"جَنَّة" بُسْتَان "خِلَالهَا" وَسَطهَا
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ↓
"كِسَفًا" قِطَعًا "قَبِيلًا" مُقَابَلَة وَعِيَانًا فَنَرَاهُمْ
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ↓
"زُخْرُف" ذَهَب "أَوْ تَرْقَى" تَصْعَد "فِي السَّمَاء" بِسُلَّمٍ "وَلَنْ نُؤْمِن لِرُقِيِّك" لَوْ رَقِيت فِيهَا "حَتَّى تُنَزِّل عَلَيْنَا" مِنْهَا "كِتَابًا" فِيهِ تَصْدِيقك "قُلْ" لَهُمْ "سُبْحَان رَبِّي" تَعَجُّب "هَلْ" مَا "كُنْت إلَّا بَشَرًا رَسُولًا" كَسَائِرِ الرُّسُل وَلَمْ يَكُونُوا يَأْتُونَ بِآيَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّه
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً ↓
"إلَّا أَنْ قَالُوا" أَيْ قَوْلهمْ مُنْكِرِينَ "أَبَعَثَ اللَّه بَشَرًا رَسُولًا" وَلَمْ يَبْعَث مَلَكًا
قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً ↓
"قُلْ" لَهُمْ "لَوْ كَانَ فِي الْأَرْض مَلَائِكَة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ" بَدَل الْبَشَر "لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء مَلَكًا رَسُولًا" إذْ لَا يُرْسَل إلَى قَوْم رَسُول إلَّا مِنْ جِنْسهمْ لِيُمْكِنهُمْ مُخَاطَبَته وَالْفَهْم عَنْهُ
"شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ" عَلَى صِدْقِي "خَبِيرًا بَصِيرًا" عَالِمًا بِبَوَاطِنِهِمْ وَظَوَاهِرهمْ
وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ↓
"فَلَنْ تَجِد لَهُمْ أَوْلِيَاء" يَهْدُونَهُمْ "وَنَحْشُرهُمْ يَوْم الْقِيَامَة" مَاشِينَ "مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم كُلَّمَا خَبَتْ" سَكَنَ لَهَبهَا "زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا" تَلَهُّبًا وَاشْتِعَالًا
ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ↓
"بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا" مُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ "أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا"
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُورًا ↓
"أَوَلَمْ يَرَوْا" يَعْلَمُوا "أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض" مَعَ عِظَمهمَا "قَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُق مِثْلهمْ" أَيْ الْأَنَاسِيّ فِي الصِّغَر "وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا" لِلْمَوْتِ وَالْبَعْث "فَأَبَى الظَّالِمُونَ إلَّا كُفُورًا" جُحُودًا لَهُ
قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا ↓
"قُلْ" لَهُمْ "لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي" مِنْ الرِّزْق وَالْمَطَر "إذًا لَأَمْسَكْتُمْ" لَبَخِلْتُمْ "خَشْيَة الْإِنْفَاق" خَوْف نَفَادهَا بِالْإِنْفَاقِ فَتُقَتِّرُوا "قَتُورًا" بَخِيلًا
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ↓
"وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات" وَهِيَ الْيَد وَالْعَصَا وَالطُّوفَان وَالْجَرَاد وَالْقُمَّل وَالضَّفَادِع وَالدَّم أَوْ الطَّمْس وَنَقْص الثَّمَرَات "فَاسْأَلْ" يَا مُحَمَّد "بَنِي إسْرَائِيل" عَنْهُ سُؤَال تَقْرِير لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى صِدْقك أَوْ فَقُلْنَا لَهُ : اسْأَلْ وَفِي قِرَاءَة بِلَفْظِ الْمَاضِي "مَسْحُورًا" مَخْدُوعًا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلك
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ↓
"قَالَ لَقَدْ عَلِمْت مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ" الْآيَات "إلَّا رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بَصَائِر" عِبَرًا وَلَكِنَّك تُعَانِد وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ التَّاء "وَإِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا" هَالِكًا أَوْ مَصْرُوفًا عَنْ الْخَيْر
"فَأَرَادَ" فِرْعَوْن "أَنْ يَسْتَفِزّهُمْ" يُخْرِج مُوسَى وَقَوْمه "مِنْ الْأَرْض" أَرْض مِصْر
وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ↓
"وَعْد الْآخِرَة" أَيْ السَّاعَة "جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا" جَمِيعًا أَنْتُمْ وَهُمْ
"وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ" أَيْ الْقُرْآن "وَبِالْحَقِّ" الْمُشْتَمِل عَلَيْهِ "نَزَلَ" كَمَا أُنْزِلَ لَمْ يَعْتَرِهِ تَبْدِيل "وَمَا أَرْسَلْنَاك" يَا مُحَمَّد "إلَّا مُبَشِّرًا" مَنْ آمَنَ بِالْجَنَّةِ "وَنَذِيرًا" مَنْ كَفَرَ بِالنَّارِ
"وَقُرْآنًا" مَنْصُوب بِفِعْلٍ يُفَسِّرهُ "فَرَقْنَاهُ" نَزَّلْنَاهُ مُفَرَّقًا فِي عِشْرِينَ سَنَة أَوْ وَثَلَاث "مُكْث" مَهْل وَتُؤَدَة لِيَفْهَمُوهُ "وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا" شَيْئًا بَعْد شَيْء عَلَى حَسَب الْمَصَالِح
قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا ↓
"قُلْ" لِكُفَّارِ مَكَّة "آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا" تَهْدِيد لَهُمْ "مِنْ قَبْله" قَبْل نُزُوله وَهُمْ مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب
"وَيَقُولُونَ سُبْحَان رَبّنَا" تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ خُلْف الْوَعْد "إنْ" مُخَفَّفَة "كَانَ وَعْد رَبّنَا" بِنُزُولِهِ وَبَعْث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ" عَطْف بِزِيَادَةِ صِفَة "وَيَزِيدهُمْ" الْقُرْآن "خُشُوعًا" تَوَاضُعًا لِلَّهِ
قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ↓
وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : "يَا اللَّه يَا رَحْمَن" فَقَالُوا : يَنْهَانَا أَنْ نَعْبُد إلَهَيْنِ وَهُوَ يَدْعُو إلَهًا آخَرَ مَعَهُ فَنَزَلَ "قُلْ" لَهُمْ "اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن" أَيْ سَمُّوهُ بِأَيِّهِمَا أَوْ نَادُوهُ بِأَنْ تَقُولُوا : يَا اللَّه يَا رَحْمَن "أَيًّا" شَرْطِيَّة "مَا" زَائِدَة أَيْ أَيّ هَذَيْنِ "تَدْعُوا" فَهُوَ حَسَن دَلَّ عَلَى هَذَا "فَلَهُ" أَيْ لِمُسَمَّاهُمَا "الْأَسْمَاء الْحُسْنَى" وَهَذَانِ مِنْهَا فَإِنَّهَا كَمَا فِي الْحَدِيث "اللَّه الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم الْمَلِك الْقُدُّوس السَّلَام الْمُؤْمِن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار الْمُتَكَبِّر الْخَالِق الْبَارِئ الْمُصَوِّر الْغَفَّار الْقَهَّار الْوَهَّاب الرَّزَّاق الْفَتَّاح الْعَلِيم الْقَابِض الْبَاسِط الْخَافِض الرَّافِع الْمُعِزّ الْمُذِلّ السَّمِيع الْبَصِير الْحَكَم الْعَدْل اللَّطِيف الْخَبِير الْحَلِيم الْعَظِيم الْغَفُور الشَّكُور الْعَلِيّ الْكَبِير الْحَفِيظ الْمَقِيت الْحَسِيب الْجَلِيل الْكَرِيم الرَّقِيب الْمُجِيب الْوَاسِع الْحَكِيم الْوَدُود الْمَجِيد الْبَاعِث الشَّهِيد الْحَقّ الْوَكِيل الْقَوِيّ الْمَتِين الْوَلِيّ الْحَمِيد الْمُحْصِي الْمُبْدِئ الْمُعِيد الْمُحْيِي الْمُمِيت الْحَيّ الْقَيُّوم الْوَاجِد الْمَاجِد الْوَاحِد الْأَحَد الصَّمَد الْقَادِر الْمُقْتَدِر الْمُقَدِّم الْمُؤَخِّر الْأَوَّل الْآخِر الظَّاهِر الْبَاطِن الْوَالِي الْمُتَعَالِي الْبَرّ التَّوَّاب الْمُنْتَقِم الْعَفُوّ الرَّءُوف مَالِك الْمُلْك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام الْمُقْسِط الْجَامِع الْغَنِيّ الْمُغْنِي الْمَانِع الضَّارّ النَّافِع النُّور الْهَادِي الْبَدِيع الْبَاقِي الْوَارِث الرَّشِيد الصَّبُور" رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ "وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك" بِقِرَاءَتِك بِهَا فَيَسْمَعك الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوك وَيَسُبُّوا الْقُرْآن وَمَنْ أَنْزَلَهُ "وَلَا تُخَافِت" تُسِرّ "بِهَا" لِيَنْتَفِع أَصْحَابك "وَابْتَغِ" اقْصِدْ "بَيْن ذَلِكَ" الْجَهْر وَالْمُخَافَتَة "سَبِيلًا" طَرِيقًا وَسَطًا
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ↓
"شَرِيك فِي الْمُلْك" فِي الْأُلُوهِيَّة "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ" يَنْصُرهُ "مِنْ" أَجْل "الذُّلّ" أَيْ لَمْ يُذَلّ فَيَحْتَاج إلَى نَاصِر "وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا" عَظِّمْهُ عَظَمَة تَامَّة عَنْ اتِّخَاذ الْوَلَد الشَّرِيك وَالذُّلّ وَكُلّ مَا لَا يَلِيق بِهِ وَتَرْتِيب الْحَمْد عَلَى ذَلِكَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِد لِكَمَالِ ذَاته وَتَفَرُّده فِي صِفَاته وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ مُعَاذ الْجُهَنِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : "آيَة الْعِزّ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيك فِي الْمُلْك" إلَى آخِر السُّورَة وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم قَالَ مُؤَلِّفه هَذَا آخِر مَا كَمَّلْت بِهِ تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم الَّذِي أَلَّفَهُ الشَّيْخ الْإِمَام الْعَالِم الْمُحَقِّق جَلَال الدِّين الْمُحَلَّى الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَدْ أَفْرَغْت لِمُكْمِلٍ وَعَلَيْهِ فِي الْآي الْمُتَشَابِهَة الِاعْتِمَاد وَالْمُعَوَّل فَرَحِمَ اللَّه امْرَأً نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَاف إلَيْهِ وَوَقَفَ فِيهِ عَلَى خَطَأ فَأَطْلَعَنِي عَلَيْهِ وَقَدْ قُلْت : حَمِدْت اللَّه رَبِّي إذْ هَدَانِي لِمَا أَبْدَيْت مَعَ عَجْزِي وَضَعْفِي فَمَنْ لِي بِالْخَطَأِ فَأَرُدّ عَنْهُ وَمَنْ لِي بِالْقَبُولِ وَلَوْ بِحَرْفِ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ قَطّ فِي خَلَدِي أَنْ أَتَعَرَّض لِذَلِكَ لِعِلْمِي بِالْعَجْزِ عَنْ الْخَوْض فِي هَذِهِ الْمَسَالِك وَعَسَى اللَّه أَنْ يَنْفَع بِهِ نَفْعًا جَمًّا وَيَفْتَح بِهِ قُلُوبًا غُلْفًا وَأَعْيُنًا وَآذَانًا صُمًّا وَكَأَنِّي بِمَنْ اعْتَادَ الْمُطَوَّلَات وَقَدْ أَضْرَبَ عَنْ هَذِهِ التَّكْمِلَة وَأَصْلهَا حَسْمًا وَعَدَلَ إلَى صَرِيح الْعِنَاد وَلَمْ يُوَجِّه إلَى دَقَائِقهَا فَهْمًا "وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى" رَزَقَنَا اللَّه بِهِ هِدَايَة إلَى سَبِيل الْحَقّ وَتَوْفِيقًا وَاطِّلَاعًا عَلَى دَقَائِق كَلِمَاته وَتَحْقِيقًا وَجَعَلَنَا بِهِ "مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" وَفَرَغَ مِنْ تَأْلِيفه يَوْم الْأَحَد عَاشِر شَوَّال سَنَة سَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَكَانَ الِابْتِدَاء فِي يَوْم الْأَرْبِعَاء مُسْتَهَلّ رَمَضَان مِنْ السَّنَة الْمَذْكُورَة وَفَرَغَ مِنْ تَبْيِيضه يَوْم الْأَرْبِعَاء سَادِس صَفَر سَنَة إحْدَى وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَاَللَّه أَعْلَم قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الْخَطِيب الطُّوخِيّ أَخْبَرَنِي صَدِيقِي الشَّيْخ الْعَلَّامَة كَمَال الدِّين الْمُحَلَّى أَخُو شَيْخنَا الشَّيْخ جَلَال الدِّين الْمُحَلَّى رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ رَأَى أَخَاهُ الشَّيْخ جَلَال الدِّين الْمَذْكُور فِي النَّوْم وَبَيْن يَدَيْهِ صَدِيقنَا الشَّيْخ الْعَلَّامَة الْمُحَقِّق جَلَال الدِّين السُّيُوطِيّ مُصَنِّف هَذِهِ التَّكْمِلَة وَقَدْ أَخَذَ الشَّيْخ هَذِهِ التَّكْمِلَة فِي يَده وَتَصَفَّحَهَا وَيَقُول لِمُصَنِّفِهَا الْمَذْكُور أَيّهمَا أَحْسَن وَضْعِي أَوْ وَضْعك فَقَالَ : وَضْعِي فَقَالَ : اُنْظُرْ وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَوَاضِع فِيهَا وَكَأَنَّهُ يُشِير إلَى اعْتِرَاض فِيهَا بِلُطْفٍ وَمُصَنِّف هَذِهِ التَّكْمِلَة كُلَّمَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ شَيْئًا يُجِيبهُ وَالشَّيْخ يَبْتَسِم وَيَضْحَك قَالَ شَيْخنَا الْإِمَام الْعَلَّامَة جَلَال الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر السُّيُوطِيّ مُصَنِّف هَذِهِ التَّكْمِلَة : الَّذِي أَعْتَقِدهُ وَأَجْزِم بِهِ أَنَّ الْوَضَع الَّذِي وَضَعَهُ الشَّيْخ جَلَال الدِّين الْمُحَلَّى رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي قِطْعَته أَحْسَن مِنْ وَضْعِي أَنَا بِطَبَقَاتٍ كَثِيرَة كَيْفَ وَغَالِب مَا وَضَعْته هُنَا مُقْتَبَس مِنْ وَضْعه وَمُسْتَفَاد مِنْهُ لَا مِرْيَة عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الَّذِي رُئِيَ فِي الْمَنَام الْمَكْتُوب أَعْلَاهُ فَلَعَلَّ الشَّيْخ أَشَارَ بِهِ إلَى الْمَوَاضِع الْقَلِيلَة الَّتِي خَالَفْت وَضْعه فِيهَا لِنُكْتَةٍ وَهِيَ يَسِيرَةٌ جِدًّا مَا أَظُنّهَا تَبْلُغ عَشَرَةَ مَوَاضِع مِنْهَا أَنَّ الشَّيْخ قَالَ فِي سُورَة ص : وَالرُّوح جِسْم لَطِيف يَحْيَا بِهِ الْإِنْسَان بِنُفُوذِهِ فِيهِ وَكُنْت تَبِعْته أَوَّلًا فَذَكَرْت هَذَا الْحَدّ فِي سُورَة الْحِجْر ثُمَّ ضَرَبْت عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى "وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي" الْآيَة فَهِيَ صَرِيحَة أَوْ كَالصَّرِيحَةِ فِي أَنَّ الرُّوح مِنْ عِلْم اللَّه تَعَالَى لَا نَعْلَمهُ فَالْإِمْسَاك عَنْ تَعْرِيفهَا أَوْلَى وَلِذَا قَالَ الشَّيْخ تَاج الدِّين بْن السُّبْكِيّ فِي جَمْع الْجَوَامِع : وَالرُّوح لَمْ يَتَكَلَّم عَلَيْهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُمْسِك عَنْهَا وَمِنْهَا أَنَّ الشَّيْخ قَالَ فِي سُورَة الْحَجّ : الصَّابِئُونَ فِرْقَة مِنْ الْيَهُود فَذَكَرْت ذَلِكَ فِي سُورَة الْبَقَرَة وَزِدْت أَوْ النَّصَارَى بَيَانًا لِقَوْلٍ ثَانٍ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوف خُصُوصًا عِنْد أَصْحَابنَا الْفُقَهَاء وَفِي الْمِنْهَاج وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَة الْيَهُود وَالصَّابِئَة النَّصَارَى فِي أَصْل دِينهمْ وَفِي شَرْحه أَنَّ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الصَّابِئِينَ فِرْقَة مِنْ النَّصَارَى وَلَا أَسْتَحْضِر الْآن مَوْضِعًا ثَالِثًا فَكَأَنَّ الشَّيْخ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى يُشِير إلَى مِثْل هَذَا وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِع وَالْمَآب .