الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة } الْوَادِي يَسِيل مِنْ صَدِيد أَهْل النَّار وَقَيْحهمْ , { لِكُلِّ هُمَزَة } : يَقُول : لِكُلِّ مُغْتَاب لِلنَّاسِ , يَغْتَابهُمْ وَيُبْغِضهُمْ , كَمَا قَالَ زِيَاد الْأَعْجَم : تُدْلِي بِوُدِّي إِذَا لَاقَيْتنِي كَذِبًا وَإِنْ أُغَيَّب فَأَنْتَ الْهَامِز اللُّمَزَة وَيَعْنِي بِاللُّمَزَةِ : الَّذِي يَعِيب النَّاس , وَيَطْعَن فِيهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29349 - حَدَّثَنَا مَسْرُوق بْن أَبَان , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ رَجُل لَمْ يُسَمِّهِ , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : مَنْ هَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ بَدَأَهُمْ اللَّه بِالْوَيْلِ ؟ قَالَ : هُمْ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ , الْمُفَرِّقُونَ بَيْن الْأَحِبَّة , الْبَاغُونَ أَكْبَر الْعَيْب . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الْبَصْرَة , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , قَالَ : قُلْت : لِابْنِ عَبَّاس : مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَدَبَهُمْ اللَّه إِلَى الْوَيْل ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مَسْرُوق بْن أَبَان. 29350 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : الْهُمَزَة يَأْكُل لُحُوم النَّاس , وَاللُّمَزَة : الطَّعَّان. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد خِلَاف هَذَا الْقَوْل , وَهُوَ مَا : 29351 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة } قَالَ : الْهُمَزَة : الطَّعَّان , وَاللُّمَزَة : الَّذِي يَأْكُل لُحُوم النَّاس. * - حَدَّثَنَا مَسْرُوق بْن أَبَان الْحَطَّاب , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا خِلَاف هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ , وَهُوَ مَا 29352 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : أَحَدهمَا الَّذِي يَأْكُل لُحُوم النَّاس , وَالْآخَر الطَّعَّان . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيث قَدْ كَانَ أَشْكَلَ عَلَيْهِ تَأْوِيل الْكَلِمَتَيْنِ , فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَ نَقْل الرُّوَاة عَنْهُ مَا رَوَوْا عَلَى مَا ذَكَرْت . 29353 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } أَمَّا الْهُمَزَة : فَآكِل لُحُوم النَّاس , وَأَمَّا اللُّمَزَة : فَالطَّعَّان عَلَيْهِمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْهُمَزَة : آكِل لُحُوم النَّاس : وَاللُّمَزَة : الطَّعَّان عَلَيْهِمْ . 29354 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن خُثَيْم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : وَيْل لِكُلِّ طَعَّان مُغْتَاب . 29355 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : الْهُمَزَة : يَهْمِزهُ فِي وَجْهه , وَاللُّمَزَة : مِنْ خَلْفه. 29356 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : يَهْمِزهُ وَيَلْمِزهُ بِلِسَانِهِ وَعَيْنه , وَيَأْكُل لُحُوم النَّاس , وَيَطْعَن عَلَيْهِمْ . 29357 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْهُمَزَة بِالْيَدِ , وَاللُّمَزَة بِاللِّسَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا : 29358 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : الْهُمَزَة : الَّذِي يَهْمِز النَّاس بِيَدِهِ , وَيَضْرِبهُمْ بِلِسَانِهِ , وَاللُّمَزَة : الَّذِي يَلْمِزهُمْ بِلِسَانِهِ وَيَعِيبهُمْ . وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ : رَجُل مِنْ أَهْل الشِّرْك بِعَيْنِهِ , فَقَالَ بَعْض مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل : هُوَ جَمِيل بْن عَامِر الْجُمَحِيّ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هُوَ الْأَخْنَس بْن شَرِيق . ذِكْر مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ مُشْرِك بِعَيْنِهِ : 29359 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : مُشْرِك كَانَ يَلْمِز النَّاس وَيَهْمِزهُمْ . 29360 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الرِّقَّة قَالَ : نَزَلَتْ فِي جَمِيل بْن عَامِر الْجُمَحِيّ . 29361 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , فِي قَوْله { هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : لَيْسَتْ بِخَاصَّةٍ لِأَحَدٍ , نَزَلَتْ فِي جَمِيع بَنِي عَامِر ; قَالَ وَرْقَاء : زَعَمَ الرَّقَاشِيّ . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : هَذَا مِنْ نَوْع مَا تَذْكُر الْعَرَب اِسْم الشَّيْء الْعَامّ , وَهِيَ تَقْصِد بِهِ الْوَاحِد , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام , إِذَا قَالَ رَجُل لِأَحَدٍ : لَا أَزُورك أَبَدًا : كُلّ مَنْ لَمْ يَزُرْنِي , فَلَسْت بِزَائِرِهِ , وَقَائِل ذَلِكَ يَقْصِد جَوَاب صَاحِبه الْقَائِل لَهُ : لَا أَزُورك أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنِيّ بِهِ , كُلّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَة صِفَته , وَلَمْ يُقْصَد بِهِ قَصْد آخَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29362 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو . قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَهُ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } قَالَ : لَيْسَتْ بِخَاصَّةٍ لِأَحَدٍ. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَمَّ بِالْقَوْلِ كُلّ هُمَزَة لُمَزَة , كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وُصِفَ هَذَا الْمَوْصُوف بِهَا , سَبِيله سَبِيله كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاس .
وَقَوْله : { الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ } يَقُول : الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَأَحْصَى عَدَده , وَلَمْ يُنْفِقهُ فِي سَبِيل اللَّه , وَلَمْ يُؤَدِّ حَقّ اللَّه فِيهِ , وَلَكِنَّهُ جَمَعَهُ فَأَوْعَاهُ وَحَفِظَهُ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ مِنْ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة أَبُو جَعْفَر , وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة سِوَى عَاصِم : " جَمَّعَ " بِالتَّشْدِيدِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْحِجَاز , سِوَى أَبِي جَعْفَر وَعَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة , وَمِنْ الْكُوفَة عَاصِم , " جَمَعَ " بِالتَّخْفِيفِ , وَكُلّهمْ مُجْمِعُونَ عَلَى تَشْدِيد الدَّال مِنْ { عَدَّدَهُ } عَلَى الْوَجْه الَّذِي ذَكَرْت مِنْ تَأْوِيله . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ بِإِسْنَادٍ غَيْر ثَابِت , أَنَّهُ قَرَأَهُ : " جَمَعَ مَالًا وَعَدَدَهُ " تَخْفِيف الدَّال , بِمَعْنَى : جَمَعَ مَالًا , وَجَمَعَ عَشِيرَته وَعَدَده . هَذِهِ قِرَاءَة لَا أَسْتَجِيز الْقِرَاءَة بِهَا , بِخِلَافِهَا قِرَاءَة الْأَمْصَار , وَخُرُوجهَا عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّة مُجْمَعَة فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْله : { جَمَعَ مَالًا } فَإِنَّ التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف فِيهِمَا صَوَابَانِ , لِأَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قَرَأَة الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { يَحْسَب أَنَّ مَاله أَخْلَدَهُ } يَقُول : يَحْسَب أَنَّ مَاله الَّذِي جَمَعَهُ وَأَحْصَاهُ , وَبَخِلَ بِإِنْفَاقِهِ , مُخْلِده فِي الدُّنْيَا , فَمُزِيل عَنْهُ الْمَوْت . وَقِيلَ : أَخْلَدَهُ , وَالْمَعْنَى : يُخْلِدهُ , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ الَّذِي يَأْتِي الْأَمْر الَّذِي يَكُون سَبَبًا لِهَلَاكِهِ : عَطِبَ وَاَللَّه فُلَان , هَلَكَ وَاَللَّه فُلَان , بِمَعْنَى : أَنَّهُ يَعْطَب مِنْ فِعْله ذَلِكَ , وَلَمَّا يَهْلِك بَعْد وَلَمْ يَعْطَب ; وَكَالرَّجُلِ يَأْتِي الْمُوبِقَة مِنْ الذُّنُوب : دَخَلَ وَاَللَّه فُلَان النَّار.
وَقَوْله : { كَلَّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا ذَلِكَ كَمَا ظَنَّ , لَيْسَ مَاله مُخْلِده ,
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هَالِك وَمُعَذَّب عَلَى أَفْعَاله وَمَعَاصِيه , الَّتِي كَانَ يَأْتِيهَا فِي الدُّنْيَا , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَة } يَقُول : لَيُقْذَفَنَّ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْحُطَمَة , وَالْحُطَمَة : اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّار , كَمَا قِيلَ لَهَا : جَهَنَّم وَسَقَر وَلَظَى , وَأَحْسَبهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِحَطْمِهَا كُلّ مَا أُلْقِيَ فِيهَا , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ الْأَكُول : الْحُطَمَة . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " لَيُنْبَذَانِ فِي الْحُطَمَة " يَعْنِي : هَذَا الْهُمَزَة اللُّمَزَة وَمَاله , فَثَنَّاهُ لِذَلِكَ .
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هَالِك وَمُعَذَّب عَلَى أَفْعَاله وَمَعَاصِيه , الَّتِي كَانَ يَأْتِيهَا فِي الدُّنْيَا , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَة } يَقُول : لَيُقْذَفَنَّ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْحُطَمَة , وَالْحُطَمَة : اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّار , كَمَا قِيلَ لَهَا : جَهَنَّم وَسَقَر وَلَظَى , وَأَحْسَبهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِحَطْمِهَا كُلّ مَا أُلْقِيَ فِيهَا , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ الْأَكُول : الْحُطَمَة . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " لَيُنْبَذَانِ فِي الْحُطَمَة " يَعْنِي : هَذَا الْهُمَزَة اللُّمَزَة وَمَاله , فَثَنَّاهُ لِذَلِكَ .
وَقَوْله : { وَمَا أَدْرَاك مَا الْحُطَمَة } يَقُول : وَأَيّ شَيْء أَشْعَرَك يَا مُحَمَّد مَا الْحُطَمَة ,
ثُمَّ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مَا هِيَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هِيَ { نَار اللَّه الْمُوقَدَة الَّتِي تَطَّلِع عَلَى الْأَفْئِدَة } يَقُول : الَّتِي يَطَّلِع أَلَمهَا وَوَهَجهَا الْقُلُوب ; وَالِاطِّلَاع وَالْبُلُوغ قَدْ يَكُونَانِ بِمَعْنًى . حُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : مَتَى طَلَعْتَ أَرْضنَا ; وَطَلَعْتُ أَرْضِي : بَلَغْت .
ثُمَّ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مَا هِيَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هِيَ { نَار اللَّه الْمُوقَدَة الَّتِي تَطَّلِع عَلَى الْأَفْئِدَة } يَقُول : الَّتِي يَطَّلِع أَلَمهَا وَوَهَجهَا الْقُلُوب ; وَالِاطِّلَاع وَالْبُلُوغ قَدْ يَكُونَانِ بِمَعْنًى. حُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : مَتَى طَلَعْتَ أَرْضنَا ; وَطَلَعْتُ أَرْضِي : بَلَغْت.
وَقَوْله : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الْحُطَمَة الَّتِي وَصَفْت صِفَتهَا عَلَيْهِمْ , يَعْنِي : عَلَى هَؤُلَاءِ الْهَمَّازِينَ اللَّمَّازِينَ { مُؤْصَدَة } : يَعْنِي : مُطْبَقَة ; وَهِيَ تُهْمَز وَلَا تُهْمَز ; وَقَدْ قُرِئَتَا جَمِيعًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29363 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا طَلْق , عَنْ اِبْن ظُهَيْر , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي مُؤْصَدَة : قَالَ : مُطْبَقَة . 29364 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن أَسْبَاط , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة , فِي قَوْله : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : مُطْبَقَة . 29365 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : فِي النَّار رَجُل فِي شِعْب مِنْ شِعَابهَا يُنَادِي مِقْدَار أَلْف عَام : يَا حَنَّان يَا مَنَّان , فَيَقُول رَبّ الْعِزَّة لِجِبْرِيل : أَخْرِجْ عَبْدِي مِنْ النَّار , فَيَأْتِيهَا فَيَجِدهَا مُطْبَقَة , فَيَرْجِع فَيَقُول : يَا رَبّ { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } فَيَقُول : يَا جِبْرِيل فُكَّهَا , وَأَخْرِجْ عَبْدِي مِنْ النَّار , فَيَفُكّهَا , وَيَخْرُج مِثْل الْخَيَال , فَيُطْرَح عَلَى سَاحِل الْجَنَّة حَتَّى يُنْبِت اللَّه لَهُ شَعْرًا وَلَحْمًا وَدَمًا . 29366 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : مُطْبَقَة . 29367 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ مُضَرِّس بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : مُطْبَقَة . * -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : عَلَيْهِمْ مُغْلَقَة . 29368 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } : أَيْ مُطْبَقَة. 29369 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة } قَالَ : مُطْبَقَة . وَالْعَرَب تَقُول : أَوْصَدَ الْبَاب : أَغْلَقَ .
وَقَوْله : { فِي عَمَد مُمَدَّدَة } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { فِي عَمَد } بِفَتْحِ الْعَيْن وَالْمِيم. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " فِي عُمُد " بِضَمِّ الْعَيْن وَالْمِيم. وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , وَلُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ . وَالْعَرَب تَجْمَع الْعَمُود : عُمُدًا وَعَمَدًا , بِضَمِّ الْحَرْفَيْنِ وَفَتْحهمَا , وَكَذَلِكَ تَفْعَل فِي جَمْع إِهَاب , تَجْمَعهُ : أُهُبًا , بِضَمِّ الْأَلِف وَالْهَاء , وَأَهَبًا بِفَتْحِهِمَا , وَكَذَلِكَ الْقَضْم , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة بِعَمَدٍ مُمَدَّدَة : أَيْ مُغْلَقَة مُطْبَقَة عَلَيْهِمْ , وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِيمَا بَلَغَنَا. 29370 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَتَادَة , فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة بِعَمَدٍ مُمَدَّدَة " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّمَا دَخَلُوا فِي عَمَد , ثُمَّ مُدَّتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْعَمَد بِعِمَادٍ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29371 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { فِي عَمَد مُمَدَّدَة } قَالَ : أَدْخَلَهُمْ فِي عَمَد , فَمُدَّتْ عَلَيْهِمْ بِعِمَادٍ , وَفِي أَعْنَاقهمْ السَّلَاسِل , فَسُدَّتْ بِهَا الْأَبْوَاب. 29372 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد { فِي عَمَد } مِنْ حَدِيد مَغْلُولِينَ فِيهَا , وَتِلْكَ الْعَمَد مِنْ نَار قَدْ اِحْتَرَقَتْ مِنْ النَّار , فَهِيَ مِنْ نَار { مُمَدَّدَة } لَهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ عَمَد يُعَذَّبُونَ بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 29373 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فِي عَمَد مُمَدَّدَة } كُنَّا نُحَدَّث أَنَّهَا عَمَد يُعَذَّبُونَ بِهَا فِي النَّار , قَالَ بِشْر : قَالَ يَزِيد : فِي قِرَاءَة قَتَادَة : { عَمَد } . * -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مِهْرَان , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فِي عَمَد مُمَدَّدَة } قَالَ : عَمُود يُعَذَّبُونَ بِهِ فِي النَّار . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ بِعَمَدٍ فِي النَّار , وَاَللَّه أَعْلَم كَيْفَ تَعْذِيبه إِيَّاهُمْ بِهَا , وَلَمْ يَأْتِنَا خَبَر تَقُوم بِهِ الْحُجَّة بِصِفَةِ تَعْذِيبهمْ بِهَا , وَلَا وُضِعَ لَنَا عَلَيْهَا دَلِيل , فَنُدْرِك بِهِ صِفَة ذَلِكَ , فَلَا قَوْل فِيهِ , غَيْر الَّذِي قُلْنَا يَصِحّ عِنْدنَا , وَاَللَّه أَعْلَم . آخِر تَفْسِير سُورَة الْهُمَزَة