"وَأَنْ اُعْبُدُونِي" وَحِّدُونِي وَأَطِيعُونِي "هَذَا صِرَاط" طَرِيق
"وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا" خَلْقًا جَمْع جَبِيل كَقَدِيمٍ وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ الْبَاء "كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ" عَدَاوَته وَإِضْلَاله أَوْ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب فَتُؤْمِنُونَ وَيُقَال لَهُمْ فِي الْآخِرَة
"هَذِهِ جَهَنَّم الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" بِهَا
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ↓
"الْيَوْم نَخْتِم عَلَى أَفْوَاههمْ" أَيْ الْكُفَّار لِقَوْلِهِمْ "وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ" "وَتُكَلِّمنَا أَيْدِيهمْ وَتَشْهَد أَرْجُلهمْ" وَغَيْرهَا "بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" فَكُلّ عُضْو يَنْطِق بِمَا صَدَرَ مِنْهُ
"وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنهمْ" لَأَعْمَيْنَاهَا طَمْسًا "فَاسْتَبَقُوا" ابْتَدَرُوا "الصِّرَاط" الطَّرِيق ذَاهِبِينَ كَعَادَتِهِمْ "فَأَنَّى" فَكَيْفَ "يُبْصِرُونَ" حِينَئِذٍ ؟ أَيْ لَا يُبْصِرُونَ
"وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ" قِرَدَة وَخَنَازِير أَوْ حِجَارَة "عَلَى مَكَانَتهمْ" وَفِي قِرَاءَة : مَكَانَاتهمْ جَمْع مَكَانَة بِمَعْنَى مَكَان : أَيْ فِي مَنَازِلهمْ "فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ" أَيْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَهَاب وَلَا مَجِيء
"وَمَنْ نُعَمِّرهُ" بِإِطَالَةِ أَجَله "نَنْكُسهُ" وَفِي قِرَاءَة بِالتَّشْدِيدِ مِنْ التَّنْكِيس "فِي الْخَلْق" فَيَكُون بَعْد قُوَّته وَشَبَابه ضَعِيفًا وَهَرِمًا "أَفَلَا يَعْقِلُونَ" أَنَّ الْقَادِر عَلَى ذَلِكَ الْمَعْلُوم عِنْدهمْ قَادِر عَلَى الْبَعْث فَيُؤْمِنُونَ وَفِي قِرَاءَة بِالتَّاءِ
"وَمَا عَلَّمْنَاهُ" أَيْ النَّبِيّ "الشِّعْر" رَدّ لِقَوْلِهِمْ : إنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقُرْآن شِعْر "وَمَا يَنْبَغِي" يَسْهُل "لَهُ" الشِّعْر "إنْ هُوَ" لَيْسَ الَّذِي أَتَى بِهِ "إلَّا ذِكْر" عِظَة "وَقُرْآن مُبِين" مُظْهِر لِلْأَحْكَامِ وَغَيْرهَا
"لِيُنْذِر" بِالْيَاءِ وَالتَّاء بِهِ "مَنْ كَانَ حَيًّا" يَعْقِل مَا يُخَاطِب بِهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ "وَيَحِقّ الْقَوْل" بِالْعَذَابِ "عَلَى الْكَافِرِينَ" وَهُمْ كَالْمَيِّتِينَ لَا يَعْقِلُونَ مَا يُخَاطِبُونَ بِهِ
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ↓
"أَوَلَمْ يَرَوْا" يَعْلَمُوا وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ وَالْوَاو الدَّاخِلَة عَلَيْهَا لِلْعَطْفِ "أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا" عَمِلْنَاهُ بِلَا شَرِيك وَلَا مُعِين "أَنْعَامًا" هِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم "فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ" ضَابِطُونَ
"وَذَلَّلْنَاهَا" سَخَّرْنَاهَا "لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبهمْ" مَرْكُوبهمْ
"وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِع" كَأَصْوَافِهَا وَأَوْبَارهَا وَأَشْعَارهَا "وَمَشَارِب" مِنْ لَبَنهَا جَمْع مَشْرَب بِمَعْنَى شُرْب أَوْ مَوْضِعه "أَفَلَا يَشْكُرُونَ" الْمُنْعِم عَلَيْهِمْ بِهَا فَيُؤْمِنُونَ أَيْ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ
"وَاِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "آلِهَة" أَصْنَامًا يَعْبُدُونَهَا "لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ" يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه تَعَالَى بِشَفَاعَةِ آلِهَتهمْ بِزَعْمِهِمْ
"لَا يَسْتَطِيعُونَ" أَيْ آلِهَتهمْ نَزَلُوا مَنْزِلَة الْعُقَلَاء "نَصْرهُمْ وَهُمْ" أَيْ آلِهَتهمْ مِنْ الْأَصْنَام "لَهُمْ جُنْد" بِزَعْمِهِمْ نَصْرهمْ "مُحْضَرُونَ" فِي النَّار مَعَهُمْ
"فَلَا يَحْزُنك قَوْلهمْ" لَك : لَسْت مُرْسَلًا وَغَيْر ذَلِكَ "إنَّا نَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ" مِنْ ذَلِكَ وَغَيْره فَنُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ
"أَوَ لَمْ يَرَ الْإِنْسَان" يَعْلَم وَهُوَ الْعَاصِي بْن وَائِل "أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَة" مَنِيّ إلَى أَنْ صَيَّرْنَاهُ شَدِيدًا قَوِيًّا "فَإِذَا هُوَ خَصِيم" شَدِيد الْخُصُومَة لَنَا "مُبِين" بَيَّنَهَا فِي نَفِي الْبَعْث
"وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا" فِي ذَلِكَ "وَنَسِيَ خَلْقه" مِنْ الْمَنِيّ وَهُوَ أَغْرَب مِنْ مِثْله "قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيم" أَيْ بَالِيَة وَلَمْ يَقُلْ رَمِيمَة بِالتَّاءِ لِأَنَّهُ اسْم لَا صِفَة وَرُوِيَ أَنَّهُ أَخَذَ عَظْمًا رَمِيمًا فَفَتَّتَهُ وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرَى يُحْيِي اللَّه هَذَا بَعْد مَا بَلِيَ وَرَمَّ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "نَعَمْ وَيُدْخِلك النَّار"
"قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق" مَخْلُوق "عَلِيم" مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا قَبْل خَلْقه وَبَعْد خَلْقه
"الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ" فِي جُمْلَة النَّاس "مِنْ الشَّجَر الْأَخْضَر" الْمَرْخ وَالْعَفَار أَوْ كُلّ شَجَر إلَّا الْعُنَّاب "نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ" تَقْدَحُونَ وَهَذَا دَالّ عَلَى الْقُدْرَة عَلَى الْبَعْث فَإِنَّهُ جَمَعَ فِيهِ بَيْن الْمَاء وَالنَّار وَالْخَشَب فَلَا الْمَاء يُطْفِئ النَّار وَلَا النَّار تُحْرِق الْخَشَب
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ↓
"أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض" مَعَ عِظَمهمَا "بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُق مِثْلهمْ" أَيْ الْأَنَاسِيّ فِي الصِّغَر "بَلَى" أَيْ هُوَ قَادِر عَلَى ذَلِكَ أَجَابَ نَفْسه "وَهُوَ الْخَلَّاق" الْكَثِير الْخَلْق "الْعَلِيم" بِكُلِّ شَيْء
"إنَّمَا أَمْره" شَأْنه "إذَا أَرَادَ شَيْئًا" أَيْ خَلْق شَيْء "أَنْ يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون" أَيْ فَهُوَ يَكُون وَفِي قِرَاءَة بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يَقُول
"فَسُبْحَان الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوت" مُلْك زِيدَتْ الْوَاو وَالتَّاء لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ الْقُدْرَة عَلَى "كُلّ شَيْء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" تُرَدُّونَ فِي الْآخِرَة