قَالَ الْعُلَمَاء : وَهَذِهِ السُّورَة فَضْلهَا كَثِير , وَتَحْتَوِي عَلَى عَظِيم رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ " إِذَا زُلْزِلَتْ " , عُدِلَتْ لَهُ بِنِصْفِ الْقُرْآن . وَمَنْ قَرَأَ " قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ " [ الْكَافِرُونَ : 1 ] عُدِلَتْ لَهُ بِرُبْعِ الْقُرْآن , وَمَنْ قَرَأَ " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " [ الْإِخْلَاص : 1 ] عُدِلَتْ لَهُ بِثُلُثِ الْقُرْآن ) . قَالَ : حَدِيث غَرِيب , وَفِي الْبَاب عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتْ أَرْبَع مَرَّات , كَانَ كَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآن كُلّه ) . وَرَوَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " إِذَا زُلْزِلَتْ " بَكَى أَبُو بَكْر ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْلَا أَنَّكُمْ تُخْطِئُونَ وَتُذْنِبُونَ وَيَغْفِر اللَّه لَكُمْ , لَخَلَقَ أُمَّة يُخْطِئُونَ وَيُذْنِبُونَ وَيَغْفِر لَهُمْ , إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم ) .
" إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْض زِلْزَالهَا " أَيْ حُرِّكَتْ مِنْ أَصْلهَا . كَذَا رَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَكَانَ يَقُول : فِي النَّفْخَة الْأُولَى يُزَلْزِلهَا - وَقَالَهُ مُجَاهِد - ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة . تَتْبَعهَا الرَّادِفَة " [ النَّازِعَات : 6 - 7 ] ثُمَّ تُزَلْزَل ثَانِيَة , فَتُخْرِج مَوْتَاهَا وَهِيَ الْأَثْقَال . وَذِكْر الْمَصْدَر لِلتَّأْكِيدِ , ثُمَّ أُضِيفَ إِلَى الْأَرْض ; كَقَوْلِك : لَأُعْطِيَنَّك عَطِيَّتك ; أَيْ عَطِيَّتِي لَك . وَحَسُنَ ذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ رُءُوس الْآي بَعْدهَا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِكَسْرِ الزَّاي مِنْ الزِّلْزَال . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر بِفَتْحِهَا , وَهُوَ مَصْدَر أَيْضًا , كَالْوَسْوَاسِ وَالْقَلْقَال وَالْجَرْجَار . وَقِيلَ : الْكَسْر الْمَصْدَر . وَالْفَتْح الِاسْم .
" إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْض زِلْزَالهَا " أَيْ حُرِّكَتْ مِنْ أَصْلهَا . كَذَا رَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَكَانَ يَقُول : فِي النَّفْخَة الْأُولَى يُزَلْزِلهَا - وَقَالَهُ مُجَاهِد - ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة . تَتْبَعهَا الرَّادِفَة " [ النَّازِعَات : 6 - 7 ] ثُمَّ تُزَلْزَل ثَانِيَة , فَتُخْرِج مَوْتَاهَا وَهِيَ الْأَثْقَال . وَذِكْر الْمَصْدَر لِلتَّأْكِيدِ , ثُمَّ أُضِيفَ إِلَى الْأَرْض ; كَقَوْلِك : لَأُعْطِيَنَّك عَطِيَّتك ; أَيْ عَطِيَّتِي لَك . وَحَسُنَ ذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ رُءُوس الْآي بَعْدهَا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِكَسْرِ الزَّاي مِنْ الزِّلْزَال . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر بِفَتْحِهَا , وَهُوَ مَصْدَر أَيْضًا , كَالْوَسْوَاسِ وَالْقَلْقَال وَالْجَرْجَار . وَقِيلَ : الْكَسْر الْمَصْدَر . وَالْفَتْح الِاسْم .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْأَخْفَش : إِذَا كَانَ الْمَيِّت فِي بَطْن الْأَرْض , فَهُوَ ثِقَل لَهَا . وَإِذَا كَانَ فَوْقهَا , فَهُوَ ثِقَل عَلَيْهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : " أَثْقَالهَا " : مَوْتَاهَا , تُخْرِجهُمْ فِي النَّفْخَة الثَّانِيَة , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْس : الثَّقَلَانِ . وَقَالَتْ الْخَنْسَاء : أَبْعَد اِبْن عَمْرو مِنْ آل الشَّرِ يدِ حَلَّتْ بِهِ الْأَرْض أَثْقَالهَا تَقُول : لَمَّا دُفِنَ عَمْرو صَارَ حِلْيَة لِأَهْلِ الْقُبُور , مِنْ شَرَفه وَسُؤْدُده . وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب تَقُول : إِذَا كَانَ الرَّجُل سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ : كَانَ ثِقَلًا عَلَى ظَهْر الْأَرْض ; فَلَمَّا مَاتَ حَطَّتْ الْأَرْض عَنْ ظَهْرهَا ثِقَلهَا . وَقِيلَ : " أَثْقَالهَا " كُنُوزهَا ; وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( تَقِيء الْأَرْض أَفْلَاذ كَبِدهَا أَمْثَال الْأُسْطُوَان مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة . .. ) .
أَيْ اِبْن آدَم الْكَافِر . فَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد . وَقِيلَ : أَرَادَ كُلّ إِنْسَان يُشَاهِد ذَلِكَ عِنْد قِيَام السَّاعَة فِي النَّفْخَة الْأُولَى : مِنْ مُؤْمِن وَكَافِر . وَهَذَا قَوْل مَنْ جَعَلَهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة ; لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ جَمِيعًا مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة فِي اِبْتِدَاء أَمْرهَا , حَتَّى يَتَحَقَّقُوا عُمُومهَا ; فَلِذَلِكَ سَأَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْهَا . وَعَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَاد بِالْإِنْسَانِ الْكُفَّار خَاصَّة , جَعَلَهَا زَلْزَلَة الْقِيَامَة ; لِأَنَّ الْمُؤْمِن مُعْتَرِف بِهَا , فَهُوَ لَا يَسْأَل عَنْهَا , وَالْكَافِر جَاحِد لَهَا , فَلِذَلِكَ يَسْأَل عَنْهَا .
أَيْ مَا لَهَا زُلْزِلَتْ . وَقِيلَ : مَا لَهَا أَخْرَجَتْ أَثْقَالهَا , وَهِيَ كَلِمَة تَعْجِيب ; أَيْ لِأَيِّ شَيْء زُلْزِلَتْ . وَيَجُوز أَنْ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى بَعْد وُقُوع النَّفْخَة الْأُولَى , ثُمَّ تَتَحَرَّك الْأَرْض فَتُخْرِج الْمَوْتَى وَقَدْ رَأَوْا الزَّلْزَلَة وَانْشِقَاق الْأَرْض عَنْ الْمَوْتَى أَحْيَاء , فَيَقُولُونَ مِنْ الْهَوْل : مَا لَهَا .
أَيْ مَا لَهَا زُلْزِلَتْ . وَقِيلَ : مَا لَهَا أَخْرَجَتْ أَثْقَالهَا , وَهِيَ كَلِمَة تَعْجِيب ; أَيْ لِأَيِّ شَيْء زُلْزِلَتْ . وَيَجُوز أَنْ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى بَعْد وُقُوع النَّفْخَة الْأُولَى , ثُمَّ تَتَحَرَّك الْأَرْض فَتُخْرِج الْمَوْتَى وَقَدْ رَأَوْا الزَّلْزَلَة وَانْشِقَاق الْأَرْض عَنْ الْمَوْتَى أَحْيَاء , فَيَقُولُونَ مِنْ الْهَوْل : مَا لَهَا .
" يَوْمئِذٍ " مَنْصُوب بِقَوْلِهِ : " إِذَا زُلْزِلَتْ " . وَقِيلَ : بِقَوْلِهِ " تُحَدِّث أَخْبَارهَا " ; أَيْ تُخْبِر الْأَرْض بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ يَوْمئِذٍ . ثُمَّ قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : مِنْ قَوْل الْإِنْسَان ; أَيْ يَقُول الْإِنْسَان مَا لَهَا تُحَدِّث أَخْبَارهَا ; مُتَعَجِّبًا . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة " يَوْمئِذٍ تُحَدِّث أَخْبَارهَا " قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا - قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : فَإِنَّ أَخْبَارهَا أَنْ تَشْهَد عَلَى كُلّ عَبْد أَوْ أَمَة بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرهَا , تَقُول عَمِلَ يَوْم كَذَا كَذَا وَكَذَا . قَالَ : ( فَهَذِهِ أَخْبَارهَا ) . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ قَوْله " يَوْمئِذٍ تُحَدِّث أَخْبَارهَا " : فِيهِ ثَلَاثَة أَقَاوِيل :
أَحَدهَا : " تُحَدِّث أَخْبَارهَا " بِأَعْمَالِ الْعِبَاد عَلَى ظَهْرهَا ; قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَة , وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا . وَهُوَ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا زَلْزَلَة الْقِيَامَة .
الثَّانِي : تُحَدِّث أَخْبَارهَا بِمَا أَخْرَجَتْ مِنْ أَثْقَالهَا ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَهُوَ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا زَلْزَلَة أَشْرَاط السَّاعَة . قُلْت : وَفِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيث رَوَاهُ اِبْن مَسْعُود عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَالَ : ( إِذَا كَانَ أَجَل الْعَبْد بِأَرْضٍ أَوْثَبَتْهُ الْحَاجَة إِلَيْهَا , حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَره قَبَضَهُ اللَّه , فَتَقُول الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة : رَبّ هَذَا مَا اِسْتَوْدَعْتنِي ) . أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
الثَّالِث : أَنَّهَا تُحَدِّث بِقِيَامِ السَّاعَة إِذَا قَالَ الْإِنْسَان مَا لَهَا ؟ قَالَهُ اِبْن مَسْعُود . فَتُخْبِر أَنَّ أَمْر الدُّنْيَا قَدْ اِنْقَضَى , وَأَمْر الْآخِرَة قَدْ أَتَى . فَيَكُون ذَلِكَ مِنْهَا جَوَابًا لَهُمْ عِنْد سُؤَالهمْ , وَوَعِيدًا لِلْكَافِرِ , وَإِنْذَارًا لِلْمُؤْمِنِ . وَفِي حَدِيثهَا بِأَخْبَارِهَا ثَلَاثَة أَقَاوِيل :
أَحَدهَا : أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقْلِبهَا حَيَوَانًا نَاطِقًا ; فَتَتَكَلَّم بِذَلِكَ .
الثَّانِي : أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُحْدِث فِيهَا الْكَلَام .
الثَّالِث : أَنَّهُ يَكُون مِنْهَا بَيَان يَقُوم مَقَام الْكَلَام . قَالَ الطَّبَرِيّ : تُبَيِّن أَخْبَارهَا بِالرَّجَّةِ وَالزَّلْزَلَة وَإِخْرَاج الْمَوْتَى .
أَحَدهَا : " تُحَدِّث أَخْبَارهَا " بِأَعْمَالِ الْعِبَاد عَلَى ظَهْرهَا ; قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَة , وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا . وَهُوَ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا زَلْزَلَة الْقِيَامَة .
الثَّانِي : تُحَدِّث أَخْبَارهَا بِمَا أَخْرَجَتْ مِنْ أَثْقَالهَا ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَهُوَ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا زَلْزَلَة أَشْرَاط السَّاعَة . قُلْت : وَفِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيث رَوَاهُ اِبْن مَسْعُود عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَالَ : ( إِذَا كَانَ أَجَل الْعَبْد بِأَرْضٍ أَوْثَبَتْهُ الْحَاجَة إِلَيْهَا , حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَره قَبَضَهُ اللَّه , فَتَقُول الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة : رَبّ هَذَا مَا اِسْتَوْدَعْتنِي ) . أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
الثَّالِث : أَنَّهَا تُحَدِّث بِقِيَامِ السَّاعَة إِذَا قَالَ الْإِنْسَان مَا لَهَا ؟ قَالَهُ اِبْن مَسْعُود . فَتُخْبِر أَنَّ أَمْر الدُّنْيَا قَدْ اِنْقَضَى , وَأَمْر الْآخِرَة قَدْ أَتَى . فَيَكُون ذَلِكَ مِنْهَا جَوَابًا لَهُمْ عِنْد سُؤَالهمْ , وَوَعِيدًا لِلْكَافِرِ , وَإِنْذَارًا لِلْمُؤْمِنِ . وَفِي حَدِيثهَا بِأَخْبَارِهَا ثَلَاثَة أَقَاوِيل :
أَحَدهَا : أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقْلِبهَا حَيَوَانًا نَاطِقًا ; فَتَتَكَلَّم بِذَلِكَ .
الثَّانِي : أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُحْدِث فِيهَا الْكَلَام .
الثَّالِث : أَنَّهُ يَكُون مِنْهَا بَيَان يَقُوم مَقَام الْكَلَام . قَالَ الطَّبَرِيّ : تُبَيِّن أَخْبَارهَا بِالرَّجَّةِ وَالزَّلْزَلَة وَإِخْرَاج الْمَوْتَى .
أَيْ إِنَّهَا تُحَدِّث أَخْبَارهَا بِوَحْيِ اللَّه " لَهَا " , أَيْ إِلَيْهَا . وَالْعَرَب تَضَع لَام الصِّفَة مَوْضِع " إِلَى " . قَالَ الْعَجَّاج يَصِف الْأَرْض : وَحَى لَهَا الْقَرَار فَاسْتَقَرَّتْ وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّت وَهَذَا قَوْل أَبِي عُبَيْدَة : " أَوْحَى لَهَا " أَيْ إِلَيْهَا . وَقِيلَ : " أَوْحَى لَهَا " أَيْ أَمَرَهَا ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ السُّدِّيّ : " أَوْحَى لَهَا " أَيْ قَالَ لَهَا . وَقَالَ : سَخَّرَهَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَوْم تَكُون الزَّلْزَلَة , وَإِخْرَاج الْأَرْض أَثْقَالهَا , تُحَدِّث الْأَرْض أَخْبَارهَا ; مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الطَّاعَات وَالْمَعَاصِي , وَمَا عُمِلَ عَلَى ظَهْرهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الثَّوْرِيّ وَغَيْره .
أَيْ فِرَقًا ; جَمْع شَتّ . قِيلَ : عَنْ مَوْقِف الْحِسَاب ; فَرِيق يَأْخُذ جِهَة الْيَمِين إِلَى الْجَنَّة , وَفَرِيق آخَر يَأْخُذ جِهَة الشِّمَال إِلَى النَّار ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يَوْمئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ " [ الرُّوم : 14 ] " يَوْمئِذٍ يَصَّدَّعُونَ " [ الرُّوم : 43 ] . وَقِيلَ : يَرْجِعُونَ عَنْ الْحِسَاب بَعْد فَرَاغهمْ مِنْ الْحِسَاب . " أَشْتَاتًا " يَعْنِي فِرَقًا فِرَقًا .
يَعْنِي ثَوَاب أَعْمَالهمْ . وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا مِنْ أَحَد يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَيَلُوم نَفْسه , فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَيَقُول : لِمَ لَا اِزْدَدْت إِحْسَانًا ؟ وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ يَقُول : لِمَ لَا نَزَعْت عَنْ الْمَعَاصِي ) ؟ وَهَذَا عِنْد مُعَايَنَة الثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : " أَشْتَاتًا " مُتَفَرِّقِينَ عَلَى قَدْر أَعْمَالهمْ أَهْل الْإِيمَان عَلَى حِدَة , وَأَهْل كُلّ دِين عَلَى حِدَة . وَقِيلَ : هَذَا الصُّدُور , إِنَّمَا هُوَ عِنْد النُّشُور ; يُصْدَرُونَ أَشْتَاتًا مِنْ الْقُبُور , فَيُصَار بِهِمْ إِلَى مَوْقِف الْحِسَاب , لِيُرَوْا أَعْمَالهمْ فِي كُتُبهمْ , أَوْ لِيُرَوْا جَزَاء أَعْمَالهمْ ; فَكَأَنَّهُمْ وَرَدُوا الْقُبُور فَدُفِنُوا فِيهَا , ثُمَّ صُدِرُوا عَنْهَا . وَالْوَارِد : الْجَائِي . وَالصَّادِر : الْمُنْصَرِف . " أَشْتَاتًا " أَيْ يُبْعَثُونَ مِنْ أَقْطَار الْأَرْض . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير , مَجَازه : تُحَدِّث أَخْبَارهَا , بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا , لِيُرَوْا أَعْمَالهمْ . وَاعْتَرَضَ قَوْله " يَوْمئِذٍ يَصْدُر النَّاس أَشْتَاتًا " مُتَفَرِّقِينَ عَنْ مَوْقِف الْحِسَاب . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " لِيُرَوْا " بِضَمِّ الْيَاء ; أَيْ لِيُرِيَهُمْ اللَّه أَعْمَالهمْ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَالْأَعْرَج وَنَصْر بْن عَاصِم وَطَلْحَة بِفَتْحِهَا ; وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
يَعْنِي ثَوَاب أَعْمَالهمْ . وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا مِنْ أَحَد يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَيَلُوم نَفْسه , فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَيَقُول : لِمَ لَا اِزْدَدْت إِحْسَانًا ؟ وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ يَقُول : لِمَ لَا نَزَعْت عَنْ الْمَعَاصِي ) ؟ وَهَذَا عِنْد مُعَايَنَة الثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : " أَشْتَاتًا " مُتَفَرِّقِينَ عَلَى قَدْر أَعْمَالهمْ أَهْل الْإِيمَان عَلَى حِدَة , وَأَهْل كُلّ دِين عَلَى حِدَة . وَقِيلَ : هَذَا الصُّدُور , إِنَّمَا هُوَ عِنْد النُّشُور ; يُصْدَرُونَ أَشْتَاتًا مِنْ الْقُبُور , فَيُصَار بِهِمْ إِلَى مَوْقِف الْحِسَاب , لِيُرَوْا أَعْمَالهمْ فِي كُتُبهمْ , أَوْ لِيُرَوْا جَزَاء أَعْمَالهمْ ; فَكَأَنَّهُمْ وَرَدُوا الْقُبُور فَدُفِنُوا فِيهَا , ثُمَّ صُدِرُوا عَنْهَا . وَالْوَارِد : الْجَائِي . وَالصَّادِر : الْمُنْصَرِف . " أَشْتَاتًا " أَيْ يُبْعَثُونَ مِنْ أَقْطَار الْأَرْض . وَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير , مَجَازه : تُحَدِّث أَخْبَارهَا , بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا , لِيُرَوْا أَعْمَالهمْ . وَاعْتَرَضَ قَوْله " يَوْمئِذٍ يَصْدُر النَّاس أَشْتَاتًا " مُتَفَرِّقِينَ عَنْ مَوْقِف الْحِسَاب . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " لِيُرَوْا " بِضَمِّ الْيَاء ; أَيْ لِيُرِيَهُمْ اللَّه أَعْمَالهمْ . وَقَرَأَ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَالْأَعْرَج وَنَصْر بْن عَاصِم وَطَلْحَة بِفَتْحِهَا ; وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : مَنْ يَعْمَل مِنْ الْكُفَّار مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ فِي الدُّنْيَا , وَلَا يُثَاب عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة , وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة مِنْ شَرّ عُوقِبَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة , مَعَ عِقَاب الشِّرْك , وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة مِنْ شَرّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَرَهُ فِي الدُّنْيَا , وَلَا يُعَاقَب عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة إِذَا مَاتَ , وَيُتَجَاوَز عَنْهُ , وَإِنْ عَمِلَ مِثْقَال ذَرَّة مِنْ خَيْر يُقْبَل مِنْهُ , وَيُضَاعَف لَهُ فِي الْآخِرَة . وَفِي بَعْض الْحَدِيث : ( الذَّرَّة لَا زِنَة لَهَا ) وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى : أَنَّهُ لَا يَغْفُل مِنْ عَمَل اِبْن آدَم صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة . وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ اللَّه لَا يَظْلِم مِثْقَال ذَرَّة " [ النِّسَاء : 40 ] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام هُنَاكَ فِي الذَّرّ , وَأَنَّهُ لَا وَزْن لَهُ . وَذَكَرَ بَعْض أَهْل اللُّغَة أَنَّ الذَّرّ : أَنْ يَضْرِب الرَّجُل بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْض , فَمَا عَلِقَ بِهَا مِنْ التُّرَاب فَهُوَ الذَّرّ , وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا وَضَعْت يَدك عَلَى الْأَرْض وَرَفَعْتهَا , فَكُلّ وَاحِد مِمَّا لَزِقَ بِهِ مِنْ التُّرَاب ذَرَّة . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة مِنْ خَيْر مِنْ كَافِر يَرَى ثَوَابه فِي الدُّنْيَا , فِي نَفْسه وَمَاله وَأَهْله وَوَلَده , حَتَّى يَخْرُج مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْد اللَّه خَيْر . وَمَنْ يَعْمَل , مِثْقَال ذَرَّة مِنْ شَرّ مِنْ مُؤْمِن , يَرَى عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا , فِي نَفْسه وَمَاله وَوَلَده وَأَهْله , حَتَّى يَخْرُج مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْد اللَّه شَرّ . دَلِيله مَا رَوَاهُ الْعُلَمَاء الْأَثْبَات مِنْ حَدِيث أَنَس : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر يَأْكُل , فَأَمْسَكَ وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , وَإِنَّا لَنُرَى مَا عَمِلْنَا مِنْ خَيْر وَشَرّ ؟ قَالَ : ( مَا رَأَيْت مِمَّا تَكْرَه فَهُوَ مَثَاقِيل ذَرّ الشَّرّ , وَيُدَّخَر لَكُمْ مَثَاقِيل ذَرّ الْخَيْر , حَتَّى تُعْطُوهُ يَوْم الْقِيَامَة ) . قَالَ أَبُو إِدْرِيس : إِنَّ مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ , وَيَعْفُو عَنْ كَثِير " [ الشُّورَى : 30 ] . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه " [ الْإِنْسَان : 8 ] كَانَ أَحَدهمْ يَأْتِيه السَّائِل , فَيَسْتَقِلّ أَنْ يُعْطِيه التَّمْرَة وَالْكِسْرَة وَالْجَوْزَة . وَكَانَ الْآخَر يَتَهَاوَن بِالذَّنْبِ الْيَسِير , كَالْكَذْبَةِ وَالْغِيبَة وَالنَّظْرَة , وَيَقُول : إِنَّمَا أَوْعَدَ اللَّه النَّار عَلَى الْكَبَائِر ; فَنَزَلَتْ تُرَغِّبهُمْ فِي الْقَلِيل مِنْ الْخَيْر أَنْ يُعْطُوهُ ; فَإِنَّهُ يُوشِك أَنْ يَكْثُر , وَيُحَذِّرهُمْ الْيَسِير مِنْ الذَّنْب , فَإِنَّهُ يُوشِك أَنْ يَكْثُر ; وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَالْإِثْم الصَّغِير فِي عَيْن صَاحِبه يَوْم الْقِيَامَة أَعْظَم مِنْ الْجِبَال , وَجَمِيع مَحَاسِنه أَقَلّ فِي عَيْنه مِنْ كُلّ شَيْء .
قِرَاءَة الْعَامَّة " يَرَهُ " بِفَتْحِ الْيَاء فِيهِمَا . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَالسُّلَمِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر وَأَبَان عَنْ عَاصِم : " يُرَهُ " بِضَمِّ الْيَاء ; أَيْ يُرِيه اللَّه إِيَّاهُ . وَالْأَوْلَى الِاخْتِيَار ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا " [ آل عِمْرَان : 30 ] الْآيَة . وَسَكَّنَ الْهَاء فِي قَوْله " يَرَهْ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ هِشَام . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْكِسَائِيّ عَنْ أَبِي بَكْر وَأَبِي حَيْوَة وَالْمُغِيرَة . وَاخْتَلَسَ يَعْقُوب وَالزُّهْرِيّ وَالْجَحْدَرِيّ وَشَيْبَة . وَأَشْبَع الْبَاقُونَ . وَقِيلَ " يَرَهُ " أَيْ يَرَى جَزَاءَهُ ; لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ قَدْ مَضَى وَعُدِمَ فَلَا يُرَى . وَأَنْشَدُوا : إِنَّ مَنْ يَعْتَدِي وَيَكْسِب إِثْمًا وَزْن مِثْقَال ذَرَّة سَيَرَاهُ وَيُجَازَى بِفِعْلِهِ الشَّرّ شَرًّا وَبِفِعْلِ الْجَمِيل أَيْضًا جَزَاهُ هَكَذَا قَوْله تَبَارَكَ رَبِّي فِي إِذَا زُلْزِلَتْ وَجَلَّ ثَنَاهُ
قَالَ اِبْن مَسْعُود : هَذِهِ أَحْكَم آيَة فِي الْقُرْآن , وَصَدَّقَ . وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى عُمُوم هَذِهِ الْآيَة ; الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ . وَرَوَى كَعْب الْأَحْبَار أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالصُّحُف : " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " . قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَدْيَن فِي قَوْله تَعَالَى : " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ " قَالَ : فِي الْحَال قَبْل الْمَآل . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي هَذِهِ الْآيَة الْآيَة الْجَامِعَة الْفَاذَّة ; كَمَا فِي الصَّحِيح لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْحُمُر وَسَكَتَ عَنْ الْبِغَال , وَالْجَوَاب فِيهِمَا وَاحِد ; لِأَنَّ الْبَغْل وَالْحِمَار لَا كَرّ فِيهِمَا وَلَا فَرّ ; فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي الْخَيْل مِنْ الْأَجْر الدَّائِم , وَالثَّوَاب الْمُسْتَمِرّ , سَأَلَ السَّائِل عَنْ الْحُمُر ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ يَوْمئِذٍ بَغْل , وَلَا دَخَلَ الْحِجَاز مِنْهَا إِلَّا بَغْلَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدُّلْدُل " , الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِس , فَأَفْتَاهُ فِي الْحَمِير بِعُمُومِ الْآيَة , وَإِنَّ فِي الْحِمَار مَثَاقِيل ذَرّ كَثِيرَة ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَفِي الْمُوَطَّأ : أَنَّ مِسْكِينًا اِسْتَطْعَمَ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْن يَدَيْهَا عِنَب ; فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ : خُذْ حَبَّة فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا . فَجَعَلَ يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَعْجَب ; فَقَالَتْ : أَتَعْجَبُ ! كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّة مِنْ مِثْقَال ذَرَّة . وَرُوِيَ عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِتَمْرَتَيْنِ , فَقَبَضَ السَّائِل يَده , فَقَالَ لِلسَّائِلِ : وَيَقْبَل اللَّه مِنَّا مَثَاقِيل الذَّرّ , وَفِي التَّمْرَتَيْنِ مَثَاقِيل ذَرّ كَثِيرَة . وَرَوَى الْمُطَّلِب بْن حَنْطَب : أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَمِثْقَال ذَرَّة ! قَالَ : ( نَعَمْ ) فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : وَاسَوْأَتَاه ! مِرَارًا : ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَقُولهَا ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ دَخَلَ قَلْب الْأَعْرَابِيّ الْإِيمَان ) . وَقَالَ : الْحَسَن قَدِمَ صَعْصَعَة عَمّ الْفَرَزْدَق عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا سَمِعَ " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة " الْآيَات قَالَ : لَا أُبَالِي أَلَّا أَسْمَع مِنْ الْقُرْآن غَيْرهَا , حَسْبِي , فَقَدْ اِنْتَهَتْ الْمَوْعِظَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَلَفْظ الْمَاوَرْدِيّ : وَرُوِىَ أَنَّ صَعْصَعَة بْن نَاجِيَة جَدّ الْفَرَزْدَق أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْرِئهُ , فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة ; فَقَالَ صَعْصَعَة : حَسْبِي حَسْبِي ; إِنْ عَمِلْت مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا رَأَيْته . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّه . فَدَفَعَهُ إِلَى رَجُل يُعَلِّمهُ ; فَعَلَّمَهُ " إِذَا زُلْزِلَتْ - حَتَّى إِذَا بَلَغَ - فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " قَالَ : حَسْبِي . فَأُخْبِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( دَعُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ ) . وَيُحْكَى أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَخَّرَ " خَيْرًا يَرَهُ " فَقِيلَ : قَدَّمْت وَأَخَّرْت . فَقَالَ : خُذَا بَطْن هَرْشَى أَوْ قَفَاهَا فَإِنَّهُ كِلَا جَانِبَيْ هَرْشَى لَهُنَّ طَرِيق
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام هُنَاكَ فِي الذَّرّ , وَأَنَّهُ لَا وَزْن لَهُ . وَذَكَرَ بَعْض أَهْل اللُّغَة أَنَّ الذَّرّ : أَنْ يَضْرِب الرَّجُل بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْض , فَمَا عَلِقَ بِهَا مِنْ التُّرَاب فَهُوَ الذَّرّ , وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا وَضَعْت يَدك عَلَى الْأَرْض وَرَفَعْتهَا , فَكُلّ وَاحِد مِمَّا لَزِقَ بِهِ مِنْ التُّرَاب ذَرَّة . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة مِنْ خَيْر مِنْ كَافِر يَرَى ثَوَابه فِي الدُّنْيَا , فِي نَفْسه وَمَاله وَأَهْله وَوَلَده , حَتَّى يَخْرُج مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْد اللَّه خَيْر . وَمَنْ يَعْمَل , مِثْقَال ذَرَّة مِنْ شَرّ مِنْ مُؤْمِن , يَرَى عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا , فِي نَفْسه وَمَاله وَوَلَده وَأَهْله , حَتَّى يَخْرُج مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْد اللَّه شَرّ . دَلِيله مَا رَوَاهُ الْعُلَمَاء الْأَثْبَات مِنْ حَدِيث أَنَس : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر يَأْكُل , فَأَمْسَكَ وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , وَإِنَّا لَنُرَى مَا عَمِلْنَا مِنْ خَيْر وَشَرّ ؟ قَالَ : ( مَا رَأَيْت مِمَّا تَكْرَه فَهُوَ مَثَاقِيل ذَرّ الشَّرّ , وَيُدَّخَر لَكُمْ مَثَاقِيل ذَرّ الْخَيْر , حَتَّى تُعْطُوهُ يَوْم الْقِيَامَة ) . قَالَ أَبُو إِدْرِيس : إِنَّ مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ , وَيَعْفُو عَنْ كَثِير " [ الشُّورَى : 30 ] . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه " [ الْإِنْسَان : 8 ] كَانَ أَحَدهمْ يَأْتِيه السَّائِل , فَيَسْتَقِلّ أَنْ يُعْطِيه التَّمْرَة وَالْكِسْرَة وَالْجَوْزَة . وَكَانَ الْآخَر يَتَهَاوَن بِالذَّنْبِ الْيَسِير , كَالْكَذْبَةِ وَالْغِيبَة وَالنَّظْرَة , وَيَقُول : إِنَّمَا أَوْعَدَ اللَّه النَّار عَلَى الْكَبَائِر ; فَنَزَلَتْ تُرَغِّبهُمْ فِي الْقَلِيل مِنْ الْخَيْر أَنْ يُعْطُوهُ ; فَإِنَّهُ يُوشِك أَنْ يَكْثُر , وَيُحَذِّرهُمْ الْيَسِير مِنْ الذَّنْب , فَإِنَّهُ يُوشِك أَنْ يَكْثُر ; وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَالْإِثْم الصَّغِير فِي عَيْن صَاحِبه يَوْم الْقِيَامَة أَعْظَم مِنْ الْجِبَال , وَجَمِيع مَحَاسِنه أَقَلّ فِي عَيْنه مِنْ كُلّ شَيْء .
قِرَاءَة الْعَامَّة " يَرَهُ " بِفَتْحِ الْيَاء فِيهِمَا . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَالسُّلَمِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر وَأَبَان عَنْ عَاصِم : " يُرَهُ " بِضَمِّ الْيَاء ; أَيْ يُرِيه اللَّه إِيَّاهُ . وَالْأَوْلَى الِاخْتِيَار ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا " [ آل عِمْرَان : 30 ] الْآيَة . وَسَكَّنَ الْهَاء فِي قَوْله " يَرَهْ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ هِشَام . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْكِسَائِيّ عَنْ أَبِي بَكْر وَأَبِي حَيْوَة وَالْمُغِيرَة . وَاخْتَلَسَ يَعْقُوب وَالزُّهْرِيّ وَالْجَحْدَرِيّ وَشَيْبَة . وَأَشْبَع الْبَاقُونَ . وَقِيلَ " يَرَهُ " أَيْ يَرَى جَزَاءَهُ ; لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ قَدْ مَضَى وَعُدِمَ فَلَا يُرَى . وَأَنْشَدُوا : إِنَّ مَنْ يَعْتَدِي وَيَكْسِب إِثْمًا وَزْن مِثْقَال ذَرَّة سَيَرَاهُ وَيُجَازَى بِفِعْلِهِ الشَّرّ شَرًّا وَبِفِعْلِ الْجَمِيل أَيْضًا جَزَاهُ هَكَذَا قَوْله تَبَارَكَ رَبِّي فِي إِذَا زُلْزِلَتْ وَجَلَّ ثَنَاهُ
قَالَ اِبْن مَسْعُود : هَذِهِ أَحْكَم آيَة فِي الْقُرْآن , وَصَدَّقَ . وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى عُمُوم هَذِهِ الْآيَة ; الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ . وَرَوَى كَعْب الْأَحْبَار أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالصُّحُف : " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " . قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَدْيَن فِي قَوْله تَعَالَى : " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ " قَالَ : فِي الْحَال قَبْل الْمَآل . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي هَذِهِ الْآيَة الْآيَة الْجَامِعَة الْفَاذَّة ; كَمَا فِي الصَّحِيح لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْحُمُر وَسَكَتَ عَنْ الْبِغَال , وَالْجَوَاب فِيهِمَا وَاحِد ; لِأَنَّ الْبَغْل وَالْحِمَار لَا كَرّ فِيهِمَا وَلَا فَرّ ; فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي الْخَيْل مِنْ الْأَجْر الدَّائِم , وَالثَّوَاب الْمُسْتَمِرّ , سَأَلَ السَّائِل عَنْ الْحُمُر ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ يَوْمئِذٍ بَغْل , وَلَا دَخَلَ الْحِجَاز مِنْهَا إِلَّا بَغْلَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدُّلْدُل " , الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِس , فَأَفْتَاهُ فِي الْحَمِير بِعُمُومِ الْآيَة , وَإِنَّ فِي الْحِمَار مَثَاقِيل ذَرّ كَثِيرَة ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَفِي الْمُوَطَّأ : أَنَّ مِسْكِينًا اِسْتَطْعَمَ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْن يَدَيْهَا عِنَب ; فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ : خُذْ حَبَّة فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا . فَجَعَلَ يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَعْجَب ; فَقَالَتْ : أَتَعْجَبُ ! كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّة مِنْ مِثْقَال ذَرَّة . وَرُوِيَ عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِتَمْرَتَيْنِ , فَقَبَضَ السَّائِل يَده , فَقَالَ لِلسَّائِلِ : وَيَقْبَل اللَّه مِنَّا مَثَاقِيل الذَّرّ , وَفِي التَّمْرَتَيْنِ مَثَاقِيل ذَرّ كَثِيرَة . وَرَوَى الْمُطَّلِب بْن حَنْطَب : أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَمِثْقَال ذَرَّة ! قَالَ : ( نَعَمْ ) فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : وَاسَوْأَتَاه ! مِرَارًا : ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَقُولهَا ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ دَخَلَ قَلْب الْأَعْرَابِيّ الْإِيمَان ) . وَقَالَ : الْحَسَن قَدِمَ صَعْصَعَة عَمّ الْفَرَزْدَق عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا سَمِعَ " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة " الْآيَات قَالَ : لَا أُبَالِي أَلَّا أَسْمَع مِنْ الْقُرْآن غَيْرهَا , حَسْبِي , فَقَدْ اِنْتَهَتْ الْمَوْعِظَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَلَفْظ الْمَاوَرْدِيّ : وَرُوِىَ أَنَّ صَعْصَعَة بْن نَاجِيَة جَدّ الْفَرَزْدَق أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْرِئهُ , فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة ; فَقَالَ صَعْصَعَة : حَسْبِي حَسْبِي ; إِنْ عَمِلْت مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا رَأَيْته . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّه . فَدَفَعَهُ إِلَى رَجُل يُعَلِّمهُ ; فَعَلَّمَهُ " إِذَا زُلْزِلَتْ - حَتَّى إِذَا بَلَغَ - فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " قَالَ : حَسْبِي . فَأُخْبِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( دَعُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ ) . وَيُحْكَى أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَخَّرَ " خَيْرًا يَرَهُ " فَقِيلَ : قَدَّمْت وَأَخَّرْت . فَقَالَ : خُذَا بَطْن هَرْشَى أَوْ قَفَاهَا فَإِنَّهُ كِلَا جَانِبَيْ هَرْشَى لَهُنَّ طَرِيق
كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : مَنْ يَعْمَل مِنْ الْكُفَّار مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ فِي الدُّنْيَا , وَلَا يُثَاب عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة , وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة مِنْ شَرّ عُوقِبَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة , مَعَ عِقَاب الشِّرْك , وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة مِنْ شَرّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَرَهُ فِي الدُّنْيَا , وَلَا يُعَاقَب عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة إِذَا مَاتَ , وَيُتَجَاوَز عَنْهُ , وَإِنْ عَمِلَ مِثْقَال ذَرَّة مِنْ خَيْر يُقْبَل مِنْهُ , وَيُضَاعَف لَهُ فِي الْآخِرَة . وَفِي بَعْض الْحَدِيث : ( الذَّرَّة لَا زِنَة لَهَا ) وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى : أَنَّهُ لَا يَغْفُل مِنْ عَمَل اِبْن آدَم صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة . وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ اللَّه لَا يَظْلِم مِثْقَال ذَرَّة " [ النِّسَاء : 40 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام هُنَاكَ فِي الذَّرّ , وَأَنَّهُ لَا وَزْن لَهُ . وَذَكَرَ بَعْض أَهْل اللُّغَة أَنَّ الذَّرّ : أَنْ يَضْرِب الرَّجُل بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْض , فَمَا عَلِقَ بِهَا مِنْ التُّرَاب فَهُوَ الذَّرّ , وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا وَضَعْت يَدك عَلَى الْأَرْض وَرَفَعْتهَا , فَكُلّ وَاحِد مِمَّا لَزِقَ بِهِ مِنْ التُّرَاب ذَرَّة . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة مِنْ خَيْر مِنْ كَافِر يَرَى ثَوَابه فِي الدُّنْيَا , فِي نَفْسه وَمَاله وَأَهْله وَوَلَده , حَتَّى يَخْرُج مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْد اللَّه خَيْر . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة مِنْ شَرّ مِنْ مُؤْمِن يَرَى عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا , فِي نَفْسه وَمَاله وَوَلَده وَأَهْله , حَتَّى يَخْرُج مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْد اللَّه شَرّ . دَلِيله مَا رَوَاهُ الْعُلَمَاء الْأَثْبَات مِنْ حَدِيث أَنَس : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر يَأْكُل , فَأَمْسَكَ وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , وَإِنَّا لَنُرَى مَا عَمِلْنَا مِنْ خَيْر وَشَرّ ؟ قَالَ : ( مَا رَأَيْت مِمَّا تَكْرَه فَهُوَ مَثَاقِيل ذَرّ الشَّرّ , وَيُدَّخَر لَكُمْ مَثَاقِيل ذَرّ الْخَيْر , حَتَّى تُعْطُوهُ يَوْم الْقِيَامَة ) . قَالَ أَبُو إِدْرِيس : إِنَّ مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ , وَيَعْفُو عَنْ كَثِير " [ الشُّورَى : 30 ] . وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه " [ الْإِنْسَان : 8 ] كَانَ أَحَدهمْ يَأْتِيه السَّائِل , فَيَسْتَقِلّ أَنْ يُعْطِيه التَّمْرَة وَالْكِسْرَة وَالْجَوْزَة . وَكَانَ الْآخَر يَتَهَاوَن بِالذَّنْبِ الْيَسِير , كَالْكَذْبَةِ وَالْغِيبَة وَالنَّظْرَة , وَيَقُول : إِنَّمَا أَوْعَدَ اللَّه النَّار عَلَى الْكَبَائِر ; فَنَزَلَتْ تُرَغِّبهُمْ فِي الْقَلِيل مِنْ الْخَيْر أَنْ يُعْطُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِك أَنْ يَكْثُر , وَيُحَذِّرهُمْ الْيَسِير مِنْ الذَّنْب , فَإِنَّهُ يُوشِك أَنْ يَكْثُر ; وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَالْإِثْم الصَّغِير فِي عَيْن صَاحِبه يَوْم الْقِيَامَة أَعْظَم مِنْ الْجِبَال , وَجَمِيع مَحَاسِنه أَقَلّ فِي عَيْنه مِنْ كُلّ شَيْء .
قِرَاءَة الْعَامَّة " يَرَهُ " بِفَتْحِ الْيَاء فِيهِمَا . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَالسُّلَمِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر وَأَبَان عَنْ عَاصِم : " يُرَهُ " بِضَمِّ الْيَاء ; أَيْ يُرِيه اللَّه إِيَّاهُ . وَالْأَوْلَى الِاخْتِيَار ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا " [ آل عِمْرَان : 30 ] الْآيَة . وَسَكَّنَ الْهَاء فِي قَوْله " يَرَهْ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ هِشَام . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْكِسَائِيّ عَنْ أَبِي بَكْر وَأَبِي حَيْوَة وَالْمُغِيرَة . وَاخْتَلَسَ يَعْقُوب وَالزُّهْرِيّ وَالْجَحْدَرِيّ وَشَيْبَة . وَأَشْبَعَ الْبَاقُونَ . وَقِيلَ " يَرَهُ " أَيْ يَرَى جَزَاءَهُ ; لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ قَدْ مَضَى وَعُدِمَ فَلَا يُرَى . وَأَنْشَدُوا : إِنَّ مَنْ يَعْتَدِي وَيَكْسِب إِثْمًا وَزْن مِثْقَال ذَرَّة سَيَرَاهُ وَيُجَازَى بِفِعْلِهِ الشَّرّ شَرًّا وَبِفِعْلِ الْجَمِيل أَيْضًا جَزَاهُ هَكَذَا قَوْله تَبَارَكَ رَبِّي فِي إِذَا زُلْزِلَتْ وَجَلَّ ثَنَاهُ
قَالَ اِبْن مَسْعُود : هَذِهِ أَحْكَم آيَة فِي الْقُرْآن ; وَصَدَّقَ . وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى عُمُوم هَذِهِ الْآيَة ; الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ . وَرَوَى كَعْب الْأَحْبَار أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالصُّحُف : " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " . قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَدْيَن فِي قَوْله تَعَالَى : " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ " قَالَ : فِي الْحَال قَبْل الْمَآل . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي هَذِهِ الْآيَة الْآيَة الْجَامِعَة الْفَاذَّة ; كَمَا فِي الصَّحِيح لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْحُمُر وَسَكَتَ عَنْ الْبِغَال , وَالْجَوَاب فِيهِمَا وَاحِد ; لِأَنَّ الْبَغْل وَالْحِمَار لَا كَرّ فِيهِمَا وَلَا فَرّ ; فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي الْخَيْل مِنْ الْأَجْر الدَّائِم , وَالثَّوَاب الْمُسْتَمِرّ , سَأَلَ السَّائِل عَنْ الْحُمُر لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ يَوْمئِذٍ بَغْل , وَلَا دَخَلَ الْحِجَاز مِنْهَا إِلَّا بَغْلَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدُّلْدُل " , الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِس , فَأَفْتَاهُ فِي الْحَمِير بِعُمُومِ الْآيَة , وَإِنَّ فِي الْحِمَار مَثَاقِيل ذَرّ كَثِيرَة ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَفِي الْمُوَطَّأ : أَنَّ مِسْكَيْنَا اِسْتَطْعَمَ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْن يَدَيْهَا عِنَب ; فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ : خُذْ حَبَّة فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا . فَجَعَلَ يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَعْجَب ; فَقَالَتْ : أَتَعْجَبُ ! كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّة مِنْ مِثْقَال ذَرَّة . وَرُوِيَ عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِتَمْرَتَيْنِ , فَقَبَضَ السَّائِل يَده , فَقَالَ لِلسَّائِلِ : وَيَقْبَل اللَّه مِنَّا مَثَاقِيل الذَّرّ , وَفِي التَّمْرَتَيْنِ مَثَاقِيل ذَرّ كَثِيرَة . وَرَوَى الْمُطَّلِب بْن حَنْطَب : أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَمِثْقَال ذَرَّة ! قَالَ : ( نَعَمْ ) فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : وَاسَوْأَتَاه ! مِرَارًا : ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَقُولهَا ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ دَخَلَ قَلْب الْأَعْرَابِيّ الْإِيمَان ) . وَقَالَ : الْحَسَن قَدِمَ صَعْصَعَة عَمّ الْفَرَزْدَق عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا سَمِعَ " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة " الْآيَات قَالَ : لَا أُبَالِي أَلَّا أَسْمَع مِنْ الْقُرْآن غَيْرهَا , حَسْبِي , فَقَدْ اِنْتَهَتْ الْمَوْعِظَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَلَفْظ الْمَاوَرْدِيّ : وَرُوِىَ أَنَّ صَعْصَعَة اِبْن نَاجِيَة جَدّ الْفَرَزْدَق أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْرِئهُ , فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة ; فَقَالَ صَعْصَعَة : حَسْبِي حَسْبِي ; إِنْ عَمِلْت مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا رَأَيْته . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّه , فَدَفَعَهُ إِلَى رَجُل يُعَلِّمهُ ; فَعَلَّمَهُ " إِذَا زُلْزِلَتْ - حَتَّى إِذَا بَلَغَ - فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " قَالَ : حَسْبِي . فَأُخْبِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( دَعُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ ) . وَيُحْكَى أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَخَّرَ " خَيْرًا يَرَهُ " فَقِيلَ : قَدَّمْت وَأَخَّرْت . فَقَالَ : خُذَا بَطْن هَرْشَى أَوْ قَفَاهَا فَإِنَّهُ كِلَا جَانِبَيْ هَرْشَى لَهُنَّ طَرِيق
قِرَاءَة الْعَامَّة " يَرَهُ " بِفَتْحِ الْيَاء فِيهِمَا . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَالسُّلَمِيّ وَعِيسَى بْن عُمَر وَأَبَان عَنْ عَاصِم : " يُرَهُ " بِضَمِّ الْيَاء ; أَيْ يُرِيه اللَّه إِيَّاهُ . وَالْأَوْلَى الِاخْتِيَار ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا " [ آل عِمْرَان : 30 ] الْآيَة . وَسَكَّنَ الْهَاء فِي قَوْله " يَرَهْ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ هِشَام . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْكِسَائِيّ عَنْ أَبِي بَكْر وَأَبِي حَيْوَة وَالْمُغِيرَة . وَاخْتَلَسَ يَعْقُوب وَالزُّهْرِيّ وَالْجَحْدَرِيّ وَشَيْبَة . وَأَشْبَعَ الْبَاقُونَ . وَقِيلَ " يَرَهُ " أَيْ يَرَى جَزَاءَهُ ; لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ قَدْ مَضَى وَعُدِمَ فَلَا يُرَى . وَأَنْشَدُوا : إِنَّ مَنْ يَعْتَدِي وَيَكْسِب إِثْمًا وَزْن مِثْقَال ذَرَّة سَيَرَاهُ وَيُجَازَى بِفِعْلِهِ الشَّرّ شَرًّا وَبِفِعْلِ الْجَمِيل أَيْضًا جَزَاهُ هَكَذَا قَوْله تَبَارَكَ رَبِّي فِي إِذَا زُلْزِلَتْ وَجَلَّ ثَنَاهُ
قَالَ اِبْن مَسْعُود : هَذِهِ أَحْكَم آيَة فِي الْقُرْآن ; وَصَدَّقَ . وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى عُمُوم هَذِهِ الْآيَة ; الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ . وَرَوَى كَعْب الْأَحْبَار أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالصُّحُف : " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " . قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَدْيَن فِي قَوْله تَعَالَى : " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ " قَالَ : فِي الْحَال قَبْل الْمَآل . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي هَذِهِ الْآيَة الْآيَة الْجَامِعَة الْفَاذَّة ; كَمَا فِي الصَّحِيح لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْحُمُر وَسَكَتَ عَنْ الْبِغَال , وَالْجَوَاب فِيهِمَا وَاحِد ; لِأَنَّ الْبَغْل وَالْحِمَار لَا كَرّ فِيهِمَا وَلَا فَرّ ; فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي الْخَيْل مِنْ الْأَجْر الدَّائِم , وَالثَّوَاب الْمُسْتَمِرّ , سَأَلَ السَّائِل عَنْ الْحُمُر لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ يَوْمئِذٍ بَغْل , وَلَا دَخَلَ الْحِجَاز مِنْهَا إِلَّا بَغْلَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدُّلْدُل " , الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِس , فَأَفْتَاهُ فِي الْحَمِير بِعُمُومِ الْآيَة , وَإِنَّ فِي الْحِمَار مَثَاقِيل ذَرّ كَثِيرَة ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَفِي الْمُوَطَّأ : أَنَّ مِسْكَيْنَا اِسْتَطْعَمَ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْن يَدَيْهَا عِنَب ; فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ : خُذْ حَبَّة فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا . فَجَعَلَ يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَعْجَب ; فَقَالَتْ : أَتَعْجَبُ ! كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّة مِنْ مِثْقَال ذَرَّة . وَرُوِيَ عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِتَمْرَتَيْنِ , فَقَبَضَ السَّائِل يَده , فَقَالَ لِلسَّائِلِ : وَيَقْبَل اللَّه مِنَّا مَثَاقِيل الذَّرّ , وَفِي التَّمْرَتَيْنِ مَثَاقِيل ذَرّ كَثِيرَة . وَرَوَى الْمُطَّلِب بْن حَنْطَب : أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَمِثْقَال ذَرَّة ! قَالَ : ( نَعَمْ ) فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : وَاسَوْأَتَاه ! مِرَارًا : ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَقُولهَا ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ دَخَلَ قَلْب الْأَعْرَابِيّ الْإِيمَان ) . وَقَالَ : الْحَسَن قَدِمَ صَعْصَعَة عَمّ الْفَرَزْدَق عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا سَمِعَ " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة " الْآيَات قَالَ : لَا أُبَالِي أَلَّا أَسْمَع مِنْ الْقُرْآن غَيْرهَا , حَسْبِي , فَقَدْ اِنْتَهَتْ الْمَوْعِظَة ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَلَفْظ الْمَاوَرْدِيّ : وَرُوِىَ أَنَّ صَعْصَعَة اِبْن نَاجِيَة جَدّ الْفَرَزْدَق أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْرِئهُ , فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة ; فَقَالَ صَعْصَعَة : حَسْبِي حَسْبِي ; إِنْ عَمِلْت مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا رَأَيْته . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّه , فَدَفَعَهُ إِلَى رَجُل يُعَلِّمهُ ; فَعَلَّمَهُ " إِذَا زُلْزِلَتْ - حَتَّى إِذَا بَلَغَ - فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " قَالَ : حَسْبِي . فَأُخْبِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( دَعُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ فَقِهَ ) . وَيُحْكَى أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَخَّرَ " خَيْرًا يَرَهُ " فَقِيلَ : قَدَّمْت وَأَخَّرْت . فَقَالَ : خُذَا بَطْن هَرْشَى أَوْ قَفَاهَا فَإِنَّهُ كِلَا جَانِبَيْ هَرْشَى لَهُنَّ طَرِيق