"قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ" نَزَال "عَلَيْهِ عَاكِفِينَ" عَلَى عِبَادَته مُقِيمِينَ
"قَالَ" مُوسَى بَعْد رُجُوعه "يَا هَارُون مَا مَنَعَك إذْ رَأَيْتهمْ ضَلُّوا" بِعِبَادَتِهِ
"أَ" نْ "لَّا" لَا زَائِدَة "أَفَعَصَيْت أَمْرِي" بِإِقَامَتِك بَيْن مَنْ يَعْبُد غَيْر اللَّه تَعَالَى
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ↓
"قَالَ" هَارُون "يَبْنَؤُمَّ" بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْحهَا أَرَادَ أُمِّي وَذِكْرهَا أَعْطَف لِقَلْبِهِ "لَا تَأْخُذ بِلِحْيَتِي" وَكَانَ أَخَذَهَا بِشِمَالِهِ "وَلَا بِرَأْسِي" وَكَانَ أَخَذَ شَعَره بِيَمِينِهِ غَضَبًا "إنِّي خَشِيت" لَوْ اتَّبَعْتُك وَلَا بُدّ أَنْ يَتَّبِعَنِي جَمْع مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْل "أَنْ تَقُول فَرَّقْت بَيْن بَنِي إسْرَائِيل" وَتَغْضَب عَلَيَّ "وَلَمْ تَرْقُب" تَنْتَظِر "قَوْلِي" فِيمَا رَأَيْته فِي ذَلِكَ
"قَالَ فَمَا خَطْبك" شَأْنك الدَّاعِي إلَى مَا صَنَعْت
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ↓
"قَالَ بَصُرْت بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ" بِالْيَاءِ وَالتَّاء أَيْ عَلِمْت مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ "فَقَبَضْت قَبْضَة مِنْ" تُرَاب "أَثَر" حَافِر فَرَس "الرَّسُول" جِبْرِيل "فَنَبَذْتهَا" أَلْقَيْتهَا فِي صُورَة الْعِجْل الْمُصَاغ "وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ" زَيَّنَتْ "لِي نَفْسِي" وَأُلْقِيَ فِيهَا أَنَّ آخِذ قَبْضَة مِنْ تُرَاب مَا ذُكِرَ وَأُلْقِيهَا عَلَى مَا لَا رُوح لَهُ يَصِير لَهُ رُوح وَرَأَيْت قَوْمك طَلَبُوا مِنْك أَنْ تَجْعَل لَهُمْ إلَهًا فَحَدَّثَتْنِي نَفْسِي أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْعِجْل إلَههمْ
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ↓
"قَالَ" لَهُ مُوسَى "فَاذْهَبْ" مِنْ بَيْننَا "فَإِنَّ لَك فِي الْحَيَاة" أَيْ مُدَّة حَيَاتك "أَنْ تَقُول" لِمَنْ رَأَيْته "لَا مِسَاس" أَيْ لَا تَقْرَبنِي فَكَانَ يَهِيم فِي الْبَرِيَّة وَإِذَا مَسَّ أَحَدًا أَوْ مَسَّهُ أَحَد حُمَّا جَمِيعًا "وَإِنَّ لَك مَوْعِدًا" لِعَذَابِك "لَنْ تُخْلِفهُ" بِكَسْرِ اللَّام : أَيْ لَنْ تَغِيب عَنْهُ وَبِفَتْحِهَا أَيْ بَلْ تُبْعَث إلَيْهِ "وَانْظُرْ إلَى إلَهك الَّذِي ظَلْتَ" أَصْله ظَلِلْت بِلَامَيْنِ أُولَاهُمَا مَكْسُورَة حُذِفَتْ تَخْفِيفًا أَيْ دُمْت "عَلَيْهِ عَاكِفًا" أَيْ مُقِيمًا تَعْبُدهُ "لَنُحَرِّقَنَّهُ" بِالنَّارِ "ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمّ نَسْفًا" نُذْرِيَنَّهُ فِي هَوَاء الْبَحْر وَفَعَلَ مُوسَى بَعْد ذَبْحه مَا ذَكَرَهُ
"إنَّمَا إلَهكُمْ اللَّه الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ وَسِعَ كُلّ شَيْء عِلْمًا" تَمْيِيز مُحَوَّل عَنْ الْفَاعِل أَيْ وَسِعَ عِلْمه كُلّ شَيْء
"كَذَلِكَ" أَيْ كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد هَذِهِ الْقِصَّة "نَقُصّ عَلَيْك مِنْ أَنْبَاء" أَخْبَار "مَا قَدْ سَبَقَ" مِنْ الْأُمَم "وَقَدْ آتَيْنَاك" أَعْطَيْنَاك "مِنْ لَدُنَّا" مِنْ عِنْدنَا "ذِكْرًا" قُرْآنًا
"مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ" فَلَمْ يُؤْمِن بِهِ "فَإِنَّهُ يَحْمِل يَوْم الْقِيَامَة وِزْرًا" حِمْلًا ثَقِيلًا مِنْ الْإِثْم
"خَالِدِينَ فِيهِ" أَيْ فِي عَذَاب الْوِزْر "وَسَاءَ لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة حِمْلًا" تَمْيِيز مُفَسِّر لِلضَّمِيرِ فِي سَاءَ وَالْمَخْصُوص بِالذَّمِّ مَحْذُوف تَقْدِيره وِزْرهمْ وَاللَّام لِلْبَيَانِ وَيُبْدَل مِنْ يَوْم الْقِيَامَة
"يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّور" الْقَرْن النَّفْخَة الثَّانِيَة "وَنَحْشُر الْمُجْرِمِينَ" الْكَافِرِينَ "يَوْمئِذٍ زُرْقًا" عُيُونهمْ مَعَ سَوَاد وُجُوههمْ
"يَتَخَافَتُونَ بَيْنهمْ" يَتَسَارُّونَ "إنْ" مَا "لَبِثْتُمْ" فِي الدُّنْيَا "إلَّا عَشْرًا" مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا ↓
"نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَقُولُونَ" فِي ذَلِكَ : أَيْ لَيْسَ كَمَا قَالُوا "إذْ يَقُول أَمْثَلهمْ" أَعْدَلهمْ "طَرِيقَة" فِيهِ "إنْ لَبِثْتُمْ إلَّا يَوْمًا" يَسْتَقِلُّونَ لُبْثهمْ فِي الدُّنْيَا جِدًّا لِمَا يُعَايِنُونَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ أَهْوَالهَا
"وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْجِبَال" كَيْفَ تَكُون يَوْم الْقِيَامَة "فَقُلْ" لَهُمْ "يَنْسِفهَا رَبِّي نَسْفًا" بِأَنْ يُفَتِّتهَا كَالرَّمْلِ السَّائِل ثُمَّ يُطِيرهَا بِالرِّيَاحِ
"فَيَذَرهَا قَاعًا" مُنْبَسِطًا "صَفْصَفًا" مُسْتَوِيًا
"لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا" انْخِفَاضًا "وَلَا أَمْتًا" ارْتِفَاعًا
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا ↓
"يَوْمئِذٍ" أَيْ يَوْم إذْ نُسِفَتْ الْجِبَال "يَتَّبِعُونَ" أَيْ النَّاس بَعْد الْقِيَام مِنْ الْقُبُور "الدَّاعِي" إلَى الْمَحْشَر بِصَوْتِهِ وَهُوَ إسْرَافِيل يَقُول : هَلُمُّوا إلَى عَرْض الرَّحْمَن "لَا عِوَج لَهُ" أَيْ لِاتِّبَاعِهِمْ : أَيْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ لَا يَتَّبِعُوا "وَخَشَعَتْ" سَكَنَتْ "الْأَصْوَات لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَع إلَّا هَمْسًا" صَوْت وَطْء الْأَقْدَام فِي نَقْلهَا إلَى الْمَحْشَر كَصَوْتِ أَخْفَاف الْإِبِل فِي مَشْيهَا
"يَوْمئِذٍ لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة" لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة أَحَدًا "إلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن" أَنْ يَشْفَع لَهُ "وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا" بِأَنْ يَقُول : لَا إلَه إلَّا اللَّه
"يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ" مِنْ أُمُور الْآخِرَة "وَمَا خَلْفهمْ" مِنْ أُمُور الدُّنْيَا "وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا" لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ
"وَعَنَتْ الْوُجُوه" خَضَعَتْ "لِلْحَيِّ الْقَيُّوم" أَيْ اللَّه "وَقَدْ خَابَ" خَسِرَ "مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا" أَيْ شِرْكًا
"وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات" الطَّاعَات "وَهُوَ مُؤْمِن فَلَا يَخَاف ظُلْمًا" بِزِيَادَةٍ فِي سَيِّئَاته "وَلَا هَضْمًا" بِنَقْصٍ مِنْ حَسَنَاته
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ↓
"وَكَذَلِكَ" مَعْطُوف عَلَى كَذَلِكَ نَقُصّ : أَيْ مِثْل إنْزَال مَا ذُكِرَ "أَنْزَلْنَاهُ" أَيْ الْقُرْآن "قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا" كَرَّرْنَا "فِيهِ مِنْ الْوَعِيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" يَتَّقُونَ الشِّرْك "أَوْ يُحْدِث" يُحْدِث الْقُرْآن "لَهُمْ ذِكْرًا" بِهَلَاكِ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنْ الْأُمَم فَيَعْتَبِرُونَ
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ↑
"فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ" عَمَّا يَقُول الْمُشْرِكُونَ "وَلَا تَعْجَل بِالْقُرْآنِ" أَيْ بِقِرَاءَتِهِ "مِنْ قَبْل أَنْ يُقْضَى إلَيْك وَحْيه" أَيْ يَفْرُغ جِبْرِيل مِنْ إبْلَاغه "وَقُلْ رَبّ زِدْنِي عِلْمًا" أَيْ بِالْقُرْآنِ فَكُلَّمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ زَادَ بِهِ عِلْمه
"وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَم" وَصَّيْنَاهُ أَنْ لَا يَأْكُل مِنْ الشَّجَرَة "مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل أَكْله مِنْهَا "فَنَسِيَ" تَرَكَ عَهْدنَا "وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا" حَزْمًا وَصَبْرًا عَمَّا نَهَيْنَاهُ عَنْهُ
"وَ" اذْكُر "إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس" وَهُوَ أَبُو الْجِنّ كَانَ يَصْحَب الْمَلَائِكَة وَيَعْبُد اللَّه مَعَهُمْ "أَبَى" عَنْ السُّجُود لِآدَم "قَالَ أَنَا خَيْر مِنْهُ"
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ↓
"فَقُلْنَا يَا آدَم إنَّ هَذَا عَدُوّ لَك وَلِزَوْجِك" حَوَّاء بِالْمَدِّ "فَلَا يُخْرِجَنكُمَا مِنْ الْجَنَّة فَتَشْقَى" تَتْعَب بِالْحَرْثِ وَالزَّرْع وَالْحَصْد وَالطَّحْن وَالْخَبْز وَغَيْر ذَلِكَ وَاقْتَصَرَ عَلَى شَقَائِهِ لِأَنَّ الرَّجُل يَسْعَى عَلَى زَوْجَته
"وَأَنَّك" بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْرهَا عَطْف عَلَى اسْم إنَّ وَجُمْلَتهَا "لَا تَظْمَأ فِيهَا" تَعْطَش "وَلَا تَضْحَى" لَا يَحْصُل لَك حَرّ شَمْس الضُّحَى لِانْتِفَاءِ الشَّمْس فِي الْجَنَّة
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى ↓
"فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَان قَالَ يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد" أَيْ الَّتِي يُخَلَّد مَنْ يَأْكُل مِنْهَا "وَمُلْك لَا يَبْلَى" لَا يَفْنَى وَهُوَ لَازِم الْخُلْد