"قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي" مَا صَنَعْت بِأَخِي "وَلِأَخِي" أُشْرِكهُ فِي الدُّعَاء إرْضَاء لَهُ وَدَفْعًا لِلشَّمَاتَةِ بِهِ
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ↓
"إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْل" إلَهًا "سَيَنَالُهُمْ غَضَب" عَذَاب "مِنْ رَبّهمْ وَذِلَّة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا" فَعُذِّبُوا بِالْأَمْرِ بِقَتْلِ أَنْفُسهمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة إلَى يَوْم الْقِيَامَة "وَكَذَلِكَ" كَمَا جَزَيْنَاهُمْ "نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ" عَلَى اللَّه بِالْإِشْرَاكِ وَغَيْره
وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
"وَاَلَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَات ثُمَّ تَابُوا" رَجَعُوا عَنْهَا "مِنْ بَعْدهَا وَآمَنُوا" بِاَللَّهِ "إنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا" أَيْ التَّوْبَة "لَغَفُور" لَهُمْ "رَحِيم" بِهِمْ
وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ↓
"وَلَمَّا سَكَتَ" سَكَنَ "عَنْ مُوسَى الْغَضَب أَخَذَ الْأَلْوَاح" الَّتِي أَلْقَاهَا "وَفِي نُسْخَتهَا" أَيْ مَا نُسِخَ فِيهَا أَيْ كُتِبَ "هُدًى" مِنْ الضَّلَالَة "وَرَحْمَة لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ" يَخَافُونَ وَأَدْخَلَ اللَّام عَلَى الْمَفْعُول لِتَقَدُّمِهِ
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ↓
"وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه" أَيْ مِنْ قَوْمه "سَبْعِينَ رَجُلًا" مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْل بِأَمْرِهِ تَعَالَى "لِمِيقَاتِنَا" أَيْ لِلْوَقْتِ الَّذِي وَعَدْنَاهُ بِإِتْيَانِهِمْ فِيهِ لِيَعْتَذِرُوا مِنْ عِبَادَة أَصْحَابهمْ الْعِجْل فَخَرَجَ بِهِمْ "فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة" الزَّلْزَلَة الشَّدِيدَة قَالَ ابْن عَبَّاس : لِأَنَّهُمْ لَمْ يُزَايِلُوا قَوْمهمْ حِين عَبَدُوا الْعِجْل قَالَ : وَهُمْ غَيْر الَّذِينَ سَأَلُوا الرُّؤْيَة وَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة "قَالَ" مُوسَى "رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ" أَيْ قَبْل خُرُوجِي بِهِمْ لِيُعَايِن بَنُو إسْرَائِيل ذَلِكَ وَلَا يَتَّهِمُونَ "أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا" اسْتِفْهَام اسْتِعْطَاف أَيْ لَا تُعَذِّبنَا بِذَنْبِ غَيْرنَا "إنْ" مَا "هِيَ" أَيْ الْفِتْنَة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا السُّفَهَاء "إلَّا فِتْنَتك" ابْتِلَاؤُك "تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء" إضْلَاله "وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء" هِدَايَته "أَنْتَ وَلِيّنَا" مُتَوَلِّي أُمُورنَا
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ↓
"وَاكْتُبْ" أَوْجِبْ "لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة" حَسَنَة "إنَّا هُدْنَا" تُبْنَا "إلَيْك قَالَ" تَعَالَى "عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء" تَعْذِيبه "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ" عَمَّتْ "كُلّ شَيْء" فِي الدُّنْيَا "فَسَأَكْتُبُهَا" فِي الْآخِرَة
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ↓
"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ" مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل" بِاسْمِهِ وَصِفَته "يَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر وَيُحِلّ لَهُمْ الطَّيِّبَات" مِمَّا حَرَّمَ فِي شَرْعهمْ "وَيُحَرِّم عَلَيْهِمْ الْخَبَائِث" مِنْ الْمَيْتَة وَنَحْوهَا "وَيَضَع عَنْهُمْ إصْرهمْ" ثِقَلهمْ "وَالْأَغْلَال" الشَّدَائِد "الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ" كَقَتْلِ النَّفْس فِي التَّوْبَة وَقَطْع أَثَر النَّجَاسَة
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ↓
"قُلْ" خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أَيّهَا النَّاس إنِّي رَسُول اللَّه إلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا إلَه إلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيت فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته" الْقُرْآن "وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" تَرْشُدُونَ
"وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة" جَمَاعَة "يَهْدُونَ" النَّاس "بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" فِي الْحُكْم
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ↓
"وَقَطَّعْنَاهُمْ" فَرَّقْنَا بَنِي إسْرَائِيل "اثْنَتَيْ عَشْرَة" حَال "أَسْبَاطًا" بَدَل مِنْهُ أَيْ قَبَائِل "أُمَمًا" بَدَل مِمَّا قَبْله "وَأَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى إذْ اسْتَسْقَاهُ قَوْمه" فِي التِّيه "أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر" فَضَرَبَهُ "فَانْبَجَسَتْ" انْفَجَرَتْ "مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا" بِعَدَدِ الْأَسْبَاط "قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس" سَبْط مِنْهُمْ "مَشْرَبهمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمْ الْغَمَام" فِي التِّيه مِنْ حَرّ الشَّمْس "وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى" هُمَا الترنجبين وَالطَّيْر السُّمَانَى بِتَخْفِيفِ الْمِيم وَالْقَصْر وَقُلْنَا لَهُمْ
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ↓
"و" اذْكُرْ "إذْ قِيلَ لَهُمْ اُسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَة" بَيْت الْمَقْدِس "وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا" أَمْرنَا "حِطَّة وَادْخُلُوا الْبَاب" أَيْ بَاب الْقَرْيَة "سُجَّدًا" سُجُود انْحِنَاء "نَغْفِر" بِالنُّونِ وَالتَّاء مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ "لَكُمْ خَطِيئَاتكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ" بِالطَّاعَةِ ثَوَابًا
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ ↓
"فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ" فَقَالُوا : حَبَّة فِي شَعْرَة وَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاههمْ "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا" عَذَابًا
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ↓
"وَاسْأَلْهُمْ" يَا مُحَمَّد تَوْبِيخًا "عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر" مُجَاوِرَة بَحْر الْقُلْزُم وَهِيَ أَيْلَة مَا وَقَعَ بِأَهْلِهَا "إذْ يَعْدُونَ" يَعْتَدُونَ "فِي السَّبْت" بِصَيْدِ السَّمَك الْمَأْمُورِينَ بِتَرْكِهِ فِيهِ "إذْ" ظَرْف لِيَعْدُونَ "تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا" ظَاهِرَة عَلَى الْمَاء "وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ" لَا يُعَظِّمُونَ السَّبْت أَيْ سَائِر الْأَيَّام "لَا تَأْتِيهِمْ" ابْتِلَاء مِنْ اللَّه "كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" وَلَمَّا صَادُوا السَّمَك افْتَرَقَتْ الْقَرْيَة أَثَلَاثًا ثُلُث صَادُوا مَعَهُمْ وَثُلُث نَهَوْهُمْ وَثُلُث أَمْسَكُوا عَنْ الصَّيْد وَالنَّهْي
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ↓
"وَإِذْ" عَطْف عَلَى إذْ قَبْله "قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ" لِمَ تَصُدّ وَلَمْ تُنْهَ لِمَنْ نَهَى "لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا" مَوْعِظَتنَا "مَعْذِرَة" نَعْتَذِر بِهَا "إلَى رَبّكُمْ" لِئَلَّا نُنْسَب إلَى تَقْصِير فِي تَرْك النَّهْي "وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" الصَّيْد
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ↓
"فَلَمَّا نَسُوا" تَرَكُوا "مَا ذُكِّرُوا" وُعِظُوا "بِهِ" فَلَمْ يَرْجِعُوا "أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا" بِالِاعْتِدَاءِ "بِعَذَابٍ بَئِيس" شَدِيد
"فَلَمَّا عَتَوْا" تَكَبَّرُوا "عَنْ" تَرْك "مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ" صَاغِرِينَ فَكَانُوهَا وَهَذَا تَفْصِيل لِمَا قَبْله قَالَ ابْن عَبَّاس : مَا أَدْرِي مَا فَعَلَ بِالْفِرْقَةِ السَّاكِتَة وَقَالَ عِكْرِمَة : لَمْ تُهْلَك لِأَنَّهَا كَرِهَتْ مَا فَعَلُوهُ وَقَالَتْ : لِمَ تَعِظُونَ إلَخْ وَرَوَى الْحَاكِم عَنْ ابْن عَبَّاس : أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَأَعْجَبَهُ
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
"وَإِذْ تَأَذَّنَ" أَعْلَمَ "رَبّك لَيَبْعَثَن عَلَيْهِمْ" أَيْ الْيَهُود "إلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب" بِالذُّلِّ وَأَخْذ الْجِزْيَة فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ سُلَيْمَان وَبَعْده بُخْتَنَصَّرَ فَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَة فَكَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى الْمَجُوس إلَى أَنْ بَعَثَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهَا عَلَيْهِمْ "إنَّ رَبّك لَسَرِيع الْعِقَاب" لِمَنْ عَصَاهُ "وَإِنَّهُ لَغَفُور" لِأَهْلِ طَاعَته "رَحِيم" بِهِمْ
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ↓
"وَقَطَّعْنَاهُمْ" فَرَّقْنَاهُمْ "فِي الْأَرْض أُمَمًا" فِرَقًا "مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ" نَاس "دُون ذَلِكَ" الْكُفَّار وَالْفَاسِقُونَ "وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ" بِالنِّعَمِ "وَالسَّيِّئَات" النِّقَم "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" عَنْ فِسْقهمْ
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ↓
"فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا الْكِتَاب" التَّوْرَاة عَنْ آبَائِهِمْ "يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى" أَيْ حُطَام هَذَا الشَّيْء الدَّنِيء أَيْ الدُّنْيَا مِنْ حَلَال وَحَرَام "وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا" مَا فَعَلْنَاهُ "وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ" الْجُمْلَة حَال أَيْ يَرْجُونَ الْمَغْفِرَة وَهُمْ عَائِدُونَ إلَى مَا فَعَلُوهُ مُصِرُّونَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي التَّوْرَاة وَعْد الْمَغْفِرَة مَعَ الْإِصْرَار "أَلَمْ يُؤْخَذ" اسْتِفْهَام تَقْرِير "عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب" الْإِضَافَة بِمَعْنَى فِي "أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إلَّا الْحَقّ وَدَرَسُوا" عَطْف عَلَى يُؤْخَذ قَرَءُوا "مَا فِيهِ" فَلِمَ كَذَبُوا عَلَيْهِ بِنِسْبَةِ الْمَغْفِرَة إلَيْهِ مَعَ الْإِصْرَار "وَالدَّار الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ" الْحَرَام "أَفَلَا يَعْقِلُونَ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء أَنَّهَا خَيْر فَيُؤْثِرُونَهَا عَلَى الدُّنْيَا
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ↓
"وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "بِالْكِتَابِ" مِنْهُمْ "وَأَقَامُوا الصَّلَاة" كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه "إنَّا لَا نُضِيع أَجْر الْمُصْلِحِينَ" الْجُمْلَة خَبَر الَّذِينَ وَفِيهِ وَضَعَ الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر أَيْ أَجْرهمْ
وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ↓
"وَ" اُذْكُرْ "إذْ نَتَقْنَا الْجَبَل" رَفَعْنَاهُ مِنْ أَصْله "فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة وَظَنُّوا" أَيْقَنُوا "أَنَّهُ وَاقِع بِهِمْ" سَاقِط عَلَيْهِمْ بِوَعْدِ اللَّه إيَّاهُمْ بِوُقُوعِهِ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا أَحْكَام التَّوْرَاة وَكَانُوا أَبَوْهَا لِثَقَلِهَا فَقَبِلُوا وَقُلْنَا لَهُمْ "خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ" بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد "وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ" بِالْعَمَلِ بِهِ
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ↑
"وَ" اذْكُرْ "إِذْ" حِين "أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ" بَدَل اشْتِمَال مِمَّا قَبْله بِإِعَادَةِ الْجَار "ذُرِّيَّتهمْ" بِأَنْ أَخْرَجَ بَعْضهمْ مِنْ صُلْب بَعْض مِنْ صُلْب آدَم نَسْلًا بَعْد نَسْل كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ كَالذَّرِّ بِنُعْمَانَ يَوْم عَرَفَة وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِل عَلَى رُبُوبِيَّته وَرَكَّبَ فِيهِمْ عَقْلًا "وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ" قَالَ "أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى" أَنْتَ رَبّنَا "شَهِدْنَا" بِذَلِكَ وَالْإِشْهَاد "أَنْ" لَا "يَقُولُوا" بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِي . الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ الْكُفَّار "يَوْم الْقِيَامَة إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا" التَّوْحِيد "غَافِلِينَ" لَا نَعْرِفهُ
أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ↓
"أَوْ تَقُولُوا إنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْلنَا "وَكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدهمْ" فَاقْتَدَيْنَا بِهِمْ "أَفَتُهْلِكنَا" تُعَذِّبنَا "بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" مِنْ آبَائِنَا بِتَأْسِيسِ الشِّرْك الْمَعْنَى لَا يُمْكِنهُمْ الِاحْتِجَاج بِذَلِكَ مَعَ إشْهَادهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّذْكِير بِهِ عَلَى لِسَان صَاحِب الْمُعْجِزَة قَائِم مَقَام ذِكْره فِي النَّفُوس
"وَكَذَلِكَ نُفَصِّل الْآيَات" نُبَيِّنهَا مِثْل مَا بَيَّنَّا الْمِيثَاق لِيَتَدَبَّرُوهَا "وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" عَنْ كُفْرهمْ
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ↓
"وَاتْلُ" يَا مُحَمَّد "عَلَيْهِمْ" أَيْ الْيَهُود "نَبَأ" خَبَر "الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا" خَرَجَ بِكُفْرِهِ كَمَا تَخْرُج الْحَيَّة مِنْ جِلْدهَا وَهُوَ بلعم بْن بَاعُورَاءَ مِنْ عُلَمَاء بَنِي إسْرَائِيل سُئِلَ أَنْ يَدْعُو عَلَى مُوسَى وَأُهْدِيَ إلَيْهِ شَيْء فَدَعَا فَانْقَلَبَ عَلَيْهِ وَانْدَلَعَ لِسَانه عَلَى صَدْره "فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان" فَأَدْرَكَهُ فَصَارَ قَرِينه
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ↓
"وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ" إلَى مَنَازِل الْعُلَمَاء "بِهَا" بِأَنْ نُوَفِّقهُ لِلْعَمَلِ "وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ" سَكَنَ "إلَى الْأَرْض" أَيْ الدُّنْيَا وَمَالَ إلَيْهَا "وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" فِي دُعَائِهِ إلَيْهَا فَوَضَعْنَاهُ "فَمَثَله" صِفَته "كَمَثَلِ الْكَلْب إنْ تَحْمِل عَلَيْهِ" بِالطَّرْدِ وَالزَّجْر "يَلْهَث" يَدْلَع لِسَانه "أَوْ" إنْ "تَتْرُكهُ يَلْهَث" وَلَيْسَ غَيْره مِنْ الْحَيَوَان كَذَلِكَ وَجُمْلَتَا الشَّرْط حَال أَيْ لَاهِثًا ذَلِيلًا بِكُلِّ حَال وَالْقَصْد التَّشْبِيه فِي الْوَضْع وَالْخِسَّة بِقَرِينَةِ الْفَاء الْمُشْعِرَة بِتَرْتِيبِ مَا بَعْدهَا عَلَى مَا قَبْلهَا مِنْ الْمَيْل إلَى الدُّنْيَا وَاتِّبَاع الْهَوَى وَبِقَرِينَةِ قَوْله "ذَلِكَ" الْمَثَل "مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَص" عَلَى الْيَهُود "لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" يَتَدَبَّرُونَ فِيهَا فَيُؤْمِنُونَ
"سَاءَ" بِئْسَ "مَثَلًا الْقَوْم" أَيْ مَثَل الْقَوْم "الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسهمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ" بِالتَّكْذِيبِ
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ↓
"وَلَقَدْ ذَرَأْنَا" خَلَقْنَا "لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقُهُونَ بِهَا" الْحَقّ "وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا" دَلَائِل قُدْرَة اللَّه بَصَر اعْتِبَار "وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا" الْآيَات وَالْمَوَاعِظ سَمَاع تَدَبُّر وَاتِّعَاظ "أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ" فِي عَدَم الْفِقْه وَالْبَصَر وَالِاسْتِمَاع "بَلْ هُمْ أَضَلّ" مِنْ الْأَنْعَام لِأَنَّهَا تَطْلُب مَنَافِعهَا وَتَهْرُب مِنْ مَضَارّهَا وَهَؤُلَاءِ يَقْدَمُونَ عَلَى النَّار مُعَانَدَة
وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
"وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى" التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ الْوَارِد بِهَا الْحَدِيث وَالْحُسْنَى مُؤَنَّث الْأَحْسَن "فَادْعُوهُ" سَمُّوهُ "بِهَا وَذَرُوا" اُتْرُكُوا "الَّذِينَ يُلْحِدُونَ" مِنْ أَلْحَدَ وَلَحَدَ يَمِيلُونَ عَنْ الْحَقّ . "فِي أَسْمَائِهِ" حَيْثُ اشْتَقُّوا مِنْهَا أَسْمَاء لِآلِهَتِهِمْ : كَاَللَّاتِي مِنْ اللَّه وَالْعُزَّى مِنْ الْعَزِيز وَمَنَاة مِنْ الْمَنَّان "سَيُجْزَوْنَ" فِي الْآخِرَة جَزَاء "مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ