فِي التِّرْمِذِيّ : عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة [ كَأَنَّهُ رَأْي عَيْن ] فَلْيَقْرَأْ إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ , وَإِذَا السَّمَاء اِنْفَطَرَتْ , وَإِذَا السَّمَاء اِنْشَقَّتْ ) . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن [ غَرِيب ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَكْوِيرُهَا : إِدْخَالهَا فِي الْعَرْش . وَالْحَسَن : ذَهَاب ضَوْئِهَا . وَقَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . سَعِيد بْن جُبَيْر : عُوِّرَتْ . أَبُو عُبَيْدَة : كُوِّرَتْ مِثْل تَكْوِير الْعِمَامَة , تُلَفّ فَتُمْحَى . وَقَالَ الرَّبِيع بْن خَيْثَم : " كُوِّرَتْ رُمِيَ بِهَا ; وَمِنْهُ : كَوَّرْته فَتَكَوَّرَ ; أَيْ سَقَطَ . قُلْت : وَأَصْل التَّكْوِير : الْجَمْع , مَأْخُوذ مِنْ كَارَ الْعِمَامَة عَلَى رَأْسه يَكُورُهَا أَيْ لَاثَهَا وَجَمْعُهَا فَهِيَ تُكَوَّر وَيُمْحَى ضَوْءُهَا , ثُمَّ يُرْمَى بِهَا فِي الْبَحْر . وَاَللَّه أَعْلَم . وَعَنْ أَبِي صَالِح : كُوِّرَتْ : نُكِّسَتْ .
أَيْ تَهَافَتَتْ وَتَنَاثَرَتْ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : اِنْصَبَّتْ كَمَا تَنْصَبُّ الْعُقَاب إِذَا اِنْكَسَرَتْ . قَالَ الْعَجَّاج يَصِف صَقْرًا : أَبْصَرَ خِرْبَان فَضَاء فَانْكَدَرْ تَقَضِّي الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كُسِرْ وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَبْقَى فِي السَّمَاء يَوْمئِذٍ نَجْم إِلَّا سَقَطَ فِي الْأَرْض , حَتَّى يَفْزَع أَهْل الْأَرْض السَّابِعَة مِمَّا لَقِيَتْ وَأَصَابَ الْعُلْيَا ) , يَعْنِي الْأَرْض . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : تَسَاقَطَتْ ; وَذَلِكَ أَنَّهَا قَنَادِيل مُعَلَّقَة بَيْن السَّمَاءِ وَالْأَرْض بِسَلَاسِل مِنْ نُور , وَتِلْكَ السَّلَاسِل بِأَيْدِي مَلَائِكَة مِنْ نُور , فَإِذَا جَاءَتْ النَّفْخَة الْأُولَى مَاتَ مَنْ فِي الْأَرْض وَمَنْ فِي السَّمَوَات , فَتَنَاثَرَتْ تِلْكَ الْكَوَاكِب وَتَسَاقَطَتْ السَّلَاسِل مِنْ أَيْدِي الْمَلَائِكَة ; لِأَنَّهُ مَاتَ مَنْ كَانَ يُمْسِكهَا . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِنْكِدَارهَا طَمَسَ آثَارهَا . وَسُمِّيَتْ النُّجُوم نُجُومًا لِظُهُورِهَا فِي السَّمَاء بِضَوْئِهَا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : اِنْكَدَرَتْ تَغَيَّرَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا ضَوْء لِزَوَالِهَا عَنْ أَمَاكِنهَا . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب .
يَعْنِي قُلِعَتْ مِنْ الْأَرْض , وَسُيِّرَتْ فِي الْهَوَاء ; وَهُوَ مِثْل قَوْل تَعَالَى : " وَيَوْم نُسَيِّر الْجِبَال وَتَرَى الْأَرْض بَارِزَة " [ الْكَهْف : 47 ] . وَقِيلَ : سَيْرهَا تَحَوُّلُهَا عَنْ مَنْزِلَة الْحِجَارَة , فَتَكُون كَثِيبًا مَهِيلًا أَيْ رَمْلًا سَائِلًا وَتَكُون كَالْعِهْنِ , وَتَكُون هَبَاء مَنْثُورًا , وَتَكُون سَرَابًا , مِثْل السَّرَاب الَّذِي لَيْسَ بِشَيْءٍ . وَعَادَتْ الْأَرْض قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْنًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ النُّوق الْحَوَامِل الَّتِي فِي بُطُونهَا أَوْلَادهَا ; الْوَاحِدَة عُشَرَاء أَوْ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي الْحَمْل عَشَرَة أَشْهُرٍ , ثُمَّ لَا يَزَال ذَلِكَ اِسْمهَا حَتَّى تَضَع , وَبَعْدَمَا تَضَع أَيْضًا . وَمِنْ عَادَة الْعَرَب أَنْ يُسَمُّوا الشَّيْء بِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّم وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ ; يَقُول الرَّجُل لِفَرَسِهِ وَقَدْ قَرِحَ : هَاتُوا مُهْرِي وَقَرِّبُوا مُهْرِي , وَيُسَمِّيه بِمُتَقَدِّمِ اِسْمه ; قَالَ عَنْتَرَة : لَا تَذْكُرِي مُهْرِي وَمَا أَطْعَمْته فَيَكُون جِلْدك مِثْل جِلْد الْأَجْرَب وَقَالَ أَيْضًا : وَحَمَلْت مُهْرِي وَسْطَهَا فَمَضَاهَا وَإِنَّمَا خَصَّ الْعِشَار بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا أَعَزّ مَا تَكُون عَلَى الْعَرَب , وَلَيْسَ يُعَطِّلهَا أَهْلهَا إِلَّا حَال الْقِيَامَة . وَهَذَا عَلَى وَجْه الْمَثَل ; لِأَنَّ فِي الْقِيَامَة لَا تَكُون نَاقَة عُشَرَاء , وَلَكِنْ أَرَادَ بِهِ الْمَثَل ; أَنَّ هَوْل يَوْم الْقِيَامَة بِحَالٍ لَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ نَاقَة عُشَرَاء لَعَطَّلَهَا وَاشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ إِذَا قَامُوا مِنْ قُبُورهمْ , وَشَاهَدَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَرَأَوْا الْوُحُوش وَالدَّوَابّ مَحْشُورَة , وَفِيهَا عِشَارُهُمْ الَّتِي كَانَتْ أَنْفَسَ أَمْوَالهمْ , لَمْ يَعْبَئُوا بِهَا , وَلَمْ يُهِمّهُمْ أَمْرهَا . وَخُوطِبَتْ الْعَرَب بِأَمْرِ الْعِشَار ; لِأَنَّ مَالَهَا وَعَيْشهَا أَكْثَره مِنْ الْإِبِل . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : عُطِّلَتْ : عَطَّلَهَا أَهْلُهَا , لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ . وَقَالَ الْأَعْشَى : هُوَ الْوَاهِب الْمِائَة الْمُصْطَفَا ة إِمَّا مَخَاضًا وَإِمَّا عِشَارَا وَقَالَ آخَر : تَرَى الْمَرْء مَهْجُورًا إِذَا قَلَّ مَاله وَبَيْت الْغَنِيّ يُهْدَى لَهُ وَيُزَار وَمَا يَنْفَع الزُّوَّارَ مَالُ مَزُورِهِمْ إِذَا سَرَحَتْ شَوْل لَهُ وَعِشَار يُقَال : نَاقَة عُشَرَاء , وَنَاقَتَانِ عُشَرَاوَانِ , نُوق عِشَار وَعُشَرَاوَات , يُبْدِلُونَ مِنْ هَمْزَة التَّأْنِيث وَاوًا . وَقَدْ عَشَّرَتْ النَّاقَة تَعْشِيرًا : أَيْ صَارَتْ عُشَرَاء . وَقِيلَ : الْعِشَار : السَّحَاب يُعَطَّل مِمَّا يَكُون فِيهِ وَهُوَ الْمَاء فَلَا يُمْطِر ; وَالْعَرَب تُشَبِّه السَّحَاب بِالْحَامِلِ . وَقِيلَ : الدِّيَار تُعَطَّل فَلَا تُسْكَن . وَقِيلَ : الْأَرْض الَّتِي يُعْشَر زَرْعهَا تُعَطَّل فَلَا تُزْرَع . وَالْأَوَّل أَشْهَر , وَعَلَيْهِ مِنْ النَّاس الْأَكْثَر .
أَيْ جُمِعَتْ وَالْحَشْر : الْجَمْع . عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : حَشْرهَا : مَوْتهَا . رَوَاهُ عَنْهُ عِكْرِمَة . وَحَشْر كُلّ شَيْء : الْمَوْت غَيْر الْجِنّ وَالْإِنْس , فَإِنَّهُمَا يُوَافِيَانِ يَوْم الْقِيَامَة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : يُحْشَر كُلّ شَيْء حَتَّى الذُّبَاب . قَالَ اِبْن عَبَّاس : تُحْشَر الْوُحُوش غَدًا : أَيْ تُجْمَع حَتَّى يُقْتَصَّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْض , فَيُقْتَصّ لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاء , ثُمَّ يُقَال لَهَا كُونِي تُرَابًا فَتَمُوت . وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ عَنْهُ عِكْرِمَة , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " مُسْتَوْفًى , وَمَضَى فِي سُورَة " الْأَنْعَام " بَعْضه . أَيْ إِنَّ الْوُحُوش إِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالهَا فَكَيْف بِبَنِي آدَم . وَقِيلَ : عُنِيَ بِهَذَا أَنَّهَا مَعَ نَفْرَتهَا الْيَوْم مِنْ النَّاس وَتَنَدّدهَا فِي الصَّحَارِي , تَنْضَمّ غَدًا إِلَى النَّاس مِنْ أَهْوَال ذَلِكَ الْيَوْم . قَالَ مَعْنَاهُ أُبَيّ بْن كَعْب .
أَيْ مُلِئَتْ مِنْ الْمَاء ; وَالْعَرَب تَقُول : سَجَرْت الْحَوْض أَسْجُرهُ سَجْرًا : إِذَا مَلَأْته , وَهُوَ مَسْجُور وَالْمَسْجُور وَالسَّاجِر فِي اللُّغَة : الْمَلْآن . وَرَوَى الرَّبِيع بْن خَيْثَم : سُجِّرَتْ : فَاضَتْ وَمُلِئَتْ . وَقَالَهُ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل وَالْحَسَن وَالضَّحَّاك . قَالَ اِبْن أَبِي زَمَنِينَ : سُجِّرَتْ : حَقِيقَته مُلِئَتْ , فَيُفِيض بَعْضهَا إِلَى بَعْض فَتَصِير شَيْئًا وَاحِدًا . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْحَسَن . وَقِيلَ : أَرْسَلَ عَذْبهَا عَلَى مَالِحهَا وَمَالِحهَا عَلَى عَذْبهَا , حَتَّى اِمْتَلَأَتْ . عَنْ الضَّحَّاك وَمُجَاهِد : أَيْ فُجِّرَتْ فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا . الْقُشَيْرِيّ : وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْفَع اللَّه الْحَاجِز الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْله تَعَالَى : " بَيْنَهُمَا بَرْزَخ لَا يَبْغِيَانِ " [ الرَّحْمَن : 20 ] , فَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ الْبَرْزَخ تَفَجَّرَتْ مِيَاه الْبِحَار , فَعَمَّتْ الْأَرْض كُلّهَا , وَصَارَتْ الْبِحَار بَحْرًا وَاحِدًا . وَقِيلَ : صَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا مِنْ الْحَمِيم لِأَهْلِ النَّار . وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا وَقَتَادَة وَابْن حَيَّان : تَيْبَس فَلَا يَبْقَى مِنْ مَائِهَا قَطْرَة . الْقُشَيْرِيّ : وَهُوَ مِنْ سَجَرْت التَّنُّور أَسْجُرهُ سَجْرًا : إِذَا أَحْمَيْته وَإِذَا سُلِّطَ عَلَيْهِ الْإِيقَاد نَشِفَ مَا فِيهِ مِنْ الرُّطُوبَة وَتُسَيَّر الْجِبَال حِينَئِذٍ وَتَصِير الْبِحَار وَالْأَرْض كُلّهَا بِسَاطًا وَاحِدًا , بِأَنْ يُمْلَأ مَكَان الْبِحَار بِتُرَابِ الْجِبَال . وَقَالَ النَّحَّاس : وَقَدْ تَكُون الْأَقْوَال مُتَّفِقَة ; يَكُون تَيْبَس مِنْ الْمَاء بَعْد أَنْ يُفِيض , بَعْضهَا إِلَى بَعْض , فَتُقْلَب نَارًا . قُلْت : ثُمَّ تُسَيَّر الْجِبَال حِينَئِذٍ , كَمَا ذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ اِبْن زَيْد وَشِمْر وَعَطِيَّة وَسُفْيَان وَوَهْب وَأُبَيّ وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة الضَّحَّاك عَنْهُ : أُوقِدَتْ فَصَارَتْ نَارًا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُكَوِّر اللَّه الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم فِي الْبَحْر , ثُمَّ يَبْعَث اللَّه عَلَيْهَا رِيحًا دَبُورًا , فَتَنْفُخهُ حَتَّى يَصِير نَارًا . وَكَذَا فِي بَعْض الْحَدِيث : ( يَأْمُر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم فَيَنْتَثِرُونَ فِي الْبَحْر , ثُمَّ يَبْعَث اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الدَّبُور فَيُسَجِّرهَا نَارًا , فَتِلْكَ نَار اللَّه الْكُبْرَى , الَّتِي يُعَذِّب بِهَا الْكُفَّار ) . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : قِيلَ فِي تَفْسِير قَوْل اِبْن عَبَّاس " سُجِّرَتْ " أُوقِدَتْ , يَحْتَمِل أَنْ تَكُون جَهَنَّم فِي قُعُور مِنْ الْبِحَار , فَهِيَ الْآن غَيْر مَسْجُورَة لِقِوَامِ الدُّنْيَا , فَإِذَا اِنْقَضَتْ الدُّنْيَا سُجِّرَتْ , فَصَارَتْ كُلّهَا نَارًا يُدْخِلُهَا اللَّه أَهْلَهَا . وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون تَحْت الْبَحْر نَار , ثُمَّ يُوقِد اللَّه الْبَحْر كُلّه فَيَصِير نَارًا . وَفِي الْخَبَر : الْبَحْر نَار . فِي نَار . وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن سَعِيد : بَحْر الرُّوم وَسَط الْأَرْض , أَسْفَله آبَار مُطْبَقَة بِنُحَاسٍ يُسَجَّر نَارًا يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : تَكُون الشَّمْس فِي الْبَحْر , فَيَكُون الْبَحْر نَارًا بَحْر الشَّمْس . ثُمَّ جَمِيع مَا فِي هَذِهِ الْآيَات يَجُوز أَنْ يَكُون فِي الدُّنْيَا قَبْل يَوْم الْقِيَامَة وَيَكُون مِنْ أَشْرَاطهَا , وَيَجُوز أَنْ يَكُون يَوْم الْقِيَامَة , وَمَا بَعْد هَذِهِ الْآيَات فَيَكُون فِي يَوْم الْقِيَامَة . قُلْت : رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : لَا يُتَوَضَّأ بِمَاءِ الْبَحْر لِأَنَّهُ طَبَق جَهَنَّم . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : سِتّ آيَات مِنْ قَبْل يَوْم الْقِيَامَة : بَيْنَمَا النَّاس فِي أَسْوَاقِهِمْ ذَهَبَ ضَوْء الشَّمْس وَبَدَتْ النُّجُوم فَتَحَيَّرُوا وَدُهِشُوا , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَنْظُرُونَ إِذْ تَنَاثَرَتْ النُّجُوم وَتَسَاقَطَتْ , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَقَعَتْ الْجِبَال عَلَى وَجْه الْأَرْض , فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ وَاحْتَرَقَتْ , فَصَارَتْ هَبَاء مَنْثُورًا , فَفَزِعَتْ الْإِنْس إِلَى الْجِنّ وَالْجِنّ إِلَى الْإِنْس , وَاخْتَلَطَتْ الدَّوَابّ وَالْوُحُوش وَالْهَوَامّ وَالطَّيْر , وَمَاجَ بَعْضهَا فِي بَعْض ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا الْوُحُوش حُشِرَتْ " ثُمَّ قَالَتْ الْجِنّ لِلْإِنْسِ : نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ , فَانْطَلِقُوا إِلَى الْبِحَار فَإِذَا هِيَ نَار تَأَجَّجُ , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ تَصَدَّعَتْ الْأَرْض صَدْعَة وَاحِدَة إِلَى الْأَرْض السَّابِعَة السُّفْلَى , وَإِلَى السَّمَاء السَّابِعَة الْعُلْيَا , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمْ رِيح فَأَمَاتَتْهُمْ . وَقِيلَ : مَعْنَى " سُجِّرَتْ " : هُوَ حُمْرَة مَائِهَا , حَتَّى تَصِير كَالدَّمِ ; مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : عَيْن سَجْرَاء : أَيْ حَمْرَاء . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " سُجِرَتْ " وَأَبُو عَمْرو أَيْضًا , إِخْبَارًا عَنْ حَالهَا مَرَّة وَاحِدَة . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ إِخْبَارًا عَنْ حَالهَا فِي تَكْرِير ذَلِكَ مِنْهَا مَرَّة بَعْد أُخْرَى .
قَالَ النُّعْمَان بْن بَشِير : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِذَا النُّفُوس زُوِّجَتْ " قَالَ : ( يُقْرَن كُلّ رَجُل مَعَ كُلّ قَوْم كَانُوا يَعْمَلُونَ كَعَمَلِهِ ) . وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : يُقْرَن الْفَاجِر مَعَ الْفَاجِر , وَيُقْرَن الصَّالِح مَعَ الصَّالِح . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ذَلِكَ حِين يَكُون النَّاس أَزْوَاجًا ثَلَاثَة , السَّابِقُونَ زَوْج - يَعْنِي صِنْفًا - وَأَصْحَاب الْيَمِين زَوْج , وَأَصْحَاب الشِّمَال زَوْج . وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : زُوِّجَتْ نُفُوس الْمُؤْمِنِينَ بِالْحُورِ الْعِين , وَقُرِنَ الْكَافِر بِالشَّيَاطِينِ , وَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ وَعَنْهُ أَيْضًا : قُرِنَ كُلّ شَكْل بِشَكْلِهِ مِنْ أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار , فَيُضَمّ الْمُبَرِّز فِي الطَّاعَة إِلَى مِثْله , وَالْمُتَوَسِّط إِلَى مِثْله , وَأَهْل الْمَعْصِيَة إِلَى مِثْله ; فَالتَّزْوِيج أَنْ يُقْرَن الشَّيْء بِمِثْلِهِ ; وَالْمَعْنَى : وَإِذَا النُّفُوس قُرِنَتْ إِلَى أَشْكَالهَا فِي الْجَنَّة وَالنَّار . وَقِيلَ : يُضَمّ كُلّ رَجُل إِلَى مَنْ كَانَ يَلْزَمهُ مِنْ مَلِك وَسُلْطَان , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ " [ الصَّافَّات : 22 ] . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : جُعِلُوا أَزْوَاجًا عَلَى أَشْبَاه أَعْمَالهمْ لَيْسَ بِتَزْوِيجٍ , أَصْحَاب الْيَمِين زَوْج , وَأَصْحَاب الشِّمَال زَوْج , وَالسَّابِقُونَ زَوْج ; وَقَدْ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : " اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ " [ الصَّافَّات : 22 ] أَيْ أَشْكَالهمْ . وَقَالَ عِكْرِمَة : " وَإِذَا النُّفُوس زُوِّجَتْ " قُرِنَتْ الْأَرْوَاح بِالْأَجْسَادِ ; أَيْ رُدَّتْ إِلَيْهَا . وَقَالَ الْحَسَن : أُلْحِقَ كُلّ اِمْرِئٍ بِشِيعَتِهِ : الْيَهُود بِالْيَهُودِ , وَالنَّصَّارِي بِالنَّصَارَى , وَالْمَجُوس بِالْمَجُوسِ , وَكُلّ مَنْ كَانَ يَعْبُد شَيْئًا مِنْ دُون اللَّه يُلْحَق بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , وَالْمُنَافِقُونَ بِالْمُنَافِقِينَ , وَالْمُؤْمِنُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : يُقْرَن الْغَاوِي بِمَنْ أَغْوَاهُ مِنْ شَيْطَان أَوْ إِنْسَان , عَلَى جِهَة الْبُغْض وَالْعَدَاوَة , وَيُقْرَن الْمُطِيع بِمَنْ دَعَاهُ إِلَى الطَّاعَة مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : قُرِنَتْ النُّفُوس بِأَعْمَالِهَا , فَصَارَتْ لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ كَالتَّزْوِيجِ .
الْمَوْءُودَة الْمَقْتُولَة ; وَهِيَ الْجَارِيَة تُدْفَن وَهِيَ حَيَّة , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا يُطْرَح عَلَيْهَا مِنْ التُّرَاب , فَيَؤُودُهَا أَيْ يُثْقِلهَا حَتَّى تَمُوت ; وَمِنْهُ قَوْل تَعَالَى : " وَلَا يَئُودهُ حِفْظُهُمَا " [ الْبَقَرَة : 255 ] أَيْ لَا يُثْقِلُهُ ; وَقَالَ مُتَمِّم بْن نُوَيْرَة : وَمَوْءُودَة مَقْبُورَة فِي مَفَازَة بِآمَتِهَا مَوْسُودَة لَمْ تُمَهَّد وَكَانُوا يَدْفِنُونَ بَنَاتهمْ أَحْيَاء لِخَصْلَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه , فَأَلْحَقُوا الْبَنَات بِهِ . الثَّانِيَة إِمَّا مَخَافَة الْحَاجَة وَالْإِمْلَاق , وَإِمَّا خَوْفًا مِنْ السَّبْي وَالِاسْتِرْقَاق . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " النَّحْل " هَذَا الْمَعْنَى , عِنْد قَوْله تَعَالَى : " أَمْ يَدُسّهُ فِي التُّرَاب " [ النَّحْل : 59 ] مُسْتَوْفًى . وَقَدْ كَانَ ذَوُو الشَّرَف مِنْهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ هَذَا , وَيَمْنَعُونَ مِنْهُ , حَتَّى اِفْتَخَرَ بِهِ الْفَرَزْدَق , فَقَالَ : وَمِنَّا الَّذِي مَنَعَ الْوَائِدَات فَأَحْيَا الْوَئِيد فَلَمْ يُوأَد يَعْنِي جَدّه صَعْصَعَة كَانَ يَشْتَرِيهِنَّ مِنْ آبَائِهِنَّ . فَجَاءَ الْإِسْلَام وَقَدْ أَحْيَا سَبْعِينَ مَوْءُودَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ الْمَرْأَة فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا حَمَلَتْ حَفَرَتْ حُفْرَة , وَتَمَخَّضَتْ عَلَى رَأْسِهَا , فَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَة رَمَتْ بِهَا فِي الْحُفْرَة , وَرَدَّتْ التُّرَاب عَلَيْهَا , وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا حَبَسَتْهُ , وَمِنْهُ قَوَّال الرَّاجِز : سَمَّيْتهَا إِذْ وُلِدَتْ تَمُوت وَالْقَبْر صِهْر ضَامِن زِمِّيت الزَّمِيت الْوَقُور , وَالزَّمِيت مِثَال الْفِسِّيق أَوْقَر مِنْ الزِّمِّيت , وَفُلَان أَزْمَت النَّاس أَيْ أَوْقَرُهُم , وَمَا أَشَدّ تَزَمُّته ; عَنْ الْفَرَّاء . وَقَالَ قَتَادَة : كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة يَقْتُل أَحَدهمْ اِبْنَته , وَيَغْذُو كَلْبه , فَعَاتَبَهُمْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ , وَتَوَعَّدَهُمْ بِقَوْلِهِ : " وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئِلَتْ " قَالَ عُمَر فِي قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا الْمَوْءُودَة سُئِلَتْ " قَالَ : جَاءَ قَيْس بْن عَاصِم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! إِنِّي وَأَدْت ثَمَانِي بَنَات كُنَّ لِي فِي الْجَاهِلِيَّة , قَالَ : ( فَأَعْتِقْ عَنْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ رَقَبَة ) قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي صَاحِب إِبِل , قَالَ : ( فَأَهْدِ عَنْ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ بَدَنَة إِنْ شِئْت ) .
وَقَوْله تَعَالَى : " سُئِلَتْ " سُؤَال الْمَوْءُودَة سُؤَال تَوْبِيخ لِقَاتِلِهَا , كَمَا يُقَال لِلطِّفْلِ إِذَا ضُرِبَ : لِمَ ضُرِبْتَ ؟ وَمَا ذَنْبك ؟ قَالَ الْحَسَن : أَرَادَ اللَّه أَنْ يُوَبِّخ قَاتِلَهَا ; لِأَنَّهَا قُتِلَتْ بِغَيْرِ ذَنْب . وَقَالَ اِبْن أَسْلَمَ : بِأَيِّ ذَنْب ضُرِبَتْ , وَكَانُوا يَضْرِبُونَهَا . وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم فِي قَوْله تَعَالَى : " سُئِلَتْ " قَالَ : طَلَبَتْ ; كَأَنَّهُ يُرِيد كَمَا يُطْلَب بِدَمِ الْقَتِيل . قَالَ : وَهُوَ كَقَوْلِهِ : " وَكَانَ عَهْد اللَّه مَسْئُولًا " [ الْأَحْزَاب : 15 ] أَيْ مَطْلُوبًا . فَكَأَنَّهَا طَلَبَتْ مِنْهُمْ , فَقِيلَ أَيْنَ أَوْلَادكُمْ ؟ وَقَرَأَ الضَّحَّاك وَأَبُو الضُّحَى عَنْ جَابِر بْن زَيْد وَأَبِي صَالِح " وَإِذَا الْمَوْءُودَة سَأَلَتْ " فَتَتَعَلَّق الْجَارِيَة بِأَبِيهَا , فَتَقُول : بِأَيِّ ذَنْب قَتَلْتنِي ؟ ! فَلَا يَكُون لَهُ عُذْر ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَكَانَ يَقْرَأ " وَإِذَا الْمَوْءُودَة سَأَلَتْ " وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أُبَيّ . وَرَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْمَرْأَة الَّتِي تَقْتُل وَلَدهَا تَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة مُتَعَلِّقًا وَلَدهَا بِثَدْيَيْهَا , مُلَطَّخًا بِدِمَائِهِ , فَيَقُول يَا رَبّ , هَذِهِ أُمِّي , وَهَذِهِ قَتَلَتْنِي ) . وَالْقَوْل الْأَوَّل عَلَيْهِ الْجُمْهُور , وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى لِعِيسَى : " أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ " , عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ وَالتَّبْكِيت لَهُمْ , فَكَذَلِكَ سُؤَال الْمَوْءُودَة تَوْبِيخ لِوَائِدِهَا , وَهُوَ أَبْلَغ مِنْ سُؤَالهَا عَنْ قَتْلِهَا ; لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحّ إِلَّا بِذَنْبٍ , فَبِأَيِّ ذَنْب كَانَ ذَلِكَ , فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا ذَنْب لَهَا , كَانَ أَعْظَم فِي الْبَلِيَّة وَظُهُور الْحُجَّة عَلَى قَاتِلهَا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقُرِئَ " قُتِّلَتْ " بِالتَّشْدِيدِ , وَفِيهِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ أَطْفَال الْمُشْرِكِينَ لَا يُعَذَّبُونَ , وَعَلَى أَنَّ التَّعْذِيب لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بِذَنْبٍ .
أَيْ فُتِحَتْ بَعْد أَنْ كَانَتْ مَطْوِيَّة , وَالْمُرَاد صُحُف الْأَعْمَال الَّتِي كَتَبَتْ الْمَلَائِكَة فِيهَا مَا فَعَلَ أَهْلهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ , تُطْوَى بِالْمَوْتِ , وَتُنْشَر فِي يَوْم الْقِيَامَة , فَيَقِف كُلّ إِنْسَان عَلَى صَحِيفَته , فَيَعْلَم مَا فِيهَا , فَيَقُول : " مَا لِهَذَا الْكِتَاب لَا يُغَادِر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أَحْصَاهَا " [ الْكَهْف : 49 ] . وَرَوَى مَرْثَد بْن وَدَاعَة قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة تَطَايَرَتْ الصُّحُف مِنْ تَحْت الْعَرْش , فَتَقَع صَحِيفَة الْمُؤْمِن فِي يَده " فِي جَنَّة عَالِيَة " [ الْحَاقَّة : 22 ] إِلَى قَوْله : " الْأَيَّام الْخَالِيَة " [ الْحَاقَّة : 24 ] وَتَقَع صَحِيفَة الْكَافِر فِي يَده " فِي سَمُوم وَحَمِيم " إِلَى قَوْله " وَلَا كَرِيم " [ الْوَاقِعَة : 42 - 44 ] . وَرُوِيَ عَنْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة ) فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه فَكَيْف بِالنِّسَاءِ ؟ قَالَ : ( شُغِلَ النَّاس يَا أُمّ سَلَمَة ) . قُلْت : وَمَا شَغَلَهُمْ ؟ قَالَ : ( نَشْر الصُّحُف فِيهَا مَثَاقِيل الذَّرّ وَمَثَاقِيل الْخَرْدَل ) . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " الْإِسْرَاء " قَوْل أَبِي الثَّوَّار الْعَدَوِيّ : هُمَا نَشْرَتَانِ وَطَيَّة , أَمَّا مَا حَيِيت يَا اِبْن آدَم فَصَحِيفَتك الْمَنْشُورَة فَأَمِّلْ فِيهَا مَا شِئْت , فَإِذَا مِتّ طُوِيَتْ , حَتَّى إِذَا بُعِثْت نُشِرَتْ " اِقْرَأْ كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا " [ الْإِسْرَاء : 14 ] . وَقَالَ مُقَاتِل : إِذَا مَاتَ الْمَرْء طُوِيَتْ صَحِيفَة عَمَله , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نُشِرَتْ . وَعَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ : إِلَيْك يُسَاق الْأَمْر يَا بْن آدَم . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر وَعَاصِم وَأَبُو عَمْرو " نُشِرَتْ " مُخَفَّفَة , عَلَى نُشِرَتْ مَرَّة وَاحِدَة , لِقِيَامِ الْحُجَّة . الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ , عَلَى تَكْرَار النَّشْر , لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَقْرِيع الْعَاصِي , وَتَبْشِير الْمُطِيع . وَقِيلَ : لِتَكْرَارِ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْسَان وَالْمَلَائِكَة الشُّهَدَاء عَلَيْهِ .
الْكَشْط : قَلْع عَنْ شِدَّة اِلْتِزَاق ; فَالسَّمَاء تُكْشَط كَمَا يُكْشَط الْجِلْد عَنْ الْكَبْش وَغَيْره وَالْقَشْط : لُغَة فِيهِ . وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " وَإِذَا السَّمَاء قُشِطَتْ " وَكَشَطْت الْبَعِير كَشْطًا : نَزَعْت جِلْدَهُ وَلَا يُقَال سَلَخْته ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَقُول فِي الْبَعِير إِلَّا كَشَطْته أَوْ جَلَدْته , وَانْكَشَطَ : أَيْ ذَهَبَ ; فَالسَّمَاء تُنْزَع مِنْ مَكَانهَا كَمَا يُنْزَع الْغِطَاء عَنْ الشَّيْء . وَقِيلَ : تُطْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يَوْم نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكُتُبِ " [ الْأَنْبِيَاء : 104 ] فَكَأَنَّ الْمَعْنَى : قُلِعَتْ فَطُوِيَتْ . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ أُوقِدَتْ فَأُضْرِمَتْ لِلْكَفَّارِ وَزِيدَ فِي إِحْمَائِهَا . يُقَال : سَعَّرْت النَّار وَأَسْعَرْتهَا . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالتَّخْفِيفِ مِنْ السَّعِير . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن ذَكْوَان وَرُوَيْس بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهَا أُوقِدَتْ مَرَّة بَعْد مَرَّة . قَالَ قَتَادَة : سَعَّرَهَا غَضَبُ اللَّه وَخَطَايَا بَنِي آدَم . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أُوقِدَ عَلَى النَّار أَلْف سَنَة حَتَّى اِحْمَرَّتْ , ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْف سَنَة حَتَّى اِبْيَضَّتْ , ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْف سَنَة حَتَّى اِسْوَدَّتْ , فَهِيَ سَوْدَاء مُظْلِمَة " وَرُوِيَ مَوْقُوفًا .
أَيْ دَنَتْ وَقَرُبَتْ مِنْ الْمُتَّقِينَ . قَالَ الْحَسَن : إِنَّهُمْ يُقَرَّبُونَ مِنْهَا ; لَا أَنَّهَا تَزُول عَنْ مَوْضِعهَا . وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد يَقُول : زُيِّنَتْ : أُزْلِفَتْ ؟ وَالزُّلْفَى فِي كَلَام الْعَرَب : الْقُرْبَة قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّة لِلْمُتَّقِينَ " [ الشُّعَرَاء : 90 ] , وَتَزَلَّفَ فُلَان تَقَرَّبَ .
يَعْنِي مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر وَشَرّ . وَهَذَا جَوَاب " إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ " وَمَا بَعْدهَا . قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِهَذَا أُجْرِيَ الْحَدِيث . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَرَآهَا , فَلَمَّا بَلَغَا " عَلِمَتْ نَفْس مَا أَحْضَرَتْ " قَالَا لِهَذَا أُجْرِيَتْ الْقِصَّة ; فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء , عَلِمَتْ نَفْس مَا أَحْضَرَتْ مِنْ عَمَلهَا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّه مَا بَيْنه وَبَيْنه تَرْجُمَان , فَيَنْظُر أَيْمَن مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَهُ [ وَيَنْظُر أَشْأَم مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ ] بَيْن يَدَيْهِ , فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ , فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ : يَتَّقِيَ النَّار وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة فَلْيَفْعَلْ ) وَقَالَ الْحَسَن : " إِذْ الشَّمْس كُوِّرَتْ " وَقَعَ عَلَى قَوْله : " عَلِمَتْ نَفْس مَا أَحْضَرَتْ " كَمَا يُقَال : إِذَا نَفَرَ زَيْد نَفَرَ عَمْرو . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ . وَقَالَ اِبْن زَيْد عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ " إِلَى قَوْله : " وَإِذَا الْجَنَّة أُزْلِفَتْ " اِثْنَتَا عَشْرَة خَصْلَة : سِتَّة فِي الدُّنْيَا , وَسِتَّة فِي الْآخِرَة ; وَقَدْ بَيَّنَّا السِّتَّة الْأُولَى بِقَوْلِ أُبَيّ بْن كَعْب .
أَيْ أُقْسِم , وَ " لَا " زَائِدَة , كَمَا تَقَدَّمَ . وَفِي الصِّحَاح : " الْخُنَّس " : الْكَوَاكِب كُلّهَا . لِأَنَّهَا تَخْنُس فِي الْمَغِيب , أَوْ لِأَنَّهَا تَخْنُس نَهَارًا . وَيُقَال : هِيَ الْكَوَاكِب السَّيَّارَة مِنْهَا دُون الثَّابِتَة . وَقَالَ الْفَرَّاء فِي قَوْله تَعَالَى : " فَلَا أُقْسِم بِالْخُنَّسِ . الْجَوَارِي الْكُنَّس " : إِنَّهَا النُّجُوم الْخَمْسَة ; زُحَل وَالْمُشْتَرِي وَالْمِرِّيخ وَالزُّهَرَة وَعُطَارِد ; لِأَنَّهَا تَخْنُس فِي مَجْرَاهَا , وَتَكْنِس , أَيْ تَسْتَتِر كَمَا تَكْنِس الظِّبَاء فِي الْمَغَار , وَهُوَ الْكَنَّاس . وَيُقَال : سُمِّيَتْ خُنَّسًا لِتَأَخُّرِهَا , لِأَنَّهَا الْكَوَاكِب الْمُتَحَيِّرَة الَّتِي تَرْجِع وَتَسْتَقِيم , يُقَال : خَنَسَ عَنْهُ يَخْنُس بِالضَّمِّ خُنُوسًا : تَأَخَّرَ , وَأَخْنَسَهُ غَيْره : إِذَا خَلَّفَهُ وَمَضَى عَنْهُ . وَالْخَنْس تَأَخُّر الْأَنْف عَنْ الْوَجْه مَعَ اِرْتِفَاع قَلِيل فِي الْأَرْنَبَة , وَالرَّجُل أَخْنَس , وَالْمَرْأَة خَنْسَاء , وَالْبَقَر كُلّهَا خُنَّس . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى : " فَلَا أُقْسِم بِالْخُنَّسِ " هِيَ بَقَر الْوَحْش . رَوَى هُشَيْم عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي مَيْسَرَة عَمْرو بْن شُرَحْبِيل قَالَ : قَالَ لِي عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : إِنَّكُمْ قَوْم عَرَب فَمَا الْخُنَّس ؟ قُلْت : هِيَ بَقَر الْوَحْش ; قَالَ : وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ . وَقَالَ إِبْرَاهِيم وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّمَا أُقْسِم اللَّه بِبَقَرِ الْوَحْش . وَرَوَى عَنْهُ عِكْرِمَة قَالَ : " الْخُنَّس " : الْبَقَر وَ " الْكُنَّس " : هِيَ الظِّبَاء , فَهِيَ خُنَّس إِذَا رَأَيْنَ الْإِنْسَان خَنَسْنَ وَانْقَبَضْنَ وَتَأَخَّرْنَ وَدَخَلْنَ كِنَاسَهُنَّ . الْقُشَيْرِيّ : وَقِيلَ عَلَى هَذَا " الْخُنَّس " مِنْ الْخَنْس فِي الْأَنْف , وَهُوَ تَأَخُّر الْأَرْنَبَة وَقِصَر الْقَصَبَة , وَأُنُوف الْبَقَر وَالظِّبَاء خُنَّس . وَالْأَصَحّ الْحَمْل عَلَى النُّجُوم , لِذِكْرِ اللَّيْل وَالصُّبْح بَعْد هَذَا , فَذِكْر النُّجُوم أَلْيَق بِذَلِكَ . قُلْت : لِلَّهِ أَنْ يُقْسِم بِمَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ مِنْ حَيَوَان وَجَمَاد , وَإِنْ لَمْ يُعْلَم وَجْه الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ . وَقَدْ جَاءَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَهُمَا صَحَابِيَّانِ وَالنَّخَعِيّ أَنَّهَا بَقَر الْوَحْش . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهَا الظِّبَاء . وَعَنْ الْحَجَّاج بْن مُنْذِر قَالَ : سَأَلْت جَابِر بْن زَيْد عَنْ الْجَوَارِي الْكُنَّس , فَقَالَ : الظِّبَاء وَالْبَقَر , فَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون الْمُرَاد النُّجُوم . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا الْمَلَائِكَة ; حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ .
هِيَ الْكَوَاكِب الْخَمْسَة الدَّرَارِيّ : زُحَل وَالْمُشْتَرِي وَعُطَارِد وَالْمِرِّيخ وَالزُّهَرَة , فِيمَا ذَكَرَ أَهْل التَّفْسِير . وَاَللَّه أَعْلَم . وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَلِيّ كَرَّمَ اللَّه وَجْهه . وَفِي تَخْصِيصهَا بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْن سَائِر النُّجُوم وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : لِأَنَّهَا تَسْتَقْبِل الشَّمْس ; قَالَهُ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ . الثَّانِي : لِأَنَّهَا تَقْطَع الْمَجَرَّة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : هِيَ النُّجُوم الَّتِي تَخْنُس بِالنَّهَارِ وَإِذَا غَرَبَتْ , وَقَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : هِيَ النُّجُوم تَخْنُس بِالنَّهَارِ , وَتَظْهَر بِاللَّيْلِ ; وَتَكْنِس فِي وَقْت غُرُوبهَا ; أَيْ تَتَأَخَّر عَنْ الْبَصَر لِخَفَائِهَا , فَلَا تُرَى . وَالْكُنَّس الْغُيَّب ; مَأْخُوذَة مِنْ الْكِنَاس , وَهُوَ كِنَاس الْوَحْش الَّذِي يَخْتَفِي فِيهِ . قَالَ أَوْس بْن حَجَر : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مُزْنَهُ وَعُفْرُ الظِّبَاء فِي الْكِنَاس تَقَمَّعُ وَقَالَ طَرَفَة : كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَّة يَكْنُفَانِهَا وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْت صُلْبٍ مُؤَيَّد وَقِيلَ : الْكُنُوس أَنْ تَأْوِي إِلَى مَكَانِسهَا , وَهِيَ الْمَوَاضِع الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا الْوُحُوش وَالظِّبَاء . قَالَ الْأَعْشَى فِي ذَلِكَ : فَلَمَّا أَتَيْنَا الْحَيَّ أَتْلَعَ آنَس كَمَا أَتْلَعَتْ تَحْت الْمَكَانِس رَبْرَبُ يُقَال : تَلَعَ . النَّهَار اِرْتَفَعَ وَأَتْلَعَتْ الظَّبْيَة مِنْ كِنَاسِهَا : أَيْ سَمَتْ بِجِيدِهَا . وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : ش تَعَشَّى قَلِيلًا ثُمَّ أَنْحَى ظُلُوفَهُ و يُثِيرُ التُّرَاب عَنْ مَبِيت وَمَكْنَس ش والْكُنَّس : جَمْع كَانِس وَكَانِسَة , وَكَذَا الْخُنَّس جَمْع خَانِس وَخَانِسَة . وَالْجَوَارِي : جَمَعَ جَارِيَة مِنْ جَرَى يَجْرِي .
قَالَ الْفَرَّاء : أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى عَسْعَسَ أَدْبَرَ ; حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ . وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : إِنَّهُ دَنَا مِنْ أَوَّله وَأَظْلَمَ وَكَذَلِكَ السَّحَاب إِذَا دَنَا مِنْ الْأَرْض . الْمَهْدَوِيّ : " وَاللَّيْل إِذَا عَسْعَسَ " أَدْبَرَ بِظَلَامِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا . وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَيْضًا وَعَنْ الْحَسَن وَغَيْره : أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ . زَيْد بْن أَسْلَمَ : " عَسْعَسَ " ذَهَبَ . الْفَرَّاء : الْعَرَب تَقُول عَسْعَسَ وَسَعْسَعَ إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الْيَسِير . الْخَلِيل وَغَيْره : عَسْعَسَ اللَّيْل إِذَا أَقْبَلَ أَوْ أَدْبَرَ . الْمُبَرِّد : هُوَ مِنْ الْأَضْدَاد , وَالْمَعْنَيَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى شَيْء وَاحِد , وَهُوَ اِبْتِدَاء الظَّلَام فِي أَوَّلِهِ , وَإِدْبَاره فِي آخِرِهِ ; وَقَالَ عَلْقَمَة بْن قُرْط : حَتَّى إِذَا الصُّبْح لَهَا تَنَفَّسَا و اِنْجَابَ عَنْهَا لَيْلُهَا وَعَسْعَسَا وَقَالَ رُؤْبَة : يَا هِنْد مَا أَسْرَعَ مَا تَسَعْسَعَا مِنْ بَعْد مَا كَانَ فَتَى سَرَعْرَعَا وَهَذِهِ حُجَّة الْفَرَّاء . وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْس : عَسْعَسَ حَتَّى لَوْ يَشَاء آدَّنَا كَانَ لَنَا مِنْ نَاره مَقْبِسُ فَهَذَا يَدُلّ عَلَى الدُّنُوّ . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد : عَسْعَسَ : أَظْلَمَ , قَالَ الشَّاعِر : حَتَّى إِذَا مَا لَيْلهنَّ عَسْعَسَا رَكِبْنَ مِنْ حَدّ الظَّلَام حِنْدِسًا الْمَاوَرْدِيّ : وَأَصْل الْعُسّ الِامْتِلَاء ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَدَحِ الْكَبِير عُسّ لِامْتِلَائِهِ بِمَا فِيهِ , فَأُطْلِقَ عَلَى إِقْبَال اللَّيْل لِابْتِدَاءِ اِمْتِلَائِهِ ; وَأُطْلِقَ عَلَى إِدْبَاره لِانْتِهَاءِ اِمْتِلَائِهِ عَلَى ظَلَامِهِ ; لِاسْتِكْمَالِ اِمْتِلَائِهِ بِهِ . وَأَمَّا قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس . أَلَمَّا عَلَى الرَّبْع الْقَدِيم بِعَسْعَسَا فَمَوْضِع بِالْبَادِيَةِ . وَعَسْعَس أَيْضًا اسْم رَجُل ; قَالَ الرَّاجِز : وَعَسْعَس نِعْمَ الْفَتَى تَبَيَّاهُ أَيْ تَعْتَمِدهُ . وَيُقَال لِلذِّئْبِ الْعَسْعَس وَالْعَسْعَاس وَالْعَسَّاس ; لِأَنَّهُ يَعُسّ بِاللَّيْلِ وَيَطْلُب . وَيُقَال لِلْقَنَافِذِ الْعَسَاعِس لِكَثْرَةِ تَرَدُّدهَا بِاللَّيْلِ . قَالَ أَبُو عَمْرو : وَالتَّعَسْعُس الشَّمّ , وَأَنْشَدَ : كَمَنْخِرِ الذَّنْب إِذَا تَعَسْعَسَا وَالتَّعَسْعُس أَيْضًا : طَلَب الصَّيْد [ بِاللَّيْلِ ] .
أَيْ اِمْتَدَّ حَتَّى يَصِير نَهَارًا وَاضِحًا ; يُقَال لِلنَّهَارِ إِذَا زَادَ : تَنَفَّسَ . وَكَذَلِكَ الْمَوْج إِذَا نَضَحَ الْمَاء . وَمَعْنَى التَّنَفُّس : خُرُوج النَّسِيم مِنْ الْجَوْف . وَقِيلَ : " إِذَا تَنَفَّسَ " أَيْ اِنْشَقَّ وَانْفَلَقَ ; وَمِنْهُ تَنَفَّسَتْ الْقَوْس أَيْ تَصَدَّعَتْ .
هَذَا جَوَاب الْقَسَم . وَالرَّسُول الْكَرِيم جِبْرِيل ; قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك . وَالْمَعْنَى " إِنَّهُ لَقَوْل رَسُول " عَنْ اللَّه " كَرِيم " عَلَى اللَّه . وَأَضَافَ الْكَلَام إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , ثُمَّ عَدَّاهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ " تَنْزِيل مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ " [ الْوَاقِعَة : 80 ] لِيَعْلَم أَهْل التَّحْقِيق فِي التَّصْدِيق أَنَّ الْكَلَام لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَقِيلَ : هُوَ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
مَنْ جَعَلَهُ جِبْرِيل فَقُوَّته ظَاهِرَة فَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مِنْ قُوَّته قَلْعُهُ مَدَائِن قَوْم لُوط بِقَوَادِم جَنَاحِهِ .
أَيْ عِنْد اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ
أَيْ ذِي مَنْزِلَة وَمَكَانَة ; فَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِح قَالَ : يَدْخُلُ سَبْعِينَ سُرَادِقًا بِغَيْرِ إِذْن .
أَيْ عِنْد اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ
أَيْ ذِي مَنْزِلَة وَمَكَانَة ; فَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِح قَالَ : يَدْخُلُ سَبْعِينَ سُرَادِقًا بِغَيْرِ إِذْن .
أَيْ فِي السَّمَوَات ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : مِنْ طَاعَة الْمَلَائِكَة جِبْرِيل , أَنَّهُ لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لِرِضْوَان خَازِن الْجِنَان : اِفْتَحْ لَهُ , فَفَتَحَ , فَدَخَلَ وَرَأَى مَا فِيهَا , وَقَالَ لِمَالِك خَازِن النَّار : اِفْتَحْ لَهُ جَهَنَّم حَتَّى يَنْظُر إِلَيْهَا , فَأَطَاعَهُ وَفَتَحَ لَهُ .
أَيْ مُؤْتَمَن عَلَى الْوَحْي الَّذِي يَجِيء بِهِ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَاد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَعْنَى " ذِي قُوَّة " عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة " مُطَاع " أَيْ يُطِيعهُ مَنْ أَطَاعَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ .
أَيْ مُؤْتَمَن عَلَى الْوَحْي الَّذِي يَجِيء بِهِ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَاد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَعْنَى " ذِي قُوَّة " عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة " مُطَاع " أَيْ يُطِيعهُ مَنْ أَطَاعَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ .
يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَجْنُونٍ حَتَّى يُتَّهَمَ فِي قَوْل . وَهُوَ مِنْ جَوَاب الْقَسَم . وَقِيلَ : أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرَى جِبْرِيل فِي الصُّورَة الَّتِي يَكُون بِهَا عِنْد رَبّه جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ : مَا ذَاكَ إِلَيَّ ; فَأَذِنَ لَهُ الرَّبّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَأَتَاهُ وَقَدْ سَدَّ الْأُفُق , فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّهُ مَجْنُون , فَنَزَلَتْ : " إِنَّهُ لَقَوْل رَسُول كَرِيم " " وَمَا صَاحِبكُمْ بِمَجْنُونٍ " وَإِنَّمَا رَأَى جِبْرِيل عَلَى صُورَته فَهَابَهُ , وَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَحْتَمِل بِنْيَتُهُ , فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ .
أَيْ رَأَى جِبْرِيل فِي صُورَته , لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح . " بِالْأُفُقِ الْمُبِين " أَيْ بِمَطْلِعِ الشَّمْس مِنْ قِبَل الْمَشْرِق ; لِأَنَّ هَذَا الْأُفُق إِذَا كَانَ مِنْهُ تَطْلُع الشَّمْس فَهُوَ مُبِين . أَيْ مِنْ جِهَته تُرَى الْأَشْيَاء . وَقِيلَ : الْأُفُق الْمُبِين : أَقْطَار السَّمَاء وَنَوَاحِيهَا ; قَالَ الشَّاعِر : أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُوم الطَّوَالِع الْمَاوَرْدِيّ : فَعَلَى هَذَا , فِيهِ ثَلَاثَة أَقَاوِيل أَحَدهَا : أَنَّهُ رَآهُ فِي أُفُق السَّمَاء الشَّرْقِيّ ; قَالَهُ سُفْيَان . الثَّانِي : فِي أُفُق السَّمَاء الْغَرْبِيّ , حَكَاهُ اِبْن شَجَرَة . الثَّالِث : أَنَّهُ رَآهُ نَحْو أَجْيَاد , وَهُوَ مَشْرِق مَكَّة ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيل : " إِنِّي أُحِبّ أَنْ أَرَاك فِي صُورَتِكَ الَّتِي تَكُون فِيهَا فِي السَّمَاء " قَالَ : لَنْ تَقْدِر عَلَى ذَلِكَ . قَالَ : " بَلَى " قَالَ : فَأَيْنَ تَشَاء أَنْ أَتَخَيَّل لَك ؟ قَالَ : " بِالْأَبْطَح " قَالَ : لَا يَسْعَنِي . قَالَ : " فَبِمِنًى " قَالَ : لَا يَسْعَنِي . قَالَ : " فَبِعَرَفَاتٍ " قَالَ : ذَلِكَ بِالْحَرِيِّ أَنْ يَسْعَنِي . فَوَاعَدَهُ فَخَرَجَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوَقْتِ , فَإِذَا هُوَ قَدْ أَقْبَلَ بِخَشْخَشَةٍ وَكَلْكَلَة مِنْ جِبَال عَرَفَات , قَدْ مَلَأَ مَا بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب , وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاء وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْض , فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ , فَتَحَوَّلَ جِبْرِيل فِي صُورَته , وَضَمَّهُ إِلَى صَدْره . وَقَالَ : يَا مُحَمَّد لَا تَخَفْ ; فَكَيْف لَوْ رَأَيْت إِسْرَافِيل وَرَأْسه مِنْ تَحْت الْعَرْش وَرِجْلَاهُ فِي تُخُوم الْأَرْض السَّابِعَة , وَإِنَّ الْعَرْش عَلَى كَاهِلِهِ , وَإِنَّهُ لَيَتَضَاءَل أَحْيَانًا مِنْ خَشْيَة اللَّه , حَتَّى يَصِير مِثْل الْوَصَع - يَعْنِي الْعُصْفُور حَتَّى مَا يَحْمِل عَرْش رَبّك إِلَّا عَظَمَته . وَقِيلَ : إِنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ بِالْأُفُقِ الْمُبِين . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن مَسْعُود . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا فِي " وَالنَّجْم " مُسْتَوْفًى , فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ . وَفِي " الْمُبِين " قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ صِفَة الْأُفُق ; قَالَهُ الرَّبِيع . الثَّانِي أَنَّهُ صِفَة لِمَنْ رَآهُ ; قَالَهُ مُجَاهِد .
بِالظَّاءِ , قِرَاءَة اِبْن كَثِير وَأَبِي عَمْرو وَالْكِسَائِيّ , أَيْ بِمُتَّهَمٍ , وَالظِّنَّة التُّهْمَة ; قَالَ الشَّاعِر : أَمَا وَكِتَاب اللَّه لَا عَنْ شَنَاءَة هُجِرْت وَلَكِنَّ الظَّنِين ظَنِين وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَخِّلُوهُ وَلَكِنْ كَذَّبُوهُ ; وَلِأَنَّ الْأَكْثَر مِنْ كَلَام الْعَرَب : مَا هُوَ بِكَذَا , وَلَا يَقُولُونَ : مَا هُوَ عَلَى كَذَا , إِنَّمَا يَقُولُونَ : مَا أَنْتَ عَلَى هَذَا بِمُتَّهَمٍ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " بِضَنِينٍ " بِالضَّادِ : أَيْ بِبَخِيلٍ مِنْ ضَنِنْت بِالشَّيْءِ أَضَنّ ضَنًّا [ فَهُوَ ] ضَنِين . فَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : لَا يَضَنّ عَلَيْكُمْ بِمَا يَعْلَم , بَلْ يُعَلِّم الْخَلْق كَلَام اللَّه وَأَحْكَامه . وَقَالَ الشَّاعِر : أَجُود بِمَكْنُونِ الْحَدِيث وَإِنَّنِي بِسِرِّك عَمَّنْ سَالَنِي لَضَنِين وَالْغَيْب : الْقُرْآن وَخَبَر السَّمَاء . ثُمَّ هَذَا صِفَة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام . وَقِيلَ : صِفَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَقِيلَ : بِظَنِين : بِضَعِيفٍ . حَكَاهُ الْفَرَّاء وَالْمُبَرِّد ; يُقَال : رَجُل ظَنِين : أَيْ ضَعِيف . وَبِئْر ظَنُون : إِذَا كَانَتْ قَلِيلَة الْمَاء ; قَالَ الْأَعْشَى : مَا جُعِلَ الْجُدّ الظَّنُون الَّذِي جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ الْمَاطِر مِثْلَ الْفُرَاتِيّ إِذَا مَا طَمَا يَقْذِف بِالْبُوصِيّ وَالْمَاهِر وَالظَّنُون : الدَّيْن الَّذِي لَا يُدْرَى أَيَقْضِيهِ آخِذُهُ أَمْ لَا ؟ وَمِنْهُ حَدِيث عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الرَّجُل يَكُون لَهُ الدَّيْن الظَّنُون , قَالَ : يُزَكِّيه لَمَّا مَضَى إِذَا قَبَضَهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا . وَالظَّنُون : الرَّجُل السَّيِّئ الْخُلُق ; فَهُوَ لَفْظ مُشْتَرَك .
يَعْنِي الْقُرْآن
أَيْ مَرْجُوم مَلْعُون , كَمَا قَالَتْ قُرَيْش . قَالَ عَطَاء : يُرِيد بِالشَّيْطَانِ الْأَبْيَض الَّذِي كَانَ يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَة جِبْرِيل يُرِيد أَنْ يَفْتِنَهُ .
أَيْ مَرْجُوم مَلْعُون , كَمَا قَالَتْ قُرَيْش . قَالَ عَطَاء : يُرِيد بِالشَّيْطَانِ الْأَبْيَض الَّذِي كَانَ يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَة جِبْرِيل يُرِيد أَنْ يَفْتِنَهُ .
قَالَ قَتَادَة : فَإِلَى أَيْنَ تَعْدِلُونَ عَنْ هَذَا الْقَوْل وَعَنْ طَاعَتِهِ . كَذَا رَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة ; أَيْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ عَنْ كِتَابِي وَطَاعَتِي . وَقَالَ الزَّجَّاج : فَأَيّ طَرِيقَة تَسْلُكُونَ أَبَيْنَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَة الَّتِي بَيَّنْت لَكُمْ . وَيُقَال : أَيْنَ تَذْهَب ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَب ؟ وَحَكَى الْفَرَّاء عَنْ الْعَرَب : ذَهَبْت الشَّام وَخَرَجْت الْعِرَاق وَانْطَلَقْت السُّوق : أَيْ إِلَيْهَا . قَالَ : سَمِعْنَاهُ فِي هَذِهِ الْأَحْرُف الثَّلَاثَة ; وَأَنْشَدَنِي بَعْض بَنِي عُقَيْل : تَصِيح بِنَا حَنِيفَة إِذْ رَأَتْنَا وَأَيّ الْأَرْض تَذْهَب بِالصِّيَاحِ يُرِيد إِلَى أَيّ أَرْض تَذْهَب , فَحَذَفَ إِلَى . وَقَالَ الْجُنَيْد : مَعْنَى الْآيَة مَقْرُون بِآيَةٍ أُخْرَى ; وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : " وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنه " [ الْحِجْر : 21 ] الْمَعْنَى : أَيّ طَرِيق تَسْلُكُونَ أَبَيْنَ مِنْ الطَّرِيق الَّذِي بَيَّنَهُ اللَّه لَكُمْ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْل الزَّجَّاج .
يَعْنِي الْقُرْآن
أَيْ مَوْعِظَة وَزَجْر . وَ " إِنْ " بِمَعْنَى " مَا " . وَقِيلَ : مَا مُحَمَّد إِلَّا ذِكْر .
أَيْ مَوْعِظَة وَزَجْر . وَ " إِنْ " بِمَعْنَى " مَا " . وَقِيلَ : مَا مُحَمَّد إِلَّا ذِكْر .
أَيْ يَتَّبِع الْحَقّ وَيُقِيم عَلَيْهِ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَسُلَيْمَان بْن مُوسَى : لَمَّا نَزَلَتْ " لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيم " قَالَ أَبُو جَهْل : الْأَمْر إِلَيْنَا , إِنْ شِئْنَا اِسْتَقَمْنَا , وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَسْتَقِمْ - وَهَذَا هُوَ الْقَدَر ; وَهُوَ رَأْس الْقَدَرِيَّة - فَنَزَلَتْ : " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ "
فَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَعْمَل الْعَبْد خَيْرًا إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّه , وَلَا شَرًّا إِلَّا بِخِذْلَانِهِ . وَقَالَ الْحَسَن : وَاَللَّه مَا شَاءَتْ الْعَرَب الْإِسْلَام حَتَّى شَاءَهُ اللَّه لَهَا . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : قَرَأْت فِي سَبْعَة وَثَمَانِينَ كِتَابًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى الْأَنْبِيَاء : مَنْ جَعَلَ إِلَى نَفْسه شَيْئًا مِنْ الْمَشِيئَة فَقَدْ كَفَرَ . وَفِي التَّنْزِيل : " وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه " [ الْأَنْعَام : 111 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه " [ يُونُس : 100 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء " [ الْقَصَص : 56 ] وَالْآي فِي هَذَا كَثِير , وَكَذَلِكَ الْأَخْبَار , وَأَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ هَدَى بِالْإِسْلَامِ , وَأَضَلَّ بِالْكُفْرِ , كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع . خُتِمَتْ السُّورَة وَالْحَمْد لِلَّهِ .