فَقَالَ" فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْل لَكُمْ عِنْدِي " الْآيَة أَيْ إِنْ لَمْ تَقْدَمُوا بِهِ مَعَكُمْ فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة فَلَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي مِيرَة " وَلَا تَقْرَبُونِ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ " أَيْ سَنَحْرِصُ عَلَى مَجِيئِهِ إِلَيْك بِكُلِّ مُمْكِن وَلَا نُبْقِي مَجْهُودًا لِتَعْلَم صِدْقنَا فِيمَا قُلْنَاهُ وَذَكَرَ السُّدِّيّ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ رَهَائِن حَتَّى يَقْدَمُوا بِهِ مَعَهُمْ وَفِي هَذَا نَظَر لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَرَغَّبَهُمْ كَثِيرًا وَهَذَا عَلَى رُجُوعهمْ .
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ↓
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ " أَيْ غِلْمَانه " اِجْعَلُوا بِضَاعَتهمْ" أَيْ الَّتِي قَدِمُوا بِهَا لِيَمْتَارُوا عِوَضًا عَنْهَا " فِي رِحَالهمْ " أَيْ فِي أَمْتِعَتهمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ " لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " بِهَا قِيلَ خَشِيَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ لَا يَكُون عِنْدهمْ بِضَاعَة أُخْرَى يَرْجِعُونَ لِلْمِيرَةِ بِهَا وَقِيلَ تَذَمَّمَ أَنْ يَأْخُذ مِنْ أَبِيهِ وَإِخْوَته عِوَضًا عَنْ الطَّعَام وَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَرُدّهُمْ إِذَا وَجَدُوهَا فِي مَتَاعهمْ تَحَرُّجًا وَتَوَرُّعًا لِأَنَّهُ يَعْلَم ذَلِكَ مِنْهُمْ وَاَللَّه أَعْلَم .
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ↓
يَقُول تَعَالَى عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ " قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْل " يَعْنُونَ بَعْد هَذِهِ الْمَرَّة إِنْ لَمْ تُرْسِل مَعَنَا أَخَانَا بِنْيَامِين فَأَرْسِلْهُ مَعَنَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَرَأَ بَعْضهمْ بِالْيَاءِ أَيْ يَكْتَلْ هُوَ " وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " أَيْ لَا تَخَفْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَيْك وَهَذَا كَمَا قَالُوا لَهُ فِي يُوسُف" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَع وَيَلْعَب وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" .
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ↓
وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ " هَلْ آمَنكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْل " أَيْ هَلْ أَنْتُمْ صَانِعُونَ بِهِ إِلَّا كَمَا صَنَعْتُمْ بِأَخِيهِ مِنْ قَبْل تُغَيِّبُونَهُ عَنِّي وَتَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنه ؟ " فَاَللَّه خَيْر حَافِظًا " وَقَرَأَ بَعْضهمْ حِفْظًا " وَهُوَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ " أَيْ هُوَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ بِي وَسَيَرْحَمُ كِبَرِي وَضَعْفِي وَوَجْدِي بِوَلَدِي وَأَرْجُو مِنْ اللَّه أَنْ يَرُدّهُ عَلَيَّ وَيَجْمَع شَمْلِي بِهِ إِنَّهُ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ .
وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ↓
يَقُول تَعَالَى وَلَمَّا فَتَحَ إِخْوَة يُوسُف مَتَاعهمْ وَجَدُوا بِضَاعَتهمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ وَهِيَ الَّتِي كَانَ أَمَرَ يُوسُف فِتْيَانه بِوَضْعِهَا فِي رِحَالهمْ فَلَمَّا وَجَدُوهَا فِي مَتَاعهمْ " قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي " أَيْ مَاذَا نُرِيد" هَذِهِ بِضَاعَتنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا " كَمَا قَالَ قَتَادَة : مَا نَبْغِي وَرَاء هَذَا إِنَّ بِضَاعَتنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَقَدْ أَوْفَى لَنَا الْكَيْل " وَنَمِير أَهْلنَا " أَيْ إِذَا أَرْسَلْت أَخَانَا مَعَنَا نَأْتِي بِالْمِيرَةِ إِلَى أَهْلنَا " وَنَحْفَظ أَخَانَا وَنَزْدَاد كَيْل بَعِير " وَذَلِكَ أَنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُعْطِي كُلّ رَجُل حِمْل بَعِير وَقَالَ مُجَاهِد حِمْل حِمَار وَقَدْ يُسَمَّى فِي بَعْض اللُّغَات بَعِيرًا كَذَا قَالَ " ذَلِكَ كَيْل يَسِير " هَذَا مِنْ تَمَام الْكَلَام وَتَحْسِينه أَيْ أَنَّ هَذَا يَسِيرٌ فِي مُقَابَلَة أَخْذ أَخِيهِمْ مَا يَعْدِل هَذَا .
قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ↓
أَيْ تَحْلِفُونَ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيق " لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاط بِكُمْ " إِلَّا أَنْ تُغْلَبُوا كُلّكُمْ وَلَا تَقْدِرُونَ عَلَى تَخْلِيصه " فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقهمْ " أَكَّدَهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ " اللَّه عَلَى مَا نَقُول وَكِيل " قَالَ اِبْن إِسْحَاق وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِد بُدًّا مِنْهُ لِأَجْلِ الْمِيرَة الَّتِي لَا غِنَى لَهُمْ عَنْهَا فَبَعَثَهُ مَعَهُمْ .
وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ↓
يَقُول تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهُ أَمَرَ بَنِيهِ لَمَّا جَهَّزَهُمْ مَعَ أَخِيهِمْ بِنْيَامِين إِلَى مِصْر أَنْ لَا يَدْخُلُوا كُلّهمْ مِنْ بَاب وَاحِد وَلْيَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْر وَاحِد إِنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمْ الْعَيْن وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا ذَوِي جَمَال وَهَيْئَة حَسَنَة وَمَنْظَر وَبَهَاء فَخَشِيَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبهُمْ النَّاس بِعُيُونِهِمْ فَإِنَّ الْعَيْن حَقّ تَسْتَنْزِل الْفَارِس عَنْ فَرَسه وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِي الْآيَة فِي قَوْله " وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة " قَالَ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَلْقَى إِخْوَته فِي بَعْض تِلْكَ الْأَبْوَاب .
وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ↓
وَقَوْله " وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ شَيْء " أَيْ أَنَّ هَذَا الِاحْتِرَاز لَا يَرُدّ قَدَر اللَّه وَقَضَاءَهُ فَإِنَّ اللَّه إِذَا أَرَادَ شَيْئًا لَا يُخَالِف وَلَا يُمَانِع " إِنْ الْحُكْم إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّه مِنْ شَيْء إِلَّا حَاجَة فِي نَفْس يَعْقُوب قَضَاهَا " قَالُوا هِيَ دَفْع إِصَابَة الْعَيْن لَهُمْ " وَإِنَّهُ لَذُو عِلْم لِمَا عَلَّمْنَاهُ" قَالَ قَتَادَة وَالثَّوْرِيّ لَذُو عِلْم بِعِلْمِهِ وَقَالَ اِبْن جَرِير لَذُو عِلْم لِتَعْلِيمِنَا إِيَّاهُ " وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ " .
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
يُخْبِر تَعَالَى عَنْ إِخْوَة يُوسُف لَمَّا قَدِمُوا عَلَى يُوسُف وَمَعَهُمْ أَخُوهُ شَقِيقه بِنْيَامِين وَأَدْخَلَهُمْ دَار كَرَامَته وَمَنْزِل ضِيَافَته وَأَفَاضَ عَلَيْهِمْ الصِّلَة وَالْأَلْطَاف وَالْإِحْسَان وَاخْتَلَى بِأَخِيهِ فَأَطْلَعَهُ عَلَى شَأْنه وَمَا جَرَى لَهُ وَعَرَّفَهُ أَنَّهُ أَخُوهُ وَقَالَ لَهُ لَا تَبْتَئِس أَيْ لَا تَأْسَف عَلَى مَا صَنَعُوا بِي وَأَمَرَهُ بِكِتْمَانِ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَنْ لَا يُطْلِعهُمْ عَلَى مَا أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ أَخُوهُ وَتَوَاطَأَ مَعَهُ أَنَّهُ سَيَحْتَالُ عَلَى أَنْ يُبْقِيه عِنْده مُعَزَّزًا مُكَرَّمًا مُعَظَّمًا .
فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ↓
لَمَّا جَهَّزَهُمْ وَحَمَّلَ لَهُمْ أَبْعِرَتهمْ طَعَامًا أَمَرَ بَعْض فِتْيَانه أَنْ يَضَع السِّقَايَة وَهِيَ إِنَاء مِنْ فِضَّة فِي قَوْل الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ مِنْ ذَهَب قَالَ اِبْن زَيْد كَانَ يَشْرَب فِيهِ وَيَكِيل لِلنَّاسِ بِهِ مِنْ عِزَّة الطَّعَام إِذْ ذَاكَ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد وَقَالَ شُعْبَة عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس صُوَاع الْمَلِك قَالَ : كَانَ مِنْ فِضَّة يَشْرَبُونَ فِيهِ وَكَانَ مِثْل الْمَكُّوك وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ مِثْله فِي الْجَاهِلِيَّة فَوَضَعَهَا فِي مَتَاع بِنْيَامِين مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر أَحَد ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ بَيْنهمْ " أَيَّتهَا الْعِير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ" فَالْتَفَتُوا إِلَى الْمُنَادِي .
وَقَالُوا " مَاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِد صُوَاع الْمَلِك " أَيْ صَاعه الَّذِي يَكِيل بِهِ " وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْل بَعِير " وَهَذَا مِنْ بَاب الْجَعَالَة " وَأَنَا بِهِ زَعِيم " وَهَذَا مِنْ بَاب الضَّمَان وَالْكَفَالَة .
وَقَالُوا " مَاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِد صُوَاع الْمَلِك " أَيْ صَاعه الَّذِي يَكِيل بِهِ " وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْل بَعِير " وَهَذَا مِنْ بَاب الْجَعَالَة " وَأَنَا بِهِ زَعِيم" وَهَذَا مِنْ بَاب الضَّمَان وَالْكَفَالَة .
لَمَّا اِتَّهَمَهُمْ أُولَئِكَ الْفِتْيَان بِالسَّرِقَةِ قَالَ لَهُمْ إِخْوَة يُوسُف " تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِد فِي الْأَرْض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ " أَيْ لَقَدْ تَحَقَّقْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مُنْذُ عَرَفْتُمُونَا لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا مِنْهُمْ سِيرَة حَسَنَة أَنَّا " مَا جِئْنَا لِنُفْسِد فِي الْأَرْض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ " أَيْ لَيْسَتْ سَجَايَانَا تَقْتَضِي هَذِهِ الصِّفَة فَقَالَ لَهُمْ الْفِتْيَان .
فَمَا جَزَاؤُهُ" أَيْ السَّارِق إِنْ كَانَ فِيكُمْ " إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ أَيْ أَيّ شَيْء يَكُون عُقُوبَته إِنْ وَجَدْنَا فِيكُمْ مَنْ أَخَذَهُ ؟ .
وَهَكَذَا كَانَتْ شَرِيعَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ السَّارِق يُدْفَع إِلَى الْمَسْرُوق مِنْهُ .
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ↓
وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَلِهَذَا بَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْل وِعَاء أَخِيهِ أَيْ فَتَّشَهَا قَبْله تَوْرِيَة " ثُمَّ اِسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاء أَخِيهِ " فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ بِحُكْمِ اِعْتِرَافهمْ وَالْتِزَامهمْ إِلْزَامًا لَهُمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُف " وَهَذَا مِنْ الْكَيْد الْمَحْبُوب الْمُرَاد الَّذِي يُحِبّهُ اللَّه وَيَرْضَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحِكْمَة وَالْمَصْلَحَة الْمَطْلُوبَة وَقَوْله " مَا كَانَ لِيَأْخُذ أَخَاهُ فِي دِين الْمَلِك" أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذه فِي حُكْم مَلِك مِصْر قَالَهُ الضَّحَّاك وَغَيْره وَإِنَّمَا قَيَّضَ اللَّه لَهُ أَنْ اِلْتَزَمَ لَهُ إِخْوَته بِمَا اِلْتَزَمُوهُ وَهُوَ كَانَ يَعْلَم ذَلِكَ مِنْ شَرِيعَتهمْ وَلِهَذَا مَدَحَهُ اللَّه تَعَالَى فَقَالَ " نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء " كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَرْفَع اللَّه الَّذِينَ اِمْنُوا مِنْكُمْ" الْآيَة " وَفَوْق كُلّ ذِي عِلْم عَلِيم " قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ لَيْسَ عَالِم إِلَّا فَوْقه عَالِم حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَا رَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ كُنَّا عِنْد اِبْن عَبَّاس فَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَجِيب فَتَعَجَّبَ رَجُل فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ فَوْق كُلّ ذِي عِلْم عَلِيم فَقَالَ اِبْن عَبَّاس بِئْسَ مَا قُلْت اللَّه الْعَلِيم فَوْق كُلّ عَالِم وَكَذَا رَوَى سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَفَوْق كُلّ ذِي عِلْم عَلِيم " قَالَ يَكُون هَذَا أَعْلَم مِنْ هَذَا وَهَذَا أَعْلَم مِنْ هَذَا وَاَللَّه فَوْق كُلّ عَالِم وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَقَالَ قَتَادَة : وَفَوْق كُلّ ذِي عِلْم عَلِيم حَتَّى يَنْتَهِي الْعِلْم إِلَى اللَّه مِنْهُ بُدِئَ وَتَعَلَّمَتْ الْعُلَمَاء وَإِلَيْهِ يَعُود وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه وَفَوْق كُلّ عَالِم عَلِيم .
قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ ↓
وَقَالَ إِخْوَة يُوسُف لَمَّا رَأَوْا الصُّوَاع قَدْ أُخْرِج مِنْ مَتَاع بِنْيَامِين " إِنْ يَسْرِق فَقَدْ سَرَقَ أَخ لَهُ مِنْ قَبْل " يَتَنَصَّلُونَ إِلَى الْعَزِيز مِنْ التَّشَبُّه بِهِ وَيَذْكُرُونَ أَنَّ هَذَا فَعَلَ كَمَا فَعَلَ أَخ لَهُ مِنْ قَبْل يَعْنُونَ بِهِ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَتَادَة كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ سَرَقَ صَنَمًا لِجَدِّهِ أَبِي أُمّه فَكَسَرَهُ وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ كَانَ أَوَّل مَا دَخَلَ عَلَى يُوسُف مِنْ الْبَلَاء فِيمَا بَلَغَنِي أَنَّ عَمَّته اِبْنَة إِسْحَاق وَكَانَتْ أَكْبَر وَلَد إِسْحَاق وَكَانَتْ عِنْدهَا مِنْطَقَة إِسْحَاق وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَهَا بِالْكِبَرِ وَكَانَ مَنْ اخْتَبَأَهَا مِمَّنْ وَلِيَهَا كَانَ لَهُ سَلَمًا لَا يُنَازَع فِيهِ يَصْنَع فِيهِ مَا يَشَاء وَكَانَ يَعْقُوب حِين وُلِدَ لَهُ يُوسُف قَدْ حَضَنَتْهُ عَمَّته وَكَانَ لَهَا بِهِ وَلَهٌ , فَلَمْ تُحِبّ أَحَدًا حُبّهَا إِيَّاهُ حَتَّى إِذَا تَرَعْرَعَ وَبَلَغَ سَنَوَات تَاقَتْ إِلَيْهِ نَفْس يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَأَتَاهَا فَقَالَ يَا أُخَيَّة سَلِّمِي إِلَيَّ يُوسُف فَوَاَللَّهِ مَا أَقْدِر عَلَى أَنْ يَغِيب عَنِّي سَاعَة قَالَتْ فَوَاَللَّهِ مَا أَنَا بِتَارِكَتِهِ ثُمَّ قَالَتْ : فَدَعْهُ عِنْدِي أَيَّامًا أَنْظُر إِلَيْهِ وَأَسْكُن عَنْهُ لَعَلَّ ذَلِكَ يُسَلِّينِي عَنْهُ أَوْ كَمَا قَالَتْ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدهَا يَعْقُوب عَمَدَتْ إِلَى مِنْطَقَة إِسْحَاق فَحَزَمَتْهَا عَلَى يُوسُف مِنْ تَحْت ثِيَابه ثُمَّ قَالَتْ فُقِدَتْ مِنْطَقَة إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام فَانْظُرُوا مَنْ أَخَذَهَا وَمَنْ أَصَابَهَا ؟ فَالْتَمَسَتْ ثُمَّ قَالَتْ اِكْشِفُوا أَهْل الْبَيْت فَكَشَفُوهُمْ فَوَجَدُوهَا مَعَ يُوسُف فَقَالَتْ وَاَللَّه إِنَّهُ لِي لَسَلَم أَصْنَع فِيهِ مَا شِئْت فَأَتَاهَا يَعْقُوب فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَر فَقَالَ لَهَا أَنْتِ وَذَاكَ إِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ سَلَم لَك مَا أَسْتَطِيع غَيْر ذَلِكَ فَأَمْسَكَتْهُ فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ يَعْقُوب حَتَّى مَاتَتْ قَالَ فَهُوَ الَّذِي يَقُول إِخْوَة يُوسُف حِين صَنَعَ بِأَخِيهِ مَا صَنَعَ حِين أَخَذَهُ " إِنْ يَسْرِق فَقَدْ سَرَقَ أَخ لَهُ مِنْ قَبْل " وَقَوْله فَأَسَرَّهَا يُوسُف فِي نَفْسه " يَعْنِي الْكَلِمَة الَّتِي بَعْدهَا وَهِيَ قَوْله " أَنْتُمْ شَرّ مَكَانًا وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا تَصِفُونَ " أَيْ تَذْكُرُونَ قَالَ هَذَا فِي نَفْسه وَلَمْ يُبْدِهِ لَهُمْ وَهَذَا مِنْ بَاب الْإِضْمَار قَبْل الذِّكْر وَهُوَ كَثِير كَقَوْلِ الشَّاعِر : جَزَى بَنُوهُ أَبَا الْغِيلَان عَنْ كِبَر وَحُسْن فِعْل كَمَا يُجْزَى سِنِمَّار وَلَهُ شَوَاهِد كَثِيرَة فِي الْقُرْآن وَالْحَدِيث وَاللُّغَة فِي مَنْثُورهَا وَأَخْبَارهَا وَأَشْعَارهَا قَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " فَأَسَرَّهَا يُوسُف فِي نَفْسه " قَالَ أَسَرَّ فِي نَفْسه " أَنْتُمْ شَرّ مَكَانًا وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا تَصِفُونَ " .
قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ↓
لَمَّا تَعَيَّنَ أَخْذ بِنْيَامِين وَتَقَرَّرَ تَرْكه عِنْد يُوسُف بِمُقْتَضَى اِعْتِرَافهمْ شَرَعُوا يَتَرَقَّقُونَ لَهُ وَيَعْطِفُونَهُ عَلَيْهِمْ" فَقَالُوا يَا أَيّهَا الْعَزِيز إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا" يَعْنُونَ وَهُوَ يُحِبّهُ حُبًّا شَدِيدًا وَيَتَسَلَّى بِهِ عَنْ وَلَده الَّذِي فَقَدَهُ " فَخُذْ أَحَدنَا مَكَانه " أَيْ بَدَله يَكُون عِنْدك عِوَضًا عَنْهُ " إِنَّا نَرَاك مِنْ الْمُحْسِنِينَ " أَيْ الْعَادِلِينَ الْمُنْصِفِينَ الْقَابِلِينَ لِلْخَيْرِ .
قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ ↓
" قَالَ مَعَاذ اللَّه أَنْ نَأْخُذ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعنَا عِنْده " أَيْ كَمَا قُلْتُمْ وَاعْتَرَفْتُمْ" إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ " أَيْ إِنْ أَخَذْنَا بَرِيئًا بِسَقِيمٍ .
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ↓
يُخْبِر تَعَالَى عَنْ إِخْوَة يُوسُف أَنَّهُمْ لَمَا يَئِسُوا مِنْ تَخْلِيص أَخِيهِمْ بِنْيَامِين الَّذِي قَدْ اِلْتَزَمُوا لِأَبِيهِمْ بِرَدِّهِ إِلَيْهِ وَعَاهَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ " خَلَصُوا " أَيْ اِنْفَرَدُوا عَنْ النَّاس " نَجِيًّا" يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنهمْ " قَالَ كَبِيرهمْ " وَهُوَ رُوبِيل وَقِيلَ يَهُوذَا وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِإِلْقَائِهِ فِي الْبِئْر عِنْدَمَا هَمُّوا بِقَتْلِهِ قَالَ لَهُمْ " أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنْ اللَّه " لَتَرُدُّنَّهُ إِلَيْهِ فَقَدْ رَأَيْتُمْ كَيْف تَعَذَّرَ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَكُمْ مِنْ إِضَاعَة يُوسُف عَنْهُ " فَلَنْ أَبْرَح الْأَرْض " أَيْ لَنْ أُفَارِق هَذِهِ الْبَلْدَة " حَتَّى يَأْذَن لِي أَبِي " فِي الرُّجُوع إِلَيْهِ رَاضِيًا عَنِّي " أَوْ يَحْكُم اللَّه لِي " قِيلَ بِالسَّيْفِ وَقِيلَ بِأَنْ يُمَكِّننِي مِنْ أَخْذ أَخِي" وَهُوَ خَيْر الْحَاكِمِينَ " .
ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ↓
ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُخْبِرُوا أَبَاهُمْ بِصُورَةِ مَا وَقَعَ حَتَّى يَكُون عُذْرًا لَهُمْ عِنْده وَيَتَنَصَّلُوا إِلَيْهِ وَيَبْرَءُوا مِمَّا وَقَعَ بِقَوْلِهِمْ مَا عَلِمْنَا أَنَّ اِبْنك يَسْرِق وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : مَا عَلِمْنَا فِي الْغَيْب أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ شَيْئًا إِنَّمَا سَأَلْنَا مَا جَزَاء السَّارِق .
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ↓
" وَاسْأَلْ الْقَرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا " قِيلَ الْمُرَاد مِصْر قَالَهُ قَتَادَة وَقِيلَ غَيْرهَا " وَالْعِير الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا " أَيْ الَّتِي رَافَقْنَاهَا عَنْ صِدْقنَا وَأَمَانَتنَا وَحِفْظنَا وَحِرَاسَتنَا " وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" فِيمَا أَخْبَرْنَاك بِهِ مِنْ أَنَّهُ سَرَقَ وَأَخَذُوهُ بِسَرِقَتِهِ .
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ↓
قَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ لَهُمْ حِين جَاءُوا عَلَى قَمِيص يُوسُف بِدَمٍ كَذِب " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسكُمْ أَمْرًا فَصَبْر جَمِيل" قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق لَمَّا جَاءُوا يَعْقُوب وَأَخْبَرُوهُ بِمَا يَجْرِي اِتَّهَمَهُمْ فَظَنَّ أَنَّهَا كَفَعْلَتِهِمْ بِيُوسُف قَالَ " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسكُمْ أَمْرًا فَصَبْر جَمِيل " وَقَالَ بَعْض النَّاس لَمَّا كَانَ صَنِيعهمْ هَذَا مُرَتَّبًا عَلَى فِعْلهمْ الْأَوَّل سُحِبَ حُكْم الْأَوَّل عَلَيْهِ وَصَحَّ قَوْله" بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسكُمْ أَمْرًا فَصَبْر جَمِيل " ثُمَّ تَرَجَّى مِنْ اللَّه أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ أَوْلَاده الثَّلَاثَة يُوسُف وَأَخَاهُ بِنْيَامِين وَرُوبِيل الَّذِي أَقَامَ بِدِيَارِ مِصْر يَنْتَظِر أَمْر اللَّه فِيهِ إِمَّا أَنْ يَرْضَى عَنْهُ أَبُوهُ فَيَأْمُرهُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذ أَخَاهُ خُفْيَة وَلِهَذَا قَالَ " عَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِينِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيم " أَيْ الْعَلِيم بِحَالِي " الْحَكِيم " فِي أَفْعَاله وَقَضَائِهِ وَقَدَره .
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ↓
" وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف " أَيْ أَعْرَض عَنْ بَنِيهِ وَقَالَ مُتَذَكِّرًا حُزْن يُوسُف الْأَوَّل " يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف " جَدَّدَ لَهُ حُزْن الِابْنَيْنِ الْحُزْن الدَّفِين قَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَنَا الثَّوْرِيّ عَنْ سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُعْطَ أَحَد غَيْر هَذِهِ الْأُمَّة الِاسْتِرْجَاع أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْل يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام " يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ الْحُزْن فَهُوَ كَظِيم " أَيْ سَاكِت لَا يَشْكُو أَمْره إِلَى مَخْلُوق قَالَهُ قَتَادَة وَغَيْره وَقَالَ الضَّحَّاك فَهُوَ كَظِيم كَئِيب حَزِين وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حَمَّاد عَنْ سَلَمَة عَنْ عَلِيّ بْن يَزِيد عَنْ الْحَسَن عَنْ الْأَحْنَف بْن قَيْس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : يَا رَبّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل يَسْأَلُونَك بِإِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب فَاجْعَلْنِي لَهُمْ رَابِعًا فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ يَا دَاوُدُ إِنَّ إِبْرَاهِيم أُلْقِيَ فِي النَّار بِسَبَبِي فَصَبَرَ وَتِلْكَ بَلِيَّة لَمْ تَنَلْك وَإِنَّ إِسْحَاق بَذَلَ مُهْجَة دَمه بِسَبَبِي فَصَبَرَ وَتِلْكَ بَلِيَّة لَمْ تَنَلْك وَإِنَّ يَعْقُوب أُخِذَ مِنْهُ حِبّه فَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ الْحُزْن فَصَبَرَ وَتِلْكَ بَلِيَّة لَمْ تَنَلْك وَهَذَا مُرْسَل وَفِيهِ نَكَارَة فَإِنَّ الصَّحِيح أَنَّ إِسْمَاعِيل هُوَ الذَّبِيح وَلَكِنَّ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان لَهُ مَنَاكِير وَغَرَائِب كَثِيرَة وَاَللَّه أَعْلَم . وَأَقْرَب مَا فِي هَذَا أَنَّ الْأَحْنَف بْن قَيْس رَحِمَهُ اللَّه حَكَاهُ عَنْ بَعْض بَنِي إِسْرَائِيل كَكَعْبِ وَوَهْب وَنَحْوهمَا وَاَللَّه أَعْلَم فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل يَنْقُلُونَ أَنَّ يَعْقُوب كَتَبَ إِلَى يُوسُف لَمَّا اِحْتَبَسَ أَخَاهُ بِسَبَبِ السَّرِقَة يَتَلَطَّف لَهُ فِي رَدّ اِبْنه وَيَذْكُر لَهُ أَنَّهُمْ أَهْل بَيْت مُصَابُونَ بِالْبَلَاءِ فَإِبْرَاهِيم اُبْتُلِيَ بِالنَّارِ وَإِسْحَاق بِالذَّبْحِ وَيَعْقُوب بِفِرَاقِ يُوسُف فِي حَدِيث طَوِيل لَا يَصِحّ وَاَللَّه أَعْلَم فَعِنْد ذَلِكَ رَقَّ لَهُ بَنُوهُ وَقَالُوا لَهُ عَلَى سَبِيل الرِّفْق بِهِ وَالشَّفَقَة عَلَيْهِ .
قَالُواْ تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ↑
" تَاللَّهِ تَفْتَؤ تَذْكُر يُوسُف " أَيْ لَا تُفَارِق تَذَكُّر يُوسُف " حَتَّى تَكُون حَرَضًا " أَيْ ضَعِيف الْقُوَّة " أَوْ تَكُون مِنْ الْهَالِكِينَ " يَقُولُونَ إِنْ اِسْتَمَرَّ بِك هَذَا الْحَال خَشِينَا عَلَيْك الْهَلَاك وَالتَّلَف .
" قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه " أَيْ أَجَابَهُمْ عَمَّا قَالُوا بِقَوْلِهِ" إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي " أَيْ هَمِّي وَمَا أَنَا فِيهِ" إِلَى اللَّه " وَحْده " وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ" أَيْ أَرْجُو مِنْهُ كُلّ خَيْر وَعَنْ اِبْن عَبَّاس " وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ " يَعْنِي رُؤْيَا يُوسُف أَنَّهَا صِدْق وَأَنَّ اللَّه لَا بُدّ أَنْ يُظْهِرهَا وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْهُ فِي الْآيَة : أَعْلَمُ أَنَّ رُؤْيَا يُوسُف صَادِقَة وَأَنِّي سَوْفَ أَسْجُد لَهُ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي بُحَيْنَةَ عَنْ حَفْص بْن عُمَر بْن أَبِي الزُّبَيْر عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِيَعْقُوب النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أَخ مُؤَاخٍ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَات يَوْم مَا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرك وَقَوَّسَ ظَهْرك ؟ قَالَ أَمَّا الَّذِي أَذْهَب بَصَرِي فَالْبُكَاء عَلَى يُوسُف وَأَمَّا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرِي فَالْحُزْن عَلَى بِنْيَامِين فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا يَعْقُوب إِنَّ اللَّه يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك أَمَا تَسْتَحْيِي أَنْ تَشْكُونِي إِلَى غَيْرِي ؟ فَقَالَ يَعْقُوب إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام اللَّه أَعْلَمُ " بِمَا تَشْكُو " وَهَذَا حَدِيث غَرِيب فِي نَكَارَة .
يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ↓
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهُ نَدَبَ بَنِيهِ عَلَى الذَّهَاب فِي الْأَرْض يَسْتَعْلِمُونَ أَخْبَار يُوسُف وَأَخِيهِ بِنْيَامِين وَالتَّحَسُّس يَكُون فِي الْخَيْر وَالتَّجَسُّس يَكُون فِي الشَّرّ وَنَهَّضَهُمْ وَبَشَّرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَيْأَسُوا مِنْ رَوْح اللَّه أَيْ لَا يَقْطَعُوا رَجَاءَهُمْ وَأَمَلهمْ مِنْ اللَّه فِيمَا يَرُومُونَهُ وَيَقْصِدُونَهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَع الرَّجَاء وَلَا يَيْأَس مِنْ رَوْح اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ .
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ↓
وَقَوْله" فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ " تَقْدِير الْكَلَام : فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا مِصْر وَدَخَلُوا عَلَى يُوسُف " قَالُوا يَا أَيّهَا الْعَزِيز مَسَّنَا وَأَهْلنَا الضُّرّ يَعْنُونَ مِنْ الْجَدْب وَالْقَحْط وَقِلَّة الطَّعَام" وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاة " أَيْ وَمَعَنَا ثَمَن الطَّعَام الَّذِي نَمْتَارُهُ وَهُوَ ثَمَن قَلِيل قَالَهُ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَغَيْر وَاحِد وَقَالَ اِبْن عَبَّاس الرَّدِيء لَا يُنْفَق مِثْل خَلِق الْغِرَارَة وَالْحَبْل وَالشَّيْء وَفِي رِوَايَة عَنْهُ الدَّرَاهِم الرَّدِيئَة الَّتِي لَا تَجُوز إِلَّا بِنُقْصَانٍ وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هِيَ الدَّرَاهِم الْفُسُول وَقَالَ اِبْن صَالِح هُوَ الصَّنَوْبَر وَحَبَّة الْخَضْرَاء وَقَالَ الضَّحَّاك فَاسِدَة لَا تُنْفَق وَقَالَ أَبُو صَالِح جَاءُوا بِحَبِّ الْبُطْم الْأَخْضَر وَالصَّنَوْبَر وَأَصْل الْإِزْجَاء الدَّفْع لِضَعْفِ الشَّيْء كَمَا قَالَ حَاتِم طَيِّئ لِيَبْكِ عَلَى مِلْحَان ضَيْف مُدَافع وَأَرْمَلة تُزْجِي مَعَ اللَّيْل أَرْمَلَا وَقَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة الْوَاهِب الْمِائَة الْهِجَان وَعَبْدهَا عُوذًا تُزَجِّي خَلْفهَا أَطْفَالهَا وَقَوْله إِخْبَارًا عَنْهُمْ " فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْل " أَيْ أَعْطِنَا بِهَذَا الثَّمَن الْقَلِيل مَا كُنْت تُعْطِينَا قَبْل ذَلِكَ وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود : فَأَوْقِرْ رِكَابنَا وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا وَقَالَ اِبْن جُرَيْج وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا بِرَدِّ أَخِينَا إِلَيْنَا وَقَالَ سَعِيد وَالسُّدِّيّ " وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا " يَقُولُونَ تَصَدَّقْ عَلَيْنَا بِقَبْضِ هَذِهِ الْبِضَاعَة الْمُزْجَاة وَتَجَوَّزْ فِيهَا . وَسُئِلَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ : هَلْ حُرِّمَتْ الصَّدَقَة عَلَى أَحَد مِنْ الْأَنْبِيَاء قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَع قَوْله " فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْل وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّه يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ " ؟ رَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ الْحَارِث عَنْ الْقَاسِم عَنْهُ وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا الْحَارِث حَدَّثَنَا الْقَاسِم حَدَّثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد سَمِعْت مُجَاهِدًا وَسُئِلَ هَلْ يُكْرَه أَنْ يَقُول الرَّجُل فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيَّ ؟ قَالَ نَعَمْ إِنَّمَا الصَّدَقَة لِمَنْ يَبْتَغِي الثَّوَاب .
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ إِخْوَته مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْجَهْد وَالضِّيق وَقِلَّة الطَّعَام وَعُمُوم الْجَدْب وَتَذَكَّرَ أَبَاهُ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْحُزْن لِفَقْدِ وَلَدَيْهِ مَعَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْمُلْك وَالتَّصَرُّف وَالسَّعَة فَعِنْد ذَلِكَ أَخَذَتْهُ رِقَّة وَرَأْفَة وَرَحْمَة وَشَفَقَة عَلَى أَبِيهِ لِإِخْوَتِهِ وَبَدَرَهُ الْبُكَاء فَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ فَيُقَال إِنَّهُ رَفَعَ التَّاج عَنْ جَبْهَته وَكَانَ فِيهَا شَامَة وَقَالَ " هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُف وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ " أَعْنِي كَيْف فَرَّقُوا بَيْنه وَبَيْن أَخِيهِ " إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ " أَيْ إِنَّمَا حَمَلَكُمْ عَلَى هَذَا الْجَهْل بِمِقْدَارِ هَذَا الَّذِي اِرْتَكَبْتُمُوهُ كَمَا قَالَ بَعْض السَّلَف كُلّ مَنْ عَصَى اللَّه فَهُوَ جَاهِل وَقَرَأَ" ثُمَّ إِنَّ رَبّك لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوء بِجَهَالَةٍ " الْآيَة وَالظَّاهِر وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا تَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَخْفَى مِنْهُمْ نَفْسه فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى لَهُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم وَلَكِنْ لَمَّا ضَاقَ الْحَال وَاشْتَدَّ الْأَمْر فَرَّجَ اللَّه تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الضِّيق كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا " .
قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ↓
فَعِنْد ذَلِكَ قَالُوا " أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُف " وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب " إِنَّك لَأَنْتَ يُوسُف " وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " أَنْتَ يُوسُف " وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة هِيَ الْأُولَى لِأَنَّ الِاسْتِفْهَام يَدُلّ عَلَى الِاسْتِعْظَام أَيْ أَنَّهُمْ تَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ مِنْ سَنَتَيْنِ وَأَكْثَر وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا يَعْرِفهُمْ وَيَكْتُم نَفْسه فَلِهَذَا قَالُوا عَلَى سَبِيل الِاسْتِفْهَام" أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُف قَالَ أَنَا يُوسُف وَهَذَا أَخِي " وَقَوْله" قَدْ مَنَّ اللَّه عَلَيْنَا " أَيْ بِجَمْعِهِ بَيْننَا بَعْد التَّفْرِقَة وَبَعْد الْمُدَّة " إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِر فَإِنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُحْسِنِينَ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَك اللَّه عَلَيْنَا " الْآيَة يَقُولُونَ مُعْتَرِفِينَ لَهُ بِالْفَضْلِ وَالْأَثَرَة عَلَيْهِمْ فِي الْخُلُق وَالْخَلْق وَالسَّعَة وَالْمُلْك وَالتَّصَرُّف وَالنُّبُوَّة أَيْضًا عَلَى قَوْل مَنْ لَمْ يَجْعَلهُمْ أَنْبِيَاء وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ أَسَاءُوا إِلَيْهِ وَاخْطَئُوا فِي حَقّه .