وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ↓
"وَاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْك مِنْ الْكُتُب" الْقُرْآن "هُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ" تَقَدَّمَهُ مِنْ الْكُتُب "إنَّ اللَّه بِعِبَادِهِ لَخَبِير بَصِير" عَالِم بِالْبَوَاطِنِ وَالظَّوَاهِر
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ↓
"ثُمَّ أَوْرَثْنَا" أَعْطَيْنَا "الْكِتَاب" الْقُرْآن "الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا" وَهُمْ أُمَّتك "فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ" بِالتَّقْصِيرِ فِي الْعَمَل بِهِ "وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد" يَعْمَل بِهِ أَغْلَب الْأَوْقَات "وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ" يَضُمّ إلَى الْعِلْم التَّعْلِيم وَالْإِرْشَاد إلَى الْعَمَل "بِإِذْنِ اللَّه" بِإِرَادَتِهِ "ذَلِكَ" أَيْ إيرَاثهمْ الْكِتَاب
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ↓
"جَنَّات عَدْن" أَيْ إقَامَة "يَدْخُلُونَهَا" الثَّلَاثَة بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَلِلْمَفْعُولِ خَبَر جَنَّات الْمُبْتَدَأ "يُحَلَّوْنَ" خَبَر ثَانٍ "فِيهَا مِنْ" بَعْض "أَسَاوِر مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤًا" مُرَصَّع بِالذَّهَبِ
"وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن" جَمِيعه "إنَّ رَبّنَا لَغَفُور" لِلذُّنُوبِ "شَكُور" لِلطَّاعَةِ
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ↓
"الَّذِي أَحَلَّنَا دَار الْمُقَامَة" الْإِقَامَة "مِنْ فَضْله لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب" تَعَب "وَلَا يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوب" إعْيَاء مِنْ التَّعَب لِعَدِمِ التَّكْلِيف فِيهَا وَذَكَر الثَّانِي التَّابِع لِلْأَوَّلِ لِلتَّصْرِيحِ بِنَفْيِهِ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ↓
"وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَار جَهَنَّم لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ" بِالْمَوْتِ "فَيَمُوتُوا" يَسْتَرِيحُوا "وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَابهَا" طَرْفَة عَيْن "كَذَلِكَ" كَمَا جَزَيْنَاهُمْ "نَجْزِي كُلّ كَفُور" كَافِر بِالْيَاءِ وَالنُّون الْمَفْتُوحَة مَعَ كَسْر الزَّاي وَنَصْب كُلّ
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ↓
"وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا" يَسْتَغِيثُونَ بِشِدَّةٍ وَعَوِيل يَقُولُونَ "رَبّنَا أَخْرِجْنَا" مِنْهَا "نَعْمَل صَالِحًا غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل" فَيُقَال لَهُمْ "أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا" وَقْتًا "يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِير" الرَّسُول فَمَا أُجِبْتُمْ "فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ "مِنْ نَصِير" يَدْفَع الْعَذَاب عَنْهُمْ
"إنَّ اللَّه عَالِم السَّمَوَات وَالْأَرْض إنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور" بِمَا فِي الْقُلُوب فَعِلْمه بِغَيْرِهِ أَوْلَى بِالنَّظَرِ إلَى حَال النَّاس
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَارًا ↓
"هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِف فِي الْأَرْض" . جَمْع خَلِيفَة أَيْ يَخْلُف بَعْضكُمْ بَعْضًا "فَمَنْ كَفَرَ" مِنْكُمْ "فَعَلَيْهِ كُفْره" أَيْ وَبَال كُفْره "وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ عِنْد رَبّهمْ إلَّا مَقْتًا" غَضَبًا "وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ إلَّا خَسَارًا" لِلْآخِرَةِ
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا ↓
"قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ" تَعْبُدُونَ "مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره وَهُمْ الْأَصْنَام الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَاء اللَّه تَعَالَى "أَرُونِي" أَخْبِرُونِي "مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْض أَمْ لَهُمْ شِرْك" شِرْكَة مَعَ اللَّه "فِي" خَلْق "السَّمَوَات أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة" حُجَّة "مِنْهُ" بِأَنَّ لَهُمْ مَعِي شَرِكَة ؟ لَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ "بَلْ إنْ" مَا "يَعِد الظَّالِمُونَ" الْكَافِرُونَ "بَعْضهمْ بَعْضًا إلَّا غُرُورًا" بَاطِلًا بِقَوْلِهِمْ الْأَصْنَام تَشْفَع لَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ↓
"إنَّ اللَّه يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا" أَيْ يَمْنَعهُمَا مِنْ الزَّوَال "وَلَئِنْ" لَام الْقَسَم "زَالَتَا إنْ" مَا "أَمْسَكَهُمَا" يُمْسِكهُمَا "مِنْ أَحَد مِنْ بَعْده" أَيْ سِوَاهُ "إنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" فِي تَأْخِير عِقَاب الْكُفَّار
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ↑
"وَأَقْسَمُوا" أَيْ كُفَّار مَكَّة "بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ" غَايَة اجْتِهَادهمْ فِيهَا "لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِير" رَسُول "لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إحْدَى الْأُمَم" الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَغَيْرهمْ أَيْ أَيّ وَاحِدَة مِنْهَا لِمَا رَأَوْا مِنْ تَكْذِيب بَعْضهمْ بَعْضًا إذْ قَالَتْ الْيَهُود : لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْء وَقَالَتْ النَّصَارَى : لَيْسَتْ الْيَهُود عَلَى شَيْء "فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِير" مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا زَادَهُمْ" مَجِيئُهُ "إلَّا نُفُورًا" تَبَاعُدًا عَنْ الْهُدَى
اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا ↓
"اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْض" عَنْ الْإِيمَان مَفْعُول لَهُ "وَمَكْر" الْعَمَل "السَّيِّئ" مِنْ الشِّرْك وَغَيْره "وَلَا يَحِيق" يُحِيط "الْمَكْر السَّيِّئ إلَّا بِأَهْلِهِ" وَهُوَ الْمَاكِر وَوَصْف الْمَكْر بِالسَّيْءِ أَصْل وَإِضَافَته إلَيْهِ قِيلَ : اسْتِعْمَال آخَر قُدِّرَ فِيهِ مُضَاف حَذَرًا مِنْ الْإِضَافَة إلَى الصِّفَة "فَهَلْ يَنْظُرُونَ" يَنْتَظِرُونَ "إلَّا سُنَّة الْأَوَّلِينَ" سُنَّة اللَّه فِيهِمْ مِنْ تَعْذِيبهمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلهمْ "فَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه تَحْوِيلًا" أَيْ لَا يُبَدَّل بِالْعَذَابِ غَيْره وَلَا يَحُول إلَى غَيْر مُسْتَحِقّه
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ↓
"أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ وَكَانُوا أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة" فَأَهْلَكَهُمْ اللَّه بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلهمْ "وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء" يَسْبِقهُ وَيَفُوتهُ "فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض إنَّهُ كَانَ عَلِيمًا" أَيْ بِالْأَشْيَاءِ كُلّهَا "قَدِيرًا" عَلَيْهَا
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ↓
"وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاس بِمَا كَسَبُوا" مِنْ الْمَعَاصِي "مَا تَرَك عَلَى ظَهْرهَا" أَيْ الْأَرْض "مِنْ دَابَّة" نَسَمَة تَدِبّ عَلَيْهَا "وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إلَى أَجَل مُسَمَّى" أَيْ يَوْم الْقِيَامَة "فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا" فَيُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالهمْ بِإِثَابَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِقَاب الْكَافِرِينَ