قَسَمَانِ : " السَّمَاء " قَسَم , و " الطَّارِق " قَسَم . وَالطَّارِق : النَّجْم . وَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : " وَمَا أَدْرَاك مَا الطَّارِق . النَّجْم الثَّاقِب " . وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ : هُوَ زُحَل : الْكَوْكَب الَّذِي فِي السَّمَاء السَّابِعَة ذَكَرَهُ مُحَمَّد بْن الْحَسَن فِي تَفْسِيره , وَذَكَرَ لَهُ أَخْبَارًا , اللَّه أَعْلَم بِصِحَّتِهَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهُ الثُّرَيَّا . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ زُحَل وَقَالَهُ الْفَرَّاء . اِبْن عَبَّاس : هُوَ الْجَدْي . وَعَنْهُ أَيْضًا وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا - وَالْفَرَّاء : " النَّجْم الثَّاقِب " : نَجْم فِي السَّمَاء السَّابِعَة , لَا يَسْكُنهَا غَيْره مِنْ النُّجُوم فَإِذَا أَخَذَتْ النُّجُوم أَمْكِنَتَهَا مِنْ السَّمَاء , هَبَطَ فَكَانَ مَعَهَا . ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مَكَانه مِنْ السَّمَاء السَّابِعَة , وَهُوَ زُحَل , فَهُوَ طَارِق حِين يَنْزِل , وَطَارِق حِين يَصْعَد . وَحَكَى الْفَرَّاء : ثُقْب الطَّائِر : إِذَا اِرْتَفَعَ وَعَلَا . وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا مَعَ أَبِي طَالِب , فَانْحَطَّ نَجْم , فَامْتَلَأَتْ الْأَرْض نُورًا , فَفَزِعَ أَبُو طَالِب , وَقَالَ : أَيّ شَيْء هَذَا ؟ فَقَالَ : [ هَذَا نَجْم رُمِيَ بِهِ , وَهُوَ آيَة مِنْ آيَات اللَّه ] فَعَجِبَ أَبُو طَالِب , وَنَزَلَ : " وَالسَّمَاء وَالطَّارِق " . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا " وَالسَّمَاء وَالطَّارِق " قَالَ : السَّمَاء وَمَا يَطْرُق فِيهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء : " الثَّاقِب " : الَّذِي تُرْمَى بِهِ الشَّيَاطِينُ . قَتَادَة : هُوَ عَامّ فِي سَائِر النُّجُوم ; لِأَنَّ طُلُوعهَا بِلَيْلٍ , وَكُلّ مَنْ أَتَاك لَيْلًا فَهُوَ طَارِق . قَالَ : وَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْت وَمُرْضِعٍ فَأَلْهَيْتهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُغْيِلِ وَقَالَ : أَلَمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئْت طَارِقًا وَجَدْت بِهَا طِيبًا وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ فَالطَّارِق : النَّجْم , اِسْم جِنْس , سُمِّيَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَطْرُق لَيْلًا , وَمِنْهُ الْحَدِيث : [ نَهَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَطْرُق الْمُسَافِر أَهْله لَيْلًا , كَيْ تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ , وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ ] . وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ قَاصِد فِي اللَّيْل طَارِقًا . يُقَال : طَرَقَ فُلَان إِذَا جَاءَ بِلَيْلٍ . وَقَدْ طَرَقَ يَطْرُق طُرُوقًا , فَهُوَ طَارِق . وَلِابْنِ الرُّومِيّ : يَا رَاقِدَ اللَّيْلِ مَسْرُورًا بِأَوَّلِهِ إِنَّ الْحَوَادِثَ قَدْ يَطْرُقْنَ أَسْحَارَا لَا تَفْرَحَنَّ بِلَيْلٍ طَابَ أَوَّلُهُ فَرُبَّ آخِرُ لَيْلٍ أَجَّجَ النَّارَا وَفِي الصِّحَاح : وَالطَّارِق : النَّجْم الَّذِي يُقَال لَهُ كَوْكَب الصُّبْح . وَمِنْهُ قَوْل هِنْد : نَحْنُ بَنَات طَارِقِ نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقِ أَيْ إِنَّ أَبَانَا فِي الشَّرَف كَالنَّجْمِ الْمُضِيء . الْمَاوَرْدِيّ : وَأَصْل الطَّرْق : الدَّقّ , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْمِطْرَقَة , فَسُمِّيَ قَاصِد اللَّيْل طَارِقًا , لِاحْتِيَاجِهِ فِي الْوُصُول إِلَى الدَّقّ . وَقَالَ قَوْم : إِنَّهُ قَدْ يَكُون نَهَارًا . وَالْعَرَب تَقُول أَتَيْتُك الْيَوْم طَرْقَتَيْنِ : أَيْ مَرَّتَيْنِ . وَمِنْهُ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : [ أَعُوذ بِك مِنْ شَرّ طَوَارِق اللَّيْل وَالنَّهَار , إِلَّا طَارِقًا يَطْرُق بِخَيْرٍ يَا رَحْمَن ] . وَقَالَ جَرِير فِي الطُّرُوق : طَرَقَتْك صَائِدَةُ الْقُلُوبِ وَلَيْسَ ذَا حِينَ الزِّيَارَةِ فَارْجِعِي بِسَلَامِ
تَفْخِيمًا لِشَأْنِ هَذَا الْمُقْسَمِ بِهِ . وَقَالَ سُفْيَان : كُلّ مَا فِي الْقُرْآن " وَمَا أَدْرَاك " ؟ فَقَدْ أَخْبَرَهُ بِهِ . وَكُلّ شَيْء قَالَ فِيهِ " وَمَا يُدْرِيك " : لَمْ يُخْبِرهُ بِهِ .
وَالثَّاقِب : الْمُضِيء . وَمِنْهُ " شِهَاب ثَاقِب " [ الصَّافَّات : 10 ] . يُقَال : ثَقَبَ يَثْقُب ثُقُوبًا وَثَقَابَة : إِذَا أَضَاءَ . وَثُقُوبُهُ : ضَوْءُهُ . وَالْعَرَب تَقُول : أَثْقِبْ نَارك أَيْ أُضِئْهَا . قَالَ : أَذَاعَ بِهِ فِي النَّاس حَتَّى كَأَنَّهُ بِعَلْيَاءَ نَارٌ أُوقِدَتْ بِثُقُوبِ الثُّقُوب : مَا تُشْعَل بِهِ النَّار مِنْ دِقَاق الْعِيدَانِ . وَقَالَ مُجَاهِد : الثَّاقِب : الْمُتَوَهِّج . الْقُشَيْرِيّ وَالْمُعْظَم عَلَى أَنَّ الطَّارِق وَالثَّاقِب اِسْم جِنْس أُرِيدَ بِهِ الْعُمُوم , كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِد .
قَالَ قَتَادَة : حَفَظَة يَحْفَظُونَ عَلَيْك رِزْقَك وَعَمَلَك وَأَجَلَك . وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : قَرِينُهُ يَحْفَظ عَلَيْهِ عَمَله : مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ . وَهَذَا هُوَ جَوَاب الْقَسَم . وَقِيلَ : الْجَوَاب " إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِر " فِي قَوْل التِّرْمِذِيّ : مُحَمَّد بْن عَلِيّ . و " إِنْ " : مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة , و " مَا " : مُؤَكِّدَة , أَيْ إِنْ كُلّ نَفْس لَعَلَيْهَا حَافِظ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِنْ كُلّ نَفْس إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظ : يَحْفَظُهَا مِنْ الْآفَات , حَتَّى يُسَلِّمَهَا إِلَى الْقَدَر . قَالَ الْفَرَّاء : الْحَافِظ مِنْ اللَّه , يَحْفَظهَا حَتَّى يُسَلِّمهَا إِلَى الْمَقَادِير , وَقَالَ الْكَلْبِيّ . وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : [ وُكِّلَ بِالْمُؤْمِنِ مِائَة وَسِتُّونَ مَلَكًا يَذُبُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْدِر عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْبَصَر , سَبْعَة أَمْلَاك يَذُبُّونَ عَنْهُ , كَمَا يُذَبُّ عَنْ قَصْعَة الْعَسَل الذُّبَاب . وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْد إِلَى نَفْسه طَرْفَة عَيْن لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِين ] . وَقِرَاءَة اِبْن عَامِر وَعَاصِم وَحَمْزَة " لَمَّا " بِتَشْدِيدِ الْمِيم , أَيْ مَا كُلّ نَفْس إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظ , وَهِيَ لُغَة هُذَيْل : يَقُول قَائِلهمْ : نَشَدْتُك لَمَّا قُمْت . الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ , عَلَى أَنَّهَا زَائِدَة مُؤَكِّدَة , كَمَا ذَكَرْنَا . وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة قَوْله تَعَالَى : " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْر اللَّه " [ الرَّعْد : 11 ] , عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : الْحَافِظ هُوَ اللَّه سُبْحَانه فَلَوْلَا حِفْظُهُ لَهَا لَمْ تَبْقَ . وَقِيلَ : الْحَافِظ عَلَيْهِ عَقْله , يُرْشِدهُ إِلَى مَصَالِحه , وَيَكُفُّهُ عَنْ مَضَارِّهِ .
قُلْت : الْعَقْل وَغَيْره وَسَائِط , وَالْحَافِظ فِي الْحَقِيقَة هُوَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " فَاَللَّه خَيْر حَافِظًا " [ يُوسُف : 65 ] , وَقَالَ : " قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن " [ الْأَنْبِيَاء : 52 ] . وَمَا كَانَ مِثْله .
قُلْت : الْعَقْل وَغَيْره وَسَائِط , وَالْحَافِظ فِي الْحَقِيقَة هُوَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " فَاَللَّه خَيْر حَافِظًا " [ يُوسُف : 65 ] , وَقَالَ : " قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن " [ الْأَنْبِيَاء : 52 ] . وَمَا كَانَ مِثْله .
أَيْ اِبْن أَدُمْ " مِمَّ خُلِقَ " وَجْه الِاتِّصَال بِمَا قَبْله تَوْصِيَة الْإِنْسَان بِالنَّظَرِ فِي أَوَّل أَمْره , وَسُنَّته الْأُولَى , حَتَّى يَعْلَم أَنَّ مَنْ أَنْشَأَهُ قَادِر عَلَى إِعَادَته وَجَزَائِهِ فَيَعْمَل لِيَوْمِ الْإِعَادَة وَالْجَزَاء , وَلَا يُمْلِي عَلَى حَافِظه إِلَّا مَا يَسُرُّهُ فِي عَاقِبَة أَمْره . و " مِمَّ خُلِقَ " ؟ اِسْتِفْهَام أَيْ مِنْ أَيّ شَيْء خُلِقَ ؟
وَهُوَ جَوَاب الِاسْتِفْهَام " مِنْ مَاء دَافِق " أَيْ مِنْ الْمَنِيّ . وَالدَّفْق : صَبّ الْمَاء , دَفَقْت الْمَاء أَدْفُقُهُ دَفْقًا : صَبَبْته , فَهُوَ مَاء دَافِق , أَيْ مَدْفُوق , كَمَا قَالُوا : سِرٌّ كَاتِمٌ : أَيْ مَكْتُوم ; لِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِك : دُفِقَ الْمَاء , عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَلَا يُقَال : دَفَقَ الْمَاء . وَيُقَال : دَفَقَ اللَّه رُوحَهُ : إِذَا دَعَا عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ . قَالَ الْفَرَّاء وَالْأَخْفَش : " مِنْ مَاء دَافِق " أَيْ مَصْبُوب فِي الرَّحِم , الزَّجَّاج : مِنْ مَاء ذِي اِنْدِفَاق . يُقَال : دَارِع وَفَارِس وَنَابِل أَيْ ذُو فَرَس , وَدِرْع , وَنَبْل . وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهِ . فَالدَّافِق هُوَ الْمُنْدَفِق بِشِدَّةِ قُوَّته . وَأَرَادَ مَاءَيْنِ : مَاء الرَّجُل وَمَاء الْمَرْأَة ; لِأَنَّ الْإِنْسَان مَخْلُوق مِنْهُمَا , لَكِنْ جَعَلَهُمَا مَاء وَاحِدًا لِامْتِزَاجِهِمَا . وَعَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : " دَافِق " لَزِج .
أَيْ هَذَا الْمَاء
أَيْ الظَّهْر . وَفِيهِ لُغَات أَرْبَع : صُلْب , وَصَلْب - وَقُرِئَ بِهِمَا - وَصَلَب ( بِفَتْحِ اللَّام ) , وَصَالَب ( عَلَى وَزْن قَالَب ) وَمِنْهُ قَوْل الْعَبَّاس : تَنَقَّل مِنْ صَالَب إِلَى رَحِم
أَيْ الصَّدْر , الْوَاحِدَة : تَرِيبَة وَهِيَ مَوْضِع الْقِلَادَة مِنْ الصَّدْر . قَالَ : مُهَفْهَفَةٍ بَيْضَاءَ غَيْرِ مُفَاضَةٍ تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ وَالصُّلْب مِنْ الرَّجُل , وَالتَّرَائِب مِنْ الْمَرْأَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : التَّرَائِب : مَوْضِع الْقِلَادَة . وَعَنْهُ : مَا بَيْن ثَدْيَيْهَا وَقَالَ عِكْرِمَة . وَرُوِيَ عَنْهُ : يَعْنِي تَرَائِب الْمَرْأَة : الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاك . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ الْجِيدُ . مُجَاهِد : هُوَ مَا بَيْن الْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْر عَنْهُ : الصَّدْر . وَعَنْهُ : التَّرَاقِي . وَعَنْ اِبْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس : التَّرَائِب : أَرْبَع أَضْلَاع مِنْ هَذَا الْجَانِب . وَحَكَى الزَّجَّاجُ : أَنَّ التَّرَائِب أَرْبَع أَضْلَاع مِنْ يَمْنَة الصَّدْر , وَأَرْبَع أَضْلَاع مِنْ يَسْرَة الصَّدْر . وَقَالَ مَعْمَر بْن أَبِي حَبِيبَة الْمَدَنِيّ : التَّرَائِب عُصَارَة الْقَلْب وَمِنْهَا يَكُون الْوَلَد . وَالْمَشْهُور مِنْ كَلَام الْعَرَب : أَنَّهَا عِظَام الصَّدْر وَالنَّحْر . وَقَالَ دُرَيْد بْن الصِّمَّة : فَإِنْ تُدْبِرُوا نَأْخُذْكُمْ فِي ظُهُوركُمْ وَإِنْ تُقْبَلُوا نَأْخُذكُمْ فِي التَّرَائِبِ وَقَالَ آخَر : وَبَدَتْ كَأَنَّ تَرَائِبًا مِنْ نَحْرهَا جَمْر الْغَضَى فِي سَاعِد تَتَوَقَّدُ وَقَالَ آخَر : وَالزَّعْفَرَان عَلَى تَرَائِبِهَا شَرْق بِهِ اللَّبَّات وَالنَّحْر وَعَنْ عِكْرِمَة : التَّرَائِب : الصَّدْر ثُمَّ أَنْشَدَ : نِظَامُ دُرٍّ عَلَى تَرَائِبِهَا وَقَالَ ذُو الرُّمَّة : ضَرَجْنَ الْبُرُود عَنْ تَرَائِبِ حُرَّةٍ أَيْ شَقَقْنَ . وَيُرْوَى " ضَرَحْنَ " بِالْحَاءِ , أَيْ أَلْقَيْنَ . وَفِي الصِّحَاح : وَالتَّرِيبَة : وَاحِدَة التَّرَائِب , وَهِيَ عِظَام الصَّدْر مَا بَيْن التَّرْقُوَة وَالثَّنْدُوَة . قَالَ الشَّاعِر : أَشْرَفَ ثَدْيَاهَا عَلَى التَّرِيبِ وَقَالَ الْمُثَقَّب الْعَبْدِيّ : وَمِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ عَلَى تَرِيبٍ كَلَوْنِ الْعَاجِ لَيْسَ بِذِي غُضُونِ عَنْ غَيْر الْجَوْهَرِيّ : الثَّنْدُوَة لِلرَّجُلِ : بِمَنْزِلَةِ الثَّدْي لِلْمَرْأَةِ . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : مَغْرَز الثَّدْي . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : هِيَ اللَّحْم الَّذِي حَوْل الثَّدْي إِذَا ضَمَمْت أَوَّلَهَا هَمَزْت , وَإِذَا فَتَحْت لَمْ تَهْمِزْ . وَفِي التَّفْسِير : يُخْلَق مِنْ مَاء الرَّجُل الَّذِي يَخْرُج مِنْ صُلْبه الْعَظْم وَالْعَصَب . وَمِنْ مَاء الْمَرْأَة الَّذِي يَخْرُج مِنْ تَرَائِبهَا اللَّحْم وَالدَّم وَقَالَ الْأَعْمَش . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَرْفُوعًا فِي أَوَّل سُورَة [ آل عِمْرَان ] . وَالْحَمْد لِلَّهِ - وَفِي ( الْحُجُرَات ) " إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى " [ الْحُجُرَات : 13 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّ مَاء الرَّجُل يَنْزِلُ مِنْ الدِّمَاغ , ثُمَّ يَجْتَمِع فِي الْأُنْثَيَيْنِ . وَهَذَا لَا يُعَارِض قَوْله : " مِنْ بَيْن الصُّلْب " ; لِأَنَّهُ إِنْ نَزَلَ مِنْ الدِّمَاغ , فَإِنَّمَا يَمُرّ بَيْن الصُّلْب وَالتَّرَائِب . وَقَالَ قَتَادَة : الْمَعْنَى وَيَخْرُج مِنْ صُلْب الرَّجُل وَتَرَائِب الْمَرْأَة . وَحَكَى الْفَرَّاء أَنَّ مِثْل هَذَا يَأْتِي عَنْ الْعَرَب وَعَلَيْهِ فَيَكُون مَعْنَى مِنْ بَيْن الصُّلْب : مِنْ الصُّلْب . وَقَالَ الْحَسَن : الْمَعْنَى : يَخْرُج مِنْ صُلْب الرَّجُل وَتَرَائِب الرَّجُل , وَمِنْ صُلْب الْمَرْأَة وَتَرَائِب الْمَرْأَة . ثُمَّ إِنَّا نَعْلَم أَنَّ النُّطْفَة مِنْ جَمِيع أَجْزَاء الْبَدَن وَلِذَلِكَ يُشْبِهُ الرَّجُل وَالِدَيْهِ كَثِيرًا . وَهَذِهِ الْحِكْمَة فِي غَسْل جَمِيع الْجَسَد مِنْ خُرُوج الْمَنِيّ . وَأَيْضًا الْمُكْثِر مِنْ الْجِمَاع يَجِد وَجَعًا فِي ظَهْره وَصُلْبه وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِخُلُوِّ صُلْبه عَمَّا كَانَ مُحْتَبِسًا مِنْ الْمَاء . وَرَوَى إِسْمَاعِيل عَنْ أَهْل مَكَّة " يَخْرُج مِنْ بَيْن الصُّلْب " بِضَمِّ اللَّام . وَرُوِيَتْ عَنْ عِيسَى الثَّقَفِيّ . حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ وَقَالَ : مَنْ جَعَلَ الْمَنِيّ يَخْرُج مِنْ بَيْن صُلْب الرَّجُل وَتَرَائِبه , فَالضَّمِير فِي " يَخْرُج " لِلْمَاءِ . وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَيْن صُلْب الرَّجُل وَتَرَائِب الْمَرْأَة , فَالضَّمِير لِلْإِنْسَانِ . وَقُرِئَ " الصَّلَب " , بِفَتْحِ الصَّاد وَاللَّام . وَفِيهِ أَرْبَع لُغَات : صُلْب وَصَلْب وَصَلَب وَصَالَب . قَالَ الْعَجَّاج : فِي صَلَبٍ مِثْلِ الْعَنَان الْمُؤْدِم وَفِي مَدْح النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : تَنَقَّل مِنْ صَالَب إِلَى رَحِم الْأَبْيَات مَشْهُورَة مَعْرُوفَة .
أَيْ الظَّهْر . وَفِيهِ لُغَات أَرْبَع : صُلْب , وَصَلْب - وَقُرِئَ بِهِمَا - وَصَلَب ( بِفَتْحِ اللَّام ) , وَصَالَب ( عَلَى وَزْن قَالَب ) وَمِنْهُ قَوْل الْعَبَّاس : تَنَقَّل مِنْ صَالَب إِلَى رَحِم
أَيْ الصَّدْر , الْوَاحِدَة : تَرِيبَة وَهِيَ مَوْضِع الْقِلَادَة مِنْ الصَّدْر . قَالَ : مُهَفْهَفَةٍ بَيْضَاءَ غَيْرِ مُفَاضَةٍ تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ وَالصُّلْب مِنْ الرَّجُل , وَالتَّرَائِب مِنْ الْمَرْأَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : التَّرَائِب : مَوْضِع الْقِلَادَة . وَعَنْهُ : مَا بَيْن ثَدْيَيْهَا وَقَالَ عِكْرِمَة . وَرُوِيَ عَنْهُ : يَعْنِي تَرَائِب الْمَرْأَة : الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاك . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ الْجِيدُ . مُجَاهِد : هُوَ مَا بَيْن الْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْر عَنْهُ : الصَّدْر . وَعَنْهُ : التَّرَاقِي . وَعَنْ اِبْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس : التَّرَائِب : أَرْبَع أَضْلَاع مِنْ هَذَا الْجَانِب . وَحَكَى الزَّجَّاجُ : أَنَّ التَّرَائِب أَرْبَع أَضْلَاع مِنْ يَمْنَة الصَّدْر , وَأَرْبَع أَضْلَاع مِنْ يَسْرَة الصَّدْر . وَقَالَ مَعْمَر بْن أَبِي حَبِيبَة الْمَدَنِيّ : التَّرَائِب عُصَارَة الْقَلْب وَمِنْهَا يَكُون الْوَلَد . وَالْمَشْهُور مِنْ كَلَام الْعَرَب : أَنَّهَا عِظَام الصَّدْر وَالنَّحْر . وَقَالَ دُرَيْد بْن الصِّمَّة : فَإِنْ تُدْبِرُوا نَأْخُذْكُمْ فِي ظُهُوركُمْ وَإِنْ تُقْبَلُوا نَأْخُذكُمْ فِي التَّرَائِبِ وَقَالَ آخَر : وَبَدَتْ كَأَنَّ تَرَائِبًا مِنْ نَحْرهَا جَمْر الْغَضَى فِي سَاعِد تَتَوَقَّدُ وَقَالَ آخَر : وَالزَّعْفَرَان عَلَى تَرَائِبِهَا شَرْق بِهِ اللَّبَّات وَالنَّحْر وَعَنْ عِكْرِمَة : التَّرَائِب : الصَّدْر ثُمَّ أَنْشَدَ : نِظَامُ دُرٍّ عَلَى تَرَائِبِهَا وَقَالَ ذُو الرُّمَّة : ضَرَجْنَ الْبُرُود عَنْ تَرَائِبِ حُرَّةٍ أَيْ شَقَقْنَ . وَيُرْوَى " ضَرَحْنَ " بِالْحَاءِ , أَيْ أَلْقَيْنَ . وَفِي الصِّحَاح : وَالتَّرِيبَة : وَاحِدَة التَّرَائِب , وَهِيَ عِظَام الصَّدْر مَا بَيْن التَّرْقُوَة وَالثَّنْدُوَة . قَالَ الشَّاعِر : أَشْرَفَ ثَدْيَاهَا عَلَى التَّرِيبِ وَقَالَ الْمُثَقَّب الْعَبْدِيّ : وَمِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ عَلَى تَرِيبٍ كَلَوْنِ الْعَاجِ لَيْسَ بِذِي غُضُونِ عَنْ غَيْر الْجَوْهَرِيّ : الثَّنْدُوَة لِلرَّجُلِ : بِمَنْزِلَةِ الثَّدْي لِلْمَرْأَةِ . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : مَغْرَز الثَّدْي . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : هِيَ اللَّحْم الَّذِي حَوْل الثَّدْي إِذَا ضَمَمْت أَوَّلَهَا هَمَزْت , وَإِذَا فَتَحْت لَمْ تَهْمِزْ . وَفِي التَّفْسِير : يُخْلَق مِنْ مَاء الرَّجُل الَّذِي يَخْرُج مِنْ صُلْبه الْعَظْم وَالْعَصَب . وَمِنْ مَاء الْمَرْأَة الَّذِي يَخْرُج مِنْ تَرَائِبهَا اللَّحْم وَالدَّم وَقَالَ الْأَعْمَش . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَرْفُوعًا فِي أَوَّل سُورَة [ آل عِمْرَان ] . وَالْحَمْد لِلَّهِ - وَفِي ( الْحُجُرَات ) " إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى " [ الْحُجُرَات : 13 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّ مَاء الرَّجُل يَنْزِلُ مِنْ الدِّمَاغ , ثُمَّ يَجْتَمِع فِي الْأُنْثَيَيْنِ . وَهَذَا لَا يُعَارِض قَوْله : " مِنْ بَيْن الصُّلْب " ; لِأَنَّهُ إِنْ نَزَلَ مِنْ الدِّمَاغ , فَإِنَّمَا يَمُرّ بَيْن الصُّلْب وَالتَّرَائِب . وَقَالَ قَتَادَة : الْمَعْنَى وَيَخْرُج مِنْ صُلْب الرَّجُل وَتَرَائِب الْمَرْأَة . وَحَكَى الْفَرَّاء أَنَّ مِثْل هَذَا يَأْتِي عَنْ الْعَرَب وَعَلَيْهِ فَيَكُون مَعْنَى مِنْ بَيْن الصُّلْب : مِنْ الصُّلْب . وَقَالَ الْحَسَن : الْمَعْنَى : يَخْرُج مِنْ صُلْب الرَّجُل وَتَرَائِب الرَّجُل , وَمِنْ صُلْب الْمَرْأَة وَتَرَائِب الْمَرْأَة . ثُمَّ إِنَّا نَعْلَم أَنَّ النُّطْفَة مِنْ جَمِيع أَجْزَاء الْبَدَن وَلِذَلِكَ يُشْبِهُ الرَّجُل وَالِدَيْهِ كَثِيرًا . وَهَذِهِ الْحِكْمَة فِي غَسْل جَمِيع الْجَسَد مِنْ خُرُوج الْمَنِيّ . وَأَيْضًا الْمُكْثِر مِنْ الْجِمَاع يَجِد وَجَعًا فِي ظَهْره وَصُلْبه وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِخُلُوِّ صُلْبه عَمَّا كَانَ مُحْتَبِسًا مِنْ الْمَاء . وَرَوَى إِسْمَاعِيل عَنْ أَهْل مَكَّة " يَخْرُج مِنْ بَيْن الصُّلْب " بِضَمِّ اللَّام . وَرُوِيَتْ عَنْ عِيسَى الثَّقَفِيّ . حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ وَقَالَ : مَنْ جَعَلَ الْمَنِيّ يَخْرُج مِنْ بَيْن صُلْب الرَّجُل وَتَرَائِبه , فَالضَّمِير فِي " يَخْرُج " لِلْمَاءِ . وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَيْن صُلْب الرَّجُل وَتَرَائِب الْمَرْأَة , فَالضَّمِير لِلْإِنْسَانِ . وَقُرِئَ " الصَّلَب " , بِفَتْحِ الصَّاد وَاللَّام . وَفِيهِ أَرْبَع لُغَات : صُلْب وَصَلْب وَصَلَب وَصَالَب . قَالَ الْعَجَّاج : فِي صَلَبٍ مِثْلِ الْعَنَان الْمُؤْدِم وَفِي مَدْح النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : تَنَقَّل مِنْ صَالَب إِلَى رَحِم الْأَبْيَات مَشْهُورَة مَعْرُوفَة .
" إِنَّهُ " أَيْ إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ " عَلَى رَجْعِهِ " أَيْ عَلَى رَد الْمَاء فِي الْإِحْلِيل , " لَقَادِر " كَذَا قَالَ مُجَاهِد وَالضِّحَاك . وَعَنْهُمَا أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى : إِنَّهُ عَلَى رَدّ الْمَاء فِي الصُّلْب وَقَالَهُ عِكْرِمَة . وَعَنْ الضَّحَّاك أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى : إِنَّهُ عَلَى رَدَّ الْإِنْسَان مَاء كَمَا كَانَ لَقَادِر . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى : إِنَّهُ عَلَى رَدّ الْإِنْسَان مِنْ الْكِبَر إِلَى الشَّبَاب , وَمِنْ الشَّبَاب إِلَى الْكِبَر , لَقَادِر . وَكَذَا فِي الْمَهْدَوِيّ . وَفِي الْمَاوَرْدِيّ وَالثَّعْلَبِيّ : إِلَى الصِّبَا , وَمِنْ الصِّبَا إِلَى النُّطْفَة . وَقَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّهُ عَلَى حَبْسِ ذَلِكَ الْمَاء حَتَّى لَا يَخْرُج , لَقَادِر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة أَيْضًا : إِنَّهُ عَلَى رَدّ الْإِنْسَان بَعْد الْمَوْت لَقَادِر . وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ . الثَّعْلَبِيّ : وَهُوَ الْأَقْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " يَوْم تُبْلَى السَّرَائِر " [ الطَّارِق : 9 ] قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنَّهُ عَلَى أَنْ يُعِيدهُ إِلَى الدُّنْيَا بَعْد بَعْثه فِي الْآخِرَة ; لِأَنَّ الْكُفَّار يَسْأَلُونَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا الرَّجْعَة .
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْأُولَى : الْعَامِل فِي " يَوْم " - وَفِي قَوْل مَنْ جَعَلَ الْمَعْنَى إِنَّهُ عَلَى بَعْث الْإِنْسَان - قَوْله " لَقَادِر " , وَلَا يَعْمَل فِيهِ " رَجْعه " لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِقَة بَيْن الصِّلَة وَالْمَوْصُول بِخَبَرِ " إِنَّ " . وَعَلَى الْأَقْوَال الْأُخَر الَّتِي فِي " إِنَّهُ عَلَى رَجْعه لَقَادِر " , يَكُون الْعَامِل فِي " يَوْم " فِعْل مُضْمَر , وَلَا يَعْمَل فِيهِ " لَقَادِر " ; لِأَنَّ الْمُرَاد فِي الدُّنْيَا . و " تُبْلَى " أَيْ تُمْتَحَن وَتُخْتَبَر وَقَالَ أَبُو الْغُول الطَّهَوِيّ : وَلَا تَبْلَى بَسَالَتُهُمْ وَإِنْ هُمُ صَلُوا بِالْحَرْبِ حِينًا بَعْد حِين وَيُرْوَى تُبْلَى بَسَالَتهمْ . فَمَنْ رَوَاهُ " تُبْلَى " - بِضَمِّ التَّاء - جَعَلَهُ مِنْ الِاخْتِبَار وَتَكُون الْبَسَالَة عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة الْكَرَاهَة كَأَنَّهُ قَالَ : لَا يُعْرَف لَهُمْ فِيهَا كَرَاهَة . و " تُبْلَى " تُعْرَف . وَقَالَ الرَّاجِز : قَدْ كُنْت قَبْلَ الْيَوْمِ تَزْدَرِينِي فَالْيَوْمَ أَبْلُوك وَتَبْتَلِينِي أَيْ أَعْرِفُك وَتَعْرِفُنِي . وَمَنْ رَوَاهُ " تُبْلَى " - بِفَتْحِ التَّاء - فَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَا يَضْعُفُونَ عَنْ الْحَرْب وَإِنْ تَكَرَّرَتْ عَلَيْهِمْ زَمَانًا بَعْد زَمَان . وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمُور الشِّدَاد إِذَا تَكَرَّرَتْ عَلَى الْإِنْسَان هَدَّتْهُ وَأَضْعَفَتْهُ . وَقِيلَ : " تُبْلَى السَّرَائِر " : أَيْ تَخْرُج مُخَبَّآتهَا وَتَظْهَر , وَهُوَ كُلّ مَا كَانَ اِسْتَسَرَّهُ الْإِنْسَان مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , وَأَضْمَرَهُ مِنْ إِيمَان أَوْ كُفْر كَمَا قَالَ الْأَحْوَص : سَيَبْقَى لَهَا فِي مُضْمَر الْقَلْب وَالْحَشَا سَرِيرَة وُدٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
الثَّانِيَة : رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : ( اِئْتَمَنَ اللَّه تَعَالَى خَلْقَهُ عَلَى أَرْبَع : عَلَى الصَّلَاة , وَالصَّوْم , وَالزَّكَاة , وَالْغُسْل , وَهِيَ السَّرَائِر الَّتِي يَخْتَبِرهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَوْم الْقِيَامَة ) . ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ اِبْن عُمَر قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ثَلَاثٌ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا فَهُوَ وَلِيّ اللَّه حَقًّا , وَمَنْ اِخْتَانَهُنَّ فَهُوَ عَدُوّ لِلَّهِ حَقًّا : الصَّلَاة وَالصَّوْم , وَالْغُسْل مِنْ الْجَنَابَة ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( الْأَمَانَة ثَلَاث : الصَّلَاة وَالصَّوْم , وَالْجَنَابَة . اِسْتَأْمَنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِبْن آدَم عَلَى الصَّلَاة فَإِنْ شَاءَ قَالَ صَلَّيْت وَلَمْ يُصَلِّ . اِسْتَأْمَنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِبْن آدَم عَلَى الصَّوْم , فَإِنْ شَاءَ قَالَ صُمْت وَلَمْ يَصُمْ . اِسْتَأْمَنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِبْن آدَم عَلَى الْجَنَابَة فَإِنْ شَاءَ قَالَ اِغْتَسَلْت وَلَمْ يَغْتَسِلْ , اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ " يَوْم تُبْلَى السَّرَائِر " ) , وَذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ عَطَاء . وَقَالَ مَالِك فِي رِوَايَة أَشْهَب عَنْهُ , وَسَأَلْته عَنْ قَوْله تَعَالَى : " يَوْم تُبْلَى السَّرَائِر " : أُبَلِّغُك أَنَّ الْوُضُوء مِنْ السَّرَائِر ؟ قَالَ : قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ فِيمَا يَقُول النَّاس , فَأَمَّا حَدِيث أُحَدِّث بِهِ فَلَا . وَالصَّلَاة مِنْ السَّرَائِر , وَالصِّيَام مِنْ السَّرَائِر , إِنْ شَاءَ قَالَ صَلَّيْت وَلَمْ يُصَلِّ . وَمِنْ السَّرَائِر مَا فِي الْقُلُوب يَجْزِي اللَّه بِهِ الْعِبَاد . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَالَ اِبْن مَسْعُود يُغْفَر لِلشَّهِيدِ إِلَّا الْأَمَانَة , وَالْوُضُوء مِنْ الْأَمَانَة , وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة مِنْ الْأَمَانَة , وَالْوَدِيعَة مِنْ الْأَمَانَة وَأَشَدّ ذَلِكَ الْوَدِيعَة تُمَثَّل لَهُ عَلَى هَيْئَتِهَا يَوْم أَخَذَهَا فَيُرْمَى بِهَا فِي قَعْر جَهَنَّم , فَيُقَال لَهُ : أَخْرِجْهَا , فَيَتْبَعهَا فَيَجْعَلهَا فِي عُنُقه , فَإِذَا رَجَا أَنْ يَخْرُج بِهَا زَلَّتْ مِنْهُ , فَيَتْبَعهَا فَهُوَ كَذَلِكَ دَهْرَ الدَّاهِرِينَ . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : مِنْ الْأَمَانَة أَنْ اِئْتُمِنَتْ الْمَرْأَة عَلَى فَرْجهَا . قَالَ أَشْهَب : قَالَ لِي سُفْيَان : فِي الْحَيْضَة وَالْحَمْل , إِنْ قَالَتْ لَمْ أَحِضْ وَأَنَا حَامِل صُدِّقَتْ , مَا لَمْ تَأْتِ بِمَا يُعْرَف فِيهِ أَنَّهَا كَاذِبَة . وَفِي الْحَدِيث : [ غُسْل الْجَنَابَة مِنْ الْأَمَانَة ] . وَقَالَ اِبْن عُمَر : يُبْدِي اللَّه يَوْم الْقِيَامَة كُلّ سِرّ خَفِيَ , فَيَكُون زَيْنًا فِي الْوُجُوه , وَشَيْنًا فِي الْوُجُوه . وَاَللَّه عَالِم بِكُلِّ شَيْء , وَلَكِنْ يَظْهَر عَلَامَات الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنِينَ .
الْأُولَى : الْعَامِل فِي " يَوْم " - وَفِي قَوْل مَنْ جَعَلَ الْمَعْنَى إِنَّهُ عَلَى بَعْث الْإِنْسَان - قَوْله " لَقَادِر " , وَلَا يَعْمَل فِيهِ " رَجْعه " لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِقَة بَيْن الصِّلَة وَالْمَوْصُول بِخَبَرِ " إِنَّ " . وَعَلَى الْأَقْوَال الْأُخَر الَّتِي فِي " إِنَّهُ عَلَى رَجْعه لَقَادِر " , يَكُون الْعَامِل فِي " يَوْم " فِعْل مُضْمَر , وَلَا يَعْمَل فِيهِ " لَقَادِر " ; لِأَنَّ الْمُرَاد فِي الدُّنْيَا . و " تُبْلَى " أَيْ تُمْتَحَن وَتُخْتَبَر وَقَالَ أَبُو الْغُول الطَّهَوِيّ : وَلَا تَبْلَى بَسَالَتُهُمْ وَإِنْ هُمُ صَلُوا بِالْحَرْبِ حِينًا بَعْد حِين وَيُرْوَى تُبْلَى بَسَالَتهمْ . فَمَنْ رَوَاهُ " تُبْلَى " - بِضَمِّ التَّاء - جَعَلَهُ مِنْ الِاخْتِبَار وَتَكُون الْبَسَالَة عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة الْكَرَاهَة كَأَنَّهُ قَالَ : لَا يُعْرَف لَهُمْ فِيهَا كَرَاهَة . و " تُبْلَى " تُعْرَف . وَقَالَ الرَّاجِز : قَدْ كُنْت قَبْلَ الْيَوْمِ تَزْدَرِينِي فَالْيَوْمَ أَبْلُوك وَتَبْتَلِينِي أَيْ أَعْرِفُك وَتَعْرِفُنِي . وَمَنْ رَوَاهُ " تُبْلَى " - بِفَتْحِ التَّاء - فَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَا يَضْعُفُونَ عَنْ الْحَرْب وَإِنْ تَكَرَّرَتْ عَلَيْهِمْ زَمَانًا بَعْد زَمَان . وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمُور الشِّدَاد إِذَا تَكَرَّرَتْ عَلَى الْإِنْسَان هَدَّتْهُ وَأَضْعَفَتْهُ . وَقِيلَ : " تُبْلَى السَّرَائِر " : أَيْ تَخْرُج مُخَبَّآتهَا وَتَظْهَر , وَهُوَ كُلّ مَا كَانَ اِسْتَسَرَّهُ الْإِنْسَان مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , وَأَضْمَرَهُ مِنْ إِيمَان أَوْ كُفْر كَمَا قَالَ الْأَحْوَص : سَيَبْقَى لَهَا فِي مُضْمَر الْقَلْب وَالْحَشَا سَرِيرَة وُدٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
الثَّانِيَة : رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : ( اِئْتَمَنَ اللَّه تَعَالَى خَلْقَهُ عَلَى أَرْبَع : عَلَى الصَّلَاة , وَالصَّوْم , وَالزَّكَاة , وَالْغُسْل , وَهِيَ السَّرَائِر الَّتِي يَخْتَبِرهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَوْم الْقِيَامَة ) . ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ اِبْن عُمَر قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ثَلَاثٌ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا فَهُوَ وَلِيّ اللَّه حَقًّا , وَمَنْ اِخْتَانَهُنَّ فَهُوَ عَدُوّ لِلَّهِ حَقًّا : الصَّلَاة وَالصَّوْم , وَالْغُسْل مِنْ الْجَنَابَة ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( الْأَمَانَة ثَلَاث : الصَّلَاة وَالصَّوْم , وَالْجَنَابَة . اِسْتَأْمَنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِبْن آدَم عَلَى الصَّلَاة فَإِنْ شَاءَ قَالَ صَلَّيْت وَلَمْ يُصَلِّ . اِسْتَأْمَنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِبْن آدَم عَلَى الصَّوْم , فَإِنْ شَاءَ قَالَ صُمْت وَلَمْ يَصُمْ . اِسْتَأْمَنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِبْن آدَم عَلَى الْجَنَابَة فَإِنْ شَاءَ قَالَ اِغْتَسَلْت وَلَمْ يَغْتَسِلْ , اِقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ " يَوْم تُبْلَى السَّرَائِر " ) , وَذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ عَطَاء . وَقَالَ مَالِك فِي رِوَايَة أَشْهَب عَنْهُ , وَسَأَلْته عَنْ قَوْله تَعَالَى : " يَوْم تُبْلَى السَّرَائِر " : أُبَلِّغُك أَنَّ الْوُضُوء مِنْ السَّرَائِر ؟ قَالَ : قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ فِيمَا يَقُول النَّاس , فَأَمَّا حَدِيث أُحَدِّث بِهِ فَلَا . وَالصَّلَاة مِنْ السَّرَائِر , وَالصِّيَام مِنْ السَّرَائِر , إِنْ شَاءَ قَالَ صَلَّيْت وَلَمْ يُصَلِّ . وَمِنْ السَّرَائِر مَا فِي الْقُلُوب يَجْزِي اللَّه بِهِ الْعِبَاد . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَالَ اِبْن مَسْعُود يُغْفَر لِلشَّهِيدِ إِلَّا الْأَمَانَة , وَالْوُضُوء مِنْ الْأَمَانَة , وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة مِنْ الْأَمَانَة , وَالْوَدِيعَة مِنْ الْأَمَانَة وَأَشَدّ ذَلِكَ الْوَدِيعَة تُمَثَّل لَهُ عَلَى هَيْئَتِهَا يَوْم أَخَذَهَا فَيُرْمَى بِهَا فِي قَعْر جَهَنَّم , فَيُقَال لَهُ : أَخْرِجْهَا , فَيَتْبَعهَا فَيَجْعَلهَا فِي عُنُقه , فَإِذَا رَجَا أَنْ يَخْرُج بِهَا زَلَّتْ مِنْهُ , فَيَتْبَعهَا فَهُوَ كَذَلِكَ دَهْرَ الدَّاهِرِينَ . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : مِنْ الْأَمَانَة أَنْ اِئْتُمِنَتْ الْمَرْأَة عَلَى فَرْجهَا . قَالَ أَشْهَب : قَالَ لِي سُفْيَان : فِي الْحَيْضَة وَالْحَمْل , إِنْ قَالَتْ لَمْ أَحِضْ وَأَنَا حَامِل صُدِّقَتْ , مَا لَمْ تَأْتِ بِمَا يُعْرَف فِيهِ أَنَّهَا كَاذِبَة . وَفِي الْحَدِيث : [ غُسْل الْجَنَابَة مِنْ الْأَمَانَة ] . وَقَالَ اِبْن عُمَر : يُبْدِي اللَّه يَوْم الْقِيَامَة كُلّ سِرّ خَفِيَ , فَيَكُون زَيْنًا فِي الْوُجُوه , وَشَيْنًا فِي الْوُجُوه . وَاَللَّه عَالِم بِكُلِّ شَيْء , وَلَكِنْ يَظْهَر عَلَامَات الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنِينَ .
قَوْله تَعَالَى : " فَمَا لَهُ " أَيْ لِلْإِنْسَانِ " مِنْ قُوَّة " أَيْ مَنَعَةٍ تَمْنَعهُ . " وَلَا نَاصِر " يَنْصُرهُ مِمَّا نَزَلَ بِهِ . وَعَنْ عِكْرِمَة " فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّة وَلَا نَاصِر " قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُلُوك , مَا لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ قُوَّة وَلَا نَاصِر . وَقَالَ سُفْيَان : الْقُوَّة : الْعَشِيرَة . وَالنَّاصِر : الْحَلِيف . وَقِيلَ : " فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّة " فِي بَدَنه . " وَلَا نَاصِر " مِنْ غَيْره يَمْتَنِع بِهِ مِنْ اللَّه . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل قَتَادَة .
أَيْ ذَات الْمَطَر . تَرْجِع كُلّ سَنَة بِمَطَرٍ بَعْد مَطَر . كَذَا قَالَ عَامَّة الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : الرَّجْع : الْمَطَر , وَأَنْشَدُوا لِلْمُتَنَخِّلِ يَصِف سَيْفًا شَبَّهَهُ بِالْمَاءِ : أَبْيَض كَالرَّجْعِ رَسُوب إِذَا مَا ثَاخَ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي ثَاخَتْ قَدَمُهُ فِي الْوَحْل تَثُوخُ وَتَثِيخُ : خَاضَتْ وَغَابَتْ فِيهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ . قَالَ الْخَلِيل : الرَّجْع : الْمَطَر نَفْسه , وَالرَّجْع أَيْضًا : نَبَات الرَّبِيع . وَقِيلَ : " ذَات الرَّجْع " . أَيْ ذَات النَّفْع . وَقَدْ يُسَمَّى الْمَطَر أَيْضًا أَوْبًا , كَمَا يُسَمَّى رَجْعًا , قَالَ : رَبَّاء شَمَّاء لَا يَأْوِي لِقِلَّتِهَا إِلَّا السَّحَابُ وَإِلَّا الْأَوْبُ وَالسَّبَلُ وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم يَرْجِعْنَ فِي السَّمَاء تَطْلُع مِنْ نَاحِيَة وَتَغِيب فِي أُخْرَى . وَقِيلَ : ذَات الْمَلَائِكَة لِرُجُوعِهِمْ إِلَيْهَا بِأَعْمَالِ الْعِبَاد . وَهَذَا قَسَم .
قَسَم آخَر أَيْ تَتَصَدَّع عَنْ النَّبَات وَالشَّجَر وَالثِّمَار وَالْأَنْهَار نَظِيره " ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْض شَقًّا " [ عَبَسَ : 26 ] . .. الْآيَة . وَالصَّدْع : بِمَعْنَى الشَّقّ ; لِأَنَّهُ يَصْدَع الْأَرْض , فَتَنْصَدِع بِهِ . وَكَأَنَّهُ قَالَ : وَالْأَرْض ذَات النَّبَات ; لِأَنَّ النَّبَات صَادِع لِلْأَرْضِ . وَقَالَ مُجَاهِد : وَالْأَرْض ذَات الطُّرُق الَّتِي تَصْدَعهَا الْمُشَاة . وَقِيلَ : ذَات الْحَرْث ; لِأَنَّهُ يَصْدَعهَا . وَقِيلَ : ذَات الْأَمْوَات : لِانْصِدَاعِهَا عَنْهُمْ لِلنُّشُورِ .
عَلَى هَذَا وَقَعَ الْقَسَم . أَيْ إِنَّ الْقُرْآن يَفْصِل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب مَا رَوَاهُ الْحَارِث عَنْ عَلِيّ - رَضِيَ |اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول : [ كِتَاب فِيهِ خَبَر مَا قَبْلَكُمْ وَحُكْم مَا بَعْدكُمْ , هُوَ الْفَصْل , لَيْسَ بِالْهَزْلِ , مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّه , وَمَنْ اِبْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْره أَضَلَّهُ اللَّه ] . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْقَوْلِ الْفَصْل : مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَعِيد فِي هَذِهِ السُّورَة , مِنْ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِر . يَوْم تُبْلَى السَّرَائِر " .
أَيْ لَيْسَ الْقُرْآن بِالْبَاطِلِ وَاللَّعِب . وَالْهَزْل : ضِدّ الْجِدّ , وَقَدْ هَزَلَ يَهْزِل . قَالَ الْكُمَيْت . يَجِدُّ بِنَا فِي كُلّ يَوْم وَنَهْزِل
" إِنَّهُمْ " أَيْ إِنَّ أَعْدَاء اللَّه " يَكِيدُونَ كَيْدًا " أَيْ يَمْكُرُونَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابه مَكْرًا .
أَيْ أُجَازِيهِمْ جَزَاء كَيْدِهِمْ . وَقِيلَ : هُوَ مَا أَوْقَعَ اللَّه بِهِمْ يَوْم بَدْر مِنْ الْقَتْل وَالْأَسْر . وَقِيلَ : كَيْد اللَّه : اِسْتِدْرَاجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل " الْبَقَرَة " , عِنْد قَوْله تَعَالَى : " اللَّه يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ " [ الْبَقَرَة : 15 ] . مُسْتَوْفًى .
قَوْله تَعَالَى : " فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ " أَيْ أَخِّرْهُمْ , وَلَا تَسْأَلْ اللَّه تَعْجِيل إِهْلَاكهمْ , وَارْضَ بِمَا يُدَبِّرُهُ فِي أُمُورهمْ . ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْف " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : 5 ] . " أَمْهِلْهُمْ " تَأْكِيد . وَمَهِّلْ وَأَمْهِلْ : بِمَعْنَى مِثْل نَزَلَ وَأَنْزَلَ . وَأَمْهِلْهُ : أَنْظِرْهُ , وَمَهِّلْهُ تَمْهِيلًا , وَالِاسْم : الْمُهْلَة . وَالِاسْتِمْهَال : الِاسْتِنْظَار . وَتَمَهَّلَ فِي أَمْره أَيْ اِتَّأَدَ . وَاتْمَهَلَ اِتْمِهْلَالًا : أَيْ اِعْتَدَلَ وَانْتَصَبَ . وَالِاتْمِهْلَال أَيْضًا : سُكُون وَفُتُور . وَيُقَال : مَهْلًا يَا فُلَان أَيْ رِفْقًا وَسُكُونًا . " رُوَيْدًا " أَيْ قَرِيبًا عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَتَادَة : قَلِيلًا . وَالتَّقْدِير : أَمْهِلْهُمْ إِمْهَالًا قَلِيلًا . وَالرُّوَيْد فِي كَلَام الْعَرَب : تَصْغِير رَوَدَ . وَكَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْد . وَأَنْشَدَ : كَأَنَّهَا ثَمِلٌ يَمْشِي عَلَى رَوَدٍ أَيْ عَلَى مَهَل . وَتَفْسِير " رُوَيْدًا " : مَهْلًا , وَتَفْسِير رُوَيْدَك : أَمْهِلْ ; لِأَنَّ الْكَاف إِنَّمَا تَدْخُلهُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى أَفْعَل دُون غَيْره , وَإِنَّمَا حُرِّكَتْ الدَّال لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , فَنُصِبَ نَصْب الْمَصَادِر , وَهُوَ مُصَغَّر مَأْمُور بِهِ ; لِأَنَّهُ تَصْغِير التَّرْخِيم مِنْ إِرْوَاد وَهُوَ مَصْدَر أَرْوَدَ يُرْوِدُ . وَلَهُ أَرْبَعَة أَوْجُه : اِسْم لِلْفِعْلِ , وَصِفَة , وَحَال , وَمَصْدَر فَالِاسْم نَحْو قَوْلك : رُوَيْدَ عَمْرًا أَيْ أَرْوِدْ عَمْرًا , بِمَعْنَى أَمْهِلْهُ . وَالصِّفَة نَحْو قَوْلِك : سَارُوا سَيْرًا رُوَيْدًا . وَالْحَال نَحْو قَوْلك : سَارَ الْقَوْم رُوَيْدًا لَمَّا اِتَّصَلَ بِالْمَعْرِفَةِ صَارَ حَالًا لَهَا . وَالْمَصْدَر نَحْو قَوْلك : رُوَيْدَ عَمْرو بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَضَرْبَ الرِّقَاب " [ مُحَمَّد : 4 ] . قَالَ جَمِيعَهُ الْجَوْهَرِيُّ . وَاَلَّذِي فِي الْآيَة مِنْ هَذِهِ الْوُجُوه أَنْ يَكُون نَعْتًا لِلْمَصْدَرِ أَيْ إِمْهَالًا رُوَيْدًا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون لِلْحَالِ أَيْ أَمْهِلْهُمْ غَيْر مُسْتَعْجِل لَهُمْ الْعَذَاب . خُتِمَتْ السُّورَة