِيهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ , وَخَلَقَ الْمَكْرُوه يَوْم الثُّلَاثَاء , وَخَلَقَ النُّور يَوْم الْأَرْبِعَاء , وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة يَوْم الْخَمِيس , وَخَلَقَ آدَم بَعْد الْعَصْر مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فِي آخِر الْخَلْق فِي آخِر سَاعَات الْجُمُعَة فِيمَا بَيْن الْعَصْر إِلَى اللَّيْل " 13897 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { فِي سِتَّة أَيَّام } قَالَ : بَدَأَ خَلْق الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ , وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا فِي يَوْمَيْنِ 13898 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ كَعْب , قَالَ : بَدَأَ اللَّه خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض يَوْم الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء مَكَان كُلّ يَوْم أَلْف سَنَة 13899 - وَحُدِّثْت عَنْ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام } قَالَ : مِنْ أَيَّام الْآخِرَة , كُلّ يَوْم مِقْدَاره أَلْف سَنَة , اِبْتَدَأَ فِي الْخَلْق يَوْم الْأَحَد , وَخَتَمَ الْخَلْق يَوْم الْجُمُعَة فَسُمِّيَتْ الْجُمُعَة , وَسَبَّتَ يَوْم السَّبْت فَلَمْ يَخْلُق شَيْئًا وَقَوْله : { وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } يَقُول : وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ كَمَا : 13900 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } قَبْل أَنْ يَخْلُق شَيْئًا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 13901 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } يُنَبِّئكُمْ رَبّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَيْفَ كَانَ بَدْء خَلْقه قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَوَات وَالْأَرْض حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة . { وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } قَالَ : هَذَا بَدْء خَلْقه قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاء وَالْأَرْض 13902 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء . عَنْ وَكِيع بْن حُدُس , عَنْ عَمّه أَبِي رَزِين الْعُقَيْلِيّ , قَالَ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَيْنَ كَانَ رَبّنَا قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ قَالَ : " فِي عَمَاء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْته هَوَاء , ثُمَّ خَلَقَ عَرْشه عَلَى الْمَاء " حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَمُحَمَّد بْن هَارُون الْقَطَّان الرَّازِقِيّ قَالَا : ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ وَكِيع بْن حُدُس , عَنْ عَمّه أَبِي رَزِين . قَالَ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَيْنَ كَانَ رَبّنَا قَبْل أَنْ يَخْلُق خَلْقه ؟ قَالَ : " كَانَ فِي عَمَاء مَا فَوْقه هَوَاء , وَمَا تَحْته هَوَاء , ثُمَّ خَلَقَ عَرْشه عَلَى الْمَاء " 13903 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ . أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَامِع بْن شَدَّاد , عَنْ صَفْوَان بْن مُحْرِز , عَنْ اِبْن حُصَيْن - وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَتَى قَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَدَخَلُوا عَلَيْهِ , فَجَعَلَ يُبَشِّرهُمْ وَيَقُولُونَ : أَعْطِنَا ! حَتَّى سَاءَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْده , وَجَاءَ قَوْم آخَرُونَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ , فَقَالُوا : جِئْنَا نُسَلِّم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَتَفَقَّه فِي الدِّين , وَنَسْأَلهُ عَنْ بَدْء هَذَا الْأَمْر , قَالَ : " فَاقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ خَرَجُوا ! " قَالُوا : قَبِلْنَا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَ اللَّه وَلَا شَيْء غَيْره , وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء , وَكَتَبَ فِي الذِّكْر قَبْل كُلّ شَيْء , ثُمَّ خَلَقَ سَبْع سَمَوَات " . ثُمَّ أَتَانِي آتٍ , فَقَالَ : تِلْكَ نَاقَتك قَدْ ذَهَبَتْ , فَخَرَجْت يَنْقَطِع دُونهَا السَّرَاب وَلَوَدِدْت أَنِّي تَرَكْتهَا 13904 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } قَالَ : كَانَ عَرْش اللَّه عَلَى الْمَاء ثُمَّ اِتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّة , ثُمَّ اِتَّخَذَ دُونهَا أُخْرَى , ثُمَّ أَطْبَقَهُمَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَة , قَالَ : { وَمِنْ دُونهمَا جَنَّتَانِ } 55 62 قَالَ : وَهِيَ الَّتِي { لَا تَعْلَم نَفْس } أَوْ قَالَ : وَهُمَا الَّتِي لَا تَعْلَم نَفْس { مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 32 17 . قَالَ : وَهِيَ الَّتِي لَا تَعْلَم الْخَلَائِق مَا فِيهَا أَوْ مَا فِيهِمَا يَأْتِيهِمْ كُلّ يَوْم مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا تُحْفَة 13905 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْل اللَّه : { وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } قَالَ : عَلَى أَيّ شَيْء كَانَ الْمَاء ؟ قَالَ : عَلَى مَتْن الرِّيح حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله تَعَالَى : { وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء } عَلَى أَيّ شَيْء كَانَ الْمَاء ؟ قَالَ : عَلَى مَتْن الرِّيح حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 13906 - قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا مُبَشِّر الْحَلَبِيّ , عَنْ أَرْطَاة بْن الْمُنْذِر , قَالَ : سَمِعْت ضَمْرَة يَقُول : إِنَّ اللَّه كَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء , وَخَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ , وَخَلَقَ الْقَلَم فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ خَالِق وَمَا هُوَ كَائِن مِنْ خَلْقه , ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَاب سَبَّحَ اللَّه وَمَجَّدَهُ أَلْف عَام قَبْل أَنْ يَخْلُق شَيْئًا مِنْ الْخَلْق 13907 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , قَالَ : سَمِعْت وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : إِنَّ الْعَرْش كَانَ قَبْل أَنْ يَخْلُق اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض , ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَة مِنْ صَفَاء الْمَاء , ثُمَّ فَتَحَ الْقَبْضَة فَارْتَفَعَ دُخَان , ثُمَّ قَضَاهُنَّ سَبْع سَمَوَات فِي يَوْمَيْنِ , ثُمَّ أَخَذَ طِينَة مِنْ الْمَاء فَوَضَعَهَا مَكَان الْبَيْت , ثُمَّ دَحَا الْأَرْض مِنْهَا , ثُمَّ خَلَقَ الْأَقْوَات فِي يَوْمَيْنِ وَالسَّمَوَات فِي يَوْمَيْنِ وَخَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ , ثُمَّ فَرَغَ مِنْ آخِر الْخَلْق يَوْم السَّابِع
وَقَوْله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَيّهَا النَّاس , وَخَلَقَكُمْ فِي سِتَّة أَيَّام , { لِيَبْلُوَكُمْ } يَقُول : لِيَخْتَبِركُمْ , { أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا } يَقُول : أَيّكُمْ أَحْسَن لَهُ طَاعَة كَمَا : 13908 - حَدَّثَنَا عَنْ دَاوُد بْن الْمُحَبَّر , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد , عَنْ كُلَيْب بْن وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا } قَالَ : " أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا , وَأَرْوَع عَنْ مَحَارِم اللَّه وَأَسْرَع فِي طَاعَة اللَّه " 13909 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا } يَعْنِي الثَّقَلَيْنِ
وَقَوْله : { وَلَئِنْ قُلْت إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد الْمَوْت لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَئِنْ قُلْت لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ أَحْيَاء مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ فَتَلَوْت عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ تَنْزِيلِي وَوَحْيِي , لَيَقُولُنَّ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين , أَيْ مَا هَذَا الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا مِمَّا تَقُول إِلَّا سِحْر لِسَامِعِهِ , مُبِين حَقِيقَته أَنَّهُ سِحْر . وَهَذَا عَلَى تَأْوِيل مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } , وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ : " إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِر مُبِين " فَإِنَّهُ يُوَجِّه الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ وَصَفُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ سَاحِر مُبِين . وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ فِي نَظَائِره فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَهُنَا .
وَقَوْله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَيّهَا النَّاس , وَخَلَقَكُمْ فِي سِتَّة أَيَّام , { لِيَبْلُوَكُمْ } يَقُول : لِيَخْتَبِركُمْ , { أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا } يَقُول : أَيّكُمْ أَحْسَن لَهُ طَاعَة كَمَا : 13908 - حَدَّثَنَا عَنْ دَاوُد بْن الْمُحَبَّر , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن زَيْد , عَنْ كُلَيْب بْن وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا } قَالَ : " أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا , وَأَرْوَع عَنْ مَحَارِم اللَّه وَأَسْرَع فِي طَاعَة اللَّه " 13909 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا } يَعْنِي الثَّقَلَيْنِ
وَقَوْله : { وَلَئِنْ قُلْت إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد الْمَوْت لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَئِنْ قُلْت لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ أَحْيَاء مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ فَتَلَوْت عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ تَنْزِيلِي وَوَحْيِي , لَيَقُولُنَّ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين , أَيْ مَا هَذَا الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا مِمَّا تَقُول إِلَّا سِحْر لِسَامِعِهِ , مُبِين حَقِيقَته أَنَّهُ سِحْر . وَهَذَا عَلَى تَأْوِيل مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } , وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ : " إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِر مُبِين " فَإِنَّهُ يُوَجِّه الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ وَصَفُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ سَاحِر مُبِين . وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ فِي نَظَائِره فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَهُنَا .
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إِلَى أُمَّة مَعْدُودَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد الْعَذَاب فَلَمْ نُعَجِّلهُ لَهُمْ , وَأَنْسَأْنَا فِي آجَالهمْ إِلَى أُمَّة مَعْدُودَة وَوَقْت مَحْدُود وَسِنِينَ مَعْلُومَة . وَأَصْل الْأُمَّة مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا أَنَّهَا الْجَمَاعَة مِنْ النَّاس تَجْتَمِع عَلَى مَذْهَب وَدِين , ثُمَّ تُسْتَعْمَل فِي مَعَانٍ كَثِيرَة تَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْأَصْل الَّذِي ذَكَرْت . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلسِّنِينَ الْمَعْدُودَة وَالْحِين فِي هَذَا الْمَوْضِع وَنَحْوه أُمَّة , لِأَنَّ فِيهَا تَكُون الْأُمَّة . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إِلَى مَجِيء أُمَّة وَانْقِرَاض أُخْرَى قَبْلهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْأُمَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع الْأَجَل وَالْحِين قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13910 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إِلَى أُمَّة مَعْدُودَة } قَالَ : إِلَى أَجَل مَحْدُود حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ اِبْن مَحْدُود . عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . 13911 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { إِلَى أُمَّة مَعْدُودَة } قَالَ : أَجَل مَعْدُود 13912 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : إِلَى أَجَل مَعْدُود 13913 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَى أُمَّة مَعْدُودَة } قَالَ : إِلَى حِين حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13914 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إِلَى أُمَّة مَعْدُودَة } يَقُول : أَمْسَكْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إِلَى أُمَّة مَعْدُودَة قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : إِلَى حِين حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إِلَى أُمَّة مَعْدُودَة } يَقُول : إِلَى أَجَل مَعْلُوم
وَقَوْله : { لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسهُ } يَقُول : لَيَقُولَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَا يَحْبِسهُ ؟ أَيّ شَيْء يَمْنَعهُ مِنْ تَعْجِيل الْعَذَاب الَّذِي يَتَوَعَّدنَا بِهِ ؟ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهِ , وَظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا أَخَّرَ عَنْهُمْ لِكَذِبِ الْمُتَوَعِّد كَمَا : 13915 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسهُ } قَالَ : لِلتَّكْذِيبِ بِهِ , أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ .
وَقَوْله : { أَلَا يَوْم يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره تَحْقِيقًا لِوَعِيدِهِ وَتَصْحِيحًا لِخَبَرِهِ : أَلَا يَوْم يَأْتِيهِمْ الْعَذَاب الَّذِي يَكْذِبُونَ بِهِ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ , يَقُول : لَيْسَ يَصْرِفهُ عَنْهُمْ صَارِف , وَلَا يَدْفَعهُ عَنْهُمْ دَافِع , وَلَكِنَّهُ يَحِلّ بِهِمْ فَيُهْلِكهُمْ . { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول : وَنَزَلَ بِهِمْ وَأَصَابَهُمْ الَّذِي كَانُوا بِهِ يَسْخَرُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه . وَكَانَ اِسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه قِيلهمْ قَبْل نُزُوله مَا يَحْبِسهُ نَقْلًا بِأَنْبِيَائِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يَقُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13916 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } قَالَ : مَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ مِنْ الْحَقّ
وَقَوْله : { لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسهُ } يَقُول : لَيَقُولَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَا يَحْبِسهُ ؟ أَيّ شَيْء يَمْنَعهُ مِنْ تَعْجِيل الْعَذَاب الَّذِي يَتَوَعَّدنَا بِهِ ؟ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهِ , وَظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا أَخَّرَ عَنْهُمْ لِكَذِبِ الْمُتَوَعِّد كَمَا : 13915 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسهُ } قَالَ : لِلتَّكْذِيبِ بِهِ , أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ .
وَقَوْله : { أَلَا يَوْم يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره تَحْقِيقًا لِوَعِيدِهِ وَتَصْحِيحًا لِخَبَرِهِ : أَلَا يَوْم يَأْتِيهِمْ الْعَذَاب الَّذِي يَكْذِبُونَ بِهِ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ , يَقُول : لَيْسَ يَصْرِفهُ عَنْهُمْ صَارِف , وَلَا يَدْفَعهُ عَنْهُمْ دَافِع , وَلَكِنَّهُ يَحِلّ بِهِمْ فَيُهْلِكهُمْ . { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول : وَنَزَلَ بِهِمْ وَأَصَابَهُمْ الَّذِي كَانُوا بِهِ يَسْخَرُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه . وَكَانَ اِسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه قِيلهمْ قَبْل نُزُوله مَا يَحْبِسهُ نَقْلًا بِأَنْبِيَائِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يَقُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13916 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } قَالَ : مَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ مِنْ الْحَقّ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان مِنَّا رَحْمَة ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوس كَفُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان مِنَّا رَخَاء وَسَعَة فِي الرِّزْق وَالْعَيْش , فَبَسَطْنَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا , وَهِيَ الرَّحْمَة الَّتِي ذَكَرَهَا تَعَالَى ذِكْره فِي هَذَا الْمَوْضِع , { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } يَقُول : ثُمَّ سَلَبْنَاهُ ذَلِكَ , فَأَصَابَتْهُ مَصَائِب أَجَاحَتْهُ فَذَهَبَتْ بِهِ , { إِنَّهُ لَيَئُوس كَفُور } يَقُول : يَظَلّ قَنِطًا مِنْ رَحْمَة اللَّه آيِسًا مِنْ الْخَيْر . وَقَوْله : " يَئُوس " : فَعُول , مِنْ قَوْل الْقَائِل : يَئِسَ فُلَان مِنْ كَذَا فَهُوَ يَئُوس , إِذَا كَانَ ذَلِكَ صِفَة لَهُ . وَقَوْله : " كَفُور " , يَقُول : هُوَ كَفُور لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ , قَلِيل الشُّكْر لِرَبِّهِ الْمُتَفَضِّل عَلَيْهِ بِمَا كَانَ وَهَبَ لَهُ مِنْ نِعْمَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13917 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان مِنَّا رَحْمَة ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوس كَفُور } قَالَ : يَا اِبْن آدَم إِذَا كَانَتْ بِك نِعْمَة مِنْ اللَّه مِنْ السَّعَة وَالْأَمْن وَالْعَافِيَة فَكَفُور لِمَا بِك مِنْهَا , وَإِذَا نُزِعَتْ مِنْك يَبْتَغِ لَك فَرَاغك فَيَئُوس مِنْ رَوْح اللَّه , قَنُوط مِنْ رَحْمَته , كَذَلِكَ الْمَرْء الْمُنَافِق وَالْكَافِر
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ نَحْنُ بَسَطْنَا لِلْإِنْسَانِ فِي دُنْيَاهُ , وَرَزَقْنَاهُ رَخَاء فِي عَيْشه , وَوَسَّعْنَا عَلَيْهِ فِي رِزْقه , وَذَلِكَ هِيَ النِّعَم الَّتِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء }
وَقَوْله : { بَعْد ضَرَّاء } يَقُول : بَعْد ضِيق مِنْ الْعَيْش كَانَ فِيهِ وَعُسْرَة كَانَ يُعَالِجهَا .
{ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَات عَنِّي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيَقُولَنَّ عِنْد ذَلِكَ : ذَهَبَ الضِّيق وَالْعُسْرَة عَنِّي , وَزَالَتْ الشَّدَائِد وَالْمَكَارِه .
{ إِنَّهُ لَفَرِح فَخُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الْإِنْسَان لَفَرِح بِالنِّعَمِ الَّتِي يُعْطَاهَا مَسْرُور بِهَا فَخُور , يَقُول : ذُو فَخْر بِمَا نَالَ مِنْ السَّعَة فِي الدُّنْيَا وَمَا بُسِطَ لَهُ فِيهَا مِنْ الْعَيْش , وَيَنْسَى صُرُوفهَا وَنَكَد الْعَوَائِص فِيهَا , وَيَدَع طَلَب النَّعِيم الَّذِي يَبْقَى وَالسُّرُور الَّذِي يَدُوم فَلَا يَزُول . 13918 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { ذَهَبَ السَّيِّئَات عَنِّي } غُرَّة بِاَللَّهِ وَجَرَاءَة عَلَيْهِ . { إِنَّهُ لَفَرِح } وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ , { فَخُور } بَعْد مَا أَعْطَى اللَّه , وَهُوَ لَا يَشْكُر اللَّه
وَقَوْله : { بَعْد ضَرَّاء } يَقُول : بَعْد ضِيق مِنْ الْعَيْش كَانَ فِيهِ وَعُسْرَة كَانَ يُعَالِجهَا .
{ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَات عَنِّي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيَقُولَنَّ عِنْد ذَلِكَ : ذَهَبَ الضِّيق وَالْعُسْرَة عَنِّي , وَزَالَتْ الشَّدَائِد وَالْمَكَارِه .
{ إِنَّهُ لَفَرِح فَخُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الْإِنْسَان لَفَرِح بِالنِّعَمِ الَّتِي يُعْطَاهَا مَسْرُور بِهَا فَخُور , يَقُول : ذُو فَخْر بِمَا نَالَ مِنْ السَّعَة فِي الدُّنْيَا وَمَا بُسِطَ لَهُ فِيهَا مِنْ الْعَيْش , وَيَنْسَى صُرُوفهَا وَنَكَد الْعَوَائِص فِيهَا , وَيَدَع طَلَب النَّعِيم الَّذِي يَبْقَى وَالسُّرُور الَّذِي يَدُوم فَلَا يَزُول . 13918 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { ذَهَبَ السَّيِّئَات عَنِّي } غُرَّة بِاَللَّهِ وَجَرَاءَة عَلَيْهِ . { إِنَّهُ لَفَرِح } وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ , { فَخُور } بَعْد مَا أَعْطَى اللَّه , وَهُوَ لَا يَشْكُر اللَّه
إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ↓
ثُمَّ اِسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ الْإِنْسَان الَّذِي وَصَفَهُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات . وَإِنَّمَا جَازَ اِسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِنْسَان بِمَعْنَى الْجِنْس وَمَعْنَى الْجَمْع , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { وَالْعَصْر إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , فَإِنَّهُمْ إِنْ تَأْتِهِمْ شِدَّة مِنْ الدُّنْيَا وَعُسْرَة فِيهَا لَمْ يُثْنِهِمْ ذَلِكَ عَنْ طَاعَة اللَّه , وَلَكِنَّهُمْ صَبَرُوا لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ , فَإِنْ نَالُوا فِيهَا رَخَاء وَسَعَة شَكَرُوهُ وَأَدَّوْا حُقُوقه بِمَا آتَاهُمْ مِنْهَا .
يَقُول اللَّه : { أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَة } يَغْفِرهَا لَهُمْ , وَلَا يَفْضَحهُمْ بِهَا فِي مَعَادهمْ . { وَأَجْر كَبِير } يَقُول : وَلَهُمْ مِنْ اللَّه مَعَ مَغْفِرَة ذُنُوبهمْ ثَوَاب عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة الَّتِي عَمِلُوهَا فِي دَار الدُّنْيَا جَزِيل , وَجَزَاء عَظِيم . 13919 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا عِنْد الْبَلَاء وَعَمِلُوا الصَّالِحَات عِنْد النِّعْمَة , لَهُمْ مَغْفِرَة لِذُنُوبِهِمْ , وَأَجْر كَبِير . قَالَ : الْجَنَّة
يَقُول اللَّه : { أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَة } يَغْفِرهَا لَهُمْ , وَلَا يَفْضَحهُمْ بِهَا فِي مَعَادهمْ . { وَأَجْر كَبِير } يَقُول : وَلَهُمْ مِنْ اللَّه مَعَ مَغْفِرَة ذُنُوبهمْ ثَوَاب عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة الَّتِي عَمِلُوهَا فِي دَار الدُّنْيَا جَزِيل , وَجَزَاء عَظِيم . 13919 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا عِنْد الْبَلَاء وَعَمِلُوا الصَّالِحَات عِنْد النِّعْمَة , لَهُمْ مَغْفِرَة لِذُنُوبِهِمْ , وَأَجْر كَبِير . قَالَ : الْجَنَّة
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَعَلَّك تَارِك بَعْض مَا يُوحَى إِلَيْك وَضَائِق بِهِ صَدْرك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَعَلَّك يَا مُحَمَّد تَارِك بَعْض مَا يُوحِي إِلَيْك رَبّك أَنْ تُبَلِّغهُ مِنْ أَمْرك بِتَبْلِيغِهِ ذَلِكَ , وَضَائِق بِمَا يُوحَى إِلَيْك صَدْرك فَلَا تُبَلِّغهُ إِيَّاهُمْ مَخَافَة { أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْز أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَك } لَهُ مُصَدِّق بِأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَبَلِّغْهُمْ مَا أَوْحَيْته إِلَيْك , فَإِنَّك { إِنَّمَا أَنْتَ نَذِير } تُنْذِرهُمْ عِقَابِي وَتُحَذِّرهُمْ بَأْسِي عَلَى كُفْرهمْ بِي , وَإِنَّمَا الْآيَات الَّتِي يَسْأَلُونَكهَا عِنْدِي وَفِي سُلْطَانِي أُنْزِلهَا إِذَا شِئْت , وَلَيْسَ عَلَيْك إِلَّا الْبَلَاغ وَالْإِنْذَار . { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل } يَقُول : وَاَللَّه الْقَيِّم بِكُلِّ شَيْء وَبِيَدِهِ تَدْبِيره , فَانْفُذْ لِمَا أَمَرْتُك بِهِ , وَلَا يَمْنَعك مَسْأَلَتهمْ إِيَّاكَ الْآيَات , مِنْ تَبْلِيغهمْ وَحْيِي وَالنُّفُوذ لِأَمْرِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13920 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : { فَلَعَلَّك تَارِك بَعْض مَا يُوحَى إِلَيْك } أَنْ تَفْعَل فِيهِ مَا أَمَرْت وَتَدْعُو إِلَيْهِ كَمَا أَرْسَلْت , قَالُوا : { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْز } لَا نَرَى مَعَهُ مَالًا , أَيْنَ الْمَال ؟ { أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَك } يُنْذِر مَعَهُ , { إِنَّمَا أَنْتَ نَذِير } فَبَلِّغْ مَا أُمِرْت
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله مُفْتَرَيَات وَادْعُوا مَنْ اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُون اللَّه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَاك حُجَّة عَلَى حَقِيقَة مَا أَتَيْتهمْ بِهِ وَدَلَالَة عَلَى صِحَّة نُبُوَّتك هَذَا الْقُرْآن مِنْ سَائِر الْآيَات غَيْره , إِذْ كَانَتْ الْآيَات إِنَّمَا تَكُون لِمَنْ أُعْطِيهَا دَلَالَة عَلَى صِدْقه , لِعَجْزِ جَمِيع الْخَلْق عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهَا , وَهَذَا الْقُرْآن جَمِيع الْخَلْق عَجَزَة عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ . فَإِنْ هُمْ قَالُوا : اِفْتَرَيْته : أَيْ اِخْتَلَقْته وَتَكَذَّبْته . وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام مَا ذَكَرْنَا قَوْله : { أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ } إِلَى آخِر الْآيَة . وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ } أَيْ أَيَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ - وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى سَبَب إِدْخَال الْعَرَب " أَمْ " فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع - فَقُلْ لَهُمْ : يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْل هَذَا الْقُرْآن مُفْتَرَيَات , يَعْنِي مُفْتَعَلَات مُخْتَلِفَات , إِنْ كَانَ مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآن مُفْتَرًى وَلَيْسَ بِآيَةٍ مُعْجِزَة كَسَائِرِ مَا سُئِلْته مِنْ الْآيَات , كَالْكَنْزِ الَّذِي قُلْتُمْ : هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ! أَوْ الْمَلَك الَّذِي قُلْتُمْ : هَلَّا جَاءَ مَعَهُ نَذِيرًا لَهُ مُصَدِّقًا ! فَإِنَّكُمْ قَوْمِي وَأَنْتُمْ مِنْ أَهْل لِسَانِي , وَأَنَا رَجُل مِنْكُمْ , وَمُحَال أَنْ أَقْدِر أَخْلُق وَحْدِي مِائَة سُورَة وَأَرْبَع عَشْرَة سُورَة , وَلَا تَقْدِرُوا بِأَجْمَعِكُمْ أَنْ تَفْتَرُوا وَتَخْتَلِفُوا عَشْر سُوَر مِثْلهَا , وَلَا سِيَّمَا إِذَا اِسْتَعَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْ شِئْتُمْ مِنْ الْخَلْق . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ لَهُمْ : وَادْعُوا مَنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْعُوهُمْ مِنْ دُون اللَّه , يَعْنِي سِوَى اللَّه , لِافْتِرَاءِ ذَلِكَ وَاخْتِلَاقه مِنْ الْآلِهَة , فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى أَنْ تَفْتَرُوا عَشْر سُوَر مِثْله , فَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّكُمْ كَذَبَة فِي قَوْلكُمْ اِفْتَرَاهُ , وَصَحَّتْ عِنْدكُمْ حَقِيقَة مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه , وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تَتَخَيَّرُوا الْآيَات عَلَى رَبّكُمْ , وَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ الْحُجَّة عَلَى حَقِيقَة مَا تَكْذِبُونَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه مِثْل الَّذِي تَسْأَلُونَ مِنْ الْحُجَّة وَتَرْغَبُونَ أَنَّكُمْ تُصَدِّقُونَ بِمَجِيئِهَا . وَقَوْله : { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } لِقَوْلِهِ : { فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله } وَإِنَّمَا هُوَ : قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله مُفْتَرَيَات إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآن اِفْتَرَاهُ مُحَمَّد , وَادْعُوا مَنْ اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُون اللَّه عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد . 13921 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ } قَدْ قَالُوهُ , { قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله مُفْتَرَيَات وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ } قَالَ : يَشْهَدُونَ أَنَّهَا مِثْله هَكَذَا قَالَ الْقَاسِم فِي حَدِيثه
فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه وَأَنْ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُه لِنَبِيِّهِ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكُمْ مَنْ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْل هَذَا الْقُرْآن مُفْتَرَيَات , وَلَمْ تُطِيقُوا أَنْتُمْ وَهُمْ أَنْ تَأْتُوا بِذَلِكَ , فَاعْلَمُوا وَأَيْقِنُوا أَنَّهُ إِنَّمَا أُنْزِلَ مِنْ السَّمَاء عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِلْمِ اللَّه وَإِذْنه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَفْتَرِهِ , وَلَا يَقْدِر أَنْ يَفْتَرِيه , { وَأَنْ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول : وَأَيْقِنُوا أَيْضًا أَنْ لَا مَعْبُود يَسْتَحِقّ الْأُلُوهَة عَلَى الْخَلْق إِلَّا اللَّه الَّذِي لَهُ الْخَلْق وَالْأَمْر , فَاخْلَعُوا الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة وَأَفْرِدُوا لَهُ الْعِبَادَة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَوْله : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ } خِطَاب مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ , كَأَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَك هَؤُلَاءِ الْكُفَّار يَا مُحَمَّد , فَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه . وَذَلِكَ تَأْوِيل بَعِيد مِنْ الْمَفْهُوم .
وَقَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } يَقُول : فَهَلْ أَنْتُمْ مُذْعِنُونَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , وَمُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَة بَعْد ثُبُوت الْحُجَّة عَلَيْكُمْ ؟ وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : عُنِيَ بِهَذَا الْقَوْل أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 13922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ : لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : وَحَدَّثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَأَنْ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ : لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقِيلَ : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ } وَالْخِطَاب فِي أَوَّل الْكَلَام قَدْ جَرَى لِوَاحِدٍ , وَذَلِكَ قَوْله : { قُلْ فَأْتُوا } وَلَمْ يَقُلْ : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَك عَلَى نَحْو مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِي خِطَاب رَئِيس الْقَوْم وَصَاحِب أَمْرهمْ , أَنَّ الْعَرَب تُخْرِج خِطَابه أَحْيَانًا مَخْرَج خِطَاب الْجَمْع إِذَا كَانَ خِطَابه خِطَاب الْأَتْبَاع وَجُنْده , وَأَحْيَانًا مَخْرَج خِطَاب الْوَاحِد إِذَا كَانَ فِي نَفْسه وَاحِدًا .
وَقَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } يَقُول : فَهَلْ أَنْتُمْ مُذْعِنُونَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , وَمُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَة بَعْد ثُبُوت الْحُجَّة عَلَيْكُمْ ؟ وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : عُنِيَ بِهَذَا الْقَوْل أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 13922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ : لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : وَحَدَّثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَأَنْ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ : لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقِيلَ : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ } وَالْخِطَاب فِي أَوَّل الْكَلَام قَدْ جَرَى لِوَاحِدٍ , وَذَلِكَ قَوْله : { قُلْ فَأْتُوا } وَلَمْ يَقُلْ : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَك عَلَى نَحْو مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِي خِطَاب رَئِيس الْقَوْم وَصَاحِب أَمْرهمْ , أَنَّ الْعَرَب تُخْرِج خِطَابه أَحْيَانًا مَخْرَج خِطَاب الْجَمْع إِذَا كَانَ خِطَابه خِطَاب الْأَتْبَاع وَجُنْده , وَأَحْيَانًا مَخْرَج خِطَاب الْوَاحِد إِذَا كَانَ فِي نَفْسه وَاحِدًا .
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { مَنْ كَانَ يُرِيد } بِعَمَلِهِ { الْحَيَاة الدُّنْيَا } وَأَثَاثهَا { وَزِينَتهَا } يَطْلُب بِهِ { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ } أُجُور { أَعْمَالهمْ فِيهَا } وَثَوَابهَا { وَهُمْ فِيهَا } يَقُول : وَهُمْ فِي الدُّنْيَا { لَا يُبْخَسُونَ } يَقُول : لَا يُنْقَصُونَ أَجْرهَا , وَلَكِنَّهُمْ يُوَفَّوْنَهُ فِيهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13923 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا } الْآيَة , وَهِيَ مَا يُعْطِيهِمْ اللَّه مِنْ الدُّنْيَا بِحَسَنَاتِهِمْ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا , يَقُول : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا اِلْتِمَاس الدُّنْيَا صَوْمًا أَوْ صَلَاة أَوْ تَهَجُّدًا بِاللَّيْلِ لَا يَعْمَلهُ إِلَّا لِالْتِمَاسِ الدُّنْيَا يَقُول اللَّه : أُوَفِّيه الَّذِي اِلْتَمَسَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْمَثَابَة , وَحَبِطَ عَمَله الَّذِي كَانَ يَعْمَل اِلْتِمَاس الدُّنْيَا , وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ 13924 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا } قَالَ : ثَوَاب مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْر أُعْطُوهُ فِي الدُّنْيَا , وَ { لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا } 13925 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا } قَالَ : وَرُبَّمَا عَمِلُوا مِنْ خَيْر أُعْطُوهُ فِي الدُّنْيَا , و { لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا } قَالَ : هِيَ مِثْل الْآيَة الَّتِي فِي الرُّوم : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } 30 39 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا } قَالَ : مَنْ عَمِلَ لِلدُّنْيَا وُفِّيَهُ فِي الدُّنْيَا 13926 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا } قَالَ : مَنْ عَمِلَ عَمَلًا مِمَّا أَمَرَ اللَّه بِهِ مِنْ صَلَاة أَوْ صَدَقَة لَا يُرِيد بِهَا وَجْه اللَّه أَعْطَاهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا ثَوَاب ذَلِكَ مِثْل مَا أَنْفَقَ , فَذَلِكَ قَوْله : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا } فِي الدُّنْيَا , { وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ } أَجْر مَا عَمِلُوا فِيهَا , { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا } الْآيَة 13927 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عِيسَى , يَعْنِي اِبْن مَيْمُون , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا } قَالَ : مِمَّنْ لَا يُقْبَل مِنْهُ جُوزِيَ بِهِ يُعْطَى ثَوَابه حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عِيسَى الْجُرْشِيّ , عَنْ مُجَاهِد : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا } قَالَ : مِمَّنْ لَا يُقْبَل مِنْهُ يُعَجَّل لَهُ فِي الدُّنْيَا 13928 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ } أَيْ لَا يُظْلَمُونَ . يَقُول : مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمّه وَسَدَمه وَطَلَبَته وَنِيَّته , جَازَاهُ اللَّه بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ يُفْضِي إِلَى الْآخِرَة وَلَيْسَ لَهُ حَسَنَة يُعْطَى بِهَا جَزَاء . وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُثَاب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة . { وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ } أَيْ فِي الْآخِرَة لَا يُظْلَمُونَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق جَمِيعًا , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا } الْآيَة , قَالَ : مَنْ كَانَ إِنَّمَا هِمَّته الدُّنْيَا إِيَّاهَا يَطْلُب أَعْطَاهُ اللَّه مَالًا وَأَعْطَاهُ فِيهَا مَا يَعِيش , وَكَانَ ذَلِكَ قِصَاصًا لَهُ بِعَمَلِهِ . { وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ } قَالَ : لَا يُظْلَمُونَ 13929 - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ لَيْث بْن أَبِي سَلَم , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَحْسَنَ مِنْ مُحْسِن فَقَدْ وَقَعَ أَجْره عَلَى اللَّه فِي عَاجِل الدُّنْيَا وَآجِل الْآخِرَة " 13930 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا } الْآيَة , يَقُول : مَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فِي غَيْر تَقْوَى - يَعْنِي مِنْ أَهْل الشِّرْك - أُعْطِيَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فِي الدُّنْيَا يَصِل رَحِمًا , يُعْطِي سَائِلًا , يَرْحَم مُضْطَرًّا فِي نَحْو هَذَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ , يُعَجِّل اللَّه لَهُ ثَوَاب عَمَله فِي الدُّنْيَا , وَيُوَسِّع عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَة وَالرِّزْق , وَيُقِرّ عَيْنه فِيمَا خَوَّلَهُ , وَيَدْفَع عَنْهُ مِنْ مَكَارِه الدُّنْيَا فِي نَحْو هَذَا , وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ نَصِيب 13931 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا حَفْص بْن عُمَر أَبُو عُمَر الضَّرِير , قَالَ : ثَنَا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس فِي قَوْله : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ } قَالَ : هِيَ فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى 13932 - قَالَ : ثَنَا حَفْص بْن عُمَر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ أَبِي رَجَاء الْأَزْدِيّ , عَنْ الْحَسَن : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا } قَالَ : طَيِّبَاتهمْ حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 13933 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ وَهْب أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : هُمْ أَهْل الرِّيَاء , هُمْ أَهْل الرِّيَاء 13934 - قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ حَيْوَة بْن شُرَيْح , قَالَ : ثني الْوَلِيد بْن أَبِي الْوَلِيد أَبُو عُثْمَان , أَنَّ عُقْبَة بْن مُسْلِم حَدَّثَهُ , أَنَّ شُفَيّ بْن مَاتِع الْأَصْبَحِيّ حَدَّثَهُ : أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَة , فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاس , فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا أَبُو هُرَيْرَة . فَدَنَوْت مِنْهُ حَتَّى قَعَدْت بَيْن يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّث النَّاس , فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَّا قُلْت : أَنْشُدك بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَّا حَدَّثْتنِي حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْته وَعَلِمْته ! قَالَ : فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : أَفْعَل , لَأُحَدِّثَنَّك حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! ثُمَّ نَشَغَ نَشْغَة , ثُمَّ أَفَاقَ , فَقَالَ : لَأُحَدِّثَنَّك حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْت مَا فِيهِ أَحَد غَيْرِي وَغَيْره ! ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَة نَشْغَة شَدِيدَة , ثُمَّ قَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهه , وَاشْتَدَّ بِهِ طَوِيلًا , ثُمَّ أَفَاقَ , فَقَالَ : حَدَّثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَزَلَ إِلَى أَهْل الْقِيَامَة لِيَقْضِيَ بَيْنهمْ وَكُلّ أُمَّة جَاثِيَة , فَأَوَّل مَنْ يُدْعَى بِهِ رَجُل جَمَعَ الْقُرْآن , وَرَجُل قُتِلَ فِي سَبِيل اللَّه , وَرَجُل كَثِير الْمَال , فَيَقُول اللَّه لِلْقَارِئِ : أَلَمْ أُعَلِّمك مَا أَنْزَلْت عَلَى رَسُولِي ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبّ ! قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْت فِيمَا عَلِمْت ؟ قَالَ : كُنْت أَقُوم آنَاء اللَّيْل وَآنَاء النَّهَار . فَيَقُول اللَّه لَهُ : كَذَبْت ! وَتَقُول لَهُ الْمَلَائِكَة : كَذَبْت ! وَيَقُول اللَّه لَهُ : بَلْ أَرَدْت أَنْ يُقَال : فُلَان قَارِئ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ . وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَال فَيَقُول اللَّه لَهُ : أَلَمْ أُوَسِّع عَلَيْك حَتَّى لَمْ أَدَعك تَحْتَاج إِلَى أَحَد ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبّ ! قَالَ : فَمَاذَا عَمِلْت فِيمَا آتَيْتُك ؟ قَالَ : كُنْت أَصِل الرَّحِم وَأَتَصَدَّق . فَيَقُول اللَّه لَهُ : كَذَبْت ! وَتَقُول الْمَلَائِكَة : كَذَبْت ! وَيَقُول اللَّه لَهُ : بَلْ أَرَدْت أَنْ يُقَال : فُلَان جَوَاد , فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ . وَيُؤْتَى بِاَلَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيل اللَّه , فَيُقَال لَهُ : فِيمَاذَا قُتِلْت ؟ فَيَقُول : أُمِرْت بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلك , فَقَاتَلْت حَتَّى قُتِلْت . فَيَقُول اللَّه لَهُ : كَذَبْت ! وَتَقُول لَهُ الْمَلَائِكَة : كَذَبْت ! وَيَقُول اللَّه لَهُ : بَلْ أَرَدْت أَنْ يُقَال : فُلَان جَرِيء , وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ " . ثُمَّ ضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي , فَقَالَ : " يَا أَبَا هُرَيْرَة أُولَئِكَ الثَّلَاثَة أَوَّل خَلْق اللَّه تُسَعَّر بِهِمْ النَّار يَوْم الْقِيَامَة " . قَالَ الْوَلِيد أَبُو عُثْمَان : فَأَخْبَرَنِي عُقْبَة أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَة , فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَان : وَحَدَّثَنِي الْعَلَاء بْن أَبِي حَكِيم أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَة , قَالَ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُل فَحَدَّثَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَقَدْ فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا , فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنْ النَّاس ؟ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَة بُكَاء شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَلَكَ , وَقُلْنَا : قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُل شَرّ . ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَة وَمَسَحَ عَنْ وَجْهه فَقَالَ : صَدَقَ اللَّه وَرَسُوله { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا } وَقَرَأَ إِلَى : { وَبَاطِل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ مُجَاهِد : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا } الْآيَة , قَالَ : مِمَّنْ لَا يُتَقَبَّل مِنْهُ , يَصُوم وَيُصَلِّي يُرِيد بِهِ الدُّنْيَا , وَيَدْفَع عَنْهُ وَهْم الْآخِرَة . { وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ } لَا يُنْقَصُونَ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْأَخِرَة إِلَّا النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْت أَنَّا نُوَفِّيهِمْ أُجُور أَعْمَالهمْ فِي الدُّنْيَا { لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار } يَصْلَوْنَهَا , { وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا } يَقُول : وَذَهَبَ مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا , { وَبَاطِل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ لِغَيْرِ اللَّه , فَأَبْطَلَهُ اللَّه وَأَحْبَطَ عَامِله أَجْره .
أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } قَدْ بُيِّنَ لَهُ دِينه فَتَبَيَّنَهُ , { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13935 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثَنَا حُسَيْن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا شَيْبَان , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عُرْوَة , عَنْ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة , قَالَ : قُلْت لِأَبِي : يَا أَبَت أَنْتَ التَّالِي فِي { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّه يَا بُنَيّ ! وَدِدْت أَنِّي كُنْت أَنَا هُوَ , وَلَكِنَّهُ لِسَانه 13936 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : لِسَانه 13937 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : لِسَانه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه أَبُو النُّعْمَان الْعِجْلِيّ , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثَنَا الْمُعَافَى بْن عِمْرَان , عَنْ قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 13938 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } وَهُوَ مُحَمَّد كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : لِسَانه 13939 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : لِسَانه هُوَ الشَّاهِد حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا غُنْدَر , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13940 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ سُلَيْمَان الْعَلَّاف , عَنْ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ فِي قَوْله : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : الشَّاهِد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا غُنْدَر , عَنْ عَوْف , قَالَ : ثني سُلَيْمَان الْعَلَّاف , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ قَالَ : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَوْف , عَنْ سُلَيْمَان الْعَلَّاف , سَمِعَ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } يَقُول : مُحَمَّد هُوَ الشَّاهِد مِنْ اللَّه 13941 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه , وَالْقُرْآن يَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ أَيْضًا مِنْ اللَّه بِأَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 13942 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } قَالَ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 13943 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ نَضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . 13944 - قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . 13945 - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا أَبُو خَالِد , سَمِعْت سُفْيَان يَقُول : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13946 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثَنَا رُزَيْق بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثَنَا صَبَّاح الْفَرَّاء , عَنْ جَابِر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى , قَالَ : قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا مِنْ رَجُل مِنْ قُرَيْش إِلَّا وَقَدْ نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَة وَالْآيَتَانِ . فَقَالَ لَهُ رَجُل : فَأَنْتَ فَأَيّ شَيْء نَزَلَ فِيك ؟ فَقَالَ عَلِيّ : أَمَا تَقْرَأ الْآيَة الَّتِي نَزَلَتْ فِي هُود { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ جِبْرَئِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13947 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } إِنَّهُ كَانَ يَقُول : جِبْرَائِيل 13948 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : جِبْرَائِيل وَحَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب مَرَّة أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِبْرَاهِيم , فَقَالَ : قَالَ يَقُولُونَ عَلِيّ , إِنَّمَا هُوَ جِبْرَئِيل 13949 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ جِبْرَئِيل , تَلَا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن , وَهُوَ الشَّاهِد مِنْ اللَّه حَدَّثَنَا اِبْن بِشْر , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْمُخَرِّمِيّ , قَالَ : ثَنَا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان . وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : جِبْرَائِيل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . قَالَ : ثَنَا سَهْل بْن يُوسُف , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . 13950 - قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : جِبْرَائِيل 13951 - قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : جِبْرَائِيل 13952 - قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : جِبْرَائِيل 13953 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } يَعْنِي مُحَمَّدًا هُوَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ اللَّه , { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } جِبْرَائِيل شَاهِد مِنْ اللَّه يَتْلُو عَلَى مُحَمَّد مَا بُعِثَ بِهِ 1354 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : هُوَ جِبْرَائِيل 13955 - قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ نَضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هُوَ جِبْرَائِيل قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : جِبْرَائِيل 13956 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } يَعْنِي مُحَمَّدًا عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه , { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } فَهُوَ جِبْرَائِيل شَاهِد مِنْ اللَّه بِاَلَّذِي يَتْلُو مِنْ كِتَاب اللَّه الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد , قَالَ : وَيُقَال : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } يَقُول : يَحْفَظهُ الْمَلَك الَّذِي مَعَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو النُّعْمَان عَارِم , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : كَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي قَوْله : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } قَالَ : يَعْنِي مُحَمَّدًا , { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : جِبْرَائِيل وَقَالَا آخَرُونَ : هُوَ مَلَك يَحْفَظهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13957 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : مَعَهُ حَافِظ مِنْ اللَّه مَلَك حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون , وَسُوَيْد بْن عَمْرو , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : مَلَك يَحْفَظهُ قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَمَّنْ سَمِعَ مُجَاهِدًا : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : الْمَلَك حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } يَتْبَعهُ حَافِظ مِنْ اللَّه مَلَك 13958 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : الْمَلَك يَحْفَظهُ : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } 2 121 قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اِتِّبَاعه حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَالَ : حَافِظ مِنْ اللَّه مَلَك وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ جِبْرَائِيل , لِدَلَالَةِ قَوْله : { وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة } عَلَى صِحَّة ذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْلُ قَبْل الْقُرْآن كِتَاب مُوسَى , فَيَكُون ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّة قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ لِسَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ مُحَمَّد نَفْسه , أَوْ عَلِيّ عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ عَلِيّ . وَلَا يُعْلَم أَنَّ أَحَدًا كَانَ تَلَا ذَلِكَ قَبْل الْقُرْآن أَوْ جَاءَ بِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَهْل التَّأْوِيل أَنَّهُ عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ } غَيْر جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلك عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِ جِبْرَائِيل , فَقَدْ يَجِب أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة فِي قَوْله : { وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى } بِالنَّصْبِ , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلْت يَجِب أَنْ يَكُون : وَيَتْلُو الْقُرْآن شَاهِد مِنْ اللَّه , وَمِنْ قَبْل الْقُرْآن كِتَاب مُوسَى ؟ قِيلَ : إِنَّ الْقُرَّاء فِي الْأَمْصَار قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى قِرَاءَة ذَلِكَ بِالرَّفْعِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ خِلَافهَا , وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَة جَاءَتْ فِي ذَلِكَ بِالنَّصْبِ كَانَتْ قِرَاءَة صَحِيحَة وَمَعْنًى صَحِيحًا . فَإِنْ قَالَ : فَمَا وَجْه رَفْعهمْ إِذَا الْكِتَاب عَلَى مَا اِدَّعَيْت مِنْ التَّأْوِيل ؟ قِيلَ : وَجْه رَفْعهمْ هَذَا أَنَّهُمْ اِبْتَدَءُوا الْخَبَر عَنْ مَجِيء كِتَاب مُوسَى قَبْل كِتَابنَا الْمُنَزَّل عَلَى مُحَمَّد , فَرَفَعُوهُ بِ " مِنْ " قَبْله , وَالْقِرَاءَة كَذَلِكَ , وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْت مِنْ مَعْنَى تِلَاوَة جِبْرَائِيل ذَلِكَ قَبْل الْقُرْآن , وَأَنَّ الْمُرَاد مِنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْخَبَر مُسْتَأْنَفًا عَلَى مَا وَصَفْت اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { إِمَامًا } فَإِنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْقَطْع مِنْ كِتَاب مُوسَى , وَقَوْله { وَرَحْمَة } عُطِفَ عَلَى " الْإِمَام " , كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى إِمَامًا لِبَنِي إِسْرَائِيل يَأْتَمُّونَ بِهِ , وَرَحْمَة مِنْ اللَّه تَلَاهُ عَلَى مُوسَى . كَمَا : 13959 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى } قَالَ : مِنْ قَبْله جَاءَ بِالْكِتَابِ إِلَى مُوسَى . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف قَدْ تُرِكَ ذِكْره اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ , وَهُوَ : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة } كَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَة مُتَرَدِّد , لَا يَهْتَدِي لِرُشْدٍ , وَلَا يَعْرِف حَقًّا مِنْ بَاطِل , وَلَا يَطْلُب بِعَمَلِهِ إِلَّا الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا ؟ وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { أَفَمَنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَر الْآخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } 39 9 وَالدَّلِيل عَلَى حَقِيقَة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ عَقِيب قَوْله : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا } الْآيَة , ثُمَّ قِيلَ : أَهَذَا خَيْر أَمَّنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه ؟ وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ كَثِيرًا إِذَا كَانَ فِيمَا ذَكَرَتْ دَلَالَة عَلَى مُرَادهَا عَلَى مَا حَذَفَتْ , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِر : فَأُقْسِم لَوْ شَيْء أَتَانَا رَسُوله سِوَاك وَلَكِنْ لَمْ نَجِد لَك مَدْفَعًا وَقَوْله : { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْت يُصَدِّقُونَ وَيُقِرُّونَ بِهِ إِنْ كَفَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا اِفْتَرَاهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّك وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَكْفُر بِهَذَا الْقُرْآن فَيَجْحَد أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْأَحْزَاب وَهُمْ الْمُتَحَزِّبَة عَلَى مِلَلهمْ فَالنَّار مَوْعِده , إِنَّهُ يَصِير إِلَيْهَا فِي الْآخِرَة بِتَكْذِيبِهِ يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ } يَقُول : فَلَا تَكُ فِي شَكّ مِنْهُ , مِنْ أَنَّ مَوْعِد مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ الْأَحْزَاب النَّار , وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مِنْ عِنْد اللَّه . ثُمَّ اِبْتَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَنْ الْقُرْآن , فَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد الْحَقّ مِنْ رَبّك لَا شَكّ فِيهِ , وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَكّ مِنْ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه , وَأَنَّهُ حَقّ , حَتَّى قِيلَ لَهُ : فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ ؟ قِيلَ : هَذَا نَظِير قَوْله : { فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك } 10 94 وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ هُنَالِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13960 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثَنَا أَيُّوب , قَالَ : نُبِّئْت أَنَّ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : مَا بَلَغَنِي حَدِيث عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهه إِلَّا وَجَدْت مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى , حَتَّى قَالَ " لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثُمَّ لَا يُؤْمِن بِمَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَّا دَخَلَ النَّار " . قَالَ سَعِيد : فَقُلْت أَيْنَ هَذَا فِي كِتَاب اللَّه ؟ حَتَّى أَتَيْت عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده } قَالَ : مِنْ أَهْل الْمِلَل كُلّهَا 13961 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْمُخَرِّمِيّ وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب } قَالَ : مِنْ الْمِلَل كُلّهَا حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثَنَا أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كُنْت لَا أَسْمَع بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهه , إِلَّا وَجَدْت مِصْدَاقه - أَوْ قَالَ تَصْدِيقه - فِي الْقُرْآن , فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثُمَّ لَا يُؤْمِن بِمَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَّا دَخَلَ النَّار " فَجَعَلْت أَقُول : أَيْنَ مِصْدَاقهَا ؟ حَتَّى أَتَيْت عَلَى هَذَا : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } إِلَى قَوْله : { فَالنَّار مَوْعِده } قَالَ : فَالْأَحْزَاب : الْمِلَل كُلّهَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : ثني أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَحَد يَسْمَع بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ فَلَا يُؤْمِن بِي إِلَّا دَخَلَ النَّار " فَجَعَلْت أَقُول : أَيْنَ مِصْدَاقهَا فِي كِتَاب اللَّه ؟ قَالَ : وَقَلَّمَا سَمِعْت حَدِيثًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَجَدْت لَهُ تَصْدِيقًا فِي الْقُرْآن , حَتَّى وَجَدْت هَذِهِ الْآيَات : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده } الْمِلَل كُلّهَا 13962 - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده } قَالَ : الْكُفَّار أَحْزَاب كُلّهمْ عَلَى الْكُفْر 13963 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِنْ الْأَحْزَاب مَنْ يُنْكِر بَعْضه } 13 36 أَيْ يَكْفُر بِبَعْضِهِ , وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثُمَّ يَمُوت قَبْل أَنْ يُؤْمِن بِي , إِلَّا دَخَلَ النَّار " 13964 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا يُوسُف بْن عَدِيّ النَّضْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ سَمِعَ بِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ , فَلَمْ يُؤْمِن بِي لَمْ يَدْخُل الْجَنَّة "
وَأَمَّا قَوْله : { إِمَامًا } فَإِنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْقَطْع مِنْ كِتَاب مُوسَى , وَقَوْله { وَرَحْمَة } عُطِفَ عَلَى " الْإِمَام " , كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى إِمَامًا لِبَنِي إِسْرَائِيل يَأْتَمُّونَ بِهِ , وَرَحْمَة مِنْ اللَّه تَلَاهُ عَلَى مُوسَى . كَمَا : 13959 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى } قَالَ : مِنْ قَبْله جَاءَ بِالْكِتَابِ إِلَى مُوسَى . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف قَدْ تُرِكَ ذِكْره اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ , وَهُوَ : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة } كَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَة مُتَرَدِّد , لَا يَهْتَدِي لِرُشْدٍ , وَلَا يَعْرِف حَقًّا مِنْ بَاطِل , وَلَا يَطْلُب بِعَمَلِهِ إِلَّا الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا ؟ وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { أَفَمَنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَر الْآخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } 39 9 وَالدَّلِيل عَلَى حَقِيقَة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ عَقِيب قَوْله : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا } الْآيَة , ثُمَّ قِيلَ : أَهَذَا خَيْر أَمَّنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه ؟ وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ كَثِيرًا إِذَا كَانَ فِيمَا ذَكَرَتْ دَلَالَة عَلَى مُرَادهَا عَلَى مَا حَذَفَتْ , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِر : فَأُقْسِم لَوْ شَيْء أَتَانَا رَسُوله سِوَاك وَلَكِنْ لَمْ نَجِد لَك مَدْفَعًا وَقَوْله : { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْت يُصَدِّقُونَ وَيُقِرُّونَ بِهِ إِنْ كَفَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا اِفْتَرَاهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّك وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَكْفُر بِهَذَا الْقُرْآن فَيَجْحَد أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْأَحْزَاب وَهُمْ الْمُتَحَزِّبَة عَلَى مِلَلهمْ فَالنَّار مَوْعِده , إِنَّهُ يَصِير إِلَيْهَا فِي الْآخِرَة بِتَكْذِيبِهِ يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ } يَقُول : فَلَا تَكُ فِي شَكّ مِنْهُ , مِنْ أَنَّ مَوْعِد مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ الْأَحْزَاب النَّار , وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مِنْ عِنْد اللَّه . ثُمَّ اِبْتَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَنْ الْقُرْآن , فَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد الْحَقّ مِنْ رَبّك لَا شَكّ فِيهِ , وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَكّ مِنْ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه , وَأَنَّهُ حَقّ , حَتَّى قِيلَ لَهُ : فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ ؟ قِيلَ : هَذَا نَظِير قَوْله : { فَإِنْ كُنْت فِي شَكّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك } 10 94 وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ هُنَالِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13960 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثَنَا أَيُّوب , قَالَ : نُبِّئْت أَنَّ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : مَا بَلَغَنِي حَدِيث عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهه إِلَّا وَجَدْت مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى , حَتَّى قَالَ " لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثُمَّ لَا يُؤْمِن بِمَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَّا دَخَلَ النَّار " . قَالَ سَعِيد : فَقُلْت أَيْنَ هَذَا فِي كِتَاب اللَّه ؟ حَتَّى أَتَيْت عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنْ قَبْله كِتَاب مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده } قَالَ : مِنْ أَهْل الْمِلَل كُلّهَا 13961 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْمُخَرِّمِيّ وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب } قَالَ : مِنْ الْمِلَل كُلّهَا حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثَنَا أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كُنْت لَا أَسْمَع بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهه , إِلَّا وَجَدْت مِصْدَاقه - أَوْ قَالَ تَصْدِيقه - فِي الْقُرْآن , فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثُمَّ لَا يُؤْمِن بِمَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَّا دَخَلَ النَّار " فَجَعَلْت أَقُول : أَيْنَ مِصْدَاقهَا ؟ حَتَّى أَتَيْت عَلَى هَذَا : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه } إِلَى قَوْله : { فَالنَّار مَوْعِده } قَالَ : فَالْأَحْزَاب : الْمِلَل كُلّهَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : ثني أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَحَد يَسْمَع بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ فَلَا يُؤْمِن بِي إِلَّا دَخَلَ النَّار " فَجَعَلْت أَقُول : أَيْنَ مِصْدَاقهَا فِي كِتَاب اللَّه ؟ قَالَ : وَقَلَّمَا سَمِعْت حَدِيثًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَجَدْت لَهُ تَصْدِيقًا فِي الْقُرْآن , حَتَّى وَجَدْت هَذِهِ الْآيَات : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده } الْمِلَل كُلّهَا 13962 - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده } قَالَ : الْكُفَّار أَحْزَاب كُلّهمْ عَلَى الْكُفْر 13963 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِنْ الْأَحْزَاب مَنْ يُنْكِر بَعْضه } 13 36 أَيْ يَكْفُر بِبَعْضِهِ , وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثُمَّ يَمُوت قَبْل أَنْ يُؤْمِن بِي , إِلَّا دَخَلَ النَّار " 13964 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا يُوسُف بْن عَدِيّ النَّضْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ سَمِعَ بِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ , فَلَمْ يُؤْمِن بِي لَمْ يَدْخُل الْجَنَّة "
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَيّ النَّاس أَشَدّ تَعْذِيبًا مِمَّنْ اِخْتَلَقَ عَلَى اللَّه كَذِبًا فَكَذَبَ عَلَيْهِ أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبّهمْ , وَيَقُول الْأَشْهَاد : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَكْذِبُونَ عَلَى رَبّهمْ يُعْرَضُونَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَبّهمْ , فَيَسْأَلهُمْ عَمَّا كَانُوا فِي دَار الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ . كَمَا : 13965 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَوْله : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا } قَالَ : الْكَافِر وَالْمُنَافِق { أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبّهمْ } فَيَسْأَلهُمْ عَنْ أَعْمَالهمْ .
وَقَوْله : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالْأَنْبِيَاء الَّذِينَ شَهِدُوهُمْ وَحَفِظُوا عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ , وَهُمْ جَمْع شَاهِد مِثْل الْأَصْحَاب الَّذِي هُوَ جَمْع صَاحِب , { هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ } يَقُول : شَهِدَ هَؤُلَاءِ الْأَشْهَاد فِي الْآخِرَة عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه فِي الدُّنْيَا , فَيَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى رَبّهمْ . يَقُول اللَّه : { أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ } يَقُول : أَلَا غَضَب اللَّه عَلَى الْمُعْتَدِينَ . الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْله { وَيَقُول الْأَشْهَاد } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13966 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا نُمَيْر بْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } قَالَ : الْمَلَائِكَة حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمَلَائِكَة 13967 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } وَالْأَشْهَاد : الْمَلَائِكَة , يَشْهَدُونَ عَلَى بَنِي آدَم بِأَعْمَالِهِمْ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { الْأَشْهَاد } قَالَ : الْخَلَائِق , أَوْ قَالَ : الْمَلَائِكَة حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , بِنَحْوِهِ . 13968 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } الَّذِينَ كَانَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالهمْ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا { هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ } حَفِظُوهُ وَشَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : الْأَشْهَاد : الْمَلَائِكَة 13969 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سَأَلْت الْأَعْمَش , عَنْ قَوْله : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } قَالَ : الْمَلَائِكَة 13970 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } يَعْنِي الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , وَهُوَ قَوْله : { وَيَوْم نَبْعَث فِي كُلّ أُمَّة شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسهمْ وَجِئْنَا بِك شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ } 16 89 قَالَ : وَقَوْله : { وَيَقُول الْأَشْهَاد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ } يَقُولُونَ : يَا رَبّنَا أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ فَكَذَّبُوا , فَنَحْنُ نَشْهَد عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَيْك يَا رَبّنَا 13971 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد وَهِشَام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ صَفْوَان بْن مُحْرِز الْمَازِنِيّ , قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ بِالْبَيْتِ مَعَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَهُوَ يَطُوف , إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُل فَقَالَ : يَا اِبْن عُمَر مَا سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي النَّجْوَى ؟ فَقَالَ : سَمِعْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " يَدْنُو الْمُؤْمِن مِنْ رَبّه حَتَّى يَضَع عَلَيْهِ كَنَفه فَيُقْرِرْهُ بِذُنُوبِهِ , فَيَقُول : هَلْ تَعْرِف كَذَا ؟ فَيَقُول : رَبّ أَعْرِف . مَرَّتَيْنِ . حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَبْلُغ قَالَ : فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتهَا عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرهَا لَك الْيَوْم ! " قَالَ : " فَيُعْطَى صَحِيفَة حَسَنَاته أَوْ كِتَابه بِيَمِينِهِ . وَأَمَّا الْكُفَّار وَالْمُنَافِقُونَ , فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد : أَلَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ " . حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثَنَا هِشَام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ صَفْوَان بْن مُحْرِز , عَنْ اِبْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 13972 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّهُ لَا يُخْزَى يَوْمئِذٍ أَحَد فَيَخْفَى خِزْيه عَلَى أَحَد مِمَّنْ خَلَقَ اللَّه أَوْ الْخَلَائِق
وَقَوْله : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالْأَنْبِيَاء الَّذِينَ شَهِدُوهُمْ وَحَفِظُوا عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ , وَهُمْ جَمْع شَاهِد مِثْل الْأَصْحَاب الَّذِي هُوَ جَمْع صَاحِب , { هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ } يَقُول : شَهِدَ هَؤُلَاءِ الْأَشْهَاد فِي الْآخِرَة عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه فِي الدُّنْيَا , فَيَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى رَبّهمْ . يَقُول اللَّه : { أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ } يَقُول : أَلَا غَضَب اللَّه عَلَى الْمُعْتَدِينَ . الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْله { وَيَقُول الْأَشْهَاد } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13966 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا نُمَيْر بْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } قَالَ : الْمَلَائِكَة حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمَلَائِكَة 13967 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } وَالْأَشْهَاد : الْمَلَائِكَة , يَشْهَدُونَ عَلَى بَنِي آدَم بِأَعْمَالِهِمْ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { الْأَشْهَاد } قَالَ : الْخَلَائِق , أَوْ قَالَ : الْمَلَائِكَة حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , بِنَحْوِهِ . 13968 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } الَّذِينَ كَانَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالهمْ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا { هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ } حَفِظُوهُ وَشَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : الْأَشْهَاد : الْمَلَائِكَة 13969 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سَأَلْت الْأَعْمَش , عَنْ قَوْله : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } قَالَ : الْمَلَائِكَة 13970 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَيَقُول الْأَشْهَاد } يَعْنِي الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , وَهُوَ قَوْله : { وَيَوْم نَبْعَث فِي كُلّ أُمَّة شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسهمْ وَجِئْنَا بِك شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ } 16 89 قَالَ : وَقَوْله : { وَيَقُول الْأَشْهَاد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ } يَقُولُونَ : يَا رَبّنَا أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ فَكَذَّبُوا , فَنَحْنُ نَشْهَد عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَيْك يَا رَبّنَا 13971 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد وَهِشَام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ صَفْوَان بْن مُحْرِز الْمَازِنِيّ , قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ بِالْبَيْتِ مَعَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَهُوَ يَطُوف , إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُل فَقَالَ : يَا اِبْن عُمَر مَا سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي النَّجْوَى ؟ فَقَالَ : سَمِعْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " يَدْنُو الْمُؤْمِن مِنْ رَبّه حَتَّى يَضَع عَلَيْهِ كَنَفه فَيُقْرِرْهُ بِذُنُوبِهِ , فَيَقُول : هَلْ تَعْرِف كَذَا ؟ فَيَقُول : رَبّ أَعْرِف . مَرَّتَيْنِ . حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَبْلُغ قَالَ : فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتهَا عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرهَا لَك الْيَوْم ! " قَالَ : " فَيُعْطَى صَحِيفَة حَسَنَاته أَوْ كِتَابه بِيَمِينِهِ . وَأَمَّا الْكُفَّار وَالْمُنَافِقُونَ , فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد : أَلَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ " . حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثَنَا هِشَام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ صَفْوَان بْن مُحْرِز , عَنْ اِبْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 13972 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّهُ لَا يُخْزَى يَوْمئِذٍ أَحَد فَيَخْفَى خِزْيه عَلَى أَحَد مِمَّنْ خَلَقَ اللَّه أَوْ الْخَلَائِق
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْأَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ النَّاس , عَنْ الْإِيمَان بِهِ وَالْإِقْرَار لَهُ بِالْعُبُودَةِ وَإِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ دُون الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش , وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَفْتِنُونَ عَنْ الْإِسْلَام مَنْ دَخَلَ فِيهِ . { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } يَقُول : وَيَلْتَمِسُونَ سَبِيل اللَّه وَهُوَ الْإِسْلَام الَّذِي دَعَا النَّاس إِلَيْهِ مُحَمَّد , يَقُول : زَيْغًا وَمَيْلًا عَنْ الِاسْتِقَامَة . { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } يَقُول : وَهُمْ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات مَعَ صَدّهمْ عَنْ سَبِيل اللَّه وَبَغْيهمْ إِيَّاهَا عِوَجًا كَافِرُونَ , يَقُول : هُمْ جَاحِدُونَ ذَلِكَ مُنْكِرُونَ .
أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض } عِ يَعْنِي جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بِاَلَّذِينَ يُعْجِزُونَ رَبّهمْ بِهَرَبِهِمْ مِنْهُ فِي الْأَرْض إِذَا أَرَادَ عِقَابهمْ وَالِانْتِقَام مِنْهُمْ , وَلَكِنَّهُمْ فِي قَبْضَته وَمُلْكه , لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُمْ وَلَا يَفُوتُونَهُ هَرَبًا إِذَا طَلَبَهُمْ .
{ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَوْلِيَاء } يَقُول : وَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَرَادَ عِقَابهمْ مِنْ دُون اللَّه أَنْصَار يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ اللَّه وَيَحُولُونَ بَيْنهمْ وَبَيْنه إِذَا هُوَ عَذَّبَهُمْ , وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَنَعَة يَمْتَنِعُونَ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَهُمْ مِنْ النَّاس بِسُوءٍ .
وَقَوْله : { يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُزَاد فِي عَذَابهمْ , فَيُجْعَل لَهُمْ مَكَان الْوَاحِد اِثْنَانِ .
وَقَوْله : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ وَصَفَ اللَّه بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَدْ خَتَمَ عَلَى سَمْعهمْ وَأَبْصَارهمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ الْحَقّ , وَلَا يُبْصِرُونَ حُجَج اللَّه سَمَاع مُنْتَفِع وَلَا إِبْصَار مُهْتَدٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13973 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } صُمّ عَنْ الْحَقّ فَمَا يَسْمَعُونَهُ , بُكْم فَمَا يَنْطِقُونَ بِهِ , عُمْي فَلَا يُبْصِرُونَهُ , وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ 13974 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } قَالَ : مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا خَبَرًا فَيَنْتَفِعُوا بِهِ , وَلَا يُبْصِرُوا خَيْرًا فَيَأْخُذُوا بِهِ 13975 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُ حَالَ بَيْن أَهْل الشِّرْك وَبَيْن طَاعَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَالَ : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع } وَهِيَ طَاعَته , { وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُ قَالَ : { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَة } 68 42 : 43 وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَوْلِيَاء } آلِهَة الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه . وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : أُولَئِكَ وَآلِهَتهمْ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض , { يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } يَعْنِي الْآلِهَة أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَمْع وَلَا بَصَر . هَذَا قَوْل رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ وَجْه كَرِهْت ذِكْره لِضَعْفِ سَنَده . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَلَا يَسْمَعُونَهُ , وَبِمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ وَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَج اللَّه بِأَعْيُنِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا بِهَا . قَالُوا : وَالْبَاء كَانَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَدْخُل , لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ : { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } 2 10 بِكَذِبِهِمْ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ التَّنْزِيل أُدْخِلَتْ فِيهِ الْبَاء , وَسُقُوطهَا جَائِز فِي الْكَلَام كَقَوْلِك فِي الْكَلَام : لَاحِن بِمَا فِيك مَا عَلِمْت وَبِمَا عَلِمْت , وَهَذَا قَوْل قَالَهُ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة , مِنْ أَنَّ اللَّه وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا الْحَقّ سَمَاع مُنْتَفِع , وَلَا يُبْصِرُونَهُ إِبْصَار مُهْتَدٍ , لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْكُفْرِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ , عَنْ اِسْتِعْمَال جَوَارِحهمْ فِي طَاعَة اللَّه , وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ أَسْمَاع وَأَبْصَار .
{ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَوْلِيَاء } يَقُول : وَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَرَادَ عِقَابهمْ مِنْ دُون اللَّه أَنْصَار يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ اللَّه وَيَحُولُونَ بَيْنهمْ وَبَيْنه إِذَا هُوَ عَذَّبَهُمْ , وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَنَعَة يَمْتَنِعُونَ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَهُمْ مِنْ النَّاس بِسُوءٍ .
وَقَوْله : { يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُزَاد فِي عَذَابهمْ , فَيُجْعَل لَهُمْ مَكَان الْوَاحِد اِثْنَانِ .
وَقَوْله : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ وَصَفَ اللَّه بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَدْ خَتَمَ عَلَى سَمْعهمْ وَأَبْصَارهمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ الْحَقّ , وَلَا يُبْصِرُونَ حُجَج اللَّه سَمَاع مُنْتَفِع وَلَا إِبْصَار مُهْتَدٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13973 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } صُمّ عَنْ الْحَقّ فَمَا يَسْمَعُونَهُ , بُكْم فَمَا يَنْطِقُونَ بِهِ , عُمْي فَلَا يُبْصِرُونَهُ , وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ 13974 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } قَالَ : مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا خَبَرًا فَيَنْتَفِعُوا بِهِ , وَلَا يُبْصِرُوا خَيْرًا فَيَأْخُذُوا بِهِ 13975 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُ حَالَ بَيْن أَهْل الشِّرْك وَبَيْن طَاعَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَالَ : { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع } وَهِيَ طَاعَته , { وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُ قَالَ : { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَة } 68 42 : 43 وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَوْلِيَاء } آلِهَة الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه . وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : أُولَئِكَ وَآلِهَتهمْ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض , { يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } يَعْنِي الْآلِهَة أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَمْع وَلَا بَصَر . هَذَا قَوْل رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ وَجْه كَرِهْت ذِكْره لِضَعْفِ سَنَده . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع وَلَا يَسْمَعُونَهُ , وَبِمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ وَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَج اللَّه بِأَعْيُنِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا بِهَا . قَالُوا : وَالْبَاء كَانَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَدْخُل , لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ : { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } 2 10 بِكَذِبِهِمْ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ التَّنْزِيل أُدْخِلَتْ فِيهِ الْبَاء , وَسُقُوطهَا جَائِز فِي الْكَلَام كَقَوْلِك فِي الْكَلَام : لَاحِن بِمَا فِيك مَا عَلِمْت وَبِمَا عَلِمْت , وَهَذَا قَوْل قَالَهُ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة , مِنْ أَنَّ اللَّه وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا الْحَقّ سَمَاع مُنْتَفِع , وَلَا يُبْصِرُونَهُ إِبْصَار مُهْتَدٍ , لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْكُفْرِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ , عَنْ اِسْتِعْمَال جَوَارِحهمْ فِي طَاعَة اللَّه , وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ أَسْمَاع وَأَبْصَار .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ , هُمْ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ رَحْمَة اللَّه .
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } وَبَطَلَ كَذِبهمْ وَإِفْكهمْ وَفِرْيَتهمْ عَلَى اللَّه بِادِّعَائِهِمْ لَهُ شُرَكَاء , فَسَلَكَ مَا كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَهًا مِنْ دُون اللَّه غَيْر مَسْلَكهمْ , وَأَخَذَ طَرِيقًا غَيْر طَرِيقهمْ , فَضَلَّ عَنْهُمْ , لِأَنَّهُ سَلَكَ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّم , وَصَارَتْ آلَتهمْ عَدَمًا لَا شَيْء , لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا حِجَارَة أَوْ خَشَبًا أَوْ نُحَاسًا , أَوْ كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا , فَسَلَكَ بِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ أَيْضًا غَيْر مَسْلَكهمْ , وَذَلِكَ أَيْضًا ضَلَال عَنْهُمْ .
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } وَبَطَلَ كَذِبهمْ وَإِفْكهمْ وَفِرْيَتهمْ عَلَى اللَّه بِادِّعَائِهِمْ لَهُ شُرَكَاء , فَسَلَكَ مَا كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَهًا مِنْ دُون اللَّه غَيْر مَسْلَكهمْ , وَأَخَذَ طَرِيقًا غَيْر طَرِيقهمْ , فَضَلَّ عَنْهُمْ , لِأَنَّهُ سَلَكَ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّم , وَصَارَتْ آلَتهمْ عَدَمًا لَا شَيْء , لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا حِجَارَة أَوْ خَشَبًا أَوْ نُحَاسًا , أَوْ كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا , فَسَلَكَ بِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ أَيْضًا غَيْر مَسْلَكهمْ , وَذَلِكَ أَيْضًا ضَلَال عَنْهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْأَخِرَة هُمْ الْأَخْسَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَقًّا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ فِي الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة هُمْ الْأَخْسَرُونَ , الَّذِينَ قَدْ بَاعُوا مَنَازِلهمْ مِنْ الْجِنَان بِمَنَازِل أَهْل الْجَنَّة مِنْ النَّار , وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَان الْمُبِين . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلهمْ , جَرَمْت : كَسَبْت الذَّنْب وَأَجْرَمْته , أَنَّ الْعَرَب كَثُرَ اِسْتِعْمَالهَا إِيَّاهُ فِي مَوَاضِع الْأَيْمَان , وَفِي مَوَاضِع " لَا بُدّ " كَقَوْلِهِمْ : لَا جَرَم أَنَّك ذَاهِب , بِمَعْنَى : لَا بُدّ , حَتَّى اِسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِع التَّحْقِيق فَقَالُوا : لَا جَرَم لَيَقُومَنَّ , بِمَعْنَى : حَقًّا لَيَقُومَنَّ , فَمَعْنَى الْكَلَام : لَا مَنْع عَنْ أَنَّهُمْ , وَلَا صَدّ عَنْ أَنَّهُمْ .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله وَعَمِلُوا فِي الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللَّه وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبّهمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْإِخْبَات , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَنَابُوا إِلَى رَبّهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبّهمْ } قَالَ : الْإِخْبَات : الْإِنَابَة 13977 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبّهمْ } يَقُول : وَأَنَابُوا إِلَى رَبّهمْ وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَخَافُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13978 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبّهمْ } يَقُول : خَافُوا وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : اِطْمَأَنُّوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13979 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبّهمْ } قَالَ : اِطْمَأَنُّوا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : خَشَعُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13980 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبّهمْ } الْإِخْبَات : التَّخَشُّع وَالتَّوَاضُع قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة الْمَعَانِي وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهَا , لِأَنَّ الْإِنَابَة إِلَى اللَّه مِنْ خَوْف اللَّه , وَمِنْ الْخُشُوع وَالتَّوَاضُع لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , وَالطُّمَأْنِينَة إِلَيْهِ مِنْ الْخُشُوع لَهُ , غَيْر أَنَّ نَفْس الْإِخْبَات عِنْد الْعَرَب الْخُشُوع وَالتَّوَاضُع . وَقَالَ : { إِلَى رَبّهمْ } وَمَعْنَاهُ : أَخْبَتُوا لِرَبِّهِمْ , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَضَع اللَّام مَوْضِع " إِلَى " و " إِلَى " مَوْضِع اللَّام كَثِيرًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا } 99 5 بِمَعْنَى : أَوْحَى إِلَيْهَا . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّهُمْ وُصِفُوا بِأَنَّهُمْ عَمَدُوا بِإِخْبَاتِهِمْ إِلَى اللَّه .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ هُمْ سُكَّان الْجَنَّة الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهَا وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا , وَلَكِنَّهُمْ فِيهَا لَابِثُونَ إِلَى غَيْر نِهَايَة .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ هُمْ سُكَّان الْجَنَّة الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهَا وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا , وَلَكِنَّهُمْ فِيهَا لَابِثُونَ إِلَى غَيْر نِهَايَة .
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَثَل الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَثَل فَرِيقَيْ الْكُفْر وَالْإِيمَان كَمَثَلِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا , وَالْأَصَمّ الَّذِي لَا يَسْمَع شَيْئًا , فَكَذَلِكَ فَرِيق الْكُفْر لَا يُبْصِر الْحَقّ فَيَتَّبِعهُ وَيَعْمَل بِهِ , لِشُغْلِهِ بِكُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَغَلَبَة خِذْلَان اللَّه عَلَيْهِ , لَا يَسْمَع دَاعِي اللَّه إِلَى الرَّشَاد فَيُجِيبهُ إِلَى الْهُدَى فَيَهْتَدِي بِهِ , فَهُوَ مُقِيم فِي ضَلَالَته , يَتَرَدَّد فِي حِيرَته . وَالسَّمِيع وَالْبَصِير , فَكَذَلِكَ فَرِيق الْإِيمَان أَبْصَرَ حُجَج اللَّه , وَأَقَرَّ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَالْبَرَاءَة مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد وَنُبُوَّة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام وَسَمِعَ دَاعِي اللَّه فَأَجَابَهُ وَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه . كَمَا : 13981 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { مَثَل الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع } قَالَ : الْأَعْمَى وَالْأَصَمّ : الْكَافِر , وَالْبَصِير وَالسَّمِيع : الْمُؤْمِن 13982 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مَثَل الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع } الْفَرِيقَانِ الْكَافِرَانِ , وَالْمُؤْمِنَانِ , فَأَمَّا الْأَعْمَى وَالْأَصَمّ فَالْكَافِرَانِ , وَأَمَّا الْبَصِير وَالسَّمِيع فَهُمَا الْمُؤْمِنَانِ 13983 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مَثَل الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع } الْآيَة , هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه الْكَافِر وَالْمُؤْمِن , فَأَمَّا الْكَافِر فَصُمَّ عَنْ الْحَقّ , فَلَا يَسْمَعهُ , وَعَمِيَ عَنْهُ فَلَا يُبْصِرهُ . وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَسَمِعَ الْحَقّ فَانْتَفَعَ بِهِ وَأَبْصَرَهُ فَوَعَاهُ وَحَفِظَهُ وَعَمِلَ بِهِ يَقُول تَعَالَى : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } يَقُول : هَلْ يَسْتَوِي هَذَانِ الْفَرِيقَانِ عَلَى اِخْتِلَاف حَالَتَيْهِمَا فِي أَنْفُسهمَا عِنْدكُمْ أَيّهَا النَّاس ؟ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدكُمْ , فَكَذَلِكَ حَال الْكَافِر وَالْمُؤْمِن لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْد اللَّه . { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَيّهَا النَّاس وَتَتَفَكَّرُونَ , فَتَعْلَمُوا حَقِيقَة اِخْتِلَاف أَمْرَيْهِمَا , فَتَنْزَجِرُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَال إِلَى الْهُدَى وَمِنْ الْكُفْر إِلَى الْإِيمَان ؟ فَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع فِي اللَّفْظ أَرْبَعَة , وَفِي الْمَعْنَى اِثْنَانِ , وَلِذَلِكَ قِيلَ : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } وَقِيلَ : كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ , وَالْمَعْنَى : كَالْأَعْمَى الْأَصَمّ , وَكَذَلِكَ قِيلَ وَالْبَصِير وَالسَّمِيع , وَالْمَعْنَى : الْبَصِير السَّمِيع , كَقَوْلِ الْقَائِل : قَامَ الظَّرِيف وَالْعَاقِل , وَهُوَ يَنْعَت بِذَلِكَ شَخْصًا وَاحِدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه إِنِّي لَكُمْ نَذِير مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه إِنِّي لَكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { نَذِير } مِنْ اللَّه أُنْذِركُمْ بَأْسه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ , فَآمِنُوا بِهِ وَأَطِيعُوا أَمْره . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مُبِين } يُبَيِّن لَكُمْ عَمَّا أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِنِّي } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَبَعْض الْمَدَنِيِّينَ بِكَسْرِ " إِنَّ " عَلَى وَجْه الِابْتِدَاء , إِذْ كَانَ فِي الْإِرْسَال مَعْنَى الْقَوْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة بِفَتْحِ " أَنَّ " عَلَى إِعْمَال الْإِرْسَال فِيهَا , كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْدهمْ : لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه بِأَنِّي لَكُمْ نَذِير مُبِين . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنْ يُقَال إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ كَانَ مُصِيبًا لِلصَّوَابِ فِي ذَلِكَ .
وَقَوْله : { أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه } فَمَنْ كَسَرَ الْأَلِف فِي قَوْله : { إِنِّي } جَعَلَ قَوْله : { أَرْسَلْنَا } عَامِلًا فِي " أَنْ " الَّتِي فِي قَوْله : { أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه } وَيَصِير الْمَعْنَى حِينَئِذٍ : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه , أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه , وَقُلْ لَهُمْ { إِنِّي لَكُمْ نَذِير مُبِين } وَمَنْ فَتَحَهَا , رَدَّ " أَنْ " فِي قَوْله : { أَنْ لَا تَعْبُدُوا } عَلَيْهَا , فَيَكُون الْمَعْنَى حِينَئِذٍ : لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه بِأَنِّي لَكُمْ نَذِير مُبِين , بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه أَيّهَا النَّاس , عِبَادَة الْآلِهَة وَالْأَوْثَان وَإِشْرَاكهَا فِي عِبَادَته , وَأَفْرِدُوا اللَّه بِالتَّوْحِيدِ وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة , فَإِنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ فِي خَلْقه .
وَقَوْله : { إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم أَلِيم } يَقُول : إِنِّي أَيّهَا الْقَوْم إِنْ لَمْ تَخُصُّوا اللَّه بِالْعِبَادَةِ وَتُفْرِدُوهُ بِالتَّوْحِيدِ وَتَخْلَعُوا مَا دُونه مِنْ الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان , أَخَاف عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّه عَذَاب يَوْم مُؤْلِم عِقَابه وَعَذَابه لِمَنْ عُذِّبَ فِيهِ . وَجَعَلَ الْأَلِيم مِنْ صِفَة الْيَوْم وَهُوَ مِنْ صِفَة الْعَذَاب , إِذْ كَانَ الْعَذَاب فِيهِ كَمَا قِيلَ : { وَجَعَلَ اللَّيْل سَكَنًا } وَإِنَّمَا السَّكَن مِنْ صِفَة مَا سُكِنَ فِيهِ دُون اللَّيْل .
وَقَوْله : { إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم أَلِيم } يَقُول : إِنِّي أَيّهَا الْقَوْم إِنْ لَمْ تَخُصُّوا اللَّه بِالْعِبَادَةِ وَتُفْرِدُوهُ بِالتَّوْحِيدِ وَتَخْلَعُوا مَا دُونه مِنْ الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان , أَخَاف عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّه عَذَاب يَوْم مُؤْلِم عِقَابه وَعَذَابه لِمَنْ عُذِّبَ فِيهِ . وَجَعَلَ الْأَلِيم مِنْ صِفَة الْيَوْم وَهُوَ مِنْ صِفَة الْعَذَاب , إِذْ كَانَ الْعَذَاب فِيهِ كَمَا قِيلَ : { وَجَعَلَ اللَّيْل سَكَنًا } وَإِنَّمَا السَّكَن مِنْ صِفَة مَا سُكِنَ فِيهِ دُون اللَّيْل .
فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَالَ الْكُبَرَاء مِنْ قَوْم نُوح وَأَشْرَافهمْ , وَهُمْ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَجَحَدُوا نُبُوَّة نَبِيّهمْ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام
{ مَا نَرَاك } يَا نُوح
{ إِلَّا بَشَرًا مِثْلنَا } يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ آدَمِيّ مِثْلهمْ فِي الْخَلْق وَالصُّورَة وَالْجِنْس , كَأَنَّهُمْ كَانُوا مُنْكِرِينَ أَنْ يَكُون اللَّه يُرْسِل مِنْ الْبَشَر رَسُولًا إِلَى خَلْقه .
وَقَوْله : { وَمَا نَرَاك اِتَّبَعَك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا بَادِيَ الرَّأْي } يَقُول : وَمَا نَرَاك اِتَّبَعَك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ سَفَلَتنَا مِنْ النَّاس دُون الْكُبَرَاء وَالْأَشْرَاف فِيمَا يُرَى وَيَظْهَر لَنَا . وَقَوْله : { بَادِيَ الرَّأْي } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْعِرَاق : { بَادِيَ الرَّأْي } بِغَيْرِ هَمْز " الْبَادِي " وَبِهَمْزِ " الرَّأْي " , بِمَعْنَى : ظَاهِر الرَّأْي , مِنْ قَوْلهمْ : بَدَا الشَّيْء يَبْدُو : إِذَا ظَهَرَ , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : أَضْحَى لِخَالِي شَبَهِي بَادِي بَدِيْ وَصَارَ لِلْفَحْلِ لِسَانِي وَيَدِي " بَادِي بَدِيْ " بِغَيْرِ هَمْز . وَقَالَ آخَر : وَقَدْ عَلَتْنِي ذُرْأَة بَادِي بَدِي وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة : " بَادِئ الرَّأْي " مَهْمُوز أَيْضًا , بِمَعْنَى : مُبْتَدَأ الرَّأْي , مِنْ قَوْلهمْ : بَدَأْت بِهَذَا الْأَمْر : إِذَا اِبْتَدَأْت بِهِ قَبْل غَيْره . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { بَادِي } بِغَيْرِ هَمْز " الْبَادِي " , وَبِهَمْزِ " الرَّأْي " , لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلَام : إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا فِي ظَاهِر الرَّأْي وَفِيمَا يَظْهَر لَنَا .
وَقَوْله : { وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل } يَقُول : وَمَا نَتَبَيَّن لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل نِلْتُمُوهُ بِمُخَالَفَتِكُمْ إِيَّانَا فِي عِبَادَة الْأَوْثَان إِلَى عِبَادَة اللَّه وَإِخْلَاص الْعُبُودَة لَهُ , فَنَتَّبِعكُمْ طَلَب ذَلِكَ الْفَضْل وَابْتِغَاء مَا أَصَبْتُمُوهُ بِخِلَافِكُمْ إِيَّانَا ,
{ بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ } وَهَذَا خِطَاب مِنْهُمْ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَذَّبُوا نُوحًا دُون أَتْبَاعه , لِأَنَّ أَتْبَاعه لَمْ يَكُونُوا رُسُلًا . وَأُخْرِجَ الْخِطَاب وَهُوَ وَاحِد مَخْرَج خِطَاب الْجَمِيع , كَمَا قِيلَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء } وَتَأْوِيل الْكَلَام : بَلْ نَظُنّك يَا نُوح فِي دَعْوَاك أَنَّ اللَّه اِبْتَعَثَك إِلَيْنَا رَسُولًا كَاذِبًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله { بَادِي الرَّأْي } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13984 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا نَرَاك اِتَّبَعَك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا بَادِيَ الرَّأْي } قَالَ : فِيمَا ظَهَرَ لَنَا
{ مَا نَرَاك } يَا نُوح
{ إِلَّا بَشَرًا مِثْلنَا } يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ آدَمِيّ مِثْلهمْ فِي الْخَلْق وَالصُّورَة وَالْجِنْس , كَأَنَّهُمْ كَانُوا مُنْكِرِينَ أَنْ يَكُون اللَّه يُرْسِل مِنْ الْبَشَر رَسُولًا إِلَى خَلْقه .
وَقَوْله : { وَمَا نَرَاك اِتَّبَعَك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا بَادِيَ الرَّأْي } يَقُول : وَمَا نَرَاك اِتَّبَعَك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ سَفَلَتنَا مِنْ النَّاس دُون الْكُبَرَاء وَالْأَشْرَاف فِيمَا يُرَى وَيَظْهَر لَنَا . وَقَوْله : { بَادِيَ الرَّأْي } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْعِرَاق : { بَادِيَ الرَّأْي } بِغَيْرِ هَمْز " الْبَادِي " وَبِهَمْزِ " الرَّأْي " , بِمَعْنَى : ظَاهِر الرَّأْي , مِنْ قَوْلهمْ : بَدَا الشَّيْء يَبْدُو : إِذَا ظَهَرَ , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : أَضْحَى لِخَالِي شَبَهِي بَادِي بَدِيْ وَصَارَ لِلْفَحْلِ لِسَانِي وَيَدِي " بَادِي بَدِيْ " بِغَيْرِ هَمْز . وَقَالَ آخَر : وَقَدْ عَلَتْنِي ذُرْأَة بَادِي بَدِي وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة : " بَادِئ الرَّأْي " مَهْمُوز أَيْضًا , بِمَعْنَى : مُبْتَدَأ الرَّأْي , مِنْ قَوْلهمْ : بَدَأْت بِهَذَا الْأَمْر : إِذَا اِبْتَدَأْت بِهِ قَبْل غَيْره . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { بَادِي } بِغَيْرِ هَمْز " الْبَادِي " , وَبِهَمْزِ " الرَّأْي " , لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلَام : إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا فِي ظَاهِر الرَّأْي وَفِيمَا يَظْهَر لَنَا .
وَقَوْله : { وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل } يَقُول : وَمَا نَتَبَيَّن لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل نِلْتُمُوهُ بِمُخَالَفَتِكُمْ إِيَّانَا فِي عِبَادَة الْأَوْثَان إِلَى عِبَادَة اللَّه وَإِخْلَاص الْعُبُودَة لَهُ , فَنَتَّبِعكُمْ طَلَب ذَلِكَ الْفَضْل وَابْتِغَاء مَا أَصَبْتُمُوهُ بِخِلَافِكُمْ إِيَّانَا ,
{ بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ } وَهَذَا خِطَاب مِنْهُمْ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَذَّبُوا نُوحًا دُون أَتْبَاعه , لِأَنَّ أَتْبَاعه لَمْ يَكُونُوا رُسُلًا . وَأُخْرِجَ الْخِطَاب وَهُوَ وَاحِد مَخْرَج خِطَاب الْجَمِيع , كَمَا قِيلَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء } وَتَأْوِيل الْكَلَام : بَلْ نَظُنّك يَا نُوح فِي دَعْوَاك أَنَّ اللَّه اِبْتَعَثَك إِلَيْنَا رَسُولًا كَاذِبًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله { بَادِي الرَّأْي } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13984 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا نَرَاك اِتَّبَعَك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا بَادِيَ الرَّأْي } قَالَ : فِيمَا ظَهَرَ لَنَا
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل نُوح لِقَوْمِهِ إِذْ كَذَّبُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ النَّصِيحَة : { يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي } عَلَى عِلْم وَمَعْرِفَة وَبَيَان مِنْ اللَّه لِي مَا يَلْزَمنِي لَهُ , وَيَجِب عَلَيَّ مِنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ وَتَرْك إِشْرَاك الْأَوْثَان مَعَهُ فِيهَا .
{ وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْده } يَقُول : وَرَزَقَنِي مِنْهُ التَّوْفِيق وَالنُّبُوَّة وَالْحِكْمَة , فَآمَنْت بِهِ وَأَطَعْته فِيمَا أَمَرَنِي وَنَهَانِي . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة وَالْكُوفَة : " فَعَمِيَتْ " بِفَتْحِ الْعَيْن وَتَخْفِيف الْمِيم , بِمَعْنَى : فَعُمِّيَتْ الرَّحْمَة عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَهْتَدُوا لَهَا فَتُقِرُّوا بِهَا وَتُصَدِّقُوا رَسُولكُمْ عَلَيْهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } بِضَمِّ الْعَيْن وَتَشْدِيد الْمِيم , اِعْتِبَارًا مِنْهُمْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ عَبْد اللَّه , وَذَلِكَ أَنَّهُمَا فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَعَمَّاهَا عَلَيْكُمْ " . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } بِضَمِّ الْعَيْن وَتَشْدِيد الْمِيم لِلَّذِي ذَكَرُوا مِنْ الْعِلَّة لِمَنْ قَرَأَ بِهِ , وَلِقُرْبِهِ مِنْ قَوْله : { أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْده } فَأَضَافَ الرَّحْمَة إِلَى اللَّه , فَكَذَلِكَ تَعْمِيَته عَلَى الْآخَرِينَ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ أَوْلَى . وَهَذِهِ الْكَلِمَة مِمَّا حَوَّلَتْ الْعَرَب الْفِعْل عَنْ مَوْضِعه , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَان هُوَ الَّذِي يَعْمَى عَنْ إِبْصَار الْحَقّ , إِذْ يَعْمَى عَنْ إِبْصَاره , وَالْحَقّ لَا يُوصَف بِالْعَمَى إِلَّا عَلَى الِاسْتِعْمَال الَّذِي قَدْ جَرَى بِهِ الْكَلَام , وَهُوَ فِي جَوَازه لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَب إِيَّاهُ نَظِير قَوْلهمْ : دَخَلَ الْخَاتَم فِي يَدِي , وَالْخُفّ فِي رِجْلِي , وَمَعْلُوم أَنَّ الرِّجْل هِيَ الَّتِي تَدْخُل فِي الْخُفّ , وَالْأُصْبُع فِي الْخَاتَم , وَلَكِنَّهُمْ اِسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا الْمُرَاد فِيهِ .
وَقَوْله : { أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } يَقُول : أَنَأْخُذُكُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام وَقَدْ عَمَّاهُ اللَّه عَلَيْكُمْ , { لَهَا كَارِهُونَ } يَقُول : وَأَنْتُمْ لإلزامِنَاكُمُوها كَارِهُونَ , يَقُول : لَا نَفْعَل ذَلِكَ , وَلَكِنْ نَكِل أَمْركُمْ إِلَى اللَّه حَتَّى يَكُون هُوَ الَّذِي يَقْضِي فِي أَمْركُمْ مَا يَرَى وَيَشَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13985 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ نُوح : { يَا قَوْم إِنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي } قَالَ : قَدْ عَرَفْتهَا وَعَرَفْت بِهَا أَمْره وَأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , { وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْده } الْإِسْلَام وَالْهُدَى وَالْإِيمَان وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة 13986 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي } الْآيَة , أَمَا وَاَللَّه لَوْ اِسْتَطَاعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَلْزَمَهَا قَوْمه , وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْلِكهُ 13987 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ دَاوُد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : فِي قِرَاءَة أَبِي : " أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْر أَنْفُسنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ " 13988 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن دِينَار قَالَ : قَرَأَ اِبْن عَبَّاس : " أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْر أَنْفُسنَا " قَالَ عَبْد اللَّه : مِنْ شَطْر أَنْفُسنَا : مِنْ تِلْقَاء أَنْفُسنَا حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْر قُلُوبنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
{ وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْده } يَقُول : وَرَزَقَنِي مِنْهُ التَّوْفِيق وَالنُّبُوَّة وَالْحِكْمَة , فَآمَنْت بِهِ وَأَطَعْته فِيمَا أَمَرَنِي وَنَهَانِي . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة وَالْكُوفَة : " فَعَمِيَتْ " بِفَتْحِ الْعَيْن وَتَخْفِيف الْمِيم , بِمَعْنَى : فَعُمِّيَتْ الرَّحْمَة عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَهْتَدُوا لَهَا فَتُقِرُّوا بِهَا وَتُصَدِّقُوا رَسُولكُمْ عَلَيْهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } بِضَمِّ الْعَيْن وَتَشْدِيد الْمِيم , اِعْتِبَارًا مِنْهُمْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ عَبْد اللَّه , وَذَلِكَ أَنَّهُمَا فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَعَمَّاهَا عَلَيْكُمْ " . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } بِضَمِّ الْعَيْن وَتَشْدِيد الْمِيم لِلَّذِي ذَكَرُوا مِنْ الْعِلَّة لِمَنْ قَرَأَ بِهِ , وَلِقُرْبِهِ مِنْ قَوْله : { أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْده } فَأَضَافَ الرَّحْمَة إِلَى اللَّه , فَكَذَلِكَ تَعْمِيَته عَلَى الْآخَرِينَ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ أَوْلَى . وَهَذِهِ الْكَلِمَة مِمَّا حَوَّلَتْ الْعَرَب الْفِعْل عَنْ مَوْضِعه , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَان هُوَ الَّذِي يَعْمَى عَنْ إِبْصَار الْحَقّ , إِذْ يَعْمَى عَنْ إِبْصَاره , وَالْحَقّ لَا يُوصَف بِالْعَمَى إِلَّا عَلَى الِاسْتِعْمَال الَّذِي قَدْ جَرَى بِهِ الْكَلَام , وَهُوَ فِي جَوَازه لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَب إِيَّاهُ نَظِير قَوْلهمْ : دَخَلَ الْخَاتَم فِي يَدِي , وَالْخُفّ فِي رِجْلِي , وَمَعْلُوم أَنَّ الرِّجْل هِيَ الَّتِي تَدْخُل فِي الْخُفّ , وَالْأُصْبُع فِي الْخَاتَم , وَلَكِنَّهُمْ اِسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا الْمُرَاد فِيهِ .
وَقَوْله : { أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } يَقُول : أَنَأْخُذُكُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام وَقَدْ عَمَّاهُ اللَّه عَلَيْكُمْ , { لَهَا كَارِهُونَ } يَقُول : وَأَنْتُمْ لإلزامِنَاكُمُوها كَارِهُونَ , يَقُول : لَا نَفْعَل ذَلِكَ , وَلَكِنْ نَكِل أَمْركُمْ إِلَى اللَّه حَتَّى يَكُون هُوَ الَّذِي يَقْضِي فِي أَمْركُمْ مَا يَرَى وَيَشَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13985 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ نُوح : { يَا قَوْم إِنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي } قَالَ : قَدْ عَرَفْتهَا وَعَرَفْت بِهَا أَمْره وَأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , { وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْده } الْإِسْلَام وَالْهُدَى وَالْإِيمَان وَالْحُكْم وَالنُّبُوَّة 13986 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي } الْآيَة , أَمَا وَاَللَّه لَوْ اِسْتَطَاعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَلْزَمَهَا قَوْمه , وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْلِكهُ 13987 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ دَاوُد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : فِي قِرَاءَة أَبِي : " أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْر أَنْفُسنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ " 13988 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن دِينَار قَالَ : قَرَأَ اِبْن عَبَّاس : " أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْر أَنْفُسنَا " قَالَ عَبْد اللَّه : مِنْ شَطْر أَنْفُسنَا : مِنْ تِلْقَاء أَنْفُسنَا حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْر قُلُوبنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَا قَوْم لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّه } وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قِيل نُوح لِقَوْمِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : { يَا قَوْم لَا أَسْأَلكُمْ } عَلَى نَصِيحَتِي لَكُمْ وَدِعَايَتكُمْ إِلَى تَوْحِيد اللَّه , وَإِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ مَالًا : أَجْرًا عَلَى ذَلِكَ , فَتَتَّهِمُونِي فِي نَصِيحَتِي , وَتَظُنُّونَ أَنَّ فِعْلِي ذَلِكَ طَلَب عَرَض مِنْ أَعْرَاض الدُّنْيَا . { إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّه } يَقُول : مَا ثَوَاب نَصِيحَتِي لَكُمْ وَدِعَايَتكُمْ إِلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ , إِلَّا عَلَى اللَّه , فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُجَازِينِي , وَيُثِيبنِي عَلَيْهِ
{ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا } وَمَا أَنَا بِمُقِصٍّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَأَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَخَلَعَ الْأَوْثَان وَتَبَرَّأَ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ عِلْيَتكُمْ وَأَشْرَافكُمْ . { إِنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبّهمْ } يَقُول : إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَسْأَلُونِي طَرْدهمْ صَائِرُونَ إِلَى اللَّه , وَاَللَّه سَائِلهمْ عَمَّا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ , لَا عَنْ شَرَفهمْ وَحَسَبهمْ . وَكَانَ قِيل نُوح ذَلِكَ لِقَوْمِهِ , لِأَنَّ قَوْمه قَالُوا لَهُ , كَمَا : 13989 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبّهمْ } قَالَ : قَالُوا لَهُ : يَا نُوح إِنْ أَحْبَبْت أَنْ نَتَّبِعك فَاطْرُدْهُمْ , وَإِلَّا فَلَنْ نَرْضَى أَنْ نَكُون نَحْنُ وَهُمْ فِي الْأَمْر سَوَاء ! فَقَالَ : { مَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبّهمْ } فَيَسْأَلهُمْ عَنْ أَعْمَالهمْ 13990 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح جَمِيعًا , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّه } قَالَ : جَزَائِي حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
وَقَوْله : { وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } يَقُول : وَلَكِنِّي أَيّهَا الْقَوْم أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ الْوَاجِب عَلَيْكُمْ مِنْ حَقّ اللَّه وَاللَّازِم لَكُمْ مِنْ فَرَائِضه , وَلِذَلِكَ مِنْ جَهْلكُمْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَطْرُد الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ .
{ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا } وَمَا أَنَا بِمُقِصٍّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَأَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَخَلَعَ الْأَوْثَان وَتَبَرَّأَ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ عِلْيَتكُمْ وَأَشْرَافكُمْ . { إِنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبّهمْ } يَقُول : إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَسْأَلُونِي طَرْدهمْ صَائِرُونَ إِلَى اللَّه , وَاَللَّه سَائِلهمْ عَمَّا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ , لَا عَنْ شَرَفهمْ وَحَسَبهمْ . وَكَانَ قِيل نُوح ذَلِكَ لِقَوْمِهِ , لِأَنَّ قَوْمه قَالُوا لَهُ , كَمَا : 13989 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبّهمْ } قَالَ : قَالُوا لَهُ : يَا نُوح إِنْ أَحْبَبْت أَنْ نَتَّبِعك فَاطْرُدْهُمْ , وَإِلَّا فَلَنْ نَرْضَى أَنْ نَكُون نَحْنُ وَهُمْ فِي الْأَمْر سَوَاء ! فَقَالَ : { مَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبّهمْ } فَيَسْأَلهُمْ عَنْ أَعْمَالهمْ 13990 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح جَمِيعًا , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّه } قَالَ : جَزَائِي حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
وَقَوْله : { وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } يَقُول : وَلَكِنِّي أَيّهَا الْقَوْم أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ الْوَاجِب عَلَيْكُمْ مِنْ حَقّ اللَّه وَاللَّازِم لَكُمْ مِنْ فَرَائِضه , وَلِذَلِكَ مِنْ جَهْلكُمْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَطْرُد الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَا قَوْم مَنْ يَنْصُرنِي مِنْ اللَّه إِنْ طَرَدْتهمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } يَقُول : { وَيَا قَوْم مَنْ يَنْصُرنِي } فَيَمْنَعنِي { مِنْ اللَّه } إِنْ هُوَ عَاقَبَنِي عَلَى طَرْدِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ اللَّه إِنْ طَرَدْتهمْ . { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } يَقُول : أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ فِيمَا تَقُولُونَ , فَتَعْلَمُونَ خَطَأَهُ فَتَنْتَهُوا عَنْهُ .