الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمه فِيمَا ذُكِرَ عَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّه سَنَة , عَلَى أَنْ يَعْبُد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلِهَتهمْ سَنَة , فَأَنْزَلَ اللَّه مَعْرِفَة جَوَابهمْ فِي ذَلِكَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ سَأَلُوك عِبَادَة آلِهَتهمْ سَنَة , عَلَى أَنْ يَعْبُدُوا إِلَهك سَنَة { يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ } بِاَللَّهِ
{ لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ } مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان الْآن
{ و لَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد } الْآن
{ و لَا أَنَا عَابِد } فِيمَا أَسْتَقْبِل
{ مَا عَبَدْتُمْ } فِيمَا مَضَى
{ مَا عَبَدْتُمْ } فِيمَا مَضَى
{ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ } فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَ أَبَدًا
{ مَا أَعْبُد } أَنَا الْآن , وَفِيمَا أَسْتَقْبِل . وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ الْخِطَاب مِنْ اللَّه كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْخَاص بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَدًا , وَسَبَقَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي السَّابِق مِنْ عِلْمه , فَأَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَيِّسهُمْ مِنْ الَّذِي طَمِعُوا فِيهِ , وَحَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسهمْ , وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْر كَائِن مِنْهُ وَلَا مِنْهُمْ , فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات , وَآيَسَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الطَّمَع فِي إِيمَانهمْ , وَمِنْ أَنْ يُفْلِحُوا أَبَدًا , فَكَانُوا كَذَلِكَ لَمْ يُفْلِحُوا وَلَمْ يَنْجَحُوا , إِلَى أَنْ قَتَلَ بَعْضهمْ يَوْم بَدْر بِالسَّيْفِ , وَهَلَكَ بَعْض قَبْل ذَلِكَ كَافِرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَار. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29563 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُوسَى الْحَرَشِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو خَلَف , قَالَ : ثَنَا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ قُرَيْشًا وَعَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطُوهُ مَالًا , فَيَكُون أَغْنَى رَجُل بِمَكَّة , وَيُزَوِّجُوهُ مَا أَرَادَ مِنْ النِّسَاء , وَيَطَئُوا عَقِبه , فَقَالُوا لَهُ : هَذَا لَك عِنْدنَا يَا مُحَمَّد , وَكُفَّ عَنْ شَتْم آلِهَتنَا , فَلَا تَذْكُرهَا بِسُوءٍ , فَإِنْ لَمْ تَفْعَل , فَإِنَّا نَعْرِض عَلَيْك خَصْلَة وَاحِدَة , فَهِيَ لَك وَلَنَا فِيهَا صَلَاح . قَالَ : " مَا هِيَ ؟ " قَالُوا : تَعْبُد آلِهَتنَا سَنَة : اللَّاتِ وَالْعُزَّى , وَنَعْبُد إِلَهك سَنَة , قَالَ : " حَتَّى أَنْظُر مَا يَأْتِي مِنْ عِنْد رَبِّي " , فَجَاءَ الْوَحْي مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ : { قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ } السُّورَة , وَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ أَفَغَيْر اللَّه تَأْمُرُونِّي أَعْبُد أَيّهَا الْجَاهِلُونَ } إِلَى قَوْله : { فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ } 39 64 : 66 . 29564- حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن مِينَا مَوْلَى البَّخْتَرِيّ , قَالَ : لَقِيَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَالْعَاص بْن وَائِل , وَالْأَسْوَد بْن الْمُطَّلِب , وَأُمَيَّة بْن خَلَف , رَسُول اللَّه , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُد , وَتَعْبُد مَا نَعْبُد , وَنُشْرِكك فِي أَمْرنَا كُلّه , فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْت بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا كُنَّا قَدْ شَرِكْنَاك فِيهِ , وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ ; وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا فِي يَدَيْك , كُنْت قَدْ شَرِكْتنَا فِي أَمْرنَا , وَأَخَذْت مِنْهُ بِحَظِّك , فَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ } حَتَّى اِنْقَضَتْ السُّورَة .
{ مَا أَعْبُد } أَنَا الْآن , وَفِيمَا أَسْتَقْبِل . وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ الْخِطَاب مِنْ اللَّه كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْخَاص بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَدًا , وَسَبَقَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي السَّابِق مِنْ عِلْمه , فَأَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَيِّسهُمْ مِنْ الَّذِي طَمِعُوا فِيهِ , وَحَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسهمْ , وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْر كَائِن مِنْهُ وَلَا مِنْهُمْ , فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات , وَآيَسَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الطَّمَع فِي إِيمَانهمْ , وَمِنْ أَنْ يُفْلِحُوا أَبَدًا , فَكَانُوا كَذَلِكَ لَمْ يُفْلِحُوا وَلَمْ يَنْجَحُوا , إِلَى أَنْ قَتَلَ بَعْضهمْ يَوْم بَدْر بِالسَّيْفِ , وَهَلَكَ بَعْض قَبْل ذَلِكَ كَافِرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَار. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29563 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُوسَى الْحَرَشِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو خَلَف , قَالَ : ثَنَا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ قُرَيْشًا وَعَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطُوهُ مَالًا , فَيَكُون أَغْنَى رَجُل بِمَكَّة , وَيُزَوِّجُوهُ مَا أَرَادَ مِنْ النِّسَاء , وَيَطَئُوا عَقِبه , فَقَالُوا لَهُ : هَذَا لَك عِنْدنَا يَا مُحَمَّد , وَكُفَّ عَنْ شَتْم آلِهَتنَا , فَلَا تَذْكُرهَا بِسُوءٍ , فَإِنْ لَمْ تَفْعَل , فَإِنَّا نَعْرِض عَلَيْك خَصْلَة وَاحِدَة , فَهِيَ لَك وَلَنَا فِيهَا صَلَاح . قَالَ : " مَا هِيَ ؟ " قَالُوا : تَعْبُد آلِهَتنَا سَنَة : اللَّاتِ وَالْعُزَّى , وَنَعْبُد إِلَهك سَنَة , قَالَ : " حَتَّى أَنْظُر مَا يَأْتِي مِنْ عِنْد رَبِّي " , فَجَاءَ الْوَحْي مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ : { قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ } السُّورَة , وَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ أَفَغَيْر اللَّه تَأْمُرُونِّي أَعْبُد أَيّهَا الْجَاهِلُونَ } إِلَى قَوْله : { فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ } 39 64 : 66 . 29564- حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن مِينَا مَوْلَى البَّخْتَرِيّ , قَالَ : لَقِيَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَالْعَاص بْن وَائِل , وَالْأَسْوَد بْن الْمُطَّلِب , وَأُمَيَّة بْن خَلَف , رَسُول اللَّه , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُد , وَتَعْبُد مَا نَعْبُد , وَنُشْرِكك فِي أَمْرنَا كُلّه , فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْت بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا كُنَّا قَدْ شَرِكْنَاك فِيهِ , وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ ; وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا فِي يَدَيْك , كُنْت قَدْ شَرِكْتنَا فِي أَمْرنَا , وَأَخَذْت مِنْهُ بِحَظِّك , فَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ } حَتَّى اِنْقَضَتْ السُّورَة .
وَقَوْله : { لَكُمْ دِينكُمْ وَلِيَ دِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَكُمْ دِينكُمْ فَلَا تَتْرُكُونَهُ أَبَدًا , لِأَنَّهُ قَدْ خُتِمَ عَلَيْكُمْ , وَقُضِيَ أَنْ لَا تَنْفَكُّوا عَنْهُ , وَأَنَّكُمْ تَمُوتُونَ عَلَيْهِ , وَلِيَ دِين الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ , لَا أَتْرُكهُ أَبَدًا , لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى فِي سَابِق عِلْم اللَّه أَنِّي لَا أَنْتَقِل عَنْهُ إِلَى غَيْره . 29565 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { لَكُمْ دِينكُمْ وَلِيَ دِين } قَالَ : لِلْمُشْرِكِينَ ; قَالَ : وَالْيَهُود لَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّه وَلَا يُشْرِكُونَ , إِلَّا أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاء , وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَيَكْفُرُونَ بِرَسُولِ اللَّه , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَقَتَلُوا طَوَائِف الْأَنْبِيَاء ظُلْمًا وَعُدْوَانًا , قَالَ : إِلَّا الْعِصَابَة الَّتِي بَقُوا , حَتَّى خَرَجَ بُخْتُنَصَّرَ , فَقَالُوا : عُزَيْر اِبْن اللَّه , دَعَا اللَّه وَلَمْ يَعْبُدُوهُ وَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلَتْ النَّصَارَى , قَالُوا : الْمَسِيح اِبْن اللَّه وَعَبَدُوهُ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : كَرَّرَ قَوْله : { لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ } وَمَا بَعْده عَلَى وَجْه التَّوْكِيد , كَمَا قَالَ : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا } , 94 5 : 6 وَكَقَوْلِهِ : { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْن الْيَقِين } . 102 6 : 7 آخِر تَفْسِير سُورَة الْكَافِرُونَ