"إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَة وَاحِدَة فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر" هُوَ الَّذِي يَجْعَل لِغَنَمِهِ حَظِيرَة مِنْ يَابِس الشَّجَر وَالشَّوْك يَحْفَظهُنَّ فِيهَا مِنْ الذِّئَاب وَالسِّبَاع وَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ فَدَاسَتْهُ هُوَ الْهَشِيم
"كَذَّبَتْ قَوْم لُوط بِالنُّذُرِ" بِالْأُمُورِ الْمُنْذِرَة لَهُمْ عَلَى لِسَانه
"إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا" رِيحًا تَرْمِيهِمْ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ صِغَار الْحِجَارَة الْوَاحِد دُون مِلْء الْكَفّ فَهَلَكُوا "إلَّا آل لُوط" وَهُمْ ابْنَتَاهُ مَعَهُ "نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ" مِنْ الْأَسْحَار وَقْت الصُّبْح مِنْ يَوْم غَيْر مُعَيَّن وَلَوْ أُرِيدَ مِنْ يَوْم مُعَيَّن لَمُنِعَ مِنَ الصَّرْف لِأَنَّهُ مَعْرِفَة مَعْدُول عَنْ السَّحَر لِأَنَّ حَقّه أَنْ يُسْتَعْمَل فِي الْمَعْرِفَة بِأَلْ وَهَلْ أُرْسِلَ الْحَاصِب عَلَى آل لُوط أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ وَعَبَّرَ عَنْ الِاسْتِثْنَاء عَلَى الْأَوَّل بِأَنَّهُ مُتَّصِل وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّهُ مُنْقَطِع وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجِنْس تَسَمُّحًا
"نِعْمَة" مَصْدَر أَيْ إنْعَامًا "مِنْ عِنْدنَا كَذَلِكَ" أَيْ مِثْل ذَلِكَ الْجَزَاء "نَجْزِي مَنْ شَكَرَ" أَنْعَمْنَا وَهُوَ مُؤْمِن أَوْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَأَطَاعَهُمَا
"وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ" خَوَّفَهُمْ لُوط "بَطْشَتنَا" أَخْذَتنَا إيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ "فَتَمَارَوْا" تَجَادَلُوا وَكَذَّبُوا "بِالنُّذُرِ" بِإِنْذَارِهِ
"وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفه" أَنْ يُخَلِّي بَيْنهمْ وَبَيْن الْقَوْم الَّذِينَ أَتَوْهُ فِي صُورَة الْأَضْيَاف لِيَخْبُثُوا بِهِمْ وَكَانُوا مَلَائِكَة "فَطَمَسْنَا أَعْيُنهمْ" أَعْمَيْنَاهَا وَجَعَلْنَاهَا بِلَا شَقّ كَبَاقِي الْوَجْه بِأَنْ صَفَقَهَا جِبْرِيل بِجَنَاحِهِ "فَذُوقُوا" فَقُلْنَا لَهُمْ ذُوقُوا "عَذَابِي وَنُذُر" إنْذَارِي وَتَخْوِيفِي أَيْ ثَمَرَته وَفَائِدَته
"وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَة" وَقْت الصُّبْح مِنْ يَوْم غَيْر مُعَيَّن "عَذَاب مُسْتَقِرّ" دَائِم مُتَّصِل بِعَذَابِ الْآخِرَة
"وَلَقَدْ جَاءَ آل فِرْعَوْن" قَوْمه مَعَهُ "النُّذُر" الْإِنْذَار عَلَى لِسَان مُوسَى وَهَارُون فَلَمْ يُؤْمِنُوا
"كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلّهَا" التِّسْع الَّتِي أُوتِيَهَا مُوسَى "فَأَخَذْنَاهُمْ" بِالْعَذَابِ "أَخْذ عَزِيز" قَوِيّ "مُقْتَدِر" قَادِر لَا يُعْجِزهُ شَيْء
"أَكُفَّاركُمْ" يَا قُرَيْش "خَيْر مِنْ أُوْلَئِكُمْ" الْمَذْكُورِينَ مِنْ قَوْم نُوح إلَى فِرْعَوْن فَلَمْ يُعْذَرُوا "أَمْ لَكُمْ" يَا كُفَّار قُرَيْش "بَرَاءَة" مِنْ الْعَذَاب "فِي الزُّبُر" الْكُتُب وَالِاسْتِفْهَام فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى النَّفْي أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ
"أَمْ يَقُولُونَ" أَيْ كُفَّار قُرَيْش "نَحْنُ جَمِيع" جَمْع "مُنْتَصِر" عَلَى مُحَمَّد
"سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر" وَلَمَّا قَالَ أَبُو جَهْل يَوْم بَدْر إنَّا جَمْع مُنْتَصِر نَزَلَتْ الْآيَة فَهُزِمُوا بِبَدْرٍ وَنُصِرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ
"بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ" بِالْعَذَابِ "وَالسَّاعَة" أَيْ عَذَابهَا "أَدْهَى" أَعْظَم بَلِيَّة "وَأَمَرّ" أَشَدّ مَرَارَة مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا
"إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَال" هَلَاك بِالْقَتْلِ فِي الدُّنْيَا "وَسُعُر" نَار مُسَعَّرَة بِالتَّشْدِيدِ أَيْ مُهَيَّجَة فِي الْآخِرَة
"يَوْم يُسْحَبُونَ فِي النَّار عَلَى وُجُوههمْ" فِي الْآخِرَة وَيُقَال لَهُمْ "ذُوقُوا مَسَّ سَقَر" إصَابَة جَهَنَّم لَكُمْ
"إنَّا كُلّ شَيْء" مَنْصُوب بِفِعْلٍ يُفَسِّرهُ "خَلَقْنَاهُ" وَقُرِئَ كُلّ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأ خَبَره خَلَقْنَاهُ "خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" بِتَقْدِيرِ حَال مِنْ كُلّ أَيْ مُقَدَّرًا
"وَمَا أَمْرنَا" لِشَيْءٍ نُرِيد وُجُوده "إلَّا" مَرَّة "وَاحِدَة كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ" فِي السُّرْعَة وَهِيَ قَوْل : كُنْ فَيُوجَد "إنَّمَا أَمْره إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون"
"وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعكُمْ" أَشْبَاهكُمْ فِي الْكُفْر مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر" اسْتِفْهَام بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ اُذْكُرُوا وَاتَّعِظُوا
"وَكُلّ شَيْء فَعَلُوهُ" أَيْ الْعِبَاد مَكْتُوب "فِي الزُّبُر" كُتُب الْحَفَظَة
"وَكُلّ صَغِير وَكَبِير" مِنْ الذَّنْب أَوْ الْعَمَل "مُسْتَطَر" مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
"إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات" بَسَاتِين "وَنَهَر" أُرِيدَ بِهِ الْجِنْس وَقُرِئَ بِضَمِّ النُّون وَالْهَاء جَمْعًا كَأَسَدِ وَأُسْد وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَ مِنْ أَنَهَارهَا الْمَاء وَاللَّبَن وَالْعَسَل وَالْخَمْر
"فِي مَقْعَد صِدْق" مَجْلِس حَقّ لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تَأْثِيم أُرِيدَ بِهِ الْجِنْس وَقُرِئَ مَقَاعِد الْمَعْنَى أَنَّهُمْ فِي مَجَالِس مِنْ الْجَنَّات سَالِمَة مِنْ اللَّغْو وَالتَّأْثِيم بِخِلَافِ مَجَالِس الدُّنْيَا فَقَلَّ أَنْ تَسْلَم مِنْ ذَلِكَ وَأُعْرِبَ هَذَا خَبَرًا ثَانِيًا وَبَدَلًا وَهُوَ صَادِق بِبَدَلِ الْبَعْض وَغَيْره "عِنْد مَلِيك" مِثَال مُبَالَغَة أَيْ عَزِيز الْمُلْك وَاسِعه "مُقْتَدِر" قَادِر لَا يُعْجِزهُ شَيْء وَهُوَ اللَّه تَعَالَى وَعِنْده إشَارَة إلَى الرُّتْبَة وَالْقُرْبَة مِنْ فَضْله تَعَالَى