الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالشَّمْس وَضُحَاهَا } قَوْله : { وَالشَّمْس وَضُحَاهَا } قَسَم أَقْسَمَ رَبّنَا تَعَالَى ذِكْره بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ; وَمَعْنَى الْكَلَام : أُقْسِم بِالشَّمْسِ , وَبِضُحَى الشَّمْس . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { وَضُحَاهَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَالشَّمْس وَالنَّهَار , وَكَانَ يَقُول : الضُّحَى : هُوَ النَّهَار كُلّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28939 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَالشَّمْس وَضُحَاهَا } قَالَ : هَذَا النَّهَار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَضَوْئِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28940 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَالشَّمْس وَضُحَاهَا } قَالَ : ضَوْئِهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : أَقْسَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالشَّمْسِ وَنَهَارهَا , لِأَنَّ ضَوْء الشَّمْس الظَّاهِرَة هُوَ النَّهَار .
وَقَوْله : { وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالْقَمَر إِذَا تَبِعَ الشَّمْس , وَذَلِكَ فِي النِّصْف الْأَوَّل مِنْ الشَّهْر , إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْس , تَلَاهَا الْقَمَر طَالِعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28941 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا } قَالَ : يَتْلُو النَّهَار . 28942 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا } يَعْنِي : الشَّمْس إِذَا تَبِعَهَا الْقَمَر . 28943 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا } قَالَ : تَبِعَهَا . 28944 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا } يَتْلُوهَا صَبِيحَة الْهِلَال فَإِذَا سَقَطَتْ الشَّمْس رُئِيَ الْهِلَال . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا } قَالَ : إِذَا تَلَاهَا لَيْلَة الْهِلَال . 28945 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { وَالشَّمْس وَضُحَاهَا وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا } قَالَ : هَذَا قَسَم , وَالْقَمَر يَتْلُو الشَّمْس نِصْف الشَّهْر الْأَوَّل , و تَتْلُوهُ النِّصْف الْآخَر , فَأَمَّا النِّصْف الْأَوَّل فَهُوَ يَتْلُوهَا , وَتَكُون أَمَامه وَهُوَ وَرَاءَهَا , فَإِذَا كَانَ النِّصْف الْآخَر كَانَ هُوَ أَمَامهَا يَقْدُمهَا , وَتَلِيه هِيَ .
وَقَوْله : { وَالنَّهَار إِذَا جَلَّاهَا } يَقُول : وَالنَّهَار إِذَا جَلَّاهَا , قَالَ : إِذَا أَضَاءَ . 28946- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَالنَّهَار إِذَا جَلَّاهَا } قَالَ : إِذَا غَشِيَهَا النَّهَار . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَتَأَوَّل ذَلِكَ بِمَعْنَى : وَالنَّهَار إِذَا جَلَّا الظُّلْمَة , وَيَجْعَل الْهَاء وَالْأَلِف مِنْ جَلَّاهَا كِنَايَة عَنْ الظُّلْمَة , وَيَقُول : إِنَّمَا جَازَ الْكِنَايَة عَنْهَا , وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر قَبْل , لِأَنَّ مَعْنَاهَا مَعْرُوف , كَمَا يُعْرَف مَعْنَى قَوْل الْقَائِل : أَصْبَحَتْ بَارِدَة , وَأَمْسَتْ بَارِدَة , وَهَبَّتْ شَمَالًا , فَكَنَّى عَنْ مُؤَنَّثَات لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر , إِذْ كَانَ مَعْرُوفًا مَعْنَاهُنَّ. وَالصَّوَاب عِنْدنَا فِي ذَلِكَ : مَا قَالَهُ أَهْل الْعِلْم الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلهمْ , لِأَنَّهُمْ أَعْلَم بِذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ لِلَّذِي قَالَهُ مِنْ ذِكْرنَا قَوْله مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة وَجْه .
وَقَوْله : { وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَاهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى الشَّمْس , حَتَّى تَغِيب فَتُظْلِم الْآفَاق . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 28947 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَاهَا } : إِذَا غَشَّاهَا اللَّيْل .
وَقَوْله : { وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَالسَّمَاء وَمَنْ بَنَاهَا , يَعْنِي : وَمَنْ خَلَقَهَا , وَبِنَاؤُهُ إِيَّاهَا : تَصْيِيره إِيَّاهَا لِلْأَرْضِ سَقْفًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28948- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا } وَبِنَاؤُهَا : خَلْقهَا . 28949 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا } قَالَ : اللَّه بَنَى السَّمَاء . وَقِيلَ : { وَمَا بَنَاهَا } وَهُوَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَانِيهَا , فَوَضَعَ " مَا " مَوْضِع " مَنْ " كَمَا قَالَ { وَوَالِد وَمَا وَلَدَ } , فَوَضَعَ " مَا " فِي مَوْضِع " مَنْ " وَمَعْنَاهُ , وَمَنْ وَلَدَ , لِأَنَّهُ قَسَم أَقْسَمَ بِآدَم وَوَلَده , وَكَذَلِكَ : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء } , وَقَوْله : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ } وَإِنَّمَا هُوَ : فَانْكِحُوا مَنْ طَابَ لَكُمْ . وَجَائِز تَوْجِيه ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَر , كَأَنَّهُ قَالَ : وَالسَّمَاء وَبِنَائِهَا , وَوَالِد وَوِلَادَته.
وَقَوْله : { وَالْأَرْض وَمَا طَحَاهَا } وَهَذِهِ أَيْضًا نَظِير الَّتِي قَبْلهَا , وَمَعْنَى الْكَلَام : وَالْأَرْض وَمَنْ طَحَاهَا . وَمَعْنَى قَوْله : { طَحَاهَا } : بَسَطَهَا يَمِينًا وَشِمَالًا , وَمِنْ كُلّ جَانِب . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { طَحَاهَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَالْأَرْض وَمَا خَلَقَ فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28950 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْأَرْض وَمَا طَحَاهَا } يَقُول : مَا خَلَقَ فِيهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ : وَمَا بَسَطَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28951 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَالْأَرْض وَمَا طَحَاهَا } قَالَ : دَحَاهَا . 28952 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا طَحَاهَا } قَالَ : بَسَطَهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا قَسَّمَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28953 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَالْأَرْض وَمَا طَحَاهَا } يَقُول : قَسَّمَهَا .
وَقَوْله : { وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا سَوَّاهَا } نَفْسه , لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَوَّى النَّفْس وَخَلَقَهَا , فَعَدَلَ خَلْقهَا , فَوَضَعَ " مَا " مَوْضِع " مَنْ " وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِكَ أَيْضًا الْمَصْدَر , فَيَكُون تَأْوِيله : وَنَفْس وَتَسْوِيَتهَا , فَيَكُون الْقَسَم بِالنَّفْسِ وَبِتَسْوِيَتِهَا .
وَقَوْله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَبَيَّنَ لَهَا مَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَأْتِي أَوْ تَذَر مِنْ خَيْر , أَوْ شَرّ أَوْ طَاعَة , أَوْ مَعْصِيَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28954 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } يَقُول : بَيْن الْخَيْر وَالشَّرّ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } يَقُول : بَيْن الْخَيْر وَالشَّرّ . 28955 -مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } قَالَ : عَلَّمَهَا الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة . 28956 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } قَالَ : عَرَّفَهَا . 28957 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } : فَبَيَّنَ لَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا . 28958 - وَحُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } , بَيَّنَ لَهَا الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة . 28959 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } قَالَ : أَعْلَمَهَا الْمَعْصِيَة وَالطَّاعَة . 28960 - قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } قَالَ : الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ اللَّه جَعَلَ فِيهَا ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28961 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } قَالَ : جَعَلَ فِيهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا. 28962 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا صَفْوَان بْن عِيسَى وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل , قَالَا : ثَنَا عَزْرَة بْن ثَابِت , قَالَ : ثَنِي يَحْيَى بْن عَقِيل , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , عَنْ أَبِي الْأَسْوَد الدِّيلِيّ , قَالَ : قَالَ لِي عِمْرَان بْن حُصَيْن : أَرَأَيْت مَا يَعْمَل النَّاس فِيهِ وَيَتَكَادَحُونَ فِيهِ , أَشَيْء قُضِيَ عَلَيْهِمْ , وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَر قَدْ سَبَقَ , أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ , مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَأُكِّدَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّة ؟ قُلْت : بَلْ شَيْء قُضِيَ عَلَيْهِمْ , قَالَ : فَهَلْ يَكُون ذَلِكَ ظُلْمًا ؟ قَالَ : فَفَزِعْت مِنْهُ فَزَعًا شَدِيدًا , قَالَ : قُلْت لَهُ : لَيْسَ شَيْء إِلَّا وَهُوَ خَلْقه , وَمِلْك يَده , لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ . قَالَ : شَدَّدَك اللَّه , إِنَّمَا سَأَلْتُك " أَظُنّهُ أَنَا " لِأَخْبُر عَقْلك . إِنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَة أَوْ جُهَيْنَة , أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَرَأَيْت مَا يَعْمَل النَّاس فِيهِ وَيَتَكَادَحُونَ : أَشَيْء قُضِيَ عَلَيْهِمْ , وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَر سَبَقَ , أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ , مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ عَلَيْهِ السَّلَام وَأُكِّدَتْ بِهِ عَلَيْهِمْ الْحُجَّة ؟ قَالَ : " فِي شَيْء قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ " ; قَالَ : فَفِيمَ نَعْمَل ؟ قَالَ : " مَنْ كَانَ اللَّه خَلَقَهُ لِإِحْدَى الْمَنْزِلَتَيْنِ يُهَيِّئهُ لَهَا , وَتَصْدِيق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه : { وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } "
قَوْله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } يَقُول : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى اللَّه نَفْسَهُ , فَكَثَّرَ تَطْهِيرهَا مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي , وَأَصْلَحَهَا بِالصَّالِحَاتِ مِنْ الْأَعْمَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28963- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } يَقُول : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى اللَّه نَفْسه . 28964 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } قَالُوا : مَنْ أَصْلَحَهَا . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر , وَلَمْ يَذْكُر عِكْرِمَة . 28965 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } مَنْ عَمِلَ خَيْرًا زَكَّاهَا بِطَاعَةِ اللَّه . 28966 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } قَالَ : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسه بِعَمَلٍ صَالِح . 28967 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } يَقُول : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى اللَّه نَفْسَهُ . وَهَذَا هُوَ مَوْضِع الْقَسَم , كَمَا : 28968 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَدْ وَقَعَ الْقَسَم هَاهُنَا { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } . وَقَدْ ذَكَرْت مَا تَقُول أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ نَظَائِره قَبْل .
وَقَوْله : { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَدْ خَابَ فِي طِلْبَته , فَلَمْ يُدْرِك مَا طَلَبَ وَالْتَمَسَ لِنَفْسِهِ مِنْ الصَّلَاح { مَنْ دَسَّاهَا } يَعْنِي : مَنْ دَسَّسَ اللَّه نَفْسَهُ فَأَحْمَلَهَا , وَوَضَعَ مِنْهَا , بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهَا عَنْ الْهُدَى حَتَّى رَكِبَ الْمَعَاصِي , وَتَرَكَ طَاعَة اللَّه . وَقِيلَ : دَسَّاهَا وَهِيَ دَسَّسَهَا , فَقُلِبَتْ إِحْدَى سِينَاتهَا يَاء , كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : تَقَضِّي الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرْ يُرِيد : تَقَضُّض . وَتَظَنَّيْت هَذَا الْأَمْر , بِمَعْنَى : تَظَنَّنْت , وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ كَثِيرًا , فَتُبَدِّل فِي الْحَرْف الْمُشَدَّد بَعْض حُرُوفه , يَاء أَحْيَانًا , وَوَاوًا أَحْيَانًا ; وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : ش يَذْهَب بِي فِي الشِّعْر كُلّ فَنّ و حَتَّى يَرُدّ عَنِّي التَّظَنِّي ش يُرِيد : التَّظَنُّن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28969 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } يَقُول : وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّى اللَّه نَفْسَهُ فَأَضَلَّهُ . 28970 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } يَعْنِي : تَكْذِيبهَا. 28971 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } قَالَ أَحَدهمَا : أَغْوَاهَا , وَقَالَ الْآخَر : أَضَلَّهَا . 28972 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } قَالَ : أَضَلَّهَا , وَقَالَ سَعِيد : مَنْ أَغْوَاهَا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مَنْ دَسَّاهَا } قَالَ : أَغْوَاهَا . 28973 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } قَالَ : أَثَّمَهَا وَأَفْجَرَهَا. * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 28974 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَقَدْ خَابَ } يَقُول : وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّى اللَّه نَفْسَهُ.
وَقَوْله : { كَذَّبَتْ ثَمُود بِطَغْوَاهَا } يَقُول : كَذَّبَتْ ثَمُود بِطُغْيَانِهَا , يَعْنِي : بِعَذَابِهَا الَّذِي وَعَدَهُمُوهُ صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام , فَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَاب طَاغِيًا طَغَى عَلَيْهِمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَمَّا ثَمُود فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَإِنْ كَانَ فِيهِ اِخْتِلَاف بَيْن أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ الْقَوْل الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ : 28975 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السَّكُونِيّ , قَالَ : ثَنَا الْوَلِيد بْن سَلَمَة الْفِلَسْطِينِيّ , قَالَ : ثَنِي يَزِيد بْن سَمُرَة الْمَذْحِجِيّ عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه : { كَذَّبَتْ ثَمُود بِطَغْوَاهَا } قَالَ : اِسْم الْعَذَاب الَّذِي جَاءَهَا , الطَّغْوَى , فَقَالَ : كَذَّبَتْ ثَمُود بِعَذَابِهَا . 28976 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { كَذَّبَتْ ثَمُود بِطَغْوَاهَا } : أَيْ بِالطُّغْيَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ : كَذَّبَتْ ثَمُود بِمَعْصِيَتِهِمْ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28977 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { كَذَّبَتْ ثَمُود بِطَغْوَاهَا } قَالَ : مَعْصِيَتهَا . 28978 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَذَّبَتْ ثَمُود بِطَغْوَاهَا } قَالَ : بِطُغْيَانِهِمْ وَبِمَعْصِيَتِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ بِأَجْمَعِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28979 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن أَيُّوب وَابْن لَهِيعَة , عَنْ عُمَارَة بْن غَزِيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن رِفَاعَة الْقُرَظِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , أَنَّهُ قَالَ : { كَذَّبَتْ ثَمُود بِطَغْوَاهَا } قَالَ : بِأَجْمَعِهَا . * - حَدَّثَنِي اِبْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن أَيُّوب , قَالَ : ثَنِي عُمَارَة بْن غَزِيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن رِفَاعَة الْقُرَظِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , مِثْله . وَقِيلَ { طَغْوَاهَا } بِمَعْنَى : طُغْيَانهمْ , وَهُمَا مَصْدَرَانِ لِلتَّوْفِيقِ بَيْن رُءُوس الْآي , إِذْ كَانَتْ الطَّغْوَى أَشْبَه بِسَائِرِ رُءُوس الْآيَات فِي هَذِهِ السُّورَة , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { وَآخِر دَعْوَاهُمْ } بِمَعْنَى : وَآخِر دُعَائِهِمْ .
وَقَوْله : { إِذْ اِنْبَعَثَ أَشْقَاهَا } يَقُول : إِذْ ثَارَ أَشْقَى ثَمُود , وَهُوَ قُدَار بْن سَالِف , كَمَا : 28980 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا الطُّفَاوِيّ , عَنْ هِشَام , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن زَمْعَة , قَالَ : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ فِي خُطْبَته النَّاقَة , وَاَلَّذِي عَقَرَهَا , فَقَالَ : " إِذْ اِنْبَعَثَ أَشْقَاهَا : اِنْبَعَثَ لَهَا رَجُل عَزِيز عَارِم , مَنِيع فِي رَهْطه , مِثْل أَبِي زَمْعَة " . 28981 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَا : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله . { إِذْ اِنْبَعَثَ أَشْقَاهَا } يَعْنِي أُحَيْمِر ثَمُود .
وَقَوْله : { فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : صَالِحًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لِثَمُود صَالِح : { نَاقَة اللَّه وَسُقْيَاهَا } اِحْذَرُوا نَاقَة اللَّه وَسُقْيَاهَا , وَإِنَّمَا حَذَّرَهُمْ سُقْيَا النَّاقَة , لِأَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ عَنْ أَمْر اللَّه , أَنَّ لِلنَّاقَةِ شِرْب يَوْم , وَلَهُمْ شِرْب يَوْم آخَر , غَيْر يَوْم النَّاقَة , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى قَبْل , وَكَمَا : 28982 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه نَاقَة اللَّه وَسُقْيَاهَا } قَسْم اللَّه الَّذِي قَسَمَ لَهَا مِنْ هَذَا الْمَاء .
وَقَوْله : { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } يَقُول : فَكَذَّبُوا صَالِحًا فِي خَبَره الَّذِي أَخْبَرَهُمْ بِهِ , مِنْ أَنَّ اللَّه الَّذِي جَعَلَ شِرْب النَّاقَة يَوْمًا , وَلَهُمْ شِرْب يَوْم مَعْلُوم , وَأَنَّ اللَّه يُحِلّ بِهِمْ نِقْمَته , إِنْ هُمْ عَقَرُوهَا , كَمَا وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ : { كَذَّبَتْ ثَمُود وَعَاد بِالْقَارِعَةِ } , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون التَّكْذِيب بِالْعَقْرِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , جَازَ تَقْدِيم التَّكْذِيب قَبْل الْعَقْر , وَالْعَقْر قَبْل التَّكْذِيب , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ فِعْل وَقَعَ عَنْ سَبَب حَسُنَ اِبْتِدَاؤُهُ قَبْل السَّبَب وَبَعْده , كَقَوْلِ الْقَائِل : أَعْطَيْت فَأَحْسَنْت , وَأَحْسَنْت فَأَعْطَيْت , لِأَنَّ الْإِعْطَاء : هُوَ الْإِحْسَان , وَمِنْ الْإِحْسَان الْإِعْطَاء , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَقْر هُوَ سَبَب التَّكْذِيب , جَازَ تَقْدِيم أَيّ ذَلِكَ شَاءَ الْمُتَكَلِّم . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ قَوْله : { فَكَذَّبُوهُ } كَلِمَة مُكْتَفِيَة بِنَفْسِهَا , وَأَنَّ قَوْله : { فَعَقَرُوهَا } جَوَاب لِقَوْلِهِ : { إِذْ اِنْبَعَثَ أَشْقَاهَا } كَأَنَّهُ قِيلَ : إِذْ اِنْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَعَقَرَهَا , فَقَالَ : وَكَيْف ؟ قِيلَ { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } وَقَدْ كَانَ الْقَوْم قَبْل قَتْل النَّاقَة مُسْلِمِينَ , لَهَا شِرْب يَوْم , وَلَهُمْ شِرْب يَوْم آخَر . قِيلَ : جَاءَ الْخَبَر أَنَّهُمْ بَعْد تَسْلِيمهمْ ذَلِكَ , أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعهَا الشُّرْب , وَرَضُوا بِقَتْلِهَا , وَعَنْ رِضَا جَمِيعهمْ قَتَلَهَا قَاتِلهَا , وَعَقَرَهَا مَنْ عَقَرَهَا وَلِذَلِكَ نُسِبَ التَّكْذِيب وَالْعَقْر إِلَى جَمِيعهمْ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } .
وَقَوْله : { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَدَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ بِذَنْبِهِمْ ذَلِكَ , وَكُفْرهمْ بِهِ , وَتَكْذِيبهمْ رَسُوله صَالِحًا , وَعَقْرهمْ نَاقَته { فَسَوَّاهَا } يَقُول : فَسَوَّى الدَّمْدَمَة عَلَيْهِمْ جَمِيعهمْ , فَلَمْ يَفْلِت مِنْهُمْ أَحَد , كَمَا : 28983 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أُحَيْمِر ثَمُود أَبَى أَنْ يَعْقِرهَا , حَتَّى بَايَعَهُ صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ , وَذَكَرهمْ وَأُنْثَاهُمْ , فَلَمَّا اِشْتَرَكَ الْقَوْم فِي عَقْرهَا دَمْدَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا . 28984 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن آدَم , قَالَ : ثَنَا قُتَيْبَة , قَالَ : ثَنَا أَبُو هِلَال , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَة طَلَبُوا فَصِيلهَا , فَصَارَ فِي قَارَّة الْجَبَل , فَقَطَّعَ اللَّه قُلُوبهمْ .
وَقَوْله : { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَدَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ بِذَنْبِهِمْ ذَلِكَ , وَكُفْرهمْ بِهِ , وَتَكْذِيبهمْ رَسُوله صَالِحًا , وَعَقْرهمْ نَاقَته { فَسَوَّاهَا } يَقُول : فَسَوَّى الدَّمْدَمَة عَلَيْهِمْ جَمِيعهمْ , فَلَمْ يَفْلِت مِنْهُمْ أَحَد , كَمَا : 28983 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أُحَيْمِر ثَمُود أَبَى أَنْ يَعْقِرهَا , حَتَّى بَايَعَهُ صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ , وَذَكَرهمْ وَأُنْثَاهُمْ , فَلَمَّا اِشْتَرَكَ الْقَوْم فِي عَقْرهَا دَمْدَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا . 28984 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن آدَم , قَالَ : ثَنَا قُتَيْبَة , قَالَ : ثَنَا أَبُو هِلَال , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَة طَلَبُوا فَصِيلهَا , فَصَارَ فِي قَارَّة الْجَبَل , فَقَطَّعَ اللَّه قُلُوبهمْ .
وَقَوْله : { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَا يَخَاف تَبِعَة دَمْدَمَته عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 27985 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ : لَا يَخَاف اللَّه مِنْ أَحَد تَبِعَة . 28986 -حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن الْمُسْتَمِرّ , قَالَ : ثَنَا عُثْمَان بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا عُمَر بْن مَرْثَد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ : ذَاكَ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى , لَا يَخَاف تَبِعَة مِمَّا صَنَعَ بِهِمْ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ عَمْرو بْن مُنَبِّه , هَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِي , سَمِعْت الْحَسَن قَرَأَ : { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ : ذَلِكَ الرَّبّ صَنَعَ ذَلِكَ بِهِمْ , وَلَمْ يَخَفْ تَبِعَة . * -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ : لَا يَخَاف تَبِعَتهمْ . 28987- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } يَقُول : لَا يَخَاف أَنْ يُتْبَع بِشَيْءٍ مِمَّا صَنَعَ بِهِمْ . 28988 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ مُحَمَّد بْن عَمْرو فِي حَدِيثه , قَالَ : اللَّه { لَا يَخَاف عُقْبَاهَا } . وَقَالَ الْحَارِث فِي حَدِيثه : اللَّه لَا يَخَاف عُقْبَاهَا . 28989 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا رَزِين بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ يَقُول فِي قَوْله : { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ : لَا يَخَاف اللَّه التَّبِعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَمْ يَخَفْ الَّذِي عَقَرَهَا عُقْبَاهَا : أَيْ عُقْبَى فَعْلَته الَّتِي فَعَلَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28990 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : ثَنَا أَبُو رَوْق , قَالَ : ثَنَا الضَّحَّاك { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ : لَمْ يَخَفْ الَّذِي عَقَرَهَا عُقْبَاهَا . 28991- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ : لَمْ يَخَفْ الَّذِي عَقَرَهَا عُقْبَاهَا . * -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } قَالَ : الَّذِي لَا يَخَاف الَّذِي صَنَعَ , عُقْبَى مَا صَنَعَ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالشَّام : " فَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا " بِالْفَاءِ , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق فِي الْمِصْرَيْنِ بِالْوَاوِ { وَلَا يَخَاف عُقْبَاهَا } وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفهمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , غَيْر مُخْتَلِفَيْ الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي إِمَالَة مَا كَانَ مِنْ ذَوَات الْوَاو فِي هَذِهِ السُّورَة وَغَيْرهَا , كَقَوْلِهِ : { وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا - وَمَا طَحَاهَا } وَنَحْو ذَلِكَ , فَكَانَ يَفْتَح ذَلِكَ كُلّه عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة , وَيُمِيلُونَ مَا كَانَ مِنْ ذَوَات الْيَاء , غَيْر عَاصِم وَالْكِسَائِيّ , فَإِنَّ عَاصِمًا كَانَ يَفْتَح جَمِيع ذَلِكَ , مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ ذَوَات الْوَاو وَذَوَات الْيَاء , لَا يُضْجِع مِنْهُ شَيْئًا . وَكَانَ الْكِسَائِيّ يَكْسِر ذَلِكَ كُلّه . وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَنْظُر إِلَى اِتِّسَاق رُءُوس الْآي , فَإِنْ كَانَتْ مُتَّسِقَة عَلَى شَيْء وَاحِد , أَمَالَ جَمِيعهَا. وَأَمَّا عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة , فَإِنَّهُمْ لَا يُمِيلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْإِمَالَة الشَّدِيدَة , وَلَا يَفْتَحُونَهُ الْفَتْح الشَّدِيد , وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ ; وَأَفْصَح ذَلِكَ وَأَحْسَنه : أَنْ يُنْظَر إِلَى اِبْتِدَاء السُّورَة , فَإِنْ كَانَتْ رُءُوسهَا بِالْيَاءِ , أُجْرِيَ جَمِيعهَا بِالْإِمَالَةِ غَيْر الْفَاحِشَة , وَإِنْ كَانَتْ رُءُوسهَا بِالْوَاوِ , فُتِحَتْ وَجَرَى جَمِيعهَا بِالْفَتْحِ غَيْر الْفَاحِش , وَإِذَا اِنْفَرَدَ نَوْع مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْضِع , أُمِيلَ ذَوَات الْيَاء الْإِمَالَة الْمُعْتَدِلَة , وَفُتِحَ ذَوَات الْوَاو الْفَتْح الْمُتَوَسِّط , وَإِنْ أُمِيلَتْ هَذِهِ , وَفُتِحَتْ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ لَحْنًا , غَيْر أَنَّ الْفَصِيح مِنْ الْكَلَام هُوَ الَّذِي وَصَفْنَا صِفَته . آخِر تَفْسِير سُورَة وَالشَّمْس وَضُحَاهَا