"إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ" هُوَ مَا بَعْد الزَّوَال "الصَّافِنَات" الْخَيْل جَمْع صَافِنَة وَهِيَ الْقَائِمَة عَلَى ثَلَاث وَإِقَامَة الْأُخْرَى عَلَى طَرَف الْحَافِر وَهُوَ مِنْ صَفَنَ يَصْفِن صُفُونًا "الْجِيَاد" جَمْع جَوَاد وَهُوَ السَّابِق الْمَعْنَى أَنَّهَا إذَا اُسْتُوْقِفَتْ سَكَنَتْ وَإِنْ رَكَضَتْ سَبَقَتْ وَكَانَتْ أَلْف فَرَس عُرِضَتْ عَلَيْهِ بَعْد أَنْ صَلَّى الظُّهْر لِإِرَادَتِهِ الْجِهَاد عَلَيْهَا لِعَدُوٍّ فَعِنْد بُلُوغ الْعَرْض مِنْهَا تِسْعمِائَةِ غَرَبَتْ الشَّمْس وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْر فَاغْتَمَّ
"فَقَالَ إنِّي أَحْبَبْت" أَيْ أَرَدْت "حُبّ الْخَيْر" أَيْ الْخَيْل "عَنْ ذِكْر رَبِّي" أَيْ صَلَاة الْعَصْر "حَتَّى تَوَارَتْ" أَيْ الشَّمْس "بِالْحِجَابِ" أَيْ اسْتَتَرَتْ بِمَا يَحْجُبهَا عَنْ الْأَبْصَار
"رُدُّوهَا عَلَيَّ" أَيْ الْخَيْل الْمَعْرُوضَة فَرَدُّوهَا "فَطَفِقَ مَسْحًا" بِالسَّيْفِ "بِالسُّوقِ" جَمْع سَاق "وَالْأَعْنَاق" أَيْ ذَبْحهَا وَقَطْع أَرْجُلهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّه تَعَالَى حَيْثُ اشْتَغَلَ بِهَا عَنْ الصَّلَاة وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا فَعَوَّضَهُ اللَّه خَيْرًا مِنْهَا وَأَسْرَعَ وَهِيَ الرِّيح تَجْرِي بِأَمْرِهِ كَيْفَ شَاءَ
"وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَان" ابْتَلَيْنَاهُ بِسَلْبِ مُلْكه وَذَلِكَ لِتَزَوُّجِهِ بِامْرَأَةٍ هَوَاهَا وَكَانَتْ تَعْبُد الصَّنَم فِي دَاره مِنْ غَيْر عِلْمه وَكَانَ مُلْكه فِي خَاتَمه فَنَزَعَهُ مَرَّة عِنْد إرَادَة الْخَلَاء وَوَضَعَهُ عِنْد امْرَأَته الْمُسَمَّاة بِالْأَمِينَةِ عَلَى عَادَته فَجَاءَهَا جِنِّيّ فِي صُورَة سُلَيْمَان فَأَخَذَهُ مِنْهَا "وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا" هُوَ ذَلِكَ الْجِنِّيّ وَهُوَ صَخْر أَوْ غَيْره جَلَسَ عَلَى كُرْسِيّ سُلَيْمَان وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْر وَغَيْرهَا فَخَرَجَ سُلَيْمَان فِي غَيْر هَيْئَته فَرَآهُ عَلَى كُرْسِيّه وَقَالَ لِلنَّاسِ أَنَا سُلَيْمَان فَأَنْكَرُوهُ "ثُمَّ أَنَابَ" رَجَعَ سُلَيْمَان إلَى مُلْكه بَعْد أَيَّام بِأَنْ وَصَلَ إلَى الْخَاتَم فَلَبِسَهُ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيّه
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ↓
"قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَهْب لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي" لَا يَكُون "لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي" أَيْ سِوَايَ نَحْو "فَمَنْ يَهْدِيه مِنْ بَعْد اللَّه" أَيْ سِوَى اللَّه
"فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء" لَيِّنَة "حَيْثُ أَصَابَ" أَرَادَ
"وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء" يَبْنِي الْأَبْنِيَة الْعَجِيبَة "وَغَوَّاص" فِي الْبَحْر يَسْتَخْرِج اللُّؤْلُؤ
"وَآخَرِينَ" مِنْهُمْ "مُقَرَّنِينَ" مَشْدُودِينَ "فِي الْأَصْفَاد" الْقُيُود بِجَمْعِ أَيْدِيهمْ إلَى أَعْنَاقهمْ
"هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ" أَعْطِ مِنْهُ مَنْ شِئْت "أَوْ أَمْسِكْ" عَنْ الْإِعْطَاء "بِغَيْرِ حِسَاب" أَيْ لَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِكَ
"وَإِنَّ لَهُ عِنْدنَا لَزُلْفَى وَحُسْن مَآب" تَقدَمَ مِثْلُهُ
"وَاذْكُرْ عَبْدنَا أَيُّوب إذْ نَادَى رَبّه أَنِّي" أَيْ بِأَنِّي "مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ" ضُرّ "وَعَذَاب" أَلَمْ وَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى الشَّيْطَان وَإِنْ كَانَتْ الْأَشْيَاء كُلّهَا مِنْ اللَّه تَأَدُّبًا مَعَهُ تَعَالَى
"اُرْكُضْ" اضْرِبْ "بِرِجْلِك" اضْرِبْ بِرِجْلِك الْأَرْض فَضَرَبَ فَنَبَعَتْ عَيْن مَاء فَقِيلَ : "هَذَا مُغْتَسَل" مَاء تَغْتَسِل بِهِ "بَارِد وَشَرَاب" تَشْرَب مِنْهُ فَاغْتَسَلَ وَشَرِبَ فَذَهَبَ عَنْهُ كُلّ دَاء كَانَ بِبَاطِنِهِ وَظَاهِره
"وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْله وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ" أَيْ أَحْيَا اللَّه لَهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَاده وَرَزَقَهُ مِثْلهمْ "رَحْمَة" نِعْمَة "مِنَّا وَذِكْرَى" عِظَة "لِأُولِي الْأَلْبَاب" لِأَصْحَابِ الْعُقُول
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ↓
"وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا" هُوَ حُزْمَة مِنْ حَشِيش أَوْ قُضْبَان "فَاضْرِبْ بِهِ" زَوْجَتك وَكَانَ قَدْ حَلَفَ لِيَضْرِبهَا مِائَة ضَرْبَة لِإِبْطَائِهَا عَلَيْهِ يَوْمًا "وَلَا تَحْنَث" بِتَرْكِ ضَرْبهَا فَأَخَذَ مِائَة عُود مِنْ الْإِذْخِر أَوْ غَيْره فَضَرَبَهَا بِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة "إنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْد" أَيُّوب "إنَّهُ أَوَّاب" رَجَّاعٌ إلَى اللَّه تَعَالَى
"وَاذْكُرْ عِبَادنَا إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أُولِي الْأَيْدِي" أَصْحَاب الْقَوَى فِي الْعِبَادَة "وَالْأَبْصَار" الْبَصَائِر فِي الدِّين وَفِي قِرَاءَة عَبْدنَا وَإِبْرَاهِيم بَيَان لَهُ وَمَا بَعْده عُطِفَ عَلَى عَبْدنَا
"إنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ" هِيَ "ذِكْرَى الدَّار" الْآخِرَة أَيْ ذِكْرهَا وَالْعَمَل لَهَا وَفِي قِرَاءَة : بِالْإِضَافَةِ وَهِيَ لِلْبَيَانِ
"وَإِنَّهُمْ عِنْدنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ" الْمُخْتَارِينَ "الْأَخْيَار" جَمْع خَيِّر بِالتَّشْدِيدِ
"وَاذْكُرْ إسْمَاعِيل وَاَلْيَسَع" وَهُوَ نَبِيّ وَاللَّام زَائِدَة "وَذَا الْكِفْل" اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّته قِيلَ كَفَلَ مِائَة نَبِيّ فَرُّوا إلَيْهِ مِنْ الْقَتْل "وَكُلّ" أَيْ كُلّهمْ "مِنْ الْأَخْيَار" جَمْع خَيِّر بِالتَّثْقِيلِ
"هَذَا ذِكْر" أَيْ هَذَا ذِكْر لَهُمْ بِالثَّنَاءِ الْجَمِيل هُنَا "وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ" الشَّامِلِينَ لَهُمْ "لَحُسْن مَآب" مَرْجِع فِي الْآخِرَة
"جَنَّات عَدْن" بَدَل أَوْ عَطْف بَيَان لَحُسْن مَآب "مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب" مِنْهَا
"مُتَّكِئِينَ فِيهَا" عَلَى الْأَرَائِك
"وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف" حَابِسَات الْعَيْن عَلَى أَزْوَاجهنَّ "أَتْرَاب" أَسْنَانهنَّ وَاحِدَة وَهُنَّ بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سَنَة جَمْع تَرْب
"هَذَا" الْمَذْكُور "مَا تُوعَدُونَ" بِالْغِيبَةِ وَبِالْخِطَابِ الْتِفَاتًا "لِيَوْمِ الْحِسَاب" أَيْ لِأَجْلِهِ
"إنَّ هَذَا لَرِزْقنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد" أَيْ انْقِطَاع وَالْجُمْلَة حَال مِنْ رِزْقنَا أَوْ خَبَر ثَانٍ لِإِنَّ أَيْ دَائِمًا أَوْ دَائِم
"هَذَا" الْمَذْكُور لِلْمُؤْمِنِينَ
"جَهَنَّم يَصْلَوْنَهَا" يَدْخُلُونَهَا "فَبِئْسَ الْمِهَاد" الْفِرَاش
"هَذَا" أَيْ الْعَذَاب الْمَفْهُوم مِمَّا بَعْده "فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم" أَيْ مَاء حَارّ مُحْرِق "وَغَسَّاق" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد : مَا يَسِيل مِنْ صَدِيد أَهْل النَّار
"وَآخَر" بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَاد "مِنْ شَكْله" أَيْ مِثْل الْمَذْكُور مِنْ الْحَمِيم وَالْغَسَّاق "أَزْوَاج" أَصْنَاف أَيْ عَذَابهمْ مِنْ أَنْوَاع مُخْتَلِفَة
وَيُقَال لَهُمْ عِنْد دُخُولهمْ النَّار بِأَتْبَاعِهِمْ "هَذَا فَوْج" جَمْع "مُقْتَحِم" دَاخِل "مَعَكُمْ" أَيْ دَاخِل مَعَكُمْ النَّار بِشِدَّةٍ فَيَقُول الْمُتَّبِعُونَ : "لَا مَرْحَبًا بِهِمْ" أَيْ لَا سِعَة عَلَيْهِمْ
"قَالُوا" أَيْ الْأَتْبَاع "بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ" أَيْ الْكُفْر "لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَار" لَنَا وَلَكُمْ النَّار