يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ أَنْشَأَ بَعْد قَوْم نُوح قَرْنًا آخَرِينَ قِيلَ الْمُرَاد بِهِمْ عَاد فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَخْلَفِينَ بَعْدهمْ وَقِيلَ الْمُرَاد بِهَؤُلَاءِ ثَمُود لِقَوْلِهِ " فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ" .
فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ ↓
وَأَنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ .
وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ↓
فَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَأَبَوْا عَنْ اِتِّبَاعه لِكَوْنِهِ بَشَرًا مِثْلهمْ وَاسْتَنْكَفُوا عَنْ اِتِّبَاع رَسُول بَشَرِيّ وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّه فِي الْقِيَامَة وَأَنْكَرُوا الْمَعَاد الْجُثْمَانِيّ .
فَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَأَبَوْا عَنْ اِتِّبَاعه لِكَوْنِهِ بَشَرًا مِثْلهمْ وَاسْتَنْكَفُوا عَنْ اِتِّبَاع رَسُول بَشَرِيّ وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّه فِي الْقِيَامَة وَأَنْكَرُوا الْمَعَاد الْجُثْمَانِيّ .
وَقَالُوا " أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ " أَيْ بَعُدَ بَعُدَ ذَلِكَ .
وَقَالُوا " أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ " أَيْ بَعُدَ بَعُدَ ذَلِكَ .
وَقَالُوا " أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ " أَيْ بَعُدَ بَعُدَ ذَلِكَ .
" إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُل اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا " أَيْ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ الرِّسَالَة وَالنِّذَارَة وَالْإِخْبَار بِالْمَعَادِ " وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ " .
أَيْ اِسْتَفْتَحَ عَلَيْهِمْ الرَّسُول وَاسْتَنْصَرَ رَبّه عَلَيْهِمْ فَأَجَابَ دُعَاءَهُ .
" قَالَ عَمَّا قَلِيل لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ " أَيْ بِمُخَالَفَتِك وَعِنَادك فِيمَا جِئْتهمْ بِهِ .
" فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ" أَيْ وَكَانُوا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ مِنْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ وَطُغْيَانهمْ وَالظَّاهِر أَنَّهُ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ صَيْحَة مَعَ الرِّيح الصَّرْصَر الْعَاصِف الْقَوِيّ الْبَارِد " تُدَمِّر كُلّ شَيْء بِأَمْرِ رَبّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنهمْ " وَقَوْله " فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء " أَيْ صَرْعَى هَلْكَى كَغُثَاءِ السَّيْل وَهُوَ الشَّيْء الْحَقِير التَّافِه الْهَالِك الَّذِي لَا يُنْتَفَع بِشَيْءٍ مِنْهُ " فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " كَقَوْلِهِ " وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ " أَيْ بِكُفْرِهِمْ وَعِنَادهمْ وَمُخَالَفَة رَسُول اللَّه فَلْيَحْذَرْ السَّامِعُونَ أَنْ يُكَذِّبُوا رَسُولهمْ .
يَقُول تَعَالَى" ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدهمْ قُرُونًا آخَرِينَ " أَيْ أُمَمًا وَخَلَائِق .
" مَا تَسْبِق مِنْ أُمَّة أَجَلهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ " يَعْنِي بَلْ يُؤْخَذُونَ عَلَى حَسَب مَا قَدَّرَ لَهُمْ تَعَالَى فِي كِتَابه الْمَحْفُوظ وَعَلِمَهُ قَبْل كَوْنهمْ أُمَّة بَعْد أُمَّة وَقَرْنًا بَعْد قَرْن وَجِيلًا بَعْد جِيل وَخَلَفًا بَعْد سَلَف .
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لّا يُؤْمِنُونَ ↓
" ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا تَتْرَى " قَالَ اِبْن عَبَّاس يَعْنِي يَتْبَع بَعْضهمْ بَعْضًا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّه وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَة " وَقَوْله " كُلَّمَا جَاءَ أُمَّة رَسُولهَا كَذَّبُوهُ " يَعْنِي جُمْهُورهمْ وَأَكْثَرهمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى " يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ " وَقَوْله " فَأَتْبَعْنَا بَعْضهمْ بَعْضًا " أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ كَقَوْلِهِ " وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُون مِنْ بَعْد نُوح " وَقَوْله " وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيث" أَيْ أَخْبَارًا وَأَحَادِيث لِلنَّاسِ كَقَوْلِهِ " فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيث وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلّ مُمَزَّق " .
يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَ رَسُوله مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُون إِلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ بِالْآيَاتِ وَالْحُجَج الدَّامِغَات وَالْبَرَاهِين الْقَاطِعَات .
وَأَنَّ فِرْعَوْن وَقَوْمه اِسْتَكْبَرُوا عَنْ اِتِّبَاعهمَا وَالِانْقِيَاد لِأَمْرِهِمَا .
لِكَوْنِهِمَا بَشَرَيْنِ كَمَا أَنْكَرَتْ الْأُمَم الْمَاضِيَة بَعْثَة الرُّسُل مِنْ الْبَشَر تَشَابَهَتْ قُلُوبهمْ .
فَأَهْلَكَ اللَّه فِرْعَوْن وَمَلَأَهُ وَأَغْرَقَهُمْ فِي يَوْم وَاحِد أَجْمَعِينَ .
وَأَنْزَلَ عَلَى مُوسَى الْكِتَاب وَهُوَ التَّوْرَاة فِيهَا أَحْكَامه وَأَوَامِره وَنَوَاهِيه وَذَلِكَ بَعْد أَنْ قَصَمَ اللَّه فِرْعَوْن وَالْقِبْط وَأَخَذَهُمْ أَخْذ عَزِيز مُقْتَدِر وَبَعْد أَنْ أَنْزَلَ اللَّه التَّوْرَاة لَمْ يُهْلِك أُمَّة بِعَامَّةٍ بَلْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب مِنْ بَعْد مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُون الْأُولَى بَصَائِر لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَة لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " .
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْده وَرَسُوله عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنَّهُ جَعَلَهُمَا آيَة لِلنَّاسِ أَيْ حُجَّة قَاطِعَة عَلَى قُدْرَته عَلَى مَا يَشَاء فَإِنَّهُ خَلَقَ آدَم مِنْ غَيْر أَب وَلَا أُمّ وَخَلَقَ حَوَّاء مِنْ ذَكَر بِلَا أُنْثَى وَخَلَقَ عِيسَى مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَر وَخَلَقَ بَقِيَّة النَّاس مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَقَوْله " وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين " قَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : الرَّبْوَة الْمَكَان الْمُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض وَهُوَ أَحْسَن مَا يَكُون فِيهِ النَّبَات وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَقَوْله " ذَات قَرَار" يَقُول ذَات خِصْب " وَمَعِين " يَعْنِي مَاء ظَاهِرًا وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَقَالَ مُجَاهِد رَبْوَة مُسْتَوِيَة وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر " ذَات قَرَار وَمَعِين" اِسْتَوَى الْمَاء فِيهَا وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة " وَمَعِين" الْمَاء الْجَارِي . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَكَان هَذِهِ الرَّبْوَة مِنْ أَيّ أَرْض هِيَ ؟ فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم : لَيْسَ الرُّبَى إِلَّا بِمِصْر وَالْمَاء حِين يَسِيل يَكُون الرُّبَى عَلَيْهَا الْقُرَى وَلَوْلَا الرُّبَى غَرِقَتْ الْقُرَى وَرُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه نَحْو هَذَا وَهُوَ بَعِيد جِدًّا . وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي قَوْله " وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين " قَالَ هِيَ دِمَشْق قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَالْحَسَن وَزَيْد بْن أَسْلَم وَخَاله بْن مَعْدَان نَحْو ذَلِكَ . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْأَشَجّ حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " ذَات قَرَار وَمَعِين " قَالَ : أَنْهَار دِمَشْق وَقَالَ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم عَنْ مُجَاهِد " وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة " قَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَأُمّه حِين أَوَيَا إِلَى غُوطَة دِمَشْق وَمَا حَوْلهَا وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ بِشْر بْن رَافِع عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن عَمّ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى " إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين " قَالَ هِيَ الرَّمْلَة مِنْ فِلَسْطِين وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف الْفِرْيَابِيّ حَدَّثَنَا رَوَّاد بْن الْجَرَّاح حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاد الْخَوَّاص أَبُو عُتْبَة حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيّ عَنْ اِبْن وَعْلَة عَنْ كُرَيْب السُّحُولِيّ عَنْ مُرَّة الْبَهْذِيّ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لِرَجُلٍ " إِنَّك تَمُوت بِالرَّبْوَةِ" فَمَاتَ بِالرَّمْلَةِ وَهَذَا حَدِيث غَرِيب جِدًّا وَأَقْرَب الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين " قَالَ الْمَعِين الْمَاء الْجَارِي وَهُوَ النَّهَر الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى " قَدْ جَعَلَ رَبّك تَحْتك سَرِيًّا " وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَقَتَادَة" إِلَى رَبْوَة ذَات قَرَار وَمَعِين " هُوَ بَيْت الْمَقْدِس فَهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم هُوَ الْأَظْهَر لِأَنَّهُ الْمَذْكُور فِي الْآيَة الْأُخْرَى وَالْقُرْآن يُفَسِّر بَعْضه بَعْضًا وَهَذَا أَوْلَى مَا يُفَسَّر بِهِ ثُمَّ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ثُمَّ الْآثَار .
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ↓
يَأْمُر تَعَالَى عِبَاده الْمُرْسَلِينَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَجْمَعِينَ - بِالْأَكْلِ مِنْ الْحَلَال وَالْقِيَام بِالصَّالِحِ مِنْ الْأَعْمَال فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَلَال عَوْن عَلَى الْعَمَل الصَّالِح فَقَامَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام بِهَذَا أَتَمّ الْقِيَام وَجَمَعُوا بَيْن كُلّ خَيْر قَوْلًا وَعَمَلًا وَدَلَالَة وَنُصْحًا فَجَزَاهُمْ اللَّه عَنْ الْعِبَاد خَيْرًا . قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله " يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات " قَالَ أَمَا وَاَللَّه مَا أَمْركُمْ بِأَصْفَرِكُمْ وَلَا أَحْمَركُمْ وَلَا حُلْوكُمْ وَلَا حَامِضكُمْ وَلَكِنْ قَالَ اِنْتَهُوا إِلَى الْحَلَال مِنْهُ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك " كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات " يَعْنِي الْحَلَال وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق السَّبِيعِيّ عَنْ أَبِي مَيْسَرَة عَمْرو بْن شُرَحْبِيل كَانَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم يَأْكُل مِنْ غَزْل أُمّه وَفِي الصَّحِيح " وَمَا مِنْ نَبِيّ إِلَّا رَعَى الْغَنَم - قَالُوا وَأَنْتَ يَا رَسُول اللَّه ؟ - قَالَ نَعَمْ وَأَنَا كُنْت أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيط لِأَهْلِ مَكَّة " وَفِي الصَّحِيح " إِنَّ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُل مِنْ كَسْب يَده " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " إِنَّ أَحَبّ الصِّيَام إِلَى اللَّه صِيَام دَاوُد وَأَحَبّ الْقِيَام إِلَى اللَّه قِيَام دَاوُد كَانَ يَنَام نِصْف اللَّيْل وَيَقُوم ثُلُثه وَيَنَام سُدُسه وَكَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيُفْطِر يَوْمًا وَلَا يَفِرّ إِذَا لَاقَى " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَان الْحَكَم بْن نَافِع حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ ضَمْرَة بْن حَبِيب أَنَّ أُمّ عَبْد اللَّه بِنْت شَدَّاد بْن أَوْس قَالَتْ بَعَثْت إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَن عِنْد فِطْره وَهُوَ صَائِم وَذَلِكَ فِي أَوَّل النَّهَار وَشِدَّة الْحَرّ فَرَدَّ إِلَيْهَا رَسُولهَا أَنَّى كَانَتْ لَك الشَّاة ؟ فَقَالَتْ اِشْتَرَيْتهَا مِنْ مَالِي فَشَرِبَ مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد أَتَتْهُ أُمّ عَبْد اللَّه بِنْت شَدَّاد فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه بَعَثْت إِلَيْك بِلَبَنٍ مَرْثِيَة لَك مِنْ طُول النَّهَار وَشِدَّة الْحَرّ فَرَدَدْت إِلَيَّ الرَّسُول فِيهِ فَقَالَ لَهَا " بِذَلِكَ أُمِرَتْ الرُّسُل أَنْ لَا تَأْكُل إِلَّا طَيِّبًا وَلَا تَعْمَل إِلَّا صَالِحًا " وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَجَامِع التِّرْمِذِيّ وَمُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد وَاللَّفْظ لَهُ مِنْ حَدِيث فُضَيْل بْن مَرْزُوق عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه طَيِّب لَا يَقْبَل إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ " يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم" وَقَالَ " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ " ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيل السَّفَر أَشْعَث أَغْبَر وَمَطْعَمه حَرَام وَمَشْرَبه حَرَام وَمَلْبَسه حَرَام وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ يَمُدّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء يَا رَبّ يَا رَبّ فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِكَ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث فُضَيْل بْن مَرْزُوق .
وَقَوْله " وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة " أَيْ دِينكُمْ يَا مَعْشَر الْأَنْبِيَاء دِين وَاحِد وَمِلَّة وَاحِدَة وَهُوَ الدَّعْوَة إِلَى عِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَلِهَذَا قَالَ " وَأَنَا رَبّكُمْ فَاتَّقُونِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء وَإِنَّ قَوْله " أُمَّة وَاحِدَة " مَنْصُوب عَلَى الْحَال .
وَقَوْله " فَتَقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ زُبُرًا " أَيْ الْأُمَم الَّذِينَ بُعِثَتْ إِلَيْهِمْ الْأَنْبِيَاء " كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " أَيْ يَفْرَحُونَ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ الضَّلَال لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وَلِهَذَا قَالَ مُتَهَدِّدًا لَهُمْ وَمُتَوَاعِدًا .
" فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتهمْ" أَيْ فِي غَيّهمْ وَضَلَالهمْ " حَتَّى حِين " أَيْ إِلَى حِين حِينهمْ وَهَلَاكهمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا " وَقَالَ تَعَالَى " ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الْأَمَل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " .
وَقَوْله" أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ مِنْ مَال وَبَنِينَ نُسَارِع لَهُمْ فِي الْخَيْرَات بَلْ لَا يَشْعُرُونَ " يَعْنِي أَيَظُنُّ هَؤُلَاءِ الْمَغْرُورُونَ أَنَّ مَا نُعْطِيهِمْ مِنْ الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْنَا وَمَعَزَّتهمْ عِنْدنَا كَلَّا لَيْسَ الْأَمْر كَمَا يَزْعُمُونَ فِي قَوْلهمْ " نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ " لَقَدْ أَخْطَئُوا فِي ذَلِكَ وَخَابَ رَجَاؤُهُمْ بَلْ إِنَّمَا نَفْعَل بِهِمْ ذَلِكَ اِسْتِدْرَاجًا وَإِنْظَارًا وَإِمْلَاء وَلِهَذَا قَالَ " بَلْ لَا يَشْعُرُونَ " كَمَا قَالَ تَعَالَى" فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " الْآيَة . وَقَالَ تَعَالَى " إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا " وَقَالَ تَعَالَى " فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّب بِهَذَا الْحَدِيث سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ " الْآيَة وَقَالَ " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْت وَحِيدًا . إِلَى قَوْله - عَنِيدًا " وَقَالَ تَعَالَى" وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِاَلَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا " الْآيَة . وَالْآيَات فِي هَذَا كَثِيرَة قَالَ قَتَادَة فِي قَوْله " أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ مِنْ مَال وَبَنِينَ نُسَارِع لَهُمْ فِي الْخَيْرَات بَلْ لَا يَشْعُرُونَ " قَالَ مَكْر وَاَللَّه بِالْقَوْمِ فِي أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ يَا اِبْن آدَم فَلَا تَعْتَبِر النَّاس بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادهمْ وَلَكِنْ اِعْتَبِرْهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَل الصَّالِح . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد حَدَّثَنَا أَبَان بْن إِسْحَاق عَنْ الصَّبَّاح بْن مُحَمَّد عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه قَسَمَ بَيْنكُمْ أَخْلَاقكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنكُمْ أَرْزَاقكُمْ وَإِنَّ اللَّه يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبّ وَمَنْ لَا يُحِبّ وَلَا يُعْطِي الدِّين إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّه الدِّين فَقَدْ أَحَبَّهُ وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يَسْلَم عَبْد حَتَّى يَسْلَم قَلْبه وَلِسَانه وَلَا يُؤْمِن حَتَّى يَأْمَن جَاره بَوَائِقه قَالُوا وَمَا بَوَائِقه يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " غَشْمه وَظُلْمه " وَلَا يَكْسِب عَبْد مَالًا مِنْ حَرَام فَيُنْفِق مِنْهُ فَيُبَارَك فِيهِ وَلَا يَتَصَدَّق بِهِ فَيُقْبَل مِنْهُ وَلَا يَتْرُكهُ خَلْف ظَهْره إِلَّا كَانَ زَاده إِلَى النَّار إِنَّ اللَّه لَا يَمْحُو السَّيِّئ بِالسَّيِّئِ وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئ بِالْحَسَنِ إِنَّ الْخَبِيث لَا يَمْحُو الْخَبِيث " .
وَقَوْله" أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ مِنْ مَال وَبَنِينَ نُسَارِع لَهُمْ فِي الْخَيْرَات بَلْ لَا يَشْعُرُونَ " يَعْنِي أَيَظُنُّ هَؤُلَاءِ الْمَغْرُورُونَ أَنَّ مَا نُعْطِيهِمْ مِنْ الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْنَا وَمَعَزَّتهمْ عِنْدنَا كَلَّا لَيْسَ الْأَمْر كَمَا يَزْعُمُونَ فِي قَوْلهمْ " نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ " لَقَدْ أَخْطَئُوا فِي ذَلِكَ وَخَابَ رَجَاؤُهُمْ بَلْ إِنَّمَا نَفْعَل بِهِمْ ذَلِكَ اِسْتِدْرَاجًا وَإِنْظَارًا وَإِمْلَاء وَلِهَذَا قَالَ " بَلْ لَا يَشْعُرُونَ " كَمَا قَالَ تَعَالَى" فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " الْآيَة . وَقَالَ تَعَالَى " إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا " وَقَالَ تَعَالَى " فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّب بِهَذَا الْحَدِيث سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ " الْآيَة وَقَالَ " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْت وَحِيدًا . إِلَى قَوْله - عَنِيدًا " وَقَالَ تَعَالَى" وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا " الْآيَة . وَالْآيَات فِي هَذَا كَثِيرَة قَالَ قَتَادَة فِي قَوْله " أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدّهُمْ بِهِ مِنْ مَال وَبَنِينَ نُسَارِع لَهُمْ فِي الْخَيْرَات بَلْ لَا يَشْعُرُونَ " قَالَ مَكْر وَاَللَّه بِالْقَوْمِ فِي أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ يَا اِبْن آدَم فَلَا تَعْتَبِر النَّاس بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادهمْ وَلَكِنْ اِعْتَبِرْهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَل الصَّالِح . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد حَدَّثَنَا أَبَان بْن إِسْحَاق عَنْ الصَّبَّاح بْن مُحَمَّد عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه قَسَمَ بَيْنكُمْ أَخْلَاقكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنكُمْ أَرْزَاقكُمْ وَإِنَّ اللَّه يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبّ وَمَنْ لَا يُحِبّ وَلَا يُعْطِي الدِّين إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّه الدِّين فَقَدْ أَحَبَّهُ وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يَسْلَم عَبْد حَتَّى يَسْلَم قَلْبه وَلِسَانه وَلَا يُؤْمِن حَتَّى يَأْمَن جَاره بَوَائِقه قَالُوا وَمَا بَوَائِقه يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " غَشْمه وَظُلْمه " وَلَا يَكْسِب عَبْد مَالًا مِنْ حَرَام فَيُنْفِق مِنْهُ فَيُبَارَك فِيهِ وَلَا يَتَصَدَّق بِهِ فَيُقْبَل مِنْهُ وَلَا يَتْرُكهُ خَلْف ظَهْره إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّار إِنَّ اللَّه لَا يَمْحُو السَّيِّئ بِالسَّيِّئِ وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئ بِالْحَسَنِ إِنَّ الْخَبِيث لَا يَمْحُو الْخَبِيث " .
يَقُول تَعَالَى" إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَة رَبّهمْ مُشْفِقُونَ " أَيْ هُمْ مَعَ إِحْسَانهمْ وَإِيمَانهمْ وَعَمَلهمْ الصَّالِح مُشْفِقُونَ مِنْ اللَّه خَائِفُونَ مِنْهُ وَجِلُونَ مِنْ مُكْرَه بِهِمْ كَمَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : إِنَّ الْمُؤْمِن جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَة وَإِنَّ الْكَافِر جَمَعَ إِسَاءَة وَأَمْنًا .
" وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبّهمْ يُؤْمِنُونَ " أَيْ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِهِ الْكَوْنِيَّة وَالشَّرْعِيَّة كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مَرْيَم " وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبّهَا وَكُتُبه " أَيْ أَيْقَنَتْ أَنَّ مَا كَانَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ قَدَر اللَّه وَقَضَائِهِ وَمَا شَرَعَهُ اللَّه فَهُوَ إِنْ كَانَ أَمْرًا فَمِمَّا يُحِبّهُ وَيَرْضَاهُ وَإِنْ كَانَ نَهْيًا فَهُوَ مِمَّا يَكْرَههُ وَيَأْبَاهُ وَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَهُوَ حَقّ .
كَمَا قَالَ اللَّه" وَاَلَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ " أَيْ لَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْره بَلْ يُوَحِّدُونَهُ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه أَحَدًا صَمَدًا لَمْ يَتَّخِذ صَاحِبَة وَلَا وَلَدًا وَأَنَّهُ لَا نَظِير لَهُ وَلَا كُفْء لَهُ .
وَقَوْله " وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ " أَيْ يُعْطُونَ الْعَطَاء وَهُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ أَنْ لَا يُتَقَبَّل مِنْهُمْ لِخَوْفِهِمْ أَنْ يَكُونُوا قَدْ قَصَّرُوا فِي الْقِيَام بِشُرُوطِ الْإِعْطَاء وَهَذَا مِنْ بَاب الْإِشْفَاق وَالِاحْتِيَاط كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدَم حَدَّثَنَا مَالِك بْن مِغْوَل حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد بْن وَهْب عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُول اللَّه الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبهمْ وَجِلَة هُوَ الَّذِي يَسْرِق وَيَزْنِي وَيَشْرَب الْخَمْر وَهُوَ يَخَاف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ " لَا يَا بِنْت الصِّدِّيق وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُوم وَيَتَصَدَّق وَهُوَ يَخَاف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث مَالِك بْن مِغْوَل بِهِ بِنَحْوِهِ وَقَالَ " لَا يَا اِبْنَة الصِّدِّيق وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُتَقَبَّل مِنْهُمْ " .